الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 7 فبراير 2018

القضية رقم 26 لسنة 39 ق المحكمة الدستورية العليا " منازعة تنفيذ ".


باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعم حشيش ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ تامر ريمون فهيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 26 لسنة 39 قضائية " منازعة تنفيذ ".
المقامة من
السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا       بصفته
ضــــــد
السيد المستشار / محمد خضري محمد الجابري
الإجراءات
بتاريخ التاسع عشر من أغسطس سنة 2017، أودع المدعى بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، بطلب القضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 27/4/2016 فى الدعوى رقم 3576 لسنة 132 قضائية (دعاوى رجال القضاء)، والأمر بتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وفى الموضوع بعدم الاعتداد بالحكم المشار إليه، والاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 24/2/2015 فى الطلب رقم 1 لسنة 37 قضائية "طلبات أعضاء".
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
  ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن المدعى عليه كان قد أقام الطلب رقم 3431 لسنة 130 قضائية (دعاوى رجال القضاء) أمام محكمة استئناف القاهرة (الدائرة 119 طلبات رجال القضاء)، ضد المدعي بصفته وآخرين، بطلب الحكم بأحقيته في الحصول على كافة المخصصات المالية المقررة لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، عن السنوات السابقة على رفع الدعوى، فضلاً عما يستجد حتى تاريخ الحكم فى الدعوى. وبجلسة 15/3/2014 قضت المحكمة بأحقية المدعى في صرف كافة المخصصات المالية أيًّا كان اسمها والتي تصرف لنظرائه من قضاة المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها المتماثلين معه في الدرجة والوظيفة والأقدمية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وفروق مالية من تاريخ استحقاقها، ومراعاة أحكام التقادم الخمسي. كما أقام المدعى الطلب رقم 3576 لسنة 132 قضائية (دعاوى رجال القضاء) أمام محكمة استئناف القاهرة (الدائرة 120 دعاوى رجال القضاء)، طالبًا الاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر لصالحه فى الدعوى رقم 3431 لسنة 130 قضائية (دعـاوى رجال القضاء)، وإلزام المدعى بتقديم بيان رسمي عن كافة ما يتقاضاه رئيس المحكمة الدستورية العليا ونوابه وأعضاء هيئة المفوضين بها، من راتب أساسي وما يرتبط به من بدلات وحوافز، وكذا البدلات - أيًّا كان اسمها - غير المرتبطة بالراتب الأساسي، وبدل عدم جواز الانتداب أو غيره، وكافة المزايا العينية التي تم الحصول عليها أو قيمتها المالية، بقالة أنه تقدم لمجلس القضاء الأعلى لتنفيذ الحكم الصادر لصالحه المار ذكره، إلا أن المجلس لم يقم بالصرف، بعلة عدم استجابة المحكمة الدستورية العليا لطلب المجلس بتقديم مفردات مرتب مستشاري المحكمة، وبجلسة 27/4/2016 قضت المحكمة له بطلباته. وإذ لم يرتض المحكوم ضده هذا القضاء، طعن عليه أمام محكمة النقض (دائرة رجال القضاء) بالطعن رقم 670 لسنة 86 قضائية (رجال قضاء)، وبجلسة 14/3/2017 قضت المحكمة "فى غرفة مشورة" بعدم قبول الطعن. وإذ ارتأى المدعى بصفته أن الحكم الصادر بجلسة 27/4/2016 فى الدعوى رقم 3576 لسنة 132 قضائية (دعاوى رجال القضاء)، يمثل عقبة فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 24/2/2015 فى الطلب رقم 1 لسنة 37 قضائية "طلبات أعضاء"، القاضي بعدم الاعتداد بحكم "دائرة رجال القضاء" بمحكمة النقض فى الطعن رقم 383 لسنة 84 قضائية، الصادر بجلسة 23/12/2014، الذى تم نشره فى الجريدة الرسمية بعددها رقم 10 (مكرر هـ ) بتاريخ 11/3/2015، فقد أقام الطلب المعروض.
  وحيث إن المقرر أن المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى هى التى تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانونى الصحيح، متقصية فى سبيل ذلك طلبات المدعى فيها، مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها. وكانت طلبات المدعى إنما تنصب فى حقيقتها على المنازعة فى القضاء المتضمن إلزامه بتقديم بيان رسمى عن كافة ما يتقاضاه ونوابه وأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة، من راتب أساسى وبدلات وحوافز أيًّا كان اسمها، وكافة المزايا العينية التى يحصلون عليها أو قيمتها المالية، والذى تضمنه قضاء محكمة استئناف القاهرة الصادر بجلسة 27/4/2016 فى الطلب رقم 3576 لسنة 132 قضائية (دعاوى رجال القضاء)، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة النقض (دائرة رجال القضاء) منعقدة فى غرفة مشورة بجلسة 14/3/2017 فى الطعن رقم 670 لسنة 86 قضائية (رجال قضاء)، والذى يضحى مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة، لارتباطه الذى لا يقبل الفصل أو التجزئة بالحكم الأول آنف الذكر، مما يلزم التعرض لهما معًا، وصولاً بالخصومة القضائية إلى غاياتها ومراميها التي اتجهت إليها طلبات المدعى فى جوهرها ومقاصدها الحقيقية. ولما كان ذلك، وكان القضاء المتقدم يتضمن فى حقيقته إلزام المدعى بالإقرار بما فى ذمته، وما يتقاضاه من راتب أساسي وبدلات وحوافـز ومزايا عينية، وكذا نوابه ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة، وهو ما يتصل بالشئون الوظيفية لهم، لتعلقها بمستحقاتهم المالية المقررة قانونًا، والتى تقرها الجمعية العامة للمحكمة، القائمة على شئونها، والتى يكون التعرض لها، ولتلك البيانات والمستحقات المتصلة بها، والمنازعة فيها، داخلة في عداد المنازعات المتعلقة بشئون الأعضاء، ليغدو النزاع المعروض، بحسب التكييف القانوني الصحيح له، مندرجًا ضمن طلبات الأعضاء، التى عقد نص المادة (192) من الدستور، والمادة (16) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، لهذه المحكمة دون غيرها، الاختصاص بنظرها والفصل فيها، وإذ استوفى هذا الطلب سائر الشروط المقررة قانونًا لقبوله، ومن ثم يتعين القضاء بقبوله شكلاً.
      وحيث إن الدستور الحالي فى مقام تحديده للسلطـات العامة فى الدولة - باعتبارها أركان نظام الحكم، الذى خصص له الباب الخامس من وثيقة الدستور - وأفرد الفصل الثالث منه للسلطة القضائية، مسندًا توليها بصريح نص المادة (184) منه للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، التابعة لجهات القضاء، التي ضمن هذا الفصل، والفصل الرابع، والفرع الأول والثالث من الفصل الثامن منه، تحديدًا لتلك الجهات على سبيل الحصر، فى جهة القضاء العادي (القضاء العادي والنيابة العامة)، وجهة القضاء الإداري (مجلس الدولة)، والمحكمة الدستورية العليا، والقضاء العسكري واللجنة القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة، كما تولى المشرع الدستوري توزيع ولاية القضاء بين تلك الجهات، فعين لكل منها اختصاصها، شاملاً اختصاصًا حصريًّا لجهة القضاء العادي، والمحكمة الدستورية العليا، دون غيرهما بالفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائهما المقرر بالمادتين (188، 193) منه، باعتبارهما صاحبتي الاختصـــاص الأصيل والوحيد، بنظر هذه المنازعات والفصل فيها، لتنفرد كل جهة منهما بهذه الولاية دون غيرها، وتضطلع بها، إلى جوار مجلس الدولة صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية طبقًا لنص المادة (190) من الدستور. وقد أتى هذا التنظيم تقديرًا من المشرع الدستوري لأهمية ذلك، وارتباطه باستقلال تلك الجهات، الذى حرص الدستور على توكيده بالمواد (94، 184، 185، 186، 188، 190، 191) منه، وهو الأمر الوثيق الصلة بالوظيفة القضائية الموكلة لها، وضمان اضطلاعها بمهامها الدستورية فى إقامة العدل، الذى اعتبرته المادة (4) من الدستور أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وليغدو مجاوزة أي من الجهات القضائية لاختصاصها الذى قرره لها الدستور والقانون، على أي وجه من الوجوه، والاعتداء على اختصاص أي من الجهـات الأخرى، أيًّا كانت صورته، والذى يعد تخومًا لا يجوز لها تجاوزها، انتهاكًا منها لأحكام الدستور ذاته والقانون، ينحدر بعملها إلى مرتبة العدم، ليغدو محض واقعة مادية، فلا يكون له حجية فى مواجهة جهة القضاء صاحبة الاختصاص، وليضحى تقرير ذلك في مكنة الجهة صاحبة الولاية، لا تشاركها فيه جهة أو سلطة أخرى، بوصفه حقًّا نابعًا من اختصاصها الأصيل الموكل إليها بمقتضى أحكام الدستور والقانون، وناشئًا عنه، وداخلاً فى مضمونه ومحتواه، باعتباره أحد أدواتها لرد العدوان على اختصاصها، وإقامة أحكام الدستور والقانون، وكفالة احترامها والالتزام بها وصونها.
      وحيث إن الدستور قد حرص على النص فى المواد من (191) حتى (195) منه على أن المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، لها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقمًا واحدًا، وتقوم الجمعية العامة للمحكمة على شئونها، وتتولى المحكمة الدستورية العليا الفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وتؤلف المحكمة من رئيس، وعدد كاف من نواب الرئيس، وتؤلف هيئة المفوضين بالمحكمة من رئيس وعدد كاف من الرؤساء بالهيئة والمستشارين والمستشارين المساعدين، وتنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم.
      وحيث إنه يتجلى مما سبق جميعه مقصد المشرع الدستوري فى تأكيد استقلال المحكمة الدستورية العليا عن جهات القضاء الأخرى، وكذلك عن الهيئتين القضائيتين اللتين وردتا بالفصل الخامس من الباب الخامس من الدستور، هذا الاستقلال الذى أفصحت عنه القوامة الذاتية للمحكمة الدستورية العليا، والتى انبثقت عنها كافة الأحكام التى وردت بشأنها فى الدستور، سواء ما تفردت به عن جهات القضاء أو الهيئتين القضائيتين المار ذكرهما، أو ما تماثلت فيه معها، وما أحيل فيه بشأنها إلى حكم ورد فى الفصل الثالث من الدستور، الوارد تحت عنوان "السلطة القضائية"، ذلك أن القول بغير ما تقدم، لازمه تناقض أحكام الدستور مع منهجه فى شأن استقلال السلطات المكونة لنظام الحكم عن بعضها، دون الإخلال بتكاملها وتوازنها الذى حرصت المادة (5) من الدستور على توكيده، كأساس حاكم للعلاقة بين سلطات الدولة المختلفة، وهو ما تتنزه عنه نصوص الدستور بالضرورة.
      وحيث إنه من المقرر - كما سلف البيان - أن صدور حكم فى مسألة تخرج عن ولاية المحكمة التي أصدرته، يحول دون الاعتداد بحجية هذا الحكم، أمام جهة القضاء المختصة ولائيًّا بنظر تلك المسألة، وهو ما لا تصححه قوة الأمر المقضي. كما أنه من المقرر جواز المنازعة فى حكم صدر عن محكمة لا ولاية لها فى المسألة التى قضت فيها، قبل إعلان السند التنفيذي، بغية توقى آثاره، إذ تكون المنازعة موجهة – عندئذ – إلى إهدار حجية ذلك الحكم.
      لما كان ما تقدم، وكان البين من مطالعة حكم محكمة استئناف القاهرة، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة النقض المشار إليهما، أنهما ألزما السيد المستشار المدعي ، بتقديم بيان رسمي يتضمن ما يخص المستحقات المالية والمزايا العينية المقررة لسيادته، ونواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، أيًّا كان اسم تلك المستحقات والمزايا أو طبيعتها، وكان الإلزام بتقديم هذا البيان، يعتبر فى حقيقته - كما تقدم البيان - إلزامًا له بالإقرار بما في ذمته، وما يتقاضاه من عمله من هذه المستحقات، وكذا ما يتقاضاه نواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، والذى يفتقد لسنده القانوني السليم، كما أنه ينطوي بالضرورة - كما جرى قضاء هذه المحكمة - على مساس بشأن من أخص شئونهم الوظيفية، باعتبار أن البيان المطلوب، علاوة على أنه لا شراكة فيه على وجه الإطلاق بين المدعى والسادة المستشارين نواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، وبين المدعى عليه، فإنه يعد وعاء تفرغ فيه المستحقات المالية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها التي قررها القانون، وتلك التى تقررها الجمعية العامة للمحكمة، وفقًا لاختصاصها الحصري المعقود لها بمقتضى نص المادة (191) من الدستور، باعتبارها القائمة على شئون المحكمة، ونص المادة (8) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الذى ناط بها النظر فى المسائل المتعلقة بجميع الشئون الخاصة بأعضاء المحكمة، والتي تصدر قراراتها منضبطة بالموازنة المالية المستقلة للمحكمة، بعد إقرارها من السلطة التشريعية، وفقًا لنص المادة (191) من الدستور سالفة الذكر، التي نصت على استقلال ميزانية المحكمة واعتبارها رقمًا واحدًا. وتأكيدًا على الاستقلال المذكور نصت المادة (56) من قانون المحكمة الدستورية العليا على أن تباشر الجمعية العامة للمحكمة السلطات المخولة لوزير المالية فى القوانين واللوائح بشأن تنفيذ موازنة المحكمة. ولا مشاحة فى أن قرارات الجمعية العامة للمحكمة، والمحررات التي تُثبت فيها هذه القرارات، والتعرض لتلك البيانات والمستحقات على أي نحو كان، أمر تندرج المنازعة حوله – أيًّا كان اسمها أو تكييفها – تحت عباءة الخصومة القضائية فى شأن من شئون أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، والتي ينعقد الاختصاص بالفصل فيها لهذه المحكمة دون سواها. متى كان ذلك، وكان الحكمان المطلوب عدم الاعتداد بهما، لم يلتزما قواعد توزيع الاختصاص الولائي بين جهات القضاء التي انتظمتها نصوص الدستور والقانون، والتي تحرم غير هذه المحكمة من ولاية القضاء فى شئون أعضائها، فصدرا من جهة القضاء العادي بالمخالفة للقواعد الحاكمة للاختصاص الولائي للمحكمة الدستورية العليا فى شأن أعضائها، ومجاوزة منها لتخوم ولايتها المحددة بالفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون قضاة محاكم جهة القضاء العادى، وأعضاء النيابة العامة، دون غيرها من جهات القضاء الأخرى، مما يتعين معه القضاء بعدم الاعتداد بالحكمين المشار إليهما، ويضحى - من ثم - الفصل فى الطلب العاجل بهذه الدعوى لا محل له.
فلهـذه الأسبـاب
      حكمت المحكمة بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة (الدائرة 120 دعاوى رجال القضاء) بجلسة 27/4/2016 في الطلب رقم 3576 لسنة 132 قضائية (دعاوى رجال القضاء)، والحكم الصادر من محكمة النقض (دائرة رجال القضاء) في "غرفة مشورة" بجلسة 14/3/2017 في الطعن رقم 670 لسنة 86 قضائية (رجال قضاء).

اثر الاعتراض على الامر الجنائي الصادر من النيابة العامة


القضية رقم 215 لسنة 30 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعـم حشيش وسعيد مرعى عمـرو وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 215 لسنة 30 قضائية " دستورية ".
المقامة من

خالد محمد عبد الله
ضـــــد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
4- النائب العام
الإجراءات
      بتاريخ الثالث عشر من أغسطس سنة 2008، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نصوص المواد (323 ، 325 مكررًا فقرة ثانية، 398) من قانون الإجراءات الجنائية.
  وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم أصليًّا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا برفضها.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
 ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى فى القضية رقم 1802 لسنة 2008 جنح قسم قليوب بأنه فى تاريخ 6/2/2008 قام بتعيين ستة عمال دون الحصول على شهادة فنية من مكتب العمل، ولم يسلم كل عامل عقد عمله، وامتنع عن تقديم سجل الأجور للاطلاع عليه، ودليل حصول كل عامل على إجازته السنوية، وحصوله على خمسة عشر يومًا إجازة، وما يدل على إنشاء ملفات خدمة للعمال، ولم يعلق جدول مواعيد العمل الأسبوعية في مكان ظاهر. وبتاريخ 24/3/2008، قام وكيل النيابة العامة بقيد الواقعة جنحة ومخالفة بالمواد أرقام (1، 13/2، 15/201، 32، 45، 48/3، 77/1، 83، 86، 95، 38، 239، 246، 247، 249) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، ضد المدعى، وأصدر أمرًا جنائيًّا بتغريمه مائة جنيه عن كل اتهام لكل عامل لديه. وإذ لم يلق ذلك الأمر قبولًا لدى المدعى، اعترض عليه، وحُددت جلسة 11/6/2008 لنظر الاعتراض أمام محكمة قليوب الجزئية. وبتلك الجلسة مثل المدعى بوكيل عنه، ودفع بعدم دستورية نص المادة (323)، والفقرة الثانية من المادة (325 مكررًا)، والمادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة.
  وحيث إن المادة (323) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المستبدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 تنص على أن "للنيابة العامة فى مواد الجنح التى لا يوجب القانون الحكم فيها بعقوبة الحبس، إذا رأت أن الجريمة بحسب ظروفها تكفى فيها عقوبة الغرامة فضلًا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف، أن تطلب من قاضى المحكمة الجزئية التى من اختصاصها نظر الدعوى توقيع العقوبة على المتهم بأمر يصدره بناء على محضر جمع الاستدلالات أو أدلة الإثبات الأخرى بغير إجراء تحقيق أو سماع مرافعة".
  وتنص المادة (325 مكررًا) من القانون ذاته المستبدلة فقرتاها الأولى والثانية بالقانون رقم 74 لسنة 2007 على أن " لكل عضو نيابة، من درجة وكيل نيابة على الأقل، بالمحكمة التي من اختصاصها نظر الدعوى أن يصدر الأمر الجنائي فى الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بالحبس أو الغرامة التي يزيد حدها الأدنى على ألف جنيه فضلًا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف.
ولا يجوز أن يؤمر بغير الغرامة التي لا يزيد حدها الأقصى على ألف جنيه والعقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف، ويكون إصدار الأمر الجنائي وجوبيًّا فى المخالفات وفى الجنح المعاقب عليها بالغرامة وحدها التي لا يزيد حدها الأقصى على خمسمائة جنيه، والتي لا يرى حفظها".
  وتنص المادة ( 398) من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليه المستبدلة فقرتها الأولى بالقانون رقم 74 لسنة 2007 على أن " تُقبل المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة فى الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، وذلك من المتهم أو المسئول عن الحقوق المدنية فى خلال الأيام العشرة التالية لإعلانه بالحكم الغيابي خلاف ميعاد المسافة القانونية، ويجوز أن يكون هذا الإعلان بملخص على نموذج يصدر به قرار من وزير العدل، وفى جميع الأحوال لا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة ".
  وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة المعتبرة شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق الدستورية على نحو ألحق به ضررًا مباشرًا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة، ولا يجوز بالتالي الطعن على النص التشريعي إلا بعد توافر شرطين، أولهما: أن يقيم المدعى – وفى حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًّا اقتصاديًّا أو غيره قد لحق به، ويجب أن يكون هذا الضرر مباشرًا مستقلاًّ بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًا أو مجهلًا أو منتحلًا، بما مؤداه أن الرقابة على الدستورية يجب أن تكون موطئًا لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة برافعها، وثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما، وتحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئًا من هذا النص مترتبًا عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي المطعون عليه قد طُبق على المدعى أصلًا، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إن الدعوى الموضوعية التي أثير فيها الدفع بعدم دستورية نص المادة (323) من قانون الإجراءات الجنائية السالف بيانه، لم تطلب النيابة العامة من القاضي الجزئي إصدار أمر جنائي فيها، وإنما أصدرت هي فيها – ابتداءً- أمرًا جنائيًّا بتغريم المدعى، ولم يعرض الأمر على القاضي الجزئي إلا بمناسبة اعتراض المدعى على الأمر الجنائي الصادر من النيابة العامة، ومن ثم فإن المدعى لا يكون من بين المخاطبين بأحكام هذه المادة، وتبعًا لذلك فإن الفصل في دستوريتها لن يكون له من أثر على الدعوى الموضوعية، بما مؤداه انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى فى الطعن على ذلك النص التشريعي، الأمر الذى يضحى معه عدم قبول الدعوى فى هذا الشق متعينًا.
وحيث إن المدعى يهدف من الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (325 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليه إسقاط الأمر الجنائي الصادر من النيابة العامة بمعاقبته بالغرامة، وأن تتم محاكمته أمام القاضي المختص بالإجراءات المقررة التي تمكنه من إبداء دفاعه، ودحض أدلة الاتهام القائم قبله.
  وحيث إن المادة (327) من قانون الإجراءات الجنائية أجازت لمن صدر ضده أمر جنائي من النيابة العامة أن يعلن عدم قبوله الأمر بتقرير بقلم كتاب محكمة الجنح خلال عشرة أيام من تاريخ إعلانه بالأمر، ورتبت على ذلك التقرير سقوط الأمر، واعتباره كأن لم يكن. ونصت الفقرة الأولى من المادة (328) من ذلك القانون، فى فقرتها الأولى، على إنه "إذا حضر الخصم الذى لم يقبل الأمر الجنائي في الجلسة المحددة تنظر الدعوى فى مواجهته وفقًا للإجراءات العادية".
وحيث إن المقرر قانونًا أن اعتراض الصادر ضده الأمر الجنائي من النيابة العامة لا يُعد طعنًا بالمعارضة فيه، وإنما إعلان بعدم قبول المدعى إنهاء الدعوى بغير صدور حكم نهائي فيها، وأنه يترتب على التقرير بعدم قبول الأمر الجنائي الصادر من النيابة العامة، وحضور المعترض أمام القاضي المختص فى الجلسة المحددة، سقوط الأمر الجنائي بقوة القانون واعتباره كأن لم يكن، ونظر الدعوى فى مواجهته وفقًا للإجراءات العادية، وذلك وفق نص المادتين (327/2، 328/1) من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث كان ذلك، وإذ كان المدعى قد اعترض على الأمر الجنائي الصادر ضده من النيابة العامة، رغم عدم إعلانه به، وحضر وكيل عنه بالجلسة المحددة لنظر الاعتراض، أمام محكمة جنح ومخالفات قسم قليوب الجزئية، فإن مؤدى ذلك؛ سقوط الأمر الجنائي الصادر من وكيل النيابة العامة، ضد المدعى بقوة القانون واعتباره كأن لم يكن، ومضى محكمة الجنح والمخالفات الجزئية في نظر الدعوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنسوبة للمدعى، وفق الإجراءات العادية، متضمنة مباشرتها إجراءات التحقيق النهائي فيها، وسماع المرافعة الشفوية، وإصدار الحكم في موضوع تلك الدعوى، بما يحقق للمدعى الترضية القضائية التي عينها بصحيفة الدعوى المعروضة، ومن ثم فإن إبطال النص التشريعي المطعون عليه – بفرض صحة المطاعن الموجهة إليه – لن يحقق للمدعى أي فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها، الأمر الذى تنتفى معه مصلحة المدعى الشخصية المباشرة في الطعن على نص الفقرة الثانية من المادة (325 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، وتضحى من ثم الدعوى في هذا الشق غير مقبولة.
وحيث إن المشرع قد أجاز بمقتضى أحكام نص المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية السالف بيانه للمتهم أو المسئول عن الحقوق المدنية المعارضة فى الحكم الغيابي الصادر في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، فقد سبق أن تولت المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية ذلك النص، وقضت بحكمها الصادر بجلسة 5/3/2016، في القضية رقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية"، بعدم دستورية هذا النص فيما تضمنه من قصر قبول المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 10 (مكرر) بتاريخ 14/3/2016. متى كان ذلك، وكان مجال إعمال أحكام هذا النص مقصورًا على المعارضة في الأحكام الغيابية التي تصدر في الجنح، ولا شأن له بواقع الحال فى الدعوى الموضوعية بشأن اعتراض المدعى على الأمر الجنائي الصادر ضده من النيابة العامة طبقًا لنص المادة (327) من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليه، الأمر الذى تنتفى معه مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن على نص المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية سالف الذكر، بحسبان أن القضاء في دستوريته لن يكون ذا أثر أو انعكاس على النزاع الموضوعي، والطلبات المطروحة به، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما يتعين معه - كذلك - القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا الشق منها.
فلهذه الأسباب
  حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة

دستورية مسئولية الشخص الاعتباري عن جرائم الصحف والنشر و الوفاء بالعقوبات المالية .

القضية رقم 139 لسنة 29 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل         نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 139 لسنة 29 قضائية " دستورية ".


المقامة من

محمود مصطفى بكري
ضــــــد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب
4 - النائب العام
5 - عبد الفتاح أحمد مصطفى الشريف
6 - د. إبراهيم الشريف
الإجــراءات
 بتاريخ الثلاثين من مايو سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006.
    وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــة
  بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى عليهما الخامس والسادس حركا الدعوى الجنائية، فى الدعوى رقم 29134 لسنة 2006 جنح قسم ثان طنطا، بطريق الادعاء المباشر، قبل المدعى وآخرين، طلبًا للحكم بمعاقبتهم بالمواد 302، 306، 307، 308، 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات، وإلزامهم أن يؤدوا لهما مبلغ 2001 جنيها على سبيل التعويض المدني المؤقت، لأنهم في السابع من أغسطس سنة 2006 - بدائرة قسم ثان طنطا: سبوا وقذفوا عائلة المدعيين بالعبارات المنشورة بجريدتي الأسبوع والأهرام المسائي؛ بأن نشر المتهم الأول تحقيقًا بجريدة الأسبوع، في العدد رقم 489، نسب فيه للعائلة الاستيلاء بغير حق على أحد أكبر شوارع طنطا، وقد تقاعس المتهم الرابع "المدعى فى الدعوى المعروضة"، حال كونه رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة، عن واجباته فى الإشراف على المتهم الأول، وعن تصحيح تلك المزاعم رغم إنذاره بذلك. وتدوولت الدعوى أمام محكمة الجنح على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 12 من مارس سنة 2007 دفع الحاضر عن المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات، فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 30 من إبريل سنة 2007، وبتلك الجلسة قررت إعادة الدعوى للمرافعة لجلسة الرابع من يونيو سنة 2007، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، تنص على أن : "يكون الشخص الاعتباري مسئولاً بالتضامن مع المحكوم عليه من العاملين لديه عن الوفاء بما يحكم به من التعويضات فى الجرائم التي ترتكب بواسطة الشخص الاعتباري من الصحف أو غيرهــا من طرق النشر، ويكون مسئولاً بالتضامن عن الوفاء بما يحكـم به من عقوبات مالية إذا وقعت الجريمة من رئيس التحرير أو المحرر المسئول.
وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه فى الإشراف على النشر مسئولية شخصية. ويعاقب على أى من الجرائم المشار إليها فى الفقرة السابقة بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، وذلك إذا ثبت أن النشر كان نتيجة إخلاله بواجب الإشراف".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تدور رحاها حول اتهام المدعى، حال كونه رئيس التحرير التنفيذي لجريدة الأسبوع، بالإخلال بواجب الإشراف على النشر، مما مكن المتهم الأول من نشر تحقيق بالجريدة تضمن قذفًا وسبًّا لعائلة المدعى عليهما الخامس والسادس، وهى الجريمة المؤثمة بالفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، ومن ثم يتحدد نطاق الطعن فى نص هذه الفقرة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه عدوانه على الحرية الشخصية؛ إذ عاقب من لم يقارف الجريمة التي أضرت بالمجنى عليه، ونيله من مبدأ شخصية العقوبة؛ بافتراضه مسؤولية رئيس التحرير، رغم عدم تحريره للتحقيق محل الجريمة أو مشاركته فى تحريره، دون أن يلزم النيابة العامة بإثبات مسئوليته الجنائية، فضلاً عن إهدراه حرية الرأى، والحق فى التعبير بالكتابة والنشر، وافتئاته على حرية الصحافة، وحقها فى ممارسة رسالتها فى خدمة المجتمع بحرية واستقلال، مما يخالف المواد (41، 47، 48، 66، 207، 209، 210) من دستور 1971، الذى أقيمت الدعوى الدستورية فى ظل العمل بأحكامه.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتهما للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التى وجهها المدعى للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه - الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل فى الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابهـا، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية فى مفهومها الحق.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، كذلك، أن الجريمة في مفهومها القانوني تتمثل فى الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال. وكان المشرع قد أثم، بالفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات، إخلال رئيس التحرير، أو من يقوم مقامه، بمسئوليته الإشرافية، إذ نجم عن هذا الإخلال ارتكاب جريمة بطريق النشر بواسطة الجريدة التي يتولى مسئولية رئاسة تحريرها. وكانت المادة الرابعة والخمسون من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشـأن تنظيم الصحافة، قد أوجبت أن يكون لكل صحيفة رئيس تحرير مسئول، يشرف إشرافًا فعليًّا على ما ينشر بها، وعليه فإن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات تكون إحدى الجرائم غير العمدية، فلا تقع إلا إذا أخل رئيس التحرير، بخطئه وإهماله، إخلالاً فعليًّا بواجبات الإشراف على العمل بالمطبوعة التي يترأس تحريرها، مما ينجم عنه نشر ما يعد جريمة بتلك المطبوعة - وهو ما أكدته الأعمال التحضيرية للقانون رقم 147 لسنة 2006 -، وبهذه المثابة؛ فإنه يجب لإدانة رئيس التحرير، عن هذه الجريمة، أن يثبت، على وجه القطع واليقين: إهماله وتقصيره في الاضطلاع بواجبه في الإشراف، وأن هذا الواجب داخل فى سلطاته، وكان فى مقدوره القيام به، وأن جريمة النشر ما وقعت إلا نتيجة لهذا الإهمال والتقصير. وتقدير كل هذه العناصر، في كل حالة على حدة، موكل للقاضي، يقدرها بمعيار ما يُنتظر من الرجل العادي القيام به فى الظروف ذاتها التي وقعت فيها الجريمة المنسوبة للمتهم، ويقع عبء إثبات أركان الجريمة، من فعل أو امتناع ونتيجة وخطأ، إثباتًا كاملاً على عاتق النيابة العامة بحسبانها سلطة الاتهام. ومن ثم؛ فإن رئيس التحرير لا يسأل إلا عن فعله شخصيًّا، وهو ما حرصت الفقرة المطعون عليها على توكيده إذ نصت في صدرها على أن "وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف على النشر مسئولية شخصية". وعلى ذلك، فإن صياغة صدر النص المطعون عليه، تكون قد كرست شخصية المسئولية، فلا يسأل عن الجريمة المنصوص عليها فيها سوى من قارفها بالفعل، فالإثم شخصي لا يقبل الاستنابة، ليبرأ، بذلك، النص المطعون عليه من قالة العدوان على الحرية الشخصية أو افتراض المسئولية الجنائية، ولا يكون قد خالف المادتين (54/1، 95) من الدستور.
وحيث إن الدستور كفل بموجب المادة (65) حرية الرأي والحق فى التعبير، كما صان بمقتضى نص المادتين (70، 71) منه للصحافة حريتها، وحظر رقابتها، إلا استثناءً في زمن الرب أو التعبئة العامة، كما حظر مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، بما يحول كأصــل عام دون التدخل فى شئونها، أو إرهاقها بقيود ترد رسالتها على أعقابها، أو إضعافها من خلال تقليص دورها فى بناء مجتمعها وتطويره، متوخيًا دومًا أن يكرس بها قيمًا جوهرية، يتصدرها أن يكون الحوار بديلاً عن القهر والتسلط، ونافذة لإطلال المواطنين على الحقائق التي لا يجوز حجبها عنهم، ومدخلاً لتعميق معلوماتهم فلا يجوز طمسها أو تلوينها، بل يكون تقييمها عملاً موضوعيًّا محددًا لكل سلطة مضمونها الحق وفقًا للدستور، فلا تكون ممارستها إلا توكيدًا لصفتها التمثيلية، وطريقًا إلى حرية أبعد تتعدد مظاهرها وتتنوع توجهاتها· بل إن الصحافة تكفل للمواطن دورًا فاعلاً، وعلى الأخص من خلال الفرص التي تتيحها معبرًا بوساطتها عن تلك الآراء التي يؤمن بها individual self- expression  ويحقق بها تكامل شخصيته   self – realization. بيد أن هذا الحق وتلك الحرية، وهما من نسيج واحد، لا يتأبيان على التنظيم التشريعي، متى كان هذا التنظيم دائرًا في الحدود التي تمنع ممارسة حرية الصحافة والرأي والحق فى التعبير من مجاوزة التخوم الدستورية، فلا تنقلب عدوانًا على حقوق الأفراد، ونيلاً من كرامتهم، وطعنًا فى أعراضهم، ومساسًا بحرماتهم، وافتئاتًا على حياتهم. وقد أكد ذلك نص الفقرة الثانية من المادة (71) من الدستور التي حظرت، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد، العقاب على جرائم النشر بعقوبات سالبة للحرية، مما مؤداه تقرير الدستور حق المشرع فى العقاب على جرائم النشر، شريطة ألا تصل العقوبة، فى غير ما استثنى النص، إلى العقوبات السالبة للحرية. لما كان ذلك؛ وكان النص المطعون عليه قد عاقب رئيس التحرير على إخلاله غير العمدى بواجبات الإشراف إذا نشأ عنها وقوع جريمة بطريق النشر، فى المطبوعة التى يرأس تحريرها، بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، فإنه يكون قد وازن بين حريتي الصحافة والرأي، والحق في التعبير، وبين حماية سمعة الأفراد وصون أعراضهم، ولم يجاوز حد العقاب المبين بالفقرة الثانية من المادة (71) من الدستور؛ ولا يكون، من ثم، قد خالف نصوص المواد (65، 70، 71) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى نص آخر فى الدستور.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية نظام الادعاء المباشر في الجنح (بخصوص تكافؤ الفرص والمساواة وتحريك الدعوى الجنائية)


في القضية رقم 39 لسنة 27 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق             رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل     نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا          رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                            أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 27 قضائية " دستورية ".
المقامة من
...........
ضــــــد
1 - وزير العـــــــــدل
2 - رئيس مجلس الــوزراء
3 - ........
الإجراءات
 بتاريخ الثامن من شهر فبراير سنة 2005، أودعت المدعية صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبت في ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن المدعى عليه الأخير كان قد أقام ضد المدعية، بطريق الادعاء المباشر الجنحة رقم 2803 لسنة 2003، أمام محكمة جنح الزيتون، بطلب الحكم بمعاقبتها بمقتضى نص المادة (341) من قانون العقوبات، وإلزامها بأن تؤدى إليه تعويضًا مؤقتًا مقداره 2001 جنيه، لتصرفها بالبيع في السيارة 274092 ملاكي القاهرة، والمحجوز عليها قضائيًّا لصالحه، والمعينة عليها حارسًا. وبجلسة 9/3/2003 قضت المحكمة غيابيًّا بحبس المدعية شهرين، وكفالة خمسمائة جنيه لإيقاف التنفيذ، مع إلزامها بأن تؤدى للمدعى عليه الأخير مبلغ التعويض المدني المؤقت المطالب به. عارضت المدعية فى هذا الحكم، وبجلسة 15/6/2003 قضت المحكمة برفض المعارضة، فطعنت على هذا الحكم بطريق الاستئناف أمام محكمة جنح مستأنف الزيتون، بالاستئناف رقم 10768 لسنة 2003، وبجلسة 25/12/2004 دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المعدلة بالقانون رقم 170 لسنة 1981 تنص على أن "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضى التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعى بالحقوق المدنية.
ويجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر بالجلسة ووجهت إليه التهمة من النيابة العامة وقبل المحاكمة.
ومع ذلك فلا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين:
 (أولاً) إذا صدر أمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعى بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد
أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة.
  (ثانيًا) إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات".
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يتحقق ارتباط بينها وبين المصلحة التي تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت المدعية قد أقيم ضدها بطريق الادعاء المباشر جنحة التبديد المعاقب عليها بالمادة (341) من قانون العقوبات، وصدر ضدها حكم بالحبس والتعويض المدني المؤقت. وكان سند المدعى المدني في إقامة دعواه نص الفقرة الأولى من المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية تكون متحققة في الطعن على هذا النص، فيما تضمنه من أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية، وذلك في غير الجرائم المتعلقة بالأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، الواردة بنص المادة (67) من الدستور الحالي، والتي تخرج عن نطاق الدعوى المعروضة، إذ يكون للفصل في دستورية نص المادة (232) المشار إليها - فى حدود النطاق المتقدم - أثره وانعكاسه على وسيلة اتصال الدعوى الجنائية بمحكمة الموضوع، ومن ثم اختصاصها بالفصل في الطلبات المطروحة فيها.
  وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون عليه، في النطاق المشار إليه، مخالفته لأحكام المواد (8، 40، 70) من دستور سنة 1971، قولاً منها إن ذلك النص بإجازته تكليف المتهم بالحضور أمام محكمة الجنح مباشرة دون تحقيق من النيابة أو أي من جهات التحقيق يحرمه من جزء من الضمانات، ومن حقه في الدفاع في مرحلة التحقيق، فضلاً عن إمكانية التظلم والطعن على القرارات الصادرة من جهة التحقيق، بما يتضمن تمييزًا غير مبرر يتنافى مع مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المتهمين فى الجنح المختلفة.
  وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها المدعية للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون عليه - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
      وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أوردته المدعية بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971، فالثابت أن المادة (8) فى شأن كفالة الدولة لتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، والمادة (40) بشأن المساواة بين المواطنين، والمادة (70) في شأن عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية إلا من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، التي وردت في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها الأحكام الواردة في المواد (4، 9، 53، 189/1) من الدستور القائم.
      وحيث إن الدستور الحالي قد حرص فى المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
      وحيث إن ضمان الدستور لحق التقاضي - بنص المادة (97) منه - مؤداه ألا يعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم من النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها حدًّا أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. وكان لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإن أرهقها المشرع بقيود تُعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق.
      وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تُعَدُّ تخومًا لها ينبغي التزامها.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي لا يناقض وجود هذا الحق وفق أحكـــام الدستور، وأن هـــــــذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن تغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حالة ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطـورة تقتضيها الأوضاع التي تباشر هذا الحق عملاً فى نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
      وحيث إن الدستور جعل بمقتضى نص المادة (189) منه سلطة التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، حقًّا أصيلاً للنيابة العامة، عدا الحالات التي يستثنيها القانون، وفى هذا الإطار أجاز النص المطعون فيه أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية، رغبة منه في إيجاد توازن بين حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية باعتبارها نائبًا قانونيًّا عن المجتمع، جبرًا للضرر العام الذى ينشأ عن الجريمة، وبين حق المدعى بالحقوق المدنية في تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، بما يمثل نوعًا من الرقابة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية، تفاديًا لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض، وتحقيقًا للمصلحة العامة، بوصف أن إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر في هذه الحالة، يُعد حقًّا للمضرور، كفله له الدستور بمقتضى نص المادة (99) منه، في حالة الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، وكذا فى حالة امتناع الموظفين العموميين عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها طبقًا لنص المادة (100) من الدستور، وكذلك ما خولته الفقرة الأولى من المادة (189) من الدستور، للمشرع من تحديد الحالات التي يجوز فيها لغير النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية، وكل ذلك عدا ما استثناه الدستور بنص المادة (67) منه، بشأن تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، والتي قصرها في هذه الحالة على النيابة العامة وحدها.
      وحيث إن النص المطعون فيه - فى حدود نطاقه المتقدم - قد تضمن قواعد عامة مجردة لا تقيم تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بأحكامه، كما أنه باعتباره الوسيلة التي سنها المشرع لتحقيق الأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، يرتبط بتلك الغايات ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ومن ثم يكون فيما قرره من أحكام مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا مما حظر الدستور، ليضحى هذا النص غير مصادم لمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، التي حرص الدستور على كفالتهما فى المواد (4، 9، 53) منه .
      ولا ينال من ذلك القول بأن الادعاء المباشر قد يساء استعماله على نحو يهدد الأبرياء بملاحقتهـم أمام القضاء الجنائي دون رقابة من سلطات التحقيق أو الإحالة، وقد يؤدى ذلك إلى رفع الدعاوى الكيدية والتشهير بالآخرين، خاصة أن الادعاء المباشر لا يتضمن مرحلة الاستدلال والتحقيق في الدعوى، وهى مرحلة مهمة لجمع الأدلة وتمحيصها لعرضها على سلطات التحقيق ثم القضاء، فضلاً عن أن الدعوى المباشرة قد تجعل الدعوى الجنائية غير مكتملة الأركان، وقد تخلو من الدليل اللازم للحكم فيها، مما يلقى مزيدًا من العبء على القاضي الذى قد يلتزم بتحقيق الدعوى وصولاً للحكم فيها، فذلك في مجمله مردود بأن الشارع حين منح المدعى بالحقوق المدنية هذا الحق، حرص على تقييد نطاق الدعوى المباشرة وقصره على الجنح والمخالفات، فضلاً عن ذلك فقد أحاط المشرع في قانون الإجراءات الجنائية هذا الحق بعدد من الضوابط، التي تحفظ على العدالة حسن سيرها، والحد في التعسف في استعمال هذا الحق، فوفقًا لنص المادة (251 مكررًا) من ذلك القانون المضافة بالقانون رقم 174 لسنة 1998، فإن تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر، قاصر على من يلحقه ضرر شخصي مباشر ناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالاً أو مستقبلاً. وأجازت الفقرة الرابعة من المادة (63) من القانون المشار إليه للمتهم عند رفع الدعوى عليه بالطريق المباشر أن ينيب عنه وكيلاً في أية مرحلة كانت عليها الدعوى لتقديم دفاعه، وأجازت المادة (267) من ذلك القانون للمتهم أن يطالب المدعى بالحقوق المدنية أمام المحكمة الجنائية بتعويض الضرر الذى لحقه بسبب رفع الدعوى إن كان لذلك وجه، وله كذلك أن يقيم عليه لذات السبب الدعوى المباشرة أمام المحكمة ذاتها بتهمة البلاغ الكاذب إن كان لذلك وجه، وذلك بتكليفه مباشرة بالحضور أمامها. كما أجازت المادة (260/1) من ذلك القانون للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه في أية حالة كانت عليها الدعوى، مع عدم الإخلال بحق المتهم في التعويضات إن كان لها وجه، وأوجبت الفقرة الثانية مـن تلك المادة في حالة تـرك الدعوى المدنية أو اعتبار المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لها، الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية. وتوسعت المادة (261) منه في الحالات التي يعتبر فيها المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لدعواه، وتشمل عدم حضوره أمام المحكمة بغير عذر مقبول أو عدم إرساله وكيلاً عنه، وكذلك عدم إبدائه طلبات بالجلسة.
      وحيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن المشرع الجنائي، وإن خول المدعى بالحقوق المدنية في بعض الجرائم التي يجوز فيها الادعاء المباشر سلطة تحريك الدعوى العمومية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، إلا أن هذه السلطة تقف عند مجرد تحريك الدعوى الجنائية، طلبًا لحقوق مدنية بطبيعتها، أما مباشرة هذه الدعوى فمنوط بالنيابة العامة وحدها باعتبارها السلطة الأصيلة التي أولاها الدستور هذا الاختصاص طبقًا لنص المادة (189) منه، ويقتصر دور المدعى بالحقوق المدنية على دعواه المدنية، والتي يدخل فيهـا بصفته مضرورًا من الجريمة التي وقعت، طالبًا بتعويضه مدنيًّا عن الضـرر الذى لحق به، فدعـواه مدنية بحتة ولا علاقة لها بالدعوى الجنائية إلا تبعيتها لها، ومن ثم يكون النص المطعون فيه - فى حدود النطاق المتقدم - غير مخالف لنصوص المواد (97، 99، 100، 189) من الدستور.
 وحيث إن النص المطعون عليه في الإطار المشار إليه، لا يخالف أي أحكام أخرى في الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
  حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.