الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 فبراير 2021

الطعن 23371 لسنة 4 ق جلسة 27 / 1 / 2015 مكتب فني 66 ق 20 ص 185

جلسة 27 من يناير سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / سلامة أحمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / يحيى عبد العزيز ماضي ومجدي تركي نائبي رئيس المحكمة وهشام رسمي وأيمن العشري .
-----------

(20)

الطعن رقم 23371 لسنة 4 القضائية

(1) دعوى جنائية " قيود تحريكها " . زنا . جريمة " الجريمة الوقتية " " الجريمة المستمرة " . قانون " تفسيره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

المادة الثالثة إجراءات . مفادها ؟

مثال لتدليل سائغ لاطراح الدفع بسقوط الحق في الشكوى عن جريمة الزنا لمضي ثلاثة أشهر من تاريخ العلم بالجريمة ومرتكبيها .

(2) زنا . دعوى جنائية " انقضاؤها بمضي المدة " " قيود تحريكها " . تقادم . دفوع " الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تحديد تاريخ الجريمة " . حكم "تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

 تعيين تاريخ وقوع الجرائم . موضوعي . مادام سائغاً .

 استدلال الحكم سائغاً لتحريك النيابة الدعوى لعدم تقديم الزوج شكواه ضد الطاعنة قبل سقوط حقه فيها لسريان مدة التقادم المقررة بالمادة 15 إجراءات في مواد الجنح . لا عيب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كانت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن علَّقت رفع الدعوى الجنائية في جريمة الزنا المنصوص عليها في المادتين 274 ، 275 من قانون العقوبات على شكوى الزوج ، نصت في فقرتها الأخيرة على أنه " لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " ، وجريمة الزنا الأصل فيها أن تكون وقتية لأن الركن المادي المكون لها وهو الوطء فعل مؤقت على أنها قد تكون متتابعة الأفعال كما إذا ارتبط الزوج بامرأة أجنبية يزني بها أو ارتبط أجنبي بالزوجة لغرض الزنا وحينئذ تكون أفعال الزنا المتتابعة في رباط زمني متصل جريمة واحدة في نظر الشارع ، ما دام قد انتظمها وحدة المشروع الإجرامي ووحدة الجاني ووحدة الحق المعتدى عليه ، ولما كان القانون قد أجرى ميعاد السقوط من تاريخ العلم بالجريمة فإن مدة الثلاثة أشهر تسري حتماً من يوم العلم بمبدأ العلاقة الآثمة لا من يوم انتهاء أفعال التتابع ، إذ لا شك في أن علم المجني عليه بالعلاقة الآثمة من بدايتها يوفر له العلم الكافي بالجريمة وبمرتكبها ويتيح له فرصة الالتجاء إلى القضاء ولا يضيف اطراد العلاقة إلى علمه جديداً ولا يتوقف حقه في الشكوى على إرادة الجاني في اطراد تلك العلاقة ، وكان من المقرر أن علم المجني عليه بجريمة الزنا الذي يبدأ فيه سريان ميعاد السقوط يجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً فلا يجري الميعاد في حق الزوج إلَّا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني . ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت علم الزوج علماً يقينياً بالعلاقة الآثمة التي نشأت بين الطاعنة والمحكوم عليه الآخر حين أقرت له الطاعنة بارتكابها للجريمة قبل شهر ونصف من اليوم الذي تقدم فيه بالشكوى ، فإن الحكم المطعون فيه يكون صحيحاً فيما قضى به من رفض الدفع بسقوط الحق في الشكوى عن جريمة الزنا لمضي مدة ثلاثة أشهر من تاريخ العلم بالجريمة وبمرتكبيها ويكون النعي عليه في هذا الصدد في غير محله .

2- من المقرر أن تعيين تاريخ وقوع الجرائم مما يستقل به قاضي الموضوع بلا رقابة من محكمة النقض ، ما دام استدلاله سائغاً ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في استدلال سائغ إلى أن النيابة العامة قد باشرت سلطتها في تحريك الدعوى واستعمالها بعد تقديم الزوج المجني عليه لشكواه خلال الأجل المقرر في القانون - أي قبل سقوط حقه في الشكوى - وأن الدعوى الجنائية لم تسر عليها مدة التقادم المنصوص عليها في المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية في مواد الجنح ، فإن منعى الطاعنة في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

    حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنة بها وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ، وكانت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن علَّقت رفع الدعوى الجنائية في جريمة الزنا المنصوص عليها في المادتين 274 ، 275 من قانون العقوبات على شكوى الزوج ، نصت في فقرتها الأخيرة على أنه " لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " ، وجريمة الزنا الأصل فيها أن تكون وقتية لأن الركن المادي المكون لها وهو الوطء فعل مؤقت على أنها قد تكون متتابعة الأفعال كما إذا ارتبط الزوج بامرأة أجنبية يزني بها أو ارتبط أجنبي بالزوجة لغرض الزنا وحينئذ تكون أفعال الزنا المتتابعة في رباط زمني متصل جريمة واحدة في نظر الشارع ، ما دام قد انتظمها وحدة المشروع الإجرامي ووحدة الجاني ووحدة الحق المعتدى عليه ، ولما كان القانون قد أجرى ميعاد السقوط من تاريخ العلم بالجريمة فإن مدة الثلاثة أشهر تسري حتماً من يوم العلم بمبدأ العلاقة الآثمة لا من يوم انتهاء أفعال التتابع ، إذ لا شك في أن علم المجني عليه بالعلاقة الآثمة من بدايتها يوفر له العلم الكافي بالجريمة وبمرتكبها ويتيح له فرصة الالتجاء إلى القضاء ولا يضيف اطراد العلاقة إلى علمه جديداً ولا يتوقف حقه في الشكوى على إرادة الجاني في اطراد تلك العلاقة ، وكان من المقرر أن علم المجني عليه بجريمة الزنا الذي يبدأ فيه سريان ميعاد السقوط يجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً فلا يجري الميعاد في حق الزوج إلَّا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني . ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت علم الزوج علماً يقينياً بالعلاقة الآثمة التي نشأت بين الطاعنة والمحكوم عليه الآخر حين أقرت له الطاعنة بارتكابها للجريمة قبل شهر ونصف من اليوم الذي تقدم فيه بالشكوى ، فإن الحكم المطعون فيه يكون صحيحاً فيما قضى به من رفض الدفع بسقوط الحق في الشكوى عن جريمة الزنا لمضي مدة ثلاثة أشهر من تاريخ العلم بالجريمة وبمرتكبيها ويكون النعي عليه في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تعيين تاريخ وقوع الجرائم مما يستقل به قاضي الموضوع بلا رقابة من محكمة النقض ما دام استدلاله سائغاً ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في استدلال سائغ إلى أن النيابة العامة قد باشرت سلطتها في تحريك الدعوى واستعمالها بعد تقديم الزوج المجني عليه لشكواه خلال الأجل المقرر في القانون - أي قبل سقوط حقه في الشكوى - وأن الدعوى الجنائية لم تسر عليها مدة التقادم المنصوص عليها في المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية في مواد الجنح ، فإن منعى الطاعنة في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مفصحاً عن عدم قبوله موضوعاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 10564 لسنة 80 ق جلسة 19 / 1 / 2015 مكتب فني 66 ق 18 ص 169

 جلسة 19 من يناير سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / إيهاب عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد سيد سليمان ، محمد رضوان ، عطية أحمد عطية وهشام أنور نواب رئيس المحكمة .
-----------

(18)

الطعن رقم 10564 لسنة 80 القضائية

 حكم " تصحيحه ". محكمة النقض "سلطتها " .

 الخطأ في اسم الطاعن بالحكم الصادر من محكمة النقض . يوجب تصحيحه . المادة 191 مرافعات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 لما كان البيِّن من الأوراق وتقرير الطعن بالنقض أن اسم الطاعن .... في حين صدر الحكم باسم .... ، مما يتعين معه تصحيح ذلك الخطأ المادي إعمالاً لنص المادة 191 من قانون المرافعات .

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 الوقائـع

 حيث صدر قرار لجنة قبول المحامين بنقل اسم الطاعن الى جدول المحامين غير المشتغلين .

فطعن في هذا القرار بطريق النقض فقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً
وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإعادة قيد الطاعن بجدول المحامين المشتغلين .
فتقدم الطاعن بطلب للرجوع في هذا الحكم تأسيساً علي ورود خطأ مادي فيه تمثل ذلك في الاسم الرابع للطاعن بأن كتب في الحكم .... بدلاً من .... .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

 لما كان البيِّن من الأوراق وتقرير الطعن بالنقض أن اسم الطاعن .... في حين صدر الحكم باسم .... ، مما يتعين معه تصحيح ذلك الخطأ المادي إعمالاً لنص المادة 191 من قانون المرافعات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 20849 لسنة 4 ق جلسة 17 / 1 / 2015 مكتب فني 66 ق 17 ص 166

 جلسة 17 من يناير سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / مصطفى صادق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عبد الناصر الزناتي ، أسامة عباس وعبد الباسط سالم نواب رئيس المحكمة وخالد إلهامي .
-------------

 (17)

الطعن رقم 20849 لسنة 4 القضائية

مصنفات فنية . اختصاص " الاختصاص النوعي " . محكمة استئنافية . محكمة اقتصادية . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .

قضاء محكمة الجنح المستأنفة بعدم اختصاصها بنظر جريمة عرض مصنف سمعي وبصري بغير ترخيص وإحالتها للمحكمة الاقتصادية للاختصاص . خطأ في تطبيق القانون . يوجب نقضه والإعادة . أساس وعلة ذلك ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لما كان البيِّن من القانون رقم 430 لسنة 1955 بشأن تنظيم الرقابة على المصنفات الفنية المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 أنه قد نص في المادة الثانية على أنه : " أولاً : لا يجوز بغير ترخيص من وزارة الثقافة القيام بأي عمل من الأعمال الآتية ويكون متعلقاً بالمصنفات السمعية والبصرية .... ثانياً : أداؤها أو عرضها أو إذاعتها في مكان عام وتُحدد شروط وأوضاع المكان المُشار إليه آنفاً بقرار من رئيس مجلس الوزراء . " ، كما نص في المادة الخامسة عشرة على أنه : " يُعاقب كل من يُخالف أحكام المادة (2) من هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين . " ، كما نص في المادة السابعة عشرة على أنه : " يجوز في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين الحكم بغلق المكان العام مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر ومصادرة الأدوات والأجهزة والآلات التي استعملت في ارتكاب المخالفة ..... " مما مفاده أن هذا الاتهام المؤثم بهذا القانون غير مُتعلق بالقانون رقم 82 لسنة 2002 والخاص بحماية الملكية الفكرية الواردة في الفقرة التاسعة من المادة الرابعة من قانون المحاكم الاقتصادية - كما ذهبت محكمة الجنح المستأنفة - وكان المطعون ضده قد طعن بالاستئناف أمام محكمة الجنح المستأنفة .... في الحكم الصادر بإدانته من محكمة جنح .... الجزئية مما كان يتعين معه على محكمة الجنح المستأنفة أن تفصل في هذه التهمة ، أما وقد خالفت هذا النظر وقضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها للمحكمة الاقتصادية فإن حكمها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، مما يوجب نقضه والإعادة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بوصف أنه : عرض مصنفاً سمعياً وبصرياً بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة ، وطلبت عقابه بالمواد 1 ، 2/2 ، 4 ، 16 ، 17 من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 .

ومحكمة جنح .... الجزئية قضت غيابياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر وكفالة مائة جنيه لإيقاف التنفيذ . عارض ، وقُضي في معارضته باعتبارها كأن لم تكن .

استأنف ، ومحكمة .... الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة والقضاء مجدداً بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الاقتصادية .

فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

من حيث إن مما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الاقتصادية قد أخطأ في تطبيق القانون ؛ ذلك بأن جريمة عرض مصنف سمعي وبصري بغير ترخيص ليست من بين الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية مما يعيبه ، بما يستوجب نقضه .

ومن حيث إن البيِّن من القانون رقم 430 لسنة 1955 بشأن تنظيم الرقابة على المصنفات الفنية المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 أنه قد نص في المادة الثانية على أنه : " أولاً : لا يجوز بغير ترخيص من وزارة الثقافة القيام بأي عمل من الأعمال الآتية ويكون متعلقاً بالمصنفات السمعية والبصرية .... ثانياً : أداؤها أو عرضها أو إذاعتها في مكان عام وتُحدد شروط وأوضاع المكان المُشار إليه آنفاً بقرار من رئيس مجلس الوزراء . " ، كما نص في المادة الخامسة عشرة على أنه : " يُعاقب كل من يُخالف أحكام المادة (2) من هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين . " ، كما نص في المادة السابعة عشرة على أنه : " يجوز في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين الحكم بغلق المكان العام مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر ومصادرة الأدوات والأجهزة والآلات التي استعملت في ارتكاب المخالفة .... . " مما مفاده أن هذا الاتهام المؤثم بهذا القانون غير مُتعلق بالقانون رقم 82 لسنة 2002 والخاص بحماية الملكية الفكرية الواردة في الفقرة التاسعة من المادة الرابعة من قانون المحاكم الاقتصادية - كما ذهبت محكمة الجنح المستأنفة - وكان المطعون ضده قد طعن بالاستئناف أمام محكمة الجنح المستأنفة بـــ .... في الحكم الصادر بإدانته من محكمة جنح .... الجزئية مما كان يتعين معه على محكمة الجنح المستأنفة أن تفصل في هذه التهمة ، أما وقد خالفت هذا النظر وقضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها للمحكمة الاقتصادية فإن حكمها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، مما يوجب نقضه والإعادة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للأحكام الباتة الصادرة من هيئات التحكيم بوزارة العدل – قبل العمل بالقانون رقم 4 لسنة 2020 – قوة الأمر المقضي فيه.

الدعوى رقم 9 لسنة 39 ق "منازعة تنفيذ" جلسة 2 / 1 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2021م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 9 لسنة 39 قضائية "منازعة تنفيذ".

المقامة من

وزيـر الماليـة، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب المصرية.

ضد

رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للبترول

الإجراءات

بتاريخ التاسع عشر من فبراير سنة 2017، أودع المدعى صحيفة هـذه الدعوى قلــــــم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم، أولاً: بصفة مستعجلة، وقـف تنفيـذ الحكم الصــادر بجلسة 30/9/2015، من هيئة التحكيم بوزارة العدل في الدعوى التحكيمية المقيدة برقم 16 لسنة 2014. ثانيًا: في الموضوع، عدم الاعتداد بذلك الحكم، والمضي في تنفيذ حكمي المحكمة الدستورية العليا، الصادر أولهما بجلسة 7/4/2013، في الدعوى رقم 162 لسنة 31 قضائية "دستورية"، وثانيهما بجلسة 6/1/2001، في الدعوى رقم 65 لسنة 18 قضائية "دستورية".

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمـــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أنه نشب نزاع بين مصلحة الضرائب على المبيعات والشركة المدعى عليها – باعتبارها إحدى شركات القطاع العام - تقدمت على إثره الشركة بطلب تحكيم إلى مكتب التحكيم بوزارة العدل، قيد برقم 16 لسنة 2014، طالبة القضاء بعدم أحقية مصلحة الضرائب على المبيعات في مطالبتها بالفروق الناشئة عن فحص الإقرارات الضريبية الخاصة بها خلال عامى2010/2011، 2011/2012، وبجلسة 30/9/2015، قضت هيئة التحكيم: (أ) عدم أحقية مصلحة الضرائب على المبيعات في المبالغ المطالب بها بالنسبة لمبيعات الشركة من المتكثفات، وهى:9964350,180 جنيهًا، 6540742,60 جنيهًا عن عامي الفحص 2010/2011، 2011/2012. (ب) عدم أحقية مصلحة الضرائب على المبيعات في المبالغ المطالب بها بالنسبة لمبيعات المخلفات والسلع والأصول المستهلكة، وهى: 139533,50 جنيهًا، 87398 جنيهًا عن عامي الفحص المشار إليهما، (ج) أحقية مصلحة الضرائب على المبيعات في المبالغ المطالب بها كإيرادات خدمات بمبلغ 18110,40 جنيهات، 53013,70 جنيهًا عن عامي الفحـص 2010/2011، 2011/2012. (د) أحقية مصلحة الضرائب على المبيعات في المبلغ المطالب قيمة تأجير ماكينة طباعة لشركة تاون جاز بمبلغ 1152 جنيهًا عن عامي الفحص.

وإذ ارتأى المدعى أن حكم هيئة التحكيم المشار إليه يشكل عقبة في سبيل تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 7/4/2013، في الدعوى رقم 162 لسنة 31 قضائية "دستورية"، فيما قضى به من عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (17)، ونص الفقرة السادسة من المادة (35) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2005، الذى بموجبه أضحت محاكم مجلس الدولة هي المختصة – دون غيرها – تملك ولاية الفصل في المنازعات المتعلقة بالضريبة العامة على المبيعات. كما أن حكم هيئة التحكيم المار ذكره، يشكل عقبة أخرى، في سبيل تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 6/1/2001، في الدعوى رقم 65 لسنة 18 قضائية "دستورية"، فيما قضى به من عدم دستورية المادتين (17، 35) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 بشأن نظام التحكيم الإجباري في المنازعات الناشئة عن تطبيق القانون المذكور. ومن ثم فقد أقام الدعوى المعروضة.

وحيث إن منازعة التنفيذ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتهــا موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التي تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعـدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها كاملة، في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- قد حالت فعلاً أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بهـا مـن صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعــة التنفيذ لا تُعد طريقًا للطعـن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

وحيث إن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية – على ما استقر عليه قضاؤها – يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعات حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت في مضمونها. كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما هو متصل بهذا المنطوق من الأسباب اتصالاً حتميًّا لا تقوم له قائمة إلا بها.

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 7/4/2013، في الدعوى رقم 162 لسنة 31 قضائية "دستورية"، بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (17)، ونص الفقرة السادسة من المادة (35) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2005. وشيدت المحكمة قضاءها على أن "المشرع قد أقر بالطبيعة الإدارية للطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم، في القوانين المنظمة لمجلس الدولة، بدءًا من القانون رقم 165 لسنة 1955، ومرورًا بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1959، وانتهاءً بما نصت عليه المادة (10) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، التي عقدت في البند السادس منها الاختصاص لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في الطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم وفقًا للقانون الذى ينظم كيفية نظر هذه المنازعات أمام مجلس الدولة. وحيث إنه متى كان ذلك، وكان المرجع في تحديد بنيان الضريبة العامة على المبيعات وعناصرها ومقوماتها وأوضاعها وأحكامها المختلفة، بما في ذلك السلع والخدمات الخاضعة للضريبة، والمكلفين بها والملتزمين بعبئها وقيمة الضريبة المستحقة ومدى الخضوع لها والإعفاء منها، إلى قانون هذه الضريبة، وإلى القرار الصادر من الجهة الإدارية المختصة تنفيذًا لأحكامه، فإن المنازعة في هذا القرار تُعد منازعة إدارية بحسب طبيعتها، تندرج ضمن الاختصـــاص المحدد لمحاكم مجلس الدولة طبقًا لنص المادة (174) من الدستور الحالي الصادر في 25/12/2012. وإذ أسند النصان المطعون فيهما الاختصاص بالفصل في تلك المنازعات إلى المحكمة الابتدائية التابعة لجهة القضاء العادي، فإن مسلك المشرع على هذا النحو يكون مصادمًا لأحكام الدستور الذى أضحى بمقتضاه مجلس الدولة، دون غيره من جهات القضاء – وفى حدود النطاق المتقدم ذكره – هو صاحب الولاية العامة في الفصل في كافة المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي، والذى تدخل ضمنها الطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب.

وحيث إن الفصل في المنازعات الناشئة عن تطبيق قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2005 قد شُرعت له وسيلتان، تستقل كل منهما عن الأخرى، ويعد أطراف الخصومة في كلٍ، هو مناط التوسل بأيهما للفصل في المنازعات المشار إليها، أولاهما: قضائية، وسد من خلالها الحكم الصادر في الدعوى رقم 162 لسنة 31 قضائية "دستورية"، الولاية العامة للفصل في منازعات الضريبة العامة على المبيعات لمحاكم مجلس الدولة، نابذًا اختصاص محاكم جهة القضاء العادي بالفصل في المنازعات المار ذكرها، على نحو ما كانت تنص عليه المادتــان (17/ فقرة أخيرة) و(35/6) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، المقضي بعدم دستوريتهما. وثانيتهما: تحكيمية، يتساند إعمالها إلى نص المادة (56) الوارد ضمن مواد الباب السابع من القانون رقم 97 لسنة 1983 في شأن هيئات القطاع العام وشركاته – قبل إلغاء الباب السابع من القانون المذكور بالقانون رقم 4 لسنة 2020، المعمول به اعتبارًا من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 5 (مكرر) الصادر في 20 فبراير 2020 – إذ قررت المادة المشار إليها، ولاية خاصة لهيئات التحكيم بوزارة العدل، للفصل – دون غيرها – في المنازعات التي تقع بين شركات القطاع العام بعضها البعض، أو بين شركة قطاع عام من ناحية وجهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطـاع عام أو مؤسسة عامة من ناحية أخرى. وإذ ورد لفظ "المنازعات" في النص السالـف البيان عامًا، مطلقًا، مما لا يجوز معه تخصيصه أو تقييده، فإن مؤدى ذلك؛ سريانه على منازعات الجهات المخاطبة بالنص المشار إليه، التي نشأت عن تطبيق قانون الضريبة العامة على المبيعات، ويكون للأحكام الباتة الصادرة من هيئات التحكيم بوزارة العدل في تلك المنازعات – قبل العمل بالقانون رقم 4 لسنة 2020 – قوة الأمر المقضي فيه.

متى كان ما تقدم، وكان نطاق الحكم الصادر في الدعوى رقم 162 لسنة 31 قضائية "دستورية" تحدد بالفصل في دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (17)، والفقرة السادسة من المادة (35) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2005، ولم يتعد هذا النطاق إلى القضاء في دستورية نص المادة (56) من القانون رقم 97 لسنة 1983 المار بيانه – المعمول به في تاريخ صدور حكم هيئة التحكيم المشار إليه – الذى كان قد حدد طريق التحكيم، دون غيره، للفصل في المنازعات الناشئة بين الشركة المدعى عليها بوصفها من شركات القطاع العام، ومصلحة الضرائب المصرية، باعتبارها جهة حكومية مركزية – مهما كانت طبيعة تلك المنازعات وتكييفها القانوني - ومن ثم لا يكون لحكم هيئة التحكيم بوزارة العدل الصادر بجلسة 2/1/2020، في الدعوى التحكيمية المقيدة برقم 16 لسنة 2014، أي صلة بمنطوق الحكم الصادر في الدعوى رقم 162 لسنة 31 قضائية "دستورية" أو الأسباب المرتبطة به ارتباطًا حتميًّا، ولا يكون مصادمًا له، ولا يشكل عقبة في تنفيذه، مما تنحل معه المنازعة المعروضة، والحال كذلك، إلى طعن في حكم هيئة التحكيم المار بيانه، وهو ما لا يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيه، إذ لا تُعد منازعة التنفيذ طريقًا للطعن على الأحكام، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 6/1/2001، في الدعوى رقم 65 لسنة 18 قضائية "دستورية"، أولاً: بعدم دستورية نص المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 فيما تضمنه من أن لصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون إذا رفض تظلمه أو لم يبت فيه، وإلا اعتبر تقدير المصلحة نهائيًّا. ثانيًا: بعدم دستورية نص المادة (35) من ذلك القانون. ثالثًا: بسقوط نص المادة (36) من القانون المشار إليه. وتساندت هذه المحكمة في قضائها إلى أن المادتين الطعينتين فرضتا التحكيم قهرًا على أصحاب الشأن، وخلعتا قوة تنفيذية على القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الضرائب على المبيعات، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم – الذى يبسط مظلته على جُل منازعات هذه الضريبة – يكون منافيًا للأصل فيه. باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم التي أنشأهـا قانون الضريبة العامة على المبيعات – بالمادتين الطعينتين – لنظر المنازعات التي أدخلها جبرًا في ولايتها يكون منتحلاً، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بالمخالفة للمادة (68) من الدستور، ومنعدمًا بالتالي من زاوية دستورية. وحيث إن المادة (36) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه ترتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بالمادتين (17) و(35) منه، فإنها تسقط لزومًا تبعًا للحكم بعدم دستوريتهما، إذ لا يتصور وجودها بدون هذين النصين.

وحيث إن البين من الحكم الصادر في الدعوى رقم 65 لسنة 18 قضائية "دستورية" أن نطاق حجيته مقصور على عدم دستورية نصى المادتين (17) و(35)، وسقوط نص المادة (36) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 – قبل تعديله بالقانون رقم 9 لسنة 2005، وكان البين من الحكم الصادر في الدعوى التحكيمية رقم 16 لسنة 2014 – المصور عقبة في التنفيذ – أنه تساند في الاختصاص الولائي لهيئة التحكيم بوزارة العدل التي أصدرته إلى نص المادة (56) من القانون رقم 97 لسنة 1983 في شأن هيئات القطاع العام وشركاته، وهو غير التحكيم المنصوص عليه في قانون الضريبة العامة على المبيعات، المحكوم بعدم دستوريته على النحو السالف بيانه – سندًا وتكييفًا وأطرافًا -، ومن ثم فإن الحكم المصور عقبة في التنفيذ لا يكون له من صلة بالحكم الدستوري المنازع في تنفيذه المشار إليه آنفًا، وتغدو الدعوى المعروضة – في هذا الشق منها – قمينة بعدم القبول.

وحيث إنه عن طلب المدعى وقف تنفيذ حكم هيئة التحكيم بوزارة العدل، السالف بيانه، فإنه يُعد فرعًا مـن أصل النزاع، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، فإن قيامها بمباشرة اختصاص البت في طلــب وقف التنفيذ – طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – يكون قد بات غير ذى موضوع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة

مسئولية مدير الشركة مقترنة بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانوني الذي يعد الإخلال به جريمة

الدعوى رقم 103 لسنة 34 ق "دستورية" جلسة 2 / 1 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2021م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 103 لسنة 34 قضائية "دستورية".


المقامة من

مجدى محمد صالح موسى، العضو المنتدب لشركة ليبون للسمسرة في الأوراق المالية

ضــــد

1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة

2- رئيس مجلـــــس الـــــــــوزراء

3- رئيس الهيئة العامة للرقابــــــــــة الماليــة


الإجـراءات

بتاريخ الرابع والعشرين من يونيه سنة 2012، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحكمة الجنائية – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية – في الدعوى رقم 1646 لسنة 2011 جنح القاهرة الاقتصادية، متهمة إياه، أنه في يوم 28/6/2004، وبتاريخ سابق عليه، بدائرة قسم عابدين، بمحافظة القاهرة: 1- بصفته رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ليبون لتداول الأوراق المالية، تصرف في الأوراق المالية على خلاف الأوضاع المقررة قانونًا، بأن قام بالتصرف في الأسهم الخاصة بالعميل.......، وقام ببيع تلك الأسهم بدون الحصول على أوامر بيع موقعة منه، وذلك على النحو المبين بتقرير الهيئة العامة للرقابة المالية. 2- بصفته الآنفة البيان، قام باتباع أساليب تنطوى على الغش والتدليس وإجراء عمليات من شأنها الإضرار بالمتعاملين معه والإخلال بحقوقهم، ولم يقم بمراعاة الأعراف التجارية ومبادئ العدالة والأمانة والحرص على مصالح العملاء، وذلك بأن قام بإجراء معاملات على حساب العميل السالف الذكر بدون إذن أو تفويض منه، وهو بيع الأسهم المملوكة له على النحو المبين بتقرير الهيئة العامة للرقابة المالية. وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد (66/1، 67، 68، 69/1) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، والمواد (90، 92، 214، 243/2) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 135 لسنة 1993 والمعدلة بالقرارات أرقام 39 لسنة 1998، 44 لسنة 2000، 340 لسنة 2001. وقد تدوول نظر الدعوى بالجلسات، وحال حجزها ليصدر فيها للحكم بجلسة 24/4/2012، قدم المدعى مذكرة، ضمنها دفعًا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، فقررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة لجلسة 8/5/2012، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، وبالجلسة الأخيرة منحته أجلاً آخر للسبب ذاته، فأقام المدعى الدعوى الدستورية المعروضة بطلباته المتقدمة.

وحيث إن قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، الذى ارتكبت الواقعة التى يحاكم عنها المدعى في ظل العمل بأحكامه - قبل تعديله بالقانونين رقمى 123 لسنة 2008 و17 لسنة 2018 - كان ينص في الفقرة الأولى من المادة (66) منه على أنه "يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه كل من يتصرف في أوراق مالية على خلاف القواعد المقررة في هذا القانون". وقد جرى استبدال نص هذه الفقرة بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وصار نصها " يعاقب بغرامة لا تقـل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، كل من تصرف في أوراق مالية أو أدوات مالية على خلاف القواعد المقررة في هذا القانون".

وتنص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه - قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008 - على أنه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانون آخــــر، يعاقب بغرامــــة لا تقــــل عن ألفــــى جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون". وقد تم استبدال نص هذه المادة بالقانــــــــون رقم 123 لسنة 2008، ليصير "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، كل من يخالف الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون".

وتنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته على أنه "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون". وقد تم استبدال ذلك النص بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2018 – المعمول به اعتبارًا من 15/3/2018 – ليصير" يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، متى ثبت علمه بها وكانت المخالفة قد وقعت بسبب إخلاله بواجباته الوظيفية".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد أحالت المدعى للمحاكمة الجنائية – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية – بوصف أنه بتاريخ 28/6/2004، وبتاريخ سابق عليه، بصفته رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ليبون لتداول الأوراق المالية 1- تصرف في الأوراق المالية على خلاف الأوضاع المقررة قانونًا، بأن قام ببيع الأسهم الخاصة بأحد عملائها بدون الحصول على أوامر بيع موقعة منه. 2- بصفته الآنفة البيان، قام باتباع أساليب تنطوى على الغش والتدليس وإجراء عمليات من شأنها الإضرار بالمتعاملين معه والإخلال بحقوقهم، ولم يقم بمراعاة الأعراف التجارية ومبادئ العدالة والأمانة والحرص على مصالح العملاء، وذلك على النحو المبين بوصف الاتهام الأول، بالمخالفــــة للمواد (66/1، 67، 68، 69/1) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، ومواد اللائحة التنفيذية المرتبطة بها. وكان الفصل في دستورية ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباق أحكامها على نصى المادتين (66/1، 67) من القانون ذاته – قبل استبدال أولهما بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وثانيهما بالقانون رقم 123 لسنة 2008 - باعتباره النص المؤثم للفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، وقدم للمحاكمة الجنائية استنادًا إليه. سيكون له أثرً مباشرً، وانعكاسً أكيدً على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيه، الأمر الذى تتوافر معه للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريته، ويتحدد فيه وحده نطاق الدعوى المعروضة، دون ما تضمنه من أحكام أخرى.

ولا ينال من ذلك سبق صدور حكمين برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 1992 المشار إليه، أولهما: في الدعوى رقم 107 لسنة 23 قضائية "دستورية" بجلسة 14/3/2015، والآخر: في الدعوى رقم 186 لسنة 33 قضائية "دستورية" بجلسة 13/10/2018. ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 107 لسنة 32 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 1992 المشار إليه، في مجال انطباقه على نص الفقـرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من ذلك القانون المضافة بالقانون رقم 143 لسنة 2004. وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 186 لسنة 33 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (67) من ذلك القانون المستبدلة بالقانون رقم 123 لسنة 2008. ومن ثم، فإن نطاق حجية هذين الحكمين تكون بدورها مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من أحكامهما. ليبقى نص الفقرة الأولى من المادة (68) من ذلك القانون، في حدود النطاق المتقدم، خارجًا عن إطار النص الصادر في شأنه الحكمين المتقدمين، وقابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها في شأن مدى اتفاقه وأحكام الدستور، أو مخالفته إياها.

ولا يغير مما تقدم تعديل نص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، بموجب القانون رقم 123 لسنة 2008، وكذلك تعديل نص الفقرة الأولى من المادة (66) من القانون ذاته، بموجب القانون رقم 17 لسنة 2018. فقد شددت التعديلات التي جـرت على نصى المادتين (66/1، 67) من قانون ســوق رأس المال المار ذكره، الحد الأقصى لعقوبة الغرامة على الأفعال المؤثمة بهاتين المادتين، مما لا تُعد معه قانونًا أصلح للمتهم. ومن ثم، يظل المدعى مخاطبًا بنص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، في حدود نطاقه المتقدم.

ولا ينال من ذلك أيضًا إصدار المشرع القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه، ومن بينها نص الفقرة الأولى من المادة (68) منه، متبنيًّا في تعديلها الأسس ذاتها التي اعتنقتها هذه المحكمة عند بيانها لمقتضى أحكام ذلك النص، وضمنته مدونات حكمها الصادر في الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية" الآنف الذكر، وعينت فيه قواعد وضوابط المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية، وأسست عليه قضاءها برفض الدعوى، فأوجبت أن يكون ممن يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع على الشركة، واعتبر الإخلال به جريمة مؤثمة قانونًا، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه الجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، وبحيث لا تتحقق المسئولية الجنائية عن الجريمة في هذه الحالة إلا بتوافر أركانها، التى تلتزم سلطة الاتهام بإثباتها كاملة في حقه. وبذلك أتى النهج الذى سلكه المشرع بالنص بعد التعديل المذكور، مواكبًا لذات أسس المسئولية الجنائية وعناصرها وأركانها للمسئول عن الإدارة الفعلية التي أوضحها وكشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا على النحو المتقدم ذكره. وعلى ذلك، لم يأت النص بعد استبداله بأحكام جديدة تخالف في مضمونها ومحتواها الحقيقي ما قرره النص المطعون فيه قبـل استبداله بالنص الجديد.

وحيث إنه بشأن الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، في مجال انطباق أحكامها على نص الفقرة الأولى من المادة (67) من القانون ذاته، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008. فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا حسم تلك المسألة، وذلك ، بحكمها الصادر بجلسة 2/11/2019، برفض الدعوى رقــــم 156 لسنة 34 قضائية "دستوريـة"، المقامة طعنًا على دستوريتـه. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 44 مكرر (هـ) الصادر بتاريخ 5 نوفمبر سنة 2019. متى كان ذلك، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصى المادتين (48، 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أي جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى المعروضة في هذا الشق منها.

وحيث إنه بخصوص الطعن على الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، في مجال انطباق أحكامها على الفقرة الأولى من المادة (66) من القانون ذاته، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، فقد نعى عليه المدعى - في حدود النطاق المار ذكره - مخالفته نصوص المواد (41، 66، 67، 86، 165) من دستور سنة 1971، وتقابلها المواد (18، 19، 20، 46) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011. قولاً منه إنه يخل بمبدأي شخصية المسئولية الجنائية، وشخصية العقوبة، لافتراضه مسئولية القائم بالإدارة الفعلية للشركة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحميله تبعة جريمة ارتكبها غيره، بما يمثل افتئاتًا على اختصاص السلطة القضائية، ويحول دون ممارستها الحق في التثبت من ارتكاب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة للجريمة، فضلاً عما يمثله ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وإنكار لأصل البراءة.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التي تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى للنص التشريعي المطعون فيه – في النطاق السالف تحديده – تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية ذلك النص، الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه، من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إنه بشأن النعي بإخلال النص المطعون عليه - في حدود نطاقه المتقدم - بمبدأي شخصية العقوبة، والمسئولية الجنائية، ومساسه بالحرية الشخصية، فإنه مردود؛ ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية؛ نص في المادة (95) منه على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعــال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها. وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمـة ركنًا ماديًّا لا قـوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجـــــال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.

وحيث إن الأصل في الجرائم، أنها تعكس تكوينًا مركّبًا، باعتبار أن قوامها تزامنًا بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها ليهيمن عليها محددًا خطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها؛ ليكون القصد الجنائي ركنًا معنويًّا في الجريمة مُكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركنًا في الجريمة، وأصلاً ثابتًا كامنًا في طبيعتها، وليس أمرًا فجًّا أو دخيلاً مقحمًا عليها أو غريبًا عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشــر، ولكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحــــل الجريمة - في معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التي تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التي تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التي يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلين عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها. وغدا أمرًا ثابتًا – بوصفه أصلاً عاماً - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ومن ثَمَّ كان مقصودًا. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفًا على ماهيتها، مازال أمرًا عسرًا، إلا أن معناها - بوصفها ركنًا معنويًّا في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية، أو الجانحة، أو النوازع الشريرة المدبرة، أو تلك التي يكون الخداع قوامها، أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترنًا بقصد اقتحام حدوده، لتدل جميعها على إرادة إتيان الفعل بغيًا.

وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تتمثل في الإخلال بنص عقابي، وأن وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال. وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثَمَّ تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أثّم بموجب نص الفقرة الأولى من المادة (66) من قانون سوق رأس المال، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، القيام بالتصرف في الأوراق المالية على خلاف القواعد المقررة بالقانون، وعَدَّ تلك الجريمة جنحة معاقبًا عليها بغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، ويسأل عن هذه الجريمة المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، الذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يُعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة - حرصًا منه على التزام الشركات العاملة في سوق رأس المال بالضوابط التشريعيـــــــة؛ صونًا لحقوق عملائها، وبما ينعكس إيجابًا على العمل بسوق رأس المال - ليكون مناط مسئوليته عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة الفعلية للشركة، في حدود الصلاحيات الممنوحة له، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، دون أن يقيم النص المشار إليه مسئوليته عن فعل الغير، أو يقرر مسئوليته عن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها خارج نطاق الاختصاص والسلطة المعهود له بمباشرتها نيابة عن الشركة، ذلك أن الجريمة لا تقوم بحقه إلا بتوافر أركانها، التى يتعين دومًا على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التى نصت عليها المادة (68) المطعون عليها مع مبدأ شخصية العقوبة، على نحو يصون الحرية الشخصية .
وحيث إنه بشـأن النعي على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون المشار إليه - في حدود نطاقه المتقدم - إخلاله بأصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ نص في المادة (96) منه على أن " المتهم برىء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فمؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المنصفة - التي عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية، التي تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية التى عَدَّها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور القائم على إبرازها في المادة (96) منه.

وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورهـا، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي - ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به - إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هي التي يُعَدُّ إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التي افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها، وإنما يُؤسس افتراض البراءة على الفطرة التي جبـل الإنسـان عليها، فقــــد ولد حــــرًا مبرءًا مــــن الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة مازال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض، على ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبا فيها، وحق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التي طرحتها بأدلة النفي التي يعرضها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تُعَدُّ في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويُعَدُّ إنفاذها مفترضًا أوليًّا لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها.

وحيث إن من المقرر – أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ اختص بموجب المادة (101) منه السلطة التشريعية بسن القوانين، كما نص في المادتين (184، 188) منه على استقلال السلطة القضائية، واختصاصها بالفصل في المنازعات والجرائم، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندهــــا الدستور للسلطة القضائية وقصرها عليها، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وعلى ذلك، فإن الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المطعون فيه، في حدود النطاق الذى تطرحه الدعوى المعروضة، ألقى على عاتق المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة المسئولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها، وقرن ثبوتها في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانونى، الذى عَدَّ المشرع الإخلال به جريمة، ولم يعف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت أركان الجريمة في حقه، بما في ذلك ثبوت قيامه بالإدارة الفعلية، كما لم يحل بينه وبين نفى عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية في شتى الدعاوى الجنائية. وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم - يكون قد جاء خلوًا من أى قرينة قانونية تعارض أصل البراءة، ومن ثَمَّ فإن أحكامه تكون مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.


وحيث إن النص المطعـون فيه لا يتعارض مع أى نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.


فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية العقاب على جريمة البناء بدون ترخيص

الدعوى رقم 199 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 2 / 1 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2021م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 199 لسنة 32 قضائية "دستورية".


المقامة من

حنان فوزى سيد أحمد الغراب

ضـــد

1- رئيس الجمهوريــــــــــــــــــة

2- رئيس مجلس الوزراء

3- وزير العــــــــــدل

4- وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية

5- النائــــــــب العــــــــــــام


الإجراءات

بتاريخ الثامن من ديسمبر سنة 2010، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (38/1، 39/1، 102/1) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/12/2020، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.


المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة، كانت قد أسندت إلى المدعية، في الجنحة رقم 775 لسنة 2010 مركز شبين الكوم، أنها بتاريخ 12/1/2010، أقامت بناء – دور ثالث علوى – بدون ترخيص. وقدمتها إلى المحاكمة الجنائية، بطلب عقابها بالمواد ( الأولى، والفقرة الأولى من المادة الثانية، والمادة الثالثة، و38، 39، 102) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008. وبجلسة 9/2/2010، قضت المحكمة غيابيًّا بحبس المدعية ثلاثة أشهر مع الشغل. عارضت المدعية في الحكم، وإبان نظر المعارضة، قدمت مذكرة، دفعت فيها بعدم دستورية مواد الاتهام، وبجلسة 31/10/2010 ، قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة، بطلباتها السالفة البيان.

وحيث إن المادة (38) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 2015، تنص على أنه " تسرى أحكام هذا الباب في شأن تنظيم أعمال البناء على كافة أعمال العمران بوحدات الإدارة المحلية والمناطق السياحية والصناعية والتجمعات العمرانية الجديدة وعلى المباني والتجمعات السكنية التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص".

وتنص المادة (39) من القانون ذاته في فقرتها الأولى على أنه "يحظر إنشاء مبان أو منشآت أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدم المباني غير الخاضعة لقانون هدم المباني غير الآيلة للسقوط جزئيًّا أو كليًّا أو إجراء أى تشطيبات خارجية دون الحصول على تراخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم وفقًا للاشتراطات البنائية وقت إصدار الترخيص ولما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون".

كما تنص الفقرة الأولى من المادة (102) من القانون السالف البيان على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة، كل من قام بإنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدمها بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة".

وحيث إن المدعية تنعى على نص المادة (38) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – قبل تعديله بالقانون رقم 23 لسنة 2015 – مخالفته مبدأ المساواة، باستبعاد تطبيق أحكام ذلك القانون على بعض أعمال العمران، وقصر نطاق سريانه المكاني على أماكن محددة، منها وحدات الإدارة المحلية. وتنعى على نص المادة (39/1) من القانون ذاته، إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص، وعلى المادة (102/1) من القانون المشار إليه، عدم تناسب عقوبة الغرامة مع جسامة الجرم المنصوص عليه في ذلك النص، مما تنحل معه هذه الغرامة إلى افتئات على الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة.

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.

وكان المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه لا يحول دون الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته.

وحيث إن البناء موضوع اتهام المدعية يقع بدائرة الوحدة المحلية لمركز شبين الكوم، وقد نسب إليها إقامته بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، بما تكون معه مواجهة بالعقوبة المقررة لهذا الفعل، المنصوص عليها بالشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (102) من القانون رقم 119 لسنة 2008، التي نصت في شطرها الثاني على تأثيم فعل إقامة مبان بدون ترخيص، متماهية، في الحكم عينه، مع حظر الفعل ذاته، الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة (39) من القانون المشار إليه. وكانت المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية تتحقق في الطعن على النص الذى خضع بمقتضاه البناء الذى أقامته لقانون البناء السالف البيان، كما تتحقق هذه المصلحة في إبطال النص العقابي لهذا الفعل، دون النص على حظر إقامة مبان بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، الوارد في الفقرة الأولى من المادة (39) من القانون رقم 119 لسنة 2008، مادام أن ذلك النص ، بذاته، لا يتضمن جزاءً جنائيًّا، له أي انعكاس على الدعوى الموضوعية، وإنما استغرق حكمة، في مجال حظر فعل البناء بدون ترخيص، نص الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة (102) المار بيانها، التي استطالت بذلك الحظر إلى دائرة التأثيم الجنائي. ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى المعروضة، فيما نص عليه صدر المادة (38) من القانون رقم 119 لسنة 2008 – قبل تعديله بالقانون رقم 23 لسنة 2015 – من أنه "تسرى أحكام هذا الباب في شأن تنظيم أعمال البناء على كافة أعمال العمران بوحدات الإدارة المحلية"، وكذلك ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة (102) من القانون ذاته من أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عـن خمس سنوات أو الغرامـة التي لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة، كل من قام بإنشاء مبان .... بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة".

وحيث إن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارتها المدعية على النصين المطعون عليهما – محددين نطاقًا على ما سلف بيانه – تندرج تحت المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون عليهما، اللذين مازالا قائمين ومعمولاً بأحكامهما، في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المساواة أمام القانون ليست مبدأ تلقينيًّا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صمّاء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد وتوقى شر تقدر ضرورة رده، وكان دفعها الضرر الأكبر بالضرر الأقل لازمًا، فإن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفًا عن نزواتها، ولا منبئًا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقادًا تتفلت بها ضوابط سلوكها، ولا هشيمًا معبرًا عن بأس سلطاتها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفًا، ومن الجائز بالتالي، أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها.

وحيث إن البين من المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، في شأن المادة (38) من ذلك القانون، قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 2015، أنها حددت نطاق سريان باب تنظيم أعمال البناء على كافة وحدات الإدارة المحلية من المدن والقرى، وكان ما أوردته تلك المذكرة إنما هو استصحاب لمسئولية الدولة – في مجال تنظيم مرفق البناء والتشييد – عن وضع الخطط الاستراتيجية العامة للتنمية العمرانية، في ضوء الواقع العمراني القائم، واحتياجات التوسعة المستقبلية، بمراعاة الأحوزة العمرانية المعتمدة داخل كل وحدة محلية، والضرورات المرفقية القائمة، والطابع البيئي والسكاني لكل منطقة.

وحيث إن المادة (38) من القانون رقم 119 لسنة 2008، المار ذكرها، تقرر خضوع جميع أعمال العمران التي تتم بوحدات الإدارة المحلية لأحكام الباب الثالث من قانون البناء المشار إليه، وكان التنظيم المرفقي للبناء والعمران من أدخل ما تختص بإقراره السلطة التشريعية، وكان إقرارها إيّاه منضبطًا بدافع التنمية العمرانية ذات الوجه الحضاري، الذى يستشرف قيم العيش المتمدن، بما يفرضه على الدولة من التزام بمد المرافق الأساسية لجميع وحدات الحكم المحلى، وما يقابله من التزام القائمين على تنفيذ ترخيص البناء في تلك الوحدات المحلية، بالشروط البنائية التى تبينها اللائحة التنفيذية للقانون المذكور، وإذ أقرت المادة (53) من الدستور مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات والواجبات العامة، فإن إعماله، في نطاق الدعوى المعروضة، يُلزم بالمساواة بين القائمين على أعمال العمران بالأماكن التي يسري في شأنها النص المطعون عليه، مع مفارقته غيرها من الأماكن التي لا ينطبق في شأنها ذلك النص، وهو عين ما أفصحت عنه عبارة النص ذاته، من خضوع أعمال العمران داخل جميع الوحدات المحلية لأحكام الباب الثالث في شأن تنظيم أعمال البناء. ومن ثم فإن قالة إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة، بقصر سريان أحكامه على أعمال البناء التي تقام في النطاق المكاني الوارد في ذلك النص، دون غيرها، إنما ينشد الانسلاخ التام من تطبيق أحكام القانون رقم 119 لسنة 2008، على كافة أعمال البناء بدون ترخيص، والمساواة في المعاملة القانونية مع غير المخاطبين بهذا القانون، وذلك على الرغم من اختلاف المراكز القانونية لكل منهم اختلافًا بيّنًا - على ما خُص به المخاطبون بحكم القانون المشار إليه من حقوق والتزامات – سلف بيانها – ومن ثم يضحى نعى المدعية على نص المادة (38) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – قبل تعديله بالقانون رقم 23 لسنة 2015 – غير قائم على سند يقيمه، خليقًا بالالتفات عنه، ورفضه.

وحيث إن المتواتر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن نص التجريم يتحدد من منظور اجتماعي، وموافقته للدستور من عدمها، تحدده الضرورة التى اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ترسم الدستور في اتجاهه إلى النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية، قد أورد في المادة (95) منه، أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التي ينظرها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها من بعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير القصد الجنائي، لا تعزل المحكمة نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة. وكان المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الجرائم العمدية جميعها، أنها تعكس تكوينًا مركبًا، باعتبار أن قوامها تزامن بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها، ليهيمن عليها ويكون محددًا لخطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها، فلا يكون القصد الجنائي إلا ركنًا معنويًّا في الجريمة مكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الجريمة المنصوص عليها في الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة (102) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – محددة نطاقًا على ما سلف بيانه – تندرج ضمن الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، الواردة خارج الكتاب الثاني من قانون العقوبات، بحسبان انطوائها على إخلال بمقتضيات الشروط البنائية داخل وحدات الحكم المحلى، وما يستتبعه ذلك من افتئات على ضوابط التخطيط العمراني والتنسيق الحضاري المقرر، وما ينطوي عليه أيضًا من أخطار تهدد حياة وأموال شاغلي المباني غير المرخص بها، التي أقيمت في غيبة من شروط وضوابط السلامة الإنشائية التي حددتها اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه، وما يمثله ذلك من إخلال بالتزام الدولة – بأجهزتها المختلفة – بالحفاظ على أمن وسلامة مواطنيها، فضلا عن الإضرار بالعناصر الإيجابية للذمة المالية للدولة، بالإفلات من سداد رسوم الترخيص، تلك الأضرار التي تتعاظم فيما لو أقيمت مبانٍ بدون ترخيص على أرض مملوكة للدولة ملكية عامة أو خاصة في دائرة وحدة محلية. إذ كان ذلك، وكانت عبارة النص المؤثم لفعل إقامة مبان في دائرة إحدى الوحدات المحلية بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، قد صيغت صياغة واضحة، لا خفاء فيها ولا غموض، مستظهرة، في إفصاح جهير، ماهية الركن المادي لتلك الجريمة، وحددته في إقامة مبانٍ في دائرة وحدة محلية – مدينة أو قرية – دون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، وقطعت بكونه من الأفعال العمدية، التي يقارنها قصد جنائي عام، يرنو إلى تحقيق النتيجة الإجرامية الناشئة عن الفعل المادي، ليتسق ركنا الجريمة، في وحدة تنال – حال تحققها – من المصلحة المحمية بالنص المطعون فيه، ومن ثم يغدو النص مستويًا على قواعد الدستور ومبادئه المقررة في شأن التجريم في المواد الجنائية.

وحيث إن الأصل في العقوبة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عن أن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في تنظيم بعض العلائق التي يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة تقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها. وهو بذلك يتغيا أن يحدد – من منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلك الحدود التي لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد – عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة – أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها – بحسب ظروف كل دعوى – لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففي الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقد جوهر وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت العقوبة المنصوص عليها في الشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (102) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – محددة في مجال تطبيقها على إقامة مبان بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة – هي عقوبة تخييرية بين الحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة، وكانت عقوبة الحبس السالف بيانها – وهى أخف العقوبات السالبة للحرية – إنما قررت لمواجهة جريمة عمدية، تهدد من ناحية سلامة شاغلي تلك المباني، وأموالهم، ومن ناحية أخرى تضر بمصلحة عامة مؤكدة، وتتصدى لظاهرة تفشى إقامة مبان غير مرخصة من جهة الإدارة، بما تحمله هذه الظاهرة من دلالات سلبية ، تنال من توجه الدولة نحو إنشاء بيئة حضارية، وتنتهك مشروعاتها في مجالات التخطيط العمراني والتنسيق الحضاري. وتقوض فرصها في القضاء على تجمعات بنائية عشوائية، تتداعى في وجودها كل فرص التنمية البشرية، فضلاً عما تُحمّله للمرافق الإنشائية من أحمال لا طاقة لها بحملها، وكانت عقوبة الغرامة المار بيانها، كعقوبة أصلية بديلة عن عقوبة الحبس، روعي عند إقرارها أنها ترد على الجانى قصده في شأن تحقيق منافع مالية من إقامة مبان غير مرخص بها من جهة الإدارة – على التفصيل السابق بيانه -، وكانت نسبية هذه الغرامة تهدف إلى رد الضرر الناشئ عن الجريمة، وإيلام مرتكبها بالنيل من العناصر الإيجابية لذمته المالية، بإلزامه بأداء مثلى قيمة الأعمال المخالفة أو ثلاثة أمثالها، مما يردع الجاني ردعًا يتحقق به أحد أغراض العقوبة. متى كان ذلك، وكانت العقوبة الواردة بالنص المطعون عليه، في مجال التفريد القضائي، قد التزمت ضوابطه، وانضبطت بحدوده، بدءًا من مراوحة عقوبة الحبس بين حد أدنى لا ينقص عن 24 ساعة، إلى حد أقصى لا يجاوز خمس سنوات، والشأن ذاته في عقوبة الغرامة المالية، التي يُقضى بها بين حد أدنى مقداره مثلى قيمة الأعمال المخالفة، وحد أقصى مقداره ثلاثة أمثال هذه القيمة، وكانت عقوبة الحبس – إن قُضى بها – مدة لا تزيد عن سنة، يجوز إيقاف تنفيذها، كما يجوز إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة في حديها الأدنى والأقصى، مما مؤداه أن النص المطعون عليه – في مجال العقوبة المقررة به – يتيح لمحكمة الموضوع أداتين تشريعيتين، أي منهما، تمكنها من إعمال سلطتها في تفريد العقوبة، بوزن إثم كل جانٍ على حده، ومن ثم يكون النص المطعون عليه -(102/1) من قانون البناء- في شأن التجريم والعقاب، جاء موافقًا لأحكام الدستور، ويغدو الطعن عليه لا أساس له، خليقًا بالالتفات عنه.

وحيث إن النصين المطعون عليهما – محددين نطاقًا على ما سلف بيانه – لا يخالفان أحكامًا أخرى في الدستور

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.