الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

عدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في تعارض نصين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين

الدعوى رقم 154 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019

 باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 154 لسنة 32 قضائية "دستورية".
المقامة من
محمود محمد محمود الحفناوى
ضــــد
1- رئيس الجمهوريـــــــة
2- رئيس مجلس الشعـب (النواب حاليًا)
3- وزير العــــــــدل
4- رئيس مجلس الوزراء



الإجـراءات
بتاريخ الرابع عشر من أغسطس سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (418) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من الإحالة إلى نص المادة (401) من القانون ذاته.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 3178 لسنة 2003 جنح قسم السيدة زينب، وطلبت عقابه بالمادة (340) من قانون العقوبات. وإذ صدر حكم تلك المحكمة بإدانته فقد طعن عليه بالاستئناف المقيد برقم 559 لسنة 2004 أمام محكمة مستأنف جنح السيدة زينب، التي قضت ببراءة المدعى مما أُسند إليه. طعنت النيابة العامة، والمدعى بالحق المدني في الحكم المستأنف بالنقض المقيد برقم 56207 لسنة 76 قضائية، فقضت محكمة استئناف القاهرة – دائرة طعون النقض – بنقض الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة مستأنف جنح السيدة زينب لنظرها أمام دائرة أخرى. وبجلسة 23/11/2009 قضت محكمة الإعادة غيابيًّا بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. لم يلق الحكم المذكور قبولاً من المدعى فطعن عليه بالمعارضة الاستئنافية، وطلب من هيئة المحكمة التنحي عن نظر المعارضة لسبق إبدائها الرأي في موضوع القضية بموجب حكمها الغيابي سالف الإشارة إليه، إلا أنها مضت في نظر الدعوى، مما حدا به إلى طلب رد رئيس الدائرة المنظور أمامها معارضته الاستئنافية، وقيد طلب الرد برقم 128 لسنة 127 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة. تدوول طلب الرد بالجلسات، وطلب المدعى التصريح له بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على نص المادة (418) من قانون الإجراءات الجنائية بما تضمنته من الإحالة إلى نص المادة (401) من القانون ذاته؛ لمخالفتهما للمادة (67) من دستور ،1971 والمادة (247) من القانون المار ذكره. وبجلسة 9/6/2010 صرحت المحكمة التى تنظر طلب الرد للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن نص المادة (401) من قانون الإجراءات الجنائية يجرى على أن "يترتب على المعارضة إعادة نظر الدعوى بالنسبة إلى المعارض أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، ولا يجوز بأية حال أن يضار المعارض بناءً على المعارضة المرفوعة منه.
      ومع ذلك إذا لم يحضر المعارض في أي من الجلسات المحددة لنظر الدعوى تعتبر المعارضة كأن لم تكن، ويجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تحكم عليه بغرامة إجرائية لا تجاوز مائة جنيه في مواد الجنح ولا تجاوز عشرة جنيهات في مواد المخالفات، ولها أن تأمر بالنفاذ المؤقت ولو مع حصول الاستئناف بالنسبة للتعويضات المحكوم بها، وذلك حسب ما هو مقرر بالمادة (467) من هذا القانون.
      ولا يقبل من المعارض بأي حال المعارضة في الحكم الصادر في غيبته، وللمحكمة في هذه الحالة أن تحكم عليه بغرامة إجرائية لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتى جنيه في مواد الجنح ولا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز عشرين جنيهًا في مواد المخالفات".
وتنص المادة (418) من القانون المار ذكره على أن "يتبع في الأحكام الغيابية والمعارضة فيها أمام المحكمة الاستئنافية ما هو مقرر أمام محاكم أول درجة".
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إذ وسد لقاضى المعارضة الاستئنافية الذي شارك في إصدار الحكم الغياب المعارض فيه، أن يفصل في المعارضة ذاتها مجددًا، فإن ذلك النص – حسبما ارتأى المدعى - يكون مخالفًا لنصي المادتين (67، 68) من دستور 1971؛ لإخلاله بأصل البراءة، وحيدة القضاء، وإهداره حق الدفاع وضمانات المحاكمة المنصفة، فضلاً عن تعارضه مع نص المادة (247) من قانون الإجراءات الجنائية.

وحيث إن هذا النعي في وجهه الأخير مردود بأن الرقابة القضائية التي تُباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية، على ما جرى به قضاؤها، مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور؛ ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًّا – بذاته – على مخالفة دستورية.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص المطعون عليها انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. هذا؛ ويجب أن تتوافر المصلحة ليس فقط وقت رفع الدعوى الدستورية، وإنما يتعين أن تظل قائمة حتى الفصل فيها.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يتحدد في طلب المدعى رد رئيس دائرة محكمة الجنح المستأنفة التي تنظر معارضته الاستئنافية في الدعوى المقيدة برقم 559 لسنة 2004 مستأنف جنح السيدة زينب، المقامة منه طعنًا على الحكم الغيابي الاستئنافي الصادر منها بجلسة 23/11/2009، على سند من سبق نظر القاضي المطلوب رده للدعوى ذاتها، وإبدائه رأيًّا فيها، على نحو يفقده صلاحيته لنظرها. إذ كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أنه بتاريخ 30/1/2014 قُضى في المعارضة الاستئنافية المقيدة برقم 559 لسنة 2004 جنح مستأنف السيدة زينب – بهيئة مغايرة لهيئة المحكمة المطلوب رد رئيسها– ببراءة المدعى ورفض الدعوى المدنية، ولم تطعن النيابة العامة على ذلك الحكم بالنقض، ومن ثم فقد تحققت للمدعى غايته من طلب الرد؛ بحجب رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم الاستئنافي الغيابي عن نظر المعارضة فيه، وامتناع معاودته الاتصال بالدعوى المستأنفة بعد انقضائها عملاً بمفهوم الموافقة لنصى المادتين (454، 455) من قانون الإجراءات الجنائية، بما مؤداه زوال مصلحة المدعى في الطعن على النص المطعون فيه، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

دستورية تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات (حد التسجيل)


الدعوى رقم 291 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 291 لسنة 30 قضائية "دستورية".
المقامة من
ورثة/ محمد كمال مصطفى الحديدى، وهم:
1-    نادر محمد كمال مصطفــــى الحديدى
2- ناجى محمد كمال مصطفى الحديدى
3- نبيل محمد كمال مصطفــــى الحديدى

ضد
1 – رئيس الجمهوريــــة
2 - رئيس مجلس الــــــوزراء
3 – وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب المصرية
4- مدير عام مأمورية ضرائب المبيعات المنشية

الإجراءات
  بتاريخ السابع عشر من ديسمبر سنة 2008، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة الدعوى المعروضة، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 فيما قضت به من أن يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه، وسقوط الفقرة الثالثة من المادة ذاتها.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
   وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعين سبق أن أقاموا الدعوى رقم 6485 لسنة 2005 مدنى كلى، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، بطلب الحكم أصليًّا: بإلغاء تسجيل منشأتهم لدى مأمورية ضرائب مبيعات المنشية، لانعدام الأساس القانوني لتحصيل وتوريد الضريبة العامة على المبيعات من مستهلكي الساعات المستوردة التي يتجرون بها. واحتياطيًّا: ندب خبير لتحقيق دفاعهم في شأن طبيعة النشاط الذى يزاولونه، ومدى خضوعه لقانون الضريبة العامة على المبيعات. وذلك على سند من القول بأن نشاطهم هو بيع ساعات بالتجزئة، وهى سلع مستوردة يتم بيعها دون إحداث تغيير في حالتها، وفى إطار تطبيق المرحلة الثانية والثالثة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادرة بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تم حملهم على التسجيل لدى مصلحة الضرائب العامة على المبيعات؛ ليغدوا ملتزمين بتقديم إقرارات ضريبة شهرية عن نشاطهم المشار إليه، في حين أن هذه السلع سبق تحصيل الضرائب عنها في مرحلة الإفراج الجمركي، بما يحق لهم إلغاء تسجيلهم. ندبت المحكمة خبيرًا انتهى إلى أن تسجيل المدعين كان تسجيلاً اختياريًّا عن نشاطهم بيع ساعات مستوردة، وأنهم قدمـوا إقرارات ضريبية سلبية، وأن مبيعاتهـم خلال فترة التداعي، وبحسبانهم تجار تجزئة، تجاوزت حد التسجيل. وبجلسة 13/10/2008 دفـع المدعـون بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية، أقاموا دعواهم المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طُبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعي بين المدعين ومصلحة الضرائب على المبيعات، تدور حول مدى أحقية المصلحة في مطالبة المدعين بفروق ضريبة مبيعات عن النشاط الذى يزاولونه خلال المدة من 19/3/2002 حتى 31/3/2004. ومن ثم يظل المدعون مخاطبين ضريبيًّا عن المــدة المشـار إليها بموجب أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وتعديلاته، بما في ذلك المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 – المطعون على فقرتها الثانية -، ولا يُغير من ذلك إلغاء قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه بموجب المادة الثانية من مواد إصدار القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة، أو ما تضمنه ذلك القانون الأخير من رفع قيمة حد التسجيل.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "تسري اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون المرحلتان الثانية والثالثة من مراحل تطبيق الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
ومع عدم الإخلال بحد التسجيل المنصوص عليه في ذلك القانون بالنسبة للمنتج الصناعي ومؤدى الخدمة والمستورد ومنتج سلع الجدول رقم (1) المرافق لذات القانون يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه.
وعلى التاجر المكلف وفقًا لأحكام هذا القانون أن يتقدم إلى مصلحة الضرائب على المبيعات لتسجيل اسمه وبياناته وفقًا للأحكام المنصوص عليها في المادة (18) من ذات القانون، وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ العمل بهذا القانون، على أن يتم تحصيل الضريبة اعتبارًا من أول الشهر التالي لانتهاء تلك المدة".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، لانتفاء المصلحة، على سند من أن المدعين غير ملتزمين بأداء الضريبة العامة على المبيعات، لكونها ضريبة غير مباشرة، يتحمل عبئها المستهلك، وينحصر دور البائع في تحصيل الضريبة وتوريدها لمصلحة الضرائب على المبيعات؛ فذلك مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمـة من أن المصلحة – وتندمج فيها الصفة – من الشروط الجوهرية التي لا تُقبل الدعوى الدستورية في غيبتها، وقوامها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المطروحة أمام محكمة الموضوع، وهى لا تعتبر متوافرة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي لأحكام الدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد ألحق به ضررًا مباشرًا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة، ويتحدد مفهومها على ضوء عنصرين يحددان معًا مضمونها، أولهما: أن يقيم المدعى – في حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًّا اقتصاديًّا أو غيره قد لحق به. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون فيه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئًا عن هذا النص ومترتبًا عليه. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعين إلغاء تسجيل نشاط منشأتهم لدى مأمورية ضرائب المبيعات، لكونهم تجار تجزئة يبيعون ساعات مستوردة دون إدخال أي تغيير على حالتها، وكانت طلباتهم الختامية التى تضمنتها صحيفة دعواهم المعروضة قد انصبت على ما نص عليه عجز الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 – المطعون فيه – من أن "يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه"، الذى أخضع تجار الجملة وتجار التجزئة لقيد التسجيل المفروض بنص المادة (18) من القانون رقم 11 لسنة 1991، وعين حد التسجيل لكل تاجر، وهو بلوغُ مبيعاته السنوية مائة وخمسين ألف جنيه. الذى يتضرر المدعون منه، الأمر الذى يكون معه الفصل في دستورية هذا النص، في حدود نطاقه المتقدم، أمرًا لازمًا لتحديد التزامات المدعين القانونية بالتسجيل، وما يستتبعه ذلك من بقاء أو زوال التزاماتهم القانونية المترتبة على اكتساب صفة المكلف، وأخصها الالتزام بالإقرار عن حجم مبيعاته من السلع والخدمات الخاضعة للضريبة وتحصيل الضريبة وتوريدها للمصلحة في المواعيد المقررة قانونًا، وما يترتب على ذلك بحكم اللزوم من اعتبار الضريبة في مثل هذه الحالة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – جزءًا من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها، بما يؤدى إلى زيادة تكلفتها، ويؤثر بالضرورة في فرص تسويقها، التى تتحكم فيها قوانين عرض وطلب السلعة في الأسواق، وهو ما يؤثر على حجم تداول السلع التى يتعامل فيها التاجر، الأمر الذى تتحقق معه مصلحة المدعين في الطعن على هذا النص في حدود الإطار المتقدم، بحسبان أن الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما يتعين معه الالتفات عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة سالف الذكر.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه مخالفة نصوص المواد (8، 38، 40) من دستور 1971، قولاً منهم أن ذلك النص ألزم من بلغ حد التسجيل - وهو مائة وخمسين ألف جنيه - من تجار التجزئة والجملة بالتزامات عديدة، باعتبارهم من المكلفين بتحصيل الضريبة لسلع مستوردة تباع على حالها دون تغيير، رغم سبق سداد الضريبة العامة على المبيعات في مرحلة الإفراج الجمركى، بما يعكس ازدواجًا في تحصيل مبلغ الضريبة، فضلاً عن أن إلزام التاجر بإضافة الضريبة إلى ثمن السلعة وتحصيلها من المستهلك وتوريدها، يؤدى إلى ارتفاع ثمن السلعة وعزوف المستهلك عن الشراء لارتفاع ثمنها، ويجعل كبار التجار الذين بلغوا حد التسجيل أقل بيعًا وكسبًا من التجار الذين لم تبلغ مبيعاتهم حد التسجيل، الأمر الذى يُشكل تمييزًا تحكميًّا بينهم بما يخل بمبدأ المساواة، كما أن ذلك النص يتخذ من الجباية هدفًا، ولم يوازن بين حق الدولة في استئداء دين الضريبة، وبين الضمانات الدستورية والقانونية المقررة في مجال فرضها على أفراد المجتمع، بما يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والعدالة الضريبية التى كفلها الدستور.
      وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح في خصوص مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات لكونها أسمى القواعد الآمرة، متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعين إلى النص التشريعي المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعى، وكان ذلك النص قد ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى تاريخ العمل بالدستور القائم، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014.
      وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة، بدءًا بدستور سنة 1923 وانتهاءً بالدستور الحالى – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - قد رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة، التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام.
      وحيث إن من المقرر – أيضًا -    في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعى أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا، وليس واهيًا بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
      وحيث إن الدستور الحالى قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التى يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالى فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التى تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
      وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
      وحيث إن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عِبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمها نص المادة (38) من الدستـــــور، ويتعين بالتالي – بالنظـر إلى وطأتهـا وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًّا أن يلزم المشرع الدستورى في المادة (38) من الدستور الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب، ونص على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاءً لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة المنشأة للضريبة.

      وحيث إن الأصل في الضريبــة العامة على المبيعات – بحسبانها من الضرائب غير المباشرة – أن يتحمل المستهلك عِبْأها، ومن ثم كان يتعين تحصيلها منه مباشرة، باعتبار أنها في حقيقتها ضريبة على الاستهلاك، غير أنه لتعذر تطبيق ذلك من الناحية العملية، لكثرة المستهلكين، وضخامة عددهم وصعوبة تحصيل هذه الضريبة منهم، وزيادة نفقاته، كان منطقيًّا أن يتجه المشرع إلى تحديد ملتزم آخر بأدائها؛ لتحقيق سرعة وسهولة ضبط عملية تحصيل الضريبة، وضمان توريدها إلى الخزانة العامة بما يحقق الغرض المقصود منها وهو الحصول على غلتها لمواجهة الإنفاق العام الناتج عن التوسع في المشروعات العامة التى تتصل بالمجالات المختلفة.

وحيث إن المشرع في مجال تحديده لوسائل تحصيل ضريبة المبيعات، اتخذ من التسجيل لدى مصلحة الضرائب على المبيعات وسيلة لحصر المكلفين والسلع والخدمات الخاضعة للضريبة، والرقابة على تحصيلها وتوريدها، إذ عرفت المادة (1) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المسجل بأنه هو المكلف الذى تم تسجيله لدى المصلحة وفقًا لأحكام هذا القانون، والذى يلتزم طبقًا لنص المادة (5) من القانون ذاته بتحصيل الضريبة والإقرار عنها، وتوريدها للمصلحة في المواعيد المقررة قانونًا، وحددت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 – المطعون فيها – حد التسجيل الإجبارى وهو بلوغ أو مجاوزة إجمالى قيمة مبيعات التاجر خلال الاثنى عشر شهرًا السابقة على تاريخ العمل بالقانون أو في أية سنة مالية أو جزء منها بعد العمل به مبلغ مائة وخمسين ألف جنيه، وعلة هذا التحديد كما جاء بمضبطة جلسة مجلس الشعب السادسة والستين المعقودة بتاريخ 20/5/2001 هو التخفيف عن كاهل صغار التجار الذين لم تصل حجم مبيعاتهم هذا الحد من الإمساك بالدفاتر وتحميلهم عبء التسجيل الإجبارى بضريبة المبيعات، وأن انضمام هذا العدد من التجار، مرتبط بقدرات وإمكانات مصلحة الضرائب في الإشراف وتحقيق الرقابة الفعالة، ومراجعة الإقرارات الضريبية لهذا العدد الذى يمكن أن ينضم للتسجيل عند تطبيق القانون بما يؤدى إلى تحقيق اليسر والسهولة في تحصيل هذه الضريبة، ضمانًا لمصلحة الخزانة العامة، كما أن التجار غير المسجلين بمصلحة الضرائب على المبيعات لا يستفيدون مما يتيحه التسجيل من مزايا أخصها حق المسجل في أن يخصم من الوعاء الضريبى له المبالغ التى سبق تحصيلها منه كضريبة مبيعات عند شرائه السلع، وهو ما لا يتوافر بالنسبة لغير المسجل، الذى يُحاسب ضريبيًّا على إجمالى مبيعاته ودخله دون مراعاة أنها تتضمن ضريبة مبيعات لا يستطيع خصمها من الدخل. فضلاً عن ذلك فإن المشرع بالنص المطعون فيه بتقريره الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة من مراحل تطبيق قانون الضريبة العامة على المبيعات قد ابتغى تنظيم المجتمع الضريبى وانضباطه وتوسعته ليكون الالتزام بالتسجيل بما يفرضه من انتظام السجلات وإمساك الدفاتر والتعامل بالفواتير المنتظمة وفق حسابات منظمة، وبما يؤدى إليه هذا التسجيل من خصم الضرائب التى سبق سدادها، وإخضاع القيمة المضافة فقط للضريبة بما لا يشكل تكرارًا أو ازدواجية في فرضها، ويقيم توازنًا بين مصالح الأطراف المختلفة، قرره المشرع بقواعد مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامه ممن بلغوا حد التسجيل المقرر قانونًا. كما أن الأهداف التى توخاها المشرع من تقرير هذا النص – من توسعة دائرة المكلفين، وما يؤدى إليه من تحصيل الضريبة على مختلف السلع والخدمات الخاضعة للضريبة العامة على المبيعات، باعتبارها أحد مصادر إيرادات الدولة – تتصل اتصالاً منطقيًّا ووثيقًا بالتنظيم الذى أتى به النص المطعون فيه، ومن ثم فإن ادعاء مخالفة النص المطعـــــون فيه لمبـــــادئ تكافـــــؤ الفـــــرص، أو العــــــــــدالة الاجتماعيـــــة، أو المساواة بما يخالف المواد (4، 9، 38، 53) من الدستور يكون في غير محله.

وحيث إنه عن طلب المدعى سقوط نص الفقرة الثالثة من النص المطعون فيه، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السقوط لا يُعد طلبًا مستقلاً بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التى تملكها المحكمة الدستورية العليا، بمناسبة قضائها في الطلبات الأصلية المطروحة عليها، ويتصل بالنصوص القانونية التى ترتبط بها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى في حدود نطاقها المشار إليه، فإن هذا الطلب يكون حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الدستور.

فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين بالمصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الأحد، 1 ديسمبر 2019

الطعن 729 لسنة 36 ق جلسة 21 / 5 / 1966 مكتب فني 17 ج 2 ق 162 ص 862


جلسة 21 من يونيه سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول، ونصر الدين عزام.
------------
(162)
الطعن رقم 729 لسنة 36 القضائية

(أ وب وج) مأمورو الضبط القضائي. "اختصاصهم". استجواب.
(أ ) الاستجواب. ماهيته: هو مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ومناقشته مناقشة تفصيلية كيما يفندها إن كان منكراً للتهمة أو يعترف بها.
(ب) لمأمور الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات سؤال المتهمين عن التهم المسندة إليهم. ليس له استجوابهم.
(ج) إرسال مأمور الضبط القضائي الشهود إلى النيابة العامة بعد جمعه للاستدلالات غير واجب.
(د) "حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب". محاكمة. "إجراءاتها".
للمحكمة إذا استحال عليها سماع الشهود الرجوع إلى أقوالهم في التحقيقات والاعتماد عليها في حكمها.
(هـ) تزوير. "الطعن بالتزوير". محكمة الموضوع. دعوى جنائية. "وقف السير فيها".
الطعن بالتزوير في ورقة مقدمة في الدعوى من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع. للمحكمة ألا تحقق الطعن بنفسها وألا تحيله إلى النيابة العامة وألا توقف الفصل في الدعوى الأصلية إذا قدرت أن الطعن غير جدي.
(و) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذي يعيب الحكم: هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
(ز) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير صحيح.

-------------
1  - الاستجواب - وهو إجراء حظره القانون على غير سلطة التحقيق - هو مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ومناقشته مناقشة تفصيلية كيما يفندها إن كان منكراً للتهمة أن يعترف بها إذا شاء الاعتراف. [(1)]
2 - تنص الفقرة الأولى من المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبها وأن يسألوا المتهم عن ذلك". ولما كانت الطاعنة تسلم في طعنها بأن كل ما جرى من مأموري الضبط القضائي في محضر جمع الاستدلالات هو أنه سأل المتهمين عن أسمائهم وعناوينهم وسنهم وعن التهم الموجهة إليهم، فإن الحكم المطعون فيه وقد عرض للدفع ببطلان الدليل المستمد من اعتراف من اعترف منهم في ذلك المحضر ورد عليه - بأن لمأموري الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهمين عن التهم المسندة إليهم وأنه قام بذلك على النحو الثابت بمحضر جمع الاستدلالات دون أن يستجوب المتهمين بالتفصيل أو يواجههم بالأدلة - يكون قد رد على الدفع رداً صحيحاً في القانون يسوغ به إطراحه.
3 - لا يوجب القانون على مأموري الضبط القضائي بعد جمع الاستدلالات أن يبعثوا بالشهود إلى النيابة العامة.
4 - من المقرر أنه إذا استحال على المحكمة سماع الشهود لعدم الاهتداء إلى محال إقامتهم لإعلانهم بالحضور أمامها، فإنه يكون لها قانوناً في هذه الحالة أن ترجع إلى أقوالهم في التحقيقات وأن تعتمد عليها في حكمها.
5 - مؤدى نصوص المواد 295، 296، 297 من قانون الإجراءات الجنائية والمذكرة الإيضاحية لمشروع الحكومة - أن الطعن بالتزوير في ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع، فيجوز لها ألا تحقق بنفسها الطعن بالتزوير وألا تحيله إلى النيابة العامة لتحقيقه وألا تقف الفصل في الدعوى الأصلية إذا قدرت أن الطعن غير جدي وأن الدلائل عليه واهيه. [(2)]
6 - التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
7 - لا يصح النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 1/ 4/ 1960 بدائرة قسم الأزبكية: (أولاً) الأول والثانية: 1 - أداروا منزلاً لدعارة النسوة. 2 - حرضا المتهمات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة على ارتكاب الفجور والدعارة (ثانياً) المتهمات من الثانية إلى السابعة: اعتدن ممارسة الفجور والدعارة. وطلبت عقابهم بمواد القانون رقم 68 لسنة 1951. ومحكمة الأزبكية الجزئية قضت في 5/ 6/ 1965 عملاً بمواد الاتهام والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثانية. حضورياً بالنسبة إلى المتهمين الأول والثانية وغيابياً لباقي المتهمات (أولاً) بحبس المتهمين الأول والثانية سنة مع الشغل وغرامة لكل منهما مائة جنيه وكفالة 5 ج لكل لإيقاف التنفيذ ومصادرة المضبوطات (ثانياً) ببراءة باقي المتهمات من الثالثة إلى الأخيرة. فاستأنف المتهمان هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابياً في 21/ 9/ 1965 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فعارضا وقضى في المعارضة المقدمة من المتهم الأول في 19/ 10/ 1965 باعتبارها كأن لم تكن وفى المعارضة المقدمة من المتهمة الثانية في 25/ 1/ 1966 بقبولها شكلاً وفى الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. فطعن المتهم في الأول في حكم المعارضة الصادر في 19/ 10/ 1965 كما طعنت المتهمة الثانية في حكم المعارضة الصادر في 25/ 1/ 1966 .... الخ.

المحكمة
من حيث إن الطاعن الأول قرر بالطعن ولم يقدم أسباباً لطعنه فيتعين عدم قبول الطعن المقدم منه شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعنة الثانية قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن محصل ما تنعاه هذه الطاعنة بالوجه الأول من وجوه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانها بجريمتي إدارة منزل للدعارة وتحريض النسوة على ارتكاب الفجور والدعارة قد أخطأ في القانون وأخل بحقها في الدفاع، ذلك بأنه على الرغم من أن الطاعنة قررت لدى المحكمة الاستئنافية بالطعن بالتزوير على محضر ضبط الواقعة المؤرخ 1/ 4/ 1965 وبينت في تقريرها أدلة التزوير، فإن المحكمة لم تستعمل نص المادة 297 من قانون الإجراءات الجنائية الذي يقضى بإحالة الطعن إلى النيابة العامة لتحقيقه، وفضلاً عن ذلك فهي قد أعرضت عن سماع من أشهدتهم الطاعنة على سلامة أدلة التزوير.
وحيث إن قانون الإجراءات قد نظم في الفصل الثامن من الباب الثاني الإجراءات الخاصة بدعوى التزوير الفرعية فنص في المادة 295 منه على أن النيابة العامة ولسائر الخصوم في أية حالة كانت عليها الدعوى أن يطعنوا بالتزوير في أية ورقة من الأوراق المقدمة فيها" ونصت المادة 296 على أنه "يحصل الطعن بتقرير في قلم كتاب المحكمة المنظور أمامها الدعوى، ويجب أن تعين فيه الورقة المطعون فيها بالتزوير والأدلة على تزويرها" ثم قررت المادة 297 أنه "إذا رأت الجهة المنظورة أمامها الدعوى وجهاً للسير في تحقيق التزوير، تحيل الأوراق إلى النيابة العامة، ولها أن توقف الدعوى إلى أن يفصل في التزوير من الجهة المختصة إذا كان الفصل في الدعوى المنظورة أمامها يتوقف على الورقة المطعون فيها". وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع الحكومة تعليقاً على المادة 586 المقابلة للمادة 295 "أن القانون القائم لم يبين كيفية الطعن بالتزوير بصفة فرعية أي بطريق التبعية لدعوى أصلية تحرر أو تقدم فيها ورقة رسمية أو عرفية مما يدعى أحد الخصوم بتزويرها مما يدعو إلى التساؤل عن حكم القانون في هذا الصدد. وقد تدارك المشروع هذا النقض فبين القواعد الكفيلة بتنظيم هذا الطعن. وقد توخي في ذلك تبسيط الإجراءات ولم يشأ الأخذ بما ورد في قانون المرافعات عن دعوى التزوير الفرعية" ثم استطردت المذكرة تقول أنه "لما كان الطعن بالتزوير في ورقة من أوراق الدعوى المقدمة فيها هو من وسائل الدفاع التي يجوز إبداؤها والسير في تحقيقها حتى ينتهي الفصل فيها فقد أجيز هذا الطعن في أية حالة كانت عليها الدعوى" ثم أفصحت المذكرة الإيضاحية في تعليقها على المادة 297 على أن "الطعن بالتزوير لا يترتب عليه حتماً وجوب السير في تحقيقه. كما أنه لا يترتب عليه دائما إيقاف الدعوى الأصلية لحين الفصل في دعوى التزوير. بل أن الجهة المنظورة أمامها الدعوى الأصلية هي التي تقدر هذين الأمرين وتأمر بما تراه فيهما حسبما تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها، فإذا رأت شبهة التزوير أحالت الأوراق إلى النيابة العمومية للسير في تحقيقه حسب القانون" ولما كان مؤدى ما سلف ذكره هو أن الطعن بالتزوير في ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى هي من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع فيجوز لها ألا تحقق بنفسها الطعن بالتزوير وألا تحيله إلى النيابة العامة لتحقيقه وألا تقف الفصل في الدعوى الأصلية، إذا قدرت أن الطعن غير جدي وأن الدلائل عليه واهية. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنة بارتكابهما، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لطعن الطاعنة بالتزوير في محضر ضبط الواقعة ورد عليه بقوله "إن الطاعنة طعنت بالتزوير في محضر الشرطة المؤرخ 1/ 4/ 1965 للأسباب الآتية: (أولاً) أن المتهمة - الطاعنة - كانت نائمة مع أولادها ولا يقيم معها زوجها - الطاعن الأول - لنزاع بينهما وقد تمم عليها شرطي المراقبة وأشر بدفترها الساعة 11 م. (ثانياً) أن التحريات التي قام بها الضابط بخصوص امتلاك زوجها للمنزل غير صحيحة وأنه ملك للكنيسة المرقسية وقد قبض على زوجها في محل عمله (ثالثاً) أن جميع النسوة المقبوض عليهن في الدعوى قبض عليهن خارج المنزل ومن منازل مختلفة (رابعاً) أن الشهود وهميون. ولما كان ما أوردته المتهمة في طعنها بالتزوير أمور قد قام الدليل من أوراق الدعوى على عدم صحتها فقد أفصحت النسوة المضبوطات والرجال عن أن المتهمة وزوجها يديمان لقاءهم لارتكاب الفحشاء لقاء أجر، كما اعترفت النسوة التي قالت بذلك، كذلك فإن الثابت من محضر ضبط الواقعة أن عبد الخالق منجدو - الطاعن الأول - قد ضبط أمام محله وهذا لا يخالف ما ورد في تقرير طعنها، كما أن ملكية المنزل كما أشارت المحكمة ليس مجال تحقيقها في مثل هذه الدعوى، ومن ثم فإن المحكمة لا ترى داعياً للسير في إجراءات الطعن بالتزوير". ولما كان ما أورده الحكم فيما تقدم يكشف عن أن المحكمة لم تر - بما لها من حرية تقدير الطعن بالتزوير وأدلته - ما يوجب عليها إحالة الطعن إلى النيابة العامة أو تحقيقه بنفسها، وكان النعي بعدم سماع شهود الطاعنة مردوداً بأن أقوال هؤلاء الشهود لا تخرج عن أن تكون عنصراً من عناصر أدلة التزوير التي أطرحتها المحكمة للأسباب السائغة المار ذكرها، فإن ما تنعاه الطاعنة بهذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى باقي أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون وشاب أسبابه قصور وتناقض فضلاً عن إخلاله بحق الطاعنة في الدفاع وفى بيان ذلك تقول الطاعنة أن الضابط محرر المحضر قد استجوب المتهمين بأن سأل كلاً منهم عن اسمه وعنوانه وسنه وعن جميع التهم المسندة إليهم، وهو أمر محظور قانوناً على مأموري الضبط القضائي، وقد دفع المدافع عنها ببطلان الدليل المستمد من اعتراف من اعترف من المتهمات في هذا الاستجواب غير أن الحكم المطعون فيه عول على هذا الدليل وأطرح الدفع برد غير سديد. وفضلاً عن ذلك فهو تناقض حين أيد الحكم المستأنف في تبرئة من عدا الطاعنة من المتهمات لارتيابه في صحة اعترافهن ثم عاد فعول في إدانة الطاعنة على هذا الاعتراف. هذا إلى أن الحكم قد تساند على أقوال الشهود بمحضر ضبط الواقعة وأطرح دفع الطاعنة ببطلان الدليل المستمد منها لعدم عرضهم مع المحضر على النيابة العامة تنفيذاً لإذن التفتيش الصادر منها لمأمور الضبط القضائي مما ترتب عليه تجهيل محال إقامتهم من بعد سماع أقوالهم. وتقول الطاعنة أنه إذا ما أضيف إلى ما تقدم أن المحكمة لم تجبها إلى ما سبق أن طلبته أمام محكمة أول درجة من إجراء معاينة لمسكنها فقد تعيب بما يوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الاستجواب - وهو إجراء حظره القانون على غير سلطة التحقيق - هو مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ومناقشته مناقشه تفصيلية كيما يفندها إن كان منكراً للتهمة أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف، وكانت الفقرة الأولى من المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن "لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها وأن يسألوا المتهم عن ذلك" وكانت الطاعنة تسلم في طعنها بأن كل ما جرى من مأموري الضبط القضائي في محضر جمع الاستدلالات هو أنه سأل المتهمين عن أسمائهم وعناوينهم وسنهم وعن التهم الموجه إليهم، فإن الحكم المطعون فيه وقد عرض للدفع ببطلان الدليل المستمد من اعتراف من اعترف منهم في ذلك المحضر ورد عليه - بأن لمأموري الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهمين عن التهم المسندة إليهم وأنه قام بذلك على هذا النحو الثابت بمحضر جمع الاستدلالات دون أن يستجوب المتهمين بالتفصيل أو يواجههم بالأدلة، يكون قد رد على الدفع رداً صحيحاً في القانون يسوغ به إطراحه ويصبح النعي عليه في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان لا تعارض بين ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من ثبوت الجرائم المسندة إلى الطاعنة للأسباب السائغة التي أوردها وبين قضاء الحكم المستأنف بتبرئة باقي المتهمات لعدم كفاية الأدلة على ركن الاعتياد على ممارسة الدعارة في حقهن فإن دعوى التناقض في التسبيب تكون في غير محلها. لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن كل ما تطلبه إذن التفتيش من مأمور الضبط هو أن يحرر محضر بالإجراءات، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في معرض رده على الدفع ببطلان الدليل المستمد من أقوال الشهود لعدم عرضهم على النيابة العامة وتعذر سؤالهم لتجهيل محال إقامتهم بأنه لا يؤثر في صحة الإجراءات أن يترك الضابط الشهود دون إرسالهم للنيابة، وأن عدم الاستدلال عليهم لا يعنى أنهم شهود وهميون. وهذا الذي أورده الحكم صحيح في القانون ذلك بأنه فضلاً عن أن إذن التفتيش لم يتطلب من مأمور الضبط عرض الشهود على النيابة العامة، فإن القانون لا يوجب على مأموري الضبط القضائي بعد جمع الاستدلالات أن يبعثوا بالشهود إلى النيابة العامة، فإذا أضيف إلى ذلك أنه من المقرر أنه إذا استحال على المحكمة سماع الشهود لعدم الاهتداء إلى محال إقامتهم لإعلانهم بالحضور أمامها فإنه يكون لها قانوناً في هذه الحالة أن ترجع إلى أقوالهم في التحقيقات وأن تعتمد عليها في حكمها، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه - وقد ثبت من الأوراق تعذر الاستدلال على محال إقامة الشهود - أن يعول في قضائه بإدانة الطاعنة على أقوالهم في محضر جمع الاستدلالات، ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك وكان النعي بأن المحكمة لم تجب الطاعنة إلى إجراء المعاينة مردوداً بأن الثابت من مراجعة محاضر الجلسات أمام درجتي التقاضي أن الدفاع عن الطاعنة اقتصر على التشكيك في أدلة الثبوت في الدعوى دون أن يطلب إلى المحكمة إجراء معاينة ما فليس للطاعنة من بعد أن تنعى على المحكمة قعودها عن إجراء لم تطلبه منها.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] و [(2)] هذا المبدأ مقرر أيضاً في الطعن رقم 430 لسنة 36 ق جلسة 21/ 6/ 1966.

الطعن 1573 لسنة 49 ق جلسة 24 / 3 / 1983 مكتب فني 34 ج 1 ق 155 ص 732


جلسة 24 من مارس سنة 1983
برئاسة السيد المستشار محمدي الخولي نائب رئيس المحكمة, وعضوية السادة المستشارين: عزت حنوره، علي السعدني، محمد مختار منصور، ومحمود نبيل البناوى.
----------
(155)
الطعن رقم 1573 لسنة 49 القضائية

1 - هبة. أحوال شخصية "ولاية على المال".
صفة الولي لا تزول عنه إلا بإذن من المحكمة. له أن ينوب عن القاصر في قبول الهبة ولو كان هو الواهب. اعتباره قابلاً لها بمجرد التعبير عن إرادته بها.
2 - استئناف "استئناف فرعي". هبة.
تبعية الاستئناف الفرعي للاستئناف الأصلي. ماهيته. رفض الاستئناف الأصلي لا يستتبع بالضرورة رفض الاستئناف الفرعي. مثال في هبة.

--------------------
1 - النص في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 1952 على أن "يجب على الولي أن يقوم بالولاية على مال القاصر ولا يجوز له أن يتنحى عنها إلا بإذن المحكمة" وفي الفقرة الثانية من المادة 487 من القانون المدني على أن "إذا كان الواهب هو ولي الموهوب له ناب عنه في قبول الهبة" يدل على أن صفة الولي لا تزول عنه إلا بإذن من المحكمة ومن تاريخ صدور هذا الإذن، فإذا كان هو الواهب فإنه يعتبر قابلاً للهبة بمجرد التعبير عن إرادته بها.
2 - لئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الاستئناف الفرعي يتبع الاستئناف الأصلي ويدور معه وجوداً وعدماً ويزول بزواله في جميع الأحوال بحيث إذا حكم في الأخير ببطلان صحيفته أو اعتباره كأن لم يكن أو ببطلانه أو بسقوط الخصومة فيه أو بقبول تركة ترتب على ذلك انقضاء الخصومة في الاستئناف الفرعي، إلا إن ذلك قاصر على هذا النطاق ولا يترتب عليه بالضرورة ارتباط الاستئناف الفرعي بالاستئناف الأصلي إذا حكم في موضوع الأخير، وإنما يكون له كيانه المستقل وطلبه المنفصل شأنه في ذلك شأن أي استئناف آخر فإذا كان موضوع الاستئناف الفرعي المقام من الطاعنين الأولين هو هبتهما لحصتهما الميراثية من النقود المودعة في البنوك ومكاتب البريد - وتسري عليها أحكام الهبة في المنقول - على خلاف الاستئناف الأصلي الذي يتعلق موضوعه بهبة حصتهما في العقارات الموروثة - وتسري عليها أحكام الهبة في العقار - فإن رفض الاستئناف الأصلي لا يستتبع حتماً رفض الاستئناف الفرعي.


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع، على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين الأولين أقاما الدعوى رقم 342 لسنة 1973 مدني كلي شبين الكوم على المطعون ضدهما الأولين طالبين الحكم بتثبيت ملكيتهما لنصيبهما في تركة ابنهما المرحوم.... المبينة عناصرها بصحيفة الدعوى وقالا بياناً لدعواهما أنه بتاريخ 23/ 10/ 1970 توفى ابنهما المرحوم.... مخلفاً تركة موضحة عناصرها بالقضية رقم 50 لسنة 1970 حسبي كلي شبين الكوم تضم أرضاً زراعية مساحتها 38 فدان و18 قيراط ومنزلاً والنصف في منزلين ونقوداً مودعة في البنوك وكاتب البريد وتقدر جميعها بمبلغ 135 مليم و20715 جنيه وانحصر إرثه فيهما وفي زوجته المطعون ضدها الأولى وأولاده منها القصر المشمولين بوصايتهما والرشيد المطعون ضده الثاني. وإذ يخص كلاً منهما السدس في هذه التركة فقد أقاما الدعوى للحكم لهما بطلباتهما كما أقام الطاعنون من الثالث إلى الخامس الدعوى رقم 471 لسنة 1973 مدني كلي شبين الكوم على الطاعنين الأول والثانية طالبين الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 3/ 1/ 1971 المتضمن بيعهما لهم أرضاً زراعية مساحتها 12 فدان 22 قيراط وحصة قدرها الثلث في منزلين وأخرى قدرها السدس في منزلين آخرين موضحة جميعها بصحيفة الدعوى نظير ثمن مقداره عشرة آلاف جنيه والتسليم وقالوا بياناً لها أنه بموجب عقد ابتدائي مؤرخ 3/ 1/ 1971 باعهم الطاعنان الأول والثانية أرضاً زراعية مساحتها 12 فدان و22 قيراط شائعة في مساحة 38 فدان و18 قيراط ونصيباً قدره الثلث في منزلين ونصيباً قدره السدس في منزلين آخرين نظير ثمن مقداره عشرة آلاف جنيه. وإذ كان من حقهم الحصول على حكم بصحة هذا العقد فقد أقاموا الدعوى للحكم لهم بطلباتهم قدم الطرفان في الدعوى الأخيرة عقد صلح مؤرخ 18/ 4/ 1973 وطلبوا إلحاقه بمحضر الجلسة، وطلبت المطعون ضدها الأولى قبول تدخلها في تلك الدعوى طالبة رفضها استناداً إلى أن العقارات محل النزاع كانت نصيب البائعين في تركة ابنهما المرحوم....، وقد تنازلا عنه لحفدتهما القصر المشمولين بوصايتها. ضمت المحكمة هذه الدعوى إلى الدعوى الأولى رقم 342 لسنة 1973 مدني كلي شبين الكوم ليصدر فيها حكم واحد. وبتاريخ 30/ 5/ 1973 حكمت أولاً: في الدعوى رقم 342 لسنة 1973 مدني كلي شبين الكوم بتثبيت ملكية الطاعنين الأول والثانية لمساحة 12 فدان و16 قيراط شيوعاً في 38 فدان و18 قيراط من الأراضي الزراعية والسدس لكل منهما في نصفي المنزلين المبينين بصحيفة الدعوى ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. ثانياً: في الدعوى رقم 471 لسنة 1973 مدني كلي شبين الكوم بقبول تدخل المطعون ضدها الأولى ورفض طلباتها فيها وبإلحاق عقد الصلح المؤرخ 18/ 4/ 1973 بمحضر الجلسة وإثبات محتواه به وجعله في قوة السند التنفيذي. استأنف المطعون ضدهما الأولى والثاني هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 177 "مأمورية شبين الكوم" طالبين إلغاءه فيما قضى به في الدعوى رقم 342 لسنة 1973 مدني كلي شبين الكوم للطاعنين الأول والثانية ورفض دعواها وإلغاءه فيما قضى به في الدعوى رقم 471 لسنة 1973 مدني كلي شبين الكوم من رفض طلب الطاعنة الأولى وإثبات عقد الصلح بمحضر الجلسة. كما أقام الطاعنان الأول والثانية استئنافاً فرعياً قيد برقم 92 لسنة 10 ق طلباً به إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من باقي طلباتهما في الدعوى رقم 342 لسنة 1973 كلي شبين الكوم والحكم لهما بها ندبت المحكمة خبيراً قدم تقريره وبتاريخ 14/ 5/ 1979 حكمت في الاستئناف الأصلي بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعويين وبرفضهما وفي الاستئناف الفرعي برفضه. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه نقضاً جزئياً. عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت لنظره جلسة وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين ينعى الطاعنون بالوجه الأول من السبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولون إن الطاعن الأول جد القصر تنحى عن ولايته عليهم عقب أن تنازل لهم عن نصيبه في تركة أبيهم فلم يعد ذا صفة تبيح له قبول هذا التنازل ولم يصادف إيجابه قبول ممن يمثلهم قانوناً وإذ أقام الحكم قضاءه بانعقاد الهبة على أنه قبلها باعتباره ولياً شرعياً عليهم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يستوجب تقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان النص في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 من أن "يجب على الولي أن يقوم بالولاية على مال القاصر ولا يجوز له أن يتنحى عنها إلا بإذن المحكمة وفي الفقرة الثانية من المادة 487 من القانون المدني على أن "إذا كان الواهب هو ولي الموهوب له ناب عنه في قبول الهبة" يدل على أن صفة الولي لا تزول عنه إلا بإذن من المحكمة ومن تاريخ صدور هذا الإذن، فإذا كان هو الواهب فإنه يعتبر قابلاً للهبة بمجرد التعبير عن إرادته بها. ولما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن الأول قد تنازل بتاريخ 23/ 10/ 1970 في تركة ابنه المرحوم.... لأحفاده قصر المتوفى المشمولين بولايته وأن المحكمة لم تقبل تنحيه عن ولايته عليهم إلا بعد ذلك في 6/ 1/ 1971 فإن الحكم المطعون فيه إذا أقام قضاءه بتوافر عنصر قبول الهبة عنه على أنه قبل الهبة الصادرة منه للقصر باعتباره ولياً عليهم حال قيام ولايته يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه بالنسبة للاستئناف الأصلي بالوجه الثاني من السبب الأول الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم إذ استدل على تنفيذ الطاعنين الأولين للهبة الباطلة الصادرة منهما من قيام بعض مستأجري عقارات التركة بدفع الأجرة للوصية في حضور الطاعن الأول مع أن هذا لا يدل على ذلك ولا يعني انصرافه إلى أجرة العقارات محل الهبة ولا على التنفيذ الاختياري لها في معنى المادة 489 من القانون المدني، كما لا ينصرف إلى الطاعنة الثانية التي خلت الأوراق مما يدل على تنفيذها للهبة الصادرة فإنه يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بتنفيذ الطاعنين الأولين لهبتهما الباطلة بسبب عدم إفراغها في الشكل الرسمي على قوله "قد تنفذت الهبة فعلاً بموافقة ورضاء جدي القصر وذلك بوضع يد الوصية على جميع عقارات التركة بما فيها القدر الموهوب من أطيان زراعية ومنازل على نحو ما بينه الخبير بتقريره واستمرار ذلك نحو العامين ونصف.... ومن ثم فإنهما - الواهبين - قاما بتنفيذها اختيارياً وتسلمت والدة القصر المال الموهوب على نحو ما ورد بتقرير الخبير بقصد إجازة الهبة وإذ كان الخبير قد انتهى في تقريره إلى أن الطاعنين الأولين قد نفذا الهبة الصادرة منهما تأسيساً على أنه ناقش بعض مستأجري أعيان التركة فقط الذين قرروا أنهم قاموا بسداد الأجرة إلى المطعون ضدها الأولى في حضور الطاعن الأول الذي طلب منهم ذلك باعتبارها زوجه ابنه المتوفى وصاحبة الأرض من بعده. وكانت الهبة منصبه على حصة شائعة في التركة فإن مجرد تصريح الطاعن الأول لبعض مستأجري عقارات التركة بسداد أجرة ما يستأجرونه إلى المطعون ضدها الأولى لا يفيد تنفيذ الهبة اختياراً. وإذ استدل الحكم بذلك على تنفيذ الطاعنين الأولين للهبة اختياراً ورتب على ذلك قضاءه فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن في هذا الخصوص.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون بالوجه الأخير من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم إذ رفض الاستئناف الفرعي المقام من الطاعنين الأولين على مجرد قبوله الاستئناف الأصلي وإلغاء الحكمين الابتدائيين رغم عدم تلازمهما لاختلاف موضوعهما دون أن ينشئ لقضائه هذا أسباباً خاصة أو يحيل إلى أسباب الحكم الابتدائي فإنه يكون باطلاً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه وإن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الاستئناف الفرعي يتبع الاستئناف الأصلي ويدور معه وجوداً وعدماً ويزول بزواله في جميع الأحوال بحيث إذا حكم في الأخير ببطلان صحيفته أو اعتباره كأن لم يكن أو ببطلانه أو بسقوط الخصومة فيه أو بقبول تركة ترتب على ذلك انقضاء الخصومة في الاستئناف الفرعي، إلا أن ذلك قاصر على هذا النطاق ولا يترتب عليه بالضرورة ارتباط الاستئناف الفرعي بالاستئناف الأصلي عند الحكم في موضوع الأخير، وإنما يكون له كيانه المستقل وطلبه المنفصل شأنه في ذلك شأن أي استئناف أخر, لما كان ذلك وكان موضوع الاستئناف الفرعي المقام من لطاعنين الأولين هو هبتهما لحصتهما الميراثية من النقود المودعة في البنوك ومكاتب البريد - وتسري عليها أحكام الهبة في المنقول - على خلاف الاستئناف الأصلي الذي يتعلق موضوعه بهبة حصتهما في العقارات الموروثة وتسري عليها أحكام الهبة في العقار - مما مؤداه رفض الاستئناف الأصلي لا يستتبع حتماً رفض الاستئناف الفرعي، فإن الحكم المطعون فيه إذا أقام قضاءه برفض الاستئناف الفرعي على مجرد قضائه برفض الأصلي دون تسبيب خاص به، يكون معيباً بالقصور الذي يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن