جلسة 6 من يناير سنة 1953
برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن وبحضور حضرات المستشارين إبراهيم خليل ومصطفى فاضل وإسماعيل مجدي ومصطفى حسن.
----------------
(138)
القضية رقم 1154 سنة 22 القضائية
(أ) فاعل.
متى يعتبر الجاني فاعلا في حكم الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات؟
(ب) إصرار سابق.
إثبات الحكم أن المتهم كان مبيتا النية على قتل من يصادفه من غرمائه أو أقاربهم أو ممن يلوذ بهم, وأن المجني عليه من أقاربهم. ذلك مفاده أن هذا المجني عليه ممن شملهم التصميم السابق.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل عكاشه خلف حامد عمدا ومع سبق الإصرار بأن عقد النية على قتله وأعد لذلك سلاحا ناريا "بندقية" وتوجه إلى المكان الذي يوجد فيه وأطلق عليه عيارا ناريا قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته, وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 230و231 من قانون العقوبات, فقرر بذلك في 12 ديسمبر سنة 1950. وقد ادعت رنة بخيت جمعه والدة القتيل بحق مدني قبل المتهم وطلبت القضاء لها عليه بمبلغ خمسين جنيها بصفة تعويض. ومحكمة جنايات سوهاج قضت فيها حضوريا عملا بمادتي الاتهام بمعاقبة محمود محمد خلف بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني رنة بخيت جمعه مبلغ 50 جنيها على سبيل التعويض والمصاريف المدنية ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن هذا الطعن بنى على خمسة أسباب: يتحصل الأول والثاني والخامس منها في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويل المادة 231 من قانون العقوبات وشابه القصور, إذ دان الطاعن بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار مع أن ما ثبت لدى المحكمة هو أن الطاعن وأخاه أحمد محمد خلف دبرا جريمة القتل وذهبا معا لمحل الحادث ومع كل منهما بندقية أطلقاها على المجني عليه ولا يستقيم ما ذهب إليه الحكم إلا إذا ثبت أن العيارين أطلقا والمجني عليه مازال حيا لأنه لو كان العيار الأول هو الذي أودى بحياة المجني عليه فلا يسأل صاحب العيار الثاني الذي أطلق بعد وفاة المجني عليه إلا بوصفه شريكا بالاتفاق وفي اعتبار الطاعن شريكا فائدة له إعمالا لحكم المادة 235 والمادة 17 من قانون العقوبات التي طبقتها المحكمة - كما أخطأ الحكم إذ اعتبر ظرف سبق الإصرار متوافرا مع ما أثبته من أن الطاعن وشقيقه كانا يقصدان الانتقام من عائلة الطرامنة لا من المجني عليه بالذات. ولما كان سبق الإصرار لا يمكن أن يتجاوز نطاق النية المصمم عليها من قبل سواء أكانت هذه النية محدودة أم غير محدودة ولما كان المجني عليه ليس من عائلة الطرامنة. لما كان ذلك, فان قتله يكون قد وقع تنفيذا لنية جديدة طرأت تحت تأثير دوافع جديدة وللطاعن مصلحة في ذلك مادامت المحكمة رأت في ظروف الدعوى ما يجيز تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات. وإذ لم يعن ببيان واقعة القتل ولم يبين أى العيارين أصاب المجني عليه أولا وهل كان العيار الذي أطلقه الطاعن أو العيار الذي أطلقه أخوه مع أن مسئولية الطاعن كفاعل أصلي تنتفي فيما لو تبين أنه أطلق العيار بعد وفاة المجني عليه. ويتحصل السببان الثالث والرابع في أن الحكم أخطأ في الاستدلال وشابه القصور والتناقض إذ استدل على توافر نية القتل العمد لدى الطاعن من العداء الكامن بينه وبين عائلة الطرامنة مع أن ظروف الدعوى كما أثبتتها المحكمة تدل على أن الرغبة في الانتقام كانت تستعر في صدور أهل الطرامنة لسبق اتهامه في قتل أحد أفراد عائلتهم, وإذ استدل على توافر ظرف سبق الإصرار مما يبيته من العداء القائم بين الطاعن وأسرة الطرامنة ومن ذهابه مع أخيه إلى مكان الحادث يحمل كل منهما بندقية مع أنه لم يثبت أن للمتهم أو لأخيه ما يدعوهما إلى الذهاب إلى محل الحادث الذي يقيم به افراد عائلة الطرامنة أعداؤهم. ومع أن المجني عليه ليس من أفراد هذه العائلة, ومع أنه كان من بين الشهود أفراد منها لو كان قصد الطاعن قتل أحدهم لقتله بدل المجني عليه, وإذ تضاربت أسباب الحكم على نحو لا يسمح لمحكمة النقض أن تتعرف حقيقة الواقعة وهل كان المجني عليه مقصودا بالقتل أو أنه أصيب بعيار ناري طائش.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "أنه في يوم 4 من يونيه سنة 1950 الموافق 18 شعبان سنة 1369 بناحية المدمر مركز طما مديرية جرجا كان المجني عليه عكاشه خلف حامد يجلس مع والدته رنة بخيت جمعه في سويقة ببلدة المدمر يبيعان خضرا كما جرت بذلك عادتهما كل يوم وبعد العصر كانا قد باعا ما معهما وأخذا يحصيان ما تجمع لديهما من نقدية وكان يجلس على مقربة منهما معوض أحمد عوض وعبد الجواد همام السايح كما كان بالسويقة سيد عبد العال أحمد بدوي وعندئذ حضر المتهم محمود محمد خلف ومعه أخوه أحمد محمد خلف ومع كل منهما بندقية واتجها إلى المجني عليه عكاشه خلف حماد وصوب المتهم محمود محمد خلف إليه بندقيته فهم المجني عليه واقفا يبغي الفرار ولكن المتهم محمود محمد خلف عاجله بإطلاق العيار قاصدا قتله فأصابه بمقدم صدره وحاول المجني عليه الإلتجاء إلى منزله فلم يستطع وسقط على الأرض وفاضت روحه وكان أحمد محمد خلف أخو المتهم قد أطلق عيارا آخر من بندقية على المجني عليه لم يصبه". ثم أورد الأدلة التي استخلص منها أن الطاعن هو الذي أطلق على المجني عليه المقذوف الناري الذي أصابه وهو يهم بالوقوف فسقط على الأرض وفاضت روحه وأن أخاه هو الذي أطلق المقذوف الآخر الذي لم يصب المجني عليه. لما كان ذلك, وكان الحكم قد تحدث عن سبب الحادث فقال: "إنه يرجع إلى العداء الكامن بين المتهم وعائلة الطرامنة وقد ذهب المتهم محمود محمد خلف وأخوه أحمد إلى محل الحادث لقتل من يوقعه سوء حظه بين أيديهم من عائلة الطرامنة التي تقع محلاتهم بالسويقة ولكنهما لم يجدا غير المجني عليه ووالدته التي تمت بصلة القربى لعائلة الطرامنة وتقيم مع ولدها وسط مساكنهم فكان المجني عليه هدفا لهذا الانتقام, وهذا الذي رأته المحكمة ثابت من أقوال نائب العمدة بالجلسة بأن غرض المتهم وأخيه من الذهاب للسويقة هو الانتقام من عائلة الطرامنة أصحاب المحلات التجارية بها, فضلا عما شهد به معوض أحمد عوض بأن المجني عليه كان جاسوسا على المتهم ينقل أخباره لأخواله عائلة الطرامنة". ثم تحدث عن سبق الإصرار فقال: "إنه ثابت مما شهد به نائب العمدة ومعوض أحمد عوض بأن المجني عليه تعود البيع في السويقة يوميا وأن المتهم يعلم بذلك وقد ذهب المتهم وأخوه أحمد لمحل الحادث يحمل كل منهما بندقية وفي تصميمهما ارتكاب جريمة القتل ويستوي في ذلك قتل المجني عليه بالذات أو قتل أحد أفراد عائلته". لما كان ذلك, وكان الحكم قد بين الأدلة التي استخلص منها النتائج السالف ذكرها وأرجع كلا منها إلى سنده من أوراق الدعوى - فان ما يثيره الطاعن من احتمال أن يكون أخوه هو مطلق العيار الأول الذي أصاب المجني عليه فقتله وأن يكون عياره هو قد أطلق بعد وفاة المجني عليه - ما يثيره الطاعن من ذلك, لا محل له لأن الحكم قد أثبت في وضوح بالأدلة التي بينها أن الطاعن هو مطلق العيار الذي أصاب المجني عليه, وأما ما استطرد إليه الحكم بعد ذلك في سبيل الرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن فانه لا يؤثر في الواقعة التي أثبتها عليه وعاقبه من أجلها, ومع هذا فان ما قاله الحكم ردا على دفاع الطاعن صحيح في القانون. ذلك لأنه يكفي لاعتبار الجاني فاعلا للجريمة في حكم الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات أن يكون قد اتفق مع غيره على ارتكابها وأعدا لذلك عدتهما وتسلح كل منهما ببندقية وتوجها إلى المكان الذي اعتاد المجني عليه أن يجلس فيه فلما وجداه أطلق كل منهما عليه عيارا من البندقية التي يحملها ولو كان عيار واحد هو الذي أصاب المجني عليه ونشأت عنه وفاته, ذلك بأن ما أتاه كل منهما هو من الأعمال التنفيذية للجريمة التي اتفقا معا على ارتكابها ورتبا الدور الذي يقوم به كل منهما في المساهمة فيها ومادام كل منهما قد قام بالدور الذي اختص به ومادام هذا التدبير قد أنتج النتيجة التي قصدا إحداثها وهى الوفاة, فلا محل للبحث فيما إذا كانت تلك النتيجة قد نشأت عن كلا العيارين أو عيار واحد وبالتالي لا يبقي هناك مجال للفروض التي يفترضها الطاعن, كما أنه لا محل لما يقوله الطاعن من أن قتل المجني عليه لم يكن وليد سبق الإصرار, بل أنه صدر عن نية طارئة إثر مفاجأة الجانيين له بعد أن كانت نيتهما مبيتة على قتل أشخاص آخرين. لا محل لذلك, لأن الحكم قد أثبت في جلاء أن الطاعن وأخاه كانا مبيتين النية على قتل من يصادفانه من غرمائهما أو أقاربهم أو ممن يلوذ بهم وأن المجني عليه من أقاربهم ويسكن وسط مساكنهم واعتاد الجلوس في السوق حيث قتل في المكان المخصص لهم وأنه كان ينقل الأخبار إليهم مما مفاده أنه ممن يشملهم التصميم السابق على القتل.
وحيث إن باقي ما يثيره الطاعن مردود بأن الحكم قد بين وقائع الدعوى وسبب الحادث ودلل على ثبوت نية القتل وسبق الإصرار بأدلة سائغة خالية من التناقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.