الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 26 فبراير 2019

للمحكمة الدستورية العليا الوقوف على حقيقة طلبات المدعي من دفوعه أمام محكمة الموضوع


الدعوى رقم 85 لسنة 32 ق " دستورية " جلسة 5 / 1 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان
والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 85 لسنة 32 قضائية " دستورية ".

المقامة من
ورثة المرحوم/ عبدالرزاق داود القاضى، وهـــــــم:
1-    سعاد جبريل الزرو
2-    محمد نبيل عبدالرزاق داود القاضى التميمى
3-    أكرم عبدالرزاق القاضى التميمى
4-    أشرف عبدالرزاق داود القاضى التميمى
5-    إسماعيل عبدالرزاق القاضى التميمى
6-    نبيلة عبدالرزاق داود التميمى
7-    فايزة عبدالرزاق قاضى التميمى
ضــــــد
1-    رئيس الجمهورية
2-    رئيس مجلس الوزراء
3-    وزير العدل
4-    وزير المالية
5-    وزير الزراعة واستصلاح الأراضي
6-    رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى
7-    الممثل القانونى لصندوق الأراضى الزراعية


الإجراءات

      بتاريخ السابع عشر من إبريل سنة 2010، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، المعدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971.     
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى من وجهين؛ الأول: لرفعها بعد الميعاد، والثاني: لانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة .
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 393 لسنة 2007 مدني كلي حكومة، أمام محكمة الجيزة الابتدائية، ضد المدعى عليهم من الخامس حتى الأخير، ابتغاء الحكم بإلزامهم، متضامنين، أن يؤدوا لهم، مبلغًا مقداره ثلاثة ملايين ومائة وخمسون ألف جنيه، تعويضًا عن الأضرار المادية التى لحقتهم نتيجة الاستيلاء على الأطيان المملوكة لهم، والمبينة بصحيفة الدعوى. على سند من أنه بتاريخ 17/4/1963، ونفاذًا لأحكام القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، استولت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على اثنى عشر قيراطًا وأربعة أسهم وربع السهم، مملوكة لمورثهم بموجب عقد مشهر برقم 6493 لسنة 1958 الجيزة، بحسبانه من الأجانب المخاطبين بأحكام القانون المشار إليه. وبتاريخ 30/9/1964، أُفرج عن هذه المساحة وسُلمت لمورثهم بقرار من اللجنة القضائية السادسة بالهيئة العامة للإصلاح الزراعي، المصدَّق عليه من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتاريخ 31/5/1964، كون مورثهم فلسطيني الجنسية، متمتعًا بالإعفاء الوارد بالفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون آنف الإشارة، وبوفاة مورث المدعين في 26/11/1976، انتقلت ملكية هذه الأرض إلى المدعين. وإذ صدر القانون رقم 104 لسنة 1985 بتعديل القانون رقم 15 لسنة 1963، والمعمول به من الخامس من يوليو سنة 1985، والذى ألغى حكم الفقرة الأخيرة من المادة (1) من هذا القانون، والتي كانت تستثنى الفلسطينيين من تطبيق أحكام هذا القانون بصفة مؤقتة، مقررة أيلولة هذه الأراضي إلى الدولة، إذا لم يكن المالك قد تصرف فيها أثناء حياته أو خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون، أيهما أقرب؛ فقد باع المدعون تلك الأرض لمصريين، بموجب عقد ابتدائي مؤرخ في 9/6/1990، ثابت التاريخ في 10/6/1990، وعلى الرغم من تمام التصرف في الأرض قبل انقضاء السنوات الخمس المنصوص عليها في القانون رقم 104 لسنة 1985 المشار إليه، فقد استولت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على الأرض المذكورة، مما حدا بالمدعين إلى إقامة دعواهم الموضوعية؛ للمطالبة بتعويضهم عن هذا الاستيلاء، وقد ضمن المدعون صحيفة دعواهم الموضوعية دفعًا بعدم دستورية المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1971، لمخالفتها المواد (32، 34، 68) من دسـتور سنة 1971. وبجلسة 25/11/2008، قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى اللجنة القضائية للإصلاح الزراعى للاختصاص. وإذ لم يرتض المدعون هذا القضاء، قاموا باستئنافه بموجب الاستئناف رقم 1336 لسنة 126 ق، أمام محكمة استئناف القاهرة (مأمورية شمال الجيزة)، والتى قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 4/11/2009، بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وإعادة الدعوى لمحكمة أول درجة للفصل في موضوعها، ونفاذًا لهذا القضاء عاودت محكمة الجيزة الابتدائية نظر الدعوى، وبجلسة 23/2/2010، دفع الحاضر عن المدعين، بعدم دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 1971، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 16/3/2010، لتقديم ما يفيد ما تم في الدفع المبدى من الحاضر عن المدعين وذلك على وجه رسمى، وبهذه الجلسة طلب الحاضر عن المدعين التصريح له بإقامة الدعوى الدستورية، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 20/4/2010، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاموا الدعوى المعروضة.
     
      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، استنادًا إلى أن المدعين قد دفعوا بعدم دستورية النص المطعون عليه، بجلسة 23/2/2010، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 16/3/2010، لتقديم ما يفيد ما تم في الدفع المبدى من الحاضر عن المدعين، ومن ثم يكون هذا الميعاد هو الميعاد الحتمي الذي يتعين أن يتقيد به المدعون في إقامة الدعوى الدستورية، وإذ لم تودع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا إلا في 17/4/2010، فإنها تكون قد رفعت بعد الميعاد، فهو دفع مردود: ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة، وعملاً بنص البند (ب) من المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن المهلة التى تمنحها محكمة الموضوع لرفع الدعوى الدستورية، لا يجوز زيادتها إلا من خلال مهلة جديدة تضيفها إلى المدة الأصلية وقبل انقضائها، بما يكفل تداخلها معها، وبشرط ألا تزيد المدتان معًا على الأشهر الثلاثة التي فرضها المشرع كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، فلا يجاوزها من يقيمها، ولا محكمة الموضوع التى ترخص برفعها، وكانت محكمة الموضوع بعد أن قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى بجلسة 23/2/2010، أجلت نظر الدعوى لجلسة 16/3/2010، لتقديم ما تم في الدفع المبدى من المدعين، ثم قررت المحكمة إضافة مهلة جديدة إلى المدة الأصلية قبل انقضائها؛ غايتها 20/4/2010، وإذ أقام المدعون دعواهم الدستورية بتاريخ 17/4/2010، في غضون المهلة المحددة لهم من المحكمة، وبما لا يجاوز الثلاثة أشهر المشار إليها، الأمر الذى يضحى معه الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد غير سديد، مما يتعين معه القضاء برفضه.

      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعين في إقامتها؛ على سند من أن النزاع الموضوعي يدور حول تقدير قيمة الأرض المستولى عليها، كون نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المطعون عليه لا علاقة له بتقدير قيمة هذه الأطيان، إذ ينص على أن "يؤدى التعويض المنصوص عليه في المادة السابقة سندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة قدرها 4% سنويًّا محسوبة من تاريخ تسلم الهيئة العامة للإصلاح الزراعى للأراضى المشار إليها ..."، ومن ثم فإن هذا النص يقتصر على بيان كيفية ووسيلة أداء التعويض ولا يتصل البتة بتقدير هذا التعويض، مما تنتفى معه مصلحة المدعين في الطعن عليه. فإن هذا الدفع مردود كذلك؛ ذلك أنه من المقرر أن للمحكمة الدستورية العليا الوقوف على حقيقة طلبات المدعى من واقع ما ورد في دفعه أمام محكمة الموضوع، وما أثبته في صحيفة دعواه الدستورية. لما كان ذلك، وكان المدعون، وإن دفعوا أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المعدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، وأقاموا دعواهم الدستورية مختصمين المادة ذاتها، إلا أن الثابت أيضًا من مطالعة صحيفتي الدعويين الموضوعية والدستورية، ومذكرات المدعين أمام محكمة الموضوع أنهم قد أثبتوا نص المادة المطعون بعدم دستوريتها على النحو الآتى: "يكون لمن استولت الحكومة على أرضه وفقًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض مضافًا إليها قيمة المنشآت والآلات الثابتة وغير الثابتة والأشجار وتقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، فإذا لم تكن الأرض ربطت عليها هذه الضريبة في التقدير العام لضرائب الأطيان المعمول به منذ أول يناير سنة 1949 لبوارها أو ربطت بضريبة لا تجاوز فئتها جنيهًا واحدًا للفدان، يتم تقدير ثمنها بمعرفة اللجنة العليا لتقدير أثمان أراضي الدولة، ولا يعتبر هذا التقدير نهائيًّا إلا بعد اعتماده من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي" وهو نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، المستبدلة بالمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي والقانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما في حكمها، وليس نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963، مما يقطع بأن حقيقة طلبات المدعين هى الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، المستبدلة بالمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، ويؤيد هذا النظر، ويعضده، أن القرار بقانون رقم 69 لسنة 1971، بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي والقانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، لم يتناول المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 بأي تعديل، حين أنه نص في مادته الأولى على استبدال نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، مما تقضى معه المحكمة برفض هذا الدفع أيضًا.
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها، وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ولا تعتبر المصلحة متحققة بالضرورة بناءً على مجرد مخالفة النص المطعــون فيه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررًا مباشرًا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، تدور حول طلب تقدير قيمة التعويض عن استيلاء الإصلاح الزراعي على الأطيان المملوكة للمدعين، فإن مصلحة المدعين تنحصر في الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، المستبدلة بالمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، فيما نصت عليه من أنه "يكون لمن استولت الحكومة على أرضه وفقًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، ... وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض"، دون باقى أحكام هذا النص، بحسبان أن الفصل في دستورية هذا الشق سيكون له أثره وانعكاسه المباشر على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها.
      وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المعروضة، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 6/6/1998، في القضية رقم 28 لسنة 6 قضائية "دستورية"، والذى قضى، أولاً: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه، وفقًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، وبسقوط المادة (6) من هذا المرسوم بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية. ثانيًا: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يقدر وفقًا للأحكام الواردة في هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه وبمراعاة الضريبة السارية في 9 سبتمبر سنة 1952، وبسقوط المادة الخامسة من هذا القرار بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقاريــة. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 25 (تابع) بتاريخ 18/6/1998.      وحيث إن مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون الأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة، ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة، بالنسبة لهم، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرح النزاع عينه عليها من جديد لمراجعته، ومن ثم تغدو الخصومة في الدعوى المعروضة منتهية.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية.

دستورية عدم قبول دعوى الأوقاف ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر (الأوقاف القبطية)


الدعوى رقم 55 لسنة 31 ق " دستورية " جلسة 5 / 1 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجاروالدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 55 لسنة 31 قضائية " دستورية ".
المقامة من
هيئة الأوقاف القبطية
ضــــــد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوـزراء
3 - رئيس مجلس النــواب
4 - وزير العـدل
5 - مكرم عطية غبريـــــال
6 - موريسة حبيب تاوضروس
7 - مريدة حبيب تاوضـــروس
8 - رشدى عازر غبـــرس
9 - مفيد عازر غبــــــــــــرس
10- هلال عازر غبـــرس
11- إيفون عازر غبـــرس
12- مكرم ميساك حبشـى
13- رئيس نيابة محكمة سوهاج الابتدائية
الإجراءات
  بتاريخ الثانى من مارس سنة 2009، أودعت الهيئة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية نص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، والفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الهيئة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 271 لسنة 2005 أسرة بندر سوهاج نفس، ضد المدعى عليهم من الخامس إلى الثانى عشر، طلبًا للحكم بإثبات وصحة وقف المرحوم/ صدقى حبيب تاوضروس، للعقار الكائن بشارع البستان الغربى - بندر سوهاج -، الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، على بطريريكية الأقباط الأرثوذوكس، ليكون وقفًا على دير الملاك الشرقى بجبل أخميم، مع محو جميع التسجيلات التى ترد عليه، وذلك على سند من أن الواقف كان يمتلك حال حياته المنزل المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، وأنه كان قد ترك إقرارًا مؤرخًا في 19/7/2000، مودعًا بصفة أمانة لدى المدعى عليه الثانى عشر، بمظروف مغلق لا يتم فتحه إلا بعد وفاته، ووفاة زوجته بلانش عازر غبرس، ثابتًا به تبرعه بالمنزل سالف التحديد ووقفه على دير الملاك بالجبل الشرقى بأخميم، تبرعًا وهبة خالصة لوجه الله تعالى، الأمر الذى دعى الهيئة المدعية لإقامة دعواها سالفة الذكر. وبجلسة 27/1/2007، قضت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة سوهاج الكلية لنظرها بجلسة 3/3/2007، حيث قيدت أمامها برقم 448 لسنة 2007 مدنى كلى سوهاج، وبجلسة 23/6/2007، قضت فيها بعدم قبول الدعوى، وقد أسست قضاءها على سند من أن نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 قد قررت عدم قبول دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه، ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون، وأنه لما كانت الهيئة المدعية تطلب الحكم بإثبات وصحة الوقف الخاص بالمرحوم/ صدقى حبيب تاوضروس، وكانت أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد أن ذلك الوقف ثابت بإشهاد مشهر، فقد انتهت المحكمة إلى عدم قبول الدعوى. ولم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الهيئة المدعية فطعنت عليه بالاستئناف رقم 2877 لسنة 82 قضائية أمام محكمة استئناف أسيوط - مأمورية استئناف سوهاج - طلبًا للحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع: أصليًّا: بإلغاء حكم أول درجة والقضاء مجددًا بإثبات صحة الوقف المشار إليه مع محو جميع التسجيلات التي ترد عليه. واحتياطيًّا: إلغاء الحكم المستأنف وإعادة الأوراق إلى محكمة أول درجة للفصـل في الدعوى مجددًا. كما أقامت الهيئة المدعية الاستئناف رقم 2925 لسنة 82 قضائية، أمام المحكمة ذاتها، وعن الحكم ذاته، طلبًا للحكم بالطلبات ذاتها الواردة بالاستئناف الأول، وقد ضمنت صحيفتها دفعًا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، والمادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، لمخالفتهما لمبادئ الشريعة الإسلامية ومبدأ المساواة. وبجلسة 13/5/2008، قررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط ليصدر فيهما حكم واحد، وبعد أن قررت المحكمة بجلسة 16/10/2008، حجز الاستئنافين للحكم بجلسة 14/1/2009، قررت إعادتهما للمرافعة بجلسة 10/3/2009، لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، فأقامت الهيئة المدعية الدعوى المعروضة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التى تقدر فيها تلك المحكمة جديته. إذ كان ذلك، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى من الهيئة المدعية قد انصب على نص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 السالف الذكر، ونص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليهما، إلا أن تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع وتصريحها برفع الدعوى الدستورية قد اقتصر على نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، فأقامت الهيئة المدعية دعواها المعروضة، وحددت طلباتها الختامية الواردة في صحيفة دعواها في الطعن على النصين المشار إليهما، الأمر الذى يضحى معه الطعن بالنسبة لنص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، دعوى دستورية أصلية أقيمت بالطريق المباشر ، بالمخالفة لنص المادة (29/ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليه.
وحيث إن المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 تنص على أن "لا تُقبل دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون.
ولا تُقبل دعوى الوقف أو الإرث عند الإنكار متى رفعت بعد مضى ثلاث وثلاثين سنة من وقت ثبوت الحق فيه، إلا إذا قام عذر حال دون ذلك.
وإذا حُكم بعزل ناظر الوقف أو ضم ناظر آخر إليه، تعين المحكمة في الحالتين بحكم واجب النفاذ ناظرًا بصفة مؤقتة إلى أن يُفصل في الدعوى بحكم نهائى".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المطروحة لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بهـا، والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب الهيئة المدعية الحكم بإثبات وصحة وقف المرحوم/ صدقي حبيب تاوضروس، للعقار الكائن بشارع البستان الغربي - بندر سوهاج - على بطريركية الأقباط الأرثوذكس، ليكون وقفًا على دير الملاك الشرقي بجبل أخميم، مع محو جميع التسجيلات التى ترد عليه، والذى قضت فيه محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى، تأسيسًا على خلو أوراقها مما يفيد أن ذلك الوقف ثابت بإشهاد مشهر، وفقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، والذى تم الطعن عليه بالاستئنافين رقمي 2877/2925 لسنة 82 قضائية ، أمام محكمة استئناف أسيوط - مأمورية استئناف سوهاج -، وبالتالي، فإن الفصل في النزاع الموضوعي يتوقف على الفصل في دستورية ما نصت عليه المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرتها الأولى من أنه "لا تقبل دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون"، ومن ثم، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون متحققة بالنسبة للطعن على هذا النص في حدود نطاقه المتقدم.


وحيث إن الهيئة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية التى أوجبت بنص قرآني قطعي الثبوت قطعي الدلالة الوفاء بالعقود كافة، ومن بينها الوقف دون توقف على شهرها، وكذا إخلاله بمبدأ المساواة، إذ مايز بين المسجد والكنيسة في شأن وجوب شهر الإشهاد على الوقف، فاشترطه بالنسبة للكنيسة دون المسجد، على الرغم من أن كليهما من دور العبادة، التى يتعين التماثل فيما بينهما من حيث الأحكام المطبقة على كل منهما، وذلك بالمخالفة لنصى المادتين (2، 40) من دستور 1971.



وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما نص عليه دستور سنة 1971، في مادته الثانية بعد استبدالها في 22/5/1980، - وتردد حكمه في كافة الدساتير المصرية التالية حتى الدستور القائم - من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه، وتنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل - ومن بينها أحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 - فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعًا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان؛ إذ هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا. ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيمًا لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل بالتالى حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ومستلهمًا في ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها. ومن ثم، كان حقًّا على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وكان واجبًا عليه ألا يشرّع حكمًا يضيق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عسرًا، وإلا كان مصادمًا لقوله تعالى - في الآية (6) من سورة المائدة - "ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعلَ عَلَيْكُم مِنْ حَرَجٍ". لما كان ذلك، وكان ما طواه النص التشريعي المطعون فيه، لم يرد بشأنه نص قطعى الثبوت والدلالة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ثم يجوز الاجتهاد فيه، تنظيمًا لشئون العباد، بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل حركتهم في الحياة، وذلك في إطار الأصول الكلية للشريعة، وبما يصون مقاصدهم العامة، وهو ما سعى إليه المشرع في النص المطعون فيه، مستهدفًا من خـلال ما استلزمه من وجوب أن يكون الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون، وذلك لبيان شروطه، والإقرار به، ومستحقيه، والتصرفات التى ترد عليه، وإلا كانت دعواه غير مقبولة، بلوغ الغاية المتمثلة في حماية أموال الوقف من العبث، فأراد المشرع أن يحمى الوقف، ويقطع بثبوته وعدم توجيه المطاعن إليه، سواء من الواقف بإنكاره أو من الوارث بالطعن عليه بالجهالة أو التزوير، وذلك سدًا للذرائع التى ينفذ من خلالها المبطلون للاستيلاء على أموال الوقف في ظل خراب الذمم، وتفشى شهادة الزور، درءًا للأضرار الناجمة عن الدعاوى الملفقة. وقد رصد المشرع جزاء عدم قبول الدعــوى إذا لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا للقانون، استنادًا إلى أن تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص، من القواعد الشرعية المقررة، وأنه يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى، أو أن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعًا لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة حقوقهم من العبث والضياع، وهو أظهر ما يكون في منازعات الوقف. ومن ثم، يكون النص المطعـون فيه متفقًا والمقاصد العامة للشريعة بما توجبه من الحفاظ على أمـوال الوقف، وعدم ضياع حقوق مستحقيه وحقوق الورثة، بما لا مخالفة فيه لأحكام الشريعة الإسلامية، على النحو الذى عناه نص المادة (2) من الدستور.

ولا ينال من ذلك، ما ذكرته الهيئة المدعية من مخالفة النص المطعون فيه للنص القرآنى الكريم قطعى الثبوت قطعى الدلالة في قوله تعالى "يَا أًيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا أوَفُواْ بِالعُقُودِ" - آية رقم (1) سورة المائدة - الذى أوجب الوفاء بالعقود كافة ومن بينها عقد الوقف دون توقف على شهرها، فذلك مردود أولاً: بأن الوقف باعتباره حبسًا للعين وتسبيلاً لثمرتها يتم بالإرادة المنفردة، فهو ليس عقدًا، إنما يتم بإرادة الواقف ويتحقق بالإيجاب منه، أما القبول من الموقوف عليهم فليس بركن في صيغة الوقف، وهو ما أخذ به القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف في المادتين (9، 11) منه فيما تضمنتاه من أن الأصل أنه لا يشترط القبول فيه لصحته، وأن للواقف أن يرجع فيه كله أو بعضه، كما يجوز له أن يغير في مصارفه وشروطه، ومن ثم فلا يُعد عقدًا من العقود الواردة في الآية القرآنية الكريمة. ومردود ثانيًا: بأنه إذا كان الحكم الوارد في الآية الكريمة قطعي الثبوت في شأن كافة العقود، إلا أنه قد اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا فيما هو مقصود بالعقد في تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف الذى كشف عن ظنية دلالة النص بالرغم من قطعية ثبوته، وحيث إن الوقف قد رحُبت الآفاق فيه لاجتهاد الفقهاء، واختلفوا فيه اختلافًا شديدًا من حيث مشروعيته ولزومه وشروط صحته وأركانه، وإنه وإن كان جمهـور الفقهاء قد ذهب إلى جوازه ، فإن البعض منهم ذهب إلى عدم إجازته في بعض صوره استنادًا لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما نزلت سورة النساء وفرضت فيها الفرائض (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس عن فرائض الله تعالى)، وكذا اختلف الفقهاء في أحكامه الفرعية حول وجوب إشهاره من عدمه، فكان لولى الأمر أن يتدخل لتنظيم شئون العباد بالنص المطعون فيه، ومن ثم فإن النعى بمخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية يضحى غير صحيح، متعين الرفض.
فضلاً عن أن النص المطعون فيه ليس بدعًا من المشرع، بل له أصول ممتدة من زمن المحاكم الشرعية، ذلك أنه - وعلى ما ورد بالمذكرة التفسيرية لمشروع القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف - "فى أواخر القرن الماضي رأى أولو الأمر بمصر أن الوقف وما يرتبط به كثرت بشأنهما الدعاوى الباطلة الملفقة..... وكان لأربـاب الحقوق متاعب ومشقات بعيدة المدى بـل للقضاء نفسه .... فاتجهوا إلى الإصلاح بإغلاق أبواب الشرور وسد الذرائع .... ولم يكن أمامهم طريق لما يبتغون سوى تخصيص القضاء والمنع من سماع بعض الدعاوى فسلكوه، واشتملت اللوائح الصادرة للمحاكم الشرعية في سنى 1897 و1911 و1931 على أنه لا تُسمع عند الإنكار دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبدالـه أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط التي تشترط فيه، إلا إذا وُجد بذلك إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعى بالقطر المصري أو مأذون من قبله، وكان مُقيدًا بدفتر إحدى المحاكم الشرعية المصرية".
وحيث إن ما ينعاه المدعى بصفته على النص المطعون فيه من إخلاله بمبدأ المساواة، تأسيسًا على أنه قد مايز بين المسجد والكنيسة في شأن وجوب شهر الإشهاد على الوقف، فاشترطه بالنسبة للكنيسة دون المسجد، على الرغم من أن كليهما من دور العبادة، التى يتعين التماثل فيما بينهما من حيث الأحكام المطبقة على كل منهما، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ - في جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للمصلحة العامة. وأن مبدأ المساواة أمام القانون يفترض عملاً يخل بالحماية القانونية المتكافئة، إذا كان منسوبًا إلى الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أم عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرًا في المعاملة، ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنهما. وليس بصحيح القول بأن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن يُنظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حـددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيهـا، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقيًّا بها. ولا يُتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلاً عن الأغراض التى يتغياها، بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التى يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجود حد أدنى من التوفيق بينها وبين طرائق تحقيقها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد جاء بقاعدة عامة مجردة، ولم يتضمن أية مغايرة في أحكام الوقف بين المسجد والكنيسة، من حيث وجوب شهر الإشهاد على التصرف بالوقف على أى منها، ولا يقيم تمييزًا بينهما، بل ساوى بينهما في هذا المجال، ومن ثم يبرأ من قالة الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (53) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر في الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الهيئة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

التعويضات الجمركية . نظام بديل عن المحاكمة الجنائية


الدعوى رقم 87 لسنة 30 ق " دستورية " جلسة 5 / 1 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجاروالدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 87 لسنة 30 قضائية " دستورية ".
المقامة من
شركة أولاد طاهر رزق
ضــــــد
1- رئيس الجمهوريـــة
2- رئيس مجلس الـــــــوزراء
3- رئيس مجلس النـــــــــواب
4- وزير التجارة الخارجية
الإجراءات
بتاريخ الخامس من مارس سنة 2008، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طالبة الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
  حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن وزير التجارة الخارجية آنذاك كان قد أقام دعويين ضد الشركة المدعية، أولاهما: الدعوى رقم 1507 لسنة 1989 تجارى الإسكندرية، طلبًا للحكم بإلزامها - وحسب طلباته الختامية - بأن تؤدى إليه بصفته مبلغًا قدره مليون ومائتين وثمانية آلاف وثمانمائة وسبعة وأربعون جنيهًا، وثمانمائة وعشرون مليمًا، والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية، وثانيتهما: الدعوى رقم 814 لسنة 1991 تجارى الإسكندرية، طلبًا للحكم بإلزامها بأداء مبلغ قدره خمسمائة وأربعة وتسعون ألفًا وتسعمائة وتسعة وستون جنيهًا ومائتى مليم، تطبيقًا لنص الفقرة الثانية مـن المادة (15) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير، على سند من أن الشركة المدعية تعمل في مجال استيراد السيارات، وأنها قامت باستيراد سبع دفعات من السيارات المستعملة لأغراض الاستعمالات المختلفة، بناء على موافقات استيرادية صدرت من وزارة الاقتصاد والتجارة وذلك أثناء سريان قرار وزارة التخطيط والمالية والاقتصاد رقم 15 لسنة 1980، الذى يبيح للقطاع الخاص الاستيراد بقصد الاتجار عن طريق مصارف القطاع العام التجارية، ويسمح باستيراد سيارات عمرها خمس سنوات سابقة على تاريخ الشحن خلاف سنة الصنع، وأنها بدأت باستيراد السيارات الموافق عليها في غضون عامى 1986، و1987، بعد صدور الموافقات الاستيرادية بنحو خمس سنوات، وكان الثابت أن معظمها يرتد بسنة إنتاجه عن سنتين خـلاف سنة الصنع. وإذ كان قد صدر قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 6 لسنة 1985، معدلا قرار وزير التجارة رقم 1036 لسنة 1978، ونشر بالوقائع المصرية في 5/1/1985، مغايرًا في شروط استيراد السيارات بغرض الاتجار، ونص في المادة (2) منه على جملة شروط، من بينها اشتراط ألا يزيد عمر السيارة عن سنتين سابقتين على شحنها إلى أحد الموانى المصرية بخلاف سنة الصنع، وإذ وردت أولى دفعات السيارات إلى الجمرك، فقد حظرت إدارة الجمرك الإفراج عنها، فأقامت الشركة المدعية الدعويين رقمى 4664 لسنة 1986، 563 لسنة 1987، أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، ضد المدعى عليه الرابع وآخرين، طلبًا للحكم بصفة مستعجلة في الدعوى الأولى بالإفراج عن السيارات موضوع الموافقات الثلاث الأول، وفى الدعوى الثانية بالإفراج عن باقى السيارات التى ترد تباعًا على قوة الموافقات الاستيرادية الثلاث التالية لها، وعن السيارات التى ترد على قوة الموافقة الرابعة، مع الإذن للشركة بفتح الاعتماد المستندي لدى أحد المصارف المعتمدة طبقًا لحكم الفقرة الأولى من القرار الوزارى رقم 15 لسنة 1980، فقضت تلك المحكمة للشركة المدعية بطلباتها في الدعوى الأولى بجلسة 15/12/1986، وفـى الدعـوى الثانية بجلسة 18/4/1987. لم يرتض المحكوم عليهم هذا الحكم فطعنوا على الحكمين المستعجلين أمام محكمة جنوب القاهـرة الابتدائية - دائرة مستأنف مستعجل، وقُيد الاستئناف على الحكم الأول برقم 1663 لسنة 1986 مستأنف مستعجل جنوب القاهرة، وقُضى فيه بجلسة 26/4/1987، بالتأييد، كما قُيد الاستئناف على الحكم الثانى برقم 905 لسنة 1987، وقُضى فيه بجلسة 31/3/1988، بعدم قبوله لرفعه على غير ذى صفة. وبناءً على ذلك قام المدعى عليه الرابع بالإفراج عن السيارات جمركيًّا. وإذ تدوولت الدعويان سالفتا الإشارة إليهما، المقامتان من المدعى عليه الرابع أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، والتى قررت ضمهما للارتباط ووحدة الموضوع، وبجلسة 31/5/2006، قضت في الدعوى رقم 1507 لسنة 1989، تجارى كلى الإسكندرية بإلزام الشركة المدعية، وآخرين، على سبيل التضامن، بأن يؤدوا للمدعى عليه الرابع مبلغًا قدره مليون ومائة وسبعة وخمسون ألفا وتسعمائة وخمسة وتسعون جنيهًا، والفوائد القانونية بواقـــع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، وفى الدعوى رقم 814 لسنة 1991، تجارى كلى الإسكندرية، بإلزام الشركة المدعية وآخرين، على سبيل التضامن، بأن يؤدوا للمدعى عليه الرابع مبلغًا قدره خمسمائة وسبعة وسبعون ألفا، وخمسمائة وتسعون جنيهًا، وذلك على سند من أن الشركة المدعية خالفت قواعد الاستيراد المنصوص عليها في القانون رقم 118 لسنة 1975 المشار إليه، وتستحق عليها المبالغ المشار إليها، باعتبارها تعويضًا معادلا لقيمة البضاعة المفرج عنها، عملاً بنص الفقرة الثانية مـن المادة (15) من هـذا القانون. لم يرتض طرفا الخصومة هذا الحكم، فطعن عليه المدعى عليه الأخير بالاستئناف رقم 1286 لسنة 62 قضائية، أمام محكمة استئناف الإسكندرية، كما طعنت الشركة المدعية عليه بالاستئنافين رقمي 1313، 1349 لسنة 62 قضائية أمام المحكمة ذاتها، وقررت المحكمة ضم الاستئنافين الأخيرين إلى الاستئناف الأول، وأثناء نظر الاستئنافات المشار إليها دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 188 لسنة 1975 بشأن الاستيراد والتصدير، وهو الدفع الذى قدرت محكمة الموضوع جديته، وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.




      وحيث إن المادة (15) من القانون رقم 118 لسنة 1975 بشأن الاستيراد والتصدير تنص على أن "يعاقب كل من يخالف أحكام المادة (1) من هذا القانون أو القرارات المنفذة لها بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه، وتحكم المحكمة في جميع الأحوال بمصادرة السلع موضوع الجريمة.
      ولوزير التجارة أو من يفوضه وقبل رفع الدعوى الجنائية الإفراج عن السلع التى تستورد بالمخالفة لحكم المادة (1) أو القرارات المنفذة لها على أساس دفع المخالف تعويضًا يعادل قيمة السلع المفرج عنها حسب تثمين مصلحة الجمارك يحصل لحساب وزارة التجارة".
      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وأن شرط المصلحة الشخصية المباشرة الذى يحدد للخصومة الدستورية نطاقها، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، فلا يمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤدى ذلك: أن يقيم المدعى الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، وأن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلًا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
      وحيث إن المشرع في المادة (15) من قانون الاستيراد والتصدير المار ذكره، بعد أن نص على تأثيم الأفعال المحظورة بموجب نص المادة رقم (1) من القانون ذاته، والقرارات المنفذة لها، منشئًا لهذه المخالفات جريمة جنائية، سن لها عقوبة الغرامة والمصادرة، استحدث في الفقرة الثانية المطعون عليها نظامًا بديلاً عن المحاكمة الجنائية ، أتاح بمقتضاه لوزير التجارة أو من يفوضه – وقبل رفع الدعوى الجنائية – الإفراج عن السلع المستوردة بالمخالفة لنص المادة (1) والقرارات المنفذة لها، مقابل دفع تعويض يعادل قيمة السلع المفرج عنها - حسب تثمين مصلحة الجمارك - وربط الحق في إقامة الدعوى الجنائية بطلب يقدم من وزير التجارة إلى النيابة العامة، على النحو المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من هذه المادة، وكان البين أن مناط استحقاق هذا التعويض وفقًا لأحكام النص المطعون عليه، أن يكون الإفراج عن السلع المحظور استيرادهــــا بناء على قرار يصدر من وزير التجارة أو من يفوضه حال وجود السلع في الجمارك، وقبل إقامة الدعوى الجنائية، بحيث يكون التعويض المنصوص عليه مصحوبًا بالإفراج عن تلك السلع، بديلاً عن المحاكمة الجنائية. لما كان ذلك، وكان الثابت أن وزير التجارة أو من يفوضه ، لم يصدر أي منهما قرارًا بالإفراج عن السلع المستوردة ، وإنما جرى الإفراج عنها بمقتضى حكم قضائي صادر من القضاء المستعجل، ولم تَعُدْ السلع في حوزة الجمارك، فضلا عن خلو الأوراق مما يفيد تقديم ممثل الشركة المدعية "المستوردة" إلى المحاكمة الجنائية، أو صدور حكم بإدانته، ومن ثم، فقد انتفى موجب إعمال حكم هذه المادة على النزاع المطروح أمام محكمة الموضوع، وانتفت تبعًا لذلك مصلحة الشركة المدعية في الطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الدعوى رقم 122 لسنة 26 ق " دستورية " جلسة 5 / 1 / 2019


باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع          أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 122 لسنة 26 قضائية " دستورية ".




المقامة من
ورثة المرحوم / محمود عبد العزيز حسن، وهم :
1-    درية أحمد سعيد
2-    عبد العزيز محمود عبد العزيز
3-    علاء الدين محمود عبد العزيز
ضد
1-    رئيس مجلس الوزراء
2-    وزير الصحة
3-    محافظ الجيزة
4-    وكيل وزارة الصحة بالجيزة
5-    مدير الإدارة الصحية بالعجوزة
الإجراءات
بتاريخ الثالث والعشرين من مايو سنة 2004، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية، فيما تضمنه من تأبيد عقود إيجار الأماكن التى تستأجرها الأشخاص الاعتبارية العامة لغير أغراض السكنى، وكذا نص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكـام الخاصة بتأجير وبيع الأمـــاكـن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من حظر إخلاء الأماكن غير المعدة لأغراض السكنى التى تشغلها الأشخاص الاعتبارية، على وجه التأبيد.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
  ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 321 لسنة 2003 إيجارات، أمام محكمة الجيزة الابتدائية، بطلب الحكم بإخلاء مديرية الشئون الصحية بالجيزة من الشقق موضوع عقد الإيجار المؤرخ 14/6/1960، على سند من أن المديرية المذكورة استأجرت من مورثهم عدد (4) شقق بالإضافة إلى أكشاك خشبية كائنة جميعها بالعقار رقم (6) شارع الغوث بالعجوزة - محافظة الجيزة، بغرض استغلالها مركزًا لرعاية الطفل، وبتاريخ 2/4/1997، صدر قرار مجلس الوزراء بإلزام الجهات والأجهزة الحكومية والهيئات التابعة لها بإعادة الوحدات التى تشغلها إلى أصحابها في الحالات التى عددها، وإزاء انتهاء السنوات الخمس التى حددها هذا القرار لإخلاء تلك الوحدات في إبريل سنة 2002، ولعدم قيام مديرية الشئون الصحية بالجيزة بإخلاء الأعيان المؤجرة لها، قام المدعون بإنذارها على يد محضر بتاريخ 7/10/2002، لإخلاء تلك الشقق والأكشاك، محل عقد الإيجار وتسليمها لهم، إلا أن الجهة الإدارية لم تستجب لطلبهم، فتقدموا بالطلب رقم 689 لسنة 2002 إلى لجنة فض المنازعات بالجيـزة، التى انتهت إلى حفـظ هذا الطلب، وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعون بجلسة 15/4/2004، بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 المشار إليه فيما لم يتضمنه من تأقيت الامتداد القانوني لعقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى، وكـذا نص المادة (18) من القانـون رقم 136 لسنة 1981 السالف الذكر، فيما تضمنه من حظر إخلاء الأماكن غير المعدة لأغراض السكنى التى تشغلها الأشخاص الاعتبارية على وجه التأبيد. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وأجلت نظر الدعوى الموضوعية لجلسة 10/6/2004، وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية، أقاموا دعواهم المعروضة. وبجلسة 30/12/2004، قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها بحالتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى للاختصاص، وقد طعن المدعون على هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2136 لسنة 122 قضائية، وبجلسة 18/5/2005، قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، وإعادة الدعوى المستأنف حكمها إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها. ونفاذًا لذلك، أُعيدت الدعوى إلى محكمة الجيزة الابتدائية، وبجلسة 30/4/2006، قضت المحكمة بوقف الدعوى تعليقًا لحين الفصل في الدعوى الدستورية المعروضة.




وحيث إن صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ينص على أن "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، إلا لأحد الأسباب الآتية......"

وتنص المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية على أن "يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، النص الآتى:
فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعي أو مهني أو حرفي، لا ينتهى العقد بموت المستأجر، ويستمر لصالح الذين يستعملون العين من ورثته في ذات النشاط الذى كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقًا للعقد، أزواجًا وأقارب حتى الدرجة الثانية، ذكورًا وإناثًا من قصر وبُلغّ، يستوى في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بواسطة نائب عنهم.




واعتبارًا من اليوم التالى لتاريخ نشر هذا القانون المعدل، لا يستمر العقد بموت أحد أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلى دون غيره ولمرة واحدة".




وحيث إن حقيقة طلبات المدعين بالنسبة لنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، إنما تتحدد في الطعن على ما ورد بصدر الفقرة الأولى من هذا النص من إطلاق وعموم عباراته، التى لم تجز للمؤجِر طلب إخلاء المكان المؤجَر، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى.
وحيث إن هذه المحكمة سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بالنص المشار إليه، محددًا نطاقه على النحو المتقدم، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 5/5/2018، في الدعوى رقم 11 لسنة 23 قضائية "دستورية"، القاضي أولاً: بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنته من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد"، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى. ثانيًا: بتحديد اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي السنوي لمجلس النواب اللاحق لنشر هذا الحكم تاريخًا لأعمال أثره. ونُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم 19 مكرر (ب) بتاريخ 13/5/2018، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48 ، 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن تكون أحكام هذه المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها، الأمر الذى تغدو معه الخصومة منتهية بالنسبة للطعن على النص المشار إليه.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان القضاء بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، في حدود النطاق المتقدم، والذى يحكم وقائع النزاع الموضوعي، تتحقق به مصلحة المدعين، وغايتهم من دعواهم المعروضة، الأمر الذى تنتفى معه مصلحتهم في الطعن على نص المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية المطعون فيه، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا النص.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة:
أولاً: باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة للطعن على ما تضمنه صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد" لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى.
ثانيًا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعـن على نص المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية.