الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الاثنين، 28 يوليو 2025

الدعوى رقم 91 لسنة 39 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 5 / 7 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يوليو سنة 2025م، الموافق العاشر من المحرم سنة 1447ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار وخالد أحمد رأفت دسوقي وعلاء الدين أحمد السيد ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 91 لسنة 39 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت المحكمة التأديبية بدمياط، بحكمها الصادر بجلسة 27/9/2016، ملف الدعوى رقم 43 لسنة 5 قضائية

المقامة من

النيابة الإدارية

ضد

1- زينب مصباح مصباح عاشور

2- عبد الجواد مجاهد عبد الجواد محمد

3- حامد محمد الشبراوي عوض

4- محمد إبراهيم أحمد علي

--------------

الإجراءات

بتاريخ السادس عشر من يوليو سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 43 لسنة 5 قضائية، بعد أن قضت المحكمة التأديبية بدمياط، بجلسة 27/9/2016، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادتين (47 و48) من قرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 في شأن مركز البحوث الزراعية، والمادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، فوضت في أولاهما الرأي للمحكمة، وطلبت في الأخرى: الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/8/2023، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، صممت فيها على الطلبات، وقررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، فأودعت تقريرًا تكميليًّا برأيها، وأُعيد نظر الدعوى بجلسة 10/5/2025، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن النيابة الإدارية أقامت أمام المحكمة التأديبية بدمياط الدعوى رقم 43 لسنة 5 قضائية، ضد المحالين في الدعوى الموضوعية، طالبة محاكمتهم تأديبيًّا عن المخالفات المنسوبة إليهم بتقرير الاتهام. وفي أثناء تداول الدعوى، قدَّم المحالون الثاني والثالث والرابع مذكرة، دفعوا فيها، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة ولائيًّا بنظر الدعوى. واحتياطيًّا: ببطلان محضر التحقيق، وصدور قرار الإحالة من جهة لا ولاية لها بالتحقيق معهم وتأديبهم؛ لكونهم من أعضاء هيئة البحوث بمركز البحوث الزراعية، ويشغلون وظائف علمية معادلة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، وأن إحالتهم تمت بالمخالفة للمادتين (47 و48) من قرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 في شأن مركز البحوث الزراعية. وقد تراءى لمحكمة الموضوع أن المادتين (47 و48) من قرار رئيس الجمهورية المار ذكره؛ بما قررته أولاهما من عقد الاختصاص بالتحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب المنصوص عليه في ثانيتهما، المنوط به مساءلة أعضاء المركز تأديبيًّا، تشكلان انتقاصًا من الولاية المعقودة لمحاكم مجلس الدولة بموجب نص المادة (190) من الدستور، الذي صار بعد العمل بالدستور الحالي صاحب الولاية العامة بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية؛ ومن ثمَّ أصبحت مجالس التأديب تمثل اعتداءً على اختصاص محجوز دستوريًّا للمحاكم التأديبية بمجلس الدولة، كما أن نص المادة (47) من اللائحة ذاتها، وكذلك نص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليهما، يشكلان تعديًا على اختصاص هيئة النيابة الإدارية المنصوص عليه بالمادة (197) من الدستور؛ لما يمثلانه من حجب هيئة النيابة الإدارية عن ممارسة اختصاصها بإحالة أعضاء مركز البحوث الزراعية إلى قاضيهم الطبيعي بمجلس الدولة، حال خضوعهم للمساءلة التأديبية، بما يُشكل مخالفة لنصوص المواد (94 و96 و97 و184 و185 و186 و187 و190 و197) من الدستور.

وحيث إن المادة (47) من قرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 في شأن مركز البحوث الزراعية، تنص على أن "يتولى التحقيق فيما قد ينسب إلى أعضاء هيئة البحوث عضو من مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس بناءً على طلب مدير المركز، على أن يراعى ألا تقل درجة من يجري التحقيق عن درجة مَن يتم التحقيق معه ويتم التحقيق بناءً على طلب مدير المركز أو من ينيبه من وكلائه، وتقدم نتيجة التحقيق تقريرًا إلى مدير المركز أو من ينيبه، ولمدير المركز أو من ينيبه بعد الاطلاع على التقرير أن يحفظ التحقيق أو أن يأمر بالإحالة إلى مجلس التأديب أو أن يكتفي بتوقيع جزاء في حدود ما تقرره المادة (112) من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات".

وتنص المادة (48) من قرار رئيس الجمهورية المار ذكره، على أن "تكون مساءلة جميع أعضاء هيئة البحوث أمام مجلس تأديب يشكل من:

(1) وكيل المركز رئيسًا

(2) مستشار من مجلس الدولة يُندب سنويًّا

 (3) أحد مديري المعاهد، يعينه مجلس المركز سنويًّا أعضاءً

وفى حالة ما إذا كان المقدم لمجلس التأديب تابعًا لمدير المعهد العضو بالمجلس يستبدل به مدير معهد آخر بقرار من رئيس المركز، وفى حالة غياب أو قيام مانع لدى الرئيس يحل محله أقدم مديري المعاهد، ثم من يليه في الأقدمية منهم".

وتنص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على أنه "لا تسري أحكام هذا القانون على الموظفين الذين ينظم التحقيق معهم وتأديبهم قوانين خاصة".

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها –على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة– أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها.

لما كان ما تقدم، وكانت المسألة الدستورية المثارة بحكم الإحالة تتصل بالجهة التي عقد لها المشرع ولاية تأديب أعضاء مركز البحوث الزراعية، ومن ثم فإن الفصل في دستورية نظام التأديب الوارد بنص المادتين (47 و48) من قرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 في شأن مركز البحوث الزراعية، يكون له انعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة فيها، وولاية محكمة الموضوع بالفصل فيها، الأمر الذي تتوافر معه المصلحة في الدعوى الدستورية المعروضة، وبهذين النصين يتحدد نطاقها.

وحيث إن المادة (1) من القانون رقم 69 لسنة 1973 في شأن نظام الباحثين العلميين في المؤسسات العلمية، تنص على أن "تسري أحكام القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، على المؤسسات العلمية المحددة بالجدول المرفق وذلك في حدود وطبقًا للقواعد الواردة في المواد التالية.

ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية بعد العرض على مجلس الوزراء إضافة جهات أخرى إلى هذه المؤسسات العلمية بشرط أن تكون الجهات المضافة من العاملة في المجال الذي تختص به الجامعات أو مجال البحث العلمي، وأن تكون أنظمة العاملين في هذه الجهات متفقة مع القواعد الأساسية المقررة لوظائف أعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة لها المنصوص عليها في القانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه".

وتنص المادة (2) من القانون ذاته على أن "تصدر بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ما يعرضه الوزير المختص وعلى ما يقترحه المجلس الخاص بالمؤسسة العلمية الخاضعة لأحكام هذا القانون اللائحة التنفيذية لها.

وتشتمل هذه اللائحة على القواعد المنظمة لما يلي:

(أ) الهيكل التنظيمي العام وتحديد المجالس والقيادات المسئولة بما يتناسب مع طبيعة النشاط الذي تختص به المؤسسة.

(ب) القواعد التي تسري على المؤسسة من بين الأحكام الواردة بنصوص القانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه وتحديد السلطات والاختصاصات الواردة بهذه النصوص والمخولة للمجالس والقيادات المسئولة بالمؤسسة العلمية وتوزيعها طبقًا للهيكل التنظيمي لها.

(ج) التسميات الخاصة بالوظائف العلمية في المؤسسة وتعادل وظائفها مع الوظائف الواردة بجدول المرتبات والمكافآت الملحق بالقانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه.

وتسري فيما لم يرد فيه نص في هذه اللوائح التنفيذية على شاغلي الوظائف العلمية القواعد الواردة في القانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه، ......................."

وتنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 في شأن مركز البحوث الزراعية على أن "مركز البحوث الزراعية مؤسسة علمية وإرشادية في حكم القانون رقم 69 لسنة 1973 المشار إليه يتمتع بالشخصية الاعتبارية ويتبع وزير الزراعة ........".

كما نصت المادة (49) من القرار ذاته على أن "تسري أحكام المواد (106 و107 و108) والفقرة الأخيرة من المادة (109) والمواد (110 و111 و112) من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات على أعضاء هيئة البحوث"

وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، ينص في المادة (109) منه على أن "تكون مساءلة جميع أعضاء هيئة التدريس أمام مجلس تأديب يشكل من .................

ومع مراعاة حكم المادة (105) في شأن التحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب تسري بالنسبة إلى المساءلة أمام مجلس التأديب القواعد الخاصة بالمحاكمة أمام المحاكم التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة".

وحيث إن مفاد النصوص التشريعية المتقدم بيانها أن تقرير الاختصاص بتأديب الباحثين العلميين في المؤسسات العلمية – ومنهم شاغلو الوظائف العلمية بمركز البحوث الزراعية – قد حدده القانون رقم 69 لسنة 1973 سالف البيان، الذي أحال بالفقرة الأخيرة من المادة (2) منه، إلى القواعد الواردة في قانون تنظيم الجامعات المار ذكره، فيما لم يرد به نص في اللائحة التنفيذية للمؤسسة العلمية، والتي ناط المشرع بها تفصيل القواعد المنظمة للمسائل التي حددتها البنود (أ، ب، ج) من المادة (2) من القانون رقم 69 لسنة 1973، المار بيانه، دون غيرها. وإذ خلت هذه البنود من إسناد تنظيم المساءلة التأديبية لشاغلي الوظائف العلمية بذلك المركز إلى لائحته التنفيذية، فإن مؤدى ذلك أن يكون تأديبهم موسدًا إلى قانون تنظيم الجامعات المحال إليه، وليس إلى أداة تشريعية أدنى منه. ولا يعزب عن النظر أن دستور سنة 1971 – الذي صدرت اللائحة التنفيذية المحال نصوصها خلال العمل بأحكامه – وإن نص في مادته (146) على أن "يصدر رئيس الجمهورية القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة" فإنه في الأحوال التي يتساند فيها إنشاء المرافق والمصالح العامة إلى قانون يتضمن تنظيمًا لتأديب العاملين بالمرفق، فإن هذه الولاية تضحى اختصاصًا استئثاريًّا محجوزًا للقانون، تلتزمه ولا تخرج عليه الأعمال التشريعية الصادرة من رئيس الجمهورية لتنفيذ ذلك القانون – أيًّا كانت طبيعتها ومضمونها – إعمالًا منها لحكم المادة (144) من دستور سنة 1971.

وحيث إن من المقرر -على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة- أن التحقق من استيفاء النصوص القانونية لأوضاعها الشكلية يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض في عيوبها الموضوعية؛ ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية هي من مقوماتها، لا تقوم إلا بها، ولا يكتمل بنيانها أصلًا في غيابها، ومن ثمَّ تفقد بتخلفها وجودها كقاعدة قانونية تتوافر لها خاصية الإلزام. ولا كذلك عيوبها الموضوعية؛ إذ يفترض بحثها -ومناطها مخالفة النصوص القانونية المطعون عليها لقاعدة في الدستور من زاوية محتواها أو مضمونها- أن تكون هذه النصوص مستوفية لأوضاعها الشكلية؛ ذلك أن المطاعن الشكلية -وبالنظر إلى طبيعتها– لا يتصور أن يكون تحريها وقوفًا على حقيقتها، تاليًا للنظر في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تتقصاها -من تلقاء نفسها- بلوغًا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها منحصرًا في المطاعن الموضوعية دون سواها، منصرفًا إليها وحدها، ولا يحول قضاء هذه المحكمة برفض المطاعن الشكلية دون إثارة مناع موضوعية يُدَّعى قيامها بهذه النصوص ذاتها، وذلك خلافًا للطعون الموضوعية، ومن ثم يكون الفصل في التعارض المدعى به بين نص قانوني ومضمون قاعدة في الدستور بمثابة قضاء ضمني باستيفاء النص المطعون فيه للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور فيه ومانعًا من العودة لبحثها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية - سواء في ذلك المتعلقة بالشروط التي يفرضها الدستور لمباشرة الاختصاص بإصدارها في غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان منها متعلقًا باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية - إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.

متى كان ذلك، وكان النصان المحالان قد وردا بقرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 في شأن مركز البحوث الزراعية -المعتبر لائحة تنفيذية للمركز المذكور على ما تقضي به المادة (2) من القانون رقم 69 لسنة 1973 المار ذكره– المعمول به من تاريخ نشره، ومن ثم فإن التحقق من استيفاء هذين النصين للأوضاع الشكلية المتطلبة لإقرارهما يكون على ضوء دستور سنة 1971، المعمول به في تاريخ صدورها.

وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في اللوائح التنفيذية التي تصدر وفقًا لنص المادة (144) من دستور سنة 1971، أنها تُفصّل ما ورد إجمالًا في نصوص القانون، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وأن الغرض من صدور اللائحة التنفيذية للقانون يتعين أن ينحصر في إتمام القانون، أي وضع القواعد والتفاصيل اللازمة لتنفيذه مع الإبقاء على حدوده الأصلية بلا أدنى مساس، ودون أن تنطوي على تعديل أو إلغاء لأحكامه، أو أن تضيف إليه أحكامًا تبعده عن روح التشريع، فيجاوز بذلك مُصدرها الاختصاص الدستوري المخول له، متعديًا على السلطة التشريعية. كما أن من المقرر -كذلك- في قضاء هذه المحكمة أن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسًا على إعمال القوانين وتنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقًا لتعاون السلطات وتساندها، فقد عهد الدستور إليها في حالات محددة بأعمال تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، من ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة (144) من دستور سنة 1971 على أن "يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها، ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه"؛ ومن ثم لا يدخل في اختصاصها ذلك توليها ابتداءً تنظيم مسائل خلا القانون من بيان الإطار العام الذي يحكمها، وإلا كان ذلك تشريعًا لأحكام جديدة لا يمكن إسنادها إلى القانون، وليست تفصيلًا لأحكام أوردها المشرع في القانون إجمالًا، بما يخرج اللائحة – عندئذ – عن الحدود التي عينها الدستور.

لما كان ما تقدم، وكانت المادة (2) من القانون رقم 69 لسنة 1973 سالفة الذكر قد فوضت رئيس الجمهورية في إصدار اللوائح التنفيذية للمؤسسات العلمية، وحددت للقرار الجمهوري الموضوعات التي يضع القواعد المنظمة لها في تلك اللائحة، ولم يكن تأديب شاغلي الوظائف العلمية بتلك المؤسسات من بينها -بحسبانه من الموضوعات التي يتعين أن يكون القانون أداة تنظيمها بحسب الأصل-؛ ومن ثم فإن النصوص المتعلقة بتأديب أعضاء مركز البحوث الزراعية الواردة بقرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 –المحددة نطاقًا على ما سلف بيانه- تكون قد صدرت مجاوزة حدود التفويض الممنوح لها؛ إذ إنها لم تفصل أحكامًا أوردها المشرع إجمالًا في القانون رقم 69 لسنة 1973 سالف الذكر، وإنما استحدثت نصوصًا جديدة لا يمكن إسنادها إلى ذلك القانون، خارجة عن الحدود التي رسمتها المادة (144) من دستور سنة 1971 للوائح التنفيذية؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستورية النصين المحالين.

وحيث إنه عن النعي على نص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، سالف الذكر؛ من تعدٍ على اختصاص هيئة النيابة الإدارية المنصوص عليه بالمادة (197) من الدستور القائم، فلما كانت المحكمة قد انتهت إلى عدم دستورية نص المادتين المنظمتين للتأديب الواردتين باللائحة التنفيذية لمركز البحوث الزراعية، على النحو سالف الذكر، وخضوع شاغلي الوظائف العلمية به، في شأن مساءلتهم تأديبيًّا، إلى قانون تنظيم الجامعات الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972، الذي خلت نصوصه من خضوع المخاطبين بأحكامه لولاية النيابة الإدارية؛ ومن ثم فإن إبطال نص قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المشار إليه لن يكون له انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية؛ الأمر الذي تنتفي معه المصلحة في الطعن عليه، ولزامه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادتين (47 و48) من قرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 1983 في شأن مركز البحوث الزراعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق