الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 مايو 2024

الطعن رقم 155 لسنة 33 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 4 / 5 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار وطارق عبد العليم أبو العطا وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 155 لسنة 33 قضائية دستورية

المقامة من
محمد وجيه محمد أبو أحمد
ضد
1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- قاضي التفليسة في الدعوى رقم 159 لسنة 1993 إفلاس كلي الجيزة
5- محمد إسماعيل محمد، بصفته أمين التفليسة في الدعوى رقم 159 لسنة 1993 إفلاس كلي الجيزة

----------------

" الإجراءات "

بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2011، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، ثم أودعت تقريرًا تكميليًّا، نفاذًا لقرار المحكمة الصادر بجلسة 30/ 7/ 2017، بإعادة الدعوى إليها؛ لاستكمال التحضير.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 9/ 3/ 2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أنه بتاريخ 27/ 10/ 1993، صدر حكم في الدعوى رقم 159 لسنة 1993 إفلاس كلي الجيزة، بإشهار إفلاس عز الدين عبد الله بركات، تَأيّدَ بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 713 لسنة 111 قضائية. وإذ تقدم المدعي إلى أمين التفليسة لتحقيق دينه الثابت بموجب أحكام نهائية، فاستبعده على سند من صدور حكمٍ في الدعوى رقم 1316 لسنة 1993 مدني كلي شمال الجيزة، بصحة توقيعه على مخالصة مزورة منسوبة إليه، على الرغم من إلغائه بحكم محكمة استئناف القاهرة، الصادر في الاستئناف رقم 9397 لسنة 111 قضائية، فأعاد المدعي طلبه إلى قاضي التفليسة الذي رفضه، وأودع القائمة النهائية للديون خالية من هذا الدين، في جلسة غير علنية، ودون إخطاره، مما دفعه إلى التظلم من هذا القرار، أمام محكمة الجيزة الابتدائية، بالدعوى رقم 8 لسنة 2011 إفلاس كلي، ودفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية؛ فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، فمردود بما هو ثابت بملف الدعوى الموضوعية من أن المدعي دفع بجلسة 5/ 5/ 2011، بعدم دستورية نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وبتلك الجلسة أجلت المحكمة الدعوى لجلسة 16/ 6/ 2011، ليقدم المدعي ما تم بشأن إجراءات هذا الدفع، دونما أن تصرح له بإقامة الدعوى الدستورية. وبجلسة 16/ 6/ 2011، قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، بعدما قدم لها المدعي مذكرة تضمنت أسبابه، وتمسك بدفعه، طالبًا التصريح له برفع الدعوى، فقررت تأجيل نظر الدعوى لجلسة 8/ 9/ 2011، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية؛ فأقام دعواه بتاريخ 25/ 8/ 2011، خلال مهلة الثلاثة أشهر التي عيّنها المشرع كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، وفقًا لنص المادة (29/ ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون قد أقيمت في الميعاد المقرر قانونًا، ويكون الدفع بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد في غير محله، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تنص على أنه:
1-.......... 2-........
3 - ولا يجوز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله.
4- ........ 5- ..........
وحيث إن المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس، الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018، تنص على أنه يجوز الطعن أمام المحكمة في القرار الصادر من قاضي التفليسة بقبول الدين أو رفضه، ........، ولا يجوز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله،.........
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية  وهي شرط لقبولها  أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، وأنه يكفي لتوافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية أن يكون الحكم فيها مؤثرًا في مسألة كلية، أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية، دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى، أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع، والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.
متى كان ذلك، وكان النزاع المعروض على المحكمة التي تنظر التظلم من قرار قاضي التفليسة باستبعاد دين المدعي من القائمة النهائية للديون المحققة، قد تساند فيه المدعي إلى أسباب حاصلها، أن استبعاد دينه تم بناءً على مخالصة قدمها المدين المفلس في غيبته، ثبت تزويرها بحكم نهائي قدمه إلى أمين التفليسة، وبالرغم من ثبوت هذا الدين بموجب أحكام نهائية مذيلة بالصيغ التنفيذية، وأورده الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 713 لسنة 111 قضائية، بتأييد إشهار إفلاس المدين مار الذكر، وأثبته أمين التفليسة بتقريريه المقدمين أمام المحكمة الأخيرة، وبجلسات إجراءات تحقيق الديون، فإن قاضي التفليسة أعلن قائمة الديون في غيبته بجلسة غير علنية، دون إخطاره، ومن غير أن تتضمن دينه؛ ومن ثم فإن ما تضمنه نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، من أنه ولا يجوز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله، يقف حائلًا بين المدعي والمضي قُدمًا في التوصل إلى الترضية القضائية المبتغاة، فيما لو تم رفض تظلمه من المحكمة المختصة، لذا فإن الفصل في دستورية تلك المادة، يرتب انعكاسًا على النزاع المطروح أمام محكمة الموضوع، مما تتوافر به للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريتها.
وحيث إن المادة (656/ 3) من قانون التجارة محل الطعن، قد تم إلغاؤها بموجب نص المادة الخامسة من القانون رقم 11 لسنة 2018 بإصدار قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس، والتي ألغت الباب الخامس من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، الخاص بالإفلاس والصلح الواقي منه. ومع ذلك، فإن حكم النص اللاحق الذي تضمنه نص المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس السالف البيان، هو ذاته حكم النص السابق محل الطعن، إذ ارتكز النصان على قاعدة كلية مشتركة حاصلها عدم جواز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله، وبذلك يكون المشرع عند إقراره لهذا القانون اللاحق قد أكد على القاعدة القائمة بالفعل مستصحبًا حكمها على حاله دون أدنى تعديل. متى كان ذلك، وكان الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني، هو أن كل تشريع لاحق يعتبر مُلغيًا للتشريع السابق بالقدر الذى يتحقق فيه التعارض بينهما، وكان نص هذه المادة يفترض تشريعين تعاقبا في الزمان، واختلفا في المضمون. إذ إن القول بالتعارض بين تشريعين يفترض أن يكون ألحقهما قد أتى بقواعد قانونية جديدة تُعدل القواعد القانونية القديمة أو تلغيها. فإذا كانت القاعدة القانونية الجديدة هي ذاتها القاعدة القانونية القديمة، فإن القاعدتين تتلاقيان في مضمون واحد ولا تختلفان في آثارهما، ليقتصر دور القاعدة القانونية الجديدة على مجرد ترديد الحكم المقرر بالقاعدة القانونية القديمة التي استصحبتها.
وحيث إن الأصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين، هو ربطها بالنصوص القانونية التي أضير الطاعن من جراء تطبيقها في حقه في المجال الزمني لسريانها، وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص في المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018، في النزاع المعروض، هي ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنص القديم في مضمونها وأثرها، فإنه يكون من غير المتصور أن يستقل هذا النص الأخير بذاتيته، ليحدث في حق الطاعن أضرارًا شخصية غير التي يصاب بها من جراء تطبيق النص الجديد في حقه. متى كان ذلك، وكان الضرر الناجم عن إعمال النص الجديد لا يختلف عن الضرر الذي سببه تطبيق النص القديم، وإنما هو ضرر واحد، فإن الأمر يقتضي إزاء ذلك إسناد المخالفة الدستورية لا إلى النص القديم فقط، بل إلى النص الجديد كذلك، بوصفه النص التشريعي الذى ما زال قائمًا في مجال التطبيق القانوني بعد زوال الوجود القانوني للنص القديم.
وحيث إنه متى كان ذلك ، وكانت طلبات المدعي تنصرف في حقيقتها إلى الحكم بعدم دستورية قاعدة عدم جواز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله؛ التي نصت عليها المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وتضمنتها بعد ذلك المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018، وهو ما يقتضي مد نطاق الدعوى الدستورية المعروضة لتشمل النص التشريعي الجديد إلى جانب النص التشريعي القديم؛ لاتحادهما في الحكم والعلة والضرر الناجم عن كل منهما.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه إخلاله بحق التقاضي، ومبدأ المساواة، إذ أوصد الباب أمام الدائن في الطعن على الحكم الصادر برفض دينه، وقصر مطالبته على درجة واحدة من درجات التقاضي، دون مبرر ومن غير أن يكون هناك غاية تشريعية من هذا التنظيم، كما أن قاضي التفليسة بمجرد إصدار قراره برفض الدين أو بقبوله، يستنفد به ولايته بشأن النزاع، باعتبار أن ما يصدر عنه بمثابة حكم يلزم إتاحة الطعن عليه أمام محكمة أعلى، فضلًا عن إهداره لمبدأ المساواة بين المدين المفلس ودائنيه، حين أعطى للأول الحق في الطعن على الحكم الصادر بإشهار إفلاسه، دون الدائنين، رغم كونهما في مركز قانوني واحد، وذلك جميعه بالمخالفة لنصي المادتين (7 و21) من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/ 3/ 2011، المقابلين لنصي المادتين (40 و68) من دستور 1971.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات  أيًّا كان تاريخ العمل بها  لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها المدعي إلى النص المطعون عليه  في النطاق السالف تحديده  تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان ذلك النص قد ظل ساريًا ومعمولًا بأحكامه حتى تاريخ العمل بالدستور القائم، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه، والنص الذي امتد إليه نطاق الدعوى المعروضة، من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطّرد على أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق - ومن بينها الحق في التقاضي المنصوص عليه بالمادة (68) من دستور 1971، المقابلة للمادة (97) من الدستور الحالي الصادر في 2014- هو إطلاقها، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، باعتبار أن جوهر هذه السلطة، هو المفاضلة بين البدائل، التي تتصل بالموضوع، محل التنظيم، موازنًا بينها، مرجحًا ما يراه أنسبها لمصالح الجماعة، وأدناها إلى كفالة أثقل هذه المصالح وزنًا، وليس ثمة تناقض بين الحق في التقاضي، كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعيًّا، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق، أو إهداره، ولذلك فإن المشرع  في مجال ضمانه حق اللجوء إلى القضاء  لا يتقيد بأشكال محددة، تمثل أنماطًا جامدة، لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور والإجراءات  لنفاذ هذا الحق  ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقًا مع طبيعة المنازعة، التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي، دونما إخلال بضماناتها الرئيسية، التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها، وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها، وغير متحيفة.
كما أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قصر التقاضي على درجة واحدة هو مما يستقل المشرع بتقريره بمراعاة أمرين، أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها، ثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها، الواقعية منها والقانونية، فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك جهة أخرى.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعنى  وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة  أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه  بما انطوى عليه من تمييز  مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلًا إليها؛ فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون  وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة  بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون تلك الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون يتغيا بالنصوص التي يتضمنها تحقيق أغراض بذاتها من خلال الوسائل التي حددها، وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز قانونية أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيها بينها، وكان تقديره في ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلًا وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعًا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع .
وحيث إن المشرع يهدف من تقرير نظام الإفلاس في قانون التجارة المشار إليه - على ما أفصحت عنه أحكامه وأعماله التحضيرية - إلى وضع نظام محكم لتصفية أموال المدين المفلس وتوزيعها بين دائنيه توزيعًا عادلًا، ينال به كل منهم قسطًا من دينه دون تزاحم أو تشاحن بينهم، فضلًا عن تزويدهم بالوسائل القانونية الكفيلة بتمكينهم من المحافظة على أموال مدينهم وإبطال التصرفات التي تصدر منه بعد اضطراب مركزه المالي، عن رغبة في تبديدها أو إقصائها عن متناولهم، وفى الوقت ذاته رعاية المدين بالأخذ بيده وإقالته من عثرته، متى كان إفلاسه غير مشوب بتدليس أو تقصير، وذلك بقصد تقوية الائتمان وتدعيم الثقة في المعاملات التجارية، وهو ما أدى بالمشرع إلى تنظيم المسائل المتعلقة بتعيين أمين التفليسة واختيار أحد قضاة المحكمة قاضيًا لها، من أجل حسم المنازعات التي تثور خلال سير إجراءات التفليسة على وجه السرعة؛ بما يحفظ للدائنين حقوقهم ويمكن المدينين من سداد ديونهم استقرارًا للمعاملات وحماية للاقتصاد القومي. وهو النهج ذاته الذي سار عليه المشرع في قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018 - على ما أوردته مذكرته الإيضاحية - عندما أولى أهمية خاصة بتيسير إجراءات ما بعد شهر الإفلاس، بما يحقق مرونة وسرعة تتفق مع المشاكل العملية الناتجة عن تطبيق أحكام الباب الخامس من قانون التجارة السالف البيان.
وحيث إن ما تضمنه النص المطعون فيه، من تقييد الطعن على الأحكام الصادرة في التظلم من قرارات قاضى التفليسة، إنما قد جاء متّسقًا مع ما يتطلبه التنظيم التشريعي للإفلاس من خصوصية أوضاع التقاضي في حسم المنازعات التي تثور خلال سير إجراءات التفليسة على النحو الذى يحقق الأهداف المرجوة من هذا التنظيم، نظرًا لاصطباغ نظام الإفلاس بالسمات العامة لأحكام القانون التجاري التي تتمثل في خاصية الائتمان التي تقوم عليها المعاملات التجارية، وما تتطلبه من سرعة في حسم المنازعات الناشئة عنها، الأمر الذى يكون معه النص المطعون فيه، والنص الذي امتد إليه نطاق هذه الدعوى، قد وقعا في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم حق التقاضي، إذ لم يترتب على كليهما أي خطر أو إهدار لهذا الحق، بل جاء نتيجة اختيار المشرع للإجراءات الأكثر اتفاقًا مع طبيعة منازعة الإفلاس دون إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد منصفة، وبمراعاة ما يقتضيه الصالح العام؛ ومن ثم يكون الادعاء بإهدارهما حق التقاضي على غير أساس.
وحيث إنه عما نعاه المدعي من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة أمام القانون فهو غير سديد، ذلك أن المشرع قد أفرد تنظيمًا قضائيًّا لحسم دعاوى الإفلاس محددًا قواعده وإجراءاته وفق أسس موضوعية، لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، مستهدفًا المصلحة العامة متمثلة في سرعة إنهاء المنازعات الدائرة بين أطرافها، دون إخلال بما تقتضيه دراستها وفحصها من تهيئة الأسس الكافية للفصل فيها؛ ومن ثم فإن القواعد التي يقوم عليها هذا التنظيم تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية المشروعة ومؤدية إليها، بما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة أمام القانون.
وحيث إنه، وعلى ما تقدم، لا يكون نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، ونص المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018،  وفقًا للنطاق المحدد سلفًا  قد تعارضا مع أحكام المواد (4 و53 و97) من الدستور، أو خالفا أي نص آخر فيه؛ مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

الطعن رقم 163 لسنة 36 ق دستورية عليا "دستورية " جلسة 4 / 5 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 163 لسنة 36 قضائية دستورية، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية بالمنوفية بحكمها الصادر بجلسة 24/ 2/ 2014، ملف الدعوى رقم 6839 لسنة 12 قضائية

المقامة من
أحمد محمد عبد الفتاح أحمد عيد
ضد
1- محافظ المنوفية
2- مدير عام التربية والتعليم بالمنوفية

-----------------
" الإجراءات "
بتاريخ العشرين من سبتمبر سنة 2014، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 6839 لسنة 12 قضائية، بعد أن حكمت المحكمة الإدارية بالمنوفية بجلسة 24/ 2/ 2014، بوقف الدعوى تعليقًا وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا؛ للفصل في دستورية نص المادة (70 مكررًا) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فيما تضمنه من حظر إعارة العامل أو منحه الإجازات المنصوص عليها في البندين (1و2) من المادة (69) والمادة (70) من هذا القانون أثناء فترة الاختبار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعي في الدعوى الموضوعية، أقام أمام المحكمة الإدارية بالمنوفية، الدعوى رقم 6839 لسنة 12 قضائية، ضد محافظ المنوفية، وآخرين، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تجديد الإجازة الممنوحة له لمدة عام لمرافقة زوجته التي تعمل بالخارج، وما يترتب على ذلك من آثار. تأسيسًا على أنه حصل على ليسانس الآداب والتربية قسم اللغة الإنجليزية، وعُين مدرسًا للغة الإنجليزية بالدرجة الثالثة بإدارة شبين الكوم التعليمية، اعتبارًا من 18/ 12/ 2012، وقد رخصت له جهة الإدارة بإجازة بدون مرتب بناء على طلبه لمدة ستة أشهر، تبدأ من 11/ 2/ 2013 وتنتهي في 10/ 8/ 2013، لإنهاء متعلقاته بالخارج، على أن يعود بعدها لاستكمال مدة الاختبار، ونظرًا لوجود زوجته بدولة الكويت؛ فقد تقدم بعد انتهاء الإجازة الممنوحة له بطلب، لمنحه إجازة بدون مرتب لمدة عام، لمرافقة زوجته التي تعمل بالخارج، إلا أن جهة الإدارة رفضت هذا الطلب، إعمالًا لحكم المادة (70 مكررًا) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، التي تحظر إعارة العامل أو منحه الإجازات الخاصة أثناء فترة الاختبار، فتظلم من ذلك، وتم رفض تظلمه؛ فأقام دعواه. وإذ تراءى للمحكمة مخالفة نص المادة (70 مكررًا) من القانون المشار إليه، فيما تضمنه من حظر الموافقة على إعارة العامل أو منحه الإجازات الخاصة بدون مرتب أثناء فترة الاختبار، لنص المادتين (10 و53) من الدستور؛ قضت بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستوريته.
وحيث إن المادة (69) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته، تنص على أن تكون حالات الترخيص بإجازة بدون مرتب على الوجه الآتي:
(1) يمنح الزوج أو الزوجة إذا سافر أحدهما إلى الخارج للعمل أو الدراسة لمدة ستة أشهر على الأقل إجازة بدون مرتب. ولا يجوز أن تجاوز هذه الإجازة مدة بقاء الزوج في الخارج. ويسري هذا الحكم سواء أكان الزوج المسافر من العاملين في الحكومة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص.
(2) يجوز للسلطة المختصة منح العامل إجازة بدون مرتب للأسباب التي يُبديها العامل وتقدرها السلطة المختصة ووفقًا للقواعد التي تتبعها.
..................
وتنص الفقرة الأولى من المادة (70) من القانون ذاته على أن تستحق العاملة إجازة بدون أجر لرعاية طفلها بحد أقصى عامين في المرة الواحدة ولثلاث مرات طوال حياتها الوظيفية.
وتنص المادة (70 مكررًا) من القانون المشار إليه، المضافة بالقانون رقم 115 لسنة 1983 على أنه لا يجوز إعارة العامل أو منحه الإجازات المنصوص عليها في البندين (1 و2) من المادة (69) والمادة (70) من هذا القانون أثناء فترة الاختبار.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعي في الدعوى الموضوعية الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تجديد الإجازة الممنوحة له لمدة عام لمرافقة زوجته التي تعمل بالخارج. وكان نص المادة (70 مكررًا) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 قد حظر إعارة العامل أو التصريح له بإجازة خاصة بدون مرتب أثناء فترة الاختبار، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهذا النص، لما للقضاء في دستوريته من أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وبهذا النص يتحدد نطاق الدعوى المعروضة. ولا ينال مما تقدم، إلغاء المشرع قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدة أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل العمل بالقاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع نشأ في ظل أحكام العمل بأحكام المادة (70 مكررًا) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، وجرت آثاره خلال فترة نفاذ تلك المادة، فإنه يظل محكومًا بها وحدها.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادتين (10 و53) من الدستور، على سند من أن هذا النص قد حظر إعارة العامل أو التصريح له بإجازة خاصة بدون مرتب لمرافقة الزوج أثناء فترة الاختبار، وهو ما يتعارض مع ما أكده الدستور من الحرص على وحدة الأسرة وتماسكها والنأي عما يقوض بنيانها أو يضعفها أو يؤدي إلى انحرافها أو هدمها، بما يخل بوحدتها التي قصد الدستور صونها لذاتها، فضلًا عن أن المشرع أجاز للمرأة التي تضع طفلها، والعامل المريض بمرض مزمن أو من ينوي أداء فريضة الحج أو أداء الامتحان أن يحصل على إجازة خلال فترة الاختبار؛ ومن ثم تضحى تلك التفرقة مخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلًا صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي، حتى يوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 2016، تاريخ العمل بقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، الذي ألغى بموجب مادته الثانية قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، وكانت المناعي التي أثارها حكم الإحالة على النص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية، التي تقوم مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال يتم في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتتدخل الدولة إيجابيًا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم، وبالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع الموطنين أمام القانون، وفي الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.
وحيث إن الدستور قد عُني في المادة (14) منه بكفالة حق المواطنين في شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وجعل شغل الوظائف العامة تكليفًا للقائمين عليها لخدمة الشعب، وناط بالدولة كفالة حقوق شاغلي الوظائف العامة وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب.
وحيث إن الأصل أن لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلًا عن متطلباتها التي تكفل للمرافق التي يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها، وقابلية تنظيماتها للتعديل وفق أسس علمية قوامها التخطيط المرن وحرية التقدير، فلا تتعثر أعمالها أو تفقد اتصالها ببعض، أو تدرجها فيما بينها، وشرط ذلك إعداد موظفيها علميًّا وفنيًّا وعمليًّا، فلا يلي شئونها غير القادرين حقًّا على تصريفها، سواء أكان عملهم ذهنيًّا أم مهنيًّا أم يدويًّا.
وحيث إن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن لكل وظيفة تبعاتها، فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة الأعمال التي تدخل فيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة فيها، والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالي أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها، عملًا آليًّا يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلًا عن عوامل الصلاحية والخبرة والجدارة التي يتم على ضوئها اختيار من يتولاها، ولا مجرد تطبيق جامد لمقاييس صماء لا تأخذ في اعتبارها خصائص كل وظيفة ومكانتها، والحد الأدنى للتأهيل اللازم لها والتدريب على أداء واجباتها ومسئولياتها وصلاحية المتقدم لشغلها، وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية المتطلبة قانونًا.
وحيث إن الرابطة الوظيفية تنفتح بقرار التعيين، وهو قرار يُكسب الموظف مركزًا قانونيًّا، يخضع لما تقرره القوانين واللوائح، وتتعدد جوانب هذا المركز بتعدد العناصر الداخلة فيه، فهو مركز قانوني معلق غير مستقر أثناء فترة حددها القانون، حتى تثبت صلاحيته للوظيفة، تسمى بفترة الاختبار. والصلاحية للوظيفة هي شرط للبقاء فيها، وهي لا تثبت إلا بالممارسة الفعلية لأعبائها، ومهما أُحسن اختيار الموظف عند التعيين، فلن يكون ذلك قرينة قاطعة على صلاحيته للوظيفة، إذ تُشكل الصلاحية من عدة عناصر، إن تكشف بعضها عند التعيين، فلا تتكشف الأخرى إلا بالمباشرة الفعلية لأعمال الوظيفة، ولهذا تتجه معظم التشريعات إلى وضع الموظف عند بدء التعيين، في مركز معلق لفترة محددة، تكون بمثابة فترة اختبار يتم التحقق خلالها من صلاحيته للنهوض بواجبات الوظيفة ومسئولياتها. فإن أثبت صلاحيته، استقر مركزه الوظيفي، وإن ثبت العكس، أمكن الاستغناء عنه، بإجراءات أقل تعقيدًا.
وتحقيقًا لما تقدم، نصت المادة (22) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 على أن يوضع المعينون لأول مرة تحت الاختبار لمدة ستة أشهر من تاريخ تسلمهم العمل، وتقرر صلاحيتهم خلال مدة الاختبار، فإذا ثبت عدم صلاحيتهم يحالون إلى لجنة شئون العاملين فإن رأت صلاحيتهم للنقل إلى وظائف أخرى نقلتهم إليها وإلا اقترحت إنهاء خدمتهم ......
وحيث إن العلة من وضع الموظف تحت الاختبار تستوجب أن تكون فترة الاختبار فترة خدمة فعلية، يمارس فيها الموظف أعمال الوظيفة التي عُين فيها تمهيدًا للحكم على مدى صلاحيته لها. ولهذا، نصت المادة (22) الآنف ذكرها على أن تبدأ فترة الاختبار - وهي ستة أشهر - اعتبارًا من تاريخ تسلم الموظف لعمله.
وحيث إنه يتبين من الاطلاع على المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة أن أحكام هذا القانون تقوم على أسس موضوعية، وذلك عن طريق الاعتداد أولًا بالوظيفة، باعتبارها مجموعة من الواجبات والمسئوليات، يلزم للقيام بها توافر اشتراطات معينة في شاغلها، تتفق مع نوعها وأهميتها، وتسمح بتحقيق الهدف من إيجادها، وأن هذا الاعتداد الموضوعي لا يتعارض مع الجانب الآخر للوظيفة، المتمثل في الموظف الذى يقوم بأعبائها وما يتطلبه هذا الجانب البشرى لا الشخصي من الاعتداد بالخبرة النظرية أو المكتسبة اللازمة للقيام بأعباء الوظيفة، ومراعاة ذلك في الأجر الذى يحصل عليه بوصفه مقابلًا موضوعيًّا لا شخصيًّا، لما يناط به من مسئوليات .
وحيث إن المشرع قد راعى في النص المحال وضع تنظيم للإجازة بدون مرتب بالنسبة للموظف الذي يوضع تحت الاختبار، تغيا به تحقيق التوازن بين حق الموظف في الحصول على إجازة بدون مرتب التي قررها القانون، واعتبارات المصلحة العامة، بحسبان الوظائف العامة - طبقًا لنص المادة (14) من الدستور- تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب، لذلك قرر النص المحال عدم جواز إعارة الموظف أو منحه إجازة بدون مرتب خلال فترة الاختبار، والتي قدرها المشرع بستة أشهر، وذلك حفاظًا على الصالح الشخصي للموظف باستمراره في شغل الوظيفة متى ثبتت صلاحيته، وضمانًا لسير المرافق العامة بانتظام واطراد، واستمرار أدائها لدورها الدستوري في رعاية مصالح الشعب، فإن التنظيم الذي قرره المشرع بالنص المحال، يكون محافظًا على حق الموظف، ومراعيًا مقتضيات المصلحة العامة، وحاجة الجهة التي يتبعها لشغل الوظائف بالأجدر بها والأقدر على أداء واجباتها ومسئولياتها؛ تمكينًا للقائمين عليها من القيام بأداء واجبهم في خدمة الشعب، ويكون كافلًا تحقيق التوازن الذى أوجبته المادة (27) من الدستور، وغير مناقض للحق في الوظيفة العامة الذى كفله الدستور بالمادة (14)، ولا يُعد خروجًا على مبدأ سيادة القانون الذى اعتبره الدستور في المادة (94) أساسًا للحكم في الدولة، ولا يتضمن كذلك انتقاصًا من عناصر أو محتوى أي من الحقوق المتقدمة، على نحو ينال من جوهرها وأصلها، وهو ما حظره الدستور بنص المادة (92).
وحيث إنه لا وجه للقول بأن ثمة تمييزًا بين حظر منح العامل تحت الاختبار إجازة لمرافقة زوجه الذي يعمل في الخارج، وبين الفئات الأربع التي احتج بها حكم الإحالة في مجال نعيه على النص المحال، بمخالفة مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، ذلك أن الحظر المنعي عليه، مبناه انفصال سبب الإجازة عن شخص العامل تحت الاختبار، في حين أن سبب الترخيص بالإجازة في المجالات الأربع المشار إليها آنفًا يتصل اتصالًا غير قابل للانفصال عن شخص العامل؛ ومن ثم فإن المغايرة في بعض الأحكام القانونية بينه وبين الفئات المشار إليها بحكم الإحالة - طالما اتفقت مع الغرض من تقريرها بما قد يترتب عليها من مفارقة في المعاملة الوظيفية - تغدو مبررة من زاوية دستورية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بإقراره النص المحال قد انحاز إلى إعمال الأسس الموضوعية للوظيفة العامة، وذلك بالاعتداد بالوظيفة ومراعاة واجباتها ومسئولياتها، التي يلزم للقيام بها توافر الاشتراطات اللازمة لشغلها ومن بينها صلاحية الموظف لها، ومدة الخبرة الفعلية التي اكتسبها خلال فترة الاختبار قائمًا بأعبائها، وذلك ضمانًا لجدارته وكفاءته بتوليها، فينهض بها من خلال خبرته التي اكتسبها وجهده الخلاق الذى دأب عليه خلال فترة الاختبار، وهو ما يتفق مع الأهداف التي رنا المشرع إلى تحقيقها بالنص المحال، الذى ترتكن أحكامه إلى أسس موضوعية تبررها، دون مصادمة في ذلك لمبادئ تكافؤ الفرص ووحدة الأسرة والمساواة التي حرص الدستور على كفالتها في المواد (4 و9 و10 و53).
وحيث إن النص المحال لا يخالف أي نص آخر في الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

الثلاثاء، 28 مايو 2024

الطعن رقم 166 لسنة 20 ق دستورية عليا "دستورية " جلسة 4 / 5 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 166 لسنة 20 قضائية دستورية

المقامة من
1- رسن تادرس سيفين
2- رفعت إسطفان سرجوس
3- زاهية كامل شحاته
4- زكريا إسكندر جرجس
5- زينب محمد صالح
ضد
1- وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس إدارة الشركة الدولية لعربات النوم / مصر للسياحة
4- رئيس مجلس إدارة شركة أكور للفنادق

------------------
" الإجراءات "
بتاريخ السادس والعشرين من أغسطس سنة 1998، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادتين (1/ بند ب) و (5) من قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984 بشأن توزيع حصيلة مقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: بعدم قبولها، ومن باب الاحتياط الكلى: برفضها.
كما قدم المدعى عليه الرابع مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائيًّا بنظر الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، صممت فيها على طلباتها، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعين أقاموا أمام محكمة أسوان الجزئية، الدعوى رقم 69 لسنة 1997 مدني، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، طلبًا للحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا لكل منهم قيمة متجمد نصيبه من مقابل الخدمة عن الفترة من 1/ 1/ 1991، حتى تاريخ رفع الدعوى، قولًا بأنهم من العاملين بفندقي كتراكت وكلابشة بأسوان، المملوكين لشركة الفنادق المصرية، المسند إدارتهما للشركة المدعى عليها الرابعة - التي حلت محل الشركة المدعى عليها الثالثة -، وأن هاتين الشركتين امتنعتا عن صرف مستحقاتهم المالية عن كامل حصيلة مقابل الخدمة الممنوح من عملاء الفندقين لحساب العاملين. وبجلسة 11/ 6/ 1998، دفع المدعون بعدم دستورية المادتين (1/ بند ب) و(5) من قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984 بشأن توزيع حصيلة مقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحية، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لهم باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية؛ فأقاموا الدعوى المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن البحث في الاختصاص سابق بطبيعته على الخوض في شكل الدعوى أو موضوعها، وتواجهه المحكمة من تلقاء ذاتها، وأن مقتضى ما نصت عليه المادة (175) من الدستور الصادر سنة 1971 - المقابلة للمادة (192) من الدستور الحالى - أن إرادة الدستور قد انعقدت على إيلاء المحكمة الدستورية العليا وحدها - دون غيرها - ولاية الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون، وقد صدر القانون رقم 48 لسنة 1979 المنظم لأوضاعها، مبينًا اختصاصاتها، محددًا ما يدخل في ولايتها حصرًا، مستبعدًا من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها الاختصاص المنفرد بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، مانعًا أية جهة مزاحمتها فيه، مفصلًا طرائق هذه الرقابة وكيفية إعمالها، وذلك كله على النحو المنصوص عليه في المواد (25 و27 و29) من قانون هذه المحكمة، وهى قاطعة في دلالتها على أن اختصاص المحكمة في مجال الرقابة على الدستورية منحصر في النصوص التشريعية أيًّا كان موضوعها، أو نطاق تطبيقها، أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، ذلك أن هذه النصوص هي التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، وما يميزها كقواعد قانونية هو أن تطبيقاتها مترامية، ودوائر المخاطبين بها غير متناهية، والآثار المترتبة على إبطالها - إذا أهدرتها هذه المحكمة لمخالفتها الدستور- بعيدة في مداها، وتدق دائمًا ضوابط الرقابة على مشروعيتها الدستورية، وتقارنها محاذير واضحة. فمن ثم، كان لزامًا بالتالي أن يؤول أمر هذه الرقابة إلى محكمة واحدة، بيدها وحدها زمام إعمالها، كي تصوغ بنفسها معاييرها ومناهجها، وتوازن من خلالها بين المصالح المثارة على اختلافها، وتتولى دون غيرها بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور بما يكفل تكاملها وتجانسها، ويحول دون تفرق وجهات النظر من حولها، وتباين مناحي الاجتهاد فيها. متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد فوض، بموجب الفقرة الثانية من البند (6) من المادة (1) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب، سلطة إصدار قرار يُبين كيفية توزيع حصيلة مقابل الخدمة على العاملين في المنشآت السياحية، وذلك بالاتفاق مع وزير السياحة والمنظمة النقابية المختصة؛ ونفاذًا لذلك صدر القرار رقم 22 لسنة 1984، متضمنًا القواعد التنظيمية لتوزيع حصيلة مقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحية، وتحديد النسبة المخصصة منها لكل من المنشأة والعاملين بها، المتصلين اتصالًا مباشرًا بالعملاء وغير المتصلين بهم، والنسبة المقررة لكل طائفة منهم، ومن ثم يكون هذا القرار اللائحي قد تضمن أحكامًا موضوعية تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، تسري على المخاطبين بها، وصادرة عن السلطة التنفيذية (الوزير المختص) بموجب تفويض من القانون، وبهذه المثابة ينحل القرار رقم 22 لسنة 1984 المار ذكره، إلى تشريع بمعناه الموضوعي، على النحو الذى قصده الدستور والقانون؛ ومن ثم فإن الفصل في دستوريته يدخل في نطاق الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة، في إطار اختصاصها الذى وسده الدستور لها بمقتضى نص المادة (192)، والمادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، في شأن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية؛ مما يغدو معه الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المادة (1) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 تنص على أنه يقصد في تطبيق أحكام هذا القانون: .................
بالأجر: كل ما يتقاضاه العامل لقاء عمله نقدًا مضافًا إليه جميع العلاوات أيًّا كان نوعها وعلى الأخص ما يأتي: 1....... 2- ......... 3-........
4- ........ 5-......0
6- الوهبة التي يحصل عليها العامل في المحال العامة غير السياحية إذا جرى العرف بدفعها وكانت لها قواعد تسمح بتحديدها، وتعتبر في حكم الوهبة النسبة المئوية التي يدفعها العملاء مقابل الخدمة في المنشآت السياحية.
ويصدر قرار من وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب بالاتفاق مع وزير السياحة والمنظمة النقابية المختصة بكيفية توزيعها على العاملين.
وحيث إنه بتاريخ 5/ 3/ 1984، صدر قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984 بشأن توزيع حصيلة مقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحية، ناصًّا في المادة (1) منه على أنه مع عدم الإخلال بأي نسب أفضل للعاملين يحددها النظام الأساسي للمنشأة أو العقد الجماعي، توزع الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحية على الوجه الآتي:
(أ) 80٪ من الحصيلة الكلية للعاملين بالمنشأة.
(ب) 20٪ من الحصيلة الكلية للمنشأة مقابل الكسر والفقد والتلف.
كما نص في المادة (2) منه على أن توزع نسبة ال 80٪ من الحصيلة الكلية المشار إليها في البند (أ) من المادة السابقة على العاملين بالمنشآت الفندقية والسياحية على الوجه الآتي:
(أ) 60٪ من الحصيلة الكلية على العاملين المتصلين اتصالًا مباشرًا بالعملاء.
(ب) 15٪ من الحصيلة الكلية على العاملين غير المتصلين اتصالًا مباشرًا بالعملاء.
(ج) 5٪ من الحصيلة الكلية كحوافز على المستحقين من جميع فئات العاملين بالمنشأة ............
ونص في المادة (5) منه على أنه على المنشآت الفندقية التي تطبق نظام الأجر الثابت أن تقوم في نهاية كل سنة على الأكثر بمقارنة ما تم صرفه من أجور للعاملين المتصلين اتصالًا مباشرًا بالعملاء مع حصيلة النسبة المخصصة لهم من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة وفقًا للمبين بالبند (أ) من المادة (2)، فإذا كانت أجورهم الثابتة أقل من حصيلة هذه النسبة يوزع الفرق عليهم بنسبة أجورهم الثابتة.
وحيث إن قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، قد نص في المادة السابعة من مواد إصداره على إلغاء القانون رقم 137 لسنة 1981، ونص في الفقرة الثانية من البند رقم (8) من (ج) من المادة (1) منه على أنه ويصدر قرار من الوزير المختص بالاتفاق مع المنظمة النقابية المعنية بكيفية توزيعها على العاملين بالتشاور مع الوزير المعني. وإعمالًا لهذا التفويض التشريعي أصدر وزير القوى العاملة والهجرة القرار رقم 125 لسنة 2003 بشأن توزيع حصيلة مقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحة، ناصًّا في المادة الأولى منه على أنه مع عدم الإخلال بأي نسب أفضل للعاملين يحددها النظام الأساسي للمنشأة أو العقد الجماعي، توزع الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحية على الوجه الآتي:
(1) 80٪ من الحصيلة الكلية للعاملين بالمنشأة.
(2) 20٪ من الحصيلة الكلية للمنشأة مقابل الكسر والفقد والتلف.
وتنص المادة الخامسة من القرار المشار إليه على أنه على المنشآت الفندقية التي تطبق نظام الأجر الثابت أن تقوم في نهاية كل سنة على الأكثر بمقارنة ما تم صرفه من أجور للعاملين المتصلين اتصالًا مباشرًا بالعملاء مع حصيلة النسب المخصصة لهم من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة وفقًا للمبين بالبند (1) من المادة (2) فإذا كانت أجورهم الثابتة أقل من حصيلة هذه النسبة يوزع عليهم بنسبة أجورهم الثابتة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلًا بالمصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة لحسمها، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية، وإن كان يتحدد أصلًا بالنصوص القانونية التي يتعلق بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، إلا أن هذا النطاق يمتد ليشمل أيضًا النصوص التي يُضار المدعون في الدعوى الموضوعية من جراء تطبيقها عليهم ولو لم يتضمنها الدفع بعدم الدستورية، إذا كان فصلها عن النصوص التي اتصلت بالمحكمة الدستورية العليا متعذرًا، وكان ضمها إليها يكفل تحقيق الأغراض التي يتوخاها المدعون من دعواهم الموضوعية.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول مطالبة المدعين من المخاطبين بالقرار رقم 22 لسنة 1984 المشار إليه- بمتجمد مستحقاتهم المالية من حصيلة مقابل الخدمة عن الفترة من 1/ 1/ 1991 وحتى تاريخ إقامة دعواهم الموضوعية، وكان نص البند (ب) من المادة (1) من القرار الوزاري المار ذكره، قد اقتطع نسبة ال (20٪) من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة المستحق كاملًا للعاملين وحدهم، وخصصها لصالح المنشأة مقابل الكسر والفقد والتلف؛ ومن ثم فإن القضاء في دستورية هذا النص، سيكون له أثره المباشر وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر في شأنه المصلحة بالنسبة لجميع المدعين. كما تغدو المصلحة متحققة - أيضًا - في الطعن على المادة (5) من القرار ذاته، بالنسبة للمدعين الثاني والثالث والخامس، بحسبانهم من العاملين المتصلين اتصالًا مباشرًا بالعملاء، والمضارين مما تضمنته أحكام هذه المادة من استقطاع ما تم صرفه لهؤلاء العاملين من أجور ثابتة من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة. وإذ كان نصا المادتين الأولى بند (2)، والخامسة من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 125 لسنة 2003، المشار إليه، قد رددا الأحكام ذاتها الواردة في النصين المطعون عليهما، ليشكلا بذلك تنظيمًا قانونيًّا واحدًا يواجه به الطاعنون، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على أحكام التنظيم القانوني ذاته، من خلال النصوص التشريعية التي تضمنها القراران السالفان، في المجال الزمني لسريان كل منهما، إذ من غير المتصور أن يستقل النصان المطعون عليهما بذاتيهما، ليحدثا في حق الطاعنين أضرارًا شخصية، غير التي يصابون بها من جراء تطبيق النصين الساريين في حقهم؛ الأمر الذي يضحى معه الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لإلغاء قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984، لا أساس له، متعينًا رفضه.
وحيث إنه من المقرر - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - أن التحقق من استيفاء النصوص القانونية لأوضاعها الشكلية يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض في عيوبها الموضوعية، ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية هي من مقوماتها، لا تقوم إلا بها، ولا يكتمل بنيانها أصلًا في غيابها؛ ومن ثم تفقد بتخلفها وجودها كقاعدة قانونية تتوافر لها خاصية الإلزام. ولا كذلك عيوبها الموضوعية، إذ يفترض بحثها - ومناطها مخالفة النصوص القانونية المطعون عليها لقاعدة في الدستور من زاوية محتواها أو مضمونها - أن تكون هذه النصوص مستوفية لأوضاعها الشكلية، ذلك أن المطاعن الشكلية- وبالنظر إلى طبيعتها - لا يتصور أن يكون تحريها وقوفًا على حقيقتها، تاليًا للنظر في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تتقصاها - من تلقاء نفسها - بلوغًا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها منحصرًا في المطاعن الموضوعية دون سواها، منصرفًا إليها وحدها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأوضاع الشكلية- سواء في ذلك تلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط نفاذها - إنما تتحدد في ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها؛ ومن ثم فإن التحقق من استيفاء أحكام قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984 المطعون على نص مادتيه (1/ بند ب) و(5)، وعُمل بهما من تاريخ نشره في 4 أبريل سنة 1984، وكذا قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 125 لسنة 2003، الذي يضم نص المادتين الأولى بند (2) والخامسة، اللذين امتد إليهما نطاق الدعوى المعروضة، وعُمل بهما من اليوم التالي لتاريخ نشره في 25 يوليه سنة 2003، يتعين أن يجري على ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 1971، المعمول به في تاريخ صدورهما، وتكون هي الواجبة التطبيق في الدعوى المعروضة.
وحيث إن المدعين ينعون على المادتين (1/ بند ب) و (5) من قرار وزير القوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984 المطعون فيهما، مجاوزة الوزير لحدود التفويض التشريعي الممنوح له، بموجب نص المادة (1/ 6) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، وهو ما يصمهما بمخالفة نص المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971، فضلًا عن الاعتداء على الملكية الخاصة، والإخلال بمبدأ المساواة.
وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره، ذلك أن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في اللوائح التنفيذية التي تصدر وفقًا لنص المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971، أنها تفصِّل ما ورد إجمالًا في نصوص القانون بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وأن الغرض من صدور اللائحة التنفيذية للقانون يتعين أن ينحصر في إتمام القانون، أي وضع القواعد والتفاصيل اللازمة لتنفيذه مع الإبقاء على حدوده الأصلية بلا أدنى مساس، ودون أن تنطوي على تعديل أو إلغاء لأحكامه، أو أن تضيف إليه أحكامًا تبعده عن روح التشريع، فيجاوز بذلك مُصدرها الاختصاص الدستوري المخول له، متعديًا على السلطة التشريعية. كما أن من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسًا على إعمال القوانين، وتنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقًا لتعاون السلطات وتساندها، فقد عهد الدستور إليها ، في حالات محددة ، بأعمال تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، من ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971 على أن يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها؛ ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه ؛ ومن ثم لا يدخل في اختصاصها ذلك توليها ابتداء تنظيم مسائل خلا القانون من بيان الإطار العام الذى يحكمها، وإلا كان ذلك تشريعًا لأحكام جديدة لا يمكن إسنادها إلى القانون، وليست تفصيلًا لأحكام أوردها المشرع في القانون إجمالًا، بما يخرج اللائحة - عندئذ - عن الحدود التي عينها الدستور.
وحيث إن المشرع، في الفقرة الثانية من البند (6) من المادة (1) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، والبند (8) من (ج) من المادة (1) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، قد فوض الوزير المختص بالقوى العاملة سلطة إصدار قرار بكيفية توزيع حصيلة مقابل الخدمة، على العاملين في المنشآت السياحية، مستبعدًا مشاركة صاحب العمل أو غيره، للعاملين بهذه المنشآت في تلك الحصيلة، ليكون توزيعها عليهم - وحدهم دون سواهم - كاملًا غير منقوص، بحسبان خلو التفويض التشريعي من تخصيص أو استقطاع أية نسبة من حصيلة مقابل الخدمة، لصالح المنشأة، أو حرمان لطائفة من العاملين بالمنشآت السياحية - المتصلين منهم اتصالًا مباشرًا بالعملاء - من حصتهم من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة، حال تقاضيهم أجرًا ثابتًا مساويًا أو يزيد عن المبلغ المستحق لهم من تلك الحصيلة.
متى كان ما تقدم، وكان البين من مطالعة النصين المطعون عليهما والنصين المقابلين لهما في القرار الوزاري الأخير، أنها استحدثت وأضافت أحكامًا جديدة، تضافرت على معنى واحد، هو الخروج عن حدود التفويض الممنوح للوزير المختص باستقطاع نسبة ال 20٪ من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة المستحقة للعاملين، وتخصيصها لحساب المنشأة، لتغطية ما لحق أدواتها من كسر وفقد وتلف، وإلزام المنشآت الفندقية التي تطبق نظام الأجر الثابت، بأن تقوم في نهاية كل سنة على الأكثر بمقارنة ما تم صرفه من أجور ثابتة لهؤلاء العاملين، مع حصيلة النسبة المخصصة لهم من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة، فإذا كانت أجورهم الثابتة أقل من حصيلة هذه النسبة، يوزع عليهم الفرق بنسبة أجورهم الثابتة، بما مؤداه: أن يكون الأصل بالنسبة للعمال الذين يتقاضون أجورًا ثابتة، حرمانهم من الحصول على النسبة المخصصة لهم من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة، ليستثنى من ذلك أن تكون أجورهم الثابتة أقل من حصيلة هذه النسبة، فيوزع عليهم الفارق بنسبة أجورهم الثابتة، مما لازمه أن تكون النصوص الواردة بالقرارين رقمي 22 لسنة 1984 و 125 لسنة 2003 المار بيانهما - والمحددة نطاقًا على النحو السالف - قد صدرت مجاوزة لحدود التفويض الممنوح للوزير المختص، إذ إنها لم تفصل أحكامًا أوردها المشرع إجمالًا في قانوني العمل الصادرين بالقانونين رقمي 137 لسنة 1984 و 12 لسنة 2003، وإنما استحدثت نصوصًا جديدة لا يمكن إسنادها إلى هذين القانونين، وخرجت عن الحدود التي رسمتها المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971 للوائح التنفيذية؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها، وسقوط ما ارتبط بها من مواد القرارين السالفي الذكر.
وحيث إن هذه المحكمة تقديرًا منها للآثار المترتبة على القضاء بعدم دستورية قرارى وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984 ووزير القوى العاملة والهجرة رقم 125 لسنة 2003 المشار إليهما، من مساس باستقرار المراكز القانونية التي نشأت عن تطبيقهما، بدءًا من تاريخ العمل بأولهما في 4/ 4/ 1981، والآخر في 25/ 7/ 2003، حتى تاريخ نشر هذا الحكم، فإنها تُعمل السلطة المخولة لها بنص المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وتحدد اليوم التالي لنشر الحكم في الجريدة الرسمية تاريخًا لإعمال آثاره، وذلك دون إخلال باستفادة المدعين منه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولًا: بعدم دستورية البند (ب) من المادة (1) من قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 22 لسنة 1984، والبند (2) من المادة الأولى من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 125 لسنة 2003 بشأن توزيع حصيلة مقابل الخدمة في المنشآت الفندقية والسياحية، فيما نصا عليه من توزيع نسبة 20٪ من الحصيلة الكلية للمنشأة مقابل الكسر والفقد والتلف.
ثانيًا: بعدم دستورية المادة (5) من قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب، والمادة الخامسة من قرار وزير القوى العاملة والهجرة، المشار إليهما، فيما تضمنتاه من استثناء العاملين المتصلين اتصالاً مباشرًا بالعملاء في المنشآت الفندقية التي تطبق نظام الأجر الثابت من الحصول على النسبة المخصصة لهم من الحصيلة الكلية لمقابل الخدمة، إلا إذا كانت أجورهم الثابتة أقل من حصيلة هذه النسبة.
ثالثًا: بسقوط أحكام القرارين المار بيانهما المرتبطة بالنصوص المقضي بعدم دستوريتها.
رابعًا: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية تاريخًا لإعمال آثاره.
خامسًا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.