الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 مايو 2024

الطعن رقم 163 لسنة 36 ق دستورية عليا "دستورية " جلسة 4 / 5 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 163 لسنة 36 قضائية دستورية، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية بالمنوفية بحكمها الصادر بجلسة 24/ 2/ 2014، ملف الدعوى رقم 6839 لسنة 12 قضائية

المقامة من
أحمد محمد عبد الفتاح أحمد عيد
ضد
1- محافظ المنوفية
2- مدير عام التربية والتعليم بالمنوفية

-----------------
" الإجراءات "
بتاريخ العشرين من سبتمبر سنة 2014، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 6839 لسنة 12 قضائية، بعد أن حكمت المحكمة الإدارية بالمنوفية بجلسة 24/ 2/ 2014، بوقف الدعوى تعليقًا وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا؛ للفصل في دستورية نص المادة (70 مكررًا) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فيما تضمنه من حظر إعارة العامل أو منحه الإجازات المنصوص عليها في البندين (1و2) من المادة (69) والمادة (70) من هذا القانون أثناء فترة الاختبار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعي في الدعوى الموضوعية، أقام أمام المحكمة الإدارية بالمنوفية، الدعوى رقم 6839 لسنة 12 قضائية، ضد محافظ المنوفية، وآخرين، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تجديد الإجازة الممنوحة له لمدة عام لمرافقة زوجته التي تعمل بالخارج، وما يترتب على ذلك من آثار. تأسيسًا على أنه حصل على ليسانس الآداب والتربية قسم اللغة الإنجليزية، وعُين مدرسًا للغة الإنجليزية بالدرجة الثالثة بإدارة شبين الكوم التعليمية، اعتبارًا من 18/ 12/ 2012، وقد رخصت له جهة الإدارة بإجازة بدون مرتب بناء على طلبه لمدة ستة أشهر، تبدأ من 11/ 2/ 2013 وتنتهي في 10/ 8/ 2013، لإنهاء متعلقاته بالخارج، على أن يعود بعدها لاستكمال مدة الاختبار، ونظرًا لوجود زوجته بدولة الكويت؛ فقد تقدم بعد انتهاء الإجازة الممنوحة له بطلب، لمنحه إجازة بدون مرتب لمدة عام، لمرافقة زوجته التي تعمل بالخارج، إلا أن جهة الإدارة رفضت هذا الطلب، إعمالًا لحكم المادة (70 مكررًا) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، التي تحظر إعارة العامل أو منحه الإجازات الخاصة أثناء فترة الاختبار، فتظلم من ذلك، وتم رفض تظلمه؛ فأقام دعواه. وإذ تراءى للمحكمة مخالفة نص المادة (70 مكررًا) من القانون المشار إليه، فيما تضمنه من حظر الموافقة على إعارة العامل أو منحه الإجازات الخاصة بدون مرتب أثناء فترة الاختبار، لنص المادتين (10 و53) من الدستور؛ قضت بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستوريته.
وحيث إن المادة (69) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته، تنص على أن تكون حالات الترخيص بإجازة بدون مرتب على الوجه الآتي:
(1) يمنح الزوج أو الزوجة إذا سافر أحدهما إلى الخارج للعمل أو الدراسة لمدة ستة أشهر على الأقل إجازة بدون مرتب. ولا يجوز أن تجاوز هذه الإجازة مدة بقاء الزوج في الخارج. ويسري هذا الحكم سواء أكان الزوج المسافر من العاملين في الحكومة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص.
(2) يجوز للسلطة المختصة منح العامل إجازة بدون مرتب للأسباب التي يُبديها العامل وتقدرها السلطة المختصة ووفقًا للقواعد التي تتبعها.
..................
وتنص الفقرة الأولى من المادة (70) من القانون ذاته على أن تستحق العاملة إجازة بدون أجر لرعاية طفلها بحد أقصى عامين في المرة الواحدة ولثلاث مرات طوال حياتها الوظيفية.
وتنص المادة (70 مكررًا) من القانون المشار إليه، المضافة بالقانون رقم 115 لسنة 1983 على أنه لا يجوز إعارة العامل أو منحه الإجازات المنصوص عليها في البندين (1 و2) من المادة (69) والمادة (70) من هذا القانون أثناء فترة الاختبار.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعي في الدعوى الموضوعية الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تجديد الإجازة الممنوحة له لمدة عام لمرافقة زوجته التي تعمل بالخارج. وكان نص المادة (70 مكررًا) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 قد حظر إعارة العامل أو التصريح له بإجازة خاصة بدون مرتب أثناء فترة الاختبار، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهذا النص، لما للقضاء في دستوريته من أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وبهذا النص يتحدد نطاق الدعوى المعروضة. ولا ينال مما تقدم، إلغاء المشرع قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدة أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل العمل بالقاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع نشأ في ظل أحكام العمل بأحكام المادة (70 مكررًا) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، وجرت آثاره خلال فترة نفاذ تلك المادة، فإنه يظل محكومًا بها وحدها.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادتين (10 و53) من الدستور، على سند من أن هذا النص قد حظر إعارة العامل أو التصريح له بإجازة خاصة بدون مرتب لمرافقة الزوج أثناء فترة الاختبار، وهو ما يتعارض مع ما أكده الدستور من الحرص على وحدة الأسرة وتماسكها والنأي عما يقوض بنيانها أو يضعفها أو يؤدي إلى انحرافها أو هدمها، بما يخل بوحدتها التي قصد الدستور صونها لذاتها، فضلًا عن أن المشرع أجاز للمرأة التي تضع طفلها، والعامل المريض بمرض مزمن أو من ينوي أداء فريضة الحج أو أداء الامتحان أن يحصل على إجازة خلال فترة الاختبار؛ ومن ثم تضحى تلك التفرقة مخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلًا صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي، حتى يوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 2016، تاريخ العمل بقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، الذي ألغى بموجب مادته الثانية قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، وكانت المناعي التي أثارها حكم الإحالة على النص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية، التي تقوم مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال يتم في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتتدخل الدولة إيجابيًا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم، وبالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع الموطنين أمام القانون، وفي الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.
وحيث إن الدستور قد عُني في المادة (14) منه بكفالة حق المواطنين في شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وجعل شغل الوظائف العامة تكليفًا للقائمين عليها لخدمة الشعب، وناط بالدولة كفالة حقوق شاغلي الوظائف العامة وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب.
وحيث إن الأصل أن لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلًا عن متطلباتها التي تكفل للمرافق التي يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها، وقابلية تنظيماتها للتعديل وفق أسس علمية قوامها التخطيط المرن وحرية التقدير، فلا تتعثر أعمالها أو تفقد اتصالها ببعض، أو تدرجها فيما بينها، وشرط ذلك إعداد موظفيها علميًّا وفنيًّا وعمليًّا، فلا يلي شئونها غير القادرين حقًّا على تصريفها، سواء أكان عملهم ذهنيًّا أم مهنيًّا أم يدويًّا.
وحيث إن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن لكل وظيفة تبعاتها، فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة الأعمال التي تدخل فيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة فيها، والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالي أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها، عملًا آليًّا يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلًا عن عوامل الصلاحية والخبرة والجدارة التي يتم على ضوئها اختيار من يتولاها، ولا مجرد تطبيق جامد لمقاييس صماء لا تأخذ في اعتبارها خصائص كل وظيفة ومكانتها، والحد الأدنى للتأهيل اللازم لها والتدريب على أداء واجباتها ومسئولياتها وصلاحية المتقدم لشغلها، وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية المتطلبة قانونًا.
وحيث إن الرابطة الوظيفية تنفتح بقرار التعيين، وهو قرار يُكسب الموظف مركزًا قانونيًّا، يخضع لما تقرره القوانين واللوائح، وتتعدد جوانب هذا المركز بتعدد العناصر الداخلة فيه، فهو مركز قانوني معلق غير مستقر أثناء فترة حددها القانون، حتى تثبت صلاحيته للوظيفة، تسمى بفترة الاختبار. والصلاحية للوظيفة هي شرط للبقاء فيها، وهي لا تثبت إلا بالممارسة الفعلية لأعبائها، ومهما أُحسن اختيار الموظف عند التعيين، فلن يكون ذلك قرينة قاطعة على صلاحيته للوظيفة، إذ تُشكل الصلاحية من عدة عناصر، إن تكشف بعضها عند التعيين، فلا تتكشف الأخرى إلا بالمباشرة الفعلية لأعمال الوظيفة، ولهذا تتجه معظم التشريعات إلى وضع الموظف عند بدء التعيين، في مركز معلق لفترة محددة، تكون بمثابة فترة اختبار يتم التحقق خلالها من صلاحيته للنهوض بواجبات الوظيفة ومسئولياتها. فإن أثبت صلاحيته، استقر مركزه الوظيفي، وإن ثبت العكس، أمكن الاستغناء عنه، بإجراءات أقل تعقيدًا.
وتحقيقًا لما تقدم، نصت المادة (22) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 على أن يوضع المعينون لأول مرة تحت الاختبار لمدة ستة أشهر من تاريخ تسلمهم العمل، وتقرر صلاحيتهم خلال مدة الاختبار، فإذا ثبت عدم صلاحيتهم يحالون إلى لجنة شئون العاملين فإن رأت صلاحيتهم للنقل إلى وظائف أخرى نقلتهم إليها وإلا اقترحت إنهاء خدمتهم ......
وحيث إن العلة من وضع الموظف تحت الاختبار تستوجب أن تكون فترة الاختبار فترة خدمة فعلية، يمارس فيها الموظف أعمال الوظيفة التي عُين فيها تمهيدًا للحكم على مدى صلاحيته لها. ولهذا، نصت المادة (22) الآنف ذكرها على أن تبدأ فترة الاختبار - وهي ستة أشهر - اعتبارًا من تاريخ تسلم الموظف لعمله.
وحيث إنه يتبين من الاطلاع على المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة أن أحكام هذا القانون تقوم على أسس موضوعية، وذلك عن طريق الاعتداد أولًا بالوظيفة، باعتبارها مجموعة من الواجبات والمسئوليات، يلزم للقيام بها توافر اشتراطات معينة في شاغلها، تتفق مع نوعها وأهميتها، وتسمح بتحقيق الهدف من إيجادها، وأن هذا الاعتداد الموضوعي لا يتعارض مع الجانب الآخر للوظيفة، المتمثل في الموظف الذى يقوم بأعبائها وما يتطلبه هذا الجانب البشرى لا الشخصي من الاعتداد بالخبرة النظرية أو المكتسبة اللازمة للقيام بأعباء الوظيفة، ومراعاة ذلك في الأجر الذى يحصل عليه بوصفه مقابلًا موضوعيًّا لا شخصيًّا، لما يناط به من مسئوليات .
وحيث إن المشرع قد راعى في النص المحال وضع تنظيم للإجازة بدون مرتب بالنسبة للموظف الذي يوضع تحت الاختبار، تغيا به تحقيق التوازن بين حق الموظف في الحصول على إجازة بدون مرتب التي قررها القانون، واعتبارات المصلحة العامة، بحسبان الوظائف العامة - طبقًا لنص المادة (14) من الدستور- تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب، لذلك قرر النص المحال عدم جواز إعارة الموظف أو منحه إجازة بدون مرتب خلال فترة الاختبار، والتي قدرها المشرع بستة أشهر، وذلك حفاظًا على الصالح الشخصي للموظف باستمراره في شغل الوظيفة متى ثبتت صلاحيته، وضمانًا لسير المرافق العامة بانتظام واطراد، واستمرار أدائها لدورها الدستوري في رعاية مصالح الشعب، فإن التنظيم الذي قرره المشرع بالنص المحال، يكون محافظًا على حق الموظف، ومراعيًا مقتضيات المصلحة العامة، وحاجة الجهة التي يتبعها لشغل الوظائف بالأجدر بها والأقدر على أداء واجباتها ومسئولياتها؛ تمكينًا للقائمين عليها من القيام بأداء واجبهم في خدمة الشعب، ويكون كافلًا تحقيق التوازن الذى أوجبته المادة (27) من الدستور، وغير مناقض للحق في الوظيفة العامة الذى كفله الدستور بالمادة (14)، ولا يُعد خروجًا على مبدأ سيادة القانون الذى اعتبره الدستور في المادة (94) أساسًا للحكم في الدولة، ولا يتضمن كذلك انتقاصًا من عناصر أو محتوى أي من الحقوق المتقدمة، على نحو ينال من جوهرها وأصلها، وهو ما حظره الدستور بنص المادة (92).
وحيث إنه لا وجه للقول بأن ثمة تمييزًا بين حظر منح العامل تحت الاختبار إجازة لمرافقة زوجه الذي يعمل في الخارج، وبين الفئات الأربع التي احتج بها حكم الإحالة في مجال نعيه على النص المحال، بمخالفة مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، ذلك أن الحظر المنعي عليه، مبناه انفصال سبب الإجازة عن شخص العامل تحت الاختبار، في حين أن سبب الترخيص بالإجازة في المجالات الأربع المشار إليها آنفًا يتصل اتصالًا غير قابل للانفصال عن شخص العامل؛ ومن ثم فإن المغايرة في بعض الأحكام القانونية بينه وبين الفئات المشار إليها بحكم الإحالة - طالما اتفقت مع الغرض من تقريرها بما قد يترتب عليها من مفارقة في المعاملة الوظيفية - تغدو مبررة من زاوية دستورية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بإقراره النص المحال قد انحاز إلى إعمال الأسس الموضوعية للوظيفة العامة، وذلك بالاعتداد بالوظيفة ومراعاة واجباتها ومسئولياتها، التي يلزم للقيام بها توافر الاشتراطات اللازمة لشغلها ومن بينها صلاحية الموظف لها، ومدة الخبرة الفعلية التي اكتسبها خلال فترة الاختبار قائمًا بأعبائها، وذلك ضمانًا لجدارته وكفاءته بتوليها، فينهض بها من خلال خبرته التي اكتسبها وجهده الخلاق الذى دأب عليه خلال فترة الاختبار، وهو ما يتفق مع الأهداف التي رنا المشرع إلى تحقيقها بالنص المحال، الذى ترتكن أحكامه إلى أسس موضوعية تبررها، دون مصادمة في ذلك لمبادئ تكافؤ الفرص ووحدة الأسرة والمساواة التي حرص الدستور على كفالتها في المواد (4 و9 و10 و53).
وحيث إن النص المحال لا يخالف أي نص آخر في الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق