باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يناير سنة 2024م،
الموافق الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 78 لسنة 35
قضائية "دستورية".
المقامة من
الهيئة القومية للإنتاج الحربي
ضد
1 – رئيس الجمهورية
2 – رئيس مجلس الوزراء
3- وزير المالية
4- محافظ القاهرة، بصفته الرئيس الأعلى للإدارة العامة للإيرادات
5- رئيس حي حلوان
6- رئيس مأمورية الضرائب العقارية لإيرادات حلوان
7- شركة حلوان للصناعات الهندسية
-------------
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من مايو سنة 2013، أودعت الهيئة المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة
(56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، ثم أودعت
تقريرين تكميليين، نفاذًا لقراري هذه المحكمة بجلستي 4/3/2017، و6/5/2017، بإعادة
الدعوى إليها لاستكمال التحضير.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن الشركة المدعى عليها السابعة، أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية
"مأمورية حلوان"، الدعوى رقم 732 لسنة 2009 مدني كلي، ضد الهيئة
المدعية، والمدعى عليهم من الثالث حتى السادس، بغية الحكم برد مبلغ 95870,22
جنيهًا سددته لمأمورية إيرادات حلوان قيمة ضريبة عقارية رُبطت عن أعوام 2006 و2007
و2008 عن عقار مملوك لها، قولًا منها بأنها شركة تابعة للهيئة المدعية، وهي معفاة
من تلك الضريبة. وبجلسة 25/3/2012، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى،
وبإحالتها إلى هيئات التحكيم بوزارة العدل لنظرها بإحدى هيئاتها؛ إعمالًا لأحكام
المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة
1983، وإذ لم ترتض الشركة هذا القضاء، فطعنت عليه أمام محكمة استئناف القاهرة،
بالاستئناف رقم 3199 لسنة 129 قضائية، طالبة الحكم بإلغاء الحكم المستأنف، وإعادة
الأوراق إلى محكمة أول درجة لنظر الموضوع، وبجلسة 2/3/2013، دفعت الهيئة المدعية
بعدم دستورية نص المادة (56) من القانون المشار إليه؛ لمخالفته نص المادة (68) من
دستور 1971، المقابل لنص المادة (75) من دستور 2012، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية
هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (56) - الواردة ضمن نصوص الباب السابع المعنون
"التحكيم" من الكتاب الثاني - من قانون هيئات القطاع العام وشركاته
الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، تنص على أن " يُفْصَل في المنازعات التي
تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين شركة قطاع عام من ناحية وبين جهة
حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة من ناحية
أُخرى، عن طريق التحكيم دون غيره على الوجه المبين في هذا القانون".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط المصلحة الشخصية
المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين
المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية
لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وأن الدعوى
الدستورية، وإن كانت تستقل بموضوعها عن الدعوى الموضوعية، باعتبار أن أولاهما
تتوخى الفصل في التعارض المدعى به بين نص تشريعي وقاعدة في الدستور، في حين تطرح
ثانيتهما - في صورها الأغلب وقوعًا- الحقوق المدعى بها في نزاع موضوعي يدور حولها
إثباتًا أو نفيًا، إلا أن هاتين الدعويين لا تنفكان عن بعضهما من زاويتين،
أولاهما: أن المصلحة في الدعوى الدستورية مناطها ارتباطها بالمصلحة في الدعوى
الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلب الموضوعي
المرتبط بها، وثانيتهما: أن يصبح الفصل في الدعوى الموضوعية متوقفًا على الفصل في
الدعوى الدستورية، بما مقتضاه أن يكون النزاع الموضوعي ما زال قائمًا عند الفصل في
الدعوى الدستورية، وإلا أصبح قضاء المحكمة الدستورية العليا دائرًا في فلك الحقوق
النظرية البحتة بزوال المحل الموضوعي الذي يمكن إنزاله عليه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يكفي توافر شرط المصلحة
عند رفع الدعوى الدستورية، وإنما يتعين أن تظل هذه المصلحة قائمة حتى الفصل في
الدعوى، فإذا زالت المصلحة بعد رفع الدعوى الدستورية وقبل الفصل فيها، فلا سبيل
للتطرق إلى موضوعها.
وحيث إنه لما كان الثابت أن شركة حلوان للصناعات الهندسية – المدعى
عليها السابعة – تُعتبر إحدى شركات القطاع العام بمقتضى نص المادتين (3 و15) من
القانون رقم 6 لسنة 1983 بإنشاء الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وكان صدور حكم
محكمة أول درجة في الخصومة الموضوعية - التي انعقدت بين الشركة المذكورة ومأمورية
الضرائب العقارية لإيرادات حلوان – بعدم الاختصاص الولائي بنظر الدعوى وإحالتها
إلى هيئات التحكيم بوزارة العدل، يتفق وحكم المادة (56) المطعون على دستوريتها، في
تاريخ صدور ذلك الحكم.
وحيث إنه بعد رفع الدعوى الدستورية المعروضة، صدر القانون رقم 4 لسنة
2020 بتعديل بعض أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته المشار إليه، ناصًّا في
مادته الأولى على أن " يُلغى الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون هيئات
القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983". وفي مادته الثانية
على أن " يستمر نظر المنازعات التي أُقيمت أمام هيئات التحكيم الإجباري قبل
العمل بأحكام هذا القانون إلى أن يُفصل فيها، وذلك ما لم يتقدم أطراف الدعوى
التحكيمية بطلب إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، وتلتزم هيئات التحكيم الإجباري
بإحالة النزاع إلى المحكمة المختصة فور تقديم هذا الطلب دون رسوم.
ولا تسري أحكام الفقرة الأولى على الدعاوى المؤجلة للنطق بالحكم قبل
تاريخ العمل بهذا القانون، وتبقى الأحكام الصادرة فيها خاضعة للقواعد المنظمة لطرق
الطعن السارية في تاريخ صدورها".
وفي مادته الثالثة نص على أن" ينشر هذا القانون في الجريدة
الرسمية، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره". وقد نُشر بتاريخ 2 فبراير
سنة 2020.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في القواعد القانونية
الإجرائية التي يسنها المشرع محددًا بها وسائل اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، أنها
تتصل في عمومها بمراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير دون أن يُرمى عمل
المشرع بشأنها برجعية الأثر. ومن ثم كان سريانها بأثر مباشر في المسائل التي
تناولتها، وهذه هي القاعدة التي رددتها المادة (1) من قانون المرافعات المدنية
والتجارية بنصها على سريان أحكام هذا القانون على ما لم يكن قد فُصل فيه من
الدعاوى أو تم من إجراءاتها قبل العمل به. ولا استثناء من هذه القاعدة إلا في
أحوال حددتها هذه المادة حصرًا، هي تلك التي يكون فيها القانون الجديد معدلًا
لميعاد كان قد بدأ قبل العمل به، أو كان مُلغيًا أو مُنشئًا لطريق طعن في شأن حكم
صدر قبل نفاذه، أو كان معدلًا لاختصاص قائم، وبدأ العمل به بعد استواء الخصومة
للفصل في موضوعها بإقفال باب المرافعة في الدعوى.
متى كان ما تقدم، وكان البين من الأوراق أن الدعوى الموضوعية لم يفصل
فيها من محكمة الاستئناف، وإنما اقتصر قضاؤها الصادر بجلسة 7/7/2013- بعد تصريحها
بإقامة الدعوى الدستورية المعروضة- على وقف نظر موضوعه، حتى يصدر حكم المحكمة
الدستورية العليا فيها، ومن ثم؛ فإن أحكام القانون رقم 4 لسنة 2020 المعدل لبعض
أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، تسري
عليها بأثر مباشر، بما مؤداه: انفتاح الطريق أمام القضاء العادي لمباشرة اختصاصه
بنظر الدعوى الموضوعية، باعتباره قاضيها الطبيعي وصاحب الولاية العامة بنظر
المنازعات كافة، وذلك كأثر مباشر للإلغاء الصريح لنصوص التحكيم الإجباري الواردة
في الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون هيئات القطاع العام وشركاته المشار
إليه، وبهذه المثابة يكون قد تحقق للهيئة المدعية مبتغاها من الطعن على دستورية نص
المادة (56) من القانون المار ذكره، دون الحاجة إلى الفصل في دستوريته، بعد إلغاء
هيئات التحكيم بوزارة العدل واسترداد جهة القضاء العادي لولايتها بنظر النزاع
الموضوعي، بموجب حكم المادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 2020، على ما سلف بيانه،
لتزول مصلحة الهيئة المدعية في الطعن عليه بعدم الدستورية؛ الأمر الذي يتعين معه
الحكم بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.