الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقض جزائي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقض جزائي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 1 مايو 2024

الطعن 1096 لسنة 22 ق جلسة 22/ 12/ 1952 مكتب فني 4 ج 1 ق 104 ص 269

جلسة 22 من ديسمبر سنة 1952

برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن, وبحضور حضرات المستشارين: إبراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم وإسماعيل مجدى ومصطفى حسن.

--------------

(104)
القضية رقم 1096 سنة 22 القضائية

نقض. 

إدانة المتهم ابتدائيا بجريمتي القذف والبلاغ الكاذب والحكم عليه بعقوبة واحدة وبالتعويض براءته استئنافيا من تهمة البلاغ الكاذب وتأييد الحكم المستأنف في العقوبة والتعويض. الطعن على الحكم بسبب ذلك. العقوبة الموقعة ابتدائيا من أجل الجريمتين هى الحد الأدنى للعقوبة المقررة لجريمة القذف التي دين بها الطاعن استئنافيا. لا محل للنعي على الحكم بسبب الدعوى العمومية.
عدم بيان الحكم ما إذا كان التعويض محكوما به عن القذف وحده أو يشمل التعويض عن واقعة البلاغ الكاذب التي برئ الطاعن منها. نقض الحكم بالنسبة للدعوى المدنية.

----------------
متى كان يبين من أوراق الدعوى أن محكمة أول درجة دانت الطاعن بجريمتي القذف والبلاغ الكاذب تطبيقا للمواد 302و303و305 من قانون العقوبات, وقضت عليه بعقوبة واحدة هى غرامة قدرها عشرون جنيها تطبيقا للمادة 32 لارتباط الجريمتين ارتباطا لا يقبل التجزئة ثم رأت المحكمة الاستئنافية للأسباب التي ساقتها براءته من تهمة البلاغ الكاذب وقضت بتأييد الحكم المستأنف في العقوبة والتعويض - متى كان ذلك وكانت العقوبة التي قضى بها الحكم المستأنف على الطاعن من أجل الجريمتين هى الحد الأدنى للعقوبة المقررة بالقانون لجريمة القذف التي دانه بها الحكم المطعون فيه, فإن الطعن على الحكم بالنسبة للدعوى العمومية بسبب استبقائه للعقوبة كما هى يكون على غير أساس, غير أنه لما كان الحكم الابتدائي قد قضى بمبلغ عشرين جنيها تعويضا للمدعي بالحق المدني عن جريمتي القذف والبلاغ الكاذب, وكان الحكم إذ قضى بالبراءة في تهمة البلاغ الكاذب قد قضى في نفس الوقت بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من تعويض ولا يبين من الحكم ما إذا كان هذا التعويض محكوما به للمدعي بالحق المدني عن القذف وحده رغم عدم استئنافه بشأنه أو أنه يشمل تعويضا للمدعي بالحق المدني عن واقعة البلاغ الكاذب أيضا رغم براءة الطاعن منها, فإن الحكم يكون قاصر البيان في الدعوى المدنية مما يعيبه ويستوجب نقضه بالنسبة لها.


الوقائع

رفع المدعي بالحق المدني هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة جنح مصر الجديدة الوطنية طلب فيها إلزام الطاعن بمبلغ 1000 جنيه ألف جنيه على سبيل التعويض ومعاقبته بمقتضى المواد171, 302, 303, 305, 306 من قانون العقوبات لأنه: أولا أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد بأنه اتهم شفيق جيد جبر كذبا بسرقة بانيو ووابور فحم وتبديد محتويات الشقة. وثانيا: قذف في حق جيد جبره بأن نسب إليه في عريضة دعوى رفعها عليه أنه شاذ في خلقه ومختل القوى العقلية وسبق إيداعه مستشفى الأمراض العقلية مما لو صح لأوجب احتقاره عند أهل وطنه. والمحكمة المشار إليها بعد أن نظرت الدعوى قضت فيها حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بتغريم المتهم 2000 قرش عن التهمتين وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ 2000 قرش تعويضا ومبلغ 400 قرش مقابل أتعاب المحاماة والمصروفات المدنية المناسبة. فاستأنف المتهم ومحكمة مصر الابتدائية بعد أن أتمت سماعه قضت فيه حضوريا: أولا: بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة بالنسبة للتهمة الأولى وبراءته منها. وثانيا: بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة بالنسبة للتهمة الثانية. وثالثا: بتأييده كذلك فيما قضى به من تعويض وألزمت المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة.

حيث إن محصل الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى ببراءة الطاعن من تهمة البلاغ الكاذب واستبقى مع ذلك عقوبتها كما استبقى التعويض عنها وأنه دان الطاعن بالقذف وعاقبه عليه مع أن الواقعة تدخل فيما استثناه القانون في المادة 209 من قانون العقوبات, ونص على ألا تسري عليه أحكام مواد القذف والسب باعتباره مما يسنده الخصم لخصمه في الدفاع أمام المحاكم. فضلا عن أن العلانية غير متوفرة لأن صحيفة الدعوى التي وردت فيها الألفاظ التي عوقب الطاعن من أجلها إنما يقتصر تداولها على أطراف الخصومة وأن الأسباب التي ساقها الحكم في بيان عدم توفر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب, تصلح بذاتها أساسا لبراءة الطاعن من تهمة القذف أيضا.
وحيث إنه يبين من أوراق الدعوى أن محكمة أول درجة دانت الطاعن بجريمتي القذف والبلاغ الكاذب تطبيقا للمواد 302و303و305 من قانون العقوبات, وقضت عليه بعقوبة واحدة هى غرامة قدرها عشرون جنيها تطبيقا للمادة 32 لارتباط الجريمتين ارتباطا لا يقبل التجزئة ثم رأت المحكمة الاستئنافية للأسباب الي ساقتها براءته من تهمة البلاغ الكاذب وقضت بتأييد الحكم المستأنف في العقوبة والتعويض. ولما كانت العقوبة التي قضى بها الحكم المستأنف على الطاعن من أجل الجريمتين هى الحد الأدنى للعقوبة المقررة بالقانون لجريمة القذف التي دانه بها وكان الحكم قد تحدث عن ركن العلانية وأقامه على أسباب سائغة في قوله "إن عبارات القذف قد وردت في عريضة دعوى مدنية تتداولها الأيدي" كما تحدث عن الإعفاء المقرر في المادة 309 من قانون العقوبات وانتهى في حدود تقديره الموضوعي إلى أن عبارات القذف لم تكن مما يستلزمه الدفاع في دعوى رفعت عليه بطلب فسخ عقد الإيجار, لما كان ذلك, وكانت تبرئة الطاعن من تهمة البلاغ الكاذب بناء على أنه كان يعتقد صحة الوقائع التي تضمنها بلاغه لا تأثير لها في قيام جريمة القذف قانونا أو موضوعا - فإن الطعن برمته بالنسبة للدعوى العمومية يكون على غير أساس في موضوعه متعينا رفضه. غير أنه لما كان الحكم الابتدائي قد قضى بمبلغ عشرين جنيها تعويضا للمدعي بالحق المدني عن جريمتي القذف والبلاغ الكاذب وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى بالبراءة في تهمة البلاغ الكاذب قد قضى في نفس الوقت بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من تعويض ولا يبين من الحكم ما إذا كان هذا التعويض محكوما به للمدعي بالحق المدني عن القذف وحده رغم عدم استئنافه بشأنه أو أنه يشمل تعويضا للمدعي بالحق المدني عن واقعة البلاغ الكاذب أيضا رغم براءة الطاعن منها. لما كان ذلك فإن الحكم يكون قاصر البيان في الدعوى المدنية مما يعيبه ويستوجب نقضه بالنسبة لها.

الطعن 1087 لسنة 22 ق جلسة 22/ 12/ 1952 مكتب فني 4 ج 1 ق 103 ص 267

جلسة 22 من ديسمبر سنة 1952

برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن, وبحضور حضرات المستشارين: إبراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم وإسماعيل مجدى ومصطفى حسن.

---------------

(103)
القضية رقم 1087 سنة 22 القضائية

اختصاص. متهم حدث. 

اختصاص محكمة الأحداث بما يقع منه من جناية أو جنحة أو مخالفة. المادة 344/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. إحالته إلى محكمة الجنايات قبل العمل بهذا القانون. صدور الحكم عليه من محكمة الجنايات بعد العمل بهذا القانون. وجوب نقضه. قواعد الاختصاص في المواد الجنائية من النظام العام.

---------------
إن قواعد الاختصاص في المواد الجنائية من النظام العام بحيث تجوز إثارة الدفع بمخالفتها لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت عناصر المخالفة ثابتة بالحكم. وإذن فإذا كان المتهم حدثا, وكانت محكمة الجنايات, وإن أحيلت إليها الدعوى قبل العمل بقانون الإجراءات الجنائية الذي ينص في الفقرة الأولى من المادة 344 على أن تختص محكمة الأحداث بالفصل في الجنايات والجنح والمخالفات التي يتهم فيها صغير لم يبلغ من العمر خمس عشرة سنة كاملة, قد نظرت الدعوى وأصدرت فيها حكمها في ظل هذا القانون بعد أن أصبحت غير مختصة بنظرها, فهذا الحكم يكون واجبا نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه ضرب عبد اللاه محمد علي الصغير سرحان عمدا على رأسه بفأس فأحدث به عاهة مستديمة وهي فقد جزء من عظام الجمجمة في مساحة أبعادها 3×3سم تجعله أكثر تعرضا للتأثر بالتغيرات الجوية والصدمات الخفيفة وتجعله أقل احتمالا للعمل وتعرضه لمضاعفات خطيرة كالالتهابات السحائية والمخية والصرع والجنون وتفقده من كفاءته على العمل بنحو 12%, وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك.
ومحكمة جنايات المنيا قضت عملا بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 65 من قانون العقوبات بتسليم إبراهيم محمد حافظ لوالده محمد حافظ على أن يكون مسئولا عن حسن سيره في المستقبل. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن النيابة العامة تبني هذا الطعن على أن الحكم المطعون فيه قد صدر على المتهم الذي لم يبلغ الثامنة من العمر بتاريخ 15 من ابريل سنة 1952 من محكمة جنايات المنيا على خلاف ما يقضي به قانون الإجراءات الجنائية من اختصاص محكمة الأحداث بنظر قضايا الأحداث الذين لم يبلغوا خمس عشرة سنة فضلا عن عدم اتباع محكمة الجنايات للإجراءات التي أوجب القانون اتباعها في قضايا الأحداث.
وحيث إن النيابة اتهمت المطعون ضده وهو حدث عمره 8 سنوات بأنه في 12 فبراير سنة 1951 بناحية دمشا وهاشم مركز المنيا ضرب الغلام عبد اللاه محمد الصغير فأحدث برأسه عاهة مستديمة وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات, فقرر بذلك في 12 يونيه سنة 1951. وبجلسة 15 من ابريل سنة 1952 نظرت محكمة جنايات المنيا هذه الدعوى وقضت فيها بتسليم المتهم لوالده على أن يكون مسئولا عن حسن سيره في المستقبل. ولما كانت الفقرة الأولى من المادة 344 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "تختص محكمة الأحداث بالفصل في الجنايات والجنح والمخالفات التي يتهم فيها صغير لم يبلغ من العمر خمس عشرة سنة كاملة" وكانت محكمة الجنايات وإن أحيلت الدعوى إليها قبل العمل بقانون الإجراءات الجنائية, إلا أنها نظرتها وأصدرت فيها الحكم المطعون فيه في ظل هذا القانون بعد أن أصبحت غير مختصة بنظرها, وكانت قواعد الاختصاص في المواد الجنائية من النظام العام بحيث تجوز إثارة الدفع بمخالفتها لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت عناصر المخالفة ثابتة بالحكم, فان الحكم المطعون فيه يكون معيبا واجبا نقضه.

الثلاثاء، 30 أبريل 2024

الطعن 1083 لسنة 22 ق جلسة 22/ 12/ 1952 مكتب فني 4 ج 1 ق 102 ص 262

جلسة 22 من ديسمبر سنة 1952

برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن, وبحضور حضرات المستشارين: إبراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم وإسماعيل مجدى ومصطفى حسن.

----------------

(102)
القضية رقم 1083 سنة 22 القضائية

(أ) نقض. 

عدم ختم الحكم في ظرف الثمانية الأيام التالية لصدوره لا يترتب عليه بطلان الحكم.
(ب) وصف التهمة.

إدانة المتهم على ذات واقعة القذف التي رفعت بها الدعوى بعد استبعاد ركن العلانية. لا بطلان.
(ج) دعوى عمومية. 

يصح رفعها مباشرة دون تحقيق تحقيق المحكمة الدعوى في مواجهة المتهم. طعنه ببطلان محضر جمع الاستدلالات لا يصح.
(د) دعوى مدنية. 

تنازل أحد المدنيين بالحق المدني استمرار الآخر في المطالبة وحده بالمبلغ الذي كانا قد طلباه القضاء به على الطاعن لا خطأ في ذلك.

-----------------
1 - إن عدم ختم الحكم وإيداعه ملف الدعوى في ظرف الثمانية الأيام التالية لصدوره لا يترتب عليه بطلان الحكم. لأن قانون الإجراءات الجنائية إنما وجب ذلك في المادة 312 "على قدر الإمكان".
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن على ذات واقعة القذف التي رفعت بها الدعوى عليه من بادئ الأمر بعد أن انتقص منها ركن العلانية لما استخلصه من عدم توفرها واعتبر الواقعة مخالفة منطبقة على المادة 394 من قانون العقوبات, فكل ما يثيره الطاعن في صدد تغيير وصف التهمة لا يكون له محل.
3 - إن الدعوى العمومية في مواد الجنح يصح رفعها مباشرة دون تحقيق, فما دامت محكمتا أول وثاني درجة قد حققتا الدعوى في مواجهة الطاعن وسمعتا الشهود الذين استند الحكم إلى شهادتهم, فلا محل لما يثيره الطاعن من بطلان محضر جمع الاستدلالات التي أجراها البوليس.
4 - متى كان الواضح من محاضر الجلسات أن المدعية بالحقوق المدنية ظلت بعد أن تنازل زوجها عن دعواه تطالب وحدها في مواجهة الطاعن بمبلغ الواحد والعشرين جنيها الذي كانت قد طلبته مع زوجها, فان المحكمة لا تكون قد أخطأت فيما قضت به على الطاعن بالمبلغ المطلوب جميعه للمدعية بالحقوق المدنية.


الوقائع

وجهت النيابة العامة إلى الطاعن التهمة بناء على عريضة دعوى جنحة مباشرة مقامة من الدكتور كامل سعد يوسف الذي تنازل عن دعواه أثناء نظر القضية والست أماليه يوسف عوض الله بأنه قذف وعاب في حق الست أماليه يوسف عوض الله بأن طعن في عرضها طعنا يخدش سمعة عائلتها بأن قال لها: "يا شرموطة يا بنت الكلب يامتناكة يامرات العرص هو أنا تايه عن عمك أيوب اللي كان مرافقك" إلى آخر العبارات الواردة بالمحضر. وطلبت عقابه بالمواد 171, 302 /1, 303 /1, 308من قانون العقوبات وادعت بحق مدني الست أماليه يوسف عوض الله المجني عليها وطلبت الحكم لها قبل المتهم بمبلغ واحد وعشرين جنيها على سبيل التعويض مع المصاريف ومحكمة بندر الزقازيق الجزئية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام المذكورة والمادة 32 من قانون العقوبات بحبس المتهم شهرا مع الشغل وكفالة ثلاثمائة قرش لوقف التنفيذ وبتغريمه عشرين جنيها وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ 21 جنيها على سبيل التعويض والمصاريف المدنية ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف ومحكمة الزقازيق الابتدائية قضت حضوريا برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس فقط لمدة خمس سنوات تبدأ من اليوم عملا بالمادتين 55و56 من قانون العقوبات مع إلزام المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومحكمة النقض بعد أن نظرت هذا الطعن قضت فيه بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى محكمة الزقازيق الابتدائية لتقضي فيها من جديد دائرة استئنافية أخرى. ومحكمة الزقازيق الابتدائية قضت فيها حضوريا بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لعقوبة الحبس وقصر الغرامة على 50 قرشا وتأييده فيما عدا ذلك بلا مصاريف جنائية والزمت المتهم بالمصاريف المدنية. فطعن الطاعن في هذا الحكم الأخير مرة ثانية... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن يقول في طعنه إن الحكم المطعون فيه مشوب بالبطلان لعدم التوقيع عليه في خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره ولعدم التوقيع عليه وإيداعه ملف الدعوى في خلال ثلاثين يوما من صدوره وفقا لما تقضي به المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية. كذلك يقول إن الإجراءات مشوبة بالبطلان لأن محضر ضبط الواقعة حرر بمعرفة ضابط لم يكن مكلفا يوم تحريره بعمل رسمي كما يدل على ذلك دفتر أحوال البندر والتحقيقات التي أجرتها النيابة في هذا الشأن. ومن ثم كان الدليل المستمد من هذا المحضر باطلا وقد دفع بذلك أمام المحكمة الاستئنافية وطلب إليها ضم دفتر أحوال للتدليل على وقوع خطأ في تاريخ الحادث كما طلب إليها سماع شهود إلا أنها لم تجبه إلى ما طلب ولم ترد على الدفع. كما أن المحكمة الاستئنافية قررت إجراء معاينة عن مكان الحادث ولكنها لم تقم هي بإجرائها بل أجريت بمعرفة أحد أعضاء النيابة فكان هذا الإجراء مخالفا للقانون وبالتالي كان الدليل المستمد من هذه المعاينة باطلا - هذا إلى أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن بالمخالفة المعاقب عليها بالمادة 394 من قانون العقوبات وهى تهمة غير التي رفعت بها الدعوى أصلا ولم تكن مطروحة أمام محكمة أول درجة. وما دام الأمر كذلك فلم يكن من حق المحكمة الاستئنافية أن تغير وصف التهمة وتقيم حكمها على وقائع غير التي رفعت بها الدعوى لأن في ذلك حرمانا للمتهم من إحدى درجتي التقاضي. ويضيف الطاعن أن المحكمة الاستئنافية قضت للمدعية بكامل التعويض المطلوب وقدره 21 جنيها في حين أنها هى وزوجها كانا مدعيين وتنازل الزوج فكان واجبا أن يقضى لها بنصف التعويض فقط ومن ثم تكون المحكمة قضت للمدعية بأكثر مما طلبت, وثمة خطأ آخر وهو إلزام الطاعن بالمصاريف المدنية عن الدرجتين في حين أن المدعية لم تكن قد استأنفت الحكم - وأخيرا يقول إن الحكم أخطأ الاستدلال على ثبوت التهمة لاعتماده في ذلك على أقوال متناقضة للشهود واطراحه شهادة شهود النفي الذين أيدوا الطاعن في دفاعه مما كان يقتضي الحكم له بالبراءة.
وحيث إن عدم ختم الحكم وإيداعه ملف الدعوى في ظرف الثمانية الأيام التالية لصدوره لا يترتب عليه بطلان الحكم لأن قانون الإجراءات الجنائية إنما أوجب ذلك في المادة 312 "على قدر الإمكان" أما ما يزعمه الطاعن من عدم ختم الحكم في خلال ثلاثين يوما من صدوره فانه لم يقدم دليلا عليه ومن ثم كان هذا الوجه من طعنه على غير أساس.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن بأنه قذف علنا في حق المدعية بالحقوق المدنية قذفا فيه مساس بالعرض وكانت المدعية هى وزوجها قد رفعا الدعوى أيضا عن نفس الواقعة بالطريق المباشر وطلبا تعويضا قدره 21 جنيها. وبجلسة 5 ديسمبر سنة 1949 تنازل الزوج عن دعواه المدنية واستمرت المدعية وترافع محاميها في حضور الطاعن مطالبا بالمبلغ المرفوع به الدعوى على اعتبار أنها وحدها المدعية بالحقوق المدنية وقد قررت المحكمة بضم الدعويين ثم قضت بعدئذ بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل وتغريمه 20 جنيها عن تهمة القذف وبإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية 21 جنيها على سبيل التعويض والمصاريف المدنية وأتعاب المحاماة. فاستأنف الطاعن فقضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف مع وقف تنفيذ العقوبة. فطعن بالنقض في هذا الحكم وقضى بقبوله ونقض الحكم وكانت المحكمة الاستئنافية بهيئتها السابقة قد قررت تكليف النيابة بإجراء معاينة لتحقيق توفر شروط العلانية من عدمه كما صرحت للطاعن بإعلان شهود نفي وأجرت تحقيقا في الدعوى. ولما أعيد نظرها أمام المحكمة الاستئنافية من جديد قضت في الحكم المطعون فيه باعتبار الواقعة مخالفة منطبقة على المادة 394 من قانون العقوبات لعدم توفر العلانية وحكمت بتغريمه 50 قرشا وبتأييد حكم محكمة أول درجة فيما قضى به من تعويض. ويبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه لم يأت بوقائع جديدة بل دان الطاعن على ذات الواقعة التي رفعت بها الدعوى عليه من بادئ الأمر بعد أن انتقص منها ركن العلانية لما استخلصه من عدم توفرها واعتبر الواقعة مخالفة. لما كان ذلك وكانت محكمتا أول وثاني درجة قد حققتا الدعوى في مواجهة الطاعن وسمعتا الشهود الذين استند الحكم إلى شهادتهم وكانت الدعوى العمومية في مواد الجنح يصح رفعها مباشرة دون تحقيق. فلا محل لما يثيره الطاعن من بطلان محضر جمع الاستدلالات التي أجراها البوليس. كما لا محل لما يثيره بصدد الدعوى المدنية إذ الواضح من محاضر الجلسات أن المدعية بالحقوق المدنية ظلت بعد أن تنازل زوجها عن دعواه تطالب وحدها في مواجهة الطاعن بمبلغ الواحد والعشرين جنيها فلا خطأ فيما قضت به المحكمة على الطاعن بالمبلغ المطلوب وبالمصاريف المدنية ما دامت قد قضت برفض استئنافه وبينت أنه شامل للدعوى المدنية ولما كانت المعاينة التي أجرتها النيابة ويعترض عليها الطاعن إنما أجريت قبل إعادة محاكمته وكان الحكم المطعون فيه لم يستند في شيء إلى هذه المعاينة فان ما يثيره الطاعن بشأن هذه المعاينة لا يكون له محل. لما كان ما تقدم وكانت المحكمة الاستئنافية إنما تقضي في الأصل بناء على أوراق الدعوى ولا تجري من التحقيق إلا ما ترى هي لزوم إجرائه وكان باقي ما جاء بأوجه الطعن لا يعدو أن يكون جدلا في واقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته من جديد أمام محكمة النقض, فان الطعن لا يكون له أساس.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

الاثنين، 29 أبريل 2024

القضية 47 لسنة 17 ق جلسة 4 / 1 / 1997 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 16 ص 223

جلسة 4 يناير 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين. 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (16)
القضية رقم 47 لسنة 17 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "بيانات" - تشريع "المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا".
ما اقتضته هذه المادة من وجوب أن تتضمن صحيفة الدعوى أو قرار الإحالة بيان النصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما تغيا ألا يكون هذا القرار أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة للفصل فيها.
2- دعوى دستورية "شكلية"
كل شكلية لا يجوز فصلها عن دواعيها.
3- دعوى دستورية "تجهيل"
إذا كان أعمال النظر في المسألة الدستورية يفصح عن حقيقتها وما قصد إليه الطاعن من إثارتها: فلا تجهيل.
4- دفع بعدم الدستورية "تقدير الجدية: قرار ضمني"
يعتبر قراراً ضمنياً من محكمة الموضوع بتقدير جدية هذا الدفع إرجاؤها الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية.
5- دعوى دستورية "شرط المصلحة الشخصية المباشرة: ضرر"
شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية - وليس من معطياتها النظرية - عدم قبول الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذي أضيروا من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أو كان قد وقع فعلاً، انفصال هذا الضرر عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور.
6- دعوى دستورية "انتفاء المصلحة"
إذا لم يكن النص المطعون فيه قد طبق أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها غير عائد إليه، فلا مصلحة له في الدعوى.
7- تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية - حق التقاضي"
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية - ليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط لها.
8- حق التقاضي "تنظيم تشريعي"
التنظيم التشريعي لحق التقاضي - وكلما كان منصفاً - لا يناقض وجود هذا الحق، ولا يصل إلى حد إهداره.
9- دستور "المادة 70" - دعوى جنائية "الادعاء المباشر"
الدعوى الجنائية - إعمالاً للمادة 70 من الدستور - لا تقام إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون - الادعاء المباشر هو استثناء من قواعد تحريك الدعوى الجنائية - جواز تضييق السلطة التشريعية نطاق الحق في الادعاء المباشر.
10- دعوى جنائية "الادعاء المباشر: إساءة استعمال الحق" - تشريع "المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية"
موازنة النص المذكور بين أمرين:
- الضرورة التي يقتضيها استعمال حق الادعاء المباشر.
- توقي الأضرار الناشئة عن تهديد مسئولية أداء العمل العام.
ترجيحه ثانيهما على أولهما، تقديراً بأن هذه الأضرار لا يجوز أن تتقدمها مزايا هذا الحق.
11- دعوى جنائية "الادعاء المباشر" - موظف عام "حماية" - تشريع "المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية"
الموظفون العامون معرضون في مباشرة أعمالهم المتصلة بمصالح المواطنين للتطاول عليهم حطاً من قدرهم - من غير الجائز انفراط اطمئنانهم إذا لاحقهم كل مدع بالحقوق المدنية جنائياً عن جرائم يدعى ارتكابهم لها ولو كان الدليل عليها واهياً - كان على المشرع أن يرد عنهم بالنص المشار إليه غائلة عدوان أكثر احتمالاً - إسقاط الحق في الادعاء المباشر قبلهم صون للوظيفة العامة من معوقاتها.
12- دعوى جنائي "موظف عام"
عدم إفلات الموظف العام من المسئولية الجنائية عن أفعاله التي أثمها المشرع - محاسبتهم عن هذه الأفعال حق للنيابة العامة.
13- مبدأ المساواة "مفهومه"
مبدأ المساواة ليس مبدأ جامداً منافياً للضرورة العملية - لا تمييز بين المواطنين إملاءً أو عسفاً - من الجائز أن تغاير السلطة التشريعية وفقاً لمقاييس منطقية بين مراكز لا تتحد معطياتها على أن تكون الفوارق بينها حقيقة لا اصطناع فيها - ما يصون مبدأ المساواة هو ذلك التنظيم الذي ترتبط فيه النصوص القانونية بالأغراض المشروعة التي يتوخاها - انفصال هذه النصوص عن أهدافها مؤداه أن يكون التمييز انفلاتاً.
14- تشريع "المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية: مساواة"
كفالة نص هذه المادة للأسس الموضوعية التي ينظم المشرع الحقوق في نطاقها - لا إخلال فيه بمبدأ المساواة.
15- مواثيق دولية "الحق في الادعاء المباشر"
عدم انطواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على تنظيم للحق في الادعاء المباشر - عدم تطلبهما غير الحق في المحاكمة المنصفة.

-----------------
1- ما نصت عليه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا، من أن القرار الصادر عن محكمة الموضوع بإحالة مسألة دستورية بذاتها إلى هذه المحكمة للفصل في مطابقة النصوص القانونية التي تثيرها للدستور أو خروجها عليه، وكذلك صحيفة الدعوى الدستورية التي يرفعها إلى خصم للفصل في بطلان النصوص القانونية المطعون عليها أو صحتها، يتعين أن يتضمنا بيان النصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما تغيا ألا يكون هذا القرار أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة للفصل فيها، ضماناً لتحديدها تحديداً كافياً يبلور مضمونها ونطاقها، فلا تثير - بماهيتها أو مداها - خفاء يحول دون إعداد ذوي الشأن جميعاً - ومن بينهم الحكومة - لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة 37 من قانون المحكمة الدستورية العليا؛ بل يكون بيانها لازماً لمباشرة هيئة المفوضين - بعد انقضاء هذه المواعيد - لمهامها في شأن تحضير جوانبها، ثم إبدائها رأياً محايداً فيها يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها.
2- كل شكلية - ولو كانت جوهرية فرضها المشروع لمصلحة عامة حتى ينتظم التداعي وفقاً لحكمها - لا يجوز فصلها عن دواعيها، وإلا كان القول بها إغراقاً في التقيد بضوابطها، وانحرافاً عن مقاصدها.
3- التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها - ومن خلال الرباط المنطقي للوقائع المؤدية إليها - يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه الطاعن حقاً من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة 30 المشار إليها، يكون لغواً.
متى كان ذلك، وكانت المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - المطعون عليها - هي التي تحول بذاتها دون مباشرة المدعي بالحقوق المدنية للحق في الادعاء المباشر، فإذا عيبتها المدعية في الدعوى الماثلة ناعية عليها مخالفتها للدستور، مع سكوتها عن تبيان مداخل بطلانها؛ وكان استظهارها ممكناً من خلال حمل النص المطعون فيه على صور العوار التي يرتبط منطقياً بها؛ وكان ثابتاً كذلك أن المضار التي ألحقها هذا النص بها تتمثل في حرمانها من حق الإدعاء المباشر المكفول لغيرها؛ فإن مواقع البطلان في ذلك النص تتحدد على أساس إهداره مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وإنكاره لحقها في اللجوء لقاضيها الطبيعي، بالمخالفة للمادتين 40 و68 من الدستور.
4- تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، لا يتعمق المسائل الدستورية التي يثيرها هذا النزاع، ولا يعتبر فصلاً فيها بقضاء قطعي، بل يعود الأمر في شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا لتزن وفقاً لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها، تحديداً لصحتها أو فسادها. وإذ تفصل محكمة الموضوع في دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإن قرارها في هذا الصدد إما أن يكون صريحاً أو مستفاداً ضمناً من عيون الأوراق. ويعتبر قراراً ضمنياً بقبول الدفع، إرجاء الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية.
5- 6- من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
7- الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ينبغي التزامها.
8- قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي - وكلما كان منصفاً - لا يناقض وجود هذا الحق، ولا يقتحم الدائرة التي يتنفس فيها، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها، تُفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء الأوضاع التي يباشر هذا الحق عملاً في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرناً، فلا يكون إفراطاً يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافاً بها عن أهدافها، ولا تفريطاً مجافياً لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواماً، التزاماً بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
9- ما تنص عليه المادة 70 من الدستور من أن الدعوى الجنائية لا تقام إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، يعني أن الادعاء المباشر ليس استصحاباً للأصل في الدعوى الجنائية، بل هو استثناء من قواعد تحريكها، تقديراً بأن النيابة العامة - وعلى ما تنص عليه المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية - هي التي تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ولا ترفع عن غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون. كذلك فإن تفويض الدستور السلطة التشريعية في تحديد الأحوال التي لا تقام الدعوى الجنائية فيها بأمر من جهة قضائية، مؤداه جواز تضييقها لنطاق الحق في الادعاء المباشر، لا تتقيد في ذلك بغير الشروط الموضوعية التي لا يناقض تطبيقها حكماً في الدستور.
10، 11- إن المشرع وازن بالنص المطعون فيه بين أمرين، أولهما: الضرورة التي يقتضيها استعمال هذا الحق في إطار الأغراض التي شرع لها؛ وثانيهما الأضرار التي ينبغي توقيها إذا نقض هذا الاستعمال تلك الأغراض وتنكبها، مهدداً بذلك مسئولية أداء العمل العام، فرجح ثانيهما على أولهما، تقديراً بأن الأضرار التي ترتبط بإساءة استعمال الحق في الادعاء المباشر، يكون دفعها لازماً، ولا يجوز أن تتقدمها مزاياه.
ذلك أن الموظفين العامين - الذين حال النص المطعون فيه دون تكليفهم من قبل المدعي بالحقوق المدنية للحضور مباشرة أمام المحكمة الجنائية - لا يباشرون أعمال وظائفهم بعيداً عن مصالح المواطنين الذين يلجون أبوابهم لقضاء حوائجهم، بل يتردد موقفهم منها بين تلبيتها أو معارضتها، مما يثير غرائز النفس البشرية ونزواتها التي كثيراً ما تجنح مع سوء ظنها إلى التجريح نأياً عن موازين الحق والعدل، فلا يكون اندفاعها إلا شططاً، وضيقها بالقائمين على العمل العام إلا تسرعاً وافتراءً، يقترن - في الأعم - بالتطاول عليهم حطاً من قدرهم، ونيلاً من اعتبارهم، لتهن عزائمهم فلا يثابرون على أعمالهم، بل يتراخون فيها نكولاً أو يقعدون عنها وجلاً، مما يصرفهم عن أدائها على وجهها الصحيح سيما وأن المشروع قد اختصهم بجرائم قصرها عليهم وغلظ عقوباتها حملاً لهم على القيام بواجباتهم. ولا يجوز بالتالي أن ينفرط اطمئنانهم إذا كان لكل مدع بالحقوق المدنية أن يلاحقهم جنائياً عن جرائم يُدعى ارتكابهم لها، ولو كان الدليل عليها واهياً متخاذلاً، متدثراً برداء الحق، ليقوض بذلك سكينتهم ما بقى الاتهام الجنائي مسلطاً عليهم، مبدداً جهدهم، مثبطاً هممهم، مثيراً للشبهات من حولهم. وكان على المشرع بالتالي أن يرد عنهم - بالنص المطعون فيه - غائلة عدوان أكثر احتمالاً وأدنى وقوعاً ضماناً لأن يظل الحق في الادعاء المباشر مقيداً بالأغراض التي شرع من أجلها، فلا ينقلب عليها.
وذلك مؤداه أن إسقاط الحق في الإدعاء المباشر في الحدود التي بينها النص المطعون فيها، لا يتوخى حماية القائم بالعمل العام، بل صون الوظيفة العامة من معوقاتها، بما يمكن القائمين عليها من أداء خدماتهم المقصودة منها، فلا يعرقل تدفقها قيد يحول دون جريانها أو انتظامها، أو يكون منافياً جوهر مقاصدها.
12- الدعوى الجنائية لا يحركها الادعاء المباشر إلا طلباً لحقوق مدنية بطبيعتها، فلا ترفعها - عند إنكاره في جرائم بذواتها - إلا الجهة التي تختص أصلاً بإقامتها، شأن الجرائم التي يرتكبها الموظفون العامون أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها - في ذلك - شأن غيرها من الجرائم، وهو ما يعني أن الموظفين العامين لن يفلتوا من المسئولية الجنائية عن أفعالهم التي أثمها المشرع، بل تظل محاسبتهم عنها - إذا قام الدليل عليها - حقاً للنيابة العامة في إطار اختصاصاتها الأصلية.
13- مبدأ المساواة أمام القانون، ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء iron rule تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده؛ وكان دفعها للضرر الأكبر بالضرر الأقل لازماً؛ إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائزة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدواناً معبراً عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفاً. ومن الجائز بالتالي أن تغاير السلطة التشريعية - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل Real and not feigned differences ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل علي انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتاً لا تبصر فيه. كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، إذ يعتبر عندئذ مستنداً إلى وقائع يتعذر أن يُحْمَل عليها، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
14- النص المطعون فيه لم يقصد إلى إفراد المتهمين بالجرائم المشار إليها فيه، بمعاملة استثنائية يختصون بها علواً على غيرهم، ولا أن يمنحهم ميزة يؤثرهم بها على سواهم من المتهمين، بل تغيا أن يظل العمل العام منتظماً وأن يكون الطريق إليه قويماً، فلا ينفذ إليه متخرصون يعطلون سيره بنيلهم من القائمين عليه إفكاً وبغيا. وهو بذلك يكون كافلاً للأسس الموضوعية التي ينظم المشرع الحقوق في نطاقها، بما لا إخلال فيه بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور.
15- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وإن صح القول باحتوائهما على عديد من الحقوق التي كفلها الدستور القائم، وأن هاتين الوثيقتين تضمان في جوهر أحكامهما تلك القيم التي التزمتها الدول الديموقراطية باطراد في مجتمعاتها، والتي تظاهرها هذه المحكمة وترسيها باعتبارها تراثاً إنسانياً احتواه دستور جمهورية مصر العربية في نطاق الحقوق والحريات الأساسية التي كفلها؛ وكان هذا الإعلان وذلك العهد لا ينطويان على تنظيم للحق في الادعاء المباشر، ولا يتطلبان غير المحاكمة المنصفة طريقاً للفصل في كل اتهام جنائي، فإن إقحامها في نطاق الدعوى الماثلة يكون عبثاً.


الإجراءات

بتاريخ 24 يوليه سنة 1995، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبة الحكم بعدم دستورية المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، وذلك فيما نصت عليه من حظر رفع الدعوى الجنائية بالطريق المباشر ضد الموظف أو المستخدم العام أو رجل الضبط عن جريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت بطريق الادعاء المباشر، الدعوى رقم 1465 لسنة 1995 جنح الأربعين ضد السيد/ السيد إبراهيم طه الموظف بمديرية الشئون الصحية بمحافظة السويس - المدعى عليه الأول في الدعوى الماثلة - طالبة الحكم عليه بأقصى العقوبة المقررة بالمادة 302 من قانون العقوبات عن جريمة القذف العلني، مع إلزامه بأن يؤدي لها تعويضاً مؤقتاً قدره خمسمائة جنيه وواحداً والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 2/ 7/ 1995 دفع الحاضر عن المدعية أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.
وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وقررت تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 6/ 8/ 1995 لتقديم ما يفيد الطعن بعدم الدستورية، فقد أقامت المدعية الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت هذه الدعوى بعدم قبولها، تأسيساً على أن المدعية لم تبين أمام محكمة الموضوع النصوص الدستورية المدعى مخالفتها، ومناحي الخروج عليها. فضلاً عن أن إرجاء محكمة الموضوع الفصل في الجنحة المرفوعة
إليها بطريق الادعاء المباشر، إلى أن تقدم المدعية ما يفيد الطعن بعدم الدستورية، لا يدل على تصريحها لها برفع دعواها الدستورية.
وحيث إن هذا الدفع مردود أولاً: بأن ما نصت عليه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا، من أن القرار الصادر عن محكمة الموضوع بإحالة مسألة دستورية بذاتها إلى هذه المحكمة للفصل في مطابقة النصوص القانونية التي تثيرها للدستور أو خروجها عليه، وكذلك صحيفة الدعوى الدستورية التي يرفعها إليها خصم للفصل في بطلان النصوص القانونية المطعون عليها أو صحتها، يتعين أن يتضمنا بيان النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما تغيا ألا يكون هذا القرار أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ضماناً لتحديدها تحديداً كافياً يبلور مضمونها ونطاقها، فلا تثير - بماهيتها أو مداها - خفاءً يحول دون إعداد ذوي الشأن جميعاً - ومن بينهم الحكومة - لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة 37 من قانون المحكمة الدستورية العليا؛ بل يكون بيانها لازماً لمباشرة هيئة المفوضين - بعد انقضاء هذه المواعيد - لمهامها في شأن تحضير جوانبها، ثم إبدائها رأياً محايداً فيها يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها.
ومردود ثانياً: بأن كل شكلية - ولو كانت جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة تحتي ينتظم التداعي وفقاً لحكمها - لا يجوز فصلها عن دواعيها، وإلا كان القول بها إغراقاً في التقيد بضوابطها، وانحرافاً عن مقاصدها.
ومردود ثالثاً: بأن التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها - ومن خلال الرباط المنطقي للوقائع المؤدية إليها - يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه الطاعن حقاً من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة 30 المشار إليها، يكون لغواً.
ومردود رابعاً: بأن المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - المطعون عليها - هي التي تحول بذاتها دون مباشرة المدعي بالحقوق المدنية للحق في الادعاء المباشر، فإذا عيبتها المدعية في الدعوى الماثلة ناعية عليها مخالفتها للدستور، مع سكوتها عن تبيان مداخل بطلانها؛ وكان استظهارها ممكناً من خلال حمل النص المطعون فيه على صور العوار التي يرتبط منطقياً بها؛ وكان ثابتاً كذلك أن المضار التي ألحقها هذا النص بها تتمثل في حرمانها من حق الإدعاء المباشر المكفول لغيرها، فإن مواقع البطلان في ذلك النص تتحدد على أساس إهداره مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وإنكاره لحقها في اللجوء لقاضيها الطبيعي، بالمخالفة للمادتين 40 و68 من الدستور.
وحيث إن تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، لا يتعمق المسائل الدستورية التي يثيرها هذا النزاع، ولا يعتبر فصلاً فيها بقضاء قطعي، بل يعود الأمر في شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا لتزن وفقاً لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها، تحديداً لصحتها أو فسادها. وإذ تفصل محكمة الموضوع في دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإن قرارها في هذا الصدد إما أن يكون صريحاً أو مستفاداً ضمناً من عيون الأوراق. ويعتبر قراراً ضمنياً بقبول الدفع، إرجاء الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بما يأتي "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناءً على أمر يصدر من قاضي التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناءً على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعي بالحقوق المدنية".
وتنص فقرتها الثالثة على أنه "ومع ذلك فلا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين:
(أولاً) إذا صدر أمر من قاضي التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة.
(ثانياً) إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات".
وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت المدعية تتوخى بدعواها الموضوعية أن تلاحق موظفاً عاماً - من خلال الادعاء المباشر - عن جريمة ارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، لتعويضها عن الأضرار التي أصابتها من جراء إتيانها، وكان البند ثانياً من الفقرة الثالثة من نص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية، حائلاً بينها وبين اقتضاء الحقوق التي تطلبها في النزاع الموضوعي، فإن مصلحتها الشخصية في الدعوى الدستورية، تنحصر في الطعن على هذا البند دون غيره.
وحيث إن المدعية تنعي في صحيفة دعواها الدستورية، مخالفة النص المطعون عليه للمواد 40 و64 و65 و68 من الدستور، فضلاً عن القواعد التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كليهما، ومن بينها على الأخص الحماية القانونية المتكافئة التي كفلاها لكل إنسان دون تمييز, والحق في أن تنظر دعواه أمام محكمة مستقلة محايدة ينشئها المشرع، نظراً علنياً ومنصفاً للفصل في الحقوق المدنية التي يدعيها، وكذلك فيما قد يكون موجهاً إليه من اتهام جنائي، وألا يتعرض - فوق هذا - لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو لتلويث شرفه وسمعته. وفي بيان ذلك تقول المدعية أن النص المطعون فيه صادر - بطريقة تحكميه وغير مبررة - حق الناس في ملاحقة الجناة أمام القضاء بما أضفاه من حصانة على الموظفين والمستخدمين ورجال الضبط، وهم فئة بعينها قصد أن يعطل مساءلتهم قضائيا عن الجرائم التي حددها، ودون أن يستند في ذلك لغير صفاتهم، متذرعاً بوقوع جرائمهم هذه أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها.
وحيث إن النعي بإخلال النص المطعون فيه بحق التقاضي مردود أولاً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ينبغي التزامها.
ومردود ثانياً: بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي - وكلما كان منصفاً - لا يناقض وجود هذا الحق، ولا يقتحم الدائرة التي يتنفس فيها، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها، تُفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء الأوضاع التي يباشر هذا الحق عملاً في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرناً، فلا يكون إفراطاً يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافاً بها عن أهدافها، ولا تفريطاً مجافياً لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواماً، التزاماً بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
ومردود ثالثاً: بأن ما تنص عليه المادة 70 من الدستور من أن الدعوى الجنائية لا تقام إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، يعني أن الادعاء المباشر ليس استصحاباً للأصل في الدعوى الجنائية، بل هو استثناء من قواعد تحريكها، تقديراً بأن النيابة العامة - وعلى ما تنص عليه المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية - هي التي تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ولا ترفع عن غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون. كذلك فإن تفويض الدستور السلطة التشريعية في تحديد الأحوال التي لا تقام الدعوى الجنائية فيها بأمر من جهة قضائية، مؤداه جواز تضييقها لنطاق الحق في الادعاء المباشر وقف شروط موضوعية لا يناقض تطبيقها حكماً في الدستور.
ومردود رابعاً: بأن تخويل المدعي بالحقوق المدنية حق الادعاء المباشر - وإن توخي مراقبتها تفادياً لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض - إلا أن المشرع وازن بالنص المطعون فيه بين أمرين، أولهما: الضرورة التي يقتضيها استعمال هذا الحق في إطار الأغراض التي شرع لها؛ وثانيهما الأضرار التي ينبغي توقيها إذا نقض هذا الاستعمال تلك الأغراض وتنكبها، مهدداً بذلك مسئولية أداء العمل العام، فرجح ثانيهما على أولهما، تقديراً بأن الأضرار التي ترتبط بإساءة استعمال الحق في الادعاء المباشر، يكون دفعها لازماً، ولا يجوز أن تتقدمها مزاياه.
ذلك أن الموظفين العامين - الذين حال النص المطعون فيه دون تكليفهم من قبل المدعي بالحقوق المدنية للحضور مباشرة أمام المحكمة الجنائية - لا يباشرون أعمال وظائفهم بعيداً عن مصالح المواطنين الذين يلجون أبوابهم لقضاء حوائجهم، بل يتردد موقفهم منها بين تلبيتها أو معارضته، مما يثير غرائز النفس البشرية ونزواتها التي كثيراً ما تجنح مع سوء ظنها إلى التجريح نأياً عن موازين الحق والعدل، فلا يكون اندفاعها إلا شططاً، وضيقها بالقائمين على العمل العام إلا تسرعاً وافتراءً يقترن - في الأعم - بالتطاول عليهم حطاً من قدرهم، ونيلاً من اعتبارهم، لتهن عزائمهم فلا يثابرون على أعمالهم، بل يتراخون فيها نكولاً أو يقعدون عنها وجلاً، مما يصرفهم عن أدائها على وجهها الصحيح سيما وأن المشرع قد اختصهم بجرائم قصرها عليهم وغلظ عقوباتها حملاً لهم على القيام بواجباتهم. ولا يجوز بالتالي أن ينفرط اطمئنانهم إذا كان لكل مدع بالحقوق المدنية أن يلاحقهم جنائياً عن جرائم يُدعى ارتكابهم لها، ولو كان الدليل عليها واهياً متخاذلاً، متدثراً برداء الحق، ليقوض بذلك سكينتهم ما بقى الاتهام الجنائي مسلطاً عليهم، مبدداً جهدهم، مثبطاً هممهم، مثيراً للشبهات من حولهم. وكان على المشرع بالتالي أن يرد عنهم - بالنص المطعون فيه - غائلة عدوان أكثر احتمالاً وأدنى وقوعاً ضماناً لأن يظل الحق في الادعاء المباشر، مقيداً بالأغراض التي شرع من أجلها، فلا ينقلب عليها.
ومردود خامساً: بأن إسقاط الحق في الإدعاء المباشر في الحدود التي بينها النص المطعون فيها، لا يتوخى حماية القائم بالعمل العام، بل صون الوظيفة العامة من معوقاتها، بما يمكن القائمين عليها من أداء خدماتهم المقصودة منها، فلا يعرقل تدفقها قيد يحول دون جريانها وانتظامها، أو يكون منافياً جوهر مقاصدها.
ومردود سادساً: بأن الدعوى الجنائية لا يحركها الادعاء المباشر إلا طلباً لحقوق مدنية بطبيعتها، فلا ترفعها - عند إنكاره في جرائم بذواتها - إلا الجهة التي تختص أصلاً بإقامتها، شأن الجرائم التي يرتكبها الموظفون العامون أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها - في ذلك - شأن غيرها من الجرائم، وهو ما يعني أن الموظفين العامين لن يفلتوا من المسئولية الجنائية عن أفعالهم التي أثمها المشرع، بل تظل محاسبتهم عنها - إذا قام الدليل عليها - حقاً للنيابة العامة في إطار اختصاصاتها الأصلية.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون، ليس مبدأً تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء iron rule تنبذ صورة التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده؛ وكان دفعها للضرر الأكبر بالضرر الأقل لازماً؛ إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائزة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدواناً معبراً عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفاً. ومن الجائز بالتالي أن تغاير السلطة التشريعية - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحدن معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل Real and not feigned differences ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل علي انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتاً لا تبصر فيه. كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، إذ يعتبر التمييز عندئذ مستنداً إلى وقائع يتعذر أن يُحْمَل عليها، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن النص المطعون فيه - وعلى ما تقدم - لم يقصد إلى إفراد المتهمين بالجرائم المشار إليها فيه، بمعاملة استثنائية يختصون بها علواً على غيرهم، ولا أن يمنحهم ميزة يؤثرهم بها على سواهم من المتهمين، بل تغيا أن يظل العمل العام منتظماً وأن يكون الطريق إليه قواماً، فلا ينفذ إليه متخرصون يعطلون سيره بنيلهم من القائمين عليه إفكاً وبغياً. فإن النص المطعون فيه يكون بذلك كافلاً للأسس الموضوعية التي ينظم المشرع الحقوق في نطاقها، بما لا إخلال فيه بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور.
وحيث إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد للحقوق المدنية والسياسية، وإن صح القول باحتوائهما على عديد من الحقوق التي كفلها الدستور القائم، وأن هاتين الوثيقتين تضمان في جوهر أحكامهما تلك القيم التي التزمتها الدول الديموقراطية باطراد في مجتمعاتها، والتي تظاهرها هذه المحكمة وترسيها باعتبارها تراثاً إنسانياً احتواه دستور جمهورية مصر العربية في نطاق الحقوق والحريات الأساسية التي كفلها؛ وكان هذا الإعلان وذلك العهد لا ينطويان على تنظيم للحق في الادعاء المباشر، ولا يتطلبان غير المحاكمة المنصفة طريقاً للفصل في كل اتهام جنائي، فإن إقحامها في نطاق الدعوى الماثلة يكون عبثاً.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أي حكم في الدستور من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم قضت المحكمة - خلال الفقرة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها - بعدم قبول الدعوى المماثلة رقم 61 لسنة 17 ق دستورية جلسة 1/ 2/ 1997.

الأحد، 28 أبريل 2024

الطعن 399 لسنة 25 ق جلسة 31 / 5/ 1955 مكتب فني 6 ج 3 ق 312 ص 1062

جلسة 3 من مايو سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، واسحق عبد السيد، ومحمود محمد مجاهد المستشارين.

---------------

(312)
القضية رقم 399 سنة 25 القضائية

دعوى مدنية. 

متى تجوز إحالتها إلى المحكمة المدنية؟ 

(م 209 أ. ج).

-------------------

متى كانت الدعوى المدنية داخلة في اختصاص المحكمة الجنائية تعين على هذه المحكمة وفقا لنص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية - إما أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية في الحكم الذى تصدره في الدعوى الجنائية إن رأتها صالحة للفصل فيها - وإما أن تحيلها إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف إن رأت أن الفصل فيها يترتب عليه تعطيل الفصل في الدعوى الجنائية. وإذن فإذا كانت المحكمة قد قضت في الدعوى الجنائية وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة التجارية وبنت قضاءها بالإحالة على ما تبين لها من وجود دعوى أخرى منظورة أمام هذه المحكمة الأخيرة وعلى ما ارتأته من وجود ارتباط وثيق بين الدعويين، وكان قانون الإجراءات الجنائية لم يتحدث عن حالة الارتباط وهو وفقا لقانون المرافعات لا يحكم به إلا إذا دفع به من له مصلحة فيه، وكان أحد لم يدفع به، فإن الحكم يكون مخالفا للقانون ويتعين نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة جمال عبد المجيد العبد بأنه: بدد معمل التعبئة المبين الوصف والقيمة بالمحضر والمحجوز عليه لصالح ساهاج كلايجيان ولم يكن قد سلم إليه إلا على سبيل الحراسة فسلمه إلى الشركاء إضرارا به وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعى ساهاج كلايجيان بحق مدنى قدره 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم، ومحكمة الموسكي الجزئية قضت حضوريا ببراءة المتهم وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدني مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم وفى أثناء نظر هذا الاستئناف أمام محكمة مصر الابتدائية دفع الحاضر عن المتهم بالدفعين الآتيين، الأول - عدم جواز نظر الدعوى لسابقة صدور أمر بحفظ الشكوى المؤسس عليها الدعوى من النيابة العامة. والثاني - عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعه قضت حضوريا، أولا - بقبوله شكلا، وثانيا - برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة صدور أمر بحفظ الشكوى المؤسس عليها الدعوى من النيابة العامة وبجواز نظرها، وثالثا - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها، ورابعا - إحالة الدعوى إلى الدائرة التجارية بمحكمة القاهرة الابتدائية لنظرها مع القضية رقم 1100 سنة 1951 كلى تجارى القاهرة. فطعن الطاعن فى هذا الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى باختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية ثم قضى في نفس الوقت بإحالتها إلى المحكمة التجارية للارتباط بينها وبين دعوى أخرى منظورة أمام تلك المحكمة.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن النيابة العامة أقامت الدعوى على الطاعن متهمة إياه بتبديد معمل التعبئة المبين الوصف والقيمة بالمحضر المحجوز عليه لصالح ساهاج كلايجيان ولم يكن قد سلم إليه إلا على سبيل الحراسة فسلمه إلى الشركاء إضرارا به. وأثناء نظر الدعوى ادعى ساهاج كلايجيان مدنيا وطلب الحكم له بتعويض مؤقت قدره 51 جنيها وقضت محكمة الدرجة الأولى ببراءة الطاعن وبإلزامه بأن يدفع للمدعي المدني 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت وأسست حكمها على أنه "وإن كان المتهم (الطاعن) في هذا الصدد قد أخطأ خطأ يقرب من العمد إلا أن المحكمة ترى من ملابسات الدعوى وما لجأ إليه بشأن ندب مهندس للتطبيق وإخطاره الخصوم بتاريخ التسليم ما يحول دون أن ترقى المحكمة بهذه الأدلة إلا مرتبة الجزم بالتواطؤ والاتفاق وتحديد القصد بالاتجاه إلى التبديد مما يتعين معه اعتبار أن القدر المتيقن في جانب المتهم هو خطأ فاحش وأنه وإن كان لم يستوجب المسئولية الجنائية إلا أنه يستوجب المسئولية المدنية وذلك لما استقر عليه القضاء من أن فقدان ركن من أركان الجريمة لا يحول دون أن تقضى المحكمة في الدعوى المدنية". وعند نظر الدعوى أمام محكمة الجنح المستأنفة دفع المتهم بعد اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الجنائية استنادا إلى أن دعوى الملكية مازالت مطروحة أمام القضاء. فقضت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها بنظر الدعوى المدنية وبإحالتها إلى الدائرة التجارية بمحكمة القاهرة الابتدائية لنظرها مع القضية رقم 1100 سنة 1951 تجارى كلى القاهرة وأسست حكمها في ذلك على أنه "ثابت من أوراق الدعوى وبإقرار طرفي الخصوم أن هناك دعوى ملكية رقم 1100 سنة 1951 تجاري مصر مرفوعة بشأن معمل التعبئة موضوع النزاع الحالي لم يفصل فيها بعد الأمر الذي ترى معه المحكمة إحالة هذه الدعوى إلى نفس الدائرة التي تنظر الدعوى السابقة لارتباط الدعويين ببعضهما ارتباطا وثيقا.
ومن حيث إن المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف - وكان يتعين على المحكمة وفقا لذلك وقد قضت باختصاصها بنظر الدعوى المدنية وفصلت في الدعوى الجنائية إما أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية في الحكم الذي أصدرته في الدعوى الجنائية إن رأتها صالحة للفصل فيها- وإما أن تحيلها إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف إن رأت أن ذلك يترتب عليه تعطيل الفصل في الدعوى الجنائية - لما كان ذلك - وكانت المحكمة لم تبن قضاءها بالإحالة على هذا الأساس بل بنته على ما تبين لها من وجود دعوى أخرى رقم 1100 سنة 1951 منظورة أمام المحكمة التجارية بشأن النزاع على ملكية معمل التعبئة والتوزيع - وعلى ما ارتأته من وجود ارتباط وثيق بين الدعويين وكان قانون الإجراءات الجنائية لم يتحدث عن حالة الارتباط وهو فقا لقانون المرافعات لا يحكم به إلا إذا دفع به من له مصلحة فيه وقد تقدم القول بأن أحدا لم يدفع به - لما كان ما تقدم فإن الحكم يكون مخالفا للقانون ويتعين لذلك نقضه وإعادة القضية للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى بدون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.

الطعن 2000 لسنة 35 ق جلسة 22 / 3 / 1966 مكتب فني 17 ج 1 ق 69 ص 348

جلسة 22 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.

---------------

(69)
الطعن رقم 2000 لسنة 35 القضائية

دعوى مدنية. دعوى جنائية. إحالة. نقض. "حالات الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما يوفره".
الإحالة في مفهوم حكم المادة 309 إجراءات؟
قضاء محكمة أول درجة بالبراءة في الدعوى الجنائية (القتل الخطأ) بحكم نهائي لعدم استئناف النيابة العامة له، وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية. تأسيسها قضاءها بالبراءة على عدم ثبوت الخطأ في حق المطعون ضده (المتهم). انطواء هذا القضاء ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها. استئناف المدعية بالحق المدني لهذا الحكم. إحالة الدعوى المدنية إلى محكمة أول درجة. لا طائل منه. لحتمية القضاء برفضها. على محكمة ثاني درجة التصدي لها والفصل في موضوعها. تخليها عن نظرها بإحالتها إلى المحكمة المدنية. خطأ في القانون وإخلال بحق الدفاع.

------------------
يجرى نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية قبل المتهم، وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية، فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف". ولما كان الثابت أن الدعوى الجنائية قد فصل فيها من محكمة أول درجة بالبراءة بحكم نهائي لعدم استئناف النيابة العامة له، فإن الحكم المطعون فيه بإحالته الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة لا يكون له سند من نص المادة سالفة الذكر، ويكون قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون، وكان يتعين طبقاً للقواعد العامة وقد قضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة بعدم اختصاصها أن تقضى في الوقت ذاته بإعادة القضية إليها لتقول كلمتها في الدعوى المدنية ولا تملك محكمة أول درجة حينئذ أن تحيل الدعوى إلى المحكمة المدنية لانتفاء علة ذلك لسبق الفصل في الدعوى الجنائية بحكم نهائي من قبل مما يستحيل معه أن يترتب على الفصل في التعويضات إرجاء الفصل فيها على ما يجرى به حكم المادة 309. غير أنه لما كان قضاء محكمة أول درجة بالبراءة لعدم ثبوت الخطأ في حق المطعون ضده إنما ينطوي ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية بما يؤدي إلى رفضها لأن القضاء بالبراءة وقد أقيم على عدم ثبوت وقوع خطأ من المتهم - المطعون ضده - إنما يتلازم معه الحكم برفض الدعوى المدنية، ويكون حكم محكمة أول درجة إذ قضى في منطوقه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية قد أقام قضاءه على أسباب لها حجيتها في الدعوى الجنائية إذ هي وثيقة الصلة بمنطوق الحكم الجنائي والفصل فيها ضروري لقيام هذا الحكم وهى عدم ثبوت ركن الخطأ في حق المتهم وهي أسباب تؤدي إلى رفض الدعوى المدنية. ولما كان استئناف هذا الحكم قد نقل إلى محكمة ثاني درجة موضوع الدعوى المدنية التي لم يعد هناك طائل من وراء إعادتها إلى محكمة أول درجة لحتمية القضاء برفضها إذا ما أعيدت إليها. ولذلك فإنه كان يتعين على محكمة ثاني درجة أن تتصدى لها وتفصل في موضوعها أما وهى لم تفعل وتخلت عن نظرها بإحالتها إلى المحكمة المدنية فإن النعي على حكمها بالخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع يكون سديداً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 28/ 10/ 1963 بدائرة مركز فاقوس: تسبب بغير قصد ولا تعمد في وفاة لويس متى سليمان وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأنه قاد السيارة بحالة ينجم عنها الخطر فصدم المجني عليه وأدى ذلك إلى وفاته. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات. وادعت مدنياً زوجة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر - وطلبت القضاء لها قبل المتهم وقبل صاحب السيارة بصفته المسئول عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ 10000 ج على سبيل التعويض والمصاريف والأتعاب. ومحكمة فاقوس الجزئية قضت حضورياً في 30 مارس سنة 1964 (أولاً) ببراءة المتهم مما أسند إليه (وثانياً) بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية وإلزام المدعية بالحق المدني بصفتها بمصروفات الدعوى المدنية وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. فاستأنفت المدعية بالحق المدني هذا الحكم. ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 8/ 12/ 1964 (أولاً) بقبول الاستئناف من المدعية بالحق المدني شكلاً (ثانياً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ومن إلزام المدعية بالحق المدني بمصروفات الدعوى المدنية (ثالثاً) بإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة فاقوس الجزئية الدائرة المدنية للفصل فيها. فطعنت المدعية بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما تنعاه الطاعنة - المدعية بالحقوق المدنية - على الحكم المطعون فيه هو أنه إذ قضى بإحالة الدعوى المدنية - التي رفعتها على المطعون ضدهما تبعاً للدعوى الجنائية المرفوعة على المتهم عن جريمة قتل خطأ - إلى المحكمة المختصة قد أخطأ في تطبيق القانون وأخل بحقها في الدفاع، ذلك بأنه كان يتعين على محكمة أول درجة وقد قضت ببراءة المطعون ضده الأول لعدم ثبوت الخطأ في حقه أن تفصل في حكمها في موضوع الدعوى المدنية، ولكنها قضت بعدم اختصاصها فألغت المحكمة الاستئنافية هذا الحكم وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة - فأخطأت بدورها في قضائها بالإحالة إذ كان يتعين عليها أن تقضي في موضوع الدعوى المدنية لأن قضاء محكمة أول درجة في الدعوى الجنائية يعتبر فصلاً في الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها، وكان يتعين على المحكمة الاستئنافية أن تعتبره كذلك وتقضي في الموضوع لأن ذلك يجيز لها وللطاعنة مناقشة حجية الحكم الجنائي الذي يمتنع عليها وعلى محكمة الإحالة عند إحالة الدعوى إلى المحكمة المدنية.
وحيث إنه يبين من مراجعة الأوراق أن النيابة العامة اتهمت المطعون ضده الأول بأنه في يوم 28/ 10/ 1963 بدائرة مركز فاقوس: تسبب بغير قصد ولا تعمد في وفاة لويس حنا سليمان وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد السيارة بحالة ينجم عنها الخطر فصدم المجني عليه وأدى ذلك إلى وفاته. وطلبت معاقبته طبقاً لنص المادة 238/ 1 من قانون العقوبات فادعت الطاعنة بصفتها بحق مدني مقداره عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. وقضت محكمة أول درجة حضورياً (أولاً) ببراءة المتهم - المطعون ضده الأول - مما أسند إليه. (ثانياً) بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية وإلزام المدعية بالحقوق المدنية بصفتها بمصروفات الدعوى المدنية فاستأنفت الطاعنة وحدها هذا الحكم وقضت محكمة ثاني درجة حضورياً (أولاً) بقبول الاستئناف شكلاً. (ثانياً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ومن إلزام المدعية بالحقوق المدنية بمصروفات الدعوى المدنية. (ثالثاً) بإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة فاقوس الجزئية - الدائرة المدنية - للفصل فيها بلا مصاريف مدنية. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد أقام قضاءه في الدعوى الجنائية ببراءة المطعون ضده على سند من أن الواقعة قد تكشفت عن أن خطأ منه لم يقع، ثم أقام قضاءه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية على قوله.... "ولما كانت المادة 309 أ. ج تنص على أن كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المتهم أو المدعي بالحقوق المدنية وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية. ولما كان ذلك كذلك، وكان تحقيق الضرر المدعى به وتقدير التعويض المستحق عنه هما أمران منوطان بالقضاء المدني، ومن ثم فإن المحكمة تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية لأن في تحقيق الضرر المدعى به وتقدير التعويض المستحق عنه يستلزم إجراء تحقيق خاص ترى المحكمة أنه سيترتب عليه تأخير الفصل في الدعوى الجنائية" أما الحكم المطعون فيه فإنه بعد أن أحال في بيان واقعة الدعوى على ما أورده عنها الحكم الابتدائي وعرض لدفاع المستأنفة - الطاعنة - الذي عيبت به الحكم بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية وأورد نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية، خلص إلى أنه يؤيد النظر الذي ذهب إليه الحكم المستأنف من أن الفصل في الدعوى المدنية يستلزم إجراء تحقيق خاص ورأى أن مقتضى ذلك - عملاً بنص المادة سالفة الذكر - هو إحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة لا الحكم فيها بعدم الاختصاص. لما كان ذلك، وكان صحيح نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية يجري على أن "كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية قبل المتهم. وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف" و كان الثابت مما سلف إيراده عما جرى في الدعوى أن الدعوى الجنائية قد فصل فيها من محكمة أول درجة بحكم نهائي لعدم استئناف النيابة العامة لهذا الحكم، فإن الحكم المطعون فيه بإحالته الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة لا يكون له سند من نص المادة سالفة الذكر ويكون قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون، وكان يتعين طبقاً للقواعد العامة وقد قضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة بعدم اختصاصها أن تقضي في الوقت ذاته بإعادة القضية إليها لتقول كلمتها في الدعوى المدنية ولا تملك محكمة أول درجة حينئذ أن تحيل الدعوى إلى المحكمة المدنية لانتفاء علة ذلك لسبق الفصل في الدعوى الجنائية بحكم نهائي من قبل مما يستحيل معه أن يترتب على الفصل في التعويضات إرجاء الفصل فيها على ما يجرى به حكم المادة 309. غير أنه لما كان قضاء محكمة أول درجة بالبراءة لعدم ثبوت الخطأ في حق المطعون ضده إنما ينطوي ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها لأن القضاء بالبراءة في صورة هذه الدعوى وقد أقيم على عدم ثبوت وقوع خطأ من المتهم - المطعون ضده الأول - إنما يتلازم معه الحكم برفض الدعوى المدنية ويكون حكم محكمة أول درجة إذ قضى في منطوقه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية قد أقام قضاءه على أسباب لها حجيتها في الدعوى الجنائية إذ هي وثيقة الصلة بمنطوق الحكم الجنائي والفصل فيها ضروري لقيام هذا الحكم وهى عدم ثبوت ركن الخطأ في حق المتهم وهى أسباب تؤدى إلى رفض الدعوى المدنية. لما كان ذلك، و كان استئناف هذا الحكم قد نقل إلى محكمة ثاني درجة موضوع الدعوى المدنية التي لم يعد هناك طائل من وراء إعادتها إلى محكمة أول درجة لحتمية القضاء برفضها إذا ما أعيدت إليها، ولذلك فإنه كان يتعين على محكمة ثاني درجة أن تتصدى لها وتفصل في موضوعها أما وهى لم تفعل وتخلت عن نظرها بإحالتها إلى المحكمة المدنية فإن النعي على حكمها في خصوص تلك الدعوى يكون سديداً، ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والإحالة مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 1245 لسنة 35 ق جلسة 19/ 10/ 1965 مكتب فني 16 ج 3 ق 137 ص 724

جلسة 19 من أكتوبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عز الدين سالم، ومحمد أبو الفضل حنفي.

---------------

(137)
الطعن رقم 1245 لسنة 35 القضائية

(ا) نقض. "الطعن بالنقض". "المصلحة في الطعن". دعوى مدنية. وصف التهمة.
تشكيك المحكمة في أصل الواقعة. قضاؤها في موضوع الاتهام بالبراءة لعدم الثبوت تحت أي وصف. ما يثيره المدعى بالحقوق المدنية بشأن وصف الواقعة. لا جدوى منه.
(ب) تعويض. دعوى مدنية. اختصاص.
دعوى مدنية. شروط اختصاص المحكمة بنظرها. تعلقها بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم. الحكم بالبراءة لعدم ثبوت التهمة يستلزم رفض طلب التعويض.
(ج) دعوى مدنية. دعوى جنائية. اختصاص. إحالة. تعويض.
الإحالة في مفهوم حكم المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية. شروطها: اختصاص المحكمة الجنائية ينظر الدعوى المدنية، وأن يستلزم الفصل في التعويضات إجراء تحقيق ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية.
(د) إجراءات المحاكمة. حكم "بياناته".
الأصل في إجراءات المحاكمة أنها روعيت. إثبات الحكم تلاوة تقرير التلخيص وسماع مرافعة الخصوم. جحد ذلك لا يكون إلا بالطعن بالتزوير.
(هـ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره" محكمة الموضوع.
إجابة طلب التأجيل للاستعداد أو عدم إجابته. مسألة موضوعية. عدم التزام المحكمة بالرد عليه صراحة.
(و) إجراءات المحاكمة . حكم.
الحكم يكمل محضر الجلسة في إثبات حقيقة إجراءات المحاكمة.
(ز) محكم ثاني درجة. إجراءات المحاكمة.
محكمة ثاني درجة تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق. عدم التزامها بإجراء تحقيق أو سماع شهود إلا ما ترى لزوما له.
(ح) حكم . "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
تشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. كفاية ذلك للقضاء بالبراءة ما دام أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.

----------------
1 - إذا قطعت المحكمة فى أصل الواقعة بالتشكيك وقضت فى موضوع التهمة بالبراءة لعدم الثبوت تحت أى وصف وطبقا لأي كيف ينسبغ عليها - فلا يكون ثمة جدوى للطاعن (المدعى بالحقوق المدنية) فيما يثيره بشأن وصف الواقعة.
2 - المحكمة الجنائية لا تختص بالحكم فى التعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائى المسند إلى المتهم، فاذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتما رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت فى حق من نسب إليه.
3 - محل التمسك بطلب إحالة دعوى التعويض إلى المحكمة المدنية حسبما نصت عليه المادة 309 من قانون الإجراءات أن يستلزم الفصل فى التعويضات اجراءا تحقيق خاص ينبنى عليه ارجاء الفصل فى الدعوى الجنائية وهذا مناطه أن يكون الاختصاص الاستثنائي بالفصل فى دعوى التعويض منعقدا للمحاكم الجنائية.
4 - الأصل فى إجراءات المحاكمة أنها روعيت. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أثبت تلاوة تقرير التلخيص وسماع مرافعة الخصوم فلا يجوز للطاعن أن يجحد ما أثبته الحكم من تمام هذه الإجراءات إلا بالطعن والتزوير.
5 - إجابة طلب التأجيل للاستعداد أو عدم اجابته من اطلاقات محكمة الموضوع ولا تلتزم بالرد عليه صراحة فى حكمها.
6 - ورقة الحكم تعتبر متممة لمحضر الجلسة فى شأن إثبات إجراءات المحاكمة.
7 - الأصل إن المحكمة الاستئنافية إنما تقضى فى الدعوى من واقع الأوراق. وهى بعد ليست ملزمة باجراء تحقيق أو سماع شهود إلا إذا رأت هى لزوما لذلك.
8 - يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضى له بالبراءة. إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 24 سبتمبر سنة 1961 بدائرة قسم المعادي: (أولا) أتلف عمدا المستند المبين بالمحضر لعبد الحميد صدقي صلاح بأن مزقه على النحو المفصل بالأوراق وتسبب عن ذلك إضرار بالمجنى عليه (ثانيا) اختلس المستند المبين بالمحضر لعبد الحميد صدقى صلاح. وطلبت معاقبته بالمواد 300 و365 و375 من قانون العقوبات، وادعى المجنى عليه مدنيا بمبلغ 3000 ج على سبيل التعويض قبل المتهم. ومحكمة حلوان الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 24 ديسمبر سنة 1962 ببراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله وإلزام رافعها مصروفاتها. فأستأنف المدعى بالحق المدني هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 27 إبريل سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف المصروفات المدنية. فطعن المدعى بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بتاريخ 21 أكتوبر سنة 1963 بقبوله شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى والزام المطعون ضده المصروفات المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا في 15 إبريل سنة 1964 بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المدعى بالحق المدني في هذا الحكم للمرة الثانية بطريق النقض .. الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن الإخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال، والخطأ في القانون، وذلك لأن المحكمة أغفلت في درجتي التقاضي سؤال الكاتب أحمد السيد الذى يعمل لدى المتهم - المطعون ضده - والذى كتب بإملائه السند موضوع التهمة، ولم تأخذ بأدلة الثبوت في الدعوى، ورجحت عليها إنكار المتهم على الرغم من كذبه، وقضت برفض الدعوى المدنية على الرغم مما أثبته حكم محكمة أول درجة المأخوذ بأسبابه من أن العلاقة بين المتهم وبين الطاعن لا تعدو أن تكون علاقة مالية مجالها المحكمة المدنية، ومقتضى ذلك أن تحال الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية عملا بالمادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية لا أن يقضى برفضها، وأن الحكم محكمة أول درجة اشتمل على وصف التهمة بعد تعويله بجلسة 29/ 10/ 1962، بينما اشتمل حكم محكمة ثاني درجة على وصف التهمة المرفوعة بها الدعوى، ولم تستجب محكمة ثاني درجة إلى ما طلبه الحاضر عن وكيل الطاعن من التأجيل لمرض طرأ عليه بل أغفلت النظر فيه، واستمعت لدفاع الحاضر مع الطاعن وفصلت في الدعوى في نفس اليوم وذكرت في حكمها غير الثابت بمحضر الجلسة من تلاوة التقرير وسماع طلبات الخصوم، مما يخالف ما جاء بالفقرة الثانية من المادة 411 من قانون الإجراءات الجنائية وبنى الحكم المطعون فيه على ما يخالف الثابت بمحضر جلسة 19/ 11/ 1962 بشأن مفردات المبالغ المسلمة إلى المطعون ضده، وقد قدم الطاعن إلى محكمة أول درجة مذكره بدفاعه لم يشر أى الحكمين إليها من قريب أو بعيد، واطرح الحكم المطعون فيه الدليل المستمد من السند المقدمة قصاصاته بمقولة أنه عن معاملة مالية سابقة وقضى ببراءة المطعون ضده، مما كان يتعين معه تحقيق واقعة الدعوى، ومدى اتصالها بالسند المذكور عملا بما خوله القانون، وتناقض مع الثابت بمحاضر جلسات 29/ 1/ 1964، 26/ 2/ 1969، 8/ 4/ 1964، 15/ 4/ 1964 تناقضا واضحا يجعل الحكم المطعون فيه مشوبا بالبطلان الموجب لنقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه حصل واقعة الدعوى في أنه قامت علاقة مالية بين الطاعن - المدعى بالحقوق المدنية - وبين المتهم - المطعون ضده - أساسها الدخول فى مزايدات بيع ثمار البساتين التابعة لهيئة الإصلاح الزراعي، وفى 19/ 7/ 1961 بمناسبة إحدى هذه المزايدات نقد الطاعن المطعون ضده خمسمائة جنيه حرر بها إيصالا، ثم سلمه ألفا أخرى أثبتها المتهم على الإيصال المذكور. وبعد ذلك حرر المطعون ضده إيصالاً آخر بالمبلغ كله ومقداره ألف وخمسمائة جنيه ومزق الإيصال الأول، فجمع الطاعن قصاصاته في غفلة منه، ونقل الحكم عن الطاعن أن المطعون ضده استدعاه تليفونيا في يوم 24/ 9/ 1961 وطلب منه الإيصال المأخوذ عليه ليسلمه المبلغ المثبت به، فحضر وسلمه إليه، ولكن المتهم لم يرد له من مبلغه سوى خمسمائة جنيه رفض الطاعن قبولها فمزق المتهم الإيصال الذى كان الطاعن قد أخذ صورته الشمسية وخشى جمع قصاصاته بعد تمزيقه خوفا من المتهم لأنه كان يحمل بندقية ولم يبلغ بالأمر إلا في 10/ 10/ 1961 بدعوى جريان المفاوضات بينه وبين المتهم في شأن صلح لم يتم، واتهمه بإتلاف السند موضوع التهمة واختلاسه، وبعد أن عرض الحكم للواقعة على هذا النحو وأورد الأدلة المقدمة عليها من قول الطاعن، وصورة الإيصال وقصاصات الإيصال الأول، كر عليها بما يفندها من عدم اطمئنان المحكمة إلى قول الطاعن، لأنه لا يعقل أن يمزق السند أمامه دون أن يحاول استنقاذه، ولأنه تراخى فى التبليغ من 24/ 9/ 1961 إلى 10/ 10/ 1961 بفرض أنه اكره فى حينه على السكوت وأنه لا دليل على المفاوضات المزعومة، وأما ما قدمه الطاعن من صورة السند موضوع الدعوى وقصاصات السند الأول، فلا يعدو أن يكون دليلا على وجود علاقة مالية سابقة بينه وبين المتهم ولا تفيد بذاتها وقوع الجريمة، ومجالها المطالبة المدنية إذا تكاملت شرائطها. وانتهى من ذلك إلى تبرئة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية قبله. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على الأوراق أن محكمة أول درجة قد محصت جوانب الدعوى وأحاطت بظروفها وبالأدلة التي قام الاتهام عليها ووازنت بينها وبين أدلة النفي فى الدعوى وإنكار المتهم - المطعون ضده - فداخلها الريبة في عناصر الإثبات وخرجت باقتناع أكيد بعدم إدانة المطعون ضده. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد حققت شفوية المرافعة بسماعها المدعى بالحقوق المدنية (الطاعن) بجلسة 11/ 4/ 1961 ثم بجلسة 19/ 11/ 1961، ولا يبين من محاضر جلسات المحاكمة في كلتا درجتي التقاضي أن الطاعن أو المدافع عنه طلب من المحكمة سماع شهادة الكاتب "أحمد السيد" وكان الأصل أن المحكمة الاستئنافية إنما تقضى فى الدعوى من واقع الأوراق، وهى بعد ليست ملزمة بإجراء تحقيق أو سماع شهود إلا إذا رأت هي لزوماً لذلك فإن منعى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له من وجه ولا يعتد به. ولما كانت المحكمة الجنائية لا تختص بالحكم في التعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائى المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فان ذلك يستلزم حتما رفض طلب التعويض ولا محل حينئذ للتمسك بطلب إحالة دعوى التعويض إلى المحكمة المدنية لأن ذلك محله حسبما نصت عليه المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية أن يستلزم الفصل في التعويضات إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية وهذا مناطه أن يكون الاختصاص الاستثنائي بالفصل في دعوى التعويض منعقدا للمحاكم الجنائية ولا يكون لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت فى حق من نسب إليه ولا جدوى للطاعن فيما يثيره بشأن وصف الواقعة، طالما أن المحكمة قطعت في أصلها بالشك وقضت في موضوع التهمة بالبراءة لعدم الثبوت تحت أي وصف تكون وطبقا لأى كيف ينسبغ عليها. ولما كانت ورقة الحكم تعتبر متممة لمحضر الجلسة فى شأن إثبات إجراءات المحاكمة، وكان الأصل في الإجراءات أنها روعيت، وكان الحكم المطعون فيه أثبت تلاوة التقرير وسماع مرافعة الخصوم، فلا يجوز للطاعن أن يجحد ما أثبته الحكم من تمام هذا الإجراء إلا بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله. ولما كانت محكمة أول درجة تناولت المذكرة التي قدمت إليها من الطاعن، وكانت المحكمة الاستئنافية لم ترخص لأى من الخصوم في تقديم مذكرة بدفاعه. وكان الطاعن لم يوجه أمام المحكمة الاستئنافية مطعنا ما على إجراءات محكمة أول درجة، فلا يجوز له أن يثير ذلك لأول مرة لدى محكمة النقض. ولما كان يبين من الاطلاع على محضر الجلسة الاستئنافية أن المدافع عن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة الاستئنافية التأجيل لمرض محاميه الأصيل، بل اقتصر على مجرد طلب التأجيل للاستعداد، فرفضت المحكمة طلبه، واستمرت في نظر الدعوى، وكانت إجابة طلب التأجيل أو عدم إجابته في هذه الصورة من إطلاقات محكمة الموضوع، ولا تلتزم بالرد عليه صراحة فى حكمها. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن السند المقدمة قصاصاته قد استبدل به السند موضوع الدعوى، والذى قدمت صورته الشمسية وطوى أصله وكان الطاعن لم يطلب إجراء تحقيق ما بشأن تمزيق أول السندين، وكان لما أثبته الحكم محكمة أول درجة الذى اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه أصله الثابت في الأوراق من محضر الشرطة المؤرخ 3/ 10/ 1961 فان دعوى الخطأ في الإسناد تكون منتفية فضلا عن انتفاء المصلحة في الاحتجاج بها، وكان من المقرر أنه يكفى أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضى له بالبراءة إذ مرجع الأمر في  ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان سائر الطعن جدلا موضوعيا صرفا لا يثار لدى محكمة النقض، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.

السبت، 20 أبريل 2024

الطعن 1 لسنة 2021 ق توحيد المبادئ القضائية جلسة 20 / 10 / 2021 مكتب فني 15 ص 1

جلسة 20 / 10 / 2021
برئاسة السيد المستشار/ محمد حمد البادي رئيس الدائرة وعضوية السادة المستشارين/ شهاب عبد الرحمن الحمادي، محمد عبد الرحمن الطنيجي، عبد العزيز يعكوبي، المبارك العوض حسن، سعد محمد زويل، عمر يونس جعرور ، أحمد عبد الوكيل الشربيني ، علي عبدالفتاح جبريل.
------------------
(الطلب رقم 1 لسنة 2021 هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية)

(1) هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية "اختصاصها". قانون "تفسيره".
هيئة توحيد المبادئ. اختصاصها؟ المادة 15 من القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2019 بشأن تنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية . إجراءات تقديم طلبات توحيد المبادئ القضائية للهيئة؟ المادة 16 من القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2019 .
تقديم النائب العام الاتحادي طلب مسبب لهيئة توحيد المبادئ القضائية. أثره: - قبوله شكلا.
تعارض المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة تمييز دبي في تفسير نص المادة 10 من القانون رقم 35 لسنة 1992 من قانون الإجراءات الجزائية بخصوص وجوب وجود توكيل خاص أو عام لقبول الشكوى المقدمة من قبل الوكيل في جرائم الشكوى. ينعقد به اختصاص هيئة توحيد المبادئ للفصل في الطلب المقدم بشأنهما.

(2) جرائم الشكوى. دعوى جزائية "قيود تحريكها" "انقضاؤها بالتنازل". وكالة. نيابة عامة.
استلزام المشرع تقدم المجني عليه بشكوى. يعد قيدا على حرية النيابة العامة في اتخاذ ما تشاء من إجراءات تتعلق بالجريمة موضوع الشكوى حتى تقديمها. أساس وعلة ذلك؟
اشتراط المشرع وجود وكالة خاصة للتنازل عن الشكوى. مقتضاه : لزوم وجودها - لتقديمها نيابة عن المجني عليه في جرائم الشكوى.
وجوب أن تكون الوكالة لاحقة على وقوع الجريمة. باعتبار أن التنازل عن الشكوى لا يكون سابقا على وقوعها. مفاد ذلك: أن تكون الشكوى بوكالة خاصة. أثر ذلك: إقرار الهيئة للمبدأ القانوني الذي خلص إليه الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا بضرورة وجود وكالة خاصة للوكيل لقبول الشكوى.
التقدم الإجرائي بالشكوى. وجوب أن تكون حررت ووقعت من شخص المجني عليه أو من ينوب عنه بوكالة خاصة.
التقدم المادي بالشكوى. لأي شخص مباشرته. متى حررت ووقعت من صاحب المصلحة.

------------------

1 - من المقرر بنص المادة (15) من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 2019 بشأن تنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية أن هيئة توحيد المبادئ تختص بتوحيد المبادئ القضائية المتعارضة الصادرة عن محكمتين أو أكثر من المحاكم العليا في الدولة، كما تختص بالنظر في طلبات العدول عن مبدأ سبق لها أن قررته (أي الهيئة) وفقا للإجراءات المحددة في المادة 16 من هذا القانون. والمقرر بنص هذه المادة (أي المادة 16) أن طلبات توحيد المبادئ القضائية تقدم إلى الهيئة بتقرير مسبب من أي من رؤساء المحاكم العليا في الدولة، أو النائب العام الاتحادي أو النواب العامين المحليين بصورة تلقائية أو بناء على طلب مقدم إليهم من الجهات الحكومية الاتحادية أو المحلية ... ولما كان الطلب الماثل مقدما ممن له صلاحية تقديمه (النائب العام الاتحادي)، وجاء بتقرير مسبب لذلك فهو مقبول شكلا. كما أنه لما كان المستفاد من الحكمين الصادرين عن المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة تمييز دبي اختلافهما في تفسير نص المادة 10 من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية، مما ترتب عنه صدور مبدأين قضائيين متعارضين، حيث خلصت المحكمة الأولى إلى أن الشكوى المقدمة من قبل الوكيل في جرائم الشكوى لا تكون مقبولة إلا إذا كان لديه توكيل خاص بذلك، في حين أن المحكمة الثانية وإن كانت قد استندت في حيثيات حكمها إلى أن إرادة المجني عليها كانت قاطعة في تقديم الشكوى بناء على ما هو مستمد من شهادتها بتحقيقات النيابة العامة وكذا ما أدلت به الشاكية من أقوال أمام مأمور الضبط القضائي، إلا أنها أضافت في تعليلها على سبيل الاستطراد أن التوكيل العام يعتبر كافيا في جرائم الشكوى، ولا شك أن ما أوردته بهذا الشأن بصرف النظر عن - تأثيره في نتيجة الحكم من عدمه يناقض المبدأ الذي قررته المحكمة الاتحادية العليا - في الطعن رقم 371 لسنة 2021 المشار إليه، وهو ما يجعل المبدأين المقررين في الحكمين المذكورين متعارضين، وبالتالي يكون اختصاص هذه الهيئة منعقدا للفصل في طلب التوحيد المقدم بشأنهما.

2 - من المقرر إنه لتحديد التفسير الأقرب لروح نص المادة 10 المذكورة وفلسفتها، يجب التأكيد بداية أن المشرع عندما يستلزم ضرورة التقدم بشكوى من المجني عليه فإن النيابة العامة - استثناء من الأصل - لا تكون لها حرية اتخاذ ما تشاء من إجراءات تتعلق بالجريمة موضوع الشكوى إلا بعد التقدم بها. ولا شك أن تعليق المشرع رفع الدعوى الجزائية على شكوى من المجني عليه في الجرائم المحددة بموجب هذه المادة يقوم على مبررات تستهدف حماية مصلحة هذا الأخير باعتباره الأقدر من النيابة العامة على تحديد مدى ملاءمة اتخاذ الإجراءات الجزائية من عدمه، وتحديد مدى تحقق مصلحته في تحريك الدعوى بشأنها أو إبقائها خارج أسوار المحاكم اتقاء لما قد يتردد في جلساتها من كلام قد يزيد من تعميق جراحاته وآلامه أو يسهم في تشتيت أوصال الأسرة وروابطها. ولا شك أن تقييد المشرع رفع الدعوى العمومية في هذا النوع من الجرائم بإرادة المجني عليه - بناء على تقدير هذا - الأخير لمعطيات الجريمة وأثر تداولها في ردهات المحاكم على حياته الخاصة أو حياة الأسرة - يستلزم تعبيره بشكل واضح وصريح عن مدى رغبته في تحريكها من عدمه، وهذا الوضوح لا يكشف عنه بداهة إلا التوكيل الخاص. وحاصل ذلك أن المادة العاشرة المذكورة وإن جاءت خالية من النص صراحة على اشتراط التوكيل الخاص فيمن يقوم مقام المجني عليه في تقديم الشكوى (الوكيل الاتفاقي)، إلا أن اشتراط ذلك مما يستفاد بداهة من روح هذه المادة وفلسفتها، على اعتبار أن إرادة المجني عليه ورغبته في رفع الدعوى العمومية لا تكون جلية وواضحة إلا بتخصيص التوكيل الصادر عنه لفائدة وكيله، أما التوكيل العام فإنه لا يعكس هذه الإرادة بشكل قاطع، ولا يعتبر حاسما في اتجاه إرادة المجني عليه على وجه اليقين إلى الرغبة في رفع الدعوى بل يكون مفتوحا على كل الاحتمالات وهو ما يجعله توكيلا غير منتج في البناء عليه لتحريك الدعوى العمومية على أساسه. وعلاوة على ذلك فإن المقرر بنص المادة 347 من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية أن المشرع أجاز للمجني عليه أو وكيله الخاص أو لورثته أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة أو المحكمة بحسب الأحوال وذلك في الجنح والمخالفات المنصوص عليها في هذه المادة. ومؤدى ذلك أن المشرع إذا كان قد تشدد في التنازل عن الشكوى فاشترط أن تكون بوكالة خاصة، فإن مقتضى ذلك ولزومه أن يكون تقديم الشكوى نيابة عن المجني عليه - في جرائم الشكوى - بوكالة خاصة. وإذا كان لا يتصور أن يكون التنازل عن الشكوى سابقا على وقوع الجريمة، فإن مقتضى العقل والمنطق أن تكون الوكالة لاحقة على الجريمة وليست سابقة عليها، وهذا ما يستقيم مع القول بضرورة أن تكون الشكوى بوكالة خاصة، وهو ما نصت عليه صراحة بعض التشريعات المقارنة. وحيث إنه بالبناء على ما ذكر، وتوحيدا للمبدأين القضائيين المتعارضين الصادرين عن المحكمتين المذكورتين، فإن الهيئة تنتهي إلى إقرار المبدأ القانوني الذي خلص إليه الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 3 / 5 / 2021 في الطعن رقم 371 لسنة 2021 جزائي، مع التنويه إلى ضرورة التمييز بين التقدم الإجرائي بالشكوى والتقدم المادي بها، ذلك أنه بالنسبة للحالة الأولى يجب أن تكون الشكوى قد حررت ووقعت من شخص المجني عليه أو من شخص الوكيل الخاص المسموح له بالتقدم بالشكوى نيابة عنه بموجب وكالة خاصة. أما فيما يخص الحالة الثانية (التقدم المادي بالشكوى) فيمكن أن يباشره أي شخص طالما أن الشكوى قد حررت ووقعت من صاحب المصلحة.

-------------

الوقائع

حيث إن الوقائع، على ما يبين من الطلب وسائر الأوراق، تتحصل في أنه بتاريخ 10 / 6 / 2021 تقدم النائب العام الاتحادي إلى هذه الهيئة بطلب النظر في توحيد مبدأين قضائيين أحدهما صادر عن المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 3 / 5 / 2021 في الطعن رقم 371 لسنة 2021 جزائي، والآخر صادر عن محكمة تمييز دبي بتاريخ 5 / 1 / 2015 في الطعن رقم 895 / 2014؛ تأسيسا على وجود تعارض بينهما. وأوضح في معرض بيانه لوقائع الحكمين الصادرين في الطعنين المذكورين أنه بموجب الدعوى الجزائية رقم... لسنة... - جزاء... - أسندت النيابة العامة إلى المتهم قيامه بتاريخ../../... باختلاس مبالغ مملوكة لوالدة المجني عليه 4 والمسلمة إليه على سبيل الوكالة إضرارا بأصحاب الحق عليها وطلبت معاقبته بالمادة 401 / 1 من قانون العقوبات الاتحادي. وبجلسة 27 /.../... قضت محكمة أول درجة حضوريا : أولا بعدم جواز نظر الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وبغير الطريق الذي رسمه القانون بالشق الجزائي. ثانيا إحالة الدعوى المدنية للقضاء المدني. ونظرا لفوات ميعاد الطعن على هذا الحكم من قبل النيابة العامة، وعملا بأحكام المادة 256 من قانون الإجراءات الجزائية، طعن عليه النائب العام لصالح القانون بالطعن بالنقض رقم 371 لسنة 2021 جزائي اتحادية عليا مستندا في ذلك إلى أن الحكم المطعون فيه قضى بعدم جواز نظر الدعوى الجزائية لتحريكها بموجب توكيل عام عن المجني عليه وليس توكيلا خاصا، رغم أن قانون الإجراءات الجزائية لم يتطلب أن يكون الوكيل مزودا بوكالة خاصة لتقديم الشكوى. وبجلسة 3 / 5 / 2021 قضت المحكمة الاتحادية العليا برفض الطعن تأسيسا على أن المقصود بعبارة من يقوم قانونا مقام المجني عليه في مفهوم المادة (10) من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية، الوكالة الخاصة في التعبير عن إرادة المجني عليه في جرائم محددة، وبها يتحقق مراد الشارع في تحريك الدعوى الجزائية، وليس الوكالة العامة. في حين صدر عن محكمة تمييز دبي بتاريخ 5 / 1 / 2015 في الطعن رقم 895 لسنة 2014 - في قضية تتعلق باستغلال المتهم - خدمات الاتصالات في الإساءة وإيذاء مشاعر مطلقته (إرسال رسالة نصية هاتفية تخدش شرفها وعبارات سب وقذف بحقها) - حكم أوردت فيه أن نص المادة (10) من قانون الإجراءات الجزائية لا يتطلب أن يكون الوكيل مزودا بوكالة خاصة لتقديم الشكوى أو للتنازل عنها. وخلص النائب العام الاتحادي في ضوء ما ذكر إلى وجود تعارض بين المبدأين المذكورين وطلب تبعا لذلك من الهيئة النظر في توحيدهما.

---------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص والمداولة.
أولا في الشكل والاختصاص:
حيث إن المقرر بنص المادة (15) من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 2019 بشأن تنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية أن هيئة توحيد المبادئ تختص بتوحيد المبادئ القضائية المتعارضة الصادرة عن محكمتين أو أكثر من المحاكم العليا في الدولة، كما تختص بالنظر في طلبات العدول عن مبدأ سبق لها أن قررته (أي الهيئة) وفقا للإجراءات المحددة في المادة 16 من هذا القانون. والمقرر بنص هذه المادة (أي المادة 16) أن طلبات توحيد المبادئ القضائية تقدم إلى الهيئة بتقرير مسبب من أي من رؤساء المحاكم العليا في الدولة، أو النائب العام الاتحادي أو النواب العامين المحليين بصورة تلقائية أو بناء على طلب مقدم إليهم من الجهات الحكومية الاتحادية أو المحلية ... ولما كان الطلب الماثل مقدما ممن له صلاحية تقديمه (النائب العام الاتحادي)، وجاء بتقرير مسبب لذلك فهو مقبول شكلا. كما أنه لما كان المستفاد من الحكمين الصادرين عن المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة تمييز دبي اختلافهما في تفسير نص المادة 10 من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية، مما ترتب عنه صدور مبدأين قضائيين متعارضين، حيث خلصت المحكمة الأولى إلى أن الشكوى المقدمة من قبل الوكيل في جرائم الشكوى لا تكون مقبولة إلا إذا كان لديه توكيل خاص بذلك، في حين أن المحكمة الثانية وإن كانت قد استندت في حيثيات حكمها إلى أن إرادة المجني عليها كانت قاطعة في تقديم الشكوى بناء على ما هو مستمد من شهادتها بتحقيقات النيابة العامة وكذا ما أدلت به الشاكية من أقوال أمام مأمور الضبط القضائي، إلا أنها أضافت في تعليلها على سبيل الاستطراد أن التوكيل العام يعتبر كافيا في جرائم الشكوى، ولا شك أن ما أوردته بهذا الشأن - بصرف النظر عن تأثيره في نتيجة الحكم من عدمه - يناقض المبدأ الذي قررته المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم 371 لسنة 2021 المشار إليه، وهو ما يجعل المبدأين المقررين في الحكمين المذكورين متعارضين، وبالتالي يكون اختصاص هذه الهيئة منعقدا للفصل في طلب التوحيد المقدم بشأنهما.
ثانيا في موضوع طلب التوحيد:
حيث يجب التنويه بداية بأن مدار الخلاف بين المبدأين القضائيين موضوع طلب التوحيد، مبعثه الاختلاف في تفسير عبارة: (أو ممن يقوم مقامه قانونا) الواردة بنص المادة 10 من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية والتي جاء فيها (لا يجوز أن ترفع الدعوى الجزائية في الجرائم التالية إلا بناء على شكوى خطية أو شفوية من المجني عليه أو ممن يقوم مقامه قانونا: 1- السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة وإخفاء الأشياء المتحصلة منها إذا كان المجني عليه زوجا للجاني أو كان أحد أصوله أو فروعه ولم تكن هذه الأشياء محجوزا عليها قضائيا أو إداريا أو مثقلة بحق لشخص آخر. 2- عدم تسليم الصغير إلى من له الحق في طلبه - ونزعه من سلطة من يتولاه. 3- الامتناع عن أداء النفقة أو أجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن المحكوم بها. 4- سب الأشخاص وقذفهم. 5- الجرائم الأخرى التي ينص عليها القانون. ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)، حيث إن المحكمتين المذكورتين اختلفتا في تحديد نطاق التوكيل الذي يقبل في تحريك الدعوى العمومية فيما يخص جرائم الشكوى والأثر المترتب على ذلك، بين اتجاه يقف عند حدود عموم النص ويعتبر التوكيل العام من قبل المجني عليه كافيا لقبول تحريك الدعوى العمومية في هذه الحالة، واتجاه نقيض يشترط لقبول تحريكها أن يكون التوكيل خاصا، مستندا في ذلك إلى خلفية نص المادة العاشرة المذكورة وفلسفته.
وحيث إنه لتحديد التفسير الأقرب لروح نص المادة 10 المذكورة وفلسفتها، يجب التأكيد بداية أن المشرع عندما يستلزم ضرورة التقدم بشكوى من المجني عليه فإن النيابة العامة - استثناء من الأصل - لا تكون لها حرية اتخاذ ما تشاء من إجراءات تتعلق بالجريمة موضوع الشكوى إلا بعد التقدم بها. ولا شك أن تعليق المشرع رفع الدعوى الجزائية على شكوى من المجني عليه في الجرائم المحددة بموجب هذه المادة يقوم على مبررات تستهدف حماية مصلحة هذا الأخير باعتباره الأقدر من النيابة العامة على تحديد مدى ملاءمة اتخاذ الإجراءات الجزائية من عدمه، وتحديد مدى تحقق مصلحته في تحريك الدعوى بشأنها أو إبقائها خارج أسوار المحاكم اتقاء لما قد يتردد في جلساتها من كلام قد يزيد من تعميق جراحاته وآلامه أو يسهم في تشتيت أوصال الأسرة وروابطها. ولا شك أن تقييد المشرع رفع الدعوى العمومية في هذا النوع من الجرائم بإرادة المجني عليه - بناء على تقدير هذا الأخير لمعطيات الجريمة وأثر تداولها في ردهات المحاكم على حياته الخاصة أو حياة الأسرة - يستلزم تعبيره بشكل واضح وصريح عن مدى رغبته في تحريكها من عدمه، وهذا الوضوح لا يكشف عنه بداهة إلا التوكيل الخاص. وحاصل ذلك أن المادة العاشرة المذكورة وإن جاءت خالية من النص صراحة على اشتراط التوكيل الخاص فيمن يقوم مقام المجني عليه في تقديم الشكوى (الوكيل الاتفاقي)، إلا أن اشتراط ذلك مما يستفاد بداهة من روح هذه المادة وفلسفتها، على اعتبار أن إرادة المجني عليه ورغبته في رفع الدعوى العمومية لا تكون جلية وواضحة إلا بتخصيص التوكيل الصادر عنه لفائدة وكيله، أما التوكيل العام فإنه لا يعكس هذه الإرادة بشكل قاطع، ولا يعتبر حاسما في اتجاه إرادة المجني عليه على وجه اليقين إلى الرغبة في رفع الدعوى بل يكون مفتوحا على كل الاحتمالات وهو ما يجعله توكيلا غير منتج في البناء عليه لتحريك الدعوى العمومية على أساسه. وعلاوة على ذلك فإن المقرر بنص المادة 347 من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية أن المشرع أجاز للمجني عليه أو وكيله الخاص أو لورثته أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة أو المحكمة بحسب الأحوال وذلك في الجنح والمخالفات المنصوص عليها في هذه المادة. ومؤدى ذلك أن المشرع إذا كان قد تشدد في التنازل عن الشكوى فاشترط أن تكون بوكالة خاصة، فإن مقتضى ذلك ولزومه أن يكون تقديم الشكوى نيابة عن المجني عليه - في جرائم الشكوى - بوكالة خاصة. وإذا كان لا يتصور أن يكون التنازل عن الشكوى سابقا على وقوع الجريمة، فإن مقتضى العقل والمنطق أن تكون الوكالة لاحقة على الجريمة وليست سابقة عليها، وهذا ما يستقيم مع القول بضرورة أن تكون الشكوى بوكالة خاصة، وهو ما نصت عليه صراحة بعض التشريعات المقارنة.
وحيث إنه بالبناء على ما ذكر، وتوحيدا للمبدأين القضائيين المتعارضين الصادرين عن المحكمتين المذكورتين، فإن الهيئة تنتهي إلى إقرار المبدأ القانوني الذي خلص إليه الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 3 / 5 / 2021 في الطعن رقم 371 لسنة 2021 جزائي، مع التنويه إلى ضرورة التمييز بين التقدم الإجرائي بالشكوى والتقدم المادي بها، ذلك أنه بالنسبة للحالة الأولى يجب أن تكون الشكوى قد حررت ووقعت من شخص المجني عليه أو من شخص الوكيل الخاص المسموح له بالتقدم بالشكوى نيابة عنه بموجب وكالة خاصة. أما فيما يخص الحالة الثانية (التقدم المادي بالشكوى) فيمكن أن يباشره أي شخص طالما أن الشكوى قد حررت ووقعت من صاحب المصلحة.

فلهذه الأسباب

قررت الهيئة الاعتداد بالمبدأ القانوني الذي قررته المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم 371 لسنة 2021 جزائي الصادر بتاريخ 3 / 5 / 2021، والذي مفاده أن الشكوى المقدمة من قبل الوكيل في جرائم الشكوى المنصوص عليها في المادة (10) من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية لا تكون مقبولة إلا إذا منحه المجني عليه توكيلاً خاصا بذلك.