جلسة 2 من يوليه سنة 1953
المؤلفة من السيد رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسا, والسادة المستشارين: إسماعيل مجدي, ومصطفى حسن, وحسن داود, ومحمود إبراهيم إسماعيل أعضاء.
-------------------
(370)
القضية رقم 884 سنة 22 القضائية
(أ) حكم. تسبيبه.
شاهد النفي. الإشارة صراحة في الحكم إلى عدم الأخذ بما قرره. لا يلزم.
(ب) إثبات.
عدم توصل المحكمة إلى معرفة اليوم أو الشهر الذي حصل فيه التزوير. لا يعيب الحكم.
(ج) إثبات.
شاهد حكم بإدانته كشاهد زور. الأخذ بأقواله في التحقيق على المتهم لا مانع.
(د) إجراءات.
شاهد. هو كل من عدا المتهم المرفوعة عليه الدعوى. تحليفه اليمين. واجب. لا يغير من ذلك أن يكون قد سبق اتهامه أو أنه يحتمل أن تقام عليه الدعوى عن وقائع متصلة بالوقائع التي يشهد عليها أو كونه أبدى أقواله أمام سلطة التحقيق بغير يمين.
(هـ) إجراءات. محاكمة.
تلاوة أقوال المتهمين والشهود في التحقيقات الابتدائية. جاز للمحكمة. للخصوم أيضا أن يطلبوا هذه التلاوة. عدم طلب المتهم شيئا من ذلك. لا يصح له النعي على الحكم بسبب ذلك.
(و) إثبات. شهادة.
الأصل في أدائها أمام القضاء أنه واجب. الطوائف التي حرمت المادة 310 من قانون العقوبات عليها إفشاء الأسرار. كاتب في شركة لا يعتبر منها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - محمد محمد بكتاش و2 - المحمدي إسماعيل الشريف و3 - كوستا فيليب فرانجودس - المتهمين الأول والثاني بأنهما المتهم الأول: بوصفه موظفا عموميا "مأمور ضرائب العطارين" قبل من كوستا فرانجودس مبلغ 500 جنيه على سبيل الرشوة للامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته هو تسوية ضريبة الربح المستحقة عن سنة 1942 على الشركة التي يديرها الراشي على أساس أرباحها الحقيقية وذلك بالتغاضي عن عيوب حسابات تلك الشركة التي تضمنت إخفاء متعمدا لجانب من أرباحها مع علمه بها وتسوية الضريبة على أرباح أقل من الأرباح الحقيقية, 2 - المتهم الثاني بوصفه موظفا عموميا (مأمور ضرائب اللبان) قبل من كوستا فرانجودس مبلغ 3500 جنيه على سبيل الرشوة ليمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته هو تسوية ضريبة الربح المستحقة عن سنة 1943 عن تلك الشركة التي يديرها الراشي على أساس أرباحها الحقيقية وذلك بإقرار حساب خاطئ مقدم من تلك الشركة يتضمن إخفاء متعمدا لجانب من أرباحها وتغاضيه عن إخفاء هذا الحساب مع علمه بها وتسوية الضريبة على هذا الأساس غير الصحيح. 3 - المتهم الأول أيضا اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الثاني في جريمته السالفة الذكر وذلك بأن اتفق معه على الارتشاء على النحو السابق وساعده بالتمهيد لذلك لدى الراشي بأن أفهمه عيوب حساباته ووعده بالمعاونة لدى المتهم الثاني في إخفائها لقاء مبلغ 300 جنيه قبضها من الراشي فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة - 4 - المتهم الأول أيضا بصفته موظفا عموميا ارتكب تزويرا في محرر رسمي حال تحريره المختص بوظيفته هو إشارته المثبتة على الطلب المقدم من شركة أولاد فرنجودس المتضمن اختيار هذه الشركة أرباح سنة 1939 أساس المقارنة عند احتساب الضريبة على الأرباح الاستثنائية وكان ذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن جعل تاريخ تلك الإشارة 31 من يناير سنة 1942 ليوهم بأن طلب الشركة ورد في التاريخ المذكور والحال أنه لم يقدم لمأمورية الضرائب إلا خلال سنة 1943 وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 103 و104 و108 و40/ 2 - 3 و41 و213 من قانون العقوبات, فقرر بذلك, والمتهم الثالث بأنه شهد زورا لمتهمين في جناية وذلك بأن أدلى بأقوال غير صحيحة وهو يعلم بكذبها أثناء شهادته أمام محكمة الجنايات حين نظرها قضية الجناية بأن أنكر إعطاءه رشوة للمتهمين في هذه الجناية وهما محمود محمد بكتاش ومحمدي إسماعيل الشريف رغم سابقة اعترافه بذلك وتفصيله هذا الاعتراف في محضر تحقيق النيابة وتأييد هذا الاعتراف بأدلة أخرى, وطلبت عقابه بالمادة 294 من قانون العقوبات.
ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات الإسكندرية دفع المتهمون ببطلان إجراءات تفتيش منزل كوستا فرانجودس ومكتبه وبطلان جميع ما ترتب على هذا التفتيش من ضبط دفاتر وأوراق ومن اعترافات وأقوال أخرى وردت على لسان المسئولين في ذلك التحقيق, وأقاموا دفعهم على أن كوستا من رعايا الدول الأجنبية التي كانت تخضع لقضاء المحاكم المختلطة في ذلك الحين, فيكون أمر رئيس النيابة الوطنية الصادر بتفتيش منزله ومكتبه قد صدر باطلا, لأنه صدر ممن ليست له ولاية إصداره.
والمحكمة المذكورة, سمعت هذه الدعوى, وقضت فيها حضوريا بتاريخ 8 من مايو سنة 1952 عملا بالمواد 103 و108 و213 و32 من قانون العقوبات, أولا: برفض الدفع ببطلان التفتيش وصحته, ثانيا: بعاقبة المتهم الأول محمود محمد بكتاش بالسجن لمدة أربع سنوات عن التهمتين الأولى والرابعة مع تغريمه 500 جنيه وبراءته من التهمة الثالثة, ثالثا: بمعاقبة المتهم الثاني المحمدي إسماعيل الشريف بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع تغريمه مبلع 3500 جنيه وذلك على اعتبار أن المتهمين, أولا: المتهم الأول محمود محمد بكتاش بوصفه موظفا عموميا (مأمور ضرائب اللبان) قبل من كوستا فرانجودس مبلغ 500 جنيه على سبيل الرشوة للامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته هو تسوية ضريبة الربح المستحقة عن سنة 1942 على الشركة التي يديرها الراشي على أساس أرباحها الحقيقة وذلك بالتغاضي عن عيوب حسابات تلك الشركة التي تضمنت إخفاء متعمدا لجانب من أرباحها مع علمه بها وتسوية الضريبة على ارباح أقل من الأرباح الحقيقية الأمر الذي يتعين من أجله معاقبته طبقا للمادتين 103 و108 من قانون العقوبات وثانيا - المتهم الثاني محمدي إسماعيل الشريف بوصفه موظفا عموميا "مأمور ضرائب اللبان" قبل من كوستا فرانجودس مبلغ 3500 جنيه على سبيل الرشوة ليمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته وهو تسوية ضريبة الربح المستحق عن سنة 1943 على تلك الشركة التي يديرها الراشي على أساس أرباحها الحقيقية, وذلك بإقرار حساب خاطئ مقدم من تلك الشركة يتضمن إخفاء متعمدا لجانب من أرباحها وتغاضيه عن أخطاء هذا الحساب مع علمه بها وتسوية الضريبة على هذا الأساس غير الصحيح, ثالثا: المتهم الأول أيضا, بوصفه موظفا عموميا ارتكب تزويرا في محرر رسمي حال تحريره المختص بوظيفته هو إشارته المثبتة على الطلب المقدم من شركة أولاد فرانجودس المتضمن اختيار هذه الشركة أرباح سنة 1939 أساسا للمقارنة عند احتساب الضريبة على الأرباح الاستثنائية وكان ذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن جعل تاريخ تلك الإشارة 31 من يناير سنة 1942 ليوهم بأن طلب الشركة ورد في التاريخ المذكور والحال أنه لم يقدم لمأمورية الضرائب إلا بعد مايو سنة 1942, رابعا - بمعاقبة كوستا فرانجودس بالحبس مع الشغل لمدة سنة مع وقف تنفيذ العقوبة لمدة خمس سنوات تبدأ من اليوم, وذلك عملا بالمواد 294 و55 و56 من قانون العقوبات.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض الأول في 10 و13 مايو سنة 1952 والثاني في 10 و15 من نفس الشهر والثالث في 11 من الشهر المذكور, وقدّم الأستاذ عبد الحميد السنوسي المحامي عن الطاعنين الأول والثاني تقريرين بالأسباب مؤرخين في 24 من مايو سنة 1952 كما قدّم الأستاذ سيد مصطفى المحامي عن الثالث تقريرا بالأسباب في 25 من الشهر المذكور, ثم قدّم الأستاذ أحمد رشدي المحامي عن الطاعن الأول أيضا تقريرا بالأسباب في 26 من مايو سنة 1952... الخ.
المحكمة
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول بتقريري الأسباب المؤرخين في 24 و26 من مايو سنة 1952 يتحصل فيما يأتي: أولا - أن المحكمة المطعون في حكمها قد خالفت القانون حين قضت برفض الدفع المقدم منه ببطلان إجراءات التفتيش والتحقيق, ذلك أن الاتفاق الخاص بإلغاء الامتيازات الأجنبية ينص في مادته الثالثة على أنه ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1937 يكون تنظيم المحاكم المختلطة بمقتضى قانون مصري يصدر بلائحة التنظيم القضائي الملحق نصها بهذا الاتفاق, وقد صدرت هذه اللائحة ونص في المادة 26 منها على أن المحاكم المختلطة تختص بالنظر في كل المنازعات المدنية والتجارية سواء بين الأجانب أو بين الأجانب والأشخاص الخاضعين لقضاء المحاكم الوطنية, على أن المحاكم الوطنية تكون مختصة بالنظر في هذه المسائل بالنسبة لكل أجنبي يقبل الخضوع لقضائها وعندما انتقلت اللائحة إلى التحدث عن الاختصاص الجنائي لم تورد نصا مماثلا لنص المادة 26 المذكورة, وإنما ورد بها في المادتين 44 و47 ما يوجب محاكمة الأجانب أمام المحاكم المختلطة عن الأفعال التي يعاقب عليها القانون, فاختصاصها بتحقيق هذه الأفعال, ونظرها يكون من النظام العام, وعند ما قدم عبد الرحمن الجاويش بلاغه في 20 من فبراير سنة 1945 إلى مدير الضرائب بالإسكندرية متهما الطاعنين الأول والثاني بالارتشاء من شركة أولاد فيليب فرانجودس, قدم مدير الضرائب في نفس التاريخ بلاغا آخر إلى رئيس النيابة اتهم فيه مدير الشركة المذكورة بأنه قدم بيانات غير صحيحة عن أرباحها وأنها تخفي الأوراق والدفاتر التي تثبت حقيقة أرباحها وتحاول إعدامها, فأشر رئيس النيابة على هذا البلاغ بندب مدير النيابة العسكرية لتحقيق واقعتي الإقرارات الكاذبة والرشوة, ثم تولى التحقيق بنفسه وأثبت في صدر محضره ندب مدير النيابة العسكرية للقيام مع بعض أعضائها وأعضاء النيابة الكلية لإجراء التفتيش وضبط ما يوجد من أوراق ودفاتر وسائر ما يتعلق بالجريمتين المبلغ عنهما وإحداهما هي جريمة الرشوة وهي لا تخضع للمحاكم العسكرية, أما الجريمة الأخرى فلم يكن بلاغها جدّيا وليس هناك قرينه أو شبهة على إخفاء الأوراق أو إعدامها أو محاولة ذلك, ولكن الحكم ذكر أن هذا البلاغ وهو المتعلق بالجريمة العسكرية المسندة إلى كوستا فرانجودس هو بلاغ جدي كبلاغ الرشوة, دون أن يدلل على هذه الجدية التي رآها, بل قال إن النيابة العسكرية لها بمقتضى الأحكام العرفية سلطة إجراء التحقيق مع الأجانب في جرائم معينة ومنها الجريمة التي نسبت إلى كوستا مدير الشركة دون جريمة الرشوة, مع أن الأمر صدر عن الجريمتين معا, كما قال الحكم إن كوستا حضر إلى مدير الضرائب طائعا ليدلي باعترافاته مع أنه استدعى للحضور, ثم أخذ إلى رئيس النيابة فاستجوبه, وقال الحكم أيضا إن كوستا لم يطلب للتحقيق معه لا بوصف أنه متهم ولا بوصف أنه شاهد وظنت المحكمة أن الولاية لا تنعدم إلا إذا كان التحقيق يجري مع كوستا كمتهم أو كشاهد, ولكنها توجد حين يسأل الأجنبي بوصف آخر لم يقله الحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد رد على ما يثيره الطاعن في هذا الوجه بأن الإجراءات التي اتخذت قبل الطاعن الثالث المقول بأنه أجنبي ممن كانت لهم امتيازات قضائية, كانت مبنية على بلاغ جدي عن جريمة عسكرية مما يسوّغ للنيابة اتخاذ تلك الإجراءات ولو كانت ضد الأجانب من ذوي الامتيازات السالف ذكرهم - لما كان ذلك, وكان الطاعن لا صفة له في التحدث عن متهم آخر بمقوله بطلان الإجراءات المتخذة ضده, فإن هذا الوجه لا يكون مقبولا منه, إذ لا صفة له في التحدث عن متهم أجنبي ولا بالتمسك بالدفوع الخاصة به.
ثانيا - يقول الطاعن إن الحكم قد شابه قصور الاستدلال حين ذهب إلى أن أحمد عوض الله رئيس لجنة الفحص شهد بمجمل ما قامت به اللجنة من أعمال, وقرر أمام المحكمة أن تلك اللجنة كشفت تلاعب مدير الشركة في حساباتها, وأنه قدم إقرارات غير صحيحة عن سنتي 1942 و1943 كما كشفت عن معاونة الطاعنين الأول والثاني لمدير الشركة في تقديم هذه الإقرارات, وقد سلمت المحكمة بحصول هذا التلاعب دون أن تبحث ما قدمه الدفاع من أسانيد يدحض بها ما أسست عليه اللجنة تقديرها, دون أن تمحص من جانبها الرأي العلمي الصحيح في هذا النزاع خصوصا أن رئيس اللجنة المشار إليها قد أدلى أمام المحكمة بأقوال تنقض ما جاء بتقريرها, ثم إن ما قالته المحكمة عن معاونة الطاعنين للشركة في إخفاء أرباحها الحقيقية يتنافى مع الواقع, ذلك أن هذه الإقرارات تقدم بمقتضى قانون الأرباح التجارية قبل أول مارس من كل سنة, والثابت أن اتصال الطاعنين بالشركة لفحص حساباتها عن سنتي 1942 و1943 كان في أبريل سنة 1943 وأبريل سنة 1944 ولو أنهما ساهما بمعاونة للشركة في تقديم الإقرارات غير الصحيحة لأسندت النيابة إليهما تهمة الاشتراك في هذه الجريمة طبقا للمادة 85 من القانون سالف الذكر, وقد اعتمدت المحكمة على التقارير المقدمة من اللجنة دون أن تشير إلى موضع الاستدلال منها, وفضلا عن ذلك, فإنه كان يجب تحليف أعضاء هذه اللجنة اليمين قبل مباشرة مأموريتهم بصفتهم خبراء. ولما كانت النيابة قد استوفت هذا الإجراء في 10 من مارس سنة 1945 فإن التقرير المقدم قبل ذلك وبتاريخ 4 مارس سنة 1945 يكون باطلا لا يصح الاعتماد عليه, وقد جاء هذا التقرير, كما جاء بشهادة الأستاذ محمد فهمي مرسي مركبا من أعمال الأعضاء الذين انفرد كل منهم بعمل خاص لم يشترك فيه زملاءه ولم تكن هذه التقارير المتعددة محل مداولة من الأعضاء مجتمعين, ولا ثمرة عمل مشترك أنجزوه معا, وقد طلب الدفاع استبعاد هذه التقارير, فلم تعن المحكمة بالرد على طلبه, وكذلك لم تتناول في حكمها ما قرره هذا الشاهد بجلسة 2 أبريل عن الأرقام المختلف عليها بين المتهمين وبين رئيس اللجنة رغم أن هذا الاختلاف قاطع الدلالة على أن الطاعن لما قدّر أرباح الشركة سنة 1942 قدّرها على صحة, وبذلك ينعدم الركن الأساسي في جريمة الرشوة وهي مقابل العطاء, وقد تغاضى الحكم عن هذا العنصر الهام فأهمل دفاعا جوهريا يترتب عليه بطلانه.
وحيث إن اللجنة التي يثير الطاعن بطلان أعمالها بسبب عدم حلف أعضائها اليمين, إنما كانت حسبما يتضح من وجه الطعن ذاته لجنة إدارية شكلها مدير مصلحة الضرائب بناء على طلب النيابة, فلا يعتبر أعضاؤها خبراء معينين من جانب سلطة التحقيق, ولما كان الطاعن يسلم بأن النيابة عندما ندبتهم لأداء المأمورية التي كلفتهم بها, قد حلفتهم اليمين, فلا محل لما يقوله من بطلان أعمالهم السابقة على تحليفهم اليمين, ذلك بأن أعمالهم المشار إليها هي على أية حال تقريرات من موظفين بمصلحة الضرائب, لا ينازع الطاعن في صدورها منهم سواء أكانوا متفقين على ما جاء بها, أم أن لكل منهم رأيا خاصا, فلا تثريب على المحكمة إذا أخذت بما تطمئن إليه منها باعتبارها جميعا من عناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث في الجلسة, هذا إلى أن المحكمة قد سمعت أقوال رئيس لحنة الفحص بوصف كونه شاهدا وناقشته مناقشة مستفيضة فيما احتواه التقرير الذي قدمته اللجنة للنيابة, كما أبدى الطاعن في كل ذلك دفاعه, فلا يجوز له من بعد أن يجادل أمام محكمة النقض فيما اطمأنت إليه محكمة الموضوع وأخذت به من تلك العناصر - لما كان ذلك, وكان يبين من مراجعة محضر جلسة 2 أبريل سنة 1952 أن الشاهد محمد فهمي مرسي مثل أمام المحكمة باعتباره شاهد نفي, وكان الحكم قد اعتمد على ما أبداه رئيس اللجنة أحمد عوض أمامها, وأورد ما يعززه من أدلة أخرى مقبولة استخلصت المحكمة منها وقوع جريمة الرشوة من الطاعن ودانته بها, وكانت المحكمة غير ملزمة بأن تشير صراحة في حكمها إلى عدم أخذها بما قرره شاهد النفي مادام قضاؤها بالإدانة يفيد ضمنا أنها لم تطمئن إلى أقوال الشاهد فاطرحتها - لما كان ذلك جميعه, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من طعنه لا يكون سديدا.
ثالثا - ويقول الطاعن إن المحكمة ذهبت إلى إثبات الركن المادي في جريمة الرشوة بامتناع الطاعن وزميله عن أداء عمل من أعمال وظيفتهما وهو تسوية الأرباح المستحقة عن سنتي 1942 و1943 على الشركة, وذلك بالتغاضي عن عيوب الحسابات التي تضمنت إخفاء متعمدا لجانب من أرباحها, ولم تدلل المحكمة على ما ذهبت إليه من ذلك إلا بإيراد الأمثلة عن مبالغ ثلاثة استفتها من تقرير لجنة الفحص, ولم تعن بمراجعة أسانيد الدفاع ولا ما شهد به رئيس اللجنة أمام المحكمة مما يدحض أكثر ما جاء في هذا التقرير, وكان على المحكمة أن تحقق كل الخلافات الحسابية التي أثارها الدفاع, وأن ترجح بين أدلة الطرفين المتنازعين خصوصا وأن الطاعن بعد تقديم الميزانية الأولى ما زال يعترض على تقدير الأرباح حتى بلغ بها في تقدير سنة 1942 مبلغ 18361 جنيها, وهذا التقدير ملزم لمصلحة الضرائب بمجرد إخطار الممول به, فإذا لوحظ ذلك, ولوحظ معه أن الطاعن قدر أرباح الشركة عن سنتي 1940 و1941 بزيادة قدرها 881 جنيها رأت اللجنة تخفيضها, فإنه لا يكون صحيحا ما قالته المحكمة من أن الطاعن أفهم مدير الشركة عن وجود مبالغ أخرى يمكن زيادتها على الأرباح التي ظهرت, مما لا يتصور معه حصول الاتفاق على الرشوة, أو طلبها, ويقول الطاعن أيضا إن المحكمة لم تتناول ما اختلفت فيه أقوال الشهود عن مبلغ الرشوة التي قيل إن الطاعن تقاضاها ولا عن تاريخ قبضها, وإنها عندما تحدثت عن الباعث على الرشوة قالت إنه هو إخفاء الميزانية الأولى التي لا تتفق مع القيود المدونة بالدفاتر فقد سحبها الطاعن من الملف حتى لا تنكشف أرباح الشركة الحقيقية التي قدرت عن سنة 1942 بمبلغ 30086 جنيها بدلا من 18361 جنيها في حين أن الدفاع كان قد قدم للمحكمة كشفا موقعا عليه من الشركاء عن الأرباح المتجمدة التي وزعت عليهم والتي قدرت بمبلغ 24000 جنيه في المدة من سنة 1938 إلى 1942 وهو ما يقطع بعدم صحة تقدير اللجنة, ولم يتحدث الحكم عن هذا الدفاع الجوهري.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة من شهادة الشهود الذين سمعتهم, ومن تقارير لجنة الفحص ومن الوثائق والأوراق الأخرى التي اطلعت عليها, قال عن تهمة الرشوة التي دين بها الطاعن: "وحيث إنه على ضوء الأدلة التي عرضتها المحكمة فيما سلف, تكون التهمة الأولى ثابتة قبل المتهم الأول (الطاعن) من أقوال كوستا فرانجودس نفسه, وهو الراشي الذي سلم محمود أفندي بكتاش بصفته مأمورا لضرائب اللبان مبلغ 500 جنيه في مقابل أن يسهل لشركته الهروب بأرباحها الحقيقية من الضرائب المستحقة عليها, وليس يقلل من قيمة هذه الشهادة أن أحدا من الشهود الآخرين لم يذكر أنه حضر دفع هذا المبلغ إلى المتهم الأول, فإن جريمة الرشوة من الجرائم السرية التي تنعقد في الخفاء بين الراشي والمرتشي وأنه ما لم يتقدم الراشي لكشفها بما يدلي به من اعترافات, فإنها غالبا ما تستعصي على التحقيق وكثيرا ما تفلت بغير عقاب, هذا وقد تأيدت اعترافات الراشي في هذا الصدد بما شهد به أخواه أليكوونيقولا, وبما رواه عنه أيضا عبد الرحمن جاويش, فقد شهدوا جميعا بأن كوستا فرانجودس أفضى إليهم بدفعه هذه الرشوة إلى المتهم الأول, وكان مما زاد في تأييد صحة هذه الاعترافات ما صدر عن المتهم الأول من تصرفات تكشف عن أنه إنما كان يعمل لصالح شركة فرانجودس تحت تأثير هذه الرشوة, وبحسب المحكمة أن تشير في هذا المقام إلى قيامه بتسوية الضريبة المستحقة على الشركة عن سنة 1942 على أساس أرباح تقل نحو عشرة آلاف جنيه عن أرباحها الحقيقية, وأنه في سبيل مساعدة الشركة على رقم المقارنة الأصلح لها, لم يتعفف عن ارتكاب جريمة أخرى لا تقل خطورة عن جريمة الرشوة, وهى جريمة التزوير في الأوراق الرسمية" - لما كان ذلك, وكان الواضح من الحكم أنه أخذ في تحديد قيمة الرشوة بما جاء في اعتراف الراشي وما شهد به الشهود الذين علموا بها, وكانت المحكمة قد بنت قضاءها في صدد تاريخ هذه الجريمة على ما ثبت لديها من شهادة الشهود وقرائن الدعوى وظروفها, وكان ذلك من الأمور الداخلة في اختصاصها وأوردت أدلة مقبولة على ثبوت وقوع جريمتي الرشوة والتزوير من الطاعن - فإنها لا تكون ملزمة بعد ذلك أن تساير الدفاع في كل شبهة يقيمها أو استنتاج يستنتجه - لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشق من طعنه لا يقبل منه.
رابعا - يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه أخل بحقه في الدفاع وجاء قاصرا في أسبابه, فلم يتقص حقيقة الخلاف العلمي والقانوني بين لجنة الفحص وبين الدفاع بصدد رقم المقارنة الذي يحق للشركة اختياره أساسا لتسوية أرباحها الاستثنائية, واعتمدت المحكمة على ما جاء بتقرير اللجنة, وبنت عليه اقتناعها بثبوت جريمتي الرشوة وتزوير الخطاب المؤرخ في 21 من يناير سنة 1942 في حق الطاعن, ولم تعن المحكمة بالرد على ما أبداه الدفاع من أسانيد قانونية تجعل للشركة حق اختيار أرباح سنة 1939 أساسا لربط ضريبة أرباحها الاستثنائية, وذلك طبقا للقانون رقم 60 لسنة 1941, والخطاب الدوري والفتاوى المفسرة له والقانون رقم 87 لسنة 1943 وأغفلت ما شهد به رئيس لحنة الفحص أمامها, مما يؤيد ما ذهب إليه الدفاع, كما أخطأت في حساب الفرق بين الأساسين عن السنوات الثلاث 1940 - 1942 ولم ترد على اعتراض الدفاع بشأن إجراء تفتيش منزل الطاعن وضبط الكشف الخاص باختيار الممولين لأرقام المقارنة, فقد قال الدفاع إن هذا التفتيش تم في غياب الطاعن وبعد تفتيشين سابقين, وأضاف الطاعن أن الحكم لم يحدد تاريخ ارتكاب التزوير, وقد كان هذا التحديد محل خلاف بين اللجنة التي قالت إن تزوير الخطاب حصل في سبتمبر سنة 1943, وقال رئيس اللجنة في تحقيق النيابة إنه كان في يوليه سنة 1943 في حين أن الثابت في ملف الممول أنه سدد ضريبة الأرباح الاستثنائية عن سنتي 1941 و1942 في فبراير سنة 1943 على أساس اختيار أرباح سنة 1939 فلم تكن هناك حاجة لتزوير الخطاب بعد هذا التاريخ, خصوصا أن القانون رقم 87 لسنة 1943 أباح الاختيار للممولين وقت صدوره في أغسطس سنة 1943 ونص على سريانه على الماضي, ولا معنى لتزوير الخطاب بعد وجود هذا الحق في أغسطس سنة 1943, وكذلك ذكر الحكم بين أدلة التزوير أن الختم المبصوم به على الخطاب المزور يفيد أن ذلك الخطاب حرر بعد التاريخ المبين فيه ولم يصف الحكم الختم ولم يذكر كيف استنتج ما قاله عن وقت تحريره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة التزوير التي دان الطاعن بها بما تتوافر به أركانها, واستند في ذلك إلى الأدلة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ثبوت هذه الجريمة عليه, وكان مما قال: "إن الطاعن أشر على الخطاب المزور بخطه وبتوقيعه في أواخر سنة 1942 أو أوائل سنة 1943, وأن هذه التهمة ثبتت ثبوتا بأدلة مادية لا تقبل الجدل, منها أن النموذج الذي كتب عليه لم يكن قد خرج إلى حيز الوجود في ذلك التاريخ المزور, وأن الختم الذي عليه يفيد أنه إنما حرر بعد ذلك التاريخ, وأن دفتر الوارد الرسمي يكذبه إذ يثبت عكس مضمونه, وأن الكشف الذي ضبط بعد ذلك في منزل المتهم جاء مؤيدا لحصول هذا التزوير, وكانت أقوال كوستا فرانجودس وكوستاليناكس ومحمد أفندي الحيني حاسمة في إثبات صحة هذه الوقائع جميعها". وقال الحكم في موضع آخر إنه بعد الاتفاق على الرشوة" رأى بكتاش أفندي أن يقدم للممول المذكور خدمة أخرى لا يقتصر نفعها على سنة دون أخرى, ولكن أثرها النافع يبقى ساريا على مر السنين, ذلك أن القانون رقم 60 لسنة 1941 كان قد سمح للممولين باختيار الأساس الذي يرونه أصلح لهم في اختيار رقم المقارنة التي تحتسب على أساسه أرباحهم الاستثنائية, ولكن المدة التي خول فيها للممولين أن يتقدموا باختياراتهم حددت بحيث لا تتجاوز 15 من فبراير سنة 1942, فلما رأى بكتاش أفندي في أواخر سنة 1942 أن الشركة كانت قد أساءت الاختيار حين قررت في يناير سنة 1942 اتخاذ 12% من رأس المال أساسا لحسابها, وأنه كان قد فاتها في ذلك الوقت "أواخر سنة 1942" أن تعدل عن اختيارها إلى طلب اعتماد أرباح سنة 1939 كأساس لهذا الحساب نظرا لانقضاء الأجل الذي حدده القانون, تطوع من نفسه للعمل على إعداد خطاب جديد يشتمل على اختيار هذا الأساس الأخير الذي تبين له أنه أصلح للممول وعمد إلى الخطاب الأول الموجود في الملف فأخفاه وأودع مكانه هذا الخطاب المصطنع الجديد بعد أن أشر عليه بخطه بالعبارة الآتية "يرفق ويقيد بالكشف" ووقع عليه بإمضائه, ثم جعل تاريخ ذلك كله في 31 من يناير سنة 1942, مع أنه كان قد انقضى على ذلك التاريخ أكثر من ستة أشهر على أقل تقدير". ولما كان ما أثبته الحكم متفقا مع ما اشترطه القانون رقم 60 لسنة 1941 في المادة الثالثة من وجوب تبليغ الاختيار في المواعيد التي تحدد بقرار وزاري, وقد صدر القرار الوزاري رقم 22 في 28 من يناير سنة 1942 بمدّ ميعاد هذه الطلبات إلى 15 من فبراير سنة 1942, وكان القانون رقم 87 لسنة 1943 قد صدر في 6 من أغسطس سنة 1943 أي بعد التاريخ الذي قال الحكم إن التزوير قد ارتكب فيه, وهو الفترة الواقعة بين أواخر سنة 1942 وأوائل سنة 1943, وكان عدم توصل المحكمة إلى معرفة اليوم والشهر الذي حصل فيه التزوير على سبيل التحديد لا يعيب حكمها, إذ لا تأثير لهذا التحديد على ثبوت الواقعة ما دامت لم تمض عليها المدة المسقطة للدعوى - لما كان ذلك, وكان ما ذكره الحكم فيما يتعلق بكشف الاختيارات الذي ضبط بمنزل الطاعن ليس من شأنه أن يؤثر على الأدلة التي أوردها سواء منها الأدلة المادية, أو شهادة الشهود التي وصفتها بأنها حاسمة في إثبات صحة الواقعة - لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعن لا يكون سوى جدل في موضوع الدعوى ومناقشة في أدلتها لا يقبل منه أمام محكمة النقض, هذا إلى أنه لا مصلحة للطاعن مما يشكو منه فيما يتعلق بجريمة التزوير مادامت العقوبة التي وقعت عليه تدخل في نطاق عقوبة الرشوة التي أثبت الحكم وقوعها منه.
خامسا - يقول الطاعن أخيرا إن الحكم قد خالف القانون, إذ اعتمد على شهادة كوستا في التحقيق دون أن تأمر المحكمة بتلاوتها في حين أن أقواله بالجلسة تنفي التهمة عن الطاعن نفيا باتا, وكذلك جاءت أقوال عبد الرحمن الجاويش بما لا يمكن أن يستنتج منه ثبوت التهمة بالنسبة إلى الطاعن, حيث قرر أن ذاكرته لا تساعده على ذكر جميع الوقائع, وكان يجب على المحكمة أن تأمر بتلاوة أقواله بالتحقيق, وفوق ذلك فإن هذا الشاهد كان مستودعا لأسرار بمقتضى وظيفته فأفشاها بغير إذن من مخدومه, فكان يجب على المحكمة استبعاد أقواله لصدورها على صورة تخالف القانون.
وحيث إنه لا جناح على المحكمة إذا هي أخذت بأقوال الشاهد كوستا فرانجودس في التحقيق دون أقواله بالجلسة التي وجهت النيابة إليه على أثر الإدلاء بها تهمة شهادة الزور ودانته المحكمة فيها للأسباب التي ذكرتها, كما أنه لا تثريب على المحكمة في أخذها بأقوال الشاهد عبد الرحمن الجاويش, مادام الطاعن لم يبد اعتراضا عليها أو يطلب تلاوة أقواله في التحقيق, ولما كان للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها, أن تأخذ بما تطمئن إليه من قول للشاهد, سواء في ذلك ما قرره في التحقيق أو شهد به أمامها, فلا وجه لما يثيره الطاعن في هذا الخصوص, إذ هو في حقيقته جدل في تقدير أدلة الدعوى واطمئنان المحكمة إليها, مما تستقل به محكمة الموضوع. أما ما يثيره الطاعن من عدم جواز الأخذ بأقوال عبد الرحمن جاويش باعتباره مستودعا للسر, فسيأتي الكلام عنه بعد.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعن على غير أساس.
وحيث إن الطاعن الثاني يبني الأوجه الأول والثاني والثالث من الطعن, على أن الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفا للقانون, قاصرا في الأسباب, مشوبا بخطأ الاستدلال, وفي بيان ذلك يقول الطاعن: إن الإذن الصادر من رئيس نيابة الإسكندرية بتاريخ 20 من فبراير سنة 1945 بتفتيش منشأة أولاد فرانجودس والمسكن الذي يقيم به مديرها, هو إذن باطل لصدوره ممن لا ولاية له بإصداره, فيجب إهدار هذا الإذن وكل دليل مستمد منه, ويقول الطاعن إن المحكمة استندت إلى أقوال أخوى كوستا فرانجودس في التحقيق الابتدائي, ولم تأخذ بما شهدا به أمامها بالجلسة, مع أنه ظاهر أن أقوالهما الأولى كانت وليدة الإيحاء وتتنافى مع الواقع, فإن كشوف الحساب نقطع بأن محاسبة لم تتم مطلقا مع كوستا على نصيبهما في الرشوة, واستندت المحكمة كذلك على أقوال عبد الرحمن الجاويش بأن الطاعن فاوض كوستا على قيمة الرشوة أمامه, وأنه حضر تسليمها بمكتب ضرائب اللبان, وما كان للمحكمة أن تعوّل على أقوال هذا الشاهد لأنه لم يؤدها اختيارا بل أداها تحت تأثير وعد بمكافأة ينالها, ولأن مخدومه قطع في التحقيق أكثر من مرة أن تابعه هذا لم يحضر شيئا بنفسه ولا شأن له بأعمال الحسابات, وقد أخذت المحكمة بالشهادتين معا رغم ما بينهما من تناقض جوهري.
وحيث إن ما أثاره الطاعن حول بطلان إجراءات التفتيش والتحقيق قد سبق الرد عليه وعلى ما جاء في طعنه بشأن استناد المحكمة إلى أقوال بعض الشهود في التحقيق دون ما شهدوا به في الجلسة. هذا إلى أنه يبين من الاطلاع على محضر الجلسة أن الشاهد عبد الرحمن الجاويش عندما ناقشته المحكمة فيما ذكره في التحقيق قال إن الوقائع التي يناقش فيها حدثت من ثماني سنوات وإن ما قرره في التحقيق صحيح - لما كان ذلك, فإن ما يشكو الطاعن منه لا يكون إلا مناقشة في تقدير أدلة الدعوى الذي هو من شأن محكمة الموضوع وحدها.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الاستدلال فقد نعي على الطاعن أنه كان مدفوعا إلى تصرفاته لصالح الشركة تحت تأثير الرشوة وآخذته المحكمة باقتراحه بادئ الأمر إلغاء الربط الذي ربطه زميله لتقدير الضريبة عن سنة 1942, ثم عدوله عن تقديم هذا الاقتراح, كما آخذته على تغاضيه عن أخطاء حساب سنة 1943 وأغفلت المحكمة ما إرتكن إليه الطاعن بشأن اقتراح إلغاء الربط من أن هذا الرأي كان ينطوي على التسرع فما لبث أن عدل عنه, كما أغفلت ما شهد به الشاهد أحمد عوض الله أمام المحكمة من أن تصرفات الطاعن كانت سليمة فعدل بذلك عما قرره في تحقيق النيابة.
وحيث إن الذي يبين من الاطلاع على محاضر الجلسات أن الشاهد أحمد عوض الله رئيس لجنة الفحص أحصى في شهادته أمام المحكمة الأخطاء والعيوب التي لوحظت على تصرفات الطاعن في أثناء فحصه لحسابات الشركة, وكان مما قاله الشاهد إن الطاعن أعد خطابا بما وقف عليه من أخطاء الحسابات, ثم عدل عن إرساله إلى إدارة الضرائب مع أن أغلب هذه الملاحظات قد اتضح للجنة أنه صحيح وأنه سوّى الأرباح التي تخضع للضريبة واستبعد منها مبلغ 4872 جنيها وهو يعلم أن هذا المبلغ سبق خصمه من المصاريف, كما اعتمد مبلغ السمسرة رغم المغالاة في تقديره مغالاة جاوزت كل حد - لما كان ذلك, وكانت المحكمة قد قال في حكمها إن الشاهد المذكور قرر أمام المحكمة ما كان قد قرره أمام النيابة من أن اللجنة كشفت عن تلاعب شركة أولاد فرانجودس في حساباتها بقصد إخفاء أرباحها, كما أنها كشفت عن معاونة الطاعن وزميله للشركة في تقديم إقرارات غير صحيحة وفي قبول مصلحة الضرائب لها, وكان استدلال المحكمة بأقوال الشاهد التي لها أصلها في الأوراق وبالأدلة الأخرى التي أوردتها هو استدلال سليم من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبته عليه - لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن الطاعن يبني الوجه الخامس على أن المحكمة أخلت بحقه في الدفاع ذلك أن كوستا كان يقوم إلى جانب أعماله المشروعة بعمليات أخرى مع السلطات البريطانية, إذ كان يشتري خام الحديد لبيعه في السوق السوداء, وقدم الدفاع ما يؤيد ذلك من مستندات, ودلل بأن معاملات كوستا مع السلطات البريطانية كانت تتم بشيكات على البنك, وأن سحب المبلغ الذي قيل إنه سحب لدفعه في الرشوة تقابله إيداعات لاحقة بمبلغ كبير, وكان يجب على المحكمة أن تقول كلمتها في هذا الدفاع, وكذلك عرض الدفاع إلى الخطاب الذي وجد مع الطاعن, وقال إنه لم يكتب يوم 18 من فبراير سنة 1945 ولم يكن تحريره في المقهى الذي زعم عبد الرحمن الجاويش أنه حرر فيه, واستدل الدفاع على صحة ما ذهب إليه بأن تاريخ الخطاب. هو 17 من فبراير, وواقعة المقهى حدثت في اليوم التالي, كما أن الخطاب كتب بنفس المداد الذي كتب به البلاغ المقدم من الشاهد عبد الرحمن جاويش وعلى ورق من نفس نوع ورقة هذا البلاغ, مما يدل على أنهما حررا معا, ورغم ذلك, فقد عولت المحكمة في إدانة الطاعن على هذا الخطاب وعلى أقوال الشهود الذين استشهد بهم كاتبه ولم تتعرض المحكمة لهذا الدفاع أو تفصل أقوال هؤلاء الشهود بما يستبين منه مدى تأثير شهادتهم في إثبات التهمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الخطاب الذي ضبط مع الطاعن قد حرر في يوم 18 من فبراير سنة 1945 أخذا بما قرره كاتبه وثلاثة من الشهود حصلت المحكمة من ظروف تحريره ما اعتقدت صحته وكان كل ما قاله الدفاع في مرافعته بشأن هذا الخطاب هو احتمال أنه والبلاغ المقدم من الجاويش قد حررا في وقت واحد ولم يكن فيما قاله ما يستوجب من المحكمة ردا خاصا - لما كان ذلك, وكانت المحكمة ليست ملزمة بأن تتبع الدفاع في كل ما يقوله بالرد في حكمها عليه ما دام الحكم قد اشتمل على بيان الأدلة التي استندت إليها المحكمة في إدانة الطاعن بجريمة الرشوة مما يتضمن لرد بأنها لم تجد في الاعتراضات التي أبداها الدفاع ما يغير وجهة نظرها في تلك الأدلة.
وحيث إن مبنى الوجه السادس أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون فقد اعتبرت كوستا فرانجودس شاهدا واستحلفته اليمين وآخذته بشهادة الزور لمخالفة أقواله لما أبداه في التحقيقات الأولى أمام النيابة والتي أداها بغير يمين, ولم تبين المحكمة علة ترجيح الأقوال التي اعتمدت عليها وليس يجوز قانونا أن تحيل المحكمة متهما إلى شاهد, كما أنه ما كان يجوز لها أن تسمع شهادة عبد الرحمن الجاويش بعد استحلافه لأن النيابة سمعته بدون حلف اليمين توخيا لموقفه القانوني الذي لا يجعل لأقواله قيمة الشهادة ومع ذلك فقد اعتور أقوال هذا الشاهد فساد لا يساعد على الأخذ بها.
وحيث إنه من المقرر أن من عدا المتهم المرفوعة عليه الدعوى العمومية ممن تحمل الشهادة عن معلومات تتصل بهذه الدعوى إثباتا أو نفيا فهو شاهد يوجب القانون أن يحلف اليمين أمام قاضي الموضوع متى كانت سنه قد بلغت أربع عشرة سنة "المادة 283 من قانون الإجراءات الجنائية" وذلك ضمانا للثقة بأنه يؤدي شهادته بالصدق, ولا يغير من الأمر أن يكون الشاهد فيما مضى من مراحل الدعوى قد وجه إليه اتهام, ثم صدر قرار بحفظ الدعوى العمومية بالنسبة له, أو قضى ببراءته من محكمة أخرى أو أنه يحتمل أن تقام عليه الدعوى عن وقائع متصلة بالوقائع التي يشهد عليها كما لا يمنع استحلاف الشاهد كونه أبدى أقواله أمام سلطة التحقيق بغير يمين, وعلى الجملة فإنه مادام الشاهد لم يكن عند أدائه الشهادة أمام المحكمة مرفوعة الدعوى العمومية عليه كمتهم في ذات الواقعة, ولم يقم به ما يمنعه من أداء الشهادة أو ما يعفيه من أدائها, فإنه لا يوجد في القانون ما يحول دون سماع شهادته أمام المحكمة مع تحليفه اليمين كسائر الشهود - لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعن في شأن الشاهدين المشاهدين المشار إليهما يكون غير سديد.
وحيث إن ما أورده الطاعن فوق ذلك في طعنه بشأن بطلان أعمال لجنة الفحص لعدم تحليف أعضائها اليمين القانونية, فقد سبق الرد عليه, أما ما ذكره بشأن استناد المحكمة في إدانته إلى أقوال عبد الرحمن جاويش فهو متعلق بتقدير أدلة الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إنه لما تقدم يكون ما جاء بهذا الطعن على غير أساس.
وحيث إن الطاعن الثالث يبنى الوجه الأول من طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون, إذ اعتمدت المحكمة في إدانته بجريمة شهادة الزور على أنه ذكر بالجلسة أقوالا تخالف أقواله في التحقيقات الأولية وهى الأقوال التي تأيدت صحتها, ولم تعن المحكمة بتلاوة تلك الأقوال الأولى علنا بالجلسة في حضرة الخصوم وعلى مسمع ممن حضروا المحاكمة, وهذا يعيب الحكم لمخالفته لنص المواد 274 و289 و290 و302 من قانون الإجراءات الجنائية التي أخذت عن القانون المختلط وقد ورد في مذكرته الإيضاحية أن عدم مراعاة هذه التلاوة يستوجب البطلان, وورد ما يماثل ذلك أيضا بالمذكرات التفسيرية لقانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إن ما يثيره الطاعن مردود بأن القانون, كما أجاز للمحكمة أن تأمر بتلاوة أقوال المتهمين أو الشهود في التحقيقات الابتدائية, قد أجاز أيضا للخصوم أن يطلبوا هذه التلاوة, وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن هذه الإجازة لا يترتب على مخالفتها البطلان, وما دام الطاعن لم يطلب تلاوة شيء مما أجاز القانون تلاوته, فليس له أن يثير أمر عدم تلاوته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعي على المحكمة في الوجه الثاني من طعنه أنها أخطأت في الاستدلال إذ اتخذت من أقوال الشاهد عبد الرحمن الجاويش دليلا رئيسيا على إدانة الطاعن بشهادة الزور, مع أن الحكم أثبت أن الشاهد المذكور كان موظفا في الشركة التي يديرها الطاعن وكان مستودعا لأسرارها لا سيما في الأعمال الحسابية, ودفاتر الحسابات, وقد انشق على الطاعن وأقدم على إفشاءات بدون رغبة أحد ممن لهم شأن في الشركة, ونص المادة 310 من قانون العقوبات يتناول هذا الشأن لأن ما قرره من أقوال يخالف مقتضى المادتين 207 و208 من قانون المرافعات وصدور هذه الأقوال على خلاف القانون كان يوجب استبعادها.
وحيث إن الأصل في أداء الشهادة أمام القضاء عند استجماع شرائطها أنه واجب يقتضيه الوصول إلى تعرف وجه الحق في المنازعات وفي ثبوت الاتهام أو نفيه, ولا يعفى الشاهد من الإدلاء بكل ما يعلم ولا يكتم منه شيئا إلا في الأحوال الخاصة التي بينها القانون, ومنها حظر الشهادة إفشاء لسر من أسرار المهنة المنصوص عليه في المادة 207 من قانون المرافعات ما لم يطلب من أسره إليه إفشاءه فيجب على الشاهد عندئذ أداء الشهادة عملا بالمادة 208 من ذلك القانون التي يدل نصها على أن تحريم الشهادة في هذه الحالة ليس تحريما مطلقا, وتتجه التشريعات الحديثة نحو تغليب المصلحة العامة في الوصول إلى الحقيقة وعلى الأخص إذا تعلق الأمر بمصلحة الجماعة, من ذلك أن الشارع الفرنسي أضاف فقرة ثانية إلى المادة 378 من قانون العقوبات الفرنسي بالمرسوم بقانون الصادر في 29 من يوليه سنة 1939 أجاز فيها للأطباء وغيرهم من أصحاب المهن إذا دعوا للشهادة أن يبوحوا بما لديهم من أسرار في حوادث الإجهاض دون أن يتعرضوا للعقاب, ونصت المادة 622 من قانون العقوبات الإيطالي على أن الإفضاء بسر المهنة معاقب عليه إلا أن يكون هذا الإفضاء لمبرر مشروع, ونصت الفقرة الأخيرة من المادة 321 من القانون السويسري الصادر في 21 من ديسمبر سنة 1937 على أن حظر الإفضاء بسر المهنة لا يحول دون التزام أرباب المهن بأداء الشهادة أمام القضاء - لما كان ذلك, وكان الشارع عندما وضع المادة 310 من قانون العقوبات لم يعمم حكمها بل إنه خص بالنص طائفة الأطباء والجراحين والصيادلة والقوابل وغيرهم وعين الأحوال التي حرم عليهم فيها إفشاء الأسرار التي يضطر صاحبها أن يأتمنهم عليها باعتبار أن طبيعة عملهم تقتضي هذا الاطلاع وهم في سبيل قيامهم بخدماتهم للجمهور, فإنه لا يصح التوسع في هذا الاستثناء بتعدية حكمه إلى من عدا المذكورين في النص كالخدم والكتبة والمستخدمين الخصوصيين ونحوهم, فهؤلاء يضطر مخدوموهم إلى اطلاعهم على ما يرتكبونه من أعمال مخالفة للقانون.
وحيث إنه متى تقرر ذلك, وكان الشاهد عبد الرحمن الجاويش يقوم في الشركة بعمل مترجم أو كاتب على ما أثبته الحكم, فهو ليس من أرباب المهن والصناعات الذين تقتضي طبيعة عملهم الاطلاع على ما يرتكبه مخدوموهم من جرائم, ومع هذا فإن مخدوم هذا الشاهد قد باح في اعتراف مفصل بتصرفاته مع المتهمين وما وقع منهما, وكشف عن ذلك كله للمحقق, فلا يستساغ مع ذلك أن توصف شهادة الشاهد بأنها إفشاء لأسرار مخدومه. ومتى كان الأمر كذلك, وكانت المحكمة قد حققت الدليل المستمد من أقوال هذا الشاهد, ورأت فيها ما يؤيد أقوال مدير الشركة, واتخذت من هذه الأقوال وغيرها من الأدلة التي أثبتها الحكم واطمأنت إليها المحكمة سندا لإدانة المتهمين, فإن استدلالها يكون سليما ولا مخالفة فيه للقانون.
وحيث إن الطاعن يبني الوجه الثالث: على أن الحكم قد خالف القانون, إذ جرى على أنه هو الذي قدم الرشوة للمتهمين الآخرين, فهو متهم بالرشوة في نظر الشارع والعقاب على شهادة الزور لا يكون إلا على شاهد, وإذا سمعت أقوال متهم على آخر فلا يوصف بأنه شاهد وتحليفه اليمين أمام المحكمة وسؤاله على أنه شاهد لا يكون صحيحا, ولا يعاقب على شهادة الزور إذا كذب, لأن الشاهد إذا تجنب قول الصدق في واقعة نفسه فلا تصح مسئوليته.
وحيث إن الطاعن تقدم للمحكمة وأدلى بأقواله بصفته شاهدا من شهود الإثبات وليس متهما, ولم تكن الدعوى مرفوعة عليه, فإذا شهد زورا بعد أن حلف اليمين القانونية في القضية التي كانت مرفوعة على المتهمين, فلا غبار على الحكم المطعون فيه, إذ اعتبره شاهد زور وقضى عليه بالعقوبة, ولا عبرة بعد ذلك بما يقوله من أنه إذا قرر الصدق فإن شهادته تكون دليلا عليه في قضية أخرى, فإن ذلك لا يصلح مبررا لحنثه في اليمين.
وحيث إن مبني الوجه الرابع أن الدفاع عن الطاعن تمسك بعدة أمور استدل بها على أن أقواله أمام المحكمة هي الحق بخلاف ما أبداه في التحقيق تحت تأثيرات عديدة, ولم تعن المحكمة بالرد على ما قاله الدفاع, من أن الأقوال التي تؤدى في الجلسة هى الصحيحة, وكان على المحكمة أن توازن بين القولين وتقول كلمتها بعد هذه الموازنة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة شهادة الزور وأورد الأدلة التي اعتمد عليها في إدانته, وكان مما قاله: "إن الراشي كوستا فرانجودس بعد أن أدلى أمام النيابة في جميع مراحل التحقيق باعترافاته الصريحة التي قرر فيها أنه قام بتسليم مبلغي الرشوة إلى المتهمين لتحقيق الأغراض غير المشروعة التي تم الاتفاق بينهما عليها, جاء أمام المحكمة فعدل عن كل ما كان قد قرره في تلك التحقيقات من تفصيلات أيده فيها باقي الشهود وقامت الأدلة الكثيرة على صحتها, كما هو مبين فيما سلف, وكان من شأن هذا العدول أن ينقض أهم دليل قام ضد المتهمين في جنايتي الرشوة والتزوير سالفتي الذكر ......" - لما كان ما قالته المحكمة يؤدي عقلا إلى النتيجة التي انتهت إليها, فلا تصح مجادلتها في ذلك لدى محكمة النقض, إذ المجادلة على الصورة الواردة في الطعن لا يكون لها من معنى إلا إثارة البحث في كفاية أدلة الثبوت, وهذا مما لا يجوز التعقيب على محكمة الموضوع فيه.
وحيث إن ما جاء في الوجه الخامس بشأن بطلان الإجراءات قد تقدم الرد عليه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.