الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 1 مايو 2020

الطعن 1563 لسنة 29 ق جلسة 10/ 5/ 1960 مكتب فني 11 ج 2 ق 84 ص 424


جلسة 10 من مايو سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية إسماعيل، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان, ورشاد القدسي المستشارين.
---------------
(84)
الطعن رقم 1563 لسنة 29 القضائية

(أ) أمر بألا وجه. العودة إلى التحقيق.
متى يعد الدليل جديداً؟ عندما يكون مجهولاً من المحقق أو استوفى عناصره التي حالت دون تحقيقه.
(ب) قتل عمد. الظروف المشددة للعقوبة.
ارتباط القتل بجنحة: الفصل في قيام الارتباط السببي المشار إليه في المادة 234/ 3 ع أو عدم قيامه أمر موضوعي يستقل به قاضي الدعوى.

-----------------
1 - قوام الدليل الجديد هو أن يلتقي به المحقق لأول مرة بعد التقرير في الدعوى بأن لا وجه لإقامتها، أو أن يكون تحقيق الدليل بمعرفته غير ميسر له من قبل - إما لخفاء الدليل نفسه أو فقدانه أحد العناصر التي تعجز المحقق عن استيفائه.
2 - قيام علاقة السببية أو عدم قيامها وكذلك قيام الارتباط السببي المشار إليه في المادة 234 من قانون العقوبات في فقرتها الثالثة هو فصل في مسألة موضوعية يستقل به قاضي الدعوى عند نظرها أمام محكمة الموضوع ولا معقب عليه فيه من محكمة النقض - فإذا كان الحكم بحسب ما استظهرته المحكمة لم ير قيام ارتباط بين جناية الشروع في القتل وبين جناية السرقة بإكراه، فإن ما يثيره المتهمون بشأن الفقرة الثالثة من المادة 234 لا يكون له محل.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاًًًًً من: 1 - محمود عبد الرحيم أحمد 2 - حمادة عبد الرحيم أحمد 3 - أحمد شعراني أحمد 4 - حسن مرعي حسن 5 - خطاب عبد الرحيم أحمد بأن المتهمين الأربعة الأول سرقوا بالإكراه القطن والساعة والمبالغ المبينة الأوصاف والقيمة بالمحضر من المجني عليهم في الطريق العمومي حالة كونهم يحملون أسلحة نارية ظاهرة وذلك بان اعترضوا السيارة النقل قيادة المجني عليه الأول في الطريق وأوقفوها وهددوا المجني عليهم باستعمال الأسلحة التي كانوا يحملونها بقصد تعطيل مقاومتهم فتمكنوا بهذه الوسيلة من الإكراه من ارتكاب جريمتهم، وشرعوا في قتل القائمقام حلمي المهدي سلامه مفتش البوليس ورجال البوليس المرافقين له والمبين أسماؤهم بالتحقيقات عمداًًًًً بأن أطلقوا عليهم أعيرة نارية قاصدين قتلهم وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو عدم إحكامهم الرماية، واستعملوا القوة والعنف والتهديد في حق موظفين عموميين ليحصلوا على اجتنابهم أداء عمل من الأعمال المكلفين بها - وذلك بأن أطلقوا عدداًًًًً من الأعيرة النارية على القائمقام حلمي المهدي سلامه مفتش البوليس والبكباشي إبراهيم إبراهيم عوض مأمور مركز قنا والصاغ عبد التواب إبراهيم خليل رئيس مباحث مديرية قنا وبقية أفراد القوة المرافعة لهم والمبين أسماؤهم بالتحقيقات، وشرعوا في قتلهم ليمنعوهم من ملاحقتهم وضبطهم بالمسروقات بعد ارتكابهم جريمة السرقة موضوع التهمة الأولى ولم يبلغوا مقصدهم لتعزيز قوة البوليس، وأحرزوا الأسلحة النارية المبينة بالتقرير الطبي الشرعي المرفق بغير ترخيص، كما أحرزوا ذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية بدون ترخيص. والمتهم الخامس شرع مع مجهولين في قتل عبد السميع محمد محمد ومحمود حسب الخير عمداًًًًً بان أطلقوا عليهما الأعيرة النارية قاصدين من ذلك قتلهما فأحدثوا بهما الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو إسعاف المجني عليهما بالعلاج، واستعمل مع مجهولين القوة والعنف في حق موظفين عموميين ليحصلوا على اجتنابهم أداء عمل من الأعمال المكلفين بها وذلك بان أطلقوا أعيرة نارية على عسكري البوليس عبد السميع محمد محمد والمرافقين له ليمنعوهم من نقل جثة "محمود عبد الرحيم حسان" إلى سيارة الإسعاف ولم يبلغوا مقصدهم لتعزيز قوة البوليس الموجودة لهم، وأحرزوا سلاحاًًًًً نارياًًًًً مششخناًًًًً بدون ترخيص. وطلبت إحالة المتهمين الأربعة الأول إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 45 و46 و109 مكرر و234 و315/ 1 - 2 من قانون العقوبات والمواد 6 و26/ 1 - 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بقانون رقم 546 لسنة 1954 وبإحالة المتهم الخامس إلى المحكمة المذكورة لمحاكمته بالمواد 45 و46 و234/ 1 و109 مكرر من قانون العقوبات. ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًًًً - عملاًًًًً بالمواد 109 مكرر و45 و46 و234/ 1 و315/ 1 - 3 من قانون العقوبات والمواد 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول رقم 3 قسم أ وب والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والثالث وبالمواد 45 و46 و234/ 1 و109 مكرر و36/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول رقم 3 قسم أول بالنسبة للمتهم الخامس بمعاقبة كل من المتهمين محمد عبد الرحيم أحمد وحمادة عبد الرحيم أحمد وأحمد شعراوي أحمد بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات عن التهمة الأولى وبمعاقبة كل من المتهمين محمد عبد الرحيم أحمد وحمادة عبد الرحيم أحمد وأحمد شعراني أحمد بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات عن باقي التهم المسندة إليهم وبمعاقبة المتهم خطاب عبد الرحمن أحمد بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات عما أسند إليه من تهم، وببراءة المتهم حسن مرعي حسن مما أسند إليه. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
عن أسباب الطعن الواردة بالتقرير المقدم من الطاعنين بتاريخ 26 من نوفمبر سنة 1955.
حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه في هذا التقرير البطلان في الإجراءات والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولون إن الدعوى الجنائية أحيلت من رئيس نيابة أمن الدولة إلى محكمة الجنايات مباشرة استناداًًًًً إلى المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 - وكان يجب أن تحال الدعوى من رئيس نيابة قنا إلى غرفة الاتهام وهى التي تأمر بإحالتها إلى محكمة الجنايات ولذا فقد كان أمر الإحالة في هذه الدعوى باطلاًًًًً بطلاناًًًًً يتعلق بالنظام العام إذ لو صح تفسير النيابة لنص المادة 214 من قانون الإجراءات لانبنى عليه تفويت مرحلة غرفة الاتهام في عدد كبير من الجنايات لمجرد الارتباط - ولو كان بسيطاًًًًً - وبذلك يصبح الاستثناء قاعدة الأمر الذي لم يقصده الشارع، كما يترتب عليه أن تتركز إحالة جنايات الرشوة وإحراز الأسلحة وذخائرها وما يكون مرتبطاًًًًً بها من جرائم أخرى في نيابة أمن الدولة بحجة أن القانون رقم 113 لسنة 1957 قد روعيت فيه مصلحة الأمن العام - وفي هذا مخالفة لأحكام توزيع الاختصاص المركزي بين أعضاء النيابة وما يترتب عليه من الإضرار بالمصلحة العامة إذ عندما ترتبط الجرائم برباط يجعلها وحدة لا تتجزأ يتعين توحيد الإجراءات بشأنها في التحقيق وفي الإحالة والمحاكمة وذلك لتمكين المحكمة من الحكم بعقوبة واحدة هي عقوبة الجريمة الأشد والأصل هو إتباع الإجراءات العادية في حالة الارتباط وعلى الأقل إتباع تلك الإجراءات بالنسبة لأشد الجرائم على اعتبار أن الحكم ينصرف إليها - وبتطبيق هذه القاعدة على الوقائع المسندة إلى الطاعنين يبين أن الجريمة الأشد هي جريمة السرقة أو الشروع في القتل لأنه لم يثبت من التحقيق على وجه قاطع أن أحداًًًًً معيناًًًًً من الطاعنين هو الذي أحرز السلاح المششخن ما دام أنه قد ضبط بمحل الحادث سلاح غير مششخن كذلك. ولما كانت المادة 214 إجراءات لا تشتمل على جرائم السرقة والقتل فقد وقعت إجراءات رفع الدعوى باطلة، وكان على المحكمة أن تقضي ولو من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى. كما أن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن الرابع بعد أن انقضت بالقرار الصادر من النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامتها ولم يستجد بعد ذلك من الأدلة ما يبعثها من جديد وقد أبدى الطاعن هذا الدفع أمام المحكمة فردت عليه بقولها أن هذا المتهم لم يكن قد ضبط قبل صدور القرار المذكور حتى كان يمكن التحقق من شخصيته - وبذلك تكون المحكمة قد اعتبرت ضبط الطاعن دليلاًًًًً جديداًًًًً وهو ما لم يقل به أحد. وقد اعتمد الحكم في إدانة الطاعنين الثلاثة الأول عن جريمة السرقة على أقوال شاهد واحد هو قائد السيارة يعقوب مجلع مع أن هذا الشاهد قد قطع بأن ظروف الحادث ما كانت لتسمح له بالتعرف على أحد سوى ذلك الذي هدده بالسلاح وما كان للمحكمة أن تصدق ما أسفرت عنه عملية الاستعراف لأنها مصطنعة فكان عليها أن تطرحها لفسادها، يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استند في إدانة الطاعنين عن تهمة إحراز السلاح ومقاومة رجال البوليس إلى مجرد استدلالات وقرائن لا ترقى إلى مرتبة الدليل الكافي إذ لم يثبت أن أحداً رأى الطاعنين وهم يحرزون الأسلحة المضبوطة ولما كانت الرؤية على المسافة المذكورة في التحقيق لا تسمح بالتعرف على أحد من الجناة، ولم توجد بالطاعنين آثار تفيد أن أحدهم استعمل سلاحاًًًًً - وكل ما في الأمر أن البوليس ضبط بمحل الحادث أربعة أسلحة وخمسة أشخاص توفى أحدهم فوزعت الأسلحة على الباقين بعملية حسابية خاطئة - وقد أخطأ الحكم في تطبيق القانون إذ لم يوقع على الطاعنين الثلاثة الأول عقوبة واحدة إذ أن جريمة الشروع في القتل المسندة إليهم قد قصد بها التخلص من عقوبة جناية السرقة مما كان يتعين معه إعمال نص الفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات، كما أن الحكم استند في التدليل على توافر نية القتل إلى عبارات التهديد التي وجهت إلى رجال القوة وإلى مرور الأعيرة بجانبهم وعلى مستوى منخفض مع أن هذه النية لم تخطر على بال الطاعنين.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "حيث إن وقائع الحادث تخلص في أن المتهمين محمد عبد الرحيم أحمد "الطاعن الأول" - وحمادة عبد الرحيم أحمد "الطاعن الثاني" وأحمد شعراني "الطاعن الثالث" وكان معهم المتهم المتوفى محمود عبد الرحيم وآخران مجهولان اعترضوا السيارة رقم 177 نقل قنا في ليلة 4/ 10/ 1957 حوالي الساعة الحادية عشر وكان يقودها السائق يعقوب مجلع ويعمل عليها الحمالان مرزوق كندس وأنور حنون - في اتجاههم بها من قنا إلى جرجا محملة بأكياس القطن وإذ تجاوزت السيارة محطة سكة حديد أولاد عمرو بمسافة تقدر بكيلو متر اعترضها جذع نخلة يسد الطريق ثم ظهر ستة أشخاص يحملون الأسلحة النارية كمن أحدهم في بطن الجسر وتقدم الآخر نحو سائق السيارة يهدده ببندقية صوبها في اتجاه بطنه وكان الأربعة الباقون يلتفون حول السيارة من كل جانب - وتمكن من صوب عليه السلاح بهذه الوسيلة من الإكراه من نزع ساعة يده ومن أخذ مبلغ ثلاثة جنيهات من محفظته بينما تمكن الباقون بالإكراه أيضاًًًًً من قطع الحبال التي تثبت أكياس القطن - ثم تمكنوا من حمل ثلاثة أكياس من القطن على التوالي ووضعوها في الجانب الشرقي من الجسر كما تمكنوا من سرقة مبلغ ثلاثة جنيهات من مرزوق كندس ومبلغ مائة وعشرة قروش من أنور حنون وسمحوا للسائق بعد ذلك بالانصراف بالسيارة فتوجه في الحال إلى مركز دشنا حيث أبلغ مأمورها بما وقع من الجناة - وعلى إثر هذا البلاغ توجه القائمقام حلمي المهدي سلامه مفتش التحقيقات بمديرية قنا لمتابعة التحريات والتقصي عن هذا الحادث - إلى نقطة أولاد عمرو وهناك علم من السيد رئيس المباحث أن مرتكبي الحادث هم محمود عبد الرحيم وإخوته وآخرين وأنهم يتحصنون في ماكينة ري قريبة - فتوجه في أثرهم على رأس قوة تضم عدداًًًًً من الضباط والعساكر وكانت الساعة قد جاوزت الرابعة والنصف صباحاًًًًً وكان النهار قد أشرق نوره وظهرت معالم الطريق واضحة - وكانت هناك آثار من القطن متناثرة من مسافة إلى أخرى تجاه تلك الماكينة - وقد فوجئ الضباط ومن معهم من قوة تبلغ حوالي 25 عسكرياًًًًً بالأعيرة النارية تطلق في اتجاههم من أربعة أشخاص كانوا يقفون قرب الماكينة وكان ضوء النهار قد بدأ ينشر نوره وكانت المسافة بين الجناة وبين رجال القوة تتراوح بين خمسين متراًًًًً ومائة متر وعند ذلك واصلت القوة سيرها في اتجاه المتهمين بعد أن حذرهم رئيسها بعدم التعرض لرجال القوة وكان المتهمون من جانبهم يواصلون إطلاق الأعيرة لإرهاب قوة البوليس ومنعها من التقدم بل وكان الأربعة يحذرون رجال البوليس بقتلهم وبإطلاق الرصاص عليهم في المليان إذا هم صمموا على الاقتراب منهم وإزاء ذلك أمر رئيس القوة رجاله بإطلاق النيران في اتجاه المتهمين في الهواء للإرهاب فامتثلوا ولكنهم وجدوا المتهمين يتحصنون في زراعة قصيرة "دراو" ويطلقون النار على رجال القوة قاصدين قتلهم فجاوبتهم القوة بإطلاق الرصاص على نفس المتهمين الأربعة وكانت المسافة بين الطرفين لا تزيد عن 25 متراًًًًً واستمرت هذه المعركة الرهيبة بعضاًًًًً من الوقت وانجلت عن هزيمة المتهمين وتوقفهم عن الضرب وإلقائهم أسلحتهم وإسراعهم إلى الهرب فطاردتهم قوة البوليس وضبطت المتهمين الثلاثة محمد عبد الرحيم أحمد وحمادة عبد الرحيم أحمد وأحمد شعراني أحمد - كما وجد الرابع محمود عبد الرحيم ملقى بالزراعة المذكورة مصاباًًًًً من أعيرة رجال البوليس وما لبث أن توفى بعد ذلك ووجد بجواره بندقية ملطخة بالدماء - كما ضبط بنفس الزراعة ثلاث بنادق أخرى - اثنين منها مما تطلق الرصاص والثالثة خرطوش ذات ماسورتين كما ضبطت القوة بعض الطلقات التي أطلقها الجناة - وبعض الطلقات التي لم تستعمل بعد في المكان الذي كان يتقهقر فيه المتهمون أثناء إطلاقهم أعيرتهم على رجال البوليس كما ضبط المتهم حسن مرعي حسن بجوار الماكينة فطلب رجال البوليس من المتهمين المضبوطين التعرف على جثة القتيل فأجابوا بأنهم لا يعرفونه ثم حضر مالك الماكينة السيد أحمد عبد الرسول نائب الدائرة واصطحبه أحد الضباط إلى الجثة فتعرف عليها وقرر إنها للمدعو محمود عبد الرحيم ابن شريكه والقائم بحراسة الماكينة مع إخوته وحدث بعد انتهاء هذه المعركة وبعد القبض على المتهمين أن تجمع الأهالي على الجسر وكان لا يفصلهم عن رجال القوة إلا ترعة صغيرة وكان يقف على رأسهم المتهم الخامس خطاب عبد الرحمن "الطاعن الرابع" وكانوا يتساءلون عما إذا كان المتهم محمود عبد الرحيم قد مات من عدمه كما كانوا يدفعون النساء لعبور الترعة للتحقق من ذلك ولكن القوة كانت ترد النساء ولما علموا من النائب أحمد أحمد عبد الرسول بوفاة المصاب بدأ الشر يملؤهم وبدأوا يكيلون الشتائم للقوة ورئيسها ولما طلب هذا الأخير من المتهم الخامس إبعاد هذا الجمهور المزدحم - وجه إليه شتائمه وتهديداته - فلم تر قوة البوليس بداًًًًً من سرعة الانسحاب بالجثة إلى الجسر العمومي ليتم نقلها إلى نقطة البوليس - ولقد وصلت النقالة التي وضعت عليها جثة القتيل محمود عبد الرحيم وحملها بعض العساكر وأحد الأهلين ويدعى محمد حسب الخير - بينما تولى البعض الآخر حراسة المتهمين المضبوطين وبدأوا سيرهم في اتجاه الطريق العمومي - ولكن الأهالي المتجمهرين تمكنوا من جمع الأسلحة وبدأوا يطلقون النيران على رجال القوة وكان على رأسهم المتهم الخامس خطاب عبد الرحمن الذي شوهد يطلق أعيرة نارية وكانوا جميعاًًًًًًًًًً يقصدون قتل من يستطيعون من رجال القوة أخذاًًًًً بالثأر لقتل محمود عبد الرحيم - كما كانوا يقصدون في نفس الوقت التغلب على القوة ومنعها من نقل الجثة، وكان بعض مطلقي هذه الأعيرة ظاهراًًًًً للشهود وأن البعض الآخر كان يطلق الأعيرة من زراعة الذرة المجاورة لمكان انسحاب القوة ولقد أصيب فعلاًًًًًًًًًً من هذه الأعيرة كل من العسكري عبد السميع محمد محمد والمدعو محمود حسب الخير". واستند الحكم في إدانة الطاعنين إلى أدلة استمدها من أقوال الشهود يعقوب مجلع سائق السيارة والحمالين مرزوق كندس وأنور حنون رمسيس والعقيد حلمي المهدي سلامه والمقدم إبراهيم إبراهيم عوض ورئيس مباحث المديرية وباقي من سئل من رجال القوة ومن المعاينة والتقريرين الطبيين الشرعيين. لما كان ذلك، وكانت المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 - تنص في فقرتها الثالثة على ما يأتي "ومع ذلك إذا كانت الجناية من الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني مكرراًًًًً والثالث والرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والقانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 رفعت النيابة العامة الدعوى عنها وعما يكون مرتبطاًًًًً بها من جرائم أخرى إلى محكمة الجنايات بطريق تكليف المتهم بالحضور أمامها مباشرة". ويبين مما استحدثه المشرع في هذه الفقرة أنه رأى - لاعتبارات تتعلق بالأمن والنظام العام أن يجيز للنيابة العامة - استثناءً من الأصل العام المبين بالفقرة الأولى من المادة المذكورة - أن ترفع الدعوى الجنائية في الجنايات المنصوص عليها في هذه المادة وعما يكون مرتبطاًًًًً بها من جرائم أخرى شملها التحقيق إلى محكمة الجنايات بطريق تكليف المتهم بالحضور أمامها مباشرة، ومن المقرر أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا غموض فيها فإنه يجب أن تعدّ تعبيراًًًًً صادقاًًًًً عن إرادة المشرع ولا يجوز الانحراف عن ظاهر دلالة نصها عن طريق التفسير والتأويل لأنه لا اجتهاد مع صراحة النص، وقد جاء التعبير بكلمة "الارتباط" عاماًًًًً مطلقاًًًًً من كل قيد في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة مما لا يمكن معه أن ينصرف - إلى غير المعنى الذي قصده الشارع وأرشد عنه في المادة 32 من قانون العقوبات - خصوصاًًًًً وأن القوانين الجنائية تفسر على سبيل التضييق لا التوسع وأن المذكرة الإيضاحية لم تشر من قريب أو من بعيد إلى ما يمكن أن يجعل لكلمة "الارتباط" معنى جديداًًًًً يخالف المعنى الذي يتلاءم مع القاعدة العامة، مما مفاده أنه إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة أو عدة جرائم بينها ارتباط لا يقبل التجزئة وكانت إحدى تلك الجرائم جناية تدخل في عداد الجنايات المنصوص عليها في المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة أياًًًًً كانت العقوبة المقررة لها بالقياس إلى الجرائم الأخرى - جاز للنيابة العامة تقديم الدعوى برمتها إلى محكمة الجنايات بطريق تكليف المتهم الحضور أمامها مباشرة، وهذا هو المستفاد من سياق النص وعبارته وما قصد إليه المشرع من التعديل الذي أدخله على هذه المادة بالقانون رقم 113 لسنة 1957. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن تهمة استعمال العنف والقوة وتهمة إحراز السلاح والذخيرة وتهمة الشروع في القتل المسندة إلى الطاعنين الثلاثة الأول كلها تهم مرتبطة ببعضها ارتباطاًًًًًًًًًً لا يقبل التجزئة وتجمعها وحدة الغرض واعتبر أن هذه التهم واحدة وأوقع على هؤلاء الطاعنين عقوبة واحدة، كما اعتبر أن تهمتي الشروع في القتل واستعمال العنف المسندتين إلى الطاعن الرابع مرتبطتين بتهمة إحراز السلاح والذخيرة بغير ترخيص المسندة إليه وأعمل في حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد، فإنه لا يكون ثمة بطلان في الإجراءات. لما كان ذلك، وكانت المادة 213 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن "الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى وفقاًًًًً للمادة 209 لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة طبقاًًًًً للمادة 197" وكان نص المادة 197 المذكورة يجري على أن الأمر الصادر من قاضي التحقيق أو من غرفة الاتهام بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى يمنع من العودة إلى التحقيق إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية - ويعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التي لم تعرض على قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام ويكون من شأنها تقوية الدلائل التي وجدت غير كافية أو زيادة الإيضاح المؤدي لظهور الحقيقة. لما كان ذلك، وكان قوام الدليل الجديد هو أن يلتقي به المحقق لأول مرة بعد التقرير في الدعوى بأن لا وجه لإقامتها أو أن يكون تحقيق الدليل بمعرفته غير ميسر له من قبل - إما لخلفاء الدليل نفسه أو فقدانه أحد العناصر التي تعجز المحقق عن استيفائه - كما هو الحال في واقعة الدعوى - وقد قالت المحكمة في ذلك "إن الدفاع عن المتهم الخامس "الطاعن الرابع" دفع التهمة بطلب الحكم بعدم قبول الدعوى العمومية المرفوعة على المتهم خطاب عبد الرحمن لأن رئيس نيابة أمن الدولة حفظ التهمة بالنسبة لهذا المتهم في 6/ 1/ 1958 وقرر بعدم كفاية الأدلة ولم تثر في القضية أدلة جديدة تبرر العدول عن هذا القرار. وحيث إنه رداًًًًً على هذا الدفع فإن القائمقام حلمي مهدي سلامة عندما شهد هو والبكباشي إبراهيم عوض في تحقيقات النيابة عن المتهم خطاب عبد الرحمن باعتباره فاعلاًًًًً أصلياًًًًً في جريمتي استعمال العنف والشروع في القتل لم يكونا يعرفان اسمه بل قررا أن شخصاًًًًً يدعى خطاب هو الذي هدد القوة وأطلق النار مع آخرين مجهولين على رجالها فأصيب محمود حسب الخير وعبد السميع محمد محمد نتيجة إطلاق هذه الأعيرة كما أن خطاب هذا لم يضبط حتى يمكن التحقق من شخصه لمعرفة إن كان هو الذي أطلق العيارات أم شخص خلافه ولم يذكر أحد اسمه كاملاًًًًً إلا شيخ الخفراء الذي قرر أن للمتهمين قريباًًًًً يدعى خطاب عبد الرحمن وأن رجال البوليس بحثوا عن خطاب عبد الرحمن فلم يوجد ومن ثم أصبح الاتهام قاصراًًًًً عن معرفة ما إذا كان خطاب عبد الرحمن هو مطلق الأعيرة على وجه اليقين أم أنه شخص آخر خلافه كذلك فإن أقوال المصابين محمود حسب الخير وعبد السميع محمد محمد وأقوال القائمقام حلمي المهدي سلامه لا يمكن القطع إن كانت متجهة إلى خطاب عبد الرحمن أو سواه - أما وقد ضبط خطاب عبد الرحمن وسئل عن التهمة فأنكرها ثم عرض على الشاهد القائمقام حلمي المهدي سلامه فأكد أنه هو الذي كان يطلق الأعيرة على رجال القوة مع آخرين مجهولين وأن هذه الأعيرة هي التي أصابت المدعو محمود حسب الخير وعبد السميع محمد محمد فهذه الإجراءات التي دبرت لضبط المتهم وأخذ أقواله ثم بالتحقق من شخصه وأنه يدعى خطاب عبد الرحمن ثم بعرضه على الشاهد القائمقام حلمي مهدي سلامه عرضاًًًًً قانونياًًًًً وتأكده أنه هو بذاته الذي اشترك في الحادث كل هذه الدلائل الجديدة التي لم يسبق عرضها على المحقق وكان من شأنها تقوية الدلائل السابقة وزيادة الإيضاح المؤدي إلى ظهور الحقيقة وهي التي تبرر إلغاء القرار السابق ورفع الدعوى العمومية على المتهم عملاًًًًً بالمادتين 197 و213 من قانون الإجراءات الجنائية فيتعين رفض الدفع" ومن ثم يكون ما خلصت إليه المحكمة من اعتبار هذا الدليل جديداًًًًً صحيحاًًًًً من ناحية القانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحرية في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى بما في ذلك القرائن، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة التي أقام عليها قضاءه بإدانة الطاعنين، وكانت هذه الأدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم من فساد في الاستدلال هو مما يتعلق بتقدير الأدلة وليس في حقيقته إلا مجادلة في موضوع الدعوى مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ذلك، وكان الفصل في قيام علاقة السببية أو عدم قيامها وكذلك قيام الارتباط السببي المشار إليه في المادة 234/ 3 من قانون العقوبات هو فصل في مسألة موضوعية يستقل به قاضي الدعوى عند نظرها أمام محكمة الموضوع ولا معقب عليه فيه من محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان الحكم بحسب ما استظهرته المحكمة من وقائع الدعوى وظروف الجرائم التي دانت بها الطاعنين لم ير قيام ارتباط بين جناية الشروع في القتل وجناية السرقة بالإكراه، فإن ما يثيره الطاعنون بشأن الفقرة الثالثة من المادة 234 عقوبات لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد تعرض لتوافر نية القتل لدى الطاعنين وقال في ذلك بالنسبة للطاعنين الثلاثة الأول ما يأتي "وحيث إنه بالنسبة لتهمة الشروع في القتل فالثابت من شهادة ضابط البوليس ورجال القوة المرافقين لهم أن الجناة قد وجدوا من القوة تصميماًًًًً على التقدم نحوهم والبحث عن المسروقات قرب الماكينة التي يتولون حراستها وقد وجدوا أن مجرد إطلاق الأعيرة للإرهاب لن يثني القوة عن عزمها فصمموا على قتل من يستطيعون من أفراد القوة فارتكزوا على الأرض عند زراعة الذرة القصيرة "الدراو" وأخذوا يطلقون الأعيرة من بنادقهم التي ضبطت بعد الحادث وثبت إطلاقها فعلاًًًًً - لا إلى أعلا للإرهاب بل نحو أجسام رجال القوة وأن نية القتل ثابتة عليهم من إطلاقهم تلك الأعيرة نحو الضابط والجنود ومن إفصاحهم عن تلك النية في جرأة واقتدار بقولهم لرجال القوة أنهم سيقتلونهم وييتمون أطفالهم وأن الأعيرة على حد شهادة هؤلاء الشهود كان من شأنها أن تصيبهم لولا حذرهم ولولا عناية الله..." كما قال الحكم في خصوص توافر تلك النية لدى الطاعن الرابع ما يأتي "إن نية القتل ثابتة في حقه من إطلاق الأعيرة وإصابة أحد أفراد القوة وشخص كان متطوعاًًًًً بها - إصابة في مقتل بقصد إزهاق روحيهما - إصابة سبقها من جانب هذا المتهم الشتم والتهديد للقوة ورئيسها بالقتل" وهذا الذي أورده الحكم سائغ في استخلاص هذه النية لدى الطاعنين ويؤدي عقلاًًًًً إلى النتيجة التي انتهى إليها فضلاًًًًً عن أنه لا جدوى للطاعنين فيما يثيرونه في هذا الشأن لأن الحكم المطعون فيه دانهم كذلك عن تهمتي إحراز السلاح واستعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين ليحصلوا على اجتنابهم أداء عمل من الأعمال المكلفين بها وأوقع عليهم عقوبة واحدة عن هذه التهم الثلاث.
عن أسباب الطعن المقدم من الطاعنين بتاريخ 27 من نوفمبر سنة 1958.
حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه في هذا التقرير المقدم منهم البطلان في الإجراءات والقصور في التسبيب وهو ما يتفق والأوجه الثاني والثالث والسادس من التقرير السابق في خصوص بطلان رفع الدعوى الجنائية على الطاعن الرابع خطاب عبد الرحمن وانتفاء نية الشروع في قتل عبد السميع محمد ومحمود حسب الخير والأخذ بشهادة يعقوب مجلع - وقد سبق الرد على هذه الأوجه فيما سلف كما ينعون على الحكم الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد في التدليل - وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم اعتمد في إثبات واقعة تهديد الطاعن الرابع خطاب محمد أحد رجال البوليس بالقتل على أقوال القائمقام حلمي المهدي سلامه ومن سئلوا معه من ضباط البوليس مع أنه بالرجوع إلى مدونات الحكم يبين أنه لم يذكر أن السيد محمد فريد جمال ضابط المباحث أو الملازم أول طه محمد سعيد أو جميل مصطفى أو الأميرالاي سعيد إبراهيم قد أسند إلى الطاعن شيئاًًًًً من ذلك - كما أنه كان من بين ما اعتمد عليه الحكم في إدانة الطاعنين أقوال الملازم أول طه محمد سعيد وجميل مصطفى عزيز ورجال الشرطة نور الدين يوسف وخلف ثابت وحسن محمد سليمان وأبو اليمين بسطه جبرائيل ولكنه لم يورد مضمون هذه الأقوال ولا الوقائع التي انصبت عليها ولم يبين مدى مطابقتها لأقوال الشهود السابقين - يضاف إلى ذلك أنه ورد بتقرير الطبيب الشرعي أن إصابة الشرطي عبد السميع محمد تحدث من عيار ناري - إذ ثبت من التحقيق أنه كان يرتدي وقت الحادث "الجاكتة" التي قدمها فيما بعد - وذلك على خلاف ما ورد بالتقرير الطبي الأول من أن إصابة المذكور قد تحدث من آلة راضه كالعصا، وقد أغفل الحكم ما جاء بتقرير الطبيب الشرعي ولم يقم الدليل على أن الشرطي المذكور كان يرتدي هذه الجاكتة وقت الحادث. وقد اقتضب الحكم المطعون فيه أقوال الدفاع وسردها بصورة تخالف الثابت بمحضر جلسة المحاكمة وأسند إلى المدافع عن الطاعنين الثلاثة الأول أنه سلم بأنهم أطلقوا الأعيرة النارية على رجال الشرطة بحسب أنهم من اللصوص حال أن الدفاع لم يورد هذا القول إلا على سبيل الفرض الجدلي، ولم يرد الحكم على ما قال به الطاعنون عن كيفية وقوع الحادث مما تمسك به الدفاع مستدلاًًًًً على صحته بشهادة والد القتيل كما أطرح الحكم دفاع الطاعنين الثلاثة الأول من أن جريمة السرقة المسندة إليهم لم تقع أصلاًًًًً واستند الحكم في إلصاقها بهم على مجرد الظن والاحتمال.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين عرض لما أسند للطاعن الرابع خطاب عبد الرحمن قال في شأنه "وحيث إنه بالنسبة للمتهم الخامس خطاب عبد الرحمن فالثابت من شهادة من سمعوا من الشهود من ضباط البوليس أن هذا المتهم خطاب عبد الرحمن كان يوجه إليهم السباب والشتائم والتهديد بالقتل وكان يحرض عليهم الأهالي وأن القوة عندما بدأت في الانسحاب كانت جمهرة الأهالي قد جمعت كثيراًًًًً من الأسلحة واتفق أفرادها على إطلاق النيران على رجال القوة بصفة عامة وعلى من يحملون نقالة القتيل بصفة خاصة وكانوا يقصدون قتل من يستطيعون من أفراد القوة أخذاًًًًً بالثأر ولمنع نقل الجثة بالقوة وأنهم أطلقوا على رجال القوة أعيرة كثيرة لا حصر لها..." ثم قال الحكم "وترى المحكمة أن وجود المتهم خطاب عبد الرحمن فوق الجسر أمام رجال القوة وتهديدهم للشاهد القائمقام حلمي مهدي سلامة بالقتل واقعة ثابتة من شهادة هذا الشاهد وشهادة من سئلوا معه من ضباط البوليس المبينة شهادتهم آنفاًًًًً - ليس ذلك فحسب بل إن المتهم حمادة عبد الرحيم قرر في تحقيقات النيابة أن ابن عمه خطاب كان فعلاًًًًً يقف مع المتجمهرين فوق الجسر أمام رجال القوة - كما ترى المحكمة أن واقعة إطلاق الأعيرة النارية مع باقي المتجمهرين ممن كانوا معه وممن دخلوا في الزراعة - على جانب القوة وأمامها واقعة ثابتة وقد أكدها القائمقام حلمي مهدي سلامه - لا أمام المحكمة فحسب بل في تحقيقات النيابة يوم وقوع الحادث - وفي تحقيقات النيابة عندما عرض عليه هذا المتهم بعد ضبطه". ولما كانت المحكمة قد أوردت قبل ذلك مؤدى أقوال الشهود وأخذت في حدود حقها بما اطمأنت إليه من روايتهم في التحقيقات وفي الجلسة, وكان للمحكمة أن تأخذ بهذا الذي تطمئن إليه من أقوال الشهود, لما كان ما تقدم, وكان ما ذكره الحكم عن أقوال الشهود له أصله الثابت في الأوراق - وبفرض أن بعض رجال الشرطة لم يعرض لواقعة تهديد الطاعن الرابع لهم بالقتل خلافاًًًًً للقائمقام حلمي المهدي سلامه - الذي أخذت المحكمة من شهادته عماداًًًًً لها في إثبات التهمة، فإن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم بفرض وجوده ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. لما كان ذلك, وكان القانون لا يستلزم إبراز النص الكامل لأقوال الشهود بل يكفي أن يورد الحكم مضمونها - وإذ كان الحكم قد أورد في مدوناته أقوال الشهود الذين سمعوا أمام المحكمة وكذا أقوال الشهود الآخرين الذين تليت أقوالهم بالجلسة ممن جاءت أقوالهم مؤيده للفريق السابق من الشهود، فإنه يكون بذلك بريئاًًًًً من شائبة القصور. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون عن إصابة الشرطي عبد السميع محمد لا يعدو أن يكون جدلاًًًًً في موضوع الدعوى ولم يعرضه الطاعنون على محكمة الموضوع ولا تتأتى إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وترد على كل شبهة يثيرها أو جزئية يتمسك بها استقلالاًًًًً، إذ الرد مستفاد ضمناًًًًً من قضائها بالإدانة للأسباب التي تضمنها حكمها - وواضح من أسباب الحكم المطعون فيه أنه قد دلل في منطق سائغ مقبول على أن ما أسند إلى الطاعنين ثابت في حقهم. لما كان ذلك، وكان يبين من مراجعة الحكم أنه أورد دفاع الطاعنين الثلاثة الأول بما يتفق ودفاعهم الثابت بمحضر جلسة المحاكمة وفنده بالأسباب السائغة التي أوردها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لتهمة السرقة المسندة إلى الطاعنين الثلاثة الأول ودلل عليها تدليلاًًًًً سائغاًًًًً مقبولاًًًًً، وكان ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاًًًًً موضوعياًًًًً يتعلق بتقدير بينات الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا شأن لهذه المحكمة به.
عن أسباب الطعن المقدمة من الطاعنين الثلاثة الأول بتاريخ 26 من نوفمبر سنة 1958.
حيث إن الطاعنين الثلاثة الأول ينعون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وذلك على النحو الوارد بالوجه الثاني من التقرير الأول والوجه الرابع من التقرير الثاني وقد سبق الرد على هذين الوجهين فيما سلف - كما ينعون على الحكم كذلك القصور والخطأ في الإسناد والخطأ في تطبيق القانون - ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يرد على ما قاله الدفاع من استحالة نقل أكياس القطن المدعي بسرقتها على النحو الذي ذكره سائق السيارة يعقوب مجلع والحمال أنور جندي لأن ضخامة الأكياس المعبأة بالقطن يستحيل معها جرها في أرض فسيحة مغمورة بالمياه، كما عول الحكم في إدانة الطاعنين على وجود آثار قطن متناثرة على الطريق في محل الحادث وفي اتجاه الماكينة التي كان يخفرها الطاعنون واستند في ذلك على أقوال رجال البوليس مع أن هذا البيان الذي أورده الحكم لا سند له في الأوراق ويخالف الثابت بمعاينة النيابة الأولى لمكان الحادث. وقد فات الحكم المطعون فيه أن الجرائم التي أسندت للطاعنين يربطها غرض جنائي واحد ويعاقب عليها بالعقوبة الأشد المقررة لإحداها مما كان يتعين معه توقيع عقوبة واحدة على الطاعنين خلافاًًًًً لما ذهب الحكم إليه.
ومن حيث إن تقدير الدليل من إطلاقات محكمة الموضوع وهي غير ملزمة بتتبع دفاع المتهمين في كل جزئية منه والرد عليه استقلالاًًًًً على ما سلف القول ومن ثم فلا يعيب الحكم اعتماده على أقوال الشاهدين يعقوب مجلع وأنور جندي في نقل أكياس القطن وعدم رده على ما قاله الطاعنون تجريحاًًًًً لأقوال هذين الشاهدين إذ في الأخذ بأقوالهما والاطمئنان إليها ما يفيد إطراح هذا الدفاع دون حاجة إلى الرد عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما يثيره الطاعنون في شأن ما قيل عن وجود آثار قطن متناثرة بمحل الحادث ورد على هذا الدفاع بقوله "وأما القول بأن معاينة النيابة الأولى أثبتت أنه لم يظهر وجود آثار أقطان في المكان الذي قيل بهرب المتهمين فيه للجهة الشرقية فالثابت من الرجوع لتلك المعاينة أنها أجريت حوالي الساعة 3.15 أي بعد غروب القمر في وقت كان ظلام الليل فيه شديداًًًًً والثابت من تلك المعاينة أن المحقق لم يمر في أي طريق أو أرض بعيداًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً عن محل الحادث حتى يقال بوجود آثار أقطان أو عدم وجودها" وكان يبين من أسباب الحكم أنه اعتمد في إدانة الطاعنين عن تهمة السرقة بالإكراه على أقوال السائق والحمالين, فضلاًًًًً عما هو ثابت من أقوال الضابطين إبراهيم عوض ومحمد زيد جمال الدين بمحضر جلسة المحاكمة من أنهما قد رأيا تلك الآثار عقب وقوع الحادث. لما كان ذلك، وكان الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هو الذي يرد على أساس الدليل الذي اعتمدت عليه المحكمة في تكوين عقيدتها، وكان الدليل الذي أشارت إليه المحكمة له أصل ثابت في الأوراق كما سبق القول.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاًًًًً

الطعن 188 لسنة 30 ق جلسة 26/ 4/ 1960 مكتب فني 11 ج 2 ق 77 ص 380


جلسة 26 من أبريل سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمد عطية إسماعيل، ومحمود حلمي خاطر، ورشاد القدسي المستشارين.
--------------
(77)
الطعن رقم 188 لسنة 30 القضائية

(أ - ز) نقض. بطلان. دعوى جنائية.
المصلحة في الطعن بالنقض: توافرها بالنسبة للنيابة العامة ولو كانت المصلحة هي للمحكوم عليه. علة ذلك.
متى تنتفي مصلحة المتهم في التمسك بعدم إعلانه؟
أوجه الطعن: بطلان. وسيلة التمسك ببطلان الحكم.
عدم جواز التمسك ببطلان الحكم بغير طرق الطعن. سناد هذه القاعدة في قانوني الإجراءات الجنائية والمرافعات المدنية والتجارية. عدم جواز سماع الدعوى الأصلية ببطلان الحكم.
تصحيح البطلان: قوة الأمر المقضي: سموها على قواعد النظام العام.
دلالة الحكم برفض الطعن: صدور الحكم بعد بحث تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى. الم 35 من ق 57 لسنة 59.
انقضاء الدعوى الجنائية بالحكم البات: آثار ذلك.
(ح) انعدام الأحكام.
أسباب الانعدام: ليس من بينها بطلان تشكيل المحكمة.
(ط) قضاة. حكم.
ندب القضاة عند وجود مانع: سناد الندب ونطاقه.
ما لا يلزم بيانه في ديباجة الحكم: الإشارة إلى الندب لوجود المانع.
(ي، ك) محكمة الجنايات.
مكان انعقادها: هو الجهة التي بها مقرها. عدم اشتراط انعقادها بذات المبنى الذي تجري فيه جلسات المحكمة الابتدائية. صدور قرار من وزير العدل. محله: انعقاد المحكمة خارج المدينة التي يقع بها مقرها.

----------------
1 - من المقرر أن النيابة العامة - وهي تمثل الصالح العام وتسعى في تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى العمومية - هي خصم عام تختص بمركز قانوني خاص يجيز لها أن تطعن في الحكم - وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن - بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه من المتهمين، ولما كانت مصلحة المجتمع تقتضي أن تكون الإجراءات في كل مراحل الدعوى الجنائية صحيحة وأن تبني الأحكام فيها على تطبيق قانوني صحيح خال مما يشوبه من أسباب الخطأ والبطلان، وكان المتهم يرمي من وراء دعواه أن تقضي له محكمة الجنايات ببطلان الحكم - وهو أمر يتجاوز حدود سلطتها فضلاً عن مساسه بقوة الشيء المقضي - فإن مصلحة النيابة في الطعن تكون قائمة بكل صفاتها ومميزاتها - ولو أن الحكم قد قضى برفض الدعوى موضوعاً.
2 - إذا كان مآل دعوى المتهم حتماً هو القضاء بعدم جواز سماعها، فإن ما يثيره في شأن عدم إعلانه وما ينسبه من خطأ إلى المحكمة في ذلك لم يكن يغير من تلك النتيجة إذ أن المحكمة قد اتصلت بالدعوى بصدور الأمر بإحالتها إليها.
3 - نظم قانون الإجراءات الجنائية أحوال البطلان في قواعد عامة أوردها في الفصل الثاني عشر من الباب الثاني من الكتاب الثاني - ودل الشارع بما نص عليه في المادتين 332 و333 من قانون الإجراءات الجنائية - في عبارة صريحة - على أن التمسك بالدفع بالبطلان إنما يكون أثناء نظر الدعوى التي وقع البطلان في إجراءاتها - وهذا الإجراء الباطل - أياً كان سبب البطلان يصححه عدم الطعن به في الميعاد القانوني - ولهذا اشترط لقبول أسباب النظام العام لأول مرة أمام محكمة النقض ألا يكون الحكم المطعون فيه قد اكتسب قوة الشيء المحكوم به، وأن تكون هذه الأسباب مستفادة من الأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع وألا يخالطها أي عنصر واقعي لم يسبق عرضه عليها - وذلك تغليباً لأصل اكتساب الحكم قوة الشيء المحكوم فيه على أصل جواز التمسك بالأسباب الجديدة الماسة بالنظام العام.
4 - نصت المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية في قوة الأحكام النهائية على ما يأتي "تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو الإدانة - وإذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون"، ولما كان القانون قد بين طرق الطعن في الأحكام الجنائية وهي المعارضة والاستئناف والنقض، ورسم أحوال وإجراءات كل منها فإن الطعن في تلك الأحكام الجنائية بالبطلان بدعاوى مستقلة ترفع بصفة أصلية يكون غير جائز في القانون مما يقتضي الحكم بعدم جواز سماع دعوى البطلان فيها.
5 - أجازت المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 لمحكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها ولغير الأسباب التي بني عليها الطعن في أي حالة من الحالات المشار إليها فيه - فيكون قضاء محكمة النقض برفض الطعن معناه بالضرورة أنها أصدرت حكمها بعد بحث تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى ولم تر في ذلك عيباً - ومثل هذا الحكم بعد هذه المرحلة يحوز قوة الشيء المقضي ويعتبر عنواناً للحقيقة بما جاء فيه.
6 - لا يسوغ في القانون تأخير تنفيذ الأحكام النهائية إلى غير مدى بدعوى أن يجد المحكوم عليهم سبيلاً للطعن بالبطلان مما يتحتم معه القول بأن الشارع قد قصد بغير شك أن يجعل لطرق الطعن الممنوحة للمتهم والمذكورة في القانون على سبيل الحصر حداً يجب أن تقف عنده الأحكام ضماناً لحسن سير العدالة واستقراراً للأوضاع النهائية التي انتهت إليها كلمة القضاء.
7 - دل الشارع بما نص عليه في المادة 396 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المعدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1956 على أن الطعن في الأحكام بدعوى البطلان الأصلية غير جائز - إذ لو كان الأمر كذلك لما كان هناك محل لإيراد ذلك النص الذي خرج به عن القواعد التي حددت نصاب الاستئناف - ولم يخرج الشارع عن هذا الأصل - إلا بقدر ما خول لمحكمة النقض من حق إعادة النظر في الدعاوى التي أصدرتها هي - في حالة واحدة نصت عليها المادة 314 مرافعات في باب رد القضاة عن الحكم إذ نصت على: "عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة - أحوال عدم الصلاحية - ولو باتفاق الخصوم يقع باطلاً - وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى" وذلك باعتبار أن محكمة النقض - وهي المحكمة العليا - لا سبيل إلى تصحيح حكمها - في الحالة المشار إليها في المادة المذكورة إلا بالرجوع إليها فيها - أما في غير هذه الحالة التي جاءت على سبيل الاستثناء والحصر - فإن في سلوك طرق الطعن العادية منها وغير العادية ما يكفل إصلاح ما وقع في الأحكام من أخطاء - فإذا توافر سبيل الطعن وضيعه صاحب الشأن فلا يلومن إلا نفسه.
8 - إذا جاز القول في بعض الصور بانعدام الأحكام لفقدانها مقوماتها الأساسية فليس هذا هو الشأن فيما يثيره الطاعن بشأن تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى.
9 - ندب رئيس محكمة الاستئناف أحد مستشاري المحكمة لنظر الطلب الذي تقدم به المتهم ببطلان الحكم بدلاً من المستشار الأصلي - الذي وجد لديه مانع - إجراء مطابق لما نصت عليه المادة 71 في فقرتها الثانية من القانون رقم 56 لسنة 1959 - في شأن السلطة القضائية - والواردة في الفصل الثاني منه المعنون "في نقل القضاة وندبهم" - سواءً في محاكم الاستئناف، أو في المحاكم الابتدائية - ولا يلزم الإشارة إلى هذا الندب في الحكم.
10 - المادة السابعة من قانون السلطة القضائية وإن اشترطت أن تنعقد محكمة الجنايات في كل مدينة بها محكمة ابتدائية إلا أنها لم تشترط أن تنعقد المحكمة في ذات المبنى الذي تجري فيه جلسات المحاكم الابتدائية - وما دامت محكمة الجنايات التي نظرت الطلب قد انعقدت في مقرها وهو مدينة القاهرة، فإن انعقادها يكون صحيحاً.
11 - صدور قرار من وزير العدل إنما يكون واجباً إذا كان محل انعقاد محكمة الجنايات في مكان آخر خارج المدينة التي تقع بها ذات المحكمة الابتدائية.


الوقائع
تخلص الواقعة في أنه بتاريخ 30/ 4/ 1959 أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكماً قضى بمعاقبة حسني أحمد توفيق مورو بالإعدام شنقاً. فطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقضي فيه بتاريخ 17/ 11/ 1959 بقبوله شكلاً وبرفضه موضوعاً. وبتاريخ 13/ 12/ 1959 قدم المحكوم عليه المذكور طلباً إلى محكمة استئناف القاهرة يطلب فيه القضاء بانعدام الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة والقاضي بإعدامه شنقاً واعتبار الدعوى كأنما لم يصدر فيها حكم. وقال في طلبه إن محكمة الجنايات التي أصدرت حكم الإعدام لم تكن مشكلة تشكيلاً صحيحاً. ومحكمة الجنايات قضت في الدعوى بتاريخ 31/ 12/ 1959 بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وبصحة الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة في 30/ 4/ 1959 القاضي بإعدام حسني أحمد توفيق مورو شنقاً. فطعن كل من المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
... من حيث إن النيابة العامة تعيب على الحكم المطعون فيه - الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وفي بيان ذلك تقول أن سبيل الطعن في الأحكام الجنائية هي المعارضة والاستئناف والنقض وليس من بينها رفع دعوى أصلية بطلب بطلان الحكم - فمتى استنفد صاحب الشأن هذه الطرق أو سكت عن سلوكها، فإن الحكم يحوز قوة الشيء المقضي به ويرتفع عنه وصف البطلان أياً كان العيب الذي لحقه، ومن ثم فإن محكمة جنايات القاهرة - إذ أجازت رفع دعوى البطلان وأسبغت على نفسها ولاية البحث في صحة تشكيل المحكمة التي أصدرت الحكم في الموضوع - تكون قد تجاوزت حدود اختصاصها المقرر لها في القانون.
وحيث إن واقع الحال في الدعوى أن محكمة جنايات القاهرة حكمت بتاريخ 30 من أبريل سنة 1959 بإعدام حسني أحمد توفيق مورو شنقاًًًًً. فطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقضي فيه بالرفض في 17 من نوفمبر سنة 1959. فقدم المطعون ضده طلباًًًًً إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة التمس فيه القضاء ببطلان الحكم الموضوعي بمقولة إن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة تشكيلاًًًًًًًًًً صحيحاًًًًً إذ اشترك في الحكم المرحوم الأستاذ شفيق الكاشف وكيل محكمة القاهرة في حين أن المادة السادسة من الباب الأول من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية والمعمول به من 21 من فبراير سنة 1959 قد نصت على: "تشكل في كل محكمة استئناف محكمة أو أكثر للجنايات وتؤلف كل منها من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف. ويرأس محكمة الجنايات رئيس المحكمة أو أحد رؤساء الدوائر وعند الضرورة يجوز أن يرأسها أحد المستشارين بها". كما نصت المادة الأولى من قانون إصدار السلطة القضائية على أن "يلغى من قانون نظام القضاء ومن قانون استقلال القضاء ومن قانون السلطة القضائية ما يخالف أحكام نصوص القانون المرافق ويستعاض عنها بالنصوص المرافقة ويلغى كل نص آخر يخالف أحكامه" وانتهى إلى القول بأن المادة 372 من قانون الإجراءات - التي كانت تجيز - عند الاستعجال ندب رئيس محكمة ابتدائية أو وكيلها للجلوس في محاكم الجنايات قد ألغيت بموجب هذا القانون - فأحال رئيس المحكمة الطلب إلى محكمة جنايات القاهرة فقضت بتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1959 بعد بحث تشكيل المحكمة والوقوف على صحته بقبول الدعوى شكلاًًًًً وفي الموضوع برفضها وبصحة الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة بتاريخ 30 من أبريل سنة 1959 والقاضي بإعدام حسني أحمد توفيق مورو شنقاًًًًً. هذا هو الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الحاضر عن المطعون ضده - دفع بعدم قبول طعن النيابة لانتفاء المصلحة منه وأشار بمذكرته أن المصلحة هي مقياس الدعوى - وأن مصلحة النيابة من وراء هذا الطعن هي مصلحة نظرية صرف، إذ هي تطلب من طعنها أن يقضي فيه بعدم قبول دعوى البطلان - في حين أن الحكم المطعون فيه قد قضى برفض الدعوى موضوعاًًًًً وهو ما يستوي من الناحية العملية مع الحكم بعدم قبول الدعوى - إذ أن الحكم المطعون فيه لم يمس موضوع الحكم الأصلي واستبقاه على حاله دون أي مساس - فليس للنيابة من وراء الطعن أية فائدة عملية.
وحيث إن النيابة العامة - وهي تمثل الصالح العام وتسعى في تحقيق موجبات القانون - من جهة الدعوى العمومية هي خصم عام تختص بمركز قانوني خاص يجيز لها أن تطعن في الحكم - وإن لم يكن لها - كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن - بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه من المتهمين، وكانت مصلحة المجتمع تقتضي أن تكون الإجراءات في كل مراحل الدعوى الجنائية صحيحة وأن تبنى الأحكام فيها على تطبيق قانوني صحيح خال مما يشوبه من أسباب الخطأ والبطلان، وكان المطعون ضده يرمي من وراء طعنه أن تقضي له محكمة الجنايات - ببطلان الحكم - وهو أمر يتجاوز حدود سلطتها فضلاًًًًً عن مساسه بقوة الشيء المقضي به، فإن مصلحة النيابة في الطعن تكون قائمة بكل صفاتها ومميزاتها - ولو أن الحكم قد قضى برفض الدعوى موضوعاًًًًً - والطعن من جانب النيابة - لم ينصب على تعييب الحكم المطعون فيه من حيث الموضوع - كما يظن لأول وهلة، بل هو ينكر على المطعون ضده حقه في سلوك هذا السبيل كما ينكر على المحكمة حقها فيما قضت به من قبول دعوى البطلان بالمخالفة للقانون مما أدى بها بالضرورة إلى البحث في صحة تشكيل المحكمة التي أصدرت الحكم وما قد يجره هذا البحث من إهدار قوة الشيء المقضي به التي حازها هذا الحكم. لما كان ذلك، فإن الدفع يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه - تحدث عن جواز رفع دعوى البطلان في قوله: "وحيث إن قانون الإجراءات الجنائية وإن لم يتحدث عن دعوى البطلان الأصلية فإنه لم يجحد قيام البطلان في الأحكام فتحدث في الفصل الثاني عشر من الباب الثاني من الكتاب الثاني عن أوجه البطلان فقال إن البطلان يترتب على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري، وأنه إذا كان البطلان راجعاًًًًً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها للحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو غير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب - كما نص القانون رقم 57 لسنة 1959 الصادر في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أن للمحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة للقانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقاًًًًً للقانون ولا ولاية لها بالفصل في الدعوى أو إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى، كما نص قانون الإجراءات على ما عدا ذلك من أنواع البطلان وقال بسقوط الحق في الدفع بها في الأحوال التي عددها. وحيث إن مؤدى ما تقدم هو أن قانون الإجراءات الجنائية فرق بين البطلان الماس بالنظام العام وبين غير ذلك من أوجه البطلان ورتب على النوع الأول جواز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى وأن المحكمة تقضي به ولو بغير طلب - ومعنى هذا أن القانون افترض قيام البطلان وقت نظر الدعوى وقبل استنفاذ طرق الطعن فيها ولم يفترض أن المحكوم عليه كشف أمر البطلان وأراد الطعن في الحكم بدعوى أصلية بعد أن انتهت وسائله القانونية للطعن فيه. وحيث إن البطلان الماس بالنظام العام والذي قد يشوب الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه أمر محتمل الوقوع في بعض الصور رغم اجتياز الحكم لجميع مراحل الطعن - بل إنه يمكن تصوره في الدعوى التي بصددها البحث والتي رفض الطعن المرفوع عنها أمام محكمة النقض - ذلك أنه مع افتراض أن محكمة الجنايات التي أصدرت الحكم المطعون فيه كانت مشكلة تشكيلاًًًًً باطلاًًًًً بإجماع الآراء وبلا خلاف كأن كان العضو المكمل لها قاضياًًًًً ووصف خطأ في محضر الجلسة وفي الحكم بأنه رئيس محكمة ابتدائية ولم يكشف الطاعن هذا الخطأ فيضمنه أسباب طعنه ولم تلتفت محكمة النقض من تلقاء نفسها إلى ما شاب الحكم لأن محضر الجلسة صحيح حسب نصوص قانون الإجراءات وتم القضاء برفض الطعن - هذه الحالة لم ينظمها قانون الإجراءات الجنائية مع أنه لا سبيل إلى الطعن في مثل هذا الحكم بالطريق الآخر غير العادي وهو طلب إعادة النظر لأن الأسباب التي بينها قانون الإجراءات الجنائية لهذا الطلب وردت على سبيل الحصر وليس من بينها بطلان تشكيل المحكمة التي أصدرت الحكم. وحيث إن هذا المثل الذي ساقته المحكمة يجعل إجازة رفع دعوى أصلية ببطلان الحكم لا مناص منه متى استنفدت أوجه الطعن الأخرى وذلك إذا ما كان البطلان ماساًًًًً بالنظام العام لأن هذا النوع من البطلان يجعل الحكم فاقداًًًًً لمقوماته الأساسية ويعد في حكم العدم". ثم تحدث الحكم عن اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم الأول بنظر الدعوى وانتهى من ذلك بقوله: "إن رفع هذه الدعوى أمامها قد وقع صحيحاًًًًً مطابقاًًًًً للقانون".
وحيث إن قانون الإجراءات القانونية - قد نظم أحوال البطلان في قواعد عامة أوردها في الفصل الثاني عشر من الباب الثاني من الكتاب الثاني فنص في المادة 332 على أنه "إذا كان البطلان راجعاًًًًً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى - وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب - كما نصت المادة 333 "في غير الأحوال المشار إليها في المادة السالفة يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه. أما في مواد المخالفات فيعتبر الإجراء صحيحاًًًًً إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام في الجلسة. وكذلك يسقط حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه" فدل الشارع بذلك في عبارة صريحة على أن التمسك بالدفع بالبطلان إنما يكون أثناء نظر الدعوى التي وقع البطلان في إجراءاتها - وهذا الإجراء الباطل أياًًًًً كان سبب البطلان يصححه عدم الطعن به في الميعاد القانوني، ولهذا اشترط لقبول أسباب النظام العام لأول مرة أمام محكمة النقض ألا يكون الحكم المطعون فيه قد اكتسب قوة الشيء المحكوم به وأن تكون هذه الأسباب مستفادة من الأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع، وألا يخالطها أي عنصر واقعي لم يسبق عرضه عليها، وذلك تغليباًًًًً لأصل اكتساب الحكم قوة الشيء المحكوم فيه على أصل جواز التمسك بالأسباب الجديدة الماسة بالنظام العام. هذا وقد نصت المادة 454 من قانون الإجراءات - في قوة الأحكام النهائية - على ما يأتي: "تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو الإدانة. وإذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون" لما كان ذلك، وكان القانون قد بين طرق الطعن في الأحكام الجنائية وهي المعارضة والاستئناف والنقض ورسم أحوال وإجراءات كل منها، فإن الطعن في تلك الأحكام الجنائية بالبطلان بدعاوى مستقلة ترفع بصفة أصلية يكون غير جائز في القانون.
وحيث إنه فضلاًًًًً عن ذلك فقد نصت المادة 396 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1956 على: "يجوز استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من المحاكم الجزئية أو من المحاكم الابتدائية بسبب وقوع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم" فقد دل الشارع بذلك على أن سبيل تعييب الأحكام لا يكون إلا عن طريق الطعن فيها بالطرق المقررة في القانون وأن الطعن فيها بدعوى البطلان الأصلية غير جائز - إذ لو كان الأمر كذلك لما كان هناك محل لإيراد ذلك النص الذي خرج به عن القواعد التي حددت نصاب الاستئناف - ولم يخرج الشارع عن هذا الأصل - إلا بقدر ما خول لمحكمة النقض من حق إعادة النظر في الدعاوى التي أصدرتها هي - في حالة واحدة نصت عليها المادة 314 من قانون المرافعات في باب رد القضاة عن الحكم إذ نصت على: "عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر (أحوال عدم الصلاحية) ولو باتفاق الخصوم، يقع باطلاًًًًً. وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى" - وذلك باعتبار أن محكمة النقض وهي المحكمة العليا وأنه لا سبيل إلى تصحيح حكمها - في الحالة المشار إليها في المادة المذكورة - إلا بالرجوع إليها فيها. أما في غير هذه الحالة التي جاءت على سبيل الاستثناء والحصر فإن في سلوك طرق الطعن العادية منها وغير العادية ما يكفل إصلاح ما وقع في الأحكام من أخطاء - فإذا توافر سبيل الطعن وضيعه صاحب الشأن فلا يلومن إلا نفسه. لما كان ذلك، وكانت المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، قد نصت على ما يأتي: "لا يجوز إبداء أسباب أخرى أمام المحكمة غير الأسباب التي سبق بيانها في الميعاد المذكور بالمادة السابقة. ومع ذلك فللمحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة للقانون، أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله، أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقاًًًًً للقانون ولا ولاية لها بالفصل في الدعوى، أو إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى" وبهذا أجازت لمحكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها ولغير الأسباب التي بني عليها الطعن في أية حالة من الحالات المشار إليها آنفاًًًًًًًًًً دون غيرها - فإن قضاء محكمة النقض برفض الطعن، معناه بالضرورة أنها أصدرت حكمها - بعد بحث تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى ولم تر في ذلك عيباًًًًً - فمثل هذا الحكم - بعد هذه المرحلة يحوز قوة الشيء المقضي فتنقضي به الدعوى العمومية ويعتبر عنواناًًًًً للحقيقة بما جاء فيه وحجة على الكافة. لما كان ذلك، وكان لا يسوغ في القانون تأخير تنفيذ الأحكام النهائية إلى غير مدى بدعوى أن يجد المحكوم عليهم سبيلاًًًًً للطعن بالبطلان، فإنه يتحتم القول بأن الشارع قصد بغير شك أن يجعل لطرق الطعن الممنوحة للمتهم والمذكورة في القانون علي سبيل الحصر - حداًًًًً يجب أن تقف عنده ضماناًًًًً لحسن سير العدالة واستقراراً للأوضاع النهائية التي انتهت إليها كلمة القضاء.
وحيث إنه متى تقرر ذلك، وكان الحكم الصادر ضد المطعون ضده بتاريخ 30 أبريل سنة 1959 قد أصبح باتاًًًًً فلا يجوز الطعن فيه بدعوى البطلان الأصلية - وحتى إذا جاز القول - في بعض الصور - بانعدام الأحكام لفقدانها مقوماتها الأساسية، فليس هذا هو الشأن في الدعوى الحالية، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة جنايات القاهرة بتاريخ 31 ديسمبر سنة 1959 والقضاء بعدم جواز سماع دعوى البطلان.
بالنسبة للطعن المقدم من المتهم:
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن يستند في أوجه الطعن المقدمة منه على الحكم إلى وجوه متنوعة قسمها إلى طائفتين: الطائفة الأولى ترد على الحكم المطعون فيه الصادر في 31 ديسمبر سنة 1959، والطائفة الثانية ترد على الحكم الصادر في الموضوع بتاريخ 30 من أبريل سنة 1959. ويقول في الطائفة الأولى أن الحكم بني على إجراءات باطلة إذ أن رئيس الدائرة التي نظرت الدعوى وقضت فيها وهو السيد المستشار محمود عبد اللطيف لم يندب للعمل في محاكم الجنايات من قبل الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة - كما تقضي بذلك المادتان 6 و35 من الباب الأول من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية، كما أن المحكمة قامت بعقد جلساتها في دار القضاء العالي - دون مقر مبنى محكمة القاهرة الابتدائية المقرر لعقدها بمقتضى القانون المذكور ولم يثبت أن وزير العدل قد أذنها في ذلك - فتجاوزت بذلك قواعد تحديد مكان انعقاد المحاكم مما يترتب عليه بطلان الإجراءات والأحكام بطلاناًًًًً مطلقاًًًًً. هذا إلى أن الطاعن لم يعلن بالحضور في الجلسة وسارت الإجراءات في الدعوى في غيبته ودون إعلانه رغم أن القانون لا يسمح بأن يمثله غيره فيها - وقد جاء الحكم خالياًًًًً من أية إشارة إلى ذلك. أما الطائفة الأخرى فتتمثل في أن الحكم الصادر في 30 أبريل سنة 1959 قد صدر باطلاًًًًً قانوناًًًًً لبطلان تشكيل المحكمة التي أصدرته، ذلك أن المادة السادسة من الباب الأول من القانون رقم 56 لسنة 1959 والمادة الأولى من قانون الإصدار قد ألغتا المادة 372 من قانون الإجراءات التي كانت تجيز ندب أحد رؤساء المحاكم الكلية أو وكلائها للجلوس بمحكمة الجنايات - على ما سبق بيانه - وأنه لا يصح في مجال التفسير الاعتماد على ما جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون لمخالفتها لنصوص القانون الصريحة في هذا الخصوص.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن الطلب الذي تقدم به الطاعن إلى رئيس محكمة الاستئناف ببطلان الحكم الموضوعي قد عرض على السيد المستشار محمد كامل البهنساوي رئيس الدائرة الجنائية الثانية من دوائر محكمة جنايات القاهرة فاعتذر عن نظره فندب السيد رئيس محكمة الاستئناف بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1959 السيد المستشار محمود عبد اللطيف للجلوس بدله. لما كان ذلك، وكانت المادة 71 فقرة ثانية من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية والواردة في الفصل الثاني منه المعنون "في نقل القضاة وندبهم" سواءً في محاكم الاستئناف أو في المحاكم الابتدائية قد نصت على: "وفي حالة غياب أحد القضاة أو وجود مانع لديه يندب رئيس المحكمة من يحل محله..." فإن ندب السيد المستشار محمود عبد اللطيف لنظر هذا الطلب بدلاًًًًً من المستشار الأصلي - الذي وجد لديه المانع يكون مطابقاًًًًً للقانون - ولا داعي بعد ذلك للإشارة إلى هذا الندب في الحكم.
وحيث إن المادة السابعة من القانون المذكور - وإن اشترطت أن تنعقد محكمة الجنايات في كل مدينة بها محكمة ابتدائية - إلا أنها لم تشترط أن تنعقد المحكمة في ذات المبنى الذي تجري فيه جلسات المحكمة الابتدائية - وما دامت محكمة الجنايات التي نظرت الطلب قد انعقدت في مدينة القاهرة - وهو ما لا ينازع فيه الطاعن - فإن انعقادها يكون صحيحاًًًًً. أما ما أشار إليه الطاعن من وجوب صدور قرار من وزير العدل، فإن ذلك محله أن يكون محل انعقاد المحكمة في مكان آخر خارج المدينة التي تقع بها دائرة المحكمة الابتدائية - وهو ما لم يحدث في الدعوى. لما كان ذلك، وكان مآل دعوى الطاعن حتماًًًًً هو القضاء بعدم جواز سماعها، فإن ما يثيره في شأن عدم إعلانه لم يكن يغير من تلك النتيجة، إذ أن المحكمة قد اتصلت بالدعوى بصدور الأمر بإحالتها إليها. أما في خصوص الطعن الذي يرد على الحكم الموضوعي، فإنه يضحى - بعدم جواز سماع دعوى البطلان - غير ذي موضوع.

الطعن 38 لسنة 29 ق جلسة 14 / 6/ 1960 مكتب فني 11 ج 2 نقابات ق 3 ص 305


جلسة 14 من يونيه سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي المستشارين.
------------------
(3)
الطعن رقم 38 لسنة 29 القضائية

محاماة .
ما ينفي حسن السمعة والاحترام الواجب للمهنة. 
أمثلة.
---------------
إذا كان يبين من ملف خدمة الطاعن أن بعض الجزاءات التي وقعت عليه كان لأسباب لا تتفق وحسن السمعة والاحترام الواجب لمهنة المحاماة - كتحيزه لجانب بدال ليدفع عنه تهمة نسبت إليه، وإدلائه بأقوال غير صحيحة في محضر البوليس لصالح هذا البدال وإخفائه محضراً محرراً ضد تاجر، واستعماله استمارات سفر صرفت إليه للحضور أمام محكمة عسكرية للشهادة ولحضور جلسة مجلس تأديب مع عدم حضوره أمامهما، وتوقيعه في دفتر الحضور والانصراف في يوم لم يتواجد فيه، فإن ذلك يفقده صلاحية الاشتغال بالمحاماة التي تطلبتها المادة الثانية من القانون رقم 96 لسنة 1957 في فقرتها الرابعة.


الوقائع
قيدت لجنة قبول المحامين بمحكمة استئناف القاهرة اسم الطاعن بجدول المحامين تحت التمرين، ثم نقلته إلى قوائم غير المشتغلين لتعيينه بوزارة التجارة والصناعة ثم نقل إلى وزارة التموين واستمر بها إلى أن رفع اسمه من عداد موظفي هذه الوزارة فعاد وقدم طلباً لإعادة اسمه إلى جدول المحامين المشتغلين فقررت اللجنة غيابياً برفض طلبه. فعارض وقضت اللجنة بقبول معارضته شكلاً ورفضها موضوعاً فقرر الوكيل عن الطاعن الطعن في القرار الأخير بطريق النقض إلخ......

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن القرار استند في رفضه طلب إعادة قيد اسم الطاعن إلى جدول المحامين المشتغلين إلى سبق إيقاع عدة جزاءات عليه ومحاكمته أمام مجلس التأديب مما يفقده صلاحية الاشتغال بالمحاماة طبقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من القانون رقم 96 لسنة 1957 مع أن هذه الجزاءات لا مساس لها بالذمة والشرف لأنها وقعت عليه لمخالفته التعليمات الإدارية ولتغيبه عن عمله بدون إذن وإهماله في عمله، كما أن محاكمته أمام مجلس التأديب كانت لعدم انتظام القيد في الدفاتر ووجود شطب وتصحيح فيها.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة الطاعن التي أمرت هذه المحكمة بضمه أنه وقعت عليه عدة جزاءات وأن بعضها كان لأسباب لا تتفق وحسن السمعة والاحترام الواجب لمهنة المحاماة - كتحيزه لجانب البدال....... ليدفع عنه التهمة التي نسبت إليه وإدلائه بأقوال غير صحيحة في محضر البوليس لصالح هذا البدال، وإخفائه المحضر المحرر ضد التاجر....... واستعماله استمارات سفر صرفت إليه للحضور أمام المحكمة العسكرية للشهادة ولحضور جلسة مجلس التأديب وعدم حضوره أمامها، وتوقيعه في دفتر الحضور والانصراف في يوم 2 يناير سنة 1958 مع عدم تواجده في ذلك اليوم. ولما كانت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من القانون رقم 96 لسنة 1957 تنص على أنه يشترط فيمن يقيد اسمه بجدول المحامين أن يكون محمود السيرة حسن السمعة أهلاً للاحترام الواجب للمهنة وألا يكون قد صدرت ضده أحكام قضائية أو تأديبية أو اعتزل وظيفته أو مهنته أو انقطعت صلته بها لأسباب ماسة بالذمة أو بالشرف وكان من بين الجزاءات الموقعة على الطاعن ما وقع لأسباب تتنافى مع حسن السمعة مما يفقده الصلاحية للاشتغال بالمحاماة، ويكون القرار المطعون فيه صحيحاً بقضائه برفض الطلب ولا يرد عليه ما جاء بوجه الطعن، ويتعين لذلك رفضه موضوعاً وتأييد القرار المطعون فيه.

الطعن 1747 لسنة 29 ق جلسة 4/ 4/ 1960 مكتب فني 11 ج 2 ق 61 ص 308


جلسة 4 من أبريل سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
--------------------
(61)

الطعن رقم 1747 لسنة 29 القضائية

(أ ) استدلال.

تفتيش السيارة الخاصة بالطرق العامة في غير إذن من سلطة التحقيق وفي غير حالة التلبس بالجريمة. متى يجوز ذلك؟
عند خلوها مع تخلي صاحبها عنها.
(ب، ج) تلبس.
ماهيته: وصف يلازم الجريمة ذاتها.
حالاته: التلبس الحقيقي. مشاهدة الجريمة حال ارتكابها وإدراك وقوعها إدراكاً يقينياً عن طريق أي حاسة من الحواس.
التلبس الاعتباري. مطاردة الجاني بالصياح وتجمع العامة حوله.
شروطه. ما لا ينفي تحقق مأمور الضبط القضائي بنفسه من قيام حالة التلبس. مشاهدته الجريمة في حالة تلبس بعد تلقي نبأه عن طريق الرواية ممن شاهده.

---------------------

1 - لا يجوز تفتيش السيارات الخاصة بالطرق العامة بغير إذن من سلطة التحقيق وفي غير أحوال التلبس إلا إذا كانت خالية وكان ظاهر الحال يشير إلى تخلي صاحبها عنها.
2 - التلبس وصف يلازم الجريمة ذاتها بغض النظر عن شخص مرتكبها، ولا يلزم لكشف هذه الحالة أن تكون الرؤية بذاتها هي وسيلة هذا الكشف، بل يكفي أن يكون شاهدها قد حضر ارتكابها بنفسه وأدرك وقوعها بأية حاسة من حواسه - تستوي في ذلك حاسة البصر، أو السمع، أو الشم متى كان هذا الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل شكا.
3 - ليس في القانون ما يمنع المحكمة - في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى - من الاستدلال بحالة التلبس بناءً على ما استخلصته من أقوال الشهود من شم رائحة المخدر منبعثة من السيارة التي في حوزة المتهمين وتجمع العامة حولهما مع صياحهم بأن بالسيارة مخدراً وشم شرطي المرور هذه الرائحة وإنهاء ذلك إلى الضابط الذي تحقق بنفسه من قيام حالة التلبس بالجريمة عن طريق متابعة العامة للمتهمين بالصياح ورؤيته إياهما على تلك الحال، وهو ما تتوافر به حالة التلبس كما هي معرفة به قانوناً.



الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم: حازوا بقصد الإتجار مواد مخدرة وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 1؛ 2؛ 33 أ - جـ أخيرة و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول أ فقررت بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة كل من الطاعنين بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه وبمصادرة المواد المخدرة المضبوطة وببراءة المتهم الثالث مما أسند إليه. فطعن المتهمان في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.....


المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد كما شابه فساد في الاستدلال وقصور في البيان حين دان الطاعنين بحيازة مخدر للإتجار ذلك أنهما دفعا ببطلان القبض والتفتيش لإجرائهما في غير الأحوال الجائزة قانوناً وجاء رفض الحكم لهذا الدفع مخالفاً للقانون إذ أسسه على أن الطاعنين كانا في حالة تلبس لانبعاث رائحة المخدرات من مكمنها بحقيبة السيارة التي كانت في حيازتهما وأن تفتيش السيارة ولو كانت خاصة جائز قانوناً إذا وجدت في الطريق العام، وأن الطاعنين رضيا بالتفتيش إذ سلما مفاتيح السيارة إلى جندي المرور عند طلبها منهما وقد سلمها هذا الأخير إلى معاون البوليس الذي تولى فتح السيارة وضبط المخدرات بها. وهذا الذي ذكره الحكم مردود بأن حالة التلبس لم تكن متوافرة في حق الطاعنين لأنها لا تقوم إلا على مشاهدة رجل الضبط إياها - ولا يكفي أن يتلقى نبأها من الغير، وقد استخلص الحكم ما يفيد أن معاون البوليس الذي تولى فتح مؤخر السيارة وتفتيشها قد أقر في جميع مراحل التحقيق بأنه لم يشتم رائحة المخدر بنفسه إلا بعد أن ساق السيارة والطاعنين من نقطة المرور إلى مخفر البوليس وذلك في أثناء فتحه الحقيبة الخلفية للسيارة، أي بعد إتمام القبض والتفتيش، مع أنه من المسلم به أن التلبس يجب أن يسبق القبض والتفتيش لا أن يأتي ثمرة لهما، ولا يصحح من هذه الإجراءات ما نقل عن جندي المرور من أنه شم رائحة المخدر لأن هذا الشم لا يخلق حالة التلبس بالنسبة إلى ضابط البوليس الذي قام بالقبض والتفتيش، كما أن تفتيش السيارة التي لم يكن قد تخلى عنها صاحبها أو انقطعت صلته بها غير جائز، وقد ثبت أن السيارة كانت إلى حين استيلاء الضابط عليها ما تزال في حيازة الطاعنين - أما عن رضاء الطاعنين بالتفتيش فقد استدل الحكم عليه من أمرين - الأول - أن الطاعن الثاني أقر صراحة في تحقيق النيابة أنه وزميله الطاعن الأول سمحا لضابط البوليس بتفتيش السيارة - والثاني - أن الطاعنين سلما جندي المرور أربعة مفاتيح خاصة بالسيارة أحدها تفتح به حقيبتها الخلفية التي وجد بها المخدر وفي تسليم هذه المفاتيح ما يدل على تمام الرضاء بالتفتيش - وما نسبه الحكم إلى الطاعن الثاني لا مأخذ له من الأوراق، كما أن تسليم المفاتيح كلها لا يفيد بطريق اللزوم العقلي قيام الرضاء الحر وقد ثبت من الأوراق أن رجل البوليس طلب مفاتيح السيارة من الطاعنين فصدعا للأمر خوفاً ورهبة مما يجعل رضاهما مشوباً - هذا إلى أن الحكم لم يستظهر علم الطاعنين بوجود المخدر مخبأ في السيارة فقد قام دفاعهما على أن شخصا معيناً سلم أحدهما مفاتيح السيارة للسفر بها من القاهرة إلى أخميم لتسليمها إلى آخر يساوم على شرائها وتركها لديه إن أعجبته، ودفعا في كافة مراحل الدعوى بجهلهما ما كان مخبأ بالسيارة وقد خلا الحكم من التحدث عن هذا الركن مما يعيبه ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إنه حوالي الساعة الحادية عشرة والثلث من مساء يوم 18 من يوليه سنة 1957 بناحية الحواتكه مركز منفلوط مديرية أسيوط بينما كان شرطي المرور شلقاني فرج علي في فترة عمله الاحتياطي بنقطة مرور الحواتكه إذ رأى السيارة الخاصة 13370 القاهرة يقودها المتهم الأول وبرفقته المتهم الثاني (الطاعنين) تسير في طريقها إلى الجهة القبلية فلما جاوزت مبنى نقطة المرور انعطفت نحو اليمين ثم وقفت على بعد حوالي خمسة عشر متراً منه وآنئذ كان الشرطي عائداً من منزل السيد/ إبراهيم محفوظ حيث كان يزيل ضرورة فلما مر خلف السيارة اشتم فيها رائحة مخدر تنبعث وكان قائدها قد وقف إلى جوارها ومعه المتهم الثاني - وقد رفع الأول غطاء محركها (الموتور) حتى يبرد ورأى الشرطي بعض الأهالي قد تجمعوا حول هذين المتهمين والسيارة وسمعهم يقولون إن بها مخدرات، كما لاحظ الشرطي على المتهمين دلائل الارتباك وإذ ذاك اشتبه في أمرهما وطلب من قائد السيارة مفتاحها فقدمه إليه ثم طلب منه مفتاح الحقيبة (الشنطة) الخلفية فقدم إليه ثلاثة مفاتيح وعندئذ كان معاون بوليس نقطة الحواتكه قد أقبل فأفضى إليه الشرطي بما تقدم وسلمه المفاتيح وسمع المعاون قول الناس الملتفين حول السيارة أن فيها مخدرات فلما لم يجد بداخلها شيئاً ظاهراً اقتادها إلى نقطة البوليس مستصحباً معه الشرطي والمتهمين الأول والثاني وسمح له هذا الأخير أن يفتشها ففتح الحقيبة الخلفية بمفتاح الإدارة (الكونتاكت) بعد أن استعطى عليه فتحها بالمفاتيح الأخرى وآنئذ اشتم رائحة المخدر تنبعث من هذه الحقيبة - ولما فتحها عثر بها على سلة ومعطفين بداخلهما تسع عشر لفافة من الأفيون بلغ وزنها 17.940 كيلو جراماً وثمان وثلاثون لفافة من الحشيش بلغ وزنها 10.550 كيلو جراماً ولقد زعم المتهمان الأول والثاني أنهما موفدان بهذه السيارة من مالكها منير محمد الدسوقي إلى أخميم ليسلماها إلى تاجر يدعى عبد الحميد علي تبين أنه غائب في الحجاز، كما تبين أن منير محمد الدسوقي باع هذه السيارة منذ ثلاثة أسابيع سابقة إلى المتهم الثالث بعقد مصدق عليه في مكتب توثيق الزقازيق ولقد أقر المتهم الثالث واقعة الشراء منكراً كل علاقة له بالمخدرين وذاكراً أنه لم يتسلم السيارة من بائعها بل تركها في حوزته حتى يجد لها مشترياً آخر بثمن أعلى فيقتسم الربح مع بائعها الأصلي - كما أنكر المتهمان الأول والثاني (الطاعنان) علاقتهما بالمخدر وعلمهما بوجوده في السيارة. ورأى وكيل النيابة المحقق أن يستوثق من مدى انبعاث رائحة المخدرين من حقيبة السيارة ومدى قدرة كل من الضابط والشرطي على كشف هذه الرائحة، فقام وكيل النيابة بإجراء معاينة واختبار في حضور المتهمين الأول والثاني ومحاميهما فوضح له أن كلاً من الضابط والشرطي قد استطاع أن يستبين وجود المخدر كلما كان موضوعاً داخل الحقيبة وأن يستبين عدم وجوده كلما كان مستبعداً منها." وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة بالنسبة إلى الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال كل من شرطي المرور ومعاون بوليس نقطة الحواتكة ومنير محمد الدسوقي ومما أسفر عنه الفحص الكيمائي للمادتين المخدرتين ومن التجربة التي أجرتها النيابة العامة. وعرض الحكم إلى دفاع الطاعنين بشأن بطلان القبض والتفتيش ففنده تأسيساً على رضاء الطاعنين بالتفتيش أخذاً من واقعة تسليمهما مفاتيح السيارة طواعية إلى الشرطي والضابط وعدم اقتصارهما على تسليم مفتاح الإدارة وحده بل تسليمهما الثلاثة المفاتيح الأخرى والتفت الحكم عما ذهب إليه الطاعنان من أنهما سلما الشرطي مفتاح السيارة لمجرد توكيد ركوبه معهما إلى أسيوط ودحضه بأمرين - الأول - أن الشرطي قد أنكر ما عزى إليه من طلب الركوب إلى أسيوط ويؤيده في ذلك أنه كان وقتئذ في عمله كجندي احتياطي في نقطة المرور وكانت الساعة آنئذ حوالي الحادية عشرة والنصف وكان لزاماً عليه أن يبقى في نقطة الحواتكة حتى نهاية فترة العمل أي حتى الثانية من صباح اليوم التالي فما كان له أن يبرحها إلى أسيوط والأمر الثاني أنه لو فرض جدلاً أن تسليم المفتاح إليه كان بقصد ضمان ركوبه السيارة لأنه مفتاح الإدارة (الكونتاكت) ففيم إذن كان تسليم المفاتيح الثلاثة الأخرى إلا أن يكون ذلك هو الرضاء الصريح بالتفتيش. كما استند الحكم إلى أن تبليغ الشرطي الضابط أمر انبعاث رائحة المخدر من السيارة والتفاف الناس حولها ورؤية الشرطي والضابط لهم وسماعهما إياهم وهم يرددون القول بأن فيها مخدرات وهذا القول الذي أيد صدوره المتهم الأول (الطاعن الأول) في أقواله أمام النيابة، ثم رؤية الضابط لهذين المتهمين (الطاعنين) في حالة ارتباك ظاهر - كل ذلك كان بلا ريب لإبراز حالة تلبس ظاهرة بنفسها - فقد كان المتهمان الأول والثاني (الطاعنان) متبوعين بصياح القوم ورائحة المخدر منبعثة من صندوق السيارة نحو حاسة الشم من هؤلاء القوم فضلاً عن شرطي المرور - والمتهمان فوق هذا كله في حالة ارتباك ظاهرة - ثم عرض الحكم إلى دفاع الطاعنين الموضوعي في قوله: "وحيث إنه عن الموضوع فقد استبان مما سلف بيانه من أقوال شرطي المرور شلقاني فرج علي ومعاون بوليس نقطة الحواتكة اليوزباشي علي أحمد علي ومن ضبط المخدرين في صندوق مغلق - هو الحقيبة الخلفية للسيارة التي كانت وما تحتويه في حوزة المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) ومعهما مفاتيحها - أن هذين المتهمين هما المحرزان للمخدر - ولم يستطيعا نفي ذلك ولا هما جرحا أقوال الشاهدين بشيء" وخلص الحكم من ذلك إلى إدانة الطاعنين بحيازة الجواهر المخدرة المضبوطة بقصد الإتجار - لما كان ذلك، وكان التلبس هو وصف يلازم الجريمة ذاتها بغض النظر عن شخص مرتكبها ولا يلزم لكشف هذه الحالة أن تكون الرؤية بذاتها هي وسيلة هذا الكشف، بل يكفي أن يكون شاهدها قد حضر ارتكابها بنفسه وأدرك وقوعها بأية حاسة - تستوي في ذلك حاسة البصر أو السمع أو الشم متى كان هذا الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل شكاًًًًً، وليس في القانون ما يمنع المحكمة في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى من الاستدلال بحالة التلبس بناءً على ما استخلصته من أقوال الشهود من شم رائحة المخدر منبعثة من السيارة التي في حوزة الطاعنين وتجمع العامة حولهما مع صياحهم بأن بالسيارة مخدرات وشم شرطي المرور هذه الرائحة بنفسه وإنهاء أمرها إلى الضابط الذي تحقق بنفسه من قيام حالة التلبس بالجريمة عن طريق متابعة العامة للطاعنين بالصياح ورؤيته إياهما على تلك الحال وهو ما تتوافر به حالة التلبس كما هي معرفة به قانوناً. ولما كان الرضاء بالتفتيش يكفي فيه أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها واستنتجته من دلائل مؤدية إليه فإن التفتيش يكون صحيحاً مشروعا، ويكون الحكم إذ اعتبره كذلك ودان الطاعنين استناداً إلى الدليل المستمد منه بناءً على ما أورده من عناصر سائغة لم يخالف القانون في شيء، وليس مما يطعن عليه أن يكون قد أخطأ في الإسناد حين ذكر أن الطاعن الثاني قد أقر في تحقيقات النيابة بأنه سمح هو وزميله الطاعن الأول للضابط بتفتيش السيارة ذلك أن الخطأ في سرد هذه الواقعة بفرض حصوله لم يكن له أثر في منطق الحكم حين استنتج هذا الرضاء من عناصر تنتجه ويستقيم معها بصرف النظر عن هذه الواقعة، وكان لا يعيب الحكم بعد أن استوفى دليله بما أورده من اعتبارات صحيحة تكفي لحمل قضائه برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش أن يتزيد فيخطئ في ذكر بعض اعتبارات قانونية لم يكن لها شأن فيه كقوله: "بأن المشرع لم يحظر تفتيش السيارة في الطريق حتى ولو كانت سيارة خاصة لأنها ليست مسكناً فليس لها حرمة المساكن التي فرض لها حصانة لا يصح التوسع فيها ولا القياس عليها" - ذلك أن هذا القول على إطلاقه غير صحيح قانوناً لأنه لا يجوز تفتيش السيارات الخاصة بالطرق العامة بغير إذن من سلطة التحقيق وفي غير أحوال التلبس إلا إذا كانت خالية وكان ظاهر الحال يشير إلى تخلي صاحبها عنها. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم إغفاله التحدث عن ركن العلم بحقيقة المواد المخدرة المضبوطة مردوداً بأن الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة حيازة المواد المخدرة بقصد الإتجار التي دان الطاعنين بها واستظهر ركن العلم مما ساقه من أدلة تؤدي إلى قيامه في حقهما بما لا يلزم من بعد ذلك التحدث عنه استقلالاً اكتفاءً بما تكشف عنه الحكم من توافر هذا الركن لدى الطاعنين. لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعنان في طعنهما لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.