قضية رقم 175 لسنة 22 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
مبادئ الحكم: دعوى دستورية - إلغاء النص لا يحول دون الطعن عليه - دعوى دستورية - نطاقها - رسوم - عوار - رقابة قضائية - ضرائب - ضريبة عامة - رسوم - فرائض مالية - الهدف - فرائض مالية - تنظيمها
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 5 سبتمبر سنة 2004 م، الموافق 20 رجب سنة 1425 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 175 لسنة 22 قضائية "دستورية".
المقامة من
السيد/ ...
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب
4- السيد وزير العدل
5- السيد وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
6- السيد مدير عام جمارك الإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ السابع والعشرين من نوفمبر سنة 2000، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية قراري وزير المالية رقمي 255 لسنة 1993 و123 لسنة 1994.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم أصليا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 8846 لسنة 1999 مدني كلي جنوب القاهرة ضد المدعى عليه الخامس (وزير المالية) بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك، طالبا الحكم بإلزامه برد مبلغ 05,252.385 جنيها، سبق تحصيله منه دون وجه حق كرسوم خدمات بالمنافذ الجمركية عن رسائل الأخشاب التي قام باستيرادها عن طريق جمرك الإسكندرية خلال عام 1996، وهي الرسوم المقررة بموجب قراري وزير المالية رقمي 255 لسنة 1993 و123 لسنة 1994 والقرارين المعدلين رقمي 1208 لسنة 1996 و752 لسنة 1997، والصادرة جميعها بالتطبيق لنص المادة (111) من قانون الجمارك الصادر بالقرار بالقانون رقم 66 لسنة 1963. وأسس المدعي دعواه على انتفاء سبب استحقاق الرسم أصلا، إذ أن البضائع التي قام باستيرادها لم يتم تخزينها بالساحات والمخازن التي تديرها الجمارك، بل تم تخزينها بالمستودعات التي تتبع شركة المستودعات المصرية، مما حدا به إلى إقامة دعواه بطلب رد ما أداه من رسوم، فقضت تلك المحكمة برفض الدعوى، فأقام المدعي الاستئناف رقم 3586 لسنة 117 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة، وأثناء تداوله دفع بعدم دستورية قراري وزير المالية رقمي 255 لسنة 1993 و123 لسنة 1994، وبعد تقدير المحكمة لجدية دفعه والتصريح له بإقامة دعواه الدستورية، أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة؛ أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع؛ وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته؛ ومن ثم، فإنه على ضوء الدفع المبدى من المدعي وقدرت المحكمة جديته، باعتباره مبلورا المصلحة الشخصية المباشرة له، فإن الطعن الماثل ينحصر في قراري وزير المالية رقمي 255 لسنة 1993 و123 لسنة 1994، وذلك دون أن يؤثر في صحة اختصام المدعي للقرار رقم 123 لسنة 1994، إلغاء هذا القرار وإبداله بالقرار رقم 1208 لسنة 1996 ثم إلغاء هذا الأخير وإبداله بالقرار رقم 752 لسنة 1997، ذلك أن إلغاء النص القانوني لا يحول دون الطعن بعدم دستوريته ممن طبق عليه خلال فترة نفاذه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد استقر على أن الرقابة التي تباشرها في شأن النصوص القانونية المطعون فيها، لا تحول بينها ورد هذه النصوص إلى الأصول التي أنبتتها كلما آل إبطالها إلى زوال ما تفرع عنها واتصل بها اتصال قرار؛ إذا كان ذلك، وكان القراران المطعون عليهما قد صدرا تنفيذا للمادة (111) من قانون الجمارك الصادر بالقرار بالقانون رقم 66 لسنة 1963 - حسبما يبين من الاطلاع على ديباجة قرار وزير الخزانة رقم 58 لسنة 1963 والذي فرضت بموجبه رسوم الخدمات بالموانئ والمنافذ الجمركية لأول مرة، ثم جرى تعديله بالقرار رقم 100 لسنة 1965، ثم بالقرار المطعون عليه رقم 255 لسنة 1993 وكانت المادة (111) المشار إليها تنص على أن "تخضع البضائع التي تودع في الساحات والمخازن والمستودعات التي تديرها الجمارك لرسوم الخزن والشيالة والتأمين والرسوم الإضافية الأخرى التي تقتضيها عمليات إيداع البضائع ومعاينتها وجميع ما تقدمه الجمارك من خدمات أخرى.
أما البضائع التي تودع في المناطق الحرة فلا تخضع إلا لرسوم الإشغال للمناطق المودعة فيها ورسوم الخدمات التي تقدم إليها.
وتحدد بقرار من وزير الخزانة (المالية) أثمان المطبوعات ومعدل الرسوم عن الخدمات المشار إليها في الفقرتين السابقتين، وللوزير أو من ينيبه خفض رسوم الخزن أو الإعفاء منها في الحالات التي يعينها".
وإعمالا لحكم الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة سالفة الذكر أصدر وزير المالية قراره رقم 58 لسنة 1963 بفرض رسوم الخدمات بالموانئ والمنافذ الجمركية والذي جرى تعديله بالقرار رقم 100 لسنة 1965 ثم بالقرار المطعون عليه رقم 255 لسنة 1993، كما أصدر القرار الطعين رقم 123 لسنة 1994 بفرض رسم مقابل خدمات إضافية، والذي ألغي وحل محله القرار رقم 1208 لسنة 1996، ثم ألغي الأخير بالقرار رقم 752 لسنة 1997، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة يتحدد بنص الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة (111) من قانون الجمارك بالإضافة إلى قراري وزير المالية رقمي 255 لسنة 1993 و123 لسنة 1994 المطعون عليهما.
وحيث إن قرار وزير المالية رقم 255 لسنة 1993 ينص في مادته الأولى على أن "يحصل مقابل خدمات بالموانئ والمنافذ الجمركية عن خدمات كشف وحصر وتصنيف ومراجعة الرسائل الواردة للبلاد وغيرها من الخدمات الجمركية التي لم يصدر بشأنها نص خاص، وذلك بواقع 1% من قيمة كل رسالة".
كما ينص قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1994 على أن "يحصل مقابل خدمات إضافي بالموانئ والمنافذ الجمركية عن خدمات كشف وحصر وتصنيف ومراجعة الرسائل الواردة للبلاد على النحو التالي:
2%من قيمة الرسالة الخاضعة لفئة ضريبة 5% وحتى 30%.
5%من قيمة الرسالة الخاضعة لفئة ضريبة أكثر من 30%".
ثم صدر قرار وزير المالية رقم 1208 لسنة 1996 وألغي العمل بالقرار الوزاري رقم 123 لسنة 1994 وحدد مقابل الخدمات الإضافي بنسبة 2% من قيمة الرسالة الخاضعة لفئة ضريبة من 5% حتى 30%، و4% من قيمة الرسالة الخاضعة لفئة ضريبة أكثر من 30%. كما صدر قرار وزير المالية رقم 752 لسنة 1997 بخفض مقابل الخدمات الإضافي مرة أخرى ليصبح 2% من قيمة الرسالة الخاضعة لفئة ضريبة من 5% حتى 30%، و3% من قيمة الرسالة الخاضعة لفئة ضريبة أكثر من 30%.
وحيث إن المدعي ينعى على النصوص الطعينة محددة نطاقا على النحو المتقدم أن الرسم المفروض بالقرارين المطعون عليهما قد جاء متجاوزا نطاق التفويض التشريعي المقرر بالفقرة الأخيرة من المادة (111) من قانون الجمارك والتي قصرت سلطة الوزير على إصدار قرارات بتحديد معدل الرسوم على خدمات إيداع وتخزين البضائع بالمخازن والمساحات التي تتولى الجمارك إدارتها، وكذلك تحديد الرسوم على إيداع البضائع بالمناطق الحرة، في حين فرض القراران المطعون عليهما رسوم الخدمات ومقابل الخدمات الإضافي على جميع البضائع التي ترد إلى البلاد من المنافذ الجمركية، كما فرضا رسما على خدمات غير مسماه وغير محددة سلفا، مما أدى إلى تحصيل رسوم لا تقابلها خدمة، وأصبحت الجباية هي الهدف من فرض هذه الرسوم وهو ما يصمها بمخالفة نص المادتين 38 و119 من الدستور.
وحيث إن الدستور قد مايز بنص المادة (119) بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي بينها القانون، وكان ذلك مؤداه أن المشرع الدستوري بهذه التفرقة في الأداة، قد جعل من القانون وسيلة وحيدة ومصدرا مباشرا بالنسبة للضرائب العامة؛ فالسلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة وتتولى بنفسها تنظيم أوضاعها وتفصيل ما يتصل ببنيانها، وذلك على تقدير أن الضريبة العامة هي فريضة مالية يلتزم الشخص بأدائها للدولة مساهمة منه في التكاليف والأعباء والخدمات العامة، ودون أن يعود عليه نفع خاص من وراء التحمل بها، بما ينطوي عليه ذلك من تحميل المكلفين بها أعباء مالية تقتطع من ثرواتهم تبعا لمقدرتهم التكليفية، ومن ثم فإنه يتعين تقريرها بموازين دقيقة ولضرورة تقتضيها، وهو ما ارتبط من الناحية التاريخية بوجود المجالس التشريعية ورقابتها للسلطة التنفيذية، ومن هنا كان القانون هو وحده وسيلة فرضها.
أما بالنسبة للفرائض والأعباء المالية الأخرى ومن بينها الرسوم التي تستأدى جبرا مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها عوضا عن تكلفتها وإن لم يكن بمقدارها، فقد سلك الدستور في شأنها مسلكا وسطا بأن أجاز للسلطة التشريعية أن تفوض السلطة التنفيذية في تنظيم أوضاعها، ولكنه لم يشأ أن يكون هذا التفويض مطلقا وإنما مقيدا بالقيود التي حددها الدستور ذاته، وأخصها أن تكون في حدود القانون أي أن يحدد القانون حدودها وتخومها ويشى بملامحها، مبينا العريض من شئونها، فلا يحيط بها في كل جزئياتها، وإنما يكون تفويض السلطة التنفيذية في استكمال ما نقص من جوانبها، فالقانون هو الذي يجب أن يحدد نوع الخدمة التي يحصل عنها الرسم وحدوده القصوى التي لا يجوز تخطيها بأن يبين حدودا لها، حتى لا تنفرد السلطة التنفيذية بهذه الأمور، على خلاف ما أوجبه الدستور من أن يكون تفويضها في فرض هذه الرسوم "في حدود القانون".
وحيث إن القيود التي قيّد بها الدستور السلطة التشريعية في تفويضها للسلطة التنفيذية في شأن الفرائض المالية الأخرى غير الضريبة العامة، تتفق وكون هذه الفرائض مصدرا لإيرادات الدولة، ووسيلة من وسائل تدخلها في التوجيه الاقتصادي والاجتماعي، تأكيدا لإتاحة الفرص المتكافئة للحصول على الخدمات العامة التي تؤديها الدولة وحتى لا تكون الرسوم مجرد وسيلة جباية لا تقابلها خدمات حقيقية يحصل عليها من يدفعها، ولا يتأتى ذلك كله إلا بمسلك متوازن من المشرع لا يكتفى فيه بمجرد إقرار مبدأ فرض الرسم، وإنما يتم تحديده في نطاق السياسة المالية التي تنتهجها السلطة التشريعية في مجال تحديد الإيرادات وضبط الإنفاق، وكفالة تقديم الخدمات التي تلتزم بها الدولة على أساس من العدل الاجتماعي. ولا يتنافى ذلك مع المرونة اللازمة في فرض الرسوم لمجابهة الظروف المتغيرة في تكاليف أداء الخدمة، طالما أن فرضها أو تعديلها لا يكون بقانون في كل حالة على حده، وإنما يتم ذلك في حدود القانون، أي بقرار من السلطة التنفيذية يقع في دائرة السلطة المقيدة ولا يتجاوز نطاق التفويض الممنوح من المشرع.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكانت المادة (111) من قانون الجمارك الصادر بالقرار بالقانون رقم 66 لسنة 1963 في الفقرتين الأولى والأخيرة منها قد خلت من تحديد لضوابط فرض الرسوم التي بينتها، بل لم تحدد أنواع هذه الرسوم وأوعيتها حصرا، وأجازت فرض الرسوم على خدمات أخرى غير مسماة، مما أطلق يد وزير الخزانة (وزير المالية حاليا) في فرض هذه الرسوم، وكذا مقابل الخدمات الإضافي، بموجب القرارات الوزارية التي أصدرها في هذا الشأن ومن بينها القراران المطعون عليهما، بل بلغ التجاوز مداه بفرض هذه القرارات رسوما لا تقابلها خدمات حقيقية تقدمها مصلحة الجمارك لأصحاب الشأن تختلف عن تلك التي تقوم بها بمقتضى وظيفتها الأصلية وصولا إلى تقدير الضريبة الجمركية المستحقة لها وهو ما نصت عليه المادة (50) من قانون الجمارك بفرض تعريفة جمركية على البضائع الواردة إلى البلاد وتحديد البيانات والمستندات الواجب تقديمها.
إذ كان ما تقدم فإن الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة (111) من قانون الجمارك المشار إليه تكونان قد وقعتا في حمأة مخالفة نص المادة (119) من الدستور، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستوريتهما، وسقوط القرارات الوزارية الصادرة تنفيذا لهما، وأولها القرار رقم 58 لسنة 1963 والقرارين المعدلين له رقمي 100 لسنة 1965 و255 لسنة 1993، وكذا القرار رقم 123 لسنة 1994 بتحصيل مقابل خدمات إضافي والقرارين المعدلين له رقمي 1208 لسنة 1996 و752 لسنة 1997.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة (111) من قانون الجمارك المشار إليه لا قوام لها بعد القضاء بعدم دستورية نص الفقرتين الأولى والأخيرة من ذات المادة، إذ لا يتصور وجودها بدونهما ولا يكتمل حكمها في غيبتهما، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بسقوطها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولا: عدم دستورية الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة (111) من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 الصادر بقرار رئيس الجمهورية.
ثانيا: سقوط الفقرة الثانية من المادة (111) من قانون الجمارك سالف البيان.
ثالثا: سقوط قرار وزير الخزانة رقم 58 لسنة 1963 والقرارين المعدلين له رقمي 100 لسنة 1965 و255 لسنة 1993، وكذا قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1994 والقرارين المعدلين له رقمي 1208 لسنة 1996 و752 لسنة 1997.
رابعا: إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق