الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 أبريل 2016

الفتوى 351 لسنة 4 بمجلس الدولة (عمل القضاة بالسياسة وترشحهم لمجلس النواب)

إيماء إلي إشارة سعادتكم بتاريخ 3 من ديسمبر الحاضر على كتاب حضرة صاحب المعالي وزير العدل في 2 من الشهر المذكور في شأن رجال مجلس الدولة الذين يرشحون أنفسهم لعضوية مجلس النواب في الانتخابات القادمة، أتشرف بإبلاغ سعادتكم أن قسم الرأي مجتمعا بحث هذا الموضوع بجلسته المنعقدة في 4 من ديسمبر سنة 1949 وتبين أنه أحد من رجال مجلس الدولة لم يرشح نفسه في الانتخابات الحالية سوى حضرة الأستاذ ......... النائب بإدارة الرأي لوزارة التجارة والصناعة الذي رشح نفسه في دائرة ورد في قائمة ترشيحات حزب الوفد المصري أنها تركت لحضرته بطريق التخصيص، ثم لاحظ أن المادة 144 قسم أول فصل ثان من قانون المصلحة المالية تنص على أنه لا يجوز لمستخدمي الحكومة أن يعطوا أخبارا إلي الجرائد ولا أن يبدوا ملاحظات شخصية بواسطتها ولا يكونوا مكاتبين أو وكلاء لها وأن كل مستخدم يخالف هذا الحكم يكون قابلا للعزل, وقد أضيفت إلي هذه المادة بمقتضي قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1929 فقرة نصها: 
"ويحظر على الموظفين والمستخدمين أيضا أن يشتركوا في اجتماعات سياسية أو أن يبدوا علانية آراء أو نزعات سياسية". 
وهذا الحكم ليس إلا ترديدا لقاعدة أساسية عامة من قواعد القانون الإداري.
وقد جاء في المذكرة المرفوعة إلي مجلس الوزراء في هذا الصدد ما يشير إلي أن علة الإضافة هي أن المصلحة العامة تقضي بأن يظل الموظفون منصرفين إلي أعمالهم في حيدة كاملة وفى اتزان واعتدال صحيح حتى لا تتعرض مصالح الجمهور لوجوه الظلم والإيثار المختلفة. 
ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 66 لسنة 1943 الخاص باستقلال القضاء ناصا في المادة السابعة عشر منه على أنه يحظر على المحاكم إبداء الآراء والميول السياسية ويحظر كذلك على القضاء الاشتغال بالسياسة. 
ويتضح من الأعمال التحضيرية لهذه المادة أن المقصود بالحظر هو الاشتغال بالسياسة الحزبية دون السياسة القومية وأن حكمة هذا الحظر هي إبعاد القضاة عن الشبهات حتى يطمئن كل الناس إلي حيدتهم ونزاهتهم. 
فقد ورد في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه يحرم على المحاكم إبداء الآراء والميول السياسية التي تنم عن التحيز لحزب من الأحزاب أو هيئة من الهيئات كما يحظر كذلك على القضاة الاشتغال بالسياسة اشتغالا فعليا من شأنه أن يجعل لهم رأيا ظاهرا في الخلافات الحزبية، وهو ما يجب على القاضي أن يمتنع عنه حتى يكون القضاء بعيد عن الشبهات وأن يطمئن إليه كل الأفراد ومن المفهوم تطبيقا لذلك أنه محظور على القاضي أن يرشح نفسه على أساس لون حزبي معين. 
كما قال وزير العدل في مجلس النواب أثناء مناقشة المادة السابعة عشرة أنه إذا أجيز للقاضي أن يرشح نفسه على أساس لون حزبي معين فإنه قد لا ينجح فيعود إلي منصة القضاء، بل قد يباشر عمله القضائي أثناء المعركة الانتخابية فلا يجوز له أن يعود من تحت راية حزبية ليجلس قاضيا بين الناس. 
أما القانون رقم 9 لسنة 1948 الخاص بمجلس الدولة فقد جاء خلوا من نص مماثل إلا أن هذا لا يعني أن المشرع قصد إهدار الحكم المنصوص عليه في المادة 17 من قانون استقلال القضاء للأسباب الآتية: 
أولا - إنه لا يكفي مجرد عدم ورود حكم في قانون لاحق للقول أن المشرع قصد مخالفة حكم وارد في قانون سابق بل يجب لصحة هذا القول أن يبين ذلك من النصوص أو من الأعمال التحضيرية وأن تبين على الأخص حكمة القصد من التفرقة. 
ثانيا - إن مجلس الدولة في مصر أميل إلي جهة القضاء منه إلي جهة الإدارة وبين ذلك جليا من تعمد الشارع تنسيق الأحكام المتعلقة بموظفي الجهتين وجعلها متحدة أو متشابهة وعلى الأخص في شروط التعيين والحصانات والعزل وغيرها ذلك فلا يصح في العقل أن يقصد المشرع التفرقة في الحكم بين رجال مجلس الدولة ورجال القضاء فيبيح لهؤلاء ما يحظره على هؤلاء. 
ثالثا- أن حكمة الحظر قد تكون أكثر توافرا بالنسبة إلي مجلس الدولة منها بالنسبة إلي القضاء لأن مجلس الدولة يحكم أو يفتي في مسائل متعلقة بعلاقة الحكومة بالأفراد على خلاف القضاء الذي يفصل - في الأغلب الأعم - في الأنزعة بين الأفراد. 
رابعا - إن الحكم الوارد في المادة 17 ليس إنشاء لقاعدة جديدة لم تكن موجودة من قبل بل هو تطبيق لقاعدة عامة من القواعد المسلم بها في علاقة الإدارة بالموظفين وهى علاقة - ككل علاقات القانون الإداري - يراعى فيها جانب المصلحة العامة, وتغلب - عند التعارض - على المصالح الخاصة للأفراد. 
وبناء على ذلك يكون الحظر المنصوص عليه في المادة السابعة من قانون استقلال القضاء ساريا على رجال مجلس الدولة دون حاجة إلي نص خاص.
وواضح من الأعمال التحضيرية لهذه المادة - كما سبق البيان - أن ترشيح القاضي - أو أحد رجال مجلس الدولة - نفسه لعضوية البرلمان لا يكون محظورا إلا إذا كان المرشح تحت لواء حزب معين, وعلى ذلك يكون ترشيح القاضي لنفسه مستقلا عن الأحزاب جائزا قانونا. 
على أن مثار البحث هو ما إذا كان ترشيح أحد رجال القضاء أو أحد رجال مجلس الدولة نفسه لعضوية البرلمان في دائرة يعلن أحد الأحزاب أنه تركها له على وجه التخصيص يعتبر أولا يعتبر في حكم الترشيح تحت لواء هذا الحزب. 
وقد رأى القسم أن يستهدي بحكمة الحظر في التفرقة بين الترشيح المحظور والترشيح غير المحظور وحكمة الحظر كما سبق البيان هي "أن يكون القضاء بعيدا عن الشبهات وأن يطمئن إليه كل الأفراد" وعلى هذا الأساس يكون معيار التفرقة هو أثر الترشيح في إثارة الشبهات لدى الجمهور في أن يكون القاضي أو رجل مجلس الدولة منتميا لحزب معين بطريقة مستترة لا يريد الإفصاح عنها في الوقت الحاضر. 
ولما كان تقرير حزب معين ترك دائرة معينة للمرشح والنص على ذلك صراحة في قوائم الترشيح الخاصة به يتضمن أمرا إلي رجال هذا الحزب بعدم منافسة ذلك المرشح أولا وبمساعدته ثانيا. ومن ثم فإنه يثير - بلا شك - في أذهان الجمهور شبهة انتماء هذا المرشح لذلك الحزب الأمر الذي قصد الشارع تفاديه. 
لذلك انتهي رأي القسم إلى:- 
أن الحظر الوارد في المادة 17 من القانون رقم 66 لسنة 1943 الخاص باستقلال القضاء يسري بالنسبة إلي رجال مجلس الدولة باعتباره تطبيقا لقاعدة سارية على موظفي الدولة كافة. 
وأن هذا الحظر على الاشتغال بالسياسة الحزبية دون السياسة القومية. 
وأنه يدخل في نطاق هذا الحظر ترشيح أحد رجال مجلس الدولة نفسه لعضوية أحد مجلسي البرلمان تحت لواء حزب معين. 
وأن ترشيحات أحد رجال مجلس الدولة نفسه في دائرة ورد في قائمة ترشيحات حزب معين إنها تركت له على وجه التخصيص يعتبر في حكم الترشيح تحت لواء هذا الحزب - إذا لم يعلن أنه رشح نفسه مستقلا - وذلك لتوافر حكمة الحظر في الحالتين.
إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتوى رقم 351 لسنة 4 بتاريخ 4/12/1949 
 رقم الملف 1/2/66 ص 39

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق