الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 3 أكتوبر 2014

شبهة عدم دستورية امتداد الايجار للاشخاص المعنوية



بسم الله الرحمن الرحيم

مسودة بأسباب ومنطوق الحكم الصادر بجلسة     /      /2013

 فى الدعوى رقم       لسنة        إيجارات كلى الإسماعيلية


بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا :-
حيث تخلص الدعوى فيما سبق وأن قضى به الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 24/4/2012 فى الدعوى رقم 29690 لسنة 66 ق والقاضى منطوقه أولاً: بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة الإسماعيلية للاختصاص، وأبقت الفصل فى المصروفات؛ وتوجز وقائعها فى أن المدعية أقامتها بموجب صحيفة استوفت إجراءاتها الشكلية طلبت فى ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 3/4/1997 وذلك بإخلاء العين المؤجرة بالعقار رقم 91 شارع العريش حى عرايشية مصر محافظة الإسماعيلية وتسليمها للطالبة خالية من المنقولات والأشخاص وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك على سند من القول باستئجار الهيئة القومية للبريد (مكتباً للبريد) بالدور الأرضى بالعقار المملوك لمورث الطالبة بموجب عقد الإيجار المؤرخ 1/4/1954 المحرر بين مورث الطالبة والهيئة مقابل إيجار سنوى مقداره تسعة وثلاثون جنيهاً مصرياً، وبتاريخ 7/8/1977 وبناءً على عقد الهبة المشهر برقم 55 لسنة 1963 والذى انتقلت بموجبه ملكية العقار المذكور للمدعية - قامت بتحرير عقد إيجار بديل مع الهيئة كامتداد للعقد الأول وبذات شروطه، وحيث صدر قرار رئيس مجلس الوزراء المؤرخ 3/4/1997 والمتضمن إلزام الجهات الإدارية والحكومية بإخلاء ورد الوحدات التى تستأجرها لأصحابها خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ صدوره إلا أن الهيئة امتنعت عن إخلاء العين موضوع الدعوى وتسليمها للمدعية بالمخالفة للقرار المنوه عنه.
وقدمت سنداً لدعواها صور ضوئية من عقد الإيجار المؤرخ 1/4/1955 وعقد الإيجار المؤرخ 7/8/1977، وكتاب وزير شئون مجلس الوزراء بخصوص قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 3/4/1997، وخطاب مؤرخ 25/10/2001 موجه من المدعية إلى مدير منفذ بريد الإسماعيلية بالتخيير بين إخلاء العين موضوع الدعوى أو تحرير عقد إيجار جديد وفقاً لأحكام القانون المدنى، وكتاب الهيئة القومية للبريد الموجه للمدعية والمؤرخ 25/5/2003 برفض إخلاء العين، وإنذار رسمى مؤرخ 29/11/2006 موجه من المدعية إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد (المدعى عليه الثانى) ومدير مكتب بريد عرايشية مصر بالإسماعيلية (المدعى عليه الثالث) بالتنبيه عليهما بإخلاء العين وتسليمها للمدعية، وأصل إخطار توصية لجنة التوفيق فى المنازعات المؤرخ 13/3/2012 بإخلاء العين موضوع الدعوى؛
        وحيث أحيلت الدعوى للمحكمة الراهنة بناءً على الحكم المتقدم وتداولت بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها ومثل فيها كل من المدعية بوكيل عنها محامى والمدعى عليه الأول بوكيل عنه نائب الدولة وبجلسة 17/2/2013 قدم وكيل المدعية مذكرة بدفاعة طالعتها المحكمة وألمت بمضمونها، وبجلسة المرافعة الأخيرة دفع نائب الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمدعى عليه الأول، وبتلك الجلسة قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 28/4/2013، وبتلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام الاطلاع والمداولة.
وحيث إنه عن موضوع الدعوى فلما كانت المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الآتية:-
(أ) الهدم الكلى أو الجزئى للمنشآت الآيلة للسقوط والإخلاء المؤقـت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقا للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية.
(ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما مـن تاريـخ تكليفه بـذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان علـى يـد محضر ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية، ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر مـن العـين بسبب التأخير فى سـداد الأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الأجرة والمصاريف والأتعاب عـند تنفيذ الحكم، فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخره فى الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء أو الطرد بحسب الأحوال.
(جـ) إذا ثبت أن المستأجر قـد تنازل عن المكان المؤجر, أو أجـره من الباطن بغير إذن كتابى صريح مـن المالك للمستأجر الأصلي, أو تركـه للغير بقـصد الاستغناء عـنه نهائيا وذلك دون إخلال بالحالات التى يجـيز فـيها القانـون للمستأجر تأجـير المكان مفروشـا أو التنازل عـنه أو تأجـيره مـن الباطن أو تركـه لـذوى القربى وفقا لأحكام المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977.
(د) إذا ثبت بحكـم قضائى نهائى أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمـح باستعماله بطريقة مقلقة للراحـة أو ضـارة بسلامة المبنى أو بالصحـة العامة أو فى أغراض منافية للآداب العامة.
ومـع عـدم الإخلال بالأسباب المشار إليها لا تمتد بقوة القانون عقود إيجار الأماكن المفروشة.
وتلغى المادة (31) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون."
        وكانت الفقرة الأولى من المادة 27 من ذات القانون تنص على أن "تعامل فى تطبيق أحكام هذا القانون معاملة المبانى المؤجرة لأغراض السكنى, الأماكن المستعملة فى أغراض لا تدخل فى نطاق النشاط التجارى أو الصناعى أو المهنى الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية".
        وكان مؤدى تطبيق الفقرة الأولى من المادة 27 من القانون المذكور على العين المؤجرة موضوع الدعوى باعتبارها مؤجرة كمكتب بريد لا يخضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية - هو معاملتها معاملة المبانى المؤجرة لأغراض السكنى فى نطاق تطبيق أحكام المادة 18 من ذات القانون.(*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) سبق وان قضت المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 21 لسنة 7 قضائية دستورية بحكمها الصادر بجلسة 29/4/1989 بعدم دستورية المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما تضمنته من استثناء الأماكن المستعملة فى أغراض لا تدخل فى نطاق النشاط التجارى أو الصناعى أو المهنى الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية وذلك بالنسبة إلى تطبيق ما تضمنته المادة (7) من زيادة الأجرة، ثم قضت فى الدعوى رقم 137 لسنة 18 قضائية دستورية بحكمها الصادر بجلسة 7/2/1998 بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 27 من القانون رقم 136 سنة 1981 بشأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجروالمستأجر، وذلك فيما تضمنته من استثناء الأماكن التى حددتها، من الخضوع لزيادة الأجرة المقررة بمقتضى نص المادة 19 من هذا القانون؛ وبسقوط فقرتها الثانية – بما مؤداه استمرار تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة المذكورة فيما يتعلق بباقى أحكام القانون 136 لسنة 1981 عدا ما استثنته المحكمة الدستورية العليا بحكميها سالفى الذكر من حكمى المادتين 7 ،19 من القانون.
فلما كان ذلك وكانت المادة 29 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بشأن إصدار قانون المحكمة الدستورية العليا قد نصت على أنه "تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالى:
(أ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع، أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية.
(ب) ............................................................................................................"
ونصت المادة 30 من ذات القانون على أنه "يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقا لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة".
ولما كانت المحكمة أثناء نظرها للدعوى الماثلة قد وقر فى وجدانها عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر - فيما تضمنته من إطلاق عبارة (لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد) لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لأغراض السكنى أو لغير أغراض السكنى - وذلك لمخالفته لنصوص المواد 2، 7، 29، 32، 34 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 والمنشور بتاريخ 12/9/1971 والمستبدل نص المادة الثانية منه بدستور عام 1980 المنشور بتاريخ 26/6/1980 - الصادر النص المطعون عليه فى ظله -.
وكانت المواد الدستورية موضوع المخالفة قد جرى نصها على الآتى:
 المادة الثانية:- "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع".
المادة السابعة:- "تخضع الملكية لرقابة الشعب وتحميها الدولة، وهى ثلاثة أنواع: الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة".
المادة التاسعة والعشرون:- "الملكية الخاصة تتمثل فى رأس المال غير المستغل، وينظم القانون آداء وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية، دون انحراف أو استغلال، ولا يجوز أن تتعارض فى طرق استخدامها مع الخير العام للشعب".
المادة الثانية والثلاثون:- "الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون وبحكم قضائى، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون، وحق الإرث فيها مكفول".
المادة الرابعة والثلاثون:- "يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى".
وقد قضت المحكمة الدستورية فى أحكام سابقة لها بأن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، ويتعين بالتالى أن يختص دون غيره، بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها التى تغلها وغيرها من المزايا، وكان المشرع وإن أفرد بعض العلائق الإيجارية بتنظيم خاص حملها فيه بقيود من طبيعة استثنائية، فذلك لأن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقا مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى. وإنما يجوز أن تفرض عليها القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها، على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها مايراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، ومستهدفاً – بوجه خاص – فى تنظيم أداء هذه الوظيفة بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبحسبان أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لاتعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة. وهى بعد قيود أكثر ما تكون وضوحاً فى مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة التى تتزاحم فى شأنها كثرة من الضوابط قصد بها فى الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى لمقابلة الزيادة المطردة فى الطلب عليها، وهى الأزمة التى ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد الأولية للبناء ونضوبها، وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية فى سكانها، وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة بتشريعات استثنائية – قدر فى شأنها الضرورة بقدرها- خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإيجار مستهدفا بها- على الأخص – الحد من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتدا بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة. ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، اقتضى أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعا لها أو تخفيفا من قسوتها، متصلة حلقاتها، مترامية فى زمن تطبيقها، محتفظة بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدنى، متعلقة أحكامها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التى رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، وزايلتها بالتالى صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطاً بالضرورة التى أملتها، وما كان ينبغى لسرياتها أن يجاوز قدر هذه الضرورة وإلا اعتبر إقرارها فيما جاوز هذا النطاق مخالفا للدستور لخروجها على مقتضى الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية وانتقاصها بالتالى – ودون مسوغ مشروع- من الحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق.
         [الطعن رقم 63 - لسنــة 13 ق دستورية - تاريخ الجلسة 20 / 3 / 1993]     
وحيث إن من المقرر أن حق الملكية من الحقوق المالية التى يجوز التعامل فيها، وبقدر اتساع قاعدتها تتعدد روافدها، وتتنوع استخداماتها، لتشكل نهراً يتدفق بمصادر الثروة القومية التى لايجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديداً لقيمتها. ولاتنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها، وضرورة تقييدها نأياً بها عن الانتهاز أو الإضرار بحقوق الآخرين. ذلك أن الملكية -فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة- لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى. وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها. ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لايتحدد نطاقها من فراغ، ولاتفرض نفسها تحكما، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين فى بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها. وفى إطار هذه الدائرة، وتقيداً بتخومها، يفاضل المشرع بين البدائل، ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية، وأولى بالرعاية، وفقا لأحكام الدستور، مستهديا فى ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لاتعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة. وحيث إن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية وأصولها الثابته التى لاتبديل فيها، لاتناقض ما تقدم. ذلك أن الأصل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها، وإليه معادها ومرجعها، مستخلفا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما فى أيديهم من الأموال لايبددونها أو يستخدمونها إضراراً. يقول تعالى [وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه] وليس ذلك إلا نهياً عن الولوغ بها فى الباطل. وتكليفاً لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثاً أو إسرافاً أو عدواناً، أو متخذاً طرائق تناقض مصالح الجماعة، أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار. وكان لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، وأن يحول دون الإضرار إذا كان ثأراً محضاً يزيد من الضرر، ولايفيد إلا فى توسيع الدائرة التى يمتد إليها، وأن يرد كذلك الضرر البين الفاحش. فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما لازماً اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام. وينبغى - من ثم - أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر. ذلك أن الملكية خلافة، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها، وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لايجوز تخطيها، لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيداً وفعالاً، وكانت الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة فى مادته الثانية والثلاثين، مناطها تلك الملكية التى لاتقوم على الاستغلال، ولايتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين، ولاتنافى فى مقاصدها الأغراض التى تتوخاها وظيفتها الاجتماعية، وكان المشرع فى مجال تنظيم العلائق الإيجارية، وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه محققا للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لايجوز أن يكون صورياً أو منتحلاً أو سراباً، بل يجب أن يعكس حقيقة قانونية لامماراة فيها، ليكون التنظيم التشريعى لحقوق المؤجرين والمستأجرين فى دائرتها، منصفاً لامتحيفاً، متعمقا الحقائق الموضوعية، وليس متعلقا بأهدابها الشكلية. وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن المشرع لايجوز أن يعدل من إطار العلائق الإيجارية بما يمثل افتئاتاً كاملاً على حقوق أحد أطرافها، أو انحرافاً عن ضوابط ممارستها، وإلا آل أمر النصوص التى أقرها إلى البطلان من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها. ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية، لايجوز أن تكون مدخلاً لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها. ولا أن يحصل المستأجر من خلالها على حقوق لايسوغها مركزه القانونى فى مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وناقض جوهر الملكية التى لايجوز أن تكون ثمارها عائدة إلى غير أصحابها. وآية ذلك أن الأصل هو أن يتحقق التضامن بين المؤجر والمستأجر من الوجهة الاجتماعية، وأن تتوافق مصالحهما ولا تتنافر من الوجهة الاقتصادية، وإلا كان كل منهما حربا على الآخر، يهتبل الفرص لأكل حقه بالباطل، ولا يجوز بالتالى أن يميل ميزان التوازن بينهما لتكون الحقوق المقررة لأحدهما إجحافاً وإعناتاً وقهراً. وليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس - وهو المستأجر- غابناً، ولا أن يكون تدخل المشرع شططاً وقلباً للموازين ترجيحاً لكفته، لتكون أكثر ثقلاً، وليحل الصراع بين هذين العاقدين، بديلاً عن اتصال التعاون بينهما. وحيث إنه لاينال مما تقدم، قالة أن النص المطعون فيه من قبيل التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن، سواء كانت مهيأة للسكنى أو معدة لغير ذلك من الأغراض. ذلك أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات التى لايجوز التوسع فى تفسيرها، أوالقياس عليها، والتى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإيجار القائمة عند العمل بها -ولو كانت مبرمة قبلها- لاتعصمها من الخضوع للدستور. ولاتخرجها من مجال الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية جميعها. بل يتعين اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور. ويجب بالتالى أن تقدر الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص بقدرها، وأن تدور معها وجوداً وعدما تلك القيود التى ترتبط بها وترتد إليها، باعتبارها مناط مشروعيتها وعلة استمرارها.
                [الطعن رقم 11 - لسنــة 16 ق - تاريخ الجلسة 3 / 7 / 1995]
وحيث إن الدستور - إعلاءً من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعى - كفل حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً - ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة - فى الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، مُعبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً فى كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولايناجز سلطته فى شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الأخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تُعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يُغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. ودون ذلك تفقد الملكية ضمانتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها أدخل إلى مصادرتها. وحيث إن الملكية - فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولاهى عصيه على التنظيم التشريعى، وليس لها من الحماية مايجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لايتحدد نطاقها من فراغ، ولاتفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين، فى بيئه بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها. وحيث إن الحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التى يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها، أو تقلص دائرتها، لتغدو الملكية فى واقعها شكلاً مجرداً من المضمون، وإطاراً رمزياً لحقوق لاقيمة لها عملاً، فلا تخلص لصاحبها، ولايعود عليه مايرجوه منها إنصافاً، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التى لايجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لاتقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهو مايعنى أن الأموال بوجه عام، ينبغى أن توفر لها من الحماية أسبابها التى تعينها على التنمية، لتكون من روافدها، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الأخرين، متدثرين فى ذلك بعباءة القانون، ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده. وأكثر ما يقع ذلك فى مجال الأعيان المؤجرة التى تمتد عقودها بقوة القانون دونما ضرورة، وبذات شروطها عدا المدة والأجرة، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها، يتعاقبون عليها، جيلاً بعد جيل، لتؤول حقوقهم فى شأنها إلى نوع من الحقوق العينيه التى تخول أصحابها سلطة مباشرة على شئ معين، وهو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأبيد. وما لذلك شرع الحق فى الملكية، ذلك أن الأصل فى الأموال - وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية وركائزها الثابتة - أن مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها، وإليه مرجعها، مستخلفاً فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما فى أيديهم من الأموال لايبددونها أو يستخدمونها إضراراً. يقول تعالى [وأنفقوا مما جعلناكم مستخلفين فيه ]. وليس ذلك إلا نهياً عن الولوغ بها فى الباطل، وتكليفاً لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يكفل المقاصد الشرعية التى ترتبط بها، والتى ينافيها أن يكون إنفاق الأموال عبثاً أو إسرافاً أو عدواناً أو متخذاً طرائق تناقض مصالح الجماعة، أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار. وعلى ولى الأمر بالتالى - وصوناً للملكية من تبديد عناصرها - أن يعمل من خلال التنظيم التشريعى، على ألا تكون نهباً لآخرين يلحقون بأصحابها ضرراً بغير حق، أو يوسعون من الدائرة التى يمتد الضرر إليها، ليكون دفع الضرر قدر الإمكان لازماً، فإذا تزاحم ضرران، كان تحمل أهونهما واجباً اتقاء لأعظمهما. وكلما كان الضرر بيناً أو فاحشاً، فإن رده يكون متعيناً، بعد أن جاوز الحدود التى يمكن أن يكون فيها مقبولاً. وحيث إن ماتقدم مؤداه، أن لحق الملكية إطار محدد ينبغى أن تتوازن فيه المصالح ولاتتنافر، فلا يميل الميزان عن الحق تغليباً لبعضها إعناتاً، ولايجوز بالتالى أن يطلق المشرع القيود على الملكية من عقالها، بل يتعين أن يكون للحقوق التى تتفرع عنها دائرة لايجوز اقتحامها. وبقدر منافاة هذه القيود للحدود المنطقية التى تقتضيها الوظيفة الاجتماعية للملكية، فإنها تنحل عدواناً على الأموال، وانتهاباً لثمارها أومنتجاتها أو ملحقاتها، أو كل ذلك جميعاً، لتؤول الملكية عدماً. ولئن كان الدستور قد نص فى المادة 34، على أن الملكية الخاصة التى يصونها، هى تلك التى تتسم بنأيها عن الاستغلال وعدم انحرافها، وبتوافقها فى طرق استخدامها مع الخير العام للشعب، إلا أن هذين الشرطين لاينفصلان عن الوظيفة الاجتماعية للملكية، بل يندرجان تحتها، ويعتبران من عناصرها. ويتعين بالتالى ردهما إليها لينظم القانون أداء هذه الوظيفة بما لايجاوز متطلباتها، وهو مايعنى أن كل قيد على الملكية ينافى وظيفتها تلك، بحيث يستحيل رده إليها، أو اعتباره متعلقاً بها، إنما يكون مخالفاً للدستور، وعاطلاً بالتالى عن كل أثر. وحيث إن النص المطعون فيه - وإن كان يندرج تحت التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المعدة للسكنى أو لغير ذلك من الأغراض - إلا أن طبيعتها الاستثنائية هذه التى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، على ضوء قواعد آمره لايجوز الاتفاق على خلافها، لاتعصمها من الخضوع للدستور، ولاتخرجها من مجال الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص القانونية جميعها، حتى ماكان منها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها. وبقدر ضرورة هذا التنظيم، واتصاله بمصالح جوهرية لايجوز التفريط فيها، تتحدد لهذه النصوص مشروعيتها الدستورية. وحيث إن من المقرر - وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة - إن مانص عليه الدستور فى المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعى، يعنى وحدة الجماعة فى بنيانها، وتداخل مصالحها لاتصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلايتفرقون بدداً، أو يتناحرون طمعاً أو يتنابذون بغياً. وليس لفريق من بينهم بالتالى - ولو تذرع بنص فى قانون - أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يعلو بها على غيره عدواناً، ولا أن يحرم من حق بهتاناً، بل يتعين أن يكون نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، محدداً وفق أسس موضوعية، تقيم ميزانها عدلاً وإنصافاً. وحيث إن الأصل فى مجال العلائق الإيجارية، هو أن يتحقق التضامن بين مؤجر العين ومستأجرها من الوجهة الاجتماعية، وأن تتكامل مصالحهما من زاوية اقتصادية، فلا تتآكل حقوق مؤجر العين التواءً وإيثاراً لمستأجرها، ولا يَنْقَضُّ مؤجرها على حقوق غيره عاصفاً بها أو محددا مجال تطبيقها، وإلا كان كل منهما حرباً على الآخر. ولايجوز بالتالى أن يكون مغبون الأمس - وهو المستأجر - غابناً، ولا أن يكون تنظيم المشرع للعلائق الإيجارية فيما بين طرفيها، إجحافاً وإعناتاً لأيهما، فلا يُقسط فى الحقوق التى يكفلها لكل منهما، بل ينحاز لأحدهما افتئاتاً على الآخر، ليحل الصراع بين هذين العاقدين بديلاً عن التعاون بينهما. وحيث إن النص المطعون فيه، يفترض لانتقال منفعة العين المؤجرة من مستأجرها الأصلى إلى شركائه فى النشاط ذاته، أن يكون هذا المستأجر قد تركها فعلاً بعد قيام هذه الشركة، متخلياً عن الاستمرار فيها لصالح هؤلاء الشركاء، وكان ينبغى بالتالى أن يكون هذا التخلى مبرراً لقيام حق المؤجر فى طلب إخلائها بعد انقطاع اتصال هذا المستأجر بها، وعلى تقدير أن القيود الاستثنائية التى نظم بها المشرع العلائق الإيجارية إبان أزمة الإسكان، غايتها الحد من تصاعدها وغلواء تفاقمها، وهى بعد ضرورة تقدر بقدرها، ولايجوز أن تتخطى دواعيها. إلا أن المشرع قرر نقل منفعة العين المؤجرة إلى هؤلاء الشركاء سواء بوصفهم قد أصبحوا مستأجرين أصليين لها، أم باعتبار أن الحق فى استعمال العين لمباشرة النشاط الذى كان يزاول فيها من قبل، قد امتد إليهم بحكم القانون، ليكفل لهؤلاء، مزية استثنائية يقتحم بأبعادها حق الملكية انتهاكاً لمجالاتها الحيوية التى لايجوز أن يمسها المشرع إخلالاً بها. وهى بعد مزية يتعذر أن يكون المتعاقدان الأصليان قد قصدا إلى تقريرها ابتداء، أو أنهما عبرا - صراحة أو ضمناً - عن تراضيهما عليها، ذلك أن إرادتيهما - حقيقية كانت أم مفترضة - لايمكن أن تُحمل على اتجاهها أو انصرافها إلى إقحام أشخاص على العلاقة الإيجارية هم غرباء عنها، ومعاملتهم كأصلاء فيها، وإن كانوا دخلاء عليها. وليس من المتصور أن يكون مؤجر العين - وهو يملكها فى الأعم من الأحوال - قد عطل مختاراً ونهائياً - الحقوق التى تتصل باستعمالها واستغلالها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر. وحيث إن مانصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977المشار إليه، من أن مؤجر العين التى كان مستأجرها الأصلى يباشر فيها نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو حرفياً أو مهنياً، يعتبر ملتزماً قانوناً - إذا تركها مستأجرها هذا - بأن يحرر لشركائه فى ذات نشاطها عقداً جديداً تؤول إليهم أصلاً بمقتضاه الحقوق عينها التى كانت لمستأجرها الأول؛ وكان النص المطعون فيه لايتضمن قيداً يحول دون انتقالها من بعد - حال تخليهم عن هذه العين - إلى من يشركونهم معهم فى استعمالها، وبوصفهم كذلك مستأجرين لها، فقد غدا من المتصور إطراد اتصال أجيالهم بها لا يفارقونها، ولو بَعُدَ العهد على العقد الأول، فلا ترد لصاحبها أبداً - ولو كان فى أمس الاحتياج لها - ماظل زمامها بيد من يتداولونها، لايتحولون عنها. وليس ذلك إلا تعظيماً لحقوقهم يكاد أن يلحقها بالحقوق العينية التى يباشر صاحبها بموجبها - ووفقاً للقانون - سلطة مباشرة عن شئ معين، ليستخلص منه فوائده دون وساطة أحد، وهو ما يناقض خصائص الإجارة باعتبار أن من المفترض أن يكون طرفاها فى اتصال دائم طوال مدتها، مما اقتضى ضبطها تحديداً لحقوقهما وواجباتهما، وهى فوق هذا تقع على منفعة الأموال المؤجرة لا على ملكيتها، ولا ترتب للمستأجر غير مجرد حقوق شخصية يباشرها قبل المدين. وحيث إن النص المطعون فيه، ينحدر كذلك بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، لتعلو عليها مصالح المستأجر التى رجحها المشرع، وجعل كفتها هى الأثقل. ومن شأن حمايتها، حرمان مؤجر العين منها حرماناً مؤبداً ترتيباً على انتقال منفعتها إلى الغير انتقالاً متتابعاً متصلاً وممتداً فى أغوار الزمن، وهو بعد انتقال لا يعتد بإرادة المؤجر فى معدنها الحقيقى، بل يُعْتبر العقد - بعد تخلى مستأجر العين الأصلى عنها - ممتداً بقوة القانون بنفس شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة، وهى بعد شروط ما كان المؤجر ليقبلها فى شأن هذه العين، لو لم يفرضها المشرع ملغياً حقه فى استعمالها واستغلالها من جديد فى الأوجه التى يراها. وحيث إن النص المطعون فيه، يفتح فوق هذا أبواباً عريضة للتحايل ينفذ الانتهاز منها، ويتعذر دفعها أو توقيها، ذلك أن مباشرة أشخاص جدد لذات النشاط الذى كان مزاولاً فى العين المؤجرة لغير أغراض السكنى، قد لايكون منبئاً عن قيام اتفاق فيما بين مستأجرها الأصلى وبينهم لتكوين شركة يضيفون من خلالها حصصهم إلى أموال يستغلها هذا المستأجر فعلاً فى نشاطها، متقاسمين أرباحها وخسائرها، كل بقدر نصيبه فيها بما يوحد مصالحهم فى شأنها ويكتل جهودهم من أجل صون أهدافها، بل ساتراً لعقد حقيقى يتغيا مستأجر العين الأصلى بمقتضاه - ومقابل عوض يختص به من دون المؤجر - إحلال آخرين محله فى الاستئثار بهذه العين، تسلطاً على نشاطها وانفراداً بتسييره، فلا يقوم أصلاً العقد الظاهر فى نية عاقدية، بل تعود على هؤلاء الأغياروحدهم منافعها، ليكون القول بانضمامهم إليه فى مباشرة هذا النشاط من خلال شركتهم، منتحلاً. وحتى فى الأحوال التى يقوم الدليل فيها على أن وجود شركاء فى العين المؤجرة ليس صورياً، وإن استمرارهم فى مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى المستأجر الأصلى عنها، يكفل استثماراً أفضل للأموال التى رصدوها عليها، إلا أن هذا الاعتبار وحده لايسوغ العدوان على الملكية، ولايجوز أن ينال من الحقوق المتفرعة عنها بما يجرد أصحابها كلية من مباشرة سلطتهم فى استعمال الشئ محلها فى الأغراض التى يطلبونها، ذلك أن تراكم الثروة لايتأتى إلا بحمايتها والتمكين من أسبابها، وليس من بينها أن تكون حقوق الأغيار فى الانتفاع بالعين المؤجرة، أولى من سلطان أصحابها عليها، مالم يكن ذلك لمصلحة اجتماعية جوهرية لايجوز الإخلال بها. ولا كذلك النص المطعون فيه الذى فرض على مؤجر العين - ودون ما ضرورة - امتداداً قانونياً لعقد إجارتها، ولو كان ذلك لخدمة ذات نشاطها، بل يتعين أن يكون العقد - وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاً عن هذا التدخل التشريعى، ليحدد المؤجر بمقتضاه من يدخلون إلى العين بعد تخلى مستأجرها الأصلى عنها، والشروط التى يتراضون عليها لمباشرة مهنتهم أو حرفتهم أو تجارتهم أو صناعتهم فيها، إذا لم يؤثر هو أن تعود إليه لاستعمالها واستغلالها فى الأوجه التى يراها. وحيث إن ما تقدم مؤداه أن النص المطعون فيه، ينحل إلى عدوان على الملكية من خلال نقض بعض عناصرها. وهو بذلك لايندرج تحت تنظيمها، بل يقوم على إهدار كامل للحق فى استعمالها واستغلالها، مُلحقاً بالمؤجر وحده الضررالبين الفاحش، فقد أنشأ هذا النص حقوقاً مبتدأة بعيدة فى مداها منحها لشركاء المستأجر الأصلى الذين اختصهم دون مسوغ، واصطفاهم فى غير ضرورة، بتلك المعاملة التفضيلية التى تقدم المنفعة المجلوبة على مخاطر المفاسد ودرء عواقبها، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها، لازماً دفعا لأفدحها. وكان ينبغى - من ثم - أن يترسم النص المطعون فيه تلك الضوابط التى تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية بما يكون كافلا لمصالح أطرافها غير مؤد إلى تنافرها، ِليُقيمها على قاعدة التضامن الاجتماعى التى أرستها المادة 7 من الدستور، والتى تؤكد الجماعة من خلالها القيم التى تؤمن بها، وترعى استقرارها. وهى حدود ما كان يجوز أن يتخطاها المشرع، وإلا كان منافيا المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق فى نطاقها
[الطعن رقم 4 - لسنــة 15 ق - تاريخ الجلسة 6 / 7 / 1996]
وحيث كفل الدستور فى مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم فى جوهرها على الاستغلال، وهو يرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارض مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيمها على أداء الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى، وفى إطار خطة التنمية. وحيث إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز – على الأخص – فى مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم فى نطاق مباشرة المالك لسلطته المتعلقة باستغلاله لملكه، وهى قيود قصد بها فى الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى وغيرها من الأماكن لمقابلة الزيادة المطردة فى الطلب عليها، تلك الأزمة التى ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية وما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد الأولية للبناء ونضوبها وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية فى سكانها، وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة بتشريعات استثنائية مؤقتة – لا يجوز التوسع فى تفسيرها أو القياس عليها – خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإيجار مستهدفاً بها – على الأخص- الحد من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة، غير أن ضراوة الأزمة وحدتها جعلت التشريعات الاستثنائية متصلة حلقاتها، مترامية فى زمن تطبيقها، محتفظة بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدنى، متعلقة أحكامها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التى ربتتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، وزايلتها بالتالى صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها مكملاً بقواعد القانون المدنى باعتباره القانون العام، إذ كان ذلك، وكانت الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص تقدر بقدرها، ومعها تدور القيود النابعة وجوداً وعدماً باعتبارها علة تقريرها، وكان حق المستأجر فى العين المؤجرة – حتى مع قيام هذا التنظيم الخاص- لا زال حقاً شخصياً تؤول إليه بمقتضاه منفعة العين المؤجرة، وليس حقاً عينياً يرد على هذه العين فى ذاتها، تعين أن يكون البقاء فى العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة مرتبطاً بحاجة المستأجر إليها بوصفها مكاناً يأويه هو وأسرته أو يباشر مهنته أو حرفته فيها، فإذا انفكت ضرورة شغل العين عن مستأجرها، زايلته الأحكام الاستثنائية التى بسطها المشرع عليه لحمايته، ولم يعد له من بعد حق فى البقاء فى العين المؤجرة، ولا النزول عنها للغير بالمخالفة لإرادة مالكها، وهو ما رددته هذه التشريعات ذاتها بإلقائها على المستأجر واجبات ثقيلة غايتها ضمان أن يكون شغله العين المؤجرة ناشئاً عن ضرورة حقيقية يقوم الدليل عليها، لا أن يتخذها وسيلة إلى الانتهاز والاستغلال، ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية لضمان أدائها لوظيفتها الاجتماعية يتعين أن تظل مرتبطة بالأغراض التى تتوخاها، دائرة فى فلكها، باعتبار أن ذلك وحده هو علة مشروعيتها ومناط استمرارها، متى كان ذلك، وكانت سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق لا تعنى ترخصه فى التحرر من القيود والضوابط التى فرضها الدستور كحدود نهائية لهذا التنظيم لا يجوز تخطيها أو الدوران من حولها، وكان كل نص تشريعى لا يقيم وزنا للتوازن فى العلاقة الإيجارية عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها – وهو المؤجر – يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة لحق الملكية ومنطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها،
               [الطعن رقم 25 - لسنــة 11 ق - تاريخ الجلسة 27 / 5 / 1992]
وأن إلزام المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن عينتهم الفقرة الأولى من المادة (29) المشار إليها، وبالشروط الواردة فى هذه الفقرة، وتوقف نص الفقرة الثالثة من المادة (29) عند هذا الحد، من شأنه أن يفضى بهذا النص إلى دائرة عدم الدستورية، ذلك أن الانتقال بالعقد الذى حرر لمصلحة أى من أقارب المستأجر الأصلى المحددين على النحو سالف الذكر من أن يكون سنداً لشغله العين، لأن يصبح عقداً منشئاً لعلاقة ايجارية جديدة، المستأجر الأصلى فيها هو القريب الذى حرر العقد لمصلحته، مؤداه أن يسرى حكم الفقرة الأولى من المادة (29) على أقارب هذا القريب المقيمين معه حسبما حددهم هذا النص عند وفاته أو تركه العين، بما يترتب عليه نهوض حكم الفقرة الثالثة ليلزم المؤجر بتحرير عقد إيجار جديد لهم أو لأيهم، ثم يستمر الأمر متتابعاً فى حكمه، متعاقباً من جيل إلى جيل، لتحل به نتيجة محققة هى فقدان المؤجر وبتقدير أنه المالك للعين المؤجرة أو للحق فى التأجير جل خصائص حق الملكية على ما يملكه، وفيما يتجاوز أية ضرورة اجتماعية تجيز تحميل حق الملكية بهذا القيد، ذلك أن القيد الذى يحتمله حق الملكية فى هذا الشأن، هو تقرير امتداد قانونى لعقد الإيجار يستفيد منه المستأجر الأصلى وفقاً لحكم المادة (18) من القانون 136 لسنة 1981 كما يستفيد منه ذوو قرباه المقيمون معه من زوج وأبناء ووالدين وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977، حيث كانت إقامتهم معه محل اعتبار جوهرى عند التعاقد، بما ينهض مبرراً لهذا القيد وفى إطار أزمة الإسكان التى جعلت المعروض من وحداته دون حجم الطلب عليها، فإذا تجاوز الأمر هذا الحد، وانقلب القيد الذى تبرره هذه الضرورة الاجتماعية إلى فقدان المؤجر جل خصائص حق الملكية على العين المؤجرة، ولمصلحة من لم تشملهم الفقرة الأولى من ذات النص ولم يكن محل اعتبار عند التعاقد على التأجير، فإن الأمر يغدو عدواناً على حق الملكية الخاصة وهو ما يتعارض مع الأوضاع الخاصة بهذا الحق والحماية المقررة له بموجب أحكام المادتين (32، 34) من الدستور، ويوقع حكم الفقرة الثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى حمأة مخالفة الدستور، وهى مخالفة توجب القضاء بعدم دستوريتها فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذى يلتزم المؤجر بتحريره لأقارب المستأجر الأصلى المقيمين معه وقت وفاته أو تركه العين والمحددين فى الفقرة الأولى من المادة (29) من ذات القانون، بانتهاء إقامة آخر هؤلاء الأقارب، سواء بالوفاة أو تركه العين.
             [الطعن رقم 70 - لسنــة 18 ق - تاريخ الجلسة 3 / 11 / 2002]
وحيث إن النص فى المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها فى عام 1980 على أن " مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع "، يدل، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، على أنه لا يجوز لنص تشريعى يصدر فى ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها معاً، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية فى ثبوتها أو فى دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد، وهو اجتهاد إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو فى ذلك أوجب وأولى لولى الأمر ليواجه ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءً وجلباً للأمرين معاً؛ إذ كان ذلك - وكان الحكم قطعى الثبوت فى شأن العقود كافة، هو النص القرآنى الكريم : "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" آية رقم (1) سورة المائدة، وقد اختلف الفقهاء اختلافاً كبيراً فيما هو مقصود بالعقد فى تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف الذى كشف عن ظنية دلالة النص بالرغم من قطعية ثبوته، وَرَجُحَ متفقاً عليه بعد كل خلاف أن النص قد تضمن أمراً بتنفيذ العقود قاطبة وإنفاذ آثارها، وهو أمر يشمل عقد الزواج الذى عنى العزيز الحكيم بترتيب أحكامه، كما يشمل العقود المالية التى اتفق الفقهاء على أن إرادة المتعاقدين فيها لها سلطان مادامت لا تخالف أمراً مقرراً بنص قطعى فى ثبوته ودلالته. وحيث إن عقد الإيجار قد رحبت الآفاق فيه لاجتهاد الفقهاء وحدهم، وقادهم اجتهادهم فى شأن مدته إلى القول بوجوب أن يكون مؤقتاً، أما المدة التى يؤقت إليها فقد اختلفوا فيها اختلافاً شديداً، ومن ذلك قولهم أنه يجوز إجارة العين المدة التى يعيش إليها المتعاقدان عادة، كما أن التأقيت قد يكون بضرب أجل ينتهى بحلوله العقد، أو بجعل أجله مرهوناً بحدوث واقعة محمولة على المستقبل. وحيث إن نص الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977 المطعون عليها إذ يجرى على أنه " لا ينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك "، فإن النص بذلك يتصل فى حكمه بحكم المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 الذى يجرى صدرها على أنه " لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الآتية …… " وفى بيان هذه الأسباب يأتى البند (ج) من هذه المادة لينص على أن من بينها: "ج إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر.… أو.… أو.... وذلك دون إخلال بالحالات التى يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشاً أو تركه لذوى القربى وفقاً لأحكام المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977"، بما مؤداه أن المشرع إذ قرر امتداداً قانونياً لعقد الإيجار فى شأن المستأجر الأصلى وفقاً لحكم المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981، فإنه قد سحب هذا الامتداد إلى زوجه وأولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه فى العين المؤجرة حتى وفاته أو تركه العين، بحيث تغدو المسألة الدستورية المطروحة هى بيان ما إذا كان امتداد العقد حتى نهاية إقامة ذوى القربى المشار إليهم فى الفقرة الأولى المطعون عليها، بالوفاة أو الترك، هى تأبيد لعقد الإيجار أم أنه يظل مؤقتاً مرهوناً أجله بحدوث واقعة محمولة على المستقبل. وحيث إن امتداد عقد الإيجار إلى ذوى القربى المنصوص عليهم فى الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977 لا ينفى خضوعهم لأسباب الإخلاء المنصوص عليها فى المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 إذا توافرت شروط إحداها، فينتهى العقد بتوافر هذا السبب، كما يتصل بذلك أن يطلب آخر من تقرر الامتداد لمصلحته منهم إنهاء العقد، ثم يتحقق التأقيت النهائى للعقد بوفاة آخر من تقرر الامتداد القانونى لمصلحته من ذوى القربى المشار إليهم أو تركه العين المؤجرة، إذ كان ذلك كله، فإن نص الفقرة الأولى من المادة (29) المطعون عليه، لا يكون قد خرج عن دائرة تأقيت عقد الإيجار، بحمل انتهائه على وقائع عديدة أقصاها وفاة آخر من امتد العقد لمصلحته من ذوى قرابة المستأجر الأصلى المحددين فى النص الطعين، أو تركه العين المؤجرة، ويكون النص المطعون عليه بذلك وفيما أتاه من حكم حتى لم يخرج عن دائرة ما اجتهد فيه الفقهاء وكان له أن يخرج ولم يخالف حكماً شرعياً قطعى الثبوت والدلالة، بما لا يكون معه قد خالف الشريعة الإسلامية بأى وجه من الوجوه
                                              [الطعن السابق]

وأنه من المقرر قانوناً - وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة - أن حق الملكية - وباعتباره منصرفاً محلاً إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية -نافذ فى مواجهة الكافة ليختص صاحبها دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها ؛ وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها ؛ وألا يجردها المشرع من لوازمها؛ أو يفصل عنها بعض الأجزاء التى تكونها ؛ أو ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها؛ أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية؛ وكان لايجوز كذلك أن يتذرع المشرع بتنظيمها لتقويض محلها ؛ فإن إسقاط الملكية عن أصحابها أو سلب غلتها - سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر - يعتبر عدواناً عليها يناقض ماهو مقرر قانونا من أن الملكية لاتزول عن الأموال محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون. وحيث إن السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها. إلا أن الحدود التى يبلغها هذا التنظيم لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما يعد أخذاً للملكية من أصحابها A taking of property. سواءً من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديا. بل إن اقتلاع المزايا التى تنتجها، أو تهميشها مؤداه سيطرة آخرين فعلا عليها، Physical appropriation، أو تعطيل بعض جوانبها. وحيث إن المشرع وإن قرر فى مجال تنظيم العلائق الإيجارية، من النصوص القانونية ما ارتآه كافلاً للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون صوريا أومنتحلا. وكلما كان هذا التنظيم متحيفا، بأن مال بالميزان فى اتجاه أحد أطرافها تعظيما للحقوق التى يدعيها أو يطلبها، كان ذلك انحرافا عن إطارها الحق، أو نكولا عن ضوابط ممارستها، فلايستقيم بنيانها. ويقع ذلك بوجه خاص إذا كان تنظيم المشرع للحق فى استعمال الشئ - وهو أحد عناصر حق الملكية - مدخلا لإثراء مستأجر العين، وإفقار مالكها. وحيث إنه فضلا عما تقدم، لايجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة، على حقوق لايسوغها مركزه القانونى فى مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وكان قرين الاستغلال

             [الطعن رقم 116 - لسنــة 18 ق - تاريخ الجلسة 2 / 8 / 1997]
فلما كان ما تقدم وكان البين من استقراء أحكام المحكمة الدستورية العليا آنفة البيان أن الدستور قد أحاط الملكية بسياج من الحماية يكفل لها آداء وظيفتيها الاجتماعية والاقتصادية المأمولتين منها لتحقيق دورها الإنمائى فى المجتمع، ويُمَكِّن صاحبها من الانتفاع بها واستغلال عناصرها بما فيه صالح الفرد والجماعة، ووصولاً لهذا المرمى نص على عدم جواز حرمان المالك من ملكه إلا لمصلحة اجتماعية أو اقتصادية عامة تقتضيها الظروف وتحتمها الحادثات وضرورات الأحوال، وهو ما سمح للمشرع بتقييد حق الملكية فى قوانين الإيجار الاستثنائية المتعاقبة بالنص على الامتداد القانونى لعقود الإيجار ولو انتهت المدة المتفق عليها بالعقد ورغماً عن إرادة المؤجر المالك وذلك لدفع ضرر أكبر فرضته أزمة الإسكان وقلة المعروض من الوحدات السكنية فى ظل ارتفاع أسعار مواد البناء ووجود العديد من الأسر والأفراد بلا مأوى أو ملاذ - إلا أن هذه القيود ليست مطلقة وإنما تُحَدُ بنطاق الغرض منها والسبيل لتحقيق غايتها، ولهذا كان تواتر قضاء المحكمة الدستورية العليا على عدم جواز تأبيد عقد الإيجار وأنه بطبيعته عقد مؤقت ينتهى وجوباً فى وقت من الأوقات، وذلك حفاظاً على العناصر المميزة لذاتية حق الملكية التى توجب رده إلى صاحبه ليباشر سلطانه عليه ولو بعد حين وإلا عد ذلك اغتصاباً للملكية وانتزاعا لها بدون وجه حق بما يفرغها من مضمونها ويَقُضُّ من عناصرها ويحول بينها وبين آداء دوريها الاقتصادى والمجتمعى المنشودين.
 ولما كانت الشخصية الاعتبارية - عامةً كانت أو خاصة - تغاير فى طبيعة كينونتها وذاتيتها ومِن ثَمَّ تأقيت وجودها وبقائها طبيعة الشخصية الطبيعية، حيث إن الأخيرة تنتهى حتماً بالموت وهو حادث محقق الوقوع حسمه النص القرآنى "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْت" (الآية 185 من سورة آل عمران)، فليس لشخصٍ طبيعىٍ أن يعيش أبدا والموت مدركه لا محالة ولو طال به الأمد، ونتيجةً لذلك كانت عقود إيجار الوحدات المؤجرة للأشخاص الطبيعيين – فى ظل قوانين الإيجار الاستثنائية - مؤقتة بطبيعتها مهما امتد زمانها، حيث إن انتهاء هذه العقود لزوماً - على فرض عدم توافر سبب من الأسباب المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة موضوع الطعن وعدم رغبة المستأجر وخلفه فى إنهاء العقد - معلقٌ على شرطٍ واقفٍ محققِ الوقوع ومحمولٌ عليه وهو وفاة آخر شخص يمتد إليه عقد الإيجار ممن نصت عليهم الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 فى شأن إيجار وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وهذا الأمر تحديداً ما هب بالمحكمة الدستورية العليا للزود عنه ودرء عدوان المشرع عليه فى الفقرة الثالثة من المادة 29 المذكورة حال إصدارها عندما لم تنص على انتهاء عقد الإيجار بوفاة آخر من يشغل العين ممن يمتد إليهم العقد فى الفقرة الأولى من ذات المادة بما مؤداه استمرار شغلهم للعين مداولةً فيما بينهم يتوارثونها عيلةً جيلاً بعد جيل حتى يُقطعَ دابرهم أو يرث الله الأرض ومن عليها، وهم فى ذلك إنما يصولون على حق ملكية مؤجر العين فيفرغونه من مضمونه ويَغلّون يده عن الإفادة بملكه أبد الدهر فى منتهى صور الاستغلال والعدوان مؤبدين علاقتهم بالعين كأنها ملكاً لهم ولذويهم بالمخالفة لنصوص الدستور التى أعلت من شأن الملكية الخاصة - مما حدا بالمحكمة الدستورية لأن تقضى فى الطعن رقم 70 لسنــة 18 ق دستورية بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذى يلتزم المؤجر بتحريره لأقارب المستأجر الأصلى المقيمين معه وقت وفاته أو تركه العين والمحددين فى الفقرة الأولى من المادة (29) من ذات القانون، بانتهاء إقامة آخر هؤلاء الأقارب، سواءً بالوفاة أو تركه العين.
أما الشخصية الاعتبارية عامة كانت أو خاصة فإنها دائمةٌ بطبيعتها ولا تتعرض لأسباب الفناء الحتمية التى يتعرض لها الشخص الطبيعى، حيث إنها لا تنتهى بالوفاة وهى المصير الحتمى للبشر كافة، وإنما نظم القانون أسباب انحلالها أو زوالها بحسب الأحوال، وهى أسباب غير محققة الوقوع وقد لا تحدث على الإطلاق فيستمر وجود الشخصية الاعتبارية ممتداً فى أغوار الزمن ما بقيت الحياة الدنيا، ومؤدى ذلك أن تتأبد العلاقة الإيجارية التى يكون الطرف المستأجر فيها شخصية اعتبارية فى ظل قوانين الإيجار الاستثنائية التى تقرر الامتداد القانونى لعقود الإيجار الخاضعة لأحكامها بما لازمه حرمان مالك العين المؤجَرة للشخصية الاعتبارية من الانتفاع بملكه واستغلاله أبد الآبدين، وهو ما يصح تأويله فى واقع الامور نزعاً للملكية فى غير غرض المنفعة العامة مما هو محظور بنص المادة 32 من الدستور، كما يُعد أكلاً لأموال المؤجر بالباطل نهى عنه الحكم قطعى الثبوت والدلالة الوارد بالنص القرآنى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" (الآية 29 من سورة النساء) مما يوقعه فى حمأة مخالفة المادة الثانية من الدستور.
يضاف إلى ما سبق أن الحكمة التى تغياها المشرع من نصوص قوانين الإيجار الاستثنائية من مراعاة مصالح المستأجر الذى يعانى من ضعف الحالة الاقتصادية وشظف العيش ولا يجد ملاذاً يأويه وأسرته فيصبح مهدداً بالطرد والتشريد عقب انتهاء مدة عقد الإيجار بما يوقعه فريسة لعنت المؤجر وحيفه وتحينه ضغط عوز المستأجر وحاجته بإملاء شروط قاسطة قاسية تعبر عن الجور والانتهاز والاستغلال، فكان إصدار هذه التشريعات ضرورة أملتها الحالة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لجُلٍّ أبناء المجتمع عزوفاً عن تربص مثل هذه النتائج وما قد تؤدى إليه من احتقان وتناحر وتنابذ بين المؤجرين والمستأجرين، ودفعاً لهذا الضرر المحدق الذى يهدد كيان الوطن ويعصف بوحدة وترابط عناصره وأفراده، وكانت هذه الحكمة لا يمكن بحال القول بتوافرها إذا ما كان المستأجر شخصاً اعتبارياً - ذلك أن الشخص الاعتبارى باعتباره مؤسسة ذات كيان اقتصادى ومالى مستقل بذاته أو تابع للدولة ولمواردها ومدخلاتها فإنه لا يعانى من مثل هذه الحالة الاقتصادية التى يعانى منها الشخص الطبيعى من آحاد الناس، وليس له أن يعانى من شظف العيش أو التشريد والتيه والندود، فحاجة الشخص الاعتبارى للاستمرار فى العين المؤجرة لا تقارع حاجة الشخص الطبيعى لها والأخير يعوزها لمأواه وملاذه هو وأسرته بينما الأول يستغلها فى نشاط اقتصادى قد يدر عليه ربحاً ومفازة أو فى أى نشاطٍ آخر ولو كان للمنفعة العامة أو لخدمة العاملين به، إذ أن الشخص الاعتبارى ذاته ليس له التذرع بضغط الحاجة وذل الإملاق وله أن يستبدل وحدته بأخرى بل وأن يتملك مثيلتها وهو القادر على ذلك، ومن ثم فهو أحق وأجدر بأن يخضع فى علاقاته للقواعد العامة المنصوص عليها فى التقنين المدنى وليس له مأرب فى الإفادة من القواعد الاستثنائية الواردة بقوانين إيجار الأماكن مع عدم انطباق علة تشريعها على ظروفه ومكناته، بما أوقع النص المطعون فيه فى جرة مخالفة المادة السابعة من الدستور بافتئاته على حقوق المؤجرين دون مسوغ ولصالح فئة من المستأجرين لا تستأهل تدخل المشرع لحماية أوضاعها فى مواجهة الطرف المالك المؤجر - الضعيف فى مواجهتها بالنظر إلى وهن موارده وإمكاناته بالنسبة إليها - واستثناء حكمها من القواعد العامة.
الأمر الذى ترى معه المحكمة من جميع ما تقدم عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر - فيما تضمنته من إطلاق عبارة (لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد) لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لأغراض السكنى أو لغيرها، وذلك لمخالفته لنصوص المواد 2، 7، 29، 32، 34 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 والمنشور بتاريخ 12/9/1971 والمستبدل نص المادة الثانية منه بدستور عام 1980 المنشور بتاريخ 26/6/1980- الصادر النص المطعون عليه فى ظله -.
 وحيث إن هذ الرأى لا يحاج بمقولة أن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المثارة فى الدعوى الراهنة بحكمها الصادر بجلستها المعقودة فى 3/11/2002 فى القضية رقم 105 لسنة 19 قضائية دستورية، والذى قضى برفض الطعن بعدم دستورية نص المادة (18) من القانون 136 لسنة 1981 المشار إليها، تطبيقاً لمقتضى المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بأن يكون لقضاء هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أية جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعى على نقضه من خلال إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته – ذلك أن نطاق موضوع الدعوى المذكورة والمسألة الأولية التى محصتها وفصلت فيهما المحكمة يختلفان يقيناً عن المسألة الأولية المطروحة فى الدعوى الماثلة ونطاق موضوعها حيث إن المسألة التى كان يتوقف الفصل فى الدعوى الموضوعية، على قضاء المحكمة الدستورية فيها فى الدعوى المذكورة كانت تدور حول تحديد مدى دستورية الامتداد القانونى لعقود إيجار الأماكن المؤجرة لأشخاص طبيعيين بغرض السكنى، ولم يكن معروضاً على المحكمة - ومن ثم لم يتطرق إليه حكمها – حالة الامتداد القانونى لعقود إيجار الأماكن المؤجرة لأشخاص اعتبارية لأغراض السكنى أو لغيرها وهو نطاق موضوع الدعوى الماثلة، ومن ثم فإن المحكمة الدستورية العليا لم يسبق لها الفصل فى موضوع الطعن الماثل من قبل لعدم إثارة مسألته الأولية أمامها فى أية دعاوى سابقة؛
 ولما كان قضاء المحكمة الدستورية العليا مستقراً على أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية
                 (الدعوى رقم 193 لسنة 1997 ق دستورية جلسة 6/5/2000)(*)
وكان تحديد نطاق الدعوى الماثلة هو فيما نصت عليه المادة موضوع الطعن من أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان - المؤجر لشخص اعتبارى (عام أو خاص) لغرض السكنى أو لغير غرض السكنى – ولو انتهت المدة المتفق عليها بالعقد ................"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية العليا سبق وأن قضت بعدم دستورية ما تضمنته المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من استمرار عقد إيجار المسكن ـ عند ترك المستأجر الأصلى له ـ لصالح أقاربه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة الذين أقاموا معه فى العين المؤجرة مدة سنة على الأقل سابقة على تركه العين أو مدة شغله لها أيتهما أقل فى الدعوى رقم 6 لسنــة 9 ق دستورية بجلسة 18/3/1995، ولم يمنعها قضاؤها المذكور من إعادة بحث مدى دستورية ذات المادة بل وذات الفقرة المقضى بعدم دستوريتها فى دعاوى أخرى لاحقة قضت فيها بعدم دستورية ذات الفقرة فيما يتعلق بشق آخر منها كما قضت بعدم دستورية فقرات أخرى من ذات المادة - حيث قضت فى الدعوى رقم 4 لسنة 15 ق دستورية بجلسة 6/7/1996 بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وذلك فيما نصت عليه من استمرار شركاء المستأجر الأصلى للعين التى كان يزاول فيها نشاطا تجاريا أو صناعيا أو مهنيا أو حرفيا فى مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى هذا المستأجر عنها, وبسقوط فقرتها الثالثة فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى هؤلاء الشركاء، كما قضت فى الدعوى رقم 3 لسنة 18 ق دستورية بجلسة 4/1/1997 بعدم دستورية ما نصت عليه المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من أن "وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر مصاهرة حتى الدرجة الثالثة, يشترط لاستمرار عقد الإيجار, إقامتهم فى المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل"، كما قضت فى الدعوى رقم 44 لسنة 17 ق دستورية بجلسة 22/2/1997 بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وذلك فيما نصت عليه من استمرار الإجارة التى عقدها المستأجر فى شأن العين التى استأجرها لمزاولة نشاط حرفى أو تجارى لصالح ورثته بعد وفاته، كما قضت فى الدعوى رقم 116 لسنــة 18 ق دستورية بجلسة 2/8/1997بعدم دستورية ما نصت عليه المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من أن "وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسبا حتى الدرجة الثالثة، يشترط لاستمرار عقد الإيجار، إقامتهم فى المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل، كما قضت فى الدعوى رقم 70 لسنة 18ق دستورية بجلسة 3/11/2002 بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما لم يتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذى يلتزم المؤجر بتحريره لمن لهم الحق فى شغل العين، بانتهاء إقامة آخرهم بها، سواء بالوفاة أو الترك.
وكانت صياغة عبارات صدر الفقرة المطعون عليها قد أصابها من التعميم ما مد نطاقها لينضوى تحت لوائها أن يكون المكان مؤجراً لأشخاص طبيعية أو اعتبارية على حدٍ سواء، وكان نطاق الدعوى الدستورية رقم 105 لسنة 19 ق دستورية قد اقتصر على حال تطبيق النص المطعون عليه على عقود الإيجار المؤجرة لأشخاص طبيعية، ومن ثم فإن حجية هذا القضاء تنحسر عن عقود الإيجار المؤجرة لأشخاص اعتبارية تأسيساً على أن هذه العقود لم تكن مطروحة على المحكمة الدستورية العليا ولم تقض فيها بأية قضاء بما لازمه ألا يقيد قضاؤها المتقدم قضاءها حال نظرها للدعوى الماثلة.
 الأمر الذى ترى معه المحكمة من جميع ما تقدم وقف الدعوى تعليقاً وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر - فيما تضمنته من إطلاق عبارة (لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد) لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة لأغراض السكنى أو لغير أغراض السكنى، وذلك لشبهة مخالفته لنصوص المواد 2، 7، 29، 32، 34 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 والمنشور بتاريخ 12/9/1971 والمستبدل نص المادة الثانية منه بدستور عام 1980 المنشور بتاريخ 26/6/1980 عملاً بنصى المادتين 29، 30 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بشأن إصدار قانون المحكمة الدستورية العليا
وحيث إنه عن المصاريف شاملة مقابل أتعاب المحاماة فالمحكمة ترجىء البت فيها لحين صدور حكمٍ منهٍ للخصومة عملاً بمفهوم المخالفة لنص المادة 184/1 من قانون المرافعات المعدل.
                                                                  
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة/
بوقف الدعوى تعليقاً وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر - فيما تضمنته من إطلاق عبارة (لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد) لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة لأغراض السكنى أو لغير أغراض السكنى، وذلك لشبهة مخالفته لنصوص المواد 2، 7، 29، 32، 34 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 والمنشور بتاريخ 12/9/1971 والمستبدل نص المادة الثانية منه بدستور عام 1980 المنشور بتاريخ 26/6/1980، واعتبرت النطق بالحكم بمثابة إعلان به للخصوم وأبقت الفصل فى المصروفات.