الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 1 سبتمبر 2022

الطعن 3803 لسنة 35 ق جلسة 6 / 6 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 37 ج 1 توحيد مبادئ ق 2 ص 22

جلسة 6 من يونيو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد المهدي مليحي ومحمد محمود الدكروري ود. عبد المنعم عبد العظيم جيرة ورأفت السيد يوسف ومحمد معروف محمد وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعبد اللطيف عبد اللطيف الخطيب ومحمد مجدي خليل هارون وعويس عبد الوهاب عويس وأحمد إبراهيم عبد العزيز - نواب مجلس الدولة.

-----------------

(2)
الطعن رقم 3803 لسنة 35 القضائية

دعوى - الحكم في الدعوى - الحكم بعدم الاختصاص والإحالة - مدى التزام محاكم مجلس الدولة بالمادة (110) من قانون المرافعات.
المادة 110 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، المادتان 167، 172 من دستور سنة 1971، المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972.
استحدث قانون المرافعات بنص المادة (110) حكماً لم يكن مقرراً من قبل وهو وجوب أن تأمر المحكمة بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة إذا هي قضت بعدم اختصاصها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية 
- هذه الإحالة المترتبة على الحكم بعدم الاختصاص الولائي لم تكن المحاكم تملكها من قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات 
- إذا قضت جهة القضاء العادي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى جهة القضاء الإداري فإن محاكم هذه الجهة تلتزم بنظرها أي بالفصل في موضوعها دون أن تعاود بحث مسألة الاختصاص الولائي بها ولو استبان لها أن موضوع الدعوى لا يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية والعكس صحيح 
- الحكم بالإحالة ينطوي حتماً على حكم باختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى وهو حكم له حجيته أمام جميع المحاكم بحسبانه صادراً من محكمة أناط بها المشرع الولاية في إصداره 
– ليس في التزام المحكمة بنظر الدعوى المحالة إليها ولو لم تكن المحكمة التي قضت بالإحالة أعلى درجة إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء على آخر إلا إذا كان الأول أعلى درجة 
- أساس ذلك: أن المقصود بهذه القاعدة ألا يكون للمحكمة أن تعيد النظر في قضاء صادر من محكمة أخرى إلا إذا كانت الأولى أعلى درجة والفرض أنه ليس للمحكمة المحال إليها الدعوى أي قضاء فيها 
- لا يكون هناك إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء إحدى جهتي القضاء على قضاء الجهة الأخرى ما لم تكن المحكمة المحال إليها محكمة طعن كمحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا 
– أساس ذلك: مخالفة هذه الإحالة للأوضاع والمواعيد والإجراءات وحالات الطعن المقررة أمام هاتين المحكمتين فضلاً عما قد ينطوي عليه الحكم بعدم الولاية والإحالة لأي من هاتين المحكمتين من إهدار حق التقاضي أمام أكثر من درجة فتضحى غير جائزة 
- محاكم مجلس الدولة وإن كانت لا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات إلا أنها مخاطبة بصريح نص المادة 110 التي أوجبت الإحالة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وألزمت المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها 
- تصور المشرع عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه من الآخر وقيام حالة التنازع السلبي لا يعني البتة أنه قصد عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين وإلا كان الحكم المستحدث كله لغواً والأصل أن المشرع منزه من اللغو 
- غاية الأمر أن هذا التصور يفرضه الواقع لا صحيح أحكام القانون 
- نتيجة ذلك: كان حتماً على المشرع أن يستكمل النظام القضائي بتحديد المحكمة المختصة بالتنازع السلبي على الاختصاص فضلاً عن التنازع الإيجابي 
- ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الولاية والإحالة إلى محاكم مجلس الدولة منعدماً يجب أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل في موضوعها ولو استبان لها أنه لا يندرج في عموم الولاية التي أنيطت بها طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية 
- أساس ذلك: لا اجتهاد مع صراحة النص 
- هذا الالتزام رهين كذلك بعدم وجود محكمة أخرى مختصة خلاف محاكم الجهة القضائية التي صدر الحكم بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فإن وجدت تعين القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص والإحالة إليها 
- أساس ذلك: حجية الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة مقصورة فقط على أسبابه فيمتنع القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص الولائي لاختصاص المحكمة التي أصدرت حكم الإحالة ورهين أيضاً بعدم إلغاء حكم الإحالة من محكمة أعلى إذ به تزول حجيته 
- تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 20 من يوليو 1989 أودع الأستاذ/ محمد يوسف المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن السيد/.......... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3803/ 35 القضائية عليا ضد كل من نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية والإنتاج الحربي ووزر الداخلية ووزير العدل في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21/ 5/ 1989 في الدعوى رقم 4404/ 41 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم والذي قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً، واحتياطياً: الفصل في الدعوى والحكم بطلبات الطاعن الواردة بصحيفة دعواه بعد تعديلها إلى (60.000ج) "ستون ألف جنيه" والطلبات الأخرى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات والأتعاب.
وأودع السيد الأستاذ المستشار/ محمد عزت إبراهيم مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعن.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات التي تداولت نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوي الشأن وبجلسة 3/ 11/ 1990 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة المشكلة طبقاًَ للمادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة للبت فيما إذا كانت محاكم مجلس الدولة تلتزم بالإحالة طبقاً لأحكام المادة 110 من قانون المرافعات من عدمه.
وعينت جلسة 18/ 11/ 1990 لنظر الطعن وأودع السيد الأستاذ المستشار/ علي رضا مفوض الدولة تقريراً تكميلياً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى في ختامه الحكم بما انتهى إليه التقرير الأول المودع من رأى.
وقد تداول نظره أمامها حيث استمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات وملاحظات في مرافعة ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم 23/ 5/ 1992 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 6/ 6/ 1992 وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الإحالة إلى دائرة توحيد المبادئ قد استوفت الأوضاع الشكلية المقررة لنظرها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراقها - تخلص في أنه بتاريخ 6/ 6/ 1983 أقام السيد/..... الدعوى رقم 6533/ 1963 مدني كلي جنوب القاهرة وطلب في ختام صحيفتها الحكم بإلزام المدعى عليهم على وجه التضامن بأن يدفعوا له مبلغ (ثلاثين ألف جنيه) كتعويض رمزي لما أصابه من أضرار أدبية ومادية والمصاريف، وقال في شرح دعواه أنه بتاريخ 3/ 7/ 1967 أحيل إلى التقاعد بعد ترقيته إلى رتبة لواء طيار، وفي 24/ 8/ 1967 أعتقل وأودع بالقلعة ثم بإدارة أمن المخابرات الحربية حتى أفرج عنه في سبتمبر 1968 ثم أعيد اعتقاله في نوفمبر 1969 ووضع في سجن القناطر ولم يفرج عنه إلا في سبتمبر 1971 رغم إلغاء قرار اعتقاله في غضون عام 1970، وبجلسة 21/ 5/ 1989 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالاتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لنظرها. وورد ملف الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري وقيد بجدولها تحت رقم 4404/ 41 ق، وبجلسة 21/ 5/ 1989 أصدرت المحكمة حكمها الطعين القاضي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإلزام المدعي المصروفات على أسباب محصلها أنه ولئن كان الثابت أن المدعي قد صدرت قرارات ثلاثة باعتقاله إلا أن الذي لا مرية فيه أنه لا يهدف بدعواه إلى اختصام هذه القرارات بطلب التعويض عنها كتصرفات قانونية صدرت من جهة الإدارة إذ لم يشر في صحيفة الدعوى إلى ما ينبئ عن اتجاه إرادته صراحة أو ضمناً إلى طلب التعويض عن تلك القرارات وإنما يستشف منها أنه إنما يتغيا الحكم له بالتعويض على أساس من الأفعال المادية غير المشروعة التي نسبها إلى تابعي المدعى عليهم يؤيد ذلك ما ورد بمذكرة دفاع الطاعن أمام المحكمة المدنية رداً على الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى بأن المقرر اختصاص القضاء المدني بالفصل في قضايا التعويض عن أضرار نتيجة تعذيب مادي أو نفسي وهو ما عاد يؤكده في صحيفة تعديل الطلبات حيث أشار في سياقها إلى سابقة اعتراضه على الدفع المبدي أمام المحكمة المدنية بعدم الاختصاص الولائي وخلص إلى طلب الحكم له بمبلغ ستون ألف جنيه على سبيل التعويض عما أصابه من أضرار مادية وأدبية عن الأفعال المبينة بأصل صحيفة الدعوى، ومن ثم فإن المنازعة لا تستقيم منازعة إدارية مما ينعقد الاختصاص به لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بحسبانها لا تعدو أن تكون من قبيل المنازعات المدنية البحتة الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى دون إحالتها إلى المحكمة المختصة على موجب صحيح القانون إذ لا جدوى من الإحالة إلى محكمة سبق لها أن عرضت للدعوى بقضاء واستنفدت ولايتها فيها والمدعي وشأنه في سلوك سبيل فض التنازع السلبي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم الطعين القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب محصلها أن الطاعن أفصح في صحيفة دعواه صراحة وليس ضمناً عن أنه يختصم قرارات اعتقاله كتصرفات قانونية صدرت عن جهة الإدارة، وأن اعتقاله لم يكن له ما يبرره من الواقع والقانون وأنه يمثل اعتداء على حريته التي كفلها الدستور وأنه أصيب بأضرار مادية وأدبية من جراء قرارات اعتقاله والمعاملة غير الإنسانية أثناء فترة اعتقاله هذا فضلاً عن أنه أشار في صحيفة دعواه إلى الفروق المالية التي ضاعت عليه نتيجة إحالته إلى التقاعد ثم اعتقاله ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظرها لمحكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن المسألة المطروحة على هذه المحكمة قد حددتها دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات بالمحكمة الإدارية العليا والصادر بجلسة 3/ 11/ 1990 بإحالة الطعن إلى هذه المحكمة للبت في مدى التزام محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى المحالة إليها بحكم صادر بعدم الاختصاص والإحالة من محكمة تابعة لجهة القضاء العادي طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات المدنية التجارية.
ومن حيث إنه تجدر الإشارة - ابتداء - إلى أن أحكام المحكمة الإدارية العليا الصادرة في شأن تطبيق حكم الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تفرقت وجهتين الأولى قضت بأن نص هذه الفقرة بالتزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها لا يلزم محاكم مجلس الدولة بالفصل في موضوع الدعوى إذا استبان لها أنها غير مختصة بنظرها طبقاً لمواد القانون المحددة ولايتها، ومن ثم فإن على محاكم مجلس الدولة بالرغم من حكم عدم الاختصاص والإحالة إليها أن تبحث بداءة وقبل الفصل في الموضوع مدى اختصاصها بنظره وفقاً لمواد القانون المحددة لولايتها والإجراءات المطبقة أمامها فإن استبان لها أنها غير مختصة ولائياً بنظره وأن المحكمة التي سبق لها أن قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة من محاكم مجلس الدولة هي المختصة قانوناً وجب عليها أن تقضي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى دون إحالتها مرة أخرى إلى المحكمة الأولى بعد إذ استنفدت هذه المحكمة ولايتها بحكمها القطعي الصادر منها في الدعوى بعدم الاختصاص ويقوم هذا الاتجاه على سند مؤداه أن قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969 قد أناط بها ولاية الفصل في مسائل تنازع الاختصاص السلبي مما مفاده أن المشرع افترض إمكان قيام حالة تنازع الاختصاص السلبي بين القضاءين العادي والإداري في شأن منازعة بعينها (الأحكام الصادرة في الطعون أرقام 513/ 16 ق عليا و23/ 19 ق عليا و1213 و1216 1218/ 18 ق عليا) أما الوجهة الثانية في ذات المسألة فقد قضت بأن نص الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة يلزم محاكم مجلس الدولة بالفصل في موضوع الدعوى التي سبق لإحدى المحاكم العادية أن قضت فيها بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها وبإحالتها إلى أي من محاكم مجلس الدولة للاختصاص.
وسند هذا الاتجاه أن المشرع قد استهدف بنص الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة حسم المنازعات ووضع حداً لها حتى لا تتقاذفها أحكام عدم الاختصاص من محكمة إلى أخرى وأنه إزاء صراحة النص المذكور وإطلاقه فإنه يمتنع على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعد الحكم بعدم الاختصاص الولائي الصادر من جهة القضاء العادي أن تعاود البحث في مسألة الاختصاص ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية (الأحكام الصادرة في الطعون أرقام 677/ 31 ق عليا و284/ 25 ق عليا و849 و1034 و1535/ 26 ق عليا و502 و503/ 27 ق عليا).
ومن حيث إن هذه المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 27 من إبريل سنة 1986 في الطعن رقم 1845/ 27 ق عليا قد تبنت الاتجاه الأول حيث قضت بعدم التزام محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات إذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانوناً لمحاكم مجلس الدولة أما في الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها فلها أن تحيلها إلى المحكمة المختصة إذا تبين لها أنها غير مختصة بنظرها وقد شيد هذا القضاء على أسباب محصلها أن قانون المرافعات يسري على المحاكم المحددة في المادة الأولى من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46/ 1972 وهي محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية والجزئية وحيث أوردت كلمة محكمة في نصوص قانون المرافعات كان المقصود بها إحدى هذه المحاكم وهي محاكم القانون الخاص المدنية والتجارية ومحاكم الأحوال الشخصية في حين أن المحاكم الجنائية يسري عليها قانون الإجراءات الجنائية أما محاكم مجلس الدولة فلا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات وعلى ذلك فإن تطبيق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على القسم القضائي بمجلس الدولة طبقاً للمادة 3 من قانون المجلس هو تطبيق احتياطي وقانوني مشروط بعدم وجود نص خاص في قانون مجلس الدولة، وعدم تعارض قانون المرافعات مع طبيعة المنازعة الإدارية ونظام المجلس وأوضاعه الخاصة نصاً وروحاً، ومن ثم فلا يجوز أن يؤدي تطبيق أي نص من نصوص قانون المرافعات - كما هو شأن الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات إلى المساس باختصاص المجلس الذي حدده الدستور والقانون، نزولاً على أحكام الدستور ذاته كما لا يجوز إخضاع جهة القضاء الإداري سواء في تحديد اختصاصها أم في موضوع قضائها لجهة قضاء أخرى بالمخالفة لحكم الدستور والقانون وهذا بذاته ما دعا المشرع معه وضع المادة 110 مرافعات بصياغتها الحالية إلى استيفاء أحكام محكمة تنازع الاختصاص فأناطه بالمحكمة العليا ثم بالمحكمة الدستورية العليا وأنه إذا كانت الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات تنص على التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها فهي إنما تخاطب المحاكم التي ينظم قانون المرافعات الإجراءات أمامها وهي المحاكم التي حددها قانون السلطة القضائية دون محاكم مجلس الدولة.
وإذ تمخض تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات عما يتعارض نصاً وروحاً مع نظام المجلس وأوضاعه الخاصة وطبيعة المنازعة الإدارية وما حدده الدستور والقانون للمجلس من اختصاص فإن حكمها في هذا الخصوص ينأى عن مجال التطبيق أمام محاكم مجلس الدولة حيث يؤدي تطبيقه إلى مخالفة حكم الدستور والقانون بإلزام هذه المحاكم بنظر منازعات تخرج عن اختصاصها.
ومن حيث إن المادة 110 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 تنص على أنه: "على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية ويجوز لها عندئذ أن تحكم بغرامة لا تجاوز عشر جنيهات.
وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها".
وبهذا النص استحدث قانون المرافعات حكماً لم يكن مقرراً من قبل ألا وهو وجوب أن تأمر المحكمة بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة إذا هي قضت بعدم اختصاصها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وهذه الإحالة المترتبة على الحكم بعدم الاختصاص الولائي لم تكن المحاكم تملكها من قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات المشار إليه، ذلك أن المادة 135 من قانون المرافعات الملغي كانت تجعل الإحالة جوازية للمحكمة فجعلها نص المادة 110 المشار إليه وجوبية، وجرى القضاء وغالبية الفقه في ظل المادة 135 المذكورة على أن الإحالة المقررة بها - وهي جوازية للمحكمة - لا تكون إلا بين محاكم الجهة القضائية الواحدة فلا يجوز أن تتم إلى محاكم جهة قضائية أخرى كما أنها لا تكون إلا بين محكمتين من طبقة واحدة، ثم صدر القانون رقم 100 لسنة 1962 ونص على تعديل حكم المادة 135 المذكورة فجعل الإحالة وجوبية بين محاكم ذات الجهة القضائية أي دون أن تتعدى الإحالة إلى محاكم جهة قضائية أخرى ونص على أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها سواء أكانت المحكمة التي قضت بالإحالة من طبقة المحكمة المحال عليها الدعوى أم من طبقة أعلى أو أدنى ثم صدر قانون المرافعات الحالي بالقانون رقم 13 لسنة 1968 ونص في المادة 110 منه على وجوب الإحالة ولو بين جهتي القضاء وعلى أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها وجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون تعليقاً على نص هذه المادة أنه قد استحدث المشرع في المادة 110 نصاً مؤداه أن على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية بعد أن كان القضاء قد استقر في ظل القانون القائم على عدم جواز الإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص، إذا كان ذلك راجعاً إلى سبب متعلق بالوظيفة (أي الولاية) وكان مبنى هذا القضاء فكرة استقلال الجهات القضائية بعضها عن البعض الآخر وهي فكرة لم تعد لها محل بعد تطور القضاء وانحصاره في جهتين تتبعان سيادة واحدة.
وفي مقام عرض أهم ما تضمنه المشروع من مبادئ وأحكام عنيت المذكرة الإيضاحية بترديد العبارة السابقة، وجاء بتقرير اللجنة التشريعية ما يلي "عمد المشروع إلى تنقية النظام القضائي مما علق به من رواسب الماضي وأخصها فكرة استقلال الجهات القضائية بعضها عن البعض الآخر ومقتضاها على ما استقر عليه القضاء من عدم جواز إحالة الدعوى من جهة قضائية إلى جهة أخرى إذا حكمت المحكمة المرفوع إليها الدعوى بعدم اختصاصها لانتفاء الولاية.
وترجع هذه الفكرة إلى العهد الذي كانت فيه ولاية القضاء مقطعة الأوصال تتقاسمها جهات قضائية متعددة بعضها مصري والبعض الآخر غير مصري، ولم يعد لهذه الفكرة محل بعد تطور نظام القضاء وتوحيده في جهتين تتبعان سيادة واحدة هي سيادة الدولة، ولذلك أوجب المشرع على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها.
ومن حيث إن صريح نص المادة 110 من قانون المرافعات المشار إليه ومذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية مفاده أنه إذا قضت جهة القضاء العادي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى جهة القضاء الإداري فإن محاكم هذه الجهة تلتزم بنظرها أي بالفصل في موضوعها دون أن تعاود بحث مسألة الاختصاص الولائي بها ولو استبان لها أن موضوع الدعوى لا يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية والعكس صحيح ومن شأن التزام محاكم جهتي القضاء العادي والإداري بحكم هذا النص ولا ريب في وجوب التزامها به القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص فيما بينهما ويكون نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات إذا كان موضوع الدعوى المحالة لا يندرج قانوناً في ولاية المحكمة المحال عليها معدلاً لولايتها في خصوصية موضوع الدعوى المحالة، وهذا طبقاً لصريح نص القانون وهو أيضاً ما يقول به فقه المرافعات في شأنه ولا اجتهاد مع صراحة النص وغني عن البيان أن الحكم في هذه الحالة ليس حكماً بعدم الاختصاص فحسب حتى يقال أنه لا يقيد إلا المحكمة التي أصدرته من حيث قضائها بعدم اختصاصها وإنما هو حكم أيضاً باختصاص المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى وذلك بناء على أن القانون ينص على أن المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها فإن عليها أن تأمر بإحالتها إلى "المحكمة المختصة" فالمحكمة تحيل الدعوى بناء على تحديدها للمحكمة المختصة لا تزيداً منها وإنما بمقتضى السلطة التي خولها إياها القانون أي بمقتضى ولايتها بالحكم باختصاص المحكمة المحال إليها بنظر الدعوى المحالة أي أن حكم الإحالة إلى المحكمة المحال إليها الدعوى صدر من محكمة لها الولاية في إصداره فيحوز حجيته أيضاً أمام المحكمة المحال إليها.. وبعبارة أخرى فإن الحكم بالإحالة ينطوي حتماً على حكم باختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى وهو حكم له حجيته أمام جميع المحاكم بحسبانه صادراً من محكمة أناط بها المشرع بصريح نص المادة 110 مرافعات الولاية في إصداره وليس في التزام المحكمة بنظر الدعوى المحالة إليها ولو لم تكن المحكمة التي قضت بالإحالة أعلى درجة إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء على آخر إلا إذا كان الأول أعلى درجة لأن المقصود بهذه القاعدة ألا يكون للمحكمة أن تعيد النظر في قضاء صادر من محكمة أخرى إلا إذا كانت الأولى أعلى درجة والفرض أنه ليس للمحكمة المحال إليها الدعوى أي قضاء فيها كذلك ليس فيه إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء إحدى جهتي القضاء على قضاء الجهة الأخرى المنوه عنه ما لم تكن المحكمة المحال إليها محكمة طعن كمحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا لمخالفة هذه الإحالة للأوضاع والمواعيد والإجراءات وحالات الطعن المقررة أمام هاتين المحكمتين فضلاً عما قد ينطوي عليه الحكم بعدم الولاية والإحالة لأي من هاتين المحكمتين من إهدار حق التقاضي أمام أكثر من درجة، فتضحى غير جائزة، أما التزام من عدا هاتين المحكمتين من محاكم جهتي القضاء العادي والإداري بحكم الإحالة، فهو إعمال لقاعدة حجية الشيء المحكوم فيه ومقتضاها أن للحكم حجيته أمام جميع المحاكم بصرف النظر عن المحكمة التي أصدرته، وبصرف النظر عن المحكمة التي يحتج به أمامها إذ أنه حكم صادر من محكمة لها الولاية وفقاً لأحكام المادة 110 مرافعات في إصداره كما سبق البيان وحيث إنه لا سند أو جدوى في محاولة تخصيص إطلاق عبارة الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة تخلصا مما يترتب على الإحالة من تعديل لولاية محاكم مجلس الدولة في خصوصية الدعوى المحالة إذا كان موضوعها لا يندرج قانوناً في ولايته بالقول بأن محاكم مجلس الدولة لا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات، وبالتالي فهي تلتزم بما يقضي به نص الفقرة الثانية من المادة 110 من التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها ذلك أنه ولئن كان صحيحاً أن محاكم مجلس الدولة لا تندرج في عداد تلك المحاكم إلا أنها مخاطبة بصريح نص المادة 110 المذكورة التي أوجبت الإحالة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وألزمت المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها وهو الحكم الذي استحدثه قانون المرافعات الجديد الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 والذي لا مجال لتطبيقه إلا في الإحالة لعدم الاختصاص الولائي أي إلا في الإحالة لمحاكم جهة القضاء الإداري، فلا يسوغ معه القول بأن محاكم مجلس الدولة غير مخاطبة به يؤكد سلامة هذا النظر ما ورد بالمذكرة الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عن المادة (110) مرافعات من أن القصد من استحداثه هو القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص حسبما سبق ذكر ذلك ومن هذا يتأكد أنه لا مجال لتخصيص حكم المادة 110 مرافعات بأي مخصص سواء من النص أم من خارجه، أما القول أن المشرع نفسه صدر عنه مبدأ عدم التزام القضاء الإداري بالإحالة إليه في أمر خارج عن اختصاصه إذ نظم الفصل في تنازع الاختصاص الإيجابي والسلبي على الوجه الذي حدده قانون المحكمة العليا ثم قانون المحكمة الدستورية العليا، وهما صادران بعد المادة 110 في صياغتها الحالية مما يقطع بأن المشرع تصور عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه من الآخر، مما يؤدي حتماً إلى تنازع الاختصاص السلبي ومما يعني عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين إذ أن القول بوجوب الالتزام الدقيق بالإحالة المقررة بهذه المادة يؤدي حتماً إلى نفس تصور قيام التنازع السلبي هذا القول - في الحقيقة - يدحض نفسه بنفسه، ذلك أن تصور المشرع عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه من الآخر لا يعني البتة أنه قصد عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين وإلا كان الحكم المستحدث كله لغواً والأصل أن المشرع ينزه عن اللغو، غاية الأمر أن هذا التصور يفرضه الواقع لا صحيح أحكام القانون، ومن ثم فكان حتماً على المشرع أن يستكمل النظام القضائي بتحديد المحكمة المختصة بالتنازع السلبي على الاختصاص فضلاً عن التنازع الإيجابي وبعبارة أخرى فإن قصد المشرع الصريح الواضح في القضاء على حالات التنازع السلبي طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات لا يمنع من قيامها على سبيل الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وهي دائماً تكون كذلك كأن يؤول حكم المادة 110 مرافعات تأويلاً خاطئاً أو مغايراً لقصده فينشأ عنه حالات التنازع السلبي على الاختصاص.
ومن ثم فكان حتماً على المشرع سد هذه الثغرة في التنظيم القضائي ومؤدى هذا أنه ليس لقانون المحكمة العليا أو لقانون المحكمة الدستورية العليا أي دلالة في نسخ حكم الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات حسبما أراده المشرع وأخيراً فليس يبقى من حجج الرأي العكسي سوى القول بأن من شأن الالتزام بحكم الإحالة المبني على عدم الاختصاص الولائي أن تفصل محاكم مجلس الدولة في منازعات تخرج عن اختصاصها كما حدده الدستور والقانون كالدعاوى المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية ويتعين بادئ ذي بدء القول بأنه عندما وضع نص المادة (110) من قانون المرافعات كان اختصاص محاكم مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة غير منصوص عليه في الدستور وقد صدر الدستور الحالي في 11 من سبتمبر 1971 ونص في المادة 172 على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى وقد نص الدستور في الفصل الخاص بالسلطة القضائية على أنها مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون ونصت المادة 167 على أن يحدد القانون اختصاصات الهيئات القضائية وقد نصت المادة (15) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أنه فيما عدا المنازعات الإدارية التي تخص مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثنى بنص خاص ومن ثم فإنه إذا تمت إحالة منازعة من تلك المنازعات التي لا تدخل أصلاً في ولاية محاكم مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية التي حددها الدستور والقانون وتدخل في ولاية جهات القضاء الأخرى وفقاً لمقتضى أحكام الدستور وقانون السلطة القضائية وقانون المرافعات والإجراءات الجنائية أو غيرها من القوانين فإن هذا الحكم بالإحالة يقوم على مخالفة النظام العام القضائي حسبما حدده الدستور وليس فقط على مخالفة لأحكام القانون المنظم لاختصاص محاكم مجلس الدولة أو أحكام المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فالأحكام التي تصدر من إحدى محاكم القضاء العادي بعدم ولاية المحكمة بنظر المنازعة وبإحالتها إلى إحدى محاكم مجلس الدولة أحكام لها حجيتها القانونية وإلزامها لمحاكم مجلس الدولة طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات ما دامت هذه الأحكام لا تفقد صفتها وكيانها كأحكام قضائية وهي لا تكون كذلك إلا لو فقدت ركناً أو أكثر من أركانها كأحكام قضائية لو صدرت منعدمة كأحكام فاقدة لأركان وجودها كأحكام قضائية في الحالات المسلم بها فقهاً وقضاءً فسيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمان أساسي لحماية الحقوق والحريات العامة للمواطنين والتقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا (المواد 64، 65، 68 من الدستور) ولا يعتد بأحكام منعدمة تهدر الأسس الجوهرية لنظام سيادة القانون أو للنظام القضائي العام في البلاد.
والواقع من الأمر أن هذه حجة جدلية بحته إذ لم يحدث بالفعل من تاريخ العمل بنص المادة 110 مرافعات منذ عام 1968 حتى الآن أن أحيلت إلى محاكم مجلس الدولة منازعة تجارية أو جنائية أو منازعة أحوال شخصية، إنما انحصر الأمر في مجال بعض المنازعات المدنية وحدها التي يحدث خلاف في تكييف مدى كونها من المنازعات الإدارية التي تتولاها محاكم مجلس الدولة طبقاً لنص المادة (172) من الدستور وأحكام قانون تنظيم المجلس حالياً، ولا ريب في أن ذلك ينطوي حقاً على مخالفة لولاية مجلس الدولة بنظر المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية كما هي محددة بنص المادة 172 من الدستور وبنصوص قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن خلاصة القول في ذلك كله أن مقتضى صريح نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات أنه ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الولاية والإحالة إلى محاكم مجلس الدولة منعدماً وأن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل في موضوعها ولو استبان لها أنه لا يندرج في عموم الولاية التي أنيطت بها طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية، ولا اجتهاد مع صراحة النص، وهذا الالتزام رهين كذلك - بعدم وجود محكمة أخرى مختصة خلاف محاكم الجهة القضائية التي صدر الحكم بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فإن وجدت تعين القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص والإحالة إليها – لما هو معلوم من أن حجية الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة المذكور مقصورة فقط على أسبابه، فيمتنع القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص الولائي لاختصاص المحكمة التي أصدرت حكم الإحالة ورهين أيضاً بعدم إلغاء حكم الإحالة من محكمة أعلى، إذ به تزول حجيته.
ويتعين في هذا المجال بالنسبة لنقد تشريع نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات لا في مجال استظهار حكمها على النحو الذي أراده المشرع وفقاً لما سلف البيان والقول بأن الأصل أنه إذا جاز للمحاكم أن تنتقد تشريع نص ما مستهدفة دعوة المشرع إلى الأخذ بأحسن منه، إلا أنه لا يجوز لها الامتناع عن تطبيقه تحت أية ذريعة فوظيفة المحاكم التي حددها الدستور (م/ 165) هي تطبيق القانون لا تعطيله واستهدافاً لحسن سير العدالة فإنه ومن الإنصاف في هذا الصدد القول بأنه من الأوفق تشريعياً أن يترك حكم الإحالة بين جهتي القضاء ومن حيث مدى التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها للقواعد العامة ومواد الدستور والقانون المحددة لولاية كل جهة قضائية فلا تلتزم بها المحكمة المحال إليها إلا إذا كان موضوع الدعوى المحالة مما يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه، احتراماً لقواعد الاختصاص المتعلقة بالولاية وهي دقيقة الصلة بالنظام العام الدستوري والقضائي في البلاد بذات الدرجة المقررة لقاعدة حجية الشيء المحكوم فيه فالإحالة بن جهتي القضاء لم تكن مقرره من قبل تشريع المادة 110 مرافعات ومع هذا فلا مانع تشريعياً من تقريرها كإجراء تأمر به المحكمة إذا هي حكمت بعدم اختصاصها الولائي بنظر الدعوى تيسيراً على المتقاضين وكل تيسير في إجراءات تحقيق العدالة واجب دستوري ووطني محمود باعتبار أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة" كما يقول صدر المادة 68 من الدستور دون أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها إلا إذا كان موضوعها مما يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه احتراماً لمواد القانون المحددة لهذه الولاة وهي وثيقة الصلة بسيادة القانون وبالنظام العام القضائي في البلاد وعدم تغليب رغبة المشرع في القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص على الشرعية وسيادة القانون والنظام العام.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالتزام محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات ولو كانت تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانوناً لمحاكم مجلس الدولة وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق