جلسة 5 من يونيو سنة 2013
برئاسة السيد القاضي/ فتحي محمد حنضل "نائب رئيس المحكمة" وعضوية السادة القضاة د/ محسن إبراهيم ، محمد عبد الحليم ، عدلي فوزي محمود ورضا سالمان "نواب رئيس المحكمة".
----------------
(104)
الطعنان 14461 ، 15156 لسنة 81 القضائية
(1) اختصاص "الاختصاص المتعلق بالولاية".
القضاء العادي صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات المدنية والتجارية، الاستثناء. تقييد هذه الولاية. عدم جواز التوسع في تفسيره.
(2) اختصاص "الاختصاص المتعلق بالولاية اختصاص المحاكم العادية، ما يخرج من ولاية المحاكم العادية: اختصاص القضاء الإداري".
عدم نص المشرع على تعريف المنازعات الإدارية. مؤداه. وجوب الرجوع للقواعد العامة عند تعيين الاختصاص. أثره. اختصاص المحاكم العادية بنظر المنازعات المتعلقة بالملكية وما يندرج في مضمونها واختصاص محاكم مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية. مناط ذلك. طبيعة طلبات الخصوم وتكييفها القانوني الصحيح في ضوء القواعد القانونية المحددة للولاية والاختصاص، مفاده اختصاص القضاء العادي بنظر المنازعات المتعلقة بتصرف الدولة أو إحدى الهينات العامة التابعة لها في الأملاك المملوكة للدولة ملكية خاصة وتحديد الأموال المملوكة للدولة وما يرد عليها من حقوق لها وللغير من الأفراد. شرطه. أن تكون المنازعة ذات طبيعة مدنية. علة ذلك. المنازعات ذات الطبيعة الإدارية. إدراجها في نطاق الولاية العامة المحاكم مجلس الدولة.
(3) دعوى "أنواع من الدعاوي: دعوى صحة التعاقد".
الدعوى بطلب صحة ونفاذ عقد البيع. ماهيتها. دعوى استحقاق مآلا. علة ذلك. مؤداه. انعقاد الاختصاص بنظرها للمحاكم العادية دون غيرها. فصل الحكم المطعون فيه في موضوع الدعوى. مفاده. تضمنه قضاء ضمني باختصاصه بنظرها. أثره. انتهائه إلى نتيجة صحيحة. النعي عليه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه. على غير أساس.
(4) أموال "الأموال العامة: صفة المال العام".
التعرف على توافر صفة المال العام. مناطه. تخصيص المال فعليا للمنفعة العامة بقرار أو بقانون. لازمه. تهيئته ليصبح صالحا لتلك المنفعة.
(5) أموال "الأموال العامة: التصرف فيها".
حظر التصرف في المال العام. تعلقه بالنظام العام. مؤداه. بطلان البيع الوارد على المال العام بطلانا مطلقة. التسجيل لا يصحح العقد الباطل م 87 مدني.
(6) أموال "الأموال العامة: صفة المال العام: اكتسابها".
صفة المال المخصص للمنفعة العامة. مناطه. التخصيص بأي وجه من الوجوه للنفع العام فعلية أو حكمة طبقا لقرار إنشائه. مؤداه. اتباع الصفة التخصيص نشأة وتعديلا وإلغاء. م 78 مدني. فقده تلك الصفة. سبيله. إحدى الوسائل الواردة في م 88 من ذات القانون.
(7) أموال "الأموال العامة للدولة: الترخيص بالانتفاع بالمال العام".
الأموال العامة. للدولة حق استعمالها واستثمارها وفقا لأوضاع والإجراءات القانونية. تصرف السلطة الإدارية فيها لانتفاع الأفراد. سبيله. الترخيص. اعتباره مؤقتا غير ملزم لها.
خضوعه لحكم الشروط والقيود الواردة فيه. حقها في رفض أو إعطاء الترخيص أو الرجوع فيه.
(8 ، 9) دعوى "أنواع من الدعاوي: دعوى صحة التعاقد".
(8) دعوى صحة ونفاذ عقد البيع. دعوى استحقاق مالأ. المقصود بها. تنفيذ التزامات البائع التي من شانها نقل الملكية إلى المشتري تنفيذا عينية والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية. وجوب بحث ما يثار من منازعات بشأن ملكية البائع للمبيع كله أو بعضه. أثره. وجوب تتبع البيوع المتتالية على المبيع الواحد. إجابة المشتري لطلبه. شرطه. إمكانية انتقال الملكية إليه وتسجيل الحكم الصادر فيها.
(9) دعوى صحة التعاقد، تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية. مقتضى ذلك أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع ويتحقق من استيفائه للشروط اللازمة لانعقاده وصحته ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزامه. اتساع نطاقها لبحث كل ما يتعلق بصحة العقد وبطلانه.
(10) بيع "أركان عقد البيع وشروطه: المحل: حظر بيع أموال الدولة العامة".
محكمة الموضوع، التزامها بالتحقق من جواز التعامل على الأموال المبيعة أم أنها مخصصة للمنفعة العامة أو انتهاء تخصيصها للمنفعة العامة وبحث الحقوق التي يدعيها الأفراد عليها.
(11) أموال "الأموال العامة للدولة: الترخيص بالانتفاع بالمال العام".
ثبوت تخصيص أرض النزاع ضمن مساحة أكبر لصالح الشركة المطعون ضدها الثالثة تحقيقا للمنفعة العامة بموجب قرار جمهوري، مقتضاه. يقاء ملكية تلك الأرض للدولة. انتفاع الشركة بها على سبيل الترخيص. مؤداه. أحقية الدولة في تجريدها منه بانتهاء التخصيص للمنفعة العامة: أثره. عدم جواز تصرف العاملين بها فيها بالبيع. قضاء الحكم المطعون فيه بصحة ونفاذ عقدي بيع أرض النزاع استنادا لانتقال ملكيتها للشركة المطعون ضدها الثالثة دون بحث صدى أحقية الشركة في التصرف فيها بالبيع للعاملين بها حال كونها في دور التصفية. قصور وخطأ ومخالفة للقانون.
----------------
(1) المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن القضاء العادي هو صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات المدنية والتجارية وأي قيد يضعه المشرع للحد من هذه الولاية ولا يخالف به أحكام الدستور يعتبر استثناء واردة على أصل عام لا يجوز التوسع في تفسيره.
2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن المشرع لم يضع تعريفا للمنازعات الإدارية يميزها عن المنازعات المدنية والتجارية التي تقع بين الأفراد وأشخاص القانون العام لتهتدي به المحاكم في مجال توزيع الاختصاص الولائي فيما بينها إلا أنه في خصوص المنازعات التي تتعلق بتصرف الدولة أو إحدى الهيئات العامة التابع لها في الأملاك المملوكة للدولة ملكية خاصة ونفى ذلك وتحديد الأموال المملوكة للدولة وما يرد عليها من حقوق لها وللغير من الأفراد فإن المنازعات في هذا الشأن ليست جميعها من طبيعة مدنية مما يدخل في اختصاص القضاء العادي باعتبارها صاحبة الولاية العامة بنظر هذه المنازعات، وإنما يداخلها بعض المنازعات ذات الطبيعة الإدارية ويدخل في نطاقها المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية التي تصدرها جهة الإدارة مما يندرج في نطاق الولاية العامة المقررة لمحاكم مجلس الدولة، ومن ثم يتعين الرجوع للقواعد العامة في هذا الخصوص فتختص المحاكم العادية بنظر المنازعات المتعلقة بالملكية وما يندرج في مضمونها ونطاقها ويختص مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية ومناط التعرف على ذلك هو ما تحدده طبيعة طلبات الخصوم وفقا للتكيف الصحيح قانونا لطلباتهم حسبما تنتهي إليه المحكمة في ضوء القواعد القانونية المحددة للولاية والاختصاص.
3 - إذ كانت الدعوى المطروحة بحسب تكييفها القانوني الصحيح أنها من الدعاوي التي تدور بين المتخاصمين حول حق ملكية أرض النزاع بحسبان أن دعوى صحة ونفاذ العقد هي دعوى استحقاق مالا مما تختص بنظره والفصل فيه المحاكم المدنية دون غيرها، وكان الحكم المطعون فيه قد فصل في موضوع الدعوى، بما يعني قضاءه ضمنية باختصاصه ولائية بنظره فإنه يكون قد انتهى إلى النتيجة الصحيحة في القانون في هذا الشأن، ويكون ما أثاره الطاعنان في هذا الخصوص على غير أساس.
4 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن المناط في التعرف على صيغة المال العام طبقا لما هو مستفاد من نص المادة 87 من القانون المدني هو تخصيصه بالفعل للمنفعة العامة ولو كان مملوكة ملكية خاصة للدولة، وهذا التخصيص كما يكون بموجب قانون أو قرار يجوز أن يكون تخصيصا فعليا وذلك بتهيئة هذا المال ليصبح صالحة لهذه المنفعة رصداً عليها.
5 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن المادة 87 من القانون المدني تحظر التصرف في المال العام، وهذا النص من النظام العام إذ قصد به اعتبارات عامة هي حماية ملكية الدولة العامة فإن البيع الذي يرد على مال من الأموال العامة يكون باطلا بطلانا مطلقا لوقوعه على مال لا يجوز التعامل فيه بحكم القانون وأن التسجيل لا يصحح عقد باطلاً.
6 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن صفة المال المخصص للمنفعة العامة تدور وجودة وعدما مع وجود التخصيص بوجه من وجوه النفع العام سواء بالفعل أو طبقا لسند إنشائه بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص وذلك على النحو المنصوص عليه في المادة 87 من القانون المدني، وهذه الصفة تتبع هذا التخصيص نشأة وتغييرا وإلغاء، وانقطاع هذه الصفة إنما يتم بإحدى الوسائل المنصوص عليها في المادة 88 من القانون المشار إليه.
7 - إذ كان للدولة على الأموال العامة حق استعمالها واستثمارها ويجري ذلك وفقا لأوضاع وإجراءات القانون وأن تصرف السلطة الإدارية في الأموال العامة لانتفاع الأفراد بها لا يكون إلا على سبيل الترخيص وهذا بذاته وبطبيعته مؤقتة وغير ملزم وخاضع لحكم الشروط والقيود الواردة فيه وأن لها إعطاء الترخيص ورفضه والرجوع فيه .
8 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن دعوى صحة ونفاذ عقد البيع هي دعوى استحقاق ما لا يقصد بها تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل ملكية المبيع إلى المشتري تنفيذا عينية والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية ويتعين عند الفصل فيها بحث ما عسى أن يثار من منازعات بشأن ملكية البائع للمبيع كله أو بعضه ولا يجاب المشتري إلى طلبه إلا إذا كان انتقال الملكية إليه وتسجيل الحكم الذي يصدر في الدعوى ممكنين، بما يتعين تتبع البيوع المتتالية على مبيع واحد ، واستظهار سند ملكية كل بائع لها .
9 - هي تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها وهذا يقتضي أن يفصل قاضي الموضوع في أمر صحة البيع ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لبحث كل ما يثار من أسباب بطلان العقد إذ من شأن هذا البطلان لو صح أن يحول دون الحكم بصحة العقد و نفاذه .
10 - يتعين على قاضي الموضوع عند المنازعة التحقق من أن الأموال الوارد عليها البيع جائزة التعامل عليها أو أنها مخصصة للنفع العام لا يجوز التصرف فيها بأي وجه من الوجوه والتحقق من انتهاء تخصيصها للمنفعة العامة وبحك الحقوق التي يدعيها الأفراد عليها.
11 - إذ كان الثابت من الأوراق أن أرض النزاع خصصت ضمن مساحة أكبر من الدولة للشركة المتحدة للإنتاج الداجني - المطعون ضدها الثالثة - وذلك بموجب القرار الجمهوري رقم 56 لسنة 1964 وذلك تحقيقا للمنفعة العامة التي ارتأت تحقيقها الصالح سائر أفراد المجتمع، وكان من مقتضى هذا التخصيص أن تبقى ملكية الأرض للدولة ولا يكون للشركة إلا الانتفاع بها على سبيل الترخيص وهو بطبيعته غير ملزم للسلطة المرخصة الذي لا يترتب عليه التمليك، ولا يسوغ للشركة المنتفعة وهذه طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين الدولة التصرف فيها إلا على سبيل الترخيص للغير بالانتفاع مع أحقية الدولة في تجريدها منها بانتهاء التخصيص للمنفعة العامة، بما لا يجوز معه لها أو للعاملين فيها التصرف فيها بالبيع، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضي بصحة ونفاذ العقدين المؤرخين 1/ 3/ 1997، 27/ 9/ 2004 بمقولة إن ملكية الأرض قد انتقلت من المحافظة إلى الشركة المطعون ضدها الثالثة، وصارت المحافظة غير مالكة للأرض دون أن يفطن إلى هذه الأمور جميعها ولم يستظهر ذلك بمدوناته والوقوف على حقيقته رغم أن ذلك جوهر مدار البحث فيها، ولم يبحث مدى أحقية الشركة المذكورة في بيع هذه الأرض للعاملين فيها حال أنها في دور التصفية مما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه فضلا عن القصور في التسبيب.
---------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول في كلا الطعنين أقام على المطعون ضده الثاني في كلا الطعنين، والمطعون ضدها الثالثة في الطعن الأول - الطاعنة في الطعن الثاني - والطاعنين في الطعن الأول - المطعون ضدهما ثالثا في الطعن الثاني الدعوي رقم... لسنة 2007 مدني محكمة شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم - وفقا لما انتهت إليه طلباته الختامية - بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخين 1/ 3/ 1997، 27/ 4/ 2004، وخطاب التخصيص المؤرخ 6/ 5/ 2004 وقال بيانا لذلك إنه بموجب العقد المؤرخ 27/ 9/ 2004 باعه المطعون ضده الثاني قطعة الأرض المبينة بالصحيفة وما عليها من بناء والبالغ مساحتها 1722 م 2 وذلك لقاء ثمن قدره 325000 جنيه وقد آلت الملكية للمطعون ضده الثاني بموجب العقد المؤرخ1/ 3/ 1997 وخطاب التخصيص سالف البيان والصادرين له من المطعون ضدها الثالثة - الشركة... - وإذ رفضا إتمام إجراءات تسجيل العقد الخاص به، ومن ثم فقد أقام الدعوى حكمت المحكمة بصحة ونفاذ العقدين المؤرخين 1/ 3/ 1997، 27/ 9/ 2004 ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، استأنف الطاعنان في الطعن الأول الحكم بالاستئناف... لسنة 13ق القاهرة، كما استأنفته الطاعنة في الطعن الثاني بالاستئناف... لسنة 12ق، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين، وندبت خبيرا فيهما وبعد أن أودع تقريره، قضت بتاريخ 29/ 6/ 2011 بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم... لسنة. 81 ق، كما طعنت فيه الشركة المستأنفة بالاستئناف 10793 لسنة 12 ق بالطعن رقم 15156 السنة 81 ق، وقدمت النيابة مذكرة في كل طعن أبدت فيها الرأي برفضه، وإذ عرض الطعنان على المحكمة - في غرفة مشورة - أمرت بضمهما وحددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفى كل منهما أوضاعه الشكلية.
أولا:- الطعن رقم 14461 لسنة 81 ق:
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنان بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وقالا بيانا لذلك: إن الأرض محل النزاع من الأراضي المملوكة للدولة والتي تم تخصيصها للمنفعة العامة بموجب القرار الجمهوري رقم 56 لسنة 1964 وذلك لإنشاء محطات لتربية الدواجن وإكثارها ولا يجوز للشركة المطعون ضدها الثالثة التصرف فيها بالبيع بما يتعارض مع هذا الترخيص، وهو وفق المنازعة المطروحة من المنازعات الإدارية التي ينعقد الاختصاص بنظرها للقضاء الإداري، وإذ قضى الحكم المطعون فيه في موضوع الدعوى رغم عدم اختصاصه ولائياً بنظرها فإنه يكون معيبة بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن القضاء العادي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات المدنية والتجارية وأي قيد يضعه المشرع للحد من هذه الولاية ولا يخالف به أحكام الدستور يعتبر استثناء ورادا على أصل عام لا يجوز التوسع في تفسيره، وكان المشرع لم يضع تعريف المنازعات الإدارية يميزها عن المنازعات المدنية والتجارية التي تقع بين الأفراد وأشخاص القانون العام لتهتدي به المحاكم في مجال توزيع الاختصاص الولائي فيما بينها، إلا أنه في خصوص المنازعات التي تتعلق بتصرف الدولة أو إحدى الهيئات العامة التابع لها في الأملاك المملوكة للدولة ملكية خاصة ونفي ذلك وتحديد الأموال المملوكة للدولة وما يرد عليها من حقوق لها وللغير من الأفراد فإن المنازعات في هذا الشأن ليست جميعها من طبيعة مدنية مما يدخل في اختصاص القضاء العادي باعتبارها صاحبة الولاية العامة ينظر هذه المنازعات، وإنما يداخلها بعض المنازعات ذات الطبيعة الإدارية ويدخل في نطاقها المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية التي تصدرها جهة الإدارة مما يندرج في نطاق الولاية العامة المقررة لمحاكم مجلس الدولة، ومن ثم يتعين الرجوع للقواعد العامة في هذا الخصوص فتختص المحاكم العادية بنظر المنازعات المتعلقة بالملكية وما يندرج في مضمونها ونطاقها ويختص مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية ومناط التعرف على ذلك هو ما تحدده طبيعة طلبات الخصوم وفقا للتكيف الصحيح قانون لطلباتهم حسبما تنتهي إليه المحكمة في ضوء القواعد القانونية المحددة للولاية والاختصاص، وكانت الدعوى المطروحة بحسب تكييفها القانوني الصحيح أنها من الدعاوى التي تدور بين المتخاصمين حول حق ملكية أرض النزاع بحسبان أن دعوى صحة ونفاذ العقد هي دعوى استحقاق مالا مما تختص بنظره والفصل فيه المحاكم المدنية دون غيرها، وكان الحكم المطعون فيه قد فصل في موضوع الدعوى. بما يعني قضاءه ضمنية باختصاصه ولائيا بنظره فإنه يكون قد انتهى إلى النتيجة الصحيحة في القانون في هذا الشأن، ويكون ما أثاره الطاعنان في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان بباقي سببي الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب، وقالا بيان لذلك إن أرض النزاع من الأراضي المملوكة للدولة والتي تم تخصيصها للمنفعة العامة في إنشاء محطات تربية و إكثار الدواجن وذلك بموجب القرار الجمهوري رقم 56 لسنة 1964 ومن ثم تخرج عن دائرة التعامل ولا يجوز التصرف فيها بما يتعارض مع هذا التخصيص، وإذ زال الغرض من التخصيص بتصفية الشركة المطعون ضدها فإن ملكيتها تعود للدولة ويضحي كل تصرف من قبل الشركة بشأنها غير جائز ومن ثم باطلا بطلانا مطلقا، وإذ خالف الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بصحة ونفاذ عقدي البيع المؤرخين 1/ 3/ 1997 ، 27/ 9/ 2004 بمقولة إن عقد البيع قد تكاملت لهما شروط صحتهما وأن الأرض انتقلت ملكيتها بالتسجيل للشركة البائعة وذلك دون أن يستظهر من هو المالك الحقيقي لأرض النزاع وسند الشركة في التصرف فيها بالبيع للعاملين لديها مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في أساسه سديد، ذلك أن المناط في التعرف على صفة المال العام طبقا لما هو مستفاد من نص المادة 87 من القانون المدني هو تخصيصه بالفعل للمنفعة العامة ولو كان مملوكة ملكية خاصة للدولة، وهذا التخصيص كما يكون بموجب قانون أو قرار يجوز أن يكون تخصيصا فعلية وذلك بتهيئة هذا المال ليصبح صالحة لهذه المنفعة رصدا عليها، وإذ كانت المادة 87 من القانون المدني تحظر التصرف في المال العام، وهذا النص من النظام العام إذ قصد به اعتبارات عامة هي حماية ملكية الدولة العامة فإن البيع الذي يرد على مال من الأموال العامة يكون باطلا بطلانا مطلقا لوقوعه على مال لا يجوز التعامل فيه بحكم القانون، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التسجيل لا يصحح عقد باطلا وأن صفة المال المخصص للمنفعة العامة تدور وجودة وعدمه مع وجود التخصيص بوجه من وجوه النفع العام سواء بالفعل أو طبقة لسند إنشائه بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص وذلك على النحو المنصوص عليه في المادة 87 من القانون المدني، وهذه الصفة تتبع هذا التخصيص نشأة وتغييره وإلغاء، وانقطاع هذه الصفة إنما يتم بإحدى الوسائل المنصوص عليها في المادة 88 من القانون المشار إليه، وإذ كان للدولة على الأموال العامة حق استعمالها واستثمارها ويجري ذلك وفقا لأوضاع وإجراءات القانون وأن تصرف السلطة الإدارية في الأموال العامة لانتفاع الأفراد بها لا يكون إلا على سبيل الترخيص وهذا بذاته وبطبيعته مؤقتة وغير ملزم وخاضع لحكم الشروط والقيود الواردة فيه وأن لها إعطاء الترخيص ورفضه والرجوع فيه. وكانت دعوي صحة ونفاذ عقد البيع هي دعوى استحقاق ما لا يقصد بها تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل ملكية المبيع إلى المشتري تنفيذا عينية والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية ويتعين عند الفصل فيها بحث ما عسى أن يثار من منازعات بشأن ملكية البائع للمبيع كله أو بعضه ولا يجاب المشتري إلى طلبه إلا إذا كان انتقال الملكية إليه وتسجيل الحكم الذي يصدر في الدعوى ممكنين، بما يتعين تتبع البيوع المتتالية على مبيع واحد، واستظهار سند ملكية كل بائع لها وهي تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها وهذا يقتضي أن يفصل قاضي الموضوع في أمر صحة البيع ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته ومن ثم فإن تلك الدعوي تتسع البحث كل ما يثار من أسباب بطلان العقد إذ من شأن هذا البطلان لو صح أن يحول دون الحكم بصحة العقد و نفاذه وعلى ذلك يتعين على قاضي الموضوع عند المنازعة التحقق من أن الأموال الوارد عليها البيع جائزة التعامل عليها أو انها مخصصة للنفع العام لا يجوز التصرف فيها بأي وجه من الوجوه والتحقق من انتهاء تخصيصها للمنفعة العامة وبحث الحقوق التي يدعيها الأفراد عليها. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن أرض النزاع خصصت ضمن مساحة أكبر من الدولة للشركة... - المطعون ضدها الثالثة - وذلك بموجب القرار الجمهوري رقم 56 لسنة 1964 وذلك تحقيقا للمنفعة العامة التي ارتأت تحقيقها لصالح سائر أفراد المجتمع، وكان من مقتضي هذا التخصيص أن تبقى ملكية الأرض للدولة ولا يكون للشركة إلا الانتفاع بها على سبيل الترخيص وهو بطبيعته غير ملزم للسلطة المرخصة الذي لا يترتب عليه التمليك، ولا يسوغ للشركة المنتفعة وهذه طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين الدولة التصرف فيها إلا على سبيل الترخيص للغير بالانتفاع مع أحقية الدولة في تجريدها منها بانتهاء التخصيص للمنفعة العامة، بما لا يجوز معه لها أو للعاملين فيها التصرف فيها بالبيع، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصحة ونفاذ العقدين المؤرخين 1/ 3/ 1997، 27/ 9/ 2004 بمقولة إن ملكية الأرض قد انتقلت من المحافظة إلى الشركة المطعون ضدها الثالثة، وصارت المحافظة غير مالكة للأرض دون أن يفطن إلى هذه الأمور جميعها ولم يستظهر ذلك بمدوناته والوقوف على حقيقته رغم أن ذلك جوهر مدار البحث فيها، ولم يبحث مدى أحقية الشركة المذكورة في بيع هذه الأرض للعاملين فيها حال أنها في دور التصفية مما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه فضلا عن القصور في التسبيب بما يوجب نقضه
ثانيا:- الطعن رقم 15156 لسنة 81ق:
لما كانت المحكمة قد انتهت إلى نقض الحكم المطعون فيه في خصوص قضائه بصحة ونفاذ عقدي البيع ومن ثم فقد أصبحت أسباب هذا الطعن قائمة على غير محل.