الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 يوليو 2024

الطعن 20203 لسنة 87 ق جلسة 14 / 5 / 2018 مكتب فني 69 ق 64 ص 476

جلسة 14 من مايو سنة 2018

برئاسة السيد القاضي / ربيع لبنه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / حازم بدوي، نبيل مسعود، عبد المنعم مسعد ووليد حمزة نواب رئيس المحكمة .

------------------

(64)

الطعن رقم 20203 لسنة 87 القضائية

(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

 بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراد مؤدى أدلة الثبوت بما يحقق مراد الشارع بالمادة 310 إجراءات جنائية . لا قصور .

 مثال .

(2) موظفون عموميون . جريمة " أركانها " . اختلاس أموال أميرية . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

فكرة الموظف الفعلي . تُعزى لتوافر مظاهر خارجية متعلقة بمركزه الرسمي من شأنها إيهام الغير بصحة تصرفاته وتحجب جمهور المتعاملين معه عن إدراك العوار الذي شاب منصبه بحيث يضحى تصرفه الماس بنزاهة الوظيفة يخل بثقة هؤلاء في الدولة . لا عبرة في ذلك بالمفهوم الإداري لفكرة الموظف العام . علة ذلك : ربط المشرع في قانون العقوبات بين القيام بأعباء الوظيفة العامة وصفة الموظف العام . مؤدى ذلك : عدم تأثر هذه الصفة بالعيوب التي تشوب علاقة الموظف بالدولة . حد وعلة وأساس ذلك ؟

مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع بانتفاء صفة الموظف الفعلي .

(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

 المنازعة في اطمئنان المحكمة لأقوال الشهود والدفع بانتفاء الصلة بالواقعة وعدم ارتكابها . جدل موضوعي فى تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .

(4) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

نعي الطاعن برفض المحكمة إجابته لطلبه بإعادة الدعوى للخبير . غير مقبول . ما دام لم يطلب ذلك ولم تر هي لزوماً لإجرائه .

(5) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة . لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله أنها : " ... تتحصل فيما قرره .... عضو هيئة الرقابة الإدارية بمحضره المؤرخ .... من ورود معلومات له مفادها بوجود العديد من المخالفات المالية التي شابت أعمال الجمعية .... فقام بإجراء تحرياته عن الواقعة والتي أسفرت عن قيام المتهم .... الموظف بالجمعية والذي كان يعمل مسئولاً للمشتريات بالجمعية ودفاترها باختلاس مبالغ من أموالها وتمثل ذلك في قيامه بإثبات المشتريات والمبيعات خلال عام .... بالدفاتر الخاصة بالجمعية ودفتر 36 خانة سجل الصندوق وكذا حساب الدفاتر المتاجر في .... بأقل من قيمتها الحقيقية وكذا عدم إدراج المخزون أول وآخر المدة بحساب المتاجرة في .... وترتب على ذلك عدم إدراج مبلغ 014, 363377 جنيه والمتحقق كصافي ربح بحساب الأرباح والخسائر وكذا الميزانية في .... وعدم توريده إلى خزينة الجمعية أو حسابها البنكي إضافة إلى وجود مسحوبات بضائع عن عام .... مدونة بالفواتير دون قیَم حقيقية لها بمبلغ 95, 8661 جنيه ولم يتم سدادها للجمعية كما تبين إثبات وبخلاف الحقيقة بدفاتر وسجلات وحسابات الجمعية بخصوص المشتريات والمبيعات ورصيد أول وآخر المدة عن عامي .... وجود صافي ربح نشاط عن عام .... بمبلغ 637 , 415100 جنيه بإجمالي عن هذين العامين بمبلغ 651, 778477 جنيه لم يتم توريده إلى خزينة الجمعية أو حسابها البنكي إضافة إلى وجود مسحوبات عن عام .... بمبلغ 25, 7670 بإجمالي مبلغ 2, 16332 عن هذين العامين إضافة إلى قيام المتهم بسحب مبلغ 28088 جنيه من حساب الجمعية ليصبح المبلغ الإجمالي الذي تحصل عليه اختلاسًا من أموال الجمعية وإثباتاً على خلاف الحقيقة مبلغ 851 , 822549 جنيه " وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ، ومما ثبت بالتقرير المرفق من اللجنة المشكلة لفحص أعمال الطاعن ، ثم أورد مؤدى كل دليل من هذه الأدلة في بيانٍ واف ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، فإن ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - واضحٌ وكافٍ في بيان واقعة الدعوى وأدلة ثبوتها ، ويتحقق به مراد المشرع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية في هذا الخصوص .

2- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء صفة الموظف العام عنه في قوله : " وحيث إنه وعن الدفع بانتفاء صفة الموظف العام عن المتهم سواءً حكميًا أو فعليًا فالمحكمة تمهد بداءة ... ولما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق وما جاء بشهادة شهود الإثبات وكذا ما ورد بتقرير الخبير أن المتهم كان يعمل بالجمعية بشكل ظاهر ودون وجود مسوغ ورُقِّيَ لذلك العمل إلا أنه كان يبدو في التعامل مع كافة الأفراد والجهات على أنه مسئول المشتريات والمخازن للجمعية وقد دعم رسوخ تلك الفكرة قيامه بإقامة يافطة على المخزن المؤجر له وباسمه الشخصي تتضمن بيان أنه مخزن خاص بالجمعية .... مما عمق عمله الفعلي بالجمعية كمسئول مشتريات ومخازن بالجمعية ، إضافة إلى أن دفاع المتهم نفسه قد قدم حافظة مستندات بجلسة .... خطاب موجه من المتهم لمُحرر محضر الواقعة ومجري التحريات .... موقعًا منه وثابت به وظيفته بالجمعية كأمين صندوق لها مما يؤكد أن المتهم يشغل وظيفة مسئول المشتريات بالجمعية .... فعليًا ويضحى معه دفاع المتهم قد جاء على غير سند فعلي من الواقع والقانون ويكون دربًا من دروب درء المسئولية الفعلية عن المتهم ويكون خليقًا بالرفض... " لما كان ذلك ، وكان مرد فكرة الموظف الفعلي في الظروف العادية يعزى إلى الظاهر ، حيث تتوافر مجموعة من المظاهر الخارجية تتعلق بمركز الموظف الرسمي ، ليقتضي ذلك من ظهوره شاغلاً إحدى الوظائف ذات الوجود الحقيقي وممارسًا لمختلف اختصاصاتها المقررة ، محتفظًا بنفوذها ومتمتعًا بمظاهر السلطة التي تسبغها عليه حالة شغله لهذه الوظيفة دون سند صحيح - سواءً لبطلانه أو لانتهاء أثره - شريطة أن يكون من شأن الظروف المحيطة التي مارس فيها وظيفته إيهام الغير بصحة تصرفاته ، بحيث يُعذر جمهور المتعاملين معه في عدم إدراكهم العوار الذي شاب هذا المنصب والذي حجبهم عنه مظاهره ، إذ لم يفقد - بسبب هذا العيب - شيئا من المظاهر التي تسبغها عليه وظيفته ، فهو في نظرهم يمثل سلطات الدولة ويعمل باسمها ، وبذلك فقد غدا محلا لثقتهم ، ومن ثم فإن تصرفه الماس بنزاهة الوظيفة العامة يخل بثقة هؤلاء في الدولة لأن ما يمس نزاهة الموظف ينعكس دون انفصام أو انفصال على نزاهة الدولة ، ولا عبرة في ذلك بالمفهوم الإداري لفكرة الموظف العام ، ذلك أن المشرع في قانون العقوبات ربط بين القيام بأعباء الوظيفة العامة ومفهوم الموظف العام ، وهذه الصفة لا تتأثر بالعيوب التي تشوب علاقة الموظف بالدولة ، طالما أنها لا تجرده في نظر جمهور الناس من صفته كعامل باسم الدولة ولحسابها ، لذلك لم يتبن المشرع الفكرة الإدارية للموظف العام في المادة ۱۱۹ مكرراً/5 من قانون العقوبات في تطبيق نصوص اختلاس المال العام ، كما أنه لا يتأتى في منطق العقل والمنطق أن يهرب الموظف من العقاب على الاختلاس لبطلان سند توليه الوظيفة أو انتهاء أثره، طالما باشر مهام هذه الوظيفة بمظاهرها الرسمية ، كما لا يتأتى أيضًا أن يطلب من الأفراد التحقق من صحة سند شغل الموظف لأعمال وظيفته إذا ما دعتهم الحاجة إلى التعامل معه ، ذلك أن الإدارة بالأفراد وما يحيط بها من عدم تكافؤ تستدعي الاعتداد بالوضع الظاهر ، بالإضافة إلى أن الثقة الواجب توافرها في تصرفات الإدارة وما تتمتع به من قرينة الشرعية تقتضي ألا تخل بها . لما كان ذلك ، وكان الثابت مما أورده الحكم المطعون فيه واستخلصه من مؤدى أدلة الإثبات - على النحو آنف البيان - أن الطاعن كان يبدو في التعامل مع كافة الأفراد والجهات على أنه هو مسئول المشتريات والمخازن للجمعية ومن الأمناء على الودائع وأنه احتفظ بكل المظاهر الرسمية والوظيفية الدالة على تمتعه بصفته الوظيفية ، ممارسًا ذلك الاختصاص المقرر لأمين صندوق الجمعية كما استظهر الحكم أيضًا من الأدلة السابقة قيام الطاعن - وبدون صفة شرعية أو قانونية - بإقامة يافطة على المخزن المؤجر له باسمه الشخصي تتضمن بيان أنه مخزن خاص بالجمعية .... ، فإن ما أورده الحكم على نحو ما سلف - ردًا على دفع الطاعن بانتفاء صفته كموظف فعلي - يكون سديدًا .

3- لما كانت المحكمة قد اطمأنت - في نطاق سلطتها التقديرية – إلى أقوال شهود الإثبات، وحصلتها بما لا تناقض فيه فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في هذا الصدد ، والقول بانتفاء صلته بالواقعة ، وعدم ارتكاب الجريمة ، وأن مرتكبها شخص آخر ، ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل ، الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .

4- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب إلى المحكمة إعادة الدعوى للخبير ، ولم تر هي لزومًا لذلك ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله .

5- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن قعود النيابة العامة عن سؤال الطاعن أو أعضاء الجمعية ، أو سؤال محرر محضر الضبط محاسبياً ، لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات السابقة على المحاكمة ، مما لا يصلُح أن يكون سببًا للطعن على الحكم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقــائـع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :

بصفته موظفًا عامًا بإحدى الجمعيات التعاونية ومن الأمناء على الودائع .... اختلس البضائع والأموال المبينة بالأوراق والبالغ قيمتها 851 , 822549 ثمانمائة واثنين وعشرين ألفاً وخمسمائة وتسعة وأربعين جنيهاً وثمانية قروش وواحد وخمسين مليماً والمملوكة لجهة عمله والمسلمة إليه بسبب وظيفته وصفته آنفتي البيان واحتبسها لنفسه بنية تملكها . وقد ارتبطت تلك الجريمة بجريمة تزوير في محررات رسمية واستعمالها ارتباطًا لا يقبل التجزئة إذ إنه في ذات الزمان والمكان ارتكب تزويرًا في محررات لإحدى الجمعيات التعاونية .... وهي " دفتر 36 وسجل الصندوق المجزأ وحساي المتاجرة الختامي في عام .... " وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ، إذ أثبت مشتريات ومبيعات بضائع للجمعية بأقل من قيمتها الحقيقية حال كونه المختص بتحريرها ، واستعمل تلك المحررات بأن قدَّمها إلى هيئة الرقابة الإدارية والإدارة العامة للتعاون الاستهلاكي بوزارة التجارة والصناعة محتجًا بما ورد بها من بيانات مع علمه بتزويرها وتمكن بذلك من اختلاس البضائع والأموال آنفة البيان .

وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1 ، 2 بند "أ ، ب" ، 118 ، 118 مكرراً ، 119/ و ، 119 مكرراً/ هـ ، 213 ، 214 مكرراً/1 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 851 , 822549 ثمانمائة واثنين وعشرين ألفاً وخمسمائة وتسعة وأربعين جنيهاً وثمانية قروش وواحد وخمسين مليماً ، وإلزامه برد مبلغ مساو له وعزله من وظيفته .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاختلاس المرتبطة بتزوير محررات رسمية واستعمالها ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك أنه جاء قاصرًا في بيان واقعة الدعوى وأدلتها ، واكتفى في بيان مؤدى تقرير الخبير بإيراد نتيجته ، واطرح بما لا يصلُح دفعه بانتفاء صفته كموظف عام بدلالة الشهادة المقدمة منه من مديرية التموين ، ولا ينال من ذلك إقراره أنه أمين صندوق الجمعية محل الاتهام كونه لم يشغل هذا العمل في فترة حدوث الواقعة ، وعوَّل على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها ، وانتفاء صلة الطاعن بالواقعة ، وأن مرتكبها آخر بدلالة أقوال شاهد الإثبات الثالث ومدير الجمعية وأمينة الصندوق ، ولم تجبه المحكمة لطلبه إعادة الدعوى لمكتب خبراء وزارة العدل ، وفات النيابة العامة سؤال الطاعن أو أعضاء الجمعية ، ولم يُسأل محرر محضر الضبط محاسبياً ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله أنها : " ... تتحصل فيما قرره .... عضو هيئة الرقابة الإدارية بمحضره المؤرخ .... من ورود معلومات له مفادها بوجود العديد من المخالفات المالية التي شابت أعمال الجمعية .... فقام بإجراء تحرياته عن الواقعة والتي أسفرت عن قيام المتهم .... الموظف بالجمعية والذي كان يعمل مسئولاً للمشتريات بالجمعية ودفاترها باختلاس مبالغ من أموالها وتمثل ذلك في قيامه بإثبات المشتريات والمبيعات خلال عام .... بالدفاتر الخاصة بالجمعية ودفتر 36 خانة سجل الصندوق وكذا حساب الدفاتر المتاجر في .... بأقل من قيمتها الحقيقية وكذا عدم إدراج المخزون أول وآخر المدة بحساب المتاجرة في .... وترتب على ذلك عدم إدراج مبلغ 014, 363377 جنيه والمتحقق كصافي ربح بحساب الأرباح والخسائر وكذا الميزانية في .... وعدم توريده إلى خزينة الجمعية أو حسابها البنكي إضافة إلى وجود مسحوبات بضائع عن عام .... مدونة بالفواتير دون قیَم حقيقية لها بمبلغ 95, 8661 جنيه ولم يتم سدادها للجمعية كما تبين إثبات وبخلاف الحقيقة بدفاتر وسجلات وحسابات الجمعية بخصوص المشتريات والمبيعات ورصيد أول وآخر المدة عن عامي .... وجود صافي ربح نشاط عن عام .... بمبلغ 637 , 415100 جنيه بإجمالي عن هذين العامين بمبلغ 651, 778477 جنيه لم يتم توريده إلى خزينة الجمعية أو حسابها البنكي إضافة إلى وجود مسحوبات عن عام .... بمبلغ 25, 7670 بإجمالي مبلغ 2, 16332 عن هذين العامين إضافة إلى قيام المتهم بسحب مبلغ 28088 جنيه من حساب الجمعية ليصبح المبلغ الإجمالي الذي تحصل عليه اختلاسًا من أموال الجمعية وإثباتاً على خلاف الحقيقة مبلغ 851 , 822549 جنيه " وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ، ومما ثبت بالتقرير المرفق من اللجنة المشكلة لفحص أعمال الطاعن ، ثم أورد مؤدى كل دليل من هذه الأدلة في بيانٍ واف ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، فإن ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - واضحٌ وكافٍ في بيان واقعة الدعوى وأدلة ثبوتها ، ويتحقق به مراد المشرع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية في هذا الخصوص . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء صفة الموظف العام عنه في قوله : " وحيث إنه وعن الدفع بانتفاء صفة الموظف العام عن المتهم سواءً حكميًا أو فعليًا فالمحكمة تمهد بداءة ... ولما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق وما جاء بشهادة شهود الإثبات وكذا ما ورد بتقرير الخبير أن المتهم كان يعمل بالجمعية بشكل ظاهر ودون وجود مسوغ ورُقِّيَ لذلك العمل إلا أنه كان يبدو في التعامل مع كافة الأفراد والجهات على أنه مسئول المشتريات والمخازن للجمعية وقد دعم رسوخ تلك الفكرة قيامه بإقامة يافطة على المخزن المؤجر له وباسمه الشخصي تتضمن بيان أنه مخزن خاص بالجمعية .... مما عمق عمله الفعلي بالجمعية كمسئول مشتريات ومخازن بالجمعية ، إضافة إلى أن دفاع المتهم نفسه قد قدم حافظة مستندات بجلسة .... خطاب موجه من المتهم لمُحرر محضر الواقعة ومجري التحريات .... موقعًا منه وثابت به وظيفته بالجمعية كأمين صندوق لها مما يؤكد أن المتهم يشغل وظيفة مسئول المشتريات بالجمعية .... فعليًا ويضحى معه دفاع المتهم قد جاء على غير سند فعلي من الواقع والقانون ويكون دربًا من دروب درء المسئولية الفعلية عن المتهم ويكون خليقًا بالرفض... " لما كان ذلك ، وكان مرد فكرة الموظف الفعلي في الظروف العادية يعزى إلى الظاهر ، حيث تتوافر مجموعة من المظاهر الخارجية تتعلق بمركز الموظف الرسمي ، ليقتضي ذلك من ظهوره شاغلاً إحدى الوظائف ذات الوجود الحقيقي وممارسًا لمختلف اختصاصاتها المقررة ، محتفظًا بنفوذها ومتمتعًا بمظاهر السلطة التي تسبغها عليه حالة شغله لهذه الوظيفة دون سند صحيح - سواءً لبطلانه أو لانتهاء أثره - شريطة أن يكون من شأن الظروف المحيطة التي مارس فيها وظيفته إيهام الغير بصحة تصرفاته ، بحيث يُعذر جمهور المتعاملين معه في عدم إدراكهم العوار الذي شاب هذا المنصب والذي حجبهم عنه مظاهره ، إذ لم يفقد - بسبب هذا العيب - شيئا من المظاهر التي تسبغها عليه وظيفته ، فهو في نظرهم يمثل سلطات الدولة ويعمل باسمها ، وبذلك فقد غدا محلا لثقتهم ، ومن ثم فإن تصرفه الماس بنزاهة الوظيفة العامة يخل بثقة هؤلاء في الدولة لأن ما يمس نزاهة الموظف ينعكس دون انفصام أو انفصال على نزاهة الدولة ، ولا عبرة في ذلك بالمفهوم الإداري لفكرة الموظف العام ، ذلك أن المشرع في قانون العقوبات ربط بين القيام بأعباء الوظيفة العامة ومفهوم الموظف العام ، وهذه الصفة لا تتأثر بالعيوب التي تشوب علاقة الموظف بالدولة ، طالما أنها لا تجرده في نظر جمهور الناس من صفته كعامل باسم الدولة ولحسابها ، لذلك لم يتبن المشرع الفكرة الإدارية للموظف العام في المادة ۱۱۹ مكرراً/5 من قانون العقوبات في تطبيق نصوص اختلاس المال العام ، كما أنه لا يتأتى في منطق العقل والمنطق أن يهرب الموظف من العقاب على الاختلاس لبطلان سند توليه الوظيفة أو انتهاء أثره ، طالما باشر مهام هذه الوظيفة بمظاهرها الرسمية ، كما لا يتأتى أيضًا أن يطلب من الأفراد التحقق من صحة سند شغل الموظف لأعمال وظيفته إذا ما دعتهم الحاجة إلى التعامل معه ، ذلك أن الإدارة بالأفراد وما يحيط بها من عدم تكافؤ تستدعي الاعتداد بالوضع الظاهر ، بالإضافة إلى أن الثقة الواجب توافرها في تصرفات الإدارة وما تتمتع به من قرينة الشرعية تقتضي ألا تخل بها . لما كان ذلك ، وكان الثابت مما أورده الحكم المطعون فيه واستخلصه من مؤدى أدلة الإثبات - على النحو آنف البيان - أن الطاعن كان يبدو في التعامل مع كافة الأفراد والجهات على أنه هو مسئول المشتريات والمخازن للجمعية ومن الأمناء على الودائع وأنه احتفظ بكل المظاهر الرسمية والوظيفية الدالة على تمتعه بصفته الوظيفية ، ممارسًا ذلك الاختصاص المقرر لأمين صندوق الجمعية كما استظهر الحكم أيضًا من الأدلة السابقة قيام الطاعن - وبدون صفة شرعية أو قانونية - بإقامة يافطة على المخزن المؤجر له باسمه الشخصي تتضمن بيان أنه مخزن خاص بالجمعية .... ، فإن ما أورده الحكم على نحو ما سلف - ردًا على دفع الطاعن بانتفاء صفته كموظف فعلي - يكون سديدًا . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت - في نطاق سلطتها التقديرية – إلى أقوال شهود الإثبات، وحصلتها بما لا تناقض فيه فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في هذا الصدد ، والقول بانتفاء صلته بالواقعة ، وعدم ارتكاب الجريمة ، وأن مرتكبها شخص آخر ، ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل ، الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب إلى المحكمة إعادة الدعوى للخبير ، ولم تر هي لزومًا لذلك ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن قعود النيابة العامة عن سؤال الطاعن أو أعضاء الجمعية ، أو سؤال محرر محضر الضبط محاسبياً ، لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات السابقة على المحاكمة ، مما لا يصلُح أن يكون سببًا للطعن على الحكم . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن يكون على غير أساس ، متعينًا رفضه موضوعًا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق