جلسة 27 من يونيه سنة 1957
برياسة السيد المستشار
محمد فؤاد جابر، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، وأحمد
قوشه، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
-----------------
(74)
القضية رقم 3 سنة 26
القضائية "أحوال شخصية"
(أ) أحوال شخصية. زواج
الإسرائيليين. إثبات "بالقرائن".
الصداق في الشريعة
الموسوية. اعتبار دفعه شرطاً لصحة عقد الزواج. قول الزوجة بأنها لم تقبض مهراً.
اعتبار أنه قول تقوم القرينة القانونية على عكسه.
(ب) أحوال شخصية. طلاق
الإسرائيليين. دوطة (بائنة). صداق.
حق الزوج في تطليق زوجته
إذا ظهر له أنها ليست بكراً مع رد حقوقها المالية المنصوص عليها في العقد بعد خصم
المهر.
(جـ) أحوال شخصية. طلاق
الإسرائيليين. صداق. دعوى "طلبات الخصوم". دفاع.
قيام الخصومة بين الزوجين
على تصفية الحقوق المالية لكل منهما قبل الآخر. اعتبار المهر والمطالبة برده أو
خصمه هو مما تتناوله هذه الحقوق واندراجه في عموم دفع الزوج للدعوى.
(د) أحوال شخصية. طلاق
الإسرائيليين. حكم "تسبيب كاف".
استخلاص الحكم القواعد
التي تقوم عليها الحقوق المالية لكل من الزوجين قبل الآخر واستناده في ذلك إلى
فتوى بيت الدين ومصادرها من الشريعة الموسوية وتطبيقها على واقعة الدعوى تطبيقاً
صحيحاً. لا عيب.
(هـ) إثبات. تقدير
الدليل.
محكمة الموضوع. سلطتها في
تقدير الدليل.
(و) نقض. أسباب الطعن.
دعوى "طلبات الخصوم".
إغفال الحكم ببعض طلبات
الخصوم. عدم اعتباره سبباً من أسباب الطعن بالنقض.
---------------
1 - توجب أحكام الشريعة
الموسوية أن يدفع الزوج مهراً لزوجته - على ما نصت عليه المادتان 98 و99 من كتاب
الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للإسرائيليين ومفهومهما أن دفع المهر شرط لصحة
عقد الزواج وأنه مقدر بمائتي محبوب للبكر. فإذا ادعت الزوجة بأنها لم تقبض مهراً
فإن القرينة القانونية تقوم على عكس هذا القول.
2 - للزوج الإسرائيلي أن
يطلق زوجته إذا ظهر له أنها ليست بكراً وأن يرد لها حقوقها المالية المنصوص عليها
في العقد بعد خصم المهر طبقاً لما نصت عليه المادة 152 من كتاب الأحكام الشرعية في
الأحوال الشخصية للإسرائيليين.
3 - متى كانت الخصومة بين
الزوجين الإسرائيليين تقوم على تصفية الحقوق المالية التي لكل منهما قبل الآخر
نتيجة لانفصام عرى الزوجية بينهما فإن المهر والمطالبة برده أو خصمه هو مما
تتناوله هذه الحقوق وهو يندرج في عموم دفع الزوج للدعوى. فإذا كان الحكم قد قضى
بخصم المهر مما قضى به للزوجة فإنه لا محل للاعتداد بما تقول به الزوجة من أن
الزوج لم يطالب برده وأن القضاء به قضاء في أمر لم يكن مطروحاً في الخصومة.
4 - متى كان الحكم قد
استخلص القواعد التي تقوم عليها الحقوق المالية لكل من الزوجين الإسرائيليين قبل
الآخر مستنداً في ذلك إلى فتوى بيت الدين ومصادرها من الشريعة الموسوية - والتي لم
يعترض عليها باعتراض ما - ثم انتهى من ذلك إلى تطبيق تلك القواعد على واقعة الدعوى
تطبيقاً صحيحاً يتفق وحكم القانون فإنه ليس في ذلك ما يعاب عليه.
5 - تقدير الدليل هو مما
تستقل به محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك.
6 - إغفال الحكم بعض ما
طلب الخصوم الحكم به ليس سبباً من أسباب الطعن في الحكم بطريق النقض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد
استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة وهي مصرية
إسرائيلية تزوجت المطعون عليه وهو إسرائيلي أيضاً بتاريخ 6 من يوليو سنة 1952
بوثيقة زواج أثبت فيها أنها دفعت إليه بائنة مقدارها ألف جنيه وعندما دخل الزوج بزوجته
تبين له أنها ليست بكراً فطلب التصريح له بتطليقها وبعد أن صرح له بذلك تم التطليق
بوثيقة سلمت إليها في 15 من مارس سنة 1954، وقعت الطاعن بعد ذلك حجزاً على ما
للمطعون عليه لدى محافظ القاهرة وبنك باركليز وفاء لمبلغ الألف جنيه، ورفعت الدعوى
رقم 87 سنة 1954 أحوال شخصية القاهرة طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها هذا المبلغ
وفوائده بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 22 من مايو سنة
1954 حتى الوفاء وتثبيت الحجز التحفظي وجعله حجزاً تنفيذياً، دفع المطعون عليه بأن
البائنة التي دفعتها الطاعنة قد استحالت إلى مصاغ ومتاع وجهاز اشترته لإعداد منزل
الزوجية وأنها تسلمت بعضه في البوليس والبعض الآخر لا يزال عنده وهو مستعد لتسليمه
إليها، وقال كذلك إنه أنفق على عقد الزواج ما يستلزمه من رسوم كما أنفق ما يقتضيه
القران من مصروفات يقضي العرف بأن تحتسب من البائنة وقدم مستنداته التي استند
إليها في تأييد هذا الدفاع، وفي 15 من فبراير سنة 1955 قضى بإلزامه بأن يدفع
للطاعنة مبلغ ألف جنيه وفوائده - بواقع 4% سنوياً وتثبيت الحجز التحفظي... فاستأنف
المطعون عليه هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 365 سنة 72 ق استئناف القاهرة وقضى في
26 من أكتوبر سنة 1955 بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المستأنف - المطعون عليه -
أن ما اشتراه بمقتضى المستندات المقدمة منه كان من المال الذي قبضه من الزوجة
كبائنة وأن جزءاً منه كان معداً لتجهيز المسكن اللازم لحياتهما المشتركة وأن ما
أنفقه خلاف ذلك كرسوم عقد الزواج والمصروفات اللازمة بمناسبة عقد القران كان مما
يستلزمه القران وما جرى العرف أن يحسب من أموال البائنة ثم قضى في 28 و31 من
ديسمبر سنة 1955 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المطعون عليه بأن يدفع إلى الطاعنة
مبلغ 428 جنيهاً و280 مليماً مخصوماً منه ما يعادل قيمة 200 محبوب تعويض البكارة
بعد تقديم شهادة من بيت الدين بمقدار هذه القيمة... فطعنت الطاعنة في هذا الحكم
بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته على هذه الدائرة لينظر
أمامها، والنيابة صممت على ما جاء بمذكرتها طالبة رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على
ستة أسباب تنعى الطاعنة على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول منها خطأه في تطبيق
القانون وفي تأويله ذلك أنه لم يبين الأساس القانوني لما قضى به ولأن الطاعنة لم
تقبض مهراً مقابل البكارة ولم تطلبه كما أن المطعون عليه لم يطالب به، ومن ثم يكون
الحكم بخصمه من المبلغ المحكوم به قضاء في أمر لم يكن مطروحاً في الخصومة فضلاً عن
مخالفته للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأن أحكام الشريعة الموسوية تقضي بوجوب أن يدفع الزوج مهراً لزوجته فنصت المادة 98
من كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للإسرائيليين لحاي بن شمعون على أن
"الزوج يلتزم في عقد الزواج بالمهر لزوجته ولو لم يأخذ منها شيئاً" ونصت
المادة 99 من هذا الكتاب على "أن المهر الشرعي للبكر مائتا محبوب أو سبعة
وثلاثون درهماً فضة نقية ولغير البكر النصف غنية كانت الزوجة أو فقيرة"
ومفهوم ذلك أن دفع الزوج مهراً لزوجته شرط لصحة انعقاد عقد الزواج وأنه مقدر
بمائتي محبوب للبكر ومن ثم يكون ادعاء الطاعنة بأنها لم تقبض من المطعون عليه
مهراً قول تقوم القرينة القانونية على عكسه، ولا اعتداد كذلك بما تقول به الطاعنة
من أن المطعون عليه لم يطالب برده وأن القضاء به قضاء في أمر لم يكن مطروحاً في
الخصومة، ذلك أن الخصومة بين الطاعنة والمطعون عليه كانت تقوم على تصفية الحقوق
المالية التي لكل منهما قبل الآخر نتيجة لانفصام عرى الزوجية بينهما والمهر
والمطالبة برده أو خصمه هو مما تتناوله هذه الحقوق فهو يندرج في عموم دفع المطعون
عليه للدعوى، وقد نصت المادة 152 من كتاب حاي بن شمعون سالف الذكر على أنه إذا ظهر
للزوج عدم بكارة زوجته كان له أن يطلقها وأن يرد لها حقوقها المالية المنصوص عليها
في العقد بعد خصم المهر، ويبين من ذلك أن النعي على الحكم بهذا السبب لا يستند إلى
أساس ويتعين رفضه.
وحيث إن حاصل السبب
الثاني إن الحكم المطعون فيه قد تناقضت أسبابه وتخاذلت إذا بينما هو يستند إلى
الحكم التمهيدي فيقول إن هذا الحكم قد قطع بأن حق استرداد الطاعنة لبائنتها مشروط
بأن ترد ما تسلمته من مجوهرات وأثاث وكل ما اشترى من مال البائنة إلى المطعون عليه
يعود فيقول تعقيباً على الفتوى الصادرة من بيت الدين أن من حق المطعون عليه أن يرد
إليها ذلك مع ما عساه يكون قد تبقى من مال البائنة، والتناقض في ذلك ظاهر.
وحيث إنه يبين من الاطلاع
على الحكم التمهيدي الذي أحال عليه الحكم المطعون فيه أنه قال. "وحيث إن
الحكم الابتدائي إذ قرر المبدأ القانوني المتضمن حق المستأنف ضدها - الطاعنة - في
استرداد بائنتها لم يخالف أحكام الشريعة الموسوية التي تطبق في النزاع الحالي فقد
نصت الفتوى المقدمة صورتها الفوتوغرافية والصادر من بيت الدين على أنه ليس للزوجة
استرجاع البائنة المقدمة منها إلا إذا أعادت المجوهرات والأثاث وأدوات المطبخ
وغيرها مما تكون قد اشتريت من مال البائنة، وقد تضمنت تلك الفتوى المصادر الفقهية
القاطعة في أن حق استرداد البائنة مقترن بواجب الزوجة في إعادة المجوهرات والأثاث
وغيرها مما اشتريت من مال البائنة". ويبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه
أنه أقام قضاءه في صدد ما تنعاه عليه الطاعنة على قوله" ومن حيث إن الحكم
التمهيدي قد قطع بأن حق استرداد البائنة يقترن بحق إرجاع ما يكون تحت يد الزوجة من
مجوهرات وأثاث وكل ما اشترى من متاع من مال الزوجة، والمستأنف - المطعون عليه - لا
يزعم أنه بقى تحت يد الزوجة شيء عدا خاتم الخطوبة... وإنما يطالب بأن يخصم من
البائنة ثمن ما اشتراه من أثاث ومتاع على أن يسلمه إلى الزوجة بينما تنازع الزوجة
في ذلك بحجة إطلاق حقها في استرداد البائنة وما على الزوج إلا أن يستبقى في حيازته
ما يكون قد اشتراه - ومن حيث إن هذا النظر غير سائغ فقد تضمنت فتوى بيت الدين
تبريراً لإلزام الزوجة برد المجوهرات وغيرها مما اشترى بمال البائنة أن رضاء الزوج
في العقد قد أفسده ما ظهر بعد ذلك من أن الزوجة لم تكن بكراً وينسحب هذا الفساد
إلى بداءة العقد وإذن فيجب إعادة الطرفين إلى ما كانا عليه، الزوجة تسترد بائنتها
بعد خصم 200 محبوب تعويض البكارة ويشترط أن يعيد إلى الزوجة الأمتعة المشتراة،
ولما كان انفصام العقد حدث بخطأ الزوجة فبديهي أن الزوج يجب ألا يضار بذلك وأن
يكون من حقه إعادة الأمتعة والأثاث وغيرها مما يكون قد اشترى من مال البائنة إلى
الزوجة مع ما يتبقى من بائنتها وبذلك يعود كل طرف إلى حالته السابقة، والقول بغير
ذلك فيه تحميل للزوج بالنتائج الضارة التي نشأت عن خطأ الزوجة".
وحيث إنه يبين من ذلك أن
الحكم قد استخلص القواعد التي تقوم عليها الحقوق المالية لكل من الطرفين قبل الآخر
مستنداً في ذلك إلى فتوى بيت الدين ومصادرها من الشريعة الموسوية والتي لم تعترض
الطاعنة عليها باعتراض ما ثم انتهي من ذلك إلى تطبيق تلك القواعد على واقعة الدعوى
تطبيقاً صحيحاً يتفق وحكم القانون وليس في ذلك ما يعاب عليه ومن ثم يكون النعي على
الحكم بهذا السبب غير مستند إلى أساس ويتعين رفضه.
وحيث إن الطاعنة تنعى على
الحكم المطعون فيه بالأسباب الثالث والرابع والخامس أنه قد شابه قصور من ثلاثة
أوجه حاصل الوجه الأول منها أن الحكم إذ تحدث عن خاتم الخطوبة انتهى منذ ذلك إلى
أن الطاعنة قد تسلمته ولم ترده إلى المطعون عليه مستنداً إلى أسباب لا تؤدي عقلاً
إلى النتيجة التي انتهى إليها، وحاصل الوجه الثاني أن الحكم إذ قرر أنه يجب أن
يخصم من البائنة الواجب رده إلى الطاعنة مبلغ 42 جنيهاً دفع إيجار منزل الزوجية
استند في ذلك إلى المستندات التي قدمها المطعون عليه ولكن الحكم أشار إلى هذه
المستندات إشارة عامة ليس فيها من التحديد ما يصح أن يكون أساساً لمراقبة النتيجة
التي انتهى إليها. وحاصل الوجه الثالث أن الحكم إذ قضى بالتزام الطاعنة بالمبالغ
التي دفعت رسوماً لعقد الزواج وما صرف على عقد القران وشراء الهدايا لم يبين سبب
عدم اطمئنانه إلى أقوال من أشهدتهم الطاعنة على أن العرف يقضي بعكس ذلك، وفي هذا
كله من القصور ما يعيب الحكم ويبطله.
وحيث إن هذا النعي مردود
في وجهيه الأول والثالث بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في صدد خاتم الخطوبة على
قوله "ولا لا تلتفت المحكمة إلى ما تزعمه المستأنف عليها - الطاعنة - من أنها
ردت هذا الخاتم إليه - المطعون عليه - إذ تبين من الاطلاع على الشكوى الإدارية
التي قام البوليس بتحقيقها... أنه سلم لزوجته خاتماً من ماس قيمته 185 جنيهاً ولم
تنازع الزوجة في ذلك... فلو أن الزوجة كانت تنازع في استلامها الخاتم لما سكتت عن
ذلك خصوصاً وقيمته ليست طفيفة كما أنه من غير المعقول أن تكون قد سلمته للزوج مع
مرارة الخصومة بينهما"، ثم استطرد الحكم من ذلك إلى التحدث عن المبالغ الأخرى
فقال "ومن حيث إنه فيما يختص بالمصاريف الأخرى التي استلزمها الزواج من رسوم
وهدايا وغيرها فقد اختلفت أقوال فريقي الشهود كل منهما يؤيد الجانب الذي دعاه
للشهادة وهناك من علاقة القرابة بين الشهود والخصوم ما لا يجعل المحكمة مطمئنة إلى
ترجيح أحدهم على الآخر ولذا ترى المحكمة إعمال المبدأ الذي قررته فيما سلف من
مؤاخذة الزوجة من رسوم وغيرها..." ويبين من ذلك أن الحكم أقام قضاءه في صدد ما
تنعاه الطاعنة بهذين الوجهين على أسباب سائغة تكفي لحمله ولا تخرج المجادلة في ذلك
عن كونها مجادلة في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا رقابة لهذه
المحكمة عليها في ذلك، ومردود في وجهة الثاني بأن الطاعنة لم تقدم المستندات التي
أشارت إليها فيه فيكون عارياً عن الدليل، ومن ثم يكون النعي المستند إلى هذه
الأوجه في غير محله ويتعين رفضه.
وحيث إن الطاعنة تنعى
بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه إغفاله الحكم بتثبيت الحجز التحفظي كما أغفل
إلزام المطعون عليه بالفوائد دون أن يبين سبباً لهذا الإغفال.
وحيث إن هذا النعي غير
مقبول ذلك أن إغفال الحكم بعض ما طلب الخصوم الحكم به ليس سبباً من أسباب الطعن في
الحكم بطريق النقض.