جلسة 6 يناير سنة 2001
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.
----------------
قاعدة رقم (101)
القضية رقم 92 لسنة 21 قضائية "دستورية"
1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع - لا ينال من ذلك قيام الشركة المدعية بتنفيذ حكم التحكيم الذي يدور النزاع الموضوعي فيه حول التظلم من الأمر الصادر بتنفيذه - أساس ذلك: اختصاص هذه المحكمة لا يمتد لبحث شروط قبول الدعوى الموضوعية أو أحقية المدعي في طلباته في تلك الدعوى.
2 - سلطة المشرع التقديرية في تنظيم الحقوق "حدودها".
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط - النيل من الحقوق التي كفل الدستور أصلها؛ مؤداه: عدوان على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
3 - مبدأ المساواة "غايته - مجاله".
يمثل مبدأ المساواة ركيزة أساسية للحقوق والحريات - غايته: صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز - لا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
4 - حق التقاضي "مساواة: عدم التمايز - تظلم من الأمر القضائي الصادر بتنفيذ حكم التحكيم".
الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي - عدم تمايزهم كذلك في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة أو في طرق الطعن - الحرمان من مكنة التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم المحكمين، مع منح الطرف الذي يتقدم بطلب التنفيذ الحق في التظلم من رفضه، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية؛ مؤداه: الإخلال بمبدأ المساواة وحق التقاضي.
5 - تحكيم "تنفيذ قضائي: طبيعته - مساواة".
أمر التنفيذ القضائي لحكم التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية عليه، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص والتأكد من عدم تعارض هذا الحكم مع حكم صادر من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يخالف النظام العام، وصحة إعلانه للمحكوم عليه - تحقيق المساواة بين الطرفين يقتضي تقرير حق التظلم من الأمر الصادر بتنفيذه.
6 - دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - تدخل تشريعي".
الحجية المطلقة للحكم الصادر في الدعوى الدستورية: لازمها: نزول الدولة عليها لتعمل من خلال سلطاتها ومن بينها السلطة التشريعية على تطبيقها - القضاء بعدم دستورية النص الطعين يفيد انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضد الأمر بتنفيذ حكم المحكمين؛ مقتضاه: وجوب التدخل التشريعي لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.
الإجراءات
بتاريخ الثالث والعشرين من مايو سنة 1999 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليها الرابعة مذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بموجب عقد مقاولة مؤرخ 28/ 4/ 1993 أسندت الشركة المدعية للشركة المدعى عليها الرابعة عملية إنشاء وصيانة ملحق مستشفي مصر الدولي، وإذ نشب خلاف بينهما حول بعض جوانب تنفيذ هذا العقد فقد تم عرضه على هيئة تحكيم؛ فأصدرت بجلسة 7/ 7/ 1998 حكمها بإلزام الشركة المدعية (المتحكم ضدها في التحكيم) بأن ترد للشركة المدعى عليها الرابعة مبلغ 404695 جنيهاً وفوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد، ثم استصدرت الأخيرة أمراً من السيد المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة بتنفيذ هذا الحكم، فتظلمت الشركة المدعية منه بالتظلم رقم 4 لسنة 116 قضائية أمام تلك المحكمة. وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة والشركة المدعى عليها الرابعة دفعتا بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة أن الشركة المدعية ليس لها مصلحة في إقامتها؛ إذ تظلمت من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم بعد الميعاد، كما أنها قامت بتنفيذه بالفعل.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم، هو الذي يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة في الدعوى تكون قائمة ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس؛ حرياً بالرفض. ولا ينال من ذلك، قيام الشركة المدعية، بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة في الدعوى الدستورية، تقتصر على التحقق من أن الحكم الذي يصدر فيها يؤثر على الحكم في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.
وحيث إن المادة 56 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليه تنص على أن "يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين....".
وتنص المادة 58 على أن:
"1 - لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى.
2 - لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي:
( أ ) أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع.
(ب) أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.
(ج) أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً.
3 - ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم. أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة 9 من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره".
وحيث إن الشركة المدعي تنعى على النص الطعين أن يُخَوّل طالب التنفيذ التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ بينما يُحْرَم المحكوم ضده من التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ، فإنه يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ويخل بحق التقاضي بالمخالفة لأحكام المادتين 40، 68 من الدستور.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التي تصدر عن أيتهما في هذا النطاق، لا يجوز أن تنال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك عدواناً على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة 68 من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل - على ما جرى به عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للنا كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. لما كان ما تقدم، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذي يتقدم بطلب حكم المحكمين الحق في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التي تطلبها البند (2) من المادة 58 السالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر في خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفي في المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها؛ يكن قد مايز - في مجال ممارسة حق التقاضي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحق التقاضي مخالفاً بذلك أحكام المادتين 40، 68 من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص الطعين. ولا يقيل ذلك النص من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة في حسم الأنزعة؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذه الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يتضمن من يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً؛ ومن ثم فإنه وقد أجاز النص الطعين لأحد أطراف الخصوم التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ فقد بات حتماً تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها.
وحيث إن الحجية المطلقة التي أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها في المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضرورياً - على تطبيقها؛ وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين، يعني أن الحظر الذي أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق