جلسة 26 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح وحسني جورجي ومحمد مختار العزبي المستشارين.
--------------
(26)
القضية رقم 243 لسنة 5 القضائية
قرار إداري - تحقيق - ضابط بوليس
- إحالة إلى الاستيداع - إجراء الإدارة تحقيقين إداريين مع الضابط في التهم المنسوبة إليه الأول ينتهي إلى براءته والثاني إلى إدانته - إصدارها قراراً بإحالته إلى الاستيداع بناء على التحقيق الثاني - قيامه على سبب صحيح - ما دام هذا التحقيق قد استوفى مقومات التحقيق الإداري واستخلصت النتيجة منه استخلاصاً سائغاً - أساس ذلك.
إجراءات الطعن
في 29 من يناير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 243 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 3 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 362 لسنة 10 القضائية المقامة من السيد باقي حنا عوض ضد وزارة الداخلية، والقاضي "برفض الدعوى وإلزام المدعي مصاريفها". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً - وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى الهيئة التي أصدرته للتحقيق وإصدار حكمها في الموضوع". وقد أعلن هذا الطعن إلى المدعي في 8 من فبراير سنة 1959 وإلى الحكومة في 9 منه. وعرض على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 9 من إبريل سنة 1960 وفيها أحيلت الدعوى إلى جلسة 21 من مايو سنة 1960 ثم إلى جلسة 22 من أكتوبر سنة 1960 وبعد سماع ما رئي لزوم سماعه من إيضاحات قررت المحكمة في هذه الجلسة الأخيرة إرجاء إصدار الحكم إلى جلسة اليوم وذلك كله على النحو المبين بمحضر الجلسة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 362 لسنة 10 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارة الداخلية، طلب فيها الحكم بإلغاء قرار إحالته إلى الاستيداع وما ترتب على ذلك من آثار وأحقيته في الترقية إلى رتبة يوزباشي من أغسطس سنة 1956 مع إلزام الوزارة المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه تخرج في سنة 1939 من كلية البوليس - قسم الكونستبلات - وتدرج في خدمة وزارة الداخلية حتى رقي في سنة 1952 إلى رتبة الملازم أول، وبتاريخ 28 من يوليه سنة 1956 أحيل إلى الاستيداع بقرار وزاري مشوب بالانحراف في استعمال السلطة؛ إذ صدر نتيجة انحراف رئيسه المباشر عن جادة القانون فعمل على تضليل أولي الأمر والإيقاع بالمدعي حتى صدر قرار إحالته إلى الاستيداع، وأنه يطعن في هذا القرار بالإلغاء ويحتفظ إلى جانب ذلك بحق المطالبة بالتعويض عن الأضرار الأدبية والمادية التي أصابته كنتيجة له. واستطرد المدعي يقول إنه خلال خدمته بمركز أطسا عاصر أربعة مآمير ظفر برضاء الثلاثة الأولين جميعاً وتقديرهم الكبير، أما الرابع وهو السيد البكباشي عبد الله زيدان فقد بادره بالنفور والكره عند أول مقابلة معه غداة تسلمه العمل مأموراً لمركز أطسا وفي الأسبوع الثاني طلب من السيد مدير المديرية نقل المدعي إلى جهة أخرى فلما استوضحه السيد المدير عن السبب عجز عن الرد فكان أن رفض المدير طلبه وبقي المدعي في مكانه، ثم اتفق أن قام المدير بإجازة فانتهز المأمور الفرصة واستصدر من وكيل المديرية قراراً بنقل المدعي من مركز أطسا إلى مركز ابشواي فلما عاد المدير من إجازته علم بهذا النقل الكيدي فأمر بإلغائه، ولكن المأمور ظل يواصل الكيد للمدعي فوضع تقريراً زعم فيه أنه علم من عمدة أبو جندير أن المدعي سيئ السلوك، ومقامر، وأنه يستعمل سيارة أحد الأهالي، وأنه حبس أحد الأشخاص بلا مبرر ست ساعات، وأنه يختلط بالنسوة الساقطات. وقد قام حكمدار المديرية بإجراء تحقيق في هذه المسائل فتبين من التحقيق عدم صحتها فلم يقف المأمور في الكيد للمدعي عند هذا الحد، بل عمل على تسوئة سمعة المدعي في وزارة الداخلية حتى صدر قرار بنقله إلى مديرية كفر الشيخ. ثم أجري تحقيق ثان بعد نقله في ذات التهم التي سبق أن أسندت إلى المدعي وظهر بعد التحقيق براءته منها، وقد انتهز المأمور فرصة التحقيق الثاني فأخذ يحرض الشهود السابقين ويؤلبهم على المدعي ويحملهم على الإدلاء بأقوال غير صحيحة حتى انتهى التحقيق بإدانة المدعي. وفي 28 من يوليه سنة 1956 تلقى إشارة تليفونية من وزارة الداخلية بأنه تقرر إحالته إلى الاستيداع وهكذا تمت محاكمته دون أن يمثل أمام مجلس البوليس الأعلى ودون أن يعطى فرصة الدفاع عن نفسه. ثم نعى المدعي على القرار الصادر بإحالته إلى الاستيداع مخالفته للقانون لأنه لا يجوز إحالة الضابط إلى الاستيداع إلا لأسباب صحية أو أن تكون هناك وقائع جدية خطيرة تتعلق بالصالح العام وكلا الشرطين غير متوافر في المدعي. وقد ردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي أحيل إلى الاحتياط اعتباراً من 18 من يوليه سنة 1956 على أثر تقديم شكوى ضده من مجهول تحوي تهماً خطيرة وقد قامت مصلحة التفاتيش بإجراء تحقيق، تبين منه أن المدعي (1) جمع مع آخرين تبرعات واشترى ووزع أقمشة على بعض بلاد نقطة أبي جندير التي كان يعمل بها خلال معونة شتاء عام 1954 مع أن ذلك ليس من عمله ولم يحرر محاضر عن ذلك (2) ثبت من التحريات أن عمدة أبي جندير كان يشترك في لعب الميسر بمنزل المدعي الذي يديره لشرب الخمر ولعب الميسر (3) حدث شجار بين المدعي ومساعد معمل بالوحدة الاجتماعية بسبب لعب الميسر ترتب عليه تماسك بالأيدي كما ترتب على سوء العلاقة بينهما أن كلف الأول شيخ الخفراء بمراقبة منزل الثاني لضبط امرأة قيل إنها كانت تتردد على منزله لسبب غير شريف (4) اختلاط المدعي بمن هم دونه مركزاً أمثال حلاق الصحة والبقال الذي كان المدعي يأخذ منه نقوداً مقابل تحصيل المستحق للبقال على الخفراء والعساكر، كما كان البائع يأخذ أسماكاً من أحد الباعة بدون ثمن (5) استغل سلطة وظيفته بأن استعمل سيارة جيب مملوكة لجزار بناحية أبي جندير في تنقلاته الخاصة والمصلحية وكان صاحبها يتكفل بأجرة سائقها وبوقودها، كما كان المدعي يأخذ من هذا الجزار لحوماً بدون ثمن (6) حجز أحد المواطنين بالنقطة مدة عشرة أيام حتى يسدد ديناً كان عليه للبقال عبد الجليل عبد الكريم (7) تبين من أقوال ضباط مركز أطسا أن المدعي كان سيئ السمعة والسيرة في مقر عمله ولم يكن له اعتبار بين المواطنين وقد أيدت التحريات صحة أقوالهم - وقالت الوزارة أن المجلس الأعلى للبوليس قرر إحالة المدعي إلى الاحتياط اعتباراً من 18 من يوليه سنة 1956 وأن المادة 87 من القانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس لا تجيز ترقية الضابط أو منحه علاوات خلال مدة الاحتياط - وبجلسة 3 من ديسمبر سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات. وأقامت قضاءها على أن التهم الست الأولى التي ذكرتها الوزارة في ردها على الدعوى واستعرضها الحكم المطعون فيه، هذه التهم ثابتة ضد المدعي من التحقيق الثاني الذي أمرت الوزارة بإجرائه. وكذلك التهمة السابعة فإن الشواهد قد قامت عليها من التحريات التي قام بها من كلفتهم الوزارة بذلك. وقد طعن السيد رئيس هيئة المفوضين في هذا الحكم مستنداً في طعنه إلى أن الأصل أن أسباب توقيع الجزاء تستمد من التحقيق الذي أجري إلا أن ذلك لا يكون إلا إذا توافرت في هذا التحقيق ضمانات معينة تجعل قرينة الصحة المستفادة منه مما يطمئن إليه القاضي، وأن الواضح من الأوراق أن التحقيقات التي أجريت مع المدعي كانت أولاً بمعرفة وكيل حكمدار المديرية الذي انتهى إلى عدم صحة جميع ما نسب إلى المدعي وبراءته من أية تهمة، ولكن التحقيق أعيد بعد ذلك بإشراف مفتش الداخلية فكانت النتيجة عكس ما جاء في الأول فكل الوقائع تبدلت والأقوال تغيرت وما كان ثابتاً مؤكداً أصبح منتفياً مما يدل على أن أحد المحققين الأول أو الثاني قد انحرف بالتحقيق انحرافاً شديداً ضاراً بالصالح العام كما أن مأمور المركز وفي نفسه حزازات نحو المدعي - كما هو ثابت من مذكرة مدير المديرية إلى الوزارة - قد باشر جزءاً كبيراً من التحقيق الثاني الذي انتهى بإدانة المدعي، وخلص السيد رئيس هيئة المفوضين إلى أن التحقيقات التي أجريت في الموضوع لا تبعث على الاطمئنان، وأن الحكم المطعون فيه لم يكن محقاً إذ سلم بالتحقيق الثاني تسليماً مطلقاً واعتبر ما ورد فيه على أنه ألحق مع ما اكتنفه من الأهواء التي أحاطت بالموضوع من بدايته، وقد كان ينتظر من المحكمة استدعاء الشهود وإجراء التحقيق بمعرفتها دون حصر اعتمادها على التحقيق الثاني وحده وإغفال ما جاء في الأوراق مما يستدل منه على عدم سلامة هذا التحقيق، وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى الهيئة التي أصدرته لإجراء التحقيق وإصدار حكمها في الموضوع.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن يقوم أولاً وآخراً على أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد اعتماداً كلياً على التحقيق الثاني الذي انتهى إلى إدانة المدعي وأغفل التحقيق الأول الذي انتهى إلى براءته مع ما يوجد في الأوراق من قرائن تفيد عدم سلامة التحقيق الثاني وقد كان على المحكمة أن تجري بنفسها تحقيقاً جديداً تصل إلى الحقيقة عن طريقه.
ومن حيث إنه ثابت في الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تغفل التحقيق الأول بل قارنت بينه وبين التحقيق الثاني ورأت أن هذا التحقيق الأخير تناول التهم التي أسندت إلى المدعي على نطاق أوسع وتعددت فيه التحريات من أشخاص مختلفين وتجمعت فيه الأدلة والقرائن على عكس ما انتهى إليه التحقيق الأول الذي قام به وكيل الحكمدارية وحده، فاطمأنت إلى سلامة التحقيق الثاني واستخلصت منه النتيجة التي بنت عليها قضاءها، وذكرت ذلك في الحكم إذ قالت "ومن حيث إن تمسك المدعي بما جاء بالتقرير الذي وضعه وكيل حكمدار البوليس بمديرية الفيوم لا يجدي فتيلاً، إذ تبين أنه لم يتناول جميع المسائل المنسوبة للمدعي علاوة عن عدول جميع الشهود عن أقوالهم السابقة في التحقيقات التي أمرت وزارة الداخلية بإجرائها بعد أن اتسعت شقة الخلاف بين مأمور أطسا ومدير الفيوم بخصوص التهم المنسوبة إلى المدعي، ولا يغير من وجه النتيجة أن يكون التحقيق الأول قد انتهى إلى عدم صحة ما نسب إلى المدعي في هذا الشأن ما دام أن التحقيق الأخير قد أجري على نطاق أوسع وتعددت فيه التحريات من أشخاص مختلفين وتجمعت الأدلة والقرائن على عكس ما انتهى إليه التحقيق الأول".
ومن حيث إن الإدارة قد استخلصت من التحقيق الثاني الذي أمرت بإجرائه النتيجة التي استخلصتها بإدانة المدعي مما ترتب عليه اتخاذ القرار المطعون فيه بإحالة المدعي إلى الاحتياط.
ومن حيث إن هذا التحقيق الثاني قد سمع فيه دفاع المدعي وتوافرت فيه مقومات التحقيق الإداري ويؤدي إلى إدانة المدعي فعلاً فتكون النتيجة التي انتهت إليها الإدارة قد استخلصت استخلاصاً سائغاً من أوراق صحيحة تنتجها ومن ثم فيكون القرار الإداري الذي اتخذته الإدارة في هذا الشأن بما لها من سلطة تقديرية قد بني على سببه الصحيح وتكون دعوى المدعي وقوامها الطعن بالإلغاء في هذا القرار غير مستندة إلى أساس سليم من القانون متعيناً الحكم برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق