جلسة 25 من يونيه سنة 1981
برئاسة السيد المستشار/ محمد فاروق راتب - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد صبري أسعد، محمد المرسي فتح الله، أحمد ضياء عبد الرازق ووليم رزق بدوي.
--------------------
(354)
الطعن رقم 1318 لسنة 48 القضائية
(1) عقد "تفسير العقد". محكمة الموضوع.
سلطة محكمة الموضوع في تفسير صيغ العقود بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين. لا رقابة لمحكمة النقض عليها متى كانت عبارة الورقة تحمل المعنى الذي حصلته.
(2) حراسة.
التزام الحارس ببذل عناية الرجل المعتاد ولو كانت تزيد عن عنايته الشخصية م 734/ 1 مدني. مخالفة ذلك. أثره. مسئوليته عما ينجم من ضرر.
(3) مسئولية "المسئولية التقصيرية". محكمة الموضوع "مسائل الواقع".
استخلاص الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما من سلطة محكمة الموضوع ما دام استخلاصها سائغاً.
(4) حراسة "حراسة قضائية".
الحراسة القضائية. ماهيتها. الحارس نائب عن صاحب الشأن بحكم القانون.
(5) تقادم "التقادم المسقط".
التقادم الثلاثي، م 172 مدني. تقادم استثنائي. اقتصاره على دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها الأولى بصفتها وصية على كل من المطعون عليها الثانية وإلهام..... أقامت الدعوى رقم 5662 سنة 1971 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعن طالبة الحكم بإلزامه بتقديم كشف حساب مؤيد بالمستندات عن الفترة التي عين خلالها حارساً قضائياً على تركة المرحوم....... وبإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 28396.734 جنيه وقالت بياناً لها أن الطاعن بعد أن عين حارساً قضائياً على التركة المذكورة أخذ في تحصيل بعض المبالغ التي كانت للمورث لدى الغير وأنفقها بطريقة غير سليمة أدت إلى الإضرار بأموال القاصرين. وإذ كان الطاعن قد أهمل إهمالاً جسيماً في اتخاذ الإجراءات الواجبة بديون التركة المستحقة السداد وأساء إدارة المحل التجاري الذي تركه المورث مما أدى إلى بيعه بالمزاد العلني فقد أقامت الدعوى بطلباتها سالفة البيان، وبتاريخ 28/ 12/ 1967 ندبت المحكمة مكتب خبراء وزارة العدل لأداء المأمورية المبينة بمنطوق حكمها وبعد أن دفع الطاعن بسقوط حق المطعون عليها الأولى بصفتها بالتقادم، وقدم الخبير تقريره حكمت المحكمة بتاريخ 26 - 12 - 1976 برفض الدفع بالتقادم وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليهما مبلغ 3279.629 ج استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 524 سنة 44 ق القاهرة. كما استأنفه المطعون عليهما بالاستئناف رقم 630 سنة 94 ق القاهرة وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافية حكمت في 9 - 5 - 78 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك يقول أن الحكم إذ اعتبر السند المؤرخ 21 - 10 - 61 الصادر من وكيل المطعون عليهما بتسلمه منه مبلغ 378.426 ج مجرد إيصال بتسليم هذا المبلغ، مع أنه واضح الدلالة في كونه إقرار تخالص من باقي حقوق الحراسة، فإنه يكون قد خرج عن المعنى الواضح لورقة قاطعة في الدعوى بما يبطله.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك لأن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود العاقدين ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان تفسيرها تحتمله عبارة هذه الشروط ولا خروج فيه على المعنى الظاهر لها. ولما كان البين من السند المؤرخ 21 - 10 - 1961 المودع ملف الطعن أنه تضمن إقرار وكيل المطعون عليهما بتسلمه من الطاعن (الرصيد المتبقي طرفه من أموال الحراسة والبالغ قدره 378.426 ج بعد خصم مصروفات الحراسة وأتعابه) وكان الحكم المطعون فيه - بعد أن عرض لتقريري الخبير المقدمين لمحكمة أول درجة وما تضمناه من مديونية الطاعن في مبلغ 318.415 ج استخلص من عبارة السند أنها قاطعة في دلالتها على أن السند مجرد إيصال بتسليم وكيل المطعون عليها المبلغ المثبت به دون محاسبة أو تخالص من باقي حقوق الحراسة وكانت تلك العبارة تحتمل المعنى الذي استخلصه الحكم منها فإن النعي عليه بهذا السبب يكون في غير محله.
وحيث إن حاصل السبب الثاني من أسباب الطعن القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم المطعون فيه ألزمه بدفع مبلغ 2960.814 ج للمطعون عليهما بحجة أن...... شقيق المورث - كان مديناً بهذا المبلغ للحراسة وأن الطاعن قد أسقط هذا الدين في كشف ديسمبر سنة 1959 وإذ كان الطاعن قد تولى الحراسة في الفترة من سنة 1959 وحتى سنة 1961 إلى أن تسلم منه الورثة جميع دفاتر منشأة المورث ومستنداتها وكان في مقدورهم اتخاذ الإجراءات القضائية ضد الشقيق المذكور، فإن تراخيه في المطالبة بهذا الدين، خلال الفترة التي تولى فيها الحراسة، لا يؤدي إلى إلزامه به إلا إذا كان قد سقط بالتقادم. ولما كان الدين لم يسقط بالتقادم في تلك الفترة وكان الحكم قد ألزمه بالمبلغ المذكور فإنه يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك لأن الحارس يلتزم - إعمالاً لنص المادة 734/ 1 من القانون المدني - بالمحافظة على الأموال المعهودة إليه حراستها وبإدارة هذه الأموال ويتعين عليه أن يبذل عناية الرجل المعتاد. فإذا لم يبذل هذه العناية ونجم عن ذلك ضرر، كان مسئولاً عن تعويض ذلك الضرر حتى ولو أثبت أن العناية الأقل التي بذلها فعلاً هي العناية التي يبذلها في حفظ مال نفسه لأنه ملزم ببذل عناية الرجل المعتاد ولو كانت هذه العناية تزيد على عنايته الشخصية. لما كان ذلك وكان البين من حكم محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه أن الطاعن خلال فترة حراسته، أسقط حساب مديونية.......... شقيق المورث - من كشف ديسمبر سنة 1959 وقيدها في الجانب الدائن لهذا الشقيق وهو خطأ لا يقع فيه الرجل المعتاد ترتب عليه ضرر للمطعون عليهما باعتبارهما الورثة إذ أدى إلى ضياع دليلهما على هذا الدين نظراً لأن المورث كان تاجراً ودفاتر التاجر حجة عليه لأنها بمثابة إقرار منه مكتوب بخطه أو بإشرافه أو تحت رقابته وإذ كانت علاقة السببية بين هذا الخطأ وذلك الضرر قد توافرت، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص ثبوت الضرر أو نفيه من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع ما دام الدليل الذي أخذ به في حكمه مقبولاً قانوناً وأن استخلاص الخطأ وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر هو مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن بتعويض المطعون عليهما عن الضرر الذي أصابهما من جراء خطئه وقدره بذات مبلغ مديونية شقيق المورث فإنه يكون قد أقام قضاءه على أسباب تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وتكفي لحمله ويكون النعي عليه بما ورد بهذا السبب على غير أساس. ولا يغير من ذلك ما أثاره الطاعن من أنه سلم المطعون عليهما جميع الدفاتر والمستندات الخاصة بمنشأة مورثهما والتي كانت معهودة إليه حراسة أموالها، ذلك لأن هذه المستندات بإسقاط الطاعن المديونية التي كانت على شقيق المورث، صارت لا تصلح دليلاً للمطعون عليهما في شأن المطالبة بدين الشقيق المذكور.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول أن مصدر التزامه بالتعويض نتيجة عدم مطالبته بدين شقيق المورث هو العمل غير المشروع. وإذ كان الحكم قد رفض الدفع بالتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني بحجة أن هذا التقادم لا يسري بين الموكل والوكيل حال قيام الوكالة، باعتبار أن الحارس وكيل عن ذوي الشأن في إدارة أموال الحراسة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك لأنه لما كانت الحراسة القضائية ليست بعقد وكالة لأن القضاء لا اتفاق ذوي الشأن - هو الذي يفرضها، فإن الحارس يصبح بمجرد تعيينه وبحكم القانون، نائباً إذ يعطيه القانون سلطة في حفظ وإدارة الأموال الموضوعة تحت حراسته وردها لصاحب الشأن عند انتهاء الحراسة وتقديم حساب عن إدارته لها، ونيابته هذه نيابة قانونية من حيث المصدر الذي يحدد نطاقها إذ ينوب عن صاحب الحق في المال الموضوع تحت الحراسة وتثبت له هذه الصفة بمجرد صدور حكم الحراسة. لما كان ذلك وكان أساس مطالبة المطعون عليهما للطاعن بدين شقيق مورثهما هو أن الطاعن قد أسقط هذا الدين - وهو من أموال التركة المعهودة إليه حراستها وإدارتها ويلزمه القانون بالمحافظة عليها - من حساب المديونية، وكان التقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني هو تقادم استثنائي خاص بدعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع فلا يسري على الالتزامات التي تنشأ مباشرة من القانون والتي تجرى عليها في شأن تقادمها أحكام التقادم العادي المنصوص عليه في المادة 374 من القانون المدني ما لم يوجد نص خاص يقضي بتقادم آخر. وإذ لم يرد بنصوص القانون ما يجيز تطبيق نص المادة 172 سالفة الذكر بالنسبة لدعوى التعويض الناشئة عن مخالفة الحارس للواجبات المفروضة عليه في المادة 734 من القانون المدني وما بعدها فإن هذه الدعوى لا تسقط إلا بالتقادم العادي. وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بالتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 المشار إليها فإنه يكون قد انتهى في قضائه إلى النتيجة التي تتفق وصحيح القانون، ولا يعيبه ما ينعى به الطاعن عليه من أن الحارس القضائي وكيل عن ذوي الشأن في إدارة أموال الحراسة، والذي استند إليه الحكم في قضائه، ذلك لأن لمحكمة النقض - وعلى ما جرى به قضاءها - أن تصحح أسباب الحكم المطعون فيه بغير أن تنقضه متى كان سليماً في نتيجته التي انتهى إليها ومن ثم يكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه قدم لمحكمة الاستئناف صورة من قرار لجنة الطعن التي قدرت تركة مورث المطعون عليهما بمبلغ 7450.465 ج. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلا من الرد على هذا الدفاع الجوهري فإنه يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك لأن المادة 254 من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض على بيان الأسباب التي بني عليها الطعن وإلا كان باطلاً، إنما قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً وافياً نافياً عنها الغموض والجهالة وبحيث يبين منها العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم فإن كل سبب يراد التحدي به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً وأن تقدم معه لمحكمة النقض المستندات الدالة عليه وإلا كان النعي به غير مقبول. وإذ كان الطاعن لم يكشف في صحيفة الطعن عن وجه الدفاع الجوهري الذي أغفل الحكم المطعون فيه الرد عليه، فإن النعي عليه بهذا السبب لا يقبل لوروده مجهلاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون النعي برمته على غير أساس مما يتعين معه رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق