باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن مـن مارس سنة 2025م،
الموافق الثامن من رمضان سنة 1446هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 16 لسنة 43
قضائية منازعة تنفيذ
المقامة من
البنك الأهلي المتحد - مصر
ضــد
1- رئيس الجمهورية، بصفته رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- رئيس المجلس الأعلى للقضاء
5- إيفون إسحاق خليل
-------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس عشر من يوليو سنة 2021، أودع البنك المدعي صحيفة
هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بالاستمرار في تنفيذ
حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 7/ 5/ 2016، في الدعوى رقم 19 لسنة 36 قضائية دستورية، وعدم الاعتداد بمنطوق حكم محكمة النقض الصادر بجلسة 21/ 3/ 2021،
في الطعن رقم 4426 لسنة 90 قضائية عمال.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعى عليها الخامسة أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم
5256 لسنة 2013 مدني كلي، طلبًا للحكم: أولًا: بإلزام البنك المدعي وشركة الشرق
للتأمين (مصر لتأمينات الحياة - حاليًّا) برد المبالغ التأمينية الكاملة المتفق
عليها، طبقًا لوثيقة التأمين رقم 218275 الصادرة لصالحها من تاريخ إبرامها وحتى
نهاية خدمتها مع الفوائد القانونية، والحكم بالتعويض المادي والأدبي بالتضامن بين
المدعى عليهما في تلك الدعوى، وفقًا لتقدير المحكمة للضرر الواقع عليها. ثانيًا:
بإلزام البنك المدعي بسداد الأرباح الخاصة بها عن عام 2012، نظير عملها بالبنك عن
ذلك العام، والتي تقدر بمبلغ ثلاثين ألف جنيه. وذلك على سند من القول إنها التحقت
بالعمل لــدى بنك الدلتـــا الدولــــي- سابقًا، (البنك الأهلـــي المتحــــد -
حاليًّا) بموجب عقد عمل مؤرخ 1/ 7/ 1981، وقد اتفقت إدارة البنك مع شركة التأمين
المذكورة على إصدار وثيقة تأمين جماعية لصالح العاملين في البنك منذ عام 1978
(بديل مكافأة نهاية الخدمة)، ويحصل على قيمتها كل من يبلغ سن المعاش، وعقب استحواذ
البنك الأهلي المتحد على بنك الدلتا الدولي؛ أخل بالتزاماته في المحافظة على حقوق
العاملين القدامى بالبنك، إذ امتنع عن سداد أقساط التأمين للشركة المذكورة، مما
أدى إلى إلغاء وثيقة التأمين المشار إليها، وبالتالي عدم الحصول على المبلغ التأميني
المترتب على هذه الوثيقة؛ ومن ثم فقد أقامت المدعى عليها الخامسة دعواها الموضوعية
بطلباتها السالفة. وفي المقابل واجه البنك المدعي تلك الدعوى بدعوى فرعية ضد
المدعى عليها الخامسة طلب فيها الحكم بإلزام المدعية في الدعوى الأصلية بأن تؤدي
للبنك مبلغًا مقداره خمسة ملايين جنيه، تعويضًا ماديًّا وأدبيًّا عن إساءة استعمال
حق التقاضي. وبجلسة 27/ 3/ 2016، حكمت المحكمة في موضوع الدعوى الأصلية والفرعية:
بالرفض. استأنفت المدعى عليها الخامسة الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة
بالاستئناف رقم 4460 لسنة 133 قضائية. كما استأنفه البنك أمام المحكمة ذاتها
بالاستئناف رقم 4692 لسنة 133 قضائية، وبجلسة 22/ 1/ 2020، قضت المحكمة في موضوع
الاستئناف الأول بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء أولًا: بإلزام البنك المدعي بأن
يؤدي للمدعى عليها الخامسة مبلغًا قدره 702491,416 جنيهًا (فقط سبعمائة ألف وألفان
وأربعمائة وواحد وتسعون و416/ 1000 جنيهًا) وذلك بعد خصم المبلغ الذي تحصلت عليه
وقت خروجها على المعاش وأيضًا خصم الأقساط المستحقة على الوثيقة من تاريخ إلغائها
وحتى تاريخ خروجها على المعاش. ثانيًا: بإلزام البنك بأن يؤدي للمستأنفة نصيبها
الذي تستحقه من الأرباح عن عام 2012 وحتى تاريخ خروجها على المعاش في 19/ 12/
2012. وفي موضوع الاستئناف الآخر: برفضه. وإذ لم يلق ذلك القضاء قبولًا لدى البنك
المدعي؛ فطعن عليه بطريق النقض بالطعن رقم 4426 لسنة 90 قضائية عمال. وبجلسة 21/
3/ 2021، قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف
القاهرة.
وإذ ارتأى البنك المدعي أن حكم محكمة النقض المشار إليه يمثل عقبة
قانونية تحول دون تنفيذ مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 7/ 5/
2016، في الدعوى رقم 19 لسنة 36 قضائية دستورية، وذكر بيانًا لذلك أن حكم محكمة
النقض بما تضمنته أسبابه من رفض دفع البنك المدعي، المستند إلى نص المادة (70) من
قانون العمل الصادر بالقانون رقم 180 لسنة 2003 المستبدل بها القانون رقم 180 لسنة
2008، بسقوط حق المدعى عليها الخامسة في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقها
العمالية، ومن ثم تحديد حكم محكمة النقض لتاريخ بدء النزاع، الذي يبدأ به ميعاد
السقوط، بكونه تاريخ امتناع المدين عن الوفاء بالحق الذي يطلبه الدائن، فإن حكم
محكمة النقض - حسبما يتراءى للبنك المدعي - قد خالف الأسباب التي قام عليها الحكم
الصادر من المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه في شأن جزاء السقوط الوارد
بنص المادة (70) من قانون العمل، إذ يُعد جزءًا لا يتجزأ من منطوق هذا الحكم،
يتمتع بحجية مطلقة، في مواجهة كافة سلطات الدولة، ويتعين الالتزام بها وأن الخروج
عليها يُعد خروجًا على حجية حكم المحكمة الدستورية العليا، ويمثل عقبة في تنفيذه؛
فأقام البنك المدعي دعواه المعروضة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام منازعة التنفيذ أن يكون
تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق
تحول قانونًا - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك أو تقيد
اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان؛ ومن ثم تكون عوائق
التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التي تتوخى في
غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها،
أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة
بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن
المحكمة الدستورية العليا، فإن حقيقة مضمونه ونطاق القواعد القانونية التي يضمها،
والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي
التي تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فاعليته.
بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها،
وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين جميعهم، دون
تمييز، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق -سواء بطبيعتها أو بالنظر
إلى نتائجها- حائلة دون تنفيذ أحكامها، أو مقيدة لنطاقها. وثانيها: أن يكون
إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة
فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها
ومضمونها. وثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تُعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية،
وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة في شأن إزالة العوائق التي تحول دون ترتيب
الأحكام الصادرة منها لآثارها، وتنفيذ مقتضاها.
وحيث إن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا
في الدعاوى الدستورية - على ما استقر عليه قضاؤها - يقتصر نطاقها على النصوص
التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلًا
حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت في مضمونها. كما أن
قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما يتصل به من الأسباب اتصالًا
حتميًّا، بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها، مما مؤداه أن نطاق منازعة التنفيذ الذي
يستنهض ولاية هذه المحكمة إنما يدور وجودًا وعدمًا مع نطاق حجية حكمها محل منازعة
التنفيذ دون أن يتعداه.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قد قضت بجلسة 7/ 5/ 2016، في الدعوى رقم 19 لسنة 36 قضائية دستورية، برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية نص المادة
(70) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 بعد أن استُبدل بها القانون
رقم 180 لسنة 2008، والتي تحدَّد نطاقها بما ورد في صدر المادة (70) من قانون
العمل المشار إليه، من تحديد مدة عشرة أيام من تاريخ النزاع، لطلب تسويته وديًّا
من اللجنة الإدارية، وما ورد في عجزه من تحديد مدة خمسة وأربعين يومًا من تاريخ
انتهاء المدة المحددة للتسوية لإقامة الدعوى أمام المحكمة العمالية، وإلا سقط الحق
في عرض الأمر عليها، دون سائر ما تضمنه النص من أحكام أخرى. وقد نُشر الحكم في
العدد رقم 19 مكرر (أ) من الجريدة الرسمية بتاريخ 16/ 5/ 2016، وكانت حجية هذا
الحكم مقصورة على ما ورد في منطوقه وما اتصل به اتصالًا حتميًّا من أسباب في
المسألة الدستورية التي فصل فيها، وكان ما قضى به حكم محكمة النقض المار بيانه من
تحديد التاريخ الذي يبدأ فيه سريان ميعاد إقامة الدعوى العمالية، هو أمر منبت
الصلة بحكم المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه، ومن ثم لا يُعد هذا الحكم
عائقًا - سواء بطبيعته أو بالنظر إلى نتائجه - يحول فعلًا أو من شأنه أن يحول دون
تنفيذ الحكم المنازع فيه تنفيذًا صحيحًا مكتملًا أو مقيدًا لنطاقه، مما لزامه
القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت البنك المدعي المصروفات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق