الطعن 11 لسنة 23 ق "دستورية" جلسة 5
/ 5 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر ب في 13 / 5 / 2018 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مايو سنة 2018م،
الموافق التاسع عشر من شعبان سنة 1439هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو
ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار
والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 11 لسنة 23
قضائية "دستورية"
------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/ 10/ 1977، قام مورث المدعين بتأجير الطابقين
الأرضي والأول، بالعقار ملكه الكائن بشارع الخليفة المأمون بمدينة كفر الشيخ،
للبنك المدعى عليه الثالث، لاستعماله كفرع له، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لمدد
مماثلة، ما لم يخطر أحد الطرفين، الطرف الآخر، برغبته في إنهاء العقد، وبتاريخ 9/
2/ 1999، قام مورث المدعين بإخطار البنك برغبته في إنهاء الإجارة، اعتبارا من
نهاية المدة التي امتد لها العقد، ولعدم استجابة البنك، أقام الدعوى رقم 192 لسنة
2000 مدني کلي "مساكن"، أمام محكمة كفر الشيخ الابتدائية، طلبا للحكم بإنهاء
عقد الإيجار، وإلزام البنك بتسليمه العين المؤجرة خالية، وأثناء نظر الدعوى بجلسة
26/ 11/ 2000، طلب البنك رفض الدعوى، استنادا للامتداد القانوني لمدة عقد الإيجار،
المقرر بنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، فدفع مورث
المدعين بعدم دستورية ذلك النص، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت له
بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
وبجلسة 3/ 2/ 2018، طلب الحاضر عن الدولة الحكم بانقطاع سير الخصومة
لوفاة المدعي، وبالجلسة ذاتها، حضر محام عن ورثة المدعي، وقرر بوفاته بتاريخ 29/
6/ 2015،
وصحح شكل الدعوى في مواجهة الحاضر عن الدولة ومحامي بنك ناصر
الاجتماعي، بحلول ورثة المدعي محله، طبقا لنص المادة (130) من قانون المرافعات،
وباشر الدعوى نيابة عنهم بموجب سند وكالة يبيح له ذلك، كما قدم بجلسة 3/ 3/ 2018
صحيفة تصحيح شكل الدعوى.
بتاريخ الحادي والثلاثين من يناير سنة 2001، أقام مورث المدعين هذه
الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم
دستورية نص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة
بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما انطوى عليه،
وتضمنه من الامتداد القانوني المطلق لعقد الإيجار الصادر للمستأجر إذا كان شخصا
اعتباريا، وعدم دستورية وسقوط نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 6 لسنة
1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض
الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية، لارتباطهما بالنص المتقدم، فيما لم
يرد بهما من النص على تحديد أو تقييد الامتداد القانوني لعقد الإيجار الصادر
للمستأجر إذا كان شخصا اعتباريا.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليا: بعدم قبول
الدعوى: واحتياطا: برفضها.
وقدم البنك المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن ولاية المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية - وعلى
ما جرى به قضاؤها - لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقا للأوضاع المقررة
في قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات
الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة
دعوى موضوعية دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعي، وقدرت محكمة الموضوع جدية
دفعه، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، وهذه الأوضاع الإجرائية تتعلق بالنظام
العام، باعتبارها شكلا جوهريا في التقاضي، تغيا به المشرع مصلحة عامة، حتى ينتظم
التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها، إذ كان ذلك، وكان المدعي قد
قصر دفعه بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع على نص المادة (18) من القانون رقم
136 لسنة 1981 المشار إليه، وقد قدرت تلك المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة
الدعوى الدستورية عن ذلك النص، ومن ثم، تكون دعواه المعروضة مقبولة في هذا الشق
منها، دون نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 6 لسنة 1997، لانحلالها
بشأنهما إلى دعوى دستورية أصلية أقيمت بالطريق المباشر، بالمخالفة للأوضاع المقررة
بنص المادة (29) في قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى
لسابقة الفصل في دستورية النص المطعون عليه، في القضية رقم 105 لسنة 19 قضائية
"دستورية"، الصادر بجلسة 3/ 11/ 2002، برفض الدعوى، فمردود بما جرى عليه
قضاء هذه المحكمة - بأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية،
والمانعة من نظر أي طعن دستوري جديد، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت
مثارا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلا حاسما بقضائها، أما ما لم يكن
مطروحا على المحكمة، ولم يكن مثارا للنزاع أمامها ولم تفصل فيه بالفعل، فلا يمكن
أن يكون موضوعا لحكم يحوز حجية الأمر المقضي، ومن ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة
للحكم في الدعوى الدستورية السابقة، إذ كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا
قد سبق لها أن باشرت رقابتها على دستورية صدر نص الفقرة الأولى من المادة (18) من
القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - محل الطعن في الدعوى المعروضة - وذلك في
القضية الدستورية رقم 105 لسنة 19 قضائية، وقضت فيها بجلسة 3/ 11/ 2002، برفض
الدعوى، وكانت رحى النزاع الموضوعي، الذي انبثقت عنه تلك الدعوى الدستورية، تدور
حول طلب إنهاء عقد إيجار عين سكنية مؤجرة لشخص طبيعي، وقد تأسس الحكم الصادر برفض
تلك الدعوى الدستورية على إنه "وحيث إن النص الطعين لم يعمد إلى تأبيد عقد
الإيجار وإنما هو قصد إلى تقرير امتداد لهذا العقد يتجاوز المدة المتفق عليها فيه،
وهو امتداد وإن كان غير محدد بمدة معينة، إلا أن مدته تتحدد بوقائع عدة منها
.....، ثم يتحقق التأقيت النهائي للعقد بوفاة المستأجر إذا وقعت هذه الوفاة خلال
مدة الامتداد القانوني له ......". وأن "ما أملى على المشرع المصري
تقرير قاعدة الامتداد القانوني لعقد الإيجار، هو ضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح،
تمثلت في خلل شديد في التوازن بين قدر المعروض من الوحدات السكنية، وبين حجم الطلب
عليها، وهو خلل باشرت ضغوطه الاجتماعية آثارها منذ الحرب العالمية الثانية، وكان
تجاهلها يعني تشريد ألوف من الأسر من مأواها، بما يعنيه ذلك من تفتيت في بنية
المجتمع، وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون المأوى ومن يملكونه، وهو
ما يهدر مبدأ التضامن الاجتماعي، مما دعا المشرع المصري إلى تبني قاعدة الامتداد
القانوني لعقد الإيجار، منذ التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن الصادرة أثناء
الحرب العالمية الثانية، وحتى النص الطعين، كي يصون للمجتمع أمنه وسلامته محمولين
على مبدأ التضامن الاجتماعي...". متى كان ذلك، وكانت الأسباب التي تأسس عليها
ذلك الحكم، وبقدر اتصالها الحتمي بما انتهى إليه منطوقه من رفض الدعوى، مؤداه
انصراف حجيته إلى اتفاق أحكام صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم
136 لسنة 1981 المشار إليه وأحكام الدستور، في مجال انطباق قاعدة الامتداد
القانوني لمدة عقد الإيجار المقررة به على الأماكن المؤجرة لغرض السكني للأشخاص
الطبيعيين، باعتبار أن تلك المسألة كانت هي سبب النزاع في الدعوى الموضوعية، التي
تولدت عنها الدعوى الدستورية، وقد فصلت المحكمة الدستورية العليا في قاعدة هذا
الامتداد فصلا حاسما بقضائها، ويتعين بالتالي ألا تبرح حجية ذلك الحكم هذا النطاق،
لتقتصر عليه وحده، دون أن تتجاوزه إلى ما يحمله إطلاق عبارة النص التشريعي ذاته،
ليشمل الامتداد القانوني لمدة عقد إيجار الأماكن لأحد الأشخاص الاعتبارية
لاستعمالها في غير غرض السكني، إذ لم يكن أمره مطروحا على المحكمة الدستورية
العليا، ولم يكن مثارا للنزاع أمامها، ولم تشر المحكمة في أسباب حكمها إلى امتداد
نطاقه إلى تلك الأماكن، ومن ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة للحكم في الدعوى
الدستورية السابقة، ويظل أمره قابلا للطرح على هذه المحكمة لتقول فيه كلمتها،
الأمر الذي يكون معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة مفتقدا لسنده.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981
المشار إليه تنص على أن "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت
المدة المتفق عليها في العقد، إلا لأحد الأسباب الآتية:
(أ) الهدم الكلي أو الجزئي للمنشآت الآيلة للسقوط، والإخلاء المؤقت
لمقتضيات الترميم والصيانة، وفقا للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين
السارية.
(ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة
............
(ج) إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر، أو أجره من الباطن
بغير إذن كتابي صريح من المالك للمستأجر الأصلي، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه
نهائيا، ............
(د) إذا ثبت بحكم قضائي نهائي أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح
باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو في
أغراض منافية للآداب العامة".
وتنص الفقرتان الثانية والثالثة من تلك المادة على أن "ومع عدم
الإخلال
بالأسباب المشار إليها، لا تمتد بقوة القانون عقود إيجار الأماكن
المفروشة.
وتلغى المادة (31) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وذلك اعتبارا من
تاريخ العمل بهذا القانون".
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النصوص القانونية التي دل
المشرع بعموم عباراتها على انتقاء تخصيصها، إنما تحمل على اتساعها لكل ما يندرج
تحت مفهومها، ذلك أن النص التشريعي إذا ما ورد مطلقا، فإنه يحمل على إطلاقه، إلا
إذا ثبت بنص أخر ما يقيده، فإن قام الدليل على تقييده، كان هذا الدليل صارفا له عن
إطلاقه، ومبينا المراد منه. متى كان ذلك، وكان صدر الفقرة الأولى من المادة (18)
من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه قد جرى نصه على أن "لا يجوز للمؤجر
أن يطلب إخلاء المكان، ولو أنتهت المدة المتفق عليها في العقد، إلا لأحد الأسباب
الآتية:.....". ومؤدى هذا النص، أن المشرع لم يجز للمؤجر طلب إخلاء المكان
المؤجر بعد انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها في العقد، لتصير ممتدة بقوة القانون،
ما لم يتحقق أحد أسباب الإخلاء المنصوص عليها حصرا بتلك المادة، وقد جاءت عبارة
ذلك النص، في شأن الامتداد القانوني لمدة عقد إيجار الأماكن، بصيغة عامة ومطلقة،
لتشمل الأماكن المؤجرة لغرض السكني أو لغير هذا الغرض، المؤجرة لأشخاص طبيعيين أو
لأشخاص اعتبارية، عامة كانت أم خاصة. ولم يرد بنص المادة (18) من القانون رقم 136
لسنة 1981 المشار إليه تقييد لهذا الإطلاق، فيما خلا عقود إيجار الأماكن المفروشة،
فلا يسري عليها الامتداد القانوني لمدة عقد الإيجار.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن المصلحة الشخصية
المباشرة تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة
الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام قاضي
الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي - الذي انبثقت عنه الدعوى المعروضة -
تدور رحاه حول مدى أحقية المدعين في طلب الحكم بإنهاء عقد إيجار العين المؤجرة من
مورثهم للبنك المدعى عليه الثالث، لاستعمالها كفرع له بمدينة كفر الشيخ، وتسليمها
لهم خالية، بعد انتهاء المدة التي حددها طرفا العقد، وضمناها نصوصه. وكان ما يحول
دون إجابتهم لطلبهم ما ورد بصدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136
لسنة 1981 المشار إليه، من النص على أن "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء
المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، إلا لأحد الأسباب الآتية:
.......، باعتبار أن ذلك النص هو الذي قرر الامتداد القانوني لمدة كافة عقود إيجار
الأماكن - عدا المفروشة - ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، سواء كان
المستأجر شخصا طبيعيا أم اعتباريا، ومن ثم، فإن الفصل في دستورية ما ورد بذلك النص
من إطلاق وعموم عبارته لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية
لاستعمالها في غير غرض السكني سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد
على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتبعا
لذلك؛ تتوافر للمدعين مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن بعدم دستوريته، ويتحدد فيه -
وحده - نطاق الدعوى المعروضة.
وحيث إن مناعي المدعين على النص المطعون عليه - في النطاق السالف
تحديده - يتحدد في مخالفته لنصوص المواد
(7، 8، 32، 34، 40، 41) من دستور
سنة 1971، وذلك بما قرره من امتداد قانوني لمدة عقد إيجار الأماكن لأحد الأشخاص
الاعتبارية، لاستعمالها في غير غرض السكني، بعد انتهاء المدة المتفق عليها في عقد
الإيجار، حتى صارت يدهم عليها مؤبدة، ونزعها من أيدي ملاكها، بما يخل بالتضامن
الاجتماعي، وبمبدأ تكافؤ الفرص، ويخل بالحماية المقررة للملكية الخاصة، وينال من
حرية التعاقد باعتبارها فرعا من الحرية الشخصية، فضلا عن إخلاله بمبدأ المساواة
بين المؤجرين لأشخاص اعتبارية، والمؤجرين لأشخاص طبيعيين، الذين تنتهي عقود
إيجارهم بوفاة صاحب حق البقاء في العين، وفقا للضوابط الواردة في الفقرة الثانية
من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن إيجار الأماكن بعد استبدالها
بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 المشار إليه.
وحيث إن الرقابة على مدى مطابقة النصوص التشريعية - أيا كان تاريخ
العمل بها - للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور
القائم دون غيره، لكون هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه
المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور
تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين
قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من
التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها
المدعين للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على
مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه
المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه، الذي ما زال قائما ومعمولا
بأحكامه - محددا نطاقا على النحو المتقدم - من خلال أحكام الدستور القائم الصادر
سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعون في خصوص
المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971: فالثابت أن
المادتين (7، 8) بشأن التضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص، والمادتين (32، 34) بشأن
صون الملكية الخاصة وتنظيم وظيفتها الاجتماعية، والمادة (40) بشأن المساواة بين
المواطنين، والمادة (41) بشأن صون الحرية الشخصية باعتبارها حقا طبيعيا، التي وردت
في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها الأحكام الواردة في المواد (4، 8، 9، 35، 53،
54) من الدستور القائم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية
اقتضتها المادة (54) من الدستور؛ صونا للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على
تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة
الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائن يحمل على
ما لا يرضاه، وحرية التعاقد بهذه المثابة، فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية
الشخصية، فإنها كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي
ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة - فيما بين أطرافها. بيد أن هذه الحرية
- التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على
مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها - لا
تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من
كوابحها، ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محددا بقواعد آمرة تحيط
ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها
الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد
الإيجار - والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير - وبين حق الانتفاع كأحد
الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
وحيث إن النص المطعون فيه - محددا نطاقا على النحو المتقدم - إذ أجاز
للشخص الاعتباري المستأجر لعين لاستعمالها في غير غرض السكني، البقاء فيها بعد
انتهاء المدة المتفق عليها
في العقد، فإنه على هذا النحو - وباعتباره واقعا في إطار القيود
الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية - يكون قد أسقط حق المؤجر -
مالك العين في الأعم من الأحوال - في استرداد العين المؤجرة بعد انتهاء مدة
إجارتها، حال أن حق المستأجر لا زال حقا شخصيا مقصورا على استعمال عين بذاتها في
الغرض الذي أجريت من أجله خلال المدة المتفق عليها في العقد، فلا يتم مد تلك المدة
بغير موافقة المؤجر، وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرماها معا، صريحا كان هذا
الشرط أم ضمنيا.
ومن ثم، فإن ما تضمنه ذلك النص من امتداد قانوني لمدة عقد إيجار
الأماكن المؤجرة لأشخاص اعتبارية، لاستعمالها في غير غرض السكني، يكون متضمنا
عدوانا على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم
الحرية الشخصية - في صحيح بنيانها - بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاء يناقض
أساسها، وذلك بالمخالفة للمادة (54) من الدستور.
وحيث إنه من المقرر - أيضا - في قضاء هذه المحكمة أن صون الدستور
للملكية الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز له أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل
عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها
وظيفتها الاجتماعية. وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها
المشرع عليها جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور
الانتفاع بها، ذلك أن صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، وأن هدمها أو تقويض أسسها
من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفا بها منافيا للحق فيها.
وحيث إن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها، من خلال عقود إيجارها،
إنما تعني حقهم في تحديد مدة العقد، ليكون العقد وحده - وبحسبانه تصرفا قانونيا
وعملا إراديا - بديلا عن التدخل التشريعي لتحديد هذه المدة، باعتبار أن تأقيت هذا
العقد يعد جزءا لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلا عليها. إذ كان ذلك،
وكان النص المطعون فيه، بما قرره من امتداد قانوني لمدة عقد إيجار الأماكن للأشخاص
الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكني، قد سلب حق المؤجر في طلب إخلائها بعد
انتهاء مدة الإيجار المتفق عليها في العقد، لتصير يد المستأجر على العين مؤبدة،
باقية مدة بقاء الشخص الاعتباري - عاما كان أم خاصا - ولو كان المؤجر في أمس
الحاجة لها، فإن هذا النص، فضلا عن إخلاله بالتوازن الواجب بين أطراف العلاقة
الإيجارية، مغلبا مصالح أحد أطرافها - المستأجر - على الطرف الآخر - ولغير ضرورة
تقتضيها الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة - يكون قد انتقص من إحدى عناصر تلك
الملكية، بما فرضه من قيود تنال جوهر مقوماتها، من شأنها حرمان أصحابها من تقرير
صور الانتفاع بها واستغلالها، فضلا عما يترتب على ذلك من تصادم المصالح، والمساس
بالتوافق والسلام الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وهو ما يجاوز نطاق السلطة
التقديرية المقررة للمشرع في مجال تنظيم الحقوق، لينحل التنظيم الذي أتى به تقييدا
لها، بما ينال من أصل الحق في الملكية وجوهره، ويهدد التضامن الاجتماعي باعتباره
أحد مقومات المجتمع، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد (8، 33، 35، 92) من الدستور.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ
المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسا لبناء المجتمع وصيانة
وحدته الوطنية، وتأكيدا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق
المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون
تمييز بينهم لأي سبب، وكان مبدأ المساواة أمام القانون - وعلى ما استقر عليه قضاء
هذه المحكمة - لا يعني معاملة المواطنين جميعا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم
التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها
على البعض أم من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية
هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعا معينا عن أهدافها؛
ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها، منطقيا، وليس
واهيا أو واهنا أو منتحلا، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر
دستوريا، كما حرص الدستور في المادة (9) منه على كفالة تكافؤ الفرص بما يستوجبه
ذلك من ترتيب المتزاحمين على الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين على ضوء قواعد
يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها مناطها تلك
العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها، ولا يجوز بالتالي حجبها
عمن يستحقها، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.
وحيث إنه من المقرر - كذلك - في قضاء هذه المحكمة أن العبرة في تقرير
دستورية التشريع هي بتوافق أو تصادم نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر
المشرع حقا معينا، وجب عليه - وفقا لمبدأي المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد
أنزلهما الدستور مكانا عاليا - أن يضع القواعد التي تكفل المعاملة المتكافئة
لأصحاب المراكز القانونية التي تتكافأ في العناصر المكونة لها، مع عدم المساس
بحماية الملكية الخاصة، وسبيله إلى ذلك الأداة التشريعية
الملائمة، وإنفاذها من التاريخ المناسب، فلا يسوغ - من زاوية دستورية
- أن يعطى هذا الحق لفئة دون أخرى من ذوي المراكز المتحدة في أركانها وعناصرها، أو
أن يعتدي على الملكية الخاصة، فالدستور يسمو ولا يسمى عليه، فإذا كان مقتضاه فتح
باب إلى حق، امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الآخر، إذ
كان ذلك، وكان جميع مؤجري الأماكن لاستعمالها في غير غرض السكني، في علاقاتهم
بمستأجريها، في خصوص الامتداد القانوني لمدة عقد الإيجار، تتكافأ مراكزهم
القانونية، مما يستوجب - من زاوية دستورية - وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي
تطبيقها في حقهم. إلا أن المشرع - بموجب النص المطعون فيه - قد خالف ذلك، إذ اختص
فئة المؤجرين لهذه الأماكن لأشخاص اعتبارية، بمعاملة أدنى من قرنائهم المؤجرين لها
لأشخاص طبيعيين، بأن حرم الفئة الأولى، من استرداد العين المؤجرة ما بقى الشخص
الاعتباري قائما عليها، سواء كان المستأجر شخصا اعتباريا عاما أم خاصا. حال أن
الفئة الثانية من المؤجرين سترد إليهم العين المؤجرة بعد وفاة المستأجر الأصلي، أو
انتهاء امتداد العقد، لمرة واحدة للفئات التي حددها المشرع من ورثته الذين
يستعملون العين المؤجرة في النشاط ذاته الذي كان يمارسه طبقا للعقد، على نحو ما
نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه
بعد استبدالها بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997، وهذا التمييز في
المعاملة بين طائفتي المؤجرين لأماكن لاستعمالها في غير غرض السكني، بحسب ما إذا
كان المستأجر شخصا اعتباريا أو شخصا طبيعيا، رغم تكافؤ مراكزهم القانونية،
باعتبارهم جميعا مؤجرين لأماكن مخصصة لغير أغراض السكني، مما كان يوجب أن تنتظمهم
جميعا قواعد قانونية واحدة، لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بينهم من أي نوع، ومن
ثم، فإن إقامة النص المطعون فيه هذا التمييز التحكمي بين هاتين الطائفتين من
المؤجرين في هذا الخصوص، وبالنظر لكونه يعد الوسيلة التي أختارها المشرع لتنظيم
العلاقة بين مؤجري ومستأجري هذه الأماكن، والتي لا ترتبط ارتباطا منطقيا وعقليا
بالأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، فإنه يكون مصادما لمبدأي المساواة وتكافؤ
الفرص، ويقع - من ثم - في حومة مخالفة نصوص المواد (4، 9، 53) من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده
- يكون مخالفا للمواد (4، 8، 9، 33، 35، 53، 54، 92) من الدستور.
وحيث إنه عن طلب الحكم بسقوط نص المادتين الأولى والثانية من القانون
رقم 6 لسنة 1997 المشار إليه، لارتباطهما بنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة
1981، فيما لم تتضمناه من النص على تحديد أو تقييد الامتداد القانوني لمدة عقد
الإيجار الصادر للمستأجر إذا كان شخصا اعتباريا، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة
أن طلب السقوط لا يعتبر طلبا جديدا منبت الصلة بما دفع به أمام محكمة الموضوع،
وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التي تملكها المحكمة الدستورية العليا فيما
لو قضت بعدم دستورية نص معين، ورتبت السقوط للمواد الأخرى المرتبطة به ارتباطا لا
يقبل التجزئة، وهو أمر تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها حتى ولو لم يطلبه الخصوم.
إذ كان ذلك، وكان النص المقضي بعدم دستوريته في هذه الدعوى - في النطاق السالف
تحديده، وبقدر انعكاسه على النزاع المردد أمام محكمة الموضوع - ينصرف إلى ما تضمنه
ذلك النص من إطلاق عبارته لتشمل أمتدادا قانونيا لمدد عقود إيجار الأماكن المؤجرة
لأشخاص اعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكني، حال أن نص المادتين الأولى
والثانية من القانون رقم 6 لسنة 1997 المشار إليه تتناولان مسألة الامتداد
القانوني لمدة عقد إيجار تلك الأماكن، المؤجرة لأشخاص طبيعيين، لفريق من ورثة
المستأجر الأصلي، وفقا للضوابط والشروط الواردة في ذلك القانون، فإن مؤدى ذلك، عدم
وجود محل لإعمال أحكام هذين النصين على وقائع النزاع الموضوعي، لعدم ارتباط
أحكامهما بالنص المقضي بعدم دستوريته في الدعوى المعروضة، ومن ثم لا يكون هناك محل
للقضاء بسقوطهما تبعا لهذا القضاء.
وحيث إن هذه المحكمة تقديرا منها لاتصال النص المطعون فيه بنشاط
الأشخاص الاعتبارية، وتأثيره على أداء هذه الأشخاص لدورها في خدمة المجتمع،
والاقتصاد الوطني، فإن المحكمة تعمل الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من
المادة (49) من قانونها، وتحدد لإعمال أثر هذا الحكم اليوم التالي لانتهاء دور
الانعقاد التشريعي العادي السنوي لمجلس النواب، التالي لتاريخ نشر هذا الحكم في
الجريدة الرسمية طبقا لنص المادة (195) من الدستور، والمادة (49) من قانون هذه
المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وهو الدور الذي سيعقد خلال عام (2018/
2019) طبقا لنص المادة (115) من الدستور، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي - في
الدعوى المعروضة - من هذا الحكم.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولا: بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم
136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين
المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء
المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، ...، لتشمل عقود إيجار الأماكن
المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى.
وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ثانيا: بتحديد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي
السنوي لمجلس النواب اللاحق لنشر هذا الحكم تاريخا لإعمال أثره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق