الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 26 يونيو 2024

الطعن 8050 لسنة 87 ق جلسة 12 / 2 / 2018 مكتب فني 69 ق 26 ص 191

جلسة 12 من فبراير سنة 2018

برئاسة السيد القاضي / ممدوح يوسف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد خالد ، يحيى منصور، أيمن الصاوي ومحمود عاكف نواب رئيس المحكمة .

-----------------

(26)

الطعن رقم 8050 لسنة 87 القضائية

(1) قتل عمد . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

قصد القتل . أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر . إدراكه بالظروف المحيطة والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه . استخلاص توافره . موضوعي .

مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل .

(2) سبق إصرار . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر سبق الإصرار " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

سبق الإصرار . حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني . تقدير توافرها . موضوعي . حد ذلك ؟

مثال لتدليل سائغ على توافر ظرف سبق الإصرار في جريمة قتل عمد .

(3) شريعة إسلامية . قتل عمد . عقوبة " تطبيقها " .

التعزير . عقوبة بديلة في القتل العمد كلما امتنع القصاص أو سقط عنه لسبب من الأسباب .

ليس في الشريعة ما يمنع أن تكون عقوبة التعزير في جريمة القتل الإعدام أو الحبس مدى الحياة . النعي على الحكم استناده إلى رأي فضيلة مفتي الجمهورية الذي التفت عن دلالة تنازل والد المجني عليه عن دعواه المدنية . غير مقبول .

(4) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

إيراد الحكم المطعون فيه مؤدى أقوال الشاهد في بيان واف . لا قصور .

(5) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

منازعة الطاعن في القوة التدليلية لتحريات الشرطة لتناقضها مع أقوال الشاهد . جدل

موضوعي في تقدير الدليل . غير مقبول أمام محكمة النقض .

تقدير جدية التحريات . موضوعي .

لمحكمة الموضوع أن تعول على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة .

(6) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

مثال لإيراد سائغ لاعتراف المتهم بما يحقق مراد الشارع وفقاً للمادة 310 إجراءات جنائية .

(7) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " . دفوع " الدفع ببطلان الاعتراف " .

تقدير الاعتراف في المسائل الجنائية . موضوعي . للمحكمة الأخذ به متى اطمأنت لصحته .

مثال سائغ لاطراح الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير الإكراه .

(8) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

النعي على الحكم عدم إيراد مضمون الاتصالات بين المتهم والمجني عليه التي لم يعول عليها في الإدانة . غير مقبول .

(9) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

منازعة الطاعن في زمان ومكان الحادث . موضوعي . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم . إثارة قالة التناقض بينهما واعتراف الطاعن لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . علة ذلك ؟

(10) إثبات " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه . لا ينال من سلامة الحكم . حد ذلك ؟

مثال .

(11) دعوى مدنية . نقض " المصلحة في الطعن " " ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام " .

نعي الطاعن على الحكم إحالته الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة رغم تنازل المدعي المدني عنها . غير جائز ولا مصلحة له فيه . علة ذلك ؟

(12) إعدام . نيابة عامة . محكمة النقض " سلطتها " .

اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها بالإعدام بمجرد عرضها عليها دون التقيد بالرأي الذي ضمنته النيابة العامة مذكرتها . أساس وأثر ذلك ؟

(13) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " .

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .

دفاع الطاعن بأن للواقعة صورة أخرى . موضوعي . استخلاص الحكم في تدليل سائغ اقترافه الجريمة المسندة إليه . كفايته .

(14) رابطة السببية . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

استظهار الحكم قيام علاقة السببية بين إصابات المجني عليه ووفاته نقلاً من تقرير الصفة التشريحية . لا قصور .

(15) إثبات " اعتراف " " خبرة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

نعي الطاعن على الحكم بالتناقض بين اعترافه والدليل الفني دون الإفصاح عن ماهيته وخلو الحكم منه . غير مقبول .

تطابق اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني . غير لازم . كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق .

متابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة . غير لازم . استفادة الرد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .

(16) أسباب الإباحة وموانع العقاب " الدفاع الشرعي " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام الدفاع الشرعي . موضوعي .

إثبات الحكم التدبير للجريمة بتوافر سبق الإصرار أو التحيل لارتكابها . ينفي موجب الدفاع الشرعي . علة ذلك ؟

مثال .

(17) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

مثال لرد سائغ لاطراح دفاع الطاعن بعدم قيام المعمل الجنائي بفحص الأدوات المرسلة له والمستخدمة في الحادث .

(18) إعدام . حكم " بيانات حكم الإدانة " .

حكم الإعدام . ما يلزم من تسبيب لإقراره ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من أوراق الدعوى وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعن بقوله : " وحيث إنه عن نية القتل فقد قامت بنفس المتهم وتوافرت في حقه من حاصل ما طرحته المحكمة من ظروف الدعوى المتمثلة من مهاتفة المتهم للمجني عليه ليلة الحادث ويومه وطلب منه الحضور للأرض الزراعية ملك والده لمساعدته نظير مبلغ مالي مغر وعندما حضر المجنى عليه عاتبه المتهم لاعتقاده أن المجني عليه هو وراء فسخ خطوبته من إحدى فتيات القرية مما أثار حفيظته وأثار فيه دوافع العدوان والرغبة في الانتقام من المجني عليه كما نهضت هذه النية وتوافرت لديه من استعماله آلة ثقيلة راضية وحادة - فأس - من شأنها إحداث الوفاة وتسديد ضربات بقوة وعنف في الرأس والقدم اليسرى وهي مواضع قاتلة بجسم المجني عليه وتعددت هذه الضربات عن قصد منه قتله وإزهاق روحه ولم يكف عن الاعتداء إلا بعد أن استوثق بأنه أصبح جثة هامدة فكان له أن أحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نتج عنها كسور بالجمجمة ونزيف بالمخ انتهى بالوفاة .... " وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان ما أورده الحكم فيما سلف كافياً في استظهار نية القتل ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد .

2- من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن في قوله : " .... وكانت ظروف الدعوى وملابساتها ترشح للقول بتوافره في حق المتهم كظرف مشدد - وآية ذلك - أن المتهم خطط لفعلته تخطيطاً محكماً بأن أعد حفرة بالأرض المملوكة لوالده وفأس لقتله بها ودفنه بالحفرة في منتصف الأرض وليلة الحادث اتصل به هاتفياً بزعم تشغيله معه بالأرض لقاء مبلغ مالي مغر يوم .... الموافق .... وصباح هذا اليوم اتصل به مرتين وعندما تأكد من حضوره اتصل بأحد جيرانه بالأرض حتى يتأكد من خلو الأرض المجاورة له من المارة وقت حضور المجني عليه وقتله ولم يره أحد واستدرجه إلى داخل الأرض وحين الوقت المناسب انقض على المجنى عليه وضربه بالفأس على رأسه عدة ضربات متتالية وأخرى على ساقه اليسرى وسحبه للحفرة وهال عليه التراب بعد التأكد من وفاته وانصرف المتهم إلى منزله وعاود نشاطه اليومي المعتاد مما يقطع بأن المتهم كان في حالة هدوء نفسي وتروى وقد استغرق فترة من الزمان كفيلة بإعمال العقل والتفكير والعدول إن أراد ذلك ولكنه استمر في غيه وحتى النهاية مما يقطع بتوافر سبق الإصرار في حقه " فإن الحكم يكون قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار بما ينتجه ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن ولا محل له .

3- لما كان التعزير عقوبة بديلة في القتل العمد ويوجب الإمام مالك أن يعاقب القاتل تعزيراً كلما امتنع القصاص أو سقط عنه لسبب من الأسباب فيما عدا سقوطه بالموت طبعاً وسواء بقيت الدية أم سقطت هي الأخرى ، ويرى أن تكون العقوبة الحبس لمدة سنة والجلد مائة جلدة ، ولا يرى باقي الأئمة هذا ويقولون : إن هذا حق الله تعالى أي حق للجماعة بعد سقوط القصاص وهي تأديب للقاتل يرجع نفعه للناس كافة ونقل ابن رشد عن أبي ثور أن القاتل إذا كان معروفاً بالشر وسقط القصاص عنه بسبب عفو ولي الدم فإن الإمام يؤدبه على قدر ما يرى ، والأئمة الثلاثة لا يوجبون عقوبة معينة على القاتل إذا سقط القصاص أو عفي عنه ولكن ليس عندهم ما يمنع من عقاب القاتل عقوبة تعزيرية بالقدر الذي تراه الهيئة التشريعية صالحاً لتأديبه وزجر غيره . وإذ كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس في الشريعة ما يمنع أن تكون عقوبة التعزير في جريمة القتل الإعدام أو الحبس مدى الحياة ، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد .

4- لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال الشاهد الأول - والد المجني عليه - التي كانت من بين الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيان وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب .

5- لما كان ما يثيره الطاعن من منازعة في القوة التدليلية لتحريات الشرطة لتناقضها مع أقوال والد المجنى عليه ، وعدم سؤال مجريها لخطيبة الطاعن السابقة ، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي تخضع لإشراف محكمة الموضوع ، وأن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، وكانت المحكمة قد أبدت اطمئنانها إلى تحريات الشرطة بجانب ما ساقته من أدلة أساسية في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول .

6- لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين كيفية اقتراف الطاعن للجريمة على وجه مفصل حصل اعتراف الطاعن في قوله : " .... وأضاف بأنه اعتدى على المجني عليه بالفأس عقب محاولة الأخير التعدي عليه بسكين كان معه عندما نهره وطلب منه الابتعاد عن خطيبته السابقة .... وأنه لم يقصد قتله وأنه كان يدافع عن نفسه " فإن ما أورده الحكم فيما سلف بالنسبة لاعتراف الطاعن يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة بما تنحسر به عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في هذا الصدد .

7- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن ببطلان اعترافه لكونه وليد إكراه واطرحه في قوله : " .... وكان المتهم قد جاء اعترافه بتحقيقات النيابة العامة مفصلة وصدرت منه طواعية واختياراً وهو في كامل وعيه بإدراك تام كما جاء اعترافه مطابق للواقع في أدق تفاصيله وقد أدلى بهذا الاعتراف بعد ارتكابه للحادث بفسحة من الوقت حتى ارتاح نفسياً وفي حضور محاميه الحاضر معه التحقيقات ومن ثم يكون الاعتراف الصادر منه قد جاء سليماً وصحيحاً .... " وهو رد سائغ وكافٍ في مجموعه في اطراح هذا الدفع على الصورة التي أبدي بها ، لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها ، وإذ كانت المحكمة مما أوردته - فيما سلف - قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف المتهم إنما كان عن طواعية واختيار ولم يكن نتيجة إكراه ، واقتنعت بصحته ، فإن رد المحكمة على ما دفع به المدافع عن المتهم في هذا الشأن يكون كافياً وسائغاً بما لا شائبة معه تشوب الحكم ، ويكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول .

8- لما كان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال الرائد / .... وما ورد بها من وجود اتصالات بين المتهم والمجنى عليه ، ولم يعول في ذلك على مضمون تلك الاتصالات بصفة أساسية ، فإن النعي على الحكم عدم إيراده مضمونها ومدى اتصالها بالواقعة يكون غير سديد .

9- لما كان ما قام عليه دفاع الطاعن من منازعة في زمان ومكان الحادث ، لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ولا يخرج عن أن يكون في حقيقته سوى محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان يبين من محاضر جلسات المرافعة والتي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن بشأن قالة التناقض بين زمان ومكان الواقعة والاعتراف المنسوب صدوره للطاعن ، ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة ، ذلك لأنه دفاع موضوعي ولا يقبل منه النعي على المحكمة بإغفالها الرد عليه ما دام أنه لم يتمسك به أمامها .

10- لما كان الحكم قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجنى عليه قوله : " .... أن كل من الإصابات الموصوفة بالرأس وأسفل الساق اليسرى حيوية معاصرة لتاريخ الواقعة تحدث من التعدي عليه بجسم أو أجسام صلبة ذات ثقل ويجوز حدوثها من مثل الفأس المضبوطة وعلى النحو الذي قرر به المتهم بالتحقيقات وتعزى وفاة المجني عليه إلى إصاباته الرضية المعاصرة لتاريخ الواقعة والموصوفة بالرأس لما أحدثته من كسور ونزيف انتهى بالوفاة وأن إصاباته لكل من البطن وأعلى ومنتصف العانة إصابات طعنية نافذة غير حيوية " أي أنها حدثت بعد الوفاة " ويجوز حدوث تلك الإصابات من قبل السكين والسيخ الحديدي المرسلين المضبوطين وعلى النحو الذي قرر به المتهم بالتحقيقات " وكان ما أورده الحكم نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية كافياً في بيان مضمونه ولتحقيق المواءمة بينه وبين باقي الأدلة المطروحة في الدعوى ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم عدم إيراده مضمون هذا التقرير لا يكون مقبولاً ، لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه .

11- لما كان الحكم لم يفصل في الدعوى المدنية ، بل تخلى عنها بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة بالفصل فيها عملاً بالمادة ۳۰۹ من قانون الإجراءات الجنائية ، فإن منعى الطاعن على الحكم إحالته الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة رغم تنازل المدعى بالحقوق المدنية عنها ، يكون مردوداً بأنه فضلاً عن عدم جوازه لأن ما قضى به غير منه للخصومة في هذه الدعوى ، فمصلحته فيه منعدمة إذ إن الحكم لم يفصل في تلك الدعوى أصلاً ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .

12- لما كانت النيابة العامة ، عملاً بالمادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 عرضت القضية على هذه المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم بإعدام الطاعن ، مما تتصل معه محكمة النقض بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتستبين - من تلقاء نفسها غير مقيدة بالرأي الذي تبديه النيابة العامة في مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب ، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية .

13- من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وإذ كان الحكم المعروض قد استخلص في تدليل سائغ ومنطق مقبول من وقائع الدعوى وأدلة الثبوت فيها أن المتهم اقترف الجريمة المسندة إليه ، فإن ما أثاره الدفاع بمحضر جلسة المحاكمة من أن للواقعة صورة أخرى ، لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً ، مما يكفي في الرد عليه ما أوردته المحكمة تدليلاً على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها واستقرت في وجدانها .

14- لما كان الحكم المعروض قد استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي أوردها تفصيلاً عن تقرير الصفة التشريحية وبين وفاته من واقع ذلك التقرير أن وفاة المجني عليه تعزى إلى إصاباته الرضية المعاصرة لتاريخ الواقعة والموصوفة بالرأس لما أحدثته من كسور ونزيف انتهى بالوفاة ، فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في هذا الشأن .

15- لما كان دفاع المحكوم عليه لم يفصح عن ماهية التناقض الذي يشير إليه في محضر جلسة المحاكمة بين اعترافه والدليل الفني ، وكانت أسباب الحكم قد خلت من التناقض الذي يعيبه ، فإن ما يثيره في هذا الشأن يضحى على غير أساس . فضلاً عن ذلك ، فإنه لما كان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق ، ولما كانت أقوال المحكوم عليه كما أوردها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الفني ، وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني ، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن المحكوم عليه من وجود تناقض بين الدليلين ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع ، إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .

16- لما كان تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيها من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ، ولما كان ما أثبته الحكم من تلك الوقائع مؤدياً إلى النتيجة التي استخلصها من أن المحكوم عليه لم يكن في حالة دفاع شرعي عن النفس وأنه كان البادئ بالعدوان ، فإن ما أثاره المحكوم عليه في هذا الشأن يكون لا محل له ، هذا فضلاً عن أنه لما كان المقرر في صحيح القانون أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار عليها أو التحيل لارتكابها انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه ، وهو ما أثبته الحكم المعروض في قوله وبما أن المحكمة قد اطمأن وجدانها إلى ما تقدم وقد ثبت لديها الإصرار السابق من المتهم على قتل المجني عليه ، فإن حالة الدفاع الشرعي تكون قد انتفت من الوقائع وانتفی موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً على عدوان ولم يشرع للانتقام من الغرماء بل يكفي الاعتداء ، ولما كان ما ساقه الحكم من أدلة منتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه من رفض الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي ، فإن الحكم يكون قد برئ من أي شائبة في هذا الخصوص .

17- لما كان الحكم قد عرض لما أثاره الدفاع من عدم قيام المعمل الجنائي بفحص الأدوات المرسلة إليه والمستخدمة في الحادث بقوله : " وحيث إنه عما أثاره من عدم قيام المعمل بفحص الأدوات ... فالثابت من تقرير الصفة التشريحية المرفق بالأوراق بالبند خامساً (فحص الأحراز) أن الأحراز قد فحصت تفصيلاً كما ورد بالتقرير ولم يبين الدفاع مطلبه ماهية فحص تلك الأدوات وهذا لا يؤثر في اطمئنان المحكمة لثبوت التهمة في حق المتهم " وهو رد من الحكم سائغ وكافٍ ، فإن ما أثير في هذا الصدد يكون لا محل له.

18- لما كان البين إعمالاً لنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن الحكم المعروض قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان المحكوم عليه بالإعدام بها ، وساق عليها أدلة سائغة مردودة إلى أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وقد صدر الحكم بالإعدام بإجماع آراء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية وفقاً للمادة 381/2 من قانون الإجراءات الجنائية ، كما جاء الحكم خلواً من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وقد صدر من محكمة مشكلة وفق القانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يغير ما انتهى إليه هذا الحكم ، ومن ثم يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه .....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه : 1- قتل المجنى عليه .... عمداً مع سبق الإصرار ، بأن بيت النية وعقد العزم على الخلاص منه ، وأعد لذلك الغرض أداة مما تستخدم في الاعتداء على الآخرين (فأس) واستدرجه هاتفياً للأرض ملك والده بزعم تشغيله بها ، وما إن ظفر به حتى عاجله بعدة ضربات بالأداة حوزته والمعدة سلفاً لهذا الغرض بالرأس والقدم قاصداً من ذلك إزهاق روحه وأحدث به إصابته الواردة بتقرير الصفة التشريحية المرفق بالأوراق والتي أودت بحياته وما أن برز له جثمان المجني عليه في اليوم التالي منتفخاً وشاهداً على جريمته فأبى الشيطان إلا أن يواريه الثرى مرة أخرى فأغوز بطنه بسيخ حديدي وسكين مزيلاً ذلك الانتفاخ وأعاد الجثمان مرة أخرى لمكانه محاولاً إخفاء أثر الجثمان محدثاً بها الإصابات الواردة بتقرير الصفة التشريحية سالف البيان وذلك على النحو الوارد بالتحقيقات . 2- أحرز بغير مسوغ من الضرورة الحرفية أو الشخصية سلاحاً أبيض وأداة مما تستخدم في الاعتداء على الآخرين ( فأس - سیخ - سكين ) والمستخدمين في الجريمة موضوع الاتهام الأول وذلك على النحو الوارد بالتحقيقات .

وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قررت بجلسة .... وبإجماع الآراء بإحالة أوراق الدعوى إلى السيد مفتي جمهورية مصر العربية لإبداء الرأي بشأن المتهم وحددت جلسة .... للنطق بالحكم وبالجلسة المحددة قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمواد ۲۳۰ و ۲۳۱ من قانون العقوبات ، والمادتين ۱/۱ و 25 مكرراً/۱ و 30 /1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل ، والبندين رقمي 6 ، 7 من الجدول رقم (1) المرفق بالقانون المذكور ، مع إعمال المادة ۳۲ من قانون العقوبات ، بمعاقبة .... بالإعدام ومصادرة المضبوطات وألزمته المصاريف الجنائية وأمرت بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة بلا مصروفات .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ، كما عرضت النيابة العامة القضية على المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها .... إلخ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار وحيازة سلاح أبيض وأداة مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص بغير مسوغ من الضرورة الحرفية ، شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في تطبيق القانون ، ذلك بأنه لم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار في حق الطاعن ، واستند إلى رأي فضيلة مفتي الجمهورية الذي خلص إلى أنه لا توجد بالأوراق شبهة تدرأ القصاص ملتفتاً عن دلالة تنازل والد المجنى عليه عن دعواه المدنية ، وعول الحكم في إدانته على أقوال والد المجنى عليه دون إيراد مضمونها ، كما أخذ بتحريات الشرطة رغم تناقضها وأقوال سالف الذكر ، واطرح بما لا يسوغ دفع الطاعن بعدم جديتها ، وارتكن الحكم إلى اعتراف الطاعن دون إيراد مضمونه كاملاً ورغم أن الثابت منه انتفاء نية القتل لديه واطرح الدفع ببطلانه لصدوره تحت تأثير الإكراه بما لا يصلح رداً ، وتساند في إدانته إلى اتصالات هاتفية جرت بينه وبين المجنى عليه دون بيان مضمونها وصلتها بالواقعة ، والتفتت المحكمة عن دفاع الطاعن القائم على منازعته في زمان ومكان الواقعة وتعارضهما مع الاعتراف المنسوب صدوره إليه ، واكتفى الحكم بإيراد نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون بيان إصابات المجني عليه ووصفها وكيفية حدوثها ، وأخيراً قضى بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة رغم تنازل المدعى بالحقوق المدنية عنها ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من أوراق الدعوى وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعن بقوله : " وحيث إنه عن نية القتل فقد قامت بنفس المتهم وتوافرت في حقه من حاصل ما طرحته المحكمة من ظروف الدعوى المتمثلة من مهاتفة المتهم للمجني عليه ليلة الحادث ويومه وطلب منه الحضور للأرض الزراعية ملك والده لمساعدته نظير مبلغ مالي مغر وعندما حضر المجنى عليه عاتبه المتهم لاعتقاده أن المجني عليه هو وراء فسخ خطوبته من إحدى فتيات القرية مما أثار حفيظته وأثار فيه دوافع العدوان والرغبة في الانتقام من المجني عليه كما نهضت هذه النية وتوافرت لديه من استعماله آلة ثقيلة راضية وحادة - فأس - من شأنها إحداث الوفاة وتسديد ضربات بقوة وعنف في الرأس والقدم اليسرى وهي مواضع قاتلة بجسم المجني عليه وتعددت هذه الضربات عن قصد منه قتله وإزهاق روحه ولم يكف عن الاعتداء إلا بعد أن استوثق بأنه أصبح جثة هامدة فكان له أن أحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نتج عنها كسور بالجمجمة ونزيف بالمخ انتهى بالوفاة .... " وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان ما أورده الحكم فيما سلف كافياً في استظهار نية القتل ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن في قوله : " .... وكانت ظروف الدعوى وملابساتها ترشح للقول بتوافره في حق المتهم كظرف مشدد - وآية ذلك - أن المتهم خطط لفعلته تخطيطاً محكماً بأن أعد حفرة بالأرض المملوكة لوالده وفأس لقتله بها ودفنه بالحفرة في منتصف الأرض وليلة الحادث اتصل به هاتفياً بزعم تشغيله معه بالأرض لقاء مبلغ مالي مغر يوم .... الموافق .... وصباح هذا اليوم اتصل به مرتين وعندما تأكد من حضوره اتصل بأحد جيرانه بالأرض حتى يتأكد من خلو الأرض المجاورة له من المارة وقت حضور المجني عليه وقتله ولم يره أحد واستدرجه إلى داخل الأرض وحين الوقت المناسب انقض على المجنى عليه وضربه بالفأس على رأسه عدة ضربات متتالية وأخرى على ساقه اليسرى وسحبه للحفرة وهال عليه التراب بعد التأكد من وفاته وانصرف المتهم إلى منزله وعاود نشاطه اليومي المعتاد مما يقطع بأن المتهم كان في حالة هدوء نفسي وتروى وقد استغرق فترة من الزمان كفيلة بإعمال العقل والتفكير والعدول إن أراد ذلك ولكنه استمر في غيه وحتى النهاية مما يقطع بتوافر سبق الإصرار في حقه " فإن الحكم يكون قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار بما ينتجه ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن لا محل له . لما كان ذلك ، وكان التعزير عقوبة بديلة في القتل العمد ويوجب الإمام مالك أن يعاقب القاتل تعزيراً كلما امتنع القصاص أو سقط عنه لسبب من الأسباب فيما عدا سقوطه بالموت طبعاً وسواء بقيت الدية أم سقطت هي الأخرى ، ويرى أن تكون العقوبة الحبس لمدة سنة والجلد مائة جلدة ، ولا يرى باقي الأئمة هذا ويقولون : إن هذا حق الله تعالى أي حق للجماعة بعد سقوط القصاص وهي تأديب للقاتل يرجع نفعه للناس كافة ونقل ابن رشد عن أبي ثور أن القاتل إذا كان معروفاً بالشر وسقط القصاص عنه بسبب عفو ولي الدم فإن الإمام يؤدبه على قدر ما يرى ، والأئمة الثلاثة لا يوجبون عقوبة معينة على القاتل إذا سقط القصاص أو عفي عنه ولكن ليس عندهم ما يمنع من عقاب القاتل عقوبة تعزيرية بالقدر الذي تراه الهيئة التشريعية صالحاً لتأديبه وزجر غيره . وإذ كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس في الشريعة ما يمنع أن تكون عقوبة التعزير في جريمة القتل الإعدام أو الحبس مدى الحياة ، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال الشاهد الأول - والد المجني عليه - التي كانت من بين الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيان وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من منازعة في القوة التدليلية لتحريات الشرطة لتناقضها مع أقوال والد المجنى عليه ، وعدم سؤال مجريها لخطيبة الطاعن السابقة ، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي تخضع لإشراف محكمة الموضوع ، وأن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، وكانت المحكمة قد أبدت اطمئنانها إلى تحريات الشرطة بجانب ما ساقته من أدلة أساسية في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين كيفية اقتراف الطاعن للجريمة على وجه مفصل حصل اعتراف الطاعن في قوله : " .... وأضاف بأنه اعتدى على المجني عليه بالفأس عقب محاولة الأخير التعدي عليه بسكين كان معه عندما نهره وطلب منه الابتعاد عن خطيبته السابقة .... وأنه لم يقصد قتله وأنه كان يدافع عن نفسه " فإن ما أورده الحكم فيما سلف بالنسبة لاعتراف الطاعن يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة بما تنحسر به عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في هذا الصدد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن ببطلان اعترافه لكونه وليد إكراه واطرحه في قوله : " .... وكان المتهم قد جاء اعترافه بتحقيقات النيابة العامة مفصلة وصدرت منه طواعية واختياراً وهو في كامل وعيه بإدراك تام كما جاء اعترافه مطابق للواقع في أدق تفاصيله وقد أدلى بهذا الاعتراف بعد ارتكابه للحادث بفسحة من الوقت حتى ارتاح نفسياً وفي حضور محاميه الحاضر معه التحقيقات ومن ثم يكون الاعتراف الصادر منه قد جاء سليماً وصحيحاً .... " وهو رد سائغ وكافٍ في مجموعه في اطراح هذا الدفع على الصورة التي أبدي بها ، لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها ، وإذ كانت المحكمة مما أوردته - فيما سلف - قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف المتهم إنما كان عن طواعية واختيار ولم يكن نتيجة إكراه ، واقتنعت بصحته ، فإن رد المحكمة على ما دفع به المدافع عن المتهم في هذا الشأن يكون كافياً وسائغاً بما لا شائبة معه تشوب الحكم ، ويكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال الرائد / .... وما ورد بها من وجود اتصالات بين المتهم والمجنى عليه ، ولم يعول في ذلك على مضمون تلك الاتصالات بصفة أساسية ، فإن النعي على الحكم عدم إيراده مضمونها ومدى اتصالها بالواقعة يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما قام عليه دفاع الطاعن من منازعة في زمان ومكان الحادث ، لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ولا يخرج عن أن يكون في حقيقته سوى محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان يبين من محاضر جلسات المرافعة والتي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن بــــشأن قالة التناقض بين زمان ومكان الواقعة والاعتراف المنسوب صدوره للطاعن ، ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة ، ذلك لأنه دفاع موضوعي ولا يقبل منه النعي على المحكمة بإغفالها الرد عليه ما دام أنه لم يتمسك به أمامها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجنى عليه قوله : " .... أن كل من الإصابات الموصوفة بالرأس وأسفل الساق اليسرى حيوية معاصرة لتاريخ الواقعة تحدث من التعدي عليه بجسم أو أجسام صلبة ذات ثقل ويجوز حدوثها من مثل الفأس المضبوطة وعلى النحو الذي قرر به المتهم بالتحقيقات وتعزى وفاة المجني عليه إلى إصاباته الرضية المعاصرة لتاريخ الواقعة والموصوفة بالرأس لما أحدثته من كسور ونزيف انتهى بالوفاة وأن إصاباته لكل من البطن وأعلى ومنتصف العانة إصابات طعنية نافذة غير حيوية " أي أنها حدثت بعد الوفاة " ويجوز حدوث تلك الإصابات من قبل السكين والسيخ الحديدي المرسلين المضبوطين وعلى النحو الذي قرر به المتهم بالتحقيقات " وكان ما أورده الحكم نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية كافياً في بيان مضمونه ولتحقيق المواءمة بينه وبين باقي الأدلة المطروحة في الدعوى ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم عدم إيراده مضمون هذا التقرير لا يكون مقبولاً ، لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه . لما كان ذلك ، وكان الحكم لم يفصل في الدعوى المدنية ، بل تخلى عنها بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة بالفصل فيها عملاً بالمادة ۳۰۹ من قانون الإجراءات الجنائية ، فإن منعى الطاعن على الحكم إحالته الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة رغم تنازل المدعى بالحقوق المدنية عنها ، يكون مردوداً بأنه فضلاً عن عدم جوازه لأن ما قضى به غير منه للخصومة في هذه الدعوى ، فمصلحته فيه منعدمة إذ إن الحكم لم يفصل في تلك الدعوى أصلاً ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

ومن حيث إن النيابة العامة ، عملاً بالمادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 عرضت القضية على هذه المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم بإعدام الطاعن ، مما تتصل معه محكمة النقض بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتستبين - من تلقاء نفسها غير مقيدة بالرأي الذي تبديه النيابة العامة في مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب ، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية .

وحيث إنه لما كان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وإذ كان الحكم المعروض قد استخلص في تدليل سائغ ومنطق مقبول من وقائع الدعوى وأدلة الثبوت فيها أن المتهم اقترف الجريمة المسندة إليه ، فإن ما أثاره الدفاع بمحضر جلسة المحاكمة من أن للواقعة صورة أخرى ، لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً ، مما يكفي في الرد عليه ما أوردته المحكمة تدليلاً على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها واستقرت في وجدانها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المعروض قد استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي أوردها تفصيلاً عن تقرير الصفة التشريحية وبين وفاته من واقع ذلك التقرير أن وفاة المجني عليه تعزى إلى إصاباته الرضية المعاصرة لتاريخ الواقعة والموصوفة بالرأس لما أحدثته من كسور ونزيف انتهى بالوفاة ، فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في هذا الشأن . لما كان ذلك ، وكان دفاع المحكوم عليه لم يفصح عن ماهية التناقض الذي يشير إليه في محضر جلسة المحاكمة بين اعترافه والدليل الفني ، وكانت أسباب الحكم قد خلت من التناقض الذي يعيبه ، فإن ما يثيره في هذا الشأن يضحى على غير أساس . فضلاً عن ذلك ، فإنه لما كان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق ، ولما كانت أقوال المحكوم عليه كما أوردها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الفني ، وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني ، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن المحكوم عليه من وجود تناقض بين الدليلين ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع ، إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم . لما كان ذلك ، وكان تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيها من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ، ولما كان ما أثبته الحكم من تلك الوقائع مؤدياً إلى النتيجة التي استخلصها من أن المحكوم عليه لم يكن في حالة دفاع شرعي عن النفس وأنه كان البادئ بالعدوان ، فإن ما أثاره المحكوم عليه في هذا الشأن يكون لا محل له ، هذا فضلاً عن أنه لما كان المقرر في صحيح القانون أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار عليها أو التحيل لارتكابها انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه ، وهو ما أثبته الحكم المعروض في قوله وبما أن المحكمة قد اطمأن وجدانها إلى ما تقدم وقد ثبت لديها الإصرار السابق من المتهم على قتل المجني عليه ، فإن حالة الدفاع الشرعي تكون قد انتفت من الوقائع وانتفی موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً على عدوان ولم يشرع للانتقام من الغرماء بل يكفي الاعتداء ، ولما كان ما ساقه الحكم من أدلة منتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه من رفض الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي ، فإن الحكم يكون قد برئ من أي شائبة في هذا الخصوص . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الدفاع من عدم قيام المعمل الجنائي بفحص الأدوات المرسلة إليه والمستخدمة في الحادث بقوله : " وحيث إنه عما أثاره من عدم قيام المعمل بفحص الأدوات ... فالثابت من تقرير الصفة التشريحية المرفق بالأوراق بالبند خامساً ( فحص الأحراز ) أن الأحراز قد فحصت تفصيلاً كما ورد بالتقرير ولم يبين الدفاع مطلبه ماهية فحص تلك الأدوات وهذا لا يؤثر في اطمئنان المحكمة لثبوت التهمة في حق المتهم " وهو رد من الحكم سائغ وكافٍ ، فإن ما أثير في هذا الصدد يكون لا محل له . لما كان ما تقدم ، وكان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن الحكم المعروض قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان المحكوم عليه بالإعدام بها ، وساق عليها أدلة سائغة مردودة إلى أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وقد صدر الحكم بالإعدام بإجماع آراء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية وفقاً للمادة 381/2 من قانون الإجراءات الجنائية ، كما جاء الحكم خلواً من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وقد صدر من محكمة مشكلة وفق القانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يغير ما انتهى إليه هذا الحكم ، ومن ثم يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه .....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق