جلسة 17 من يناير سنة 1963
برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد الحميد السكري، وأميل جبران، ولطفي علي، ومحمد ممتاز نصار.
-----------------
( 14 )
الطعن رقم 269 لسنة 27 القضائية
حكم. "الطعن في الأحكام". "الأحكام المنهية للخصومة". نقض. "الأحكام الجائز الطعن فيها". وكالة. "وكيل بالعمولة".
قضاء الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من عدم قبول الدعوى الموجهة للوكيل بالعمولة من المتعاقدين لرفعها من غير ذي صفة. استناد الحكم المطعون فيه على ما أرتاه من جواز رجوع المتعاقد مع الوكيل بالعمولة الذي أظهر اسم موكله وقت التعاقد بحسب تصوير الحكم الابتدائي لواقع العلاقة بين الطرفين، دون أن يقطع الحكم المطعون فيه بأنها هي العلاقة الحقيقية التي تقوم عليها مسئولية الوكيل بالعمولة في العقد ومع الاحتفاظ له بما تمسك به من انصراف أثر العقد إلى موكله. قضاء الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى على هذا الأساس لا يكون منهياً لخصومة كلها أو بعضها ولا يجوز الطعن فيه استقلالاً.
------------------
إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلغاء الحكم الابتدائي الصادر بعدم قبول الدعوى الموجهة للوكيل بالعمولة لرفعها على غير ذي صفة - وبقبولها استناداً إلى ما أرتاه الحكم من جواز رجوع المتعاقد مع الوكيل بالعمولة الذي أظهر اسم موكله وقت التعاقد على الصور التي صورها الحكم الابتدائي لواقع العلاقة بين طرفي الدعوى دون أن يقطع الحكم المطعون فيه بأنها هي العلاقة الحقيقية التي تقوم عليها مسئولية الطاعن (الوكيل بالعمولة) في العقد مثار النزاع ومع الاحتفاظ له بالدفاع الذي يتمسك به من أن العقد قد قام مباشرة بين المطعون عليه وموكله ولا تنصرف آثاره إلا إليهما، فإن قضاء الحكم المطعون فيه من قبول الدعوى على هذا الأساس لا يكون منهياً للخصومة كلها أو بعضها ومن ثم فلاً يجوز الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 من القانون المدني.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن المطعون عليه أقام على الطاعن الدعوى رقم 733 سنة 1953 تجاري كلي الإسكندرية طالباً إلزامه بأن يؤدي إليه مبلغ 5189 ج والمصروفات، وقال المطعون عليه في بيان دعواه إن الطاعن باعه مائة طن من التفاح الإيطالي المعروف باسم "أبونيرانزا" بمواصفات معينة وبسعر 45 ج للطن الواحد. وقد دفع الثمن كاملاً وقدره 4500 ج لحساب الطاعن المذكور ببنك القاهرة. وعندما وصلت الرسالة الأولى من التفاح المبيع تبين أنها في حالة تلف تام وغير مطابقة للمواصفات وتركت لمصلحة الجمارك لإعدامها على ما هو ثابت بدعوى إثبات الحالة رقم 915 سنة 1953 مستعجل الإسكندرية، ولما وصلت باقي الكمية تبين لخبير دعوى إثبات الحالة أنها مصابة بالعطب ومخالفة للمواصفات المشروطة ويبعث بمبلغ 302 ج، وأضاف المطعون عليه - تقريراً لمسئولية الطاعن عن العقد - بأن الطاعن المذكور كان قد استصدر من المراقبة العامة للاستيراد إذناً باستيراد مائتي طن من نوع التفاح المبيع مما يقطع بأنه كان قد اشترى ذلك المقدار لحسابه الخاص من المورد الإيطالي وهو التاجر بتروكوتشو وإذ كان الطاعن قد تعاقد على جانب من تلك الصفقة مع المطعون عليه فإن العقد الذي تم بينهما يعتبر عقد بيع على استقلال ويكون الطاعن مسئولاً فيه بوصفه بائعاً، وأنه حتى لو فرض الطاعن كان وكيلاً بالعمولة في ذلك العقد فإن الوكيل بالعمولة هو الملزم دون غيره لموكله ولمن يتعامل معه طبقا ًلنص المادة 82 من القانون التجاري وعلى هذه الأسس بني المطعون عليه طلبه بإلزام الطاعن برد الثمن بعد خصم مبلغ 302 ج التي حصلت من بيع الرسالة الثانية بالتعويض الذي قدره بمبلغ 1000 ج وقد دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى الموجهة إليه لرفعها على غير ذي صفة بمقولة إنه إنما يقوم بتمثيل بعض تجار الخارج وبالوساطة بينهم وبين من يرغب في التعاقد معهم من التجار المصريين وقد جرت عادته أن يحصل مقدماً على أذون باستيراد البضائع وإعدادها للتنازل عنها لمن يتعاقد عن طريقه مع تجار الخارج توفيراً للجهد والوقت، وذكر الطاعن أنه حصل في 24 فبراير سنة 1953 على إذن استيراد يسرى لمدة سنة بمقدار مائتي طن من التفاح تستورد من التاجر الإيطالي بتروكوتشو، ثم عرض عليه المطعون عليه رغبته في التعاقد مع التاجر الإيطالي المذكور فقام بدور الوساطة بينهما بطريق المراسلات البرقية حتى تلاقت إرادتهما على القدر المبيع والثمن وطريقة الشحن ومواعيد التسليم، وبعد ذلك اصطحبه المطعون عليه إلى بنك القاهرة حيث تنازل له عن إذن الاستيراد، وفتح المطعون عليه اعتماداً مستندياً لصالح التاجر الإيطالي بمقدار الثمن، وقد حدث أن تأخر البائع في التسليم وهبطت أسعار التفاح في مصر فلجأ المطعون عليه من تلقاء نفسه إلى بنك القاهرة ووسطه بدلاً عن الطاعن في الاتصال بالبائع الإيطالي لقبول مستندات الصفقة مع الخصم 5% من الثمن المتفق عليه وقيد المصاريف على حساب المطعون عليه فوافق البائع على ذلك، وقام بشحن البضاعة CIF تسليم ميناء الإسكندرية إلى المشتري. وبذلك فقد انعقد بين الطرفين بيع جديد بشروط جديدة ولم يكن الطاعن وسيطاً في هذا العقد وبالتالي فلاً يعد مسئولاً عن آثاره. وأنه على فرض أنه لم يحصل عقد بيع جديد وأن البيع الذي تم هو بذاته العقد الذي تداخل فيه الطاعن ابتداء فإن مركز الطاعن فيه انحصر في تلقي العروض من أحد الطرفين وإبلاغها للطرف الأخر والسعي للتقريب بين المتعاقدين وحملهما على التعاقد وبذلك يكون الطاعن مجرد وسيط في عقد البيع الذي ترتب آثاره فيما بين البائع والمشتري مباشرة. بل إنه حتى إذا كان الطاعن قد تعدى حدود الوساطة إلى الوكالة عن التاجر الإيطالي البائع فقد كان يتعامل مع المطعون عليه باسم ذلك التاجر ولحسابه فينصرف أثر العقد إلى الموكل بلا مسئولية على الطاعن عملاً بالمادة 83 من القانون التجاري، وفي 21 فبراير سنة 1955 قضت محكمة الإسكندرية الابتدائية بقبول الدفع وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وأقامت قضاءها بذلك على نظر حاصلة أن الطاعن كان يتعامل في الصفقة مثار النزاع بوصفه وكيلاً بالعمولة وقد أعلن عن أسم موكله وقت التعاقد مع المطعون عليه فتقوم العلاقة مباشرة بين البائع الإيطالي والمطعون عليه ولا حق لأحدهما في الرجوع على الطاعن عملاً بالمادة 83 من القانون التجاري - استأنف المطعون عليه هذا الحكم إلى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 165 سنة 11 ق تجاري - وفي 21 فبراير سنة 1957 قضت هذه المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبقبولها وإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها. فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض، وبعد استيفاء إجراءات الطعن قدمت النيابة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 29 مارس سنة 1961 فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 3 يناير سنة 1963 وفيها صمت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إنه لما كانت المادة 378 من قانون المرافعات تقضي بعدم جواز الطعن في الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من عدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبقبولها على الأسباب التالية: - "وحيث إن مفصل النزاع في القضية ينحصر في نقطة واحدة هي معرفة ما إذا كان الوكيل بالعمولة مسئولاً أمام الغير عن تنفيذ العقد بين هذا الغير والموكل الذي يمثله الوكيل بالعمولة وذلك لأن المستأنف يقول بمسئولية الوكيل بالعمولة ويرتكن على نص المواد 81, 82, 83 تجاري والمستأنف عليه يقول بعدم مسئوليته وأن العقد يعتبر قائماً بين المتعاقدين دون مسئوليته ويجب أن يرجع كل منهما على الآخر بكل الحقوق التي تنشأ عن العقد أو التعويضات التي تنشأ عن عدم تنفيذه. وحيث إنه بالرجوع إلى نص المادة 82 تجاري التي تنص على أن الوكيل بالعمولة هو الملزم دون غيره لموكله ولمن يتعامل معه وله الرجوع على كل واحد منهما بما يخصه من غير أن يكون لأحدهما طلب على الآخر يبين أن الوكيل بالعمولة مسئول أمام موكله كما أنه مسئول أمام الغير الذي يتعاقد مع هذا الموكل. وهو نص صريح في أنه ليس لأحد المتعاقدين الرجوع على الآخر... وهذا هو الأصل الذي وضعه القانون التجاري لتحيد مسئولية الوكيل بالعمولة أمام كل من الموكل والغير. وهناك حالة أخرى أجاز القانون فيها لكل من الغير والموكل الرجوع على من تعاقد معه دون الوكيل بالعمولة وهذه الحالة منصوص عليها في المادة 83 تجاري إذ ورد بها - وإنما إذا عقد الوكيل بالعمولة عقداً باسم موكله وبناء على إذن منه بذلك فلكل من الموكل والمعقود معه إقامة الطلب على الآخر وتراعى فيما لوكيل المذكور من الحقوق وما عليه من الواجبات - القواعد المقررة للتوكيل فقط - وهذا النص وإن كان صريحاً في جواز رجوع أحد المتعاقدين على الآخر إلا أنه لا يؤثر على القاعدة الأصلية الواردة في المادة 82 تجاري لأنه بتفسير المادتين 82، 83 تجاري معاً يبين أن القاعدة الأصلية هي رجوع كل من المتعاقدين على الوكيل بالعمولة وجواز الرجوع على الوكيل بالعمولة في الحالة الواردة في المادة 83 تجاري ومن ثم يكون للغير طبقاً للمادتين المذكورتين أن يرجع على الوكيل بالعمولة وهذا هو الأصل كما أن له أن يتنازل عن الحق قبل الوكيل بالعمولة ويرجع على الموكل بصفة جوازية في الحالة المنصوص عليها في المادة 83 وما دام تفسير النصين المذكورين يعطي الحق للغير إما في الرجوع على الوكيل بالعمولة أو على الموكل فليس للوكيل بالعمولة أن يدفع قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وتكون محكمة أول درجة عندما قضت بذلك قد خالفت القانون ولم يصادفها التوفيق فيما ذهبت إليه" وبعد أن استدل الحكم بأقوال بعض الشراح انتهى إلى القول بأنه" في النزاع الذي يكون الوكيل بالعمولة ملزماً بشخصه واقتضى الأمر رجوع الغير عليه مباشرة دون الرجوع على الموكل تطبيقاً للمادة 82 تجاري فلا شيء يمنع من إدخال موكله بصفته ضامن في الدعوى وهذا ما فعله المستأنف عليه إذ قام بإدخال التاجر الإيطالي صاحب الصفقة ولا يغير من أثر ذلك قوله إن إدخاله كان من باب الاحتياط ومع تمسكه بنظريته في عدم مسئوليته وأن العقد قد قام مباشرة بين موكله والغير...".
وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه لا يعدو أن يكون تقريرات قانونية مؤداها أن الوكيل بالعمولة يكون مسئولاً أمام الغير سواء تعاقد معه باسم نفسه ولحساب موكله أو تعاقد باسم الموكل ولحسابه - وأياً كان وجه الخطأ في بعض هذه التقريرات - فإن قصارى ما قضى به الحكم المطعون فيه بناء عليها هو مخالفة النظر القانوني الذي انتهى إليه الحكم الابتدائي بعدم جواز رجوع المتعاقد على الوكيل بالعمولة الذي أظهر أسم موكله وقت التعاقد وما رتبه على ذلك من القضاء بعدم قبول الدعوى الموجهة إلى الطاعن، فقضى الحكم المطعون فيه - وعلى الرأي الذي أرتاه - بأن الدعوى تكون مقبولة في هذه الصورة التي صورها الحكم الابتدائي لواقع العلاقة بين طرفي الدعوى دون أن يقطع الحكم المطعون فيه بأنها العلاقة الحقيقية التي تقوم عليها مسئولية الطاعن في العقد مثار النزاع ومع الاحتفاظ له بالدفاع الذي يتمسك به بأن العقد قام مباشرة بين المطعون عليه والبائع الإيطالي ولا تنصرف آثاره إلا إليهما لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه فيما قضى به من قبول الدعوى على الأساس الذي أقيم عليه لم ينه الخصومة كلها أو بعضها فلاً يجوز الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 المشار إليها ويتعين لذلك الحكم بعدم جواز الطعن.
(*) راجع نقض 3/ 3/ 1960 مجموعة المكتب الفني بمحكمة النفض س 11 ص 205 ونقض 10/ 3/ 1960 مجموعة المكتب الفني س 11 ص 210 "الحكم برفض دفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وإعادتها لمحكمة أول درجة للفصل في موضوعها حكم صادر قبل الفصل في الموضوع وغير منه للخصومة كلها أو بعضها" وراجع نقض 3/ 5/ 1962 مجموعة المكتب الفني س 13 ص 571 ونقض 29/ 11/ 1962 مجموعة المكتب الفني س 13 ص 1085 "الحكم برفض دفع شكلي وبإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل فيها لا ينتهي به الخصومة كلها أو بعضها ولا يجوز الطعن فيه استقلالاً ولو كان الحكم الذي سيصدر في الموضوع غير قابل للطعن".