الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 26 فبراير 2019

الطلب رقم 5 لسنة 39 ق "طلبات أعضاء" جلسة 5 / 1 / 2019


باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
في الطلب المقيد بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 39 قضائية "طلبات أعضاء".


المقام من

المستشار / واصل علاء الدين أحمد، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق
ضد
1- رئيس المحكمة الدستورية العليا
2- وزيــــر الماليـــة
3- رئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعـى

الإجراءات
      بتاريخ الثلاثين من أكتوبر سنة 2017، أودع المستشار الطالب، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، صحيفة هذا الطلب، قلم كتاب المحكمة، طالبًا الحكم :-
أولاً : بأحقيته في إعادة تسوية المعاش المستحق له عن الأجر الأساسى عند بلوغه سن الإحالة إلى المعاش على أساس آخر مربوط وظيفة رئيس المحكمة الدستورية العليا، أو آخر مرتب كان يتقاضاه في التاريخ المشار إليه، مضافًا إليه الزيادات والعلاوات الخاصة أيهما أصلح له، دون التقيد بحد أقصى معين، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية .
ثانيًا : إعادة تسوية المعاش المستحق له عن الأجر المتغير على أساس أحكام القرارات الوزارية أرقـام 554 لسنة 2007، 359 لسنة 2008، 346 لسنة 2009، 102 لسنة 2012، 74 لسنة 2013، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية .
ثالثًا : أحقيته في إعادة تسوية مكافأة نهاية الخدمة على أساس آخر أجر أساسى كان يتقاضاه عند إحالته للتقاعد، مضافًا إليه الزيادات والعلاوات الخاصة، دون التقيد بحد أقصى معين، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية .
رابعًا : إعادة حساب تعويض الدفعة الواحدة على أساس 15% من الأجر السنوى عن كل سنة من السنوات الزائدة على ست وثلاثين سنة، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية .
خامسًا : صرف الفروق المالية والزيادات المترتبة على كل ما تقدم .


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الطلب بالنسبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، ووزير المالية، لرفعه على غير ذى صفة. كمـــا قدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًّا: برفض الطلب، واحتياطيًّا: بسقوط المستحقات المالية الناتجة عمّا قد يحكم به بالتقادم الخمسى عملاً بنص المادة (375) من القانون المدنى، باعتباره حقًا دوريًّا متجددًا.
      وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
      ونُظر الطلب على النحو المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة 1/12/2018، قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات في أسبوع، وفى الأجل المشار إليه قدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: برفض الطلب, واحتياطيًّا: 1- سقوط المستحقات المالية الناتجة عما قد يحكم به بالتقادم الخمسى عملاً بنص المادة (375) من القانون المدنى عن كل من المعاش المستحق عن الأجرين الأساسى والمتغير.
2- سقوط المستحقات المالية عن مكافأة نهاية الخدمة وتعويض الدفعة الواحدة بالتقادم الطويل، لمرور خمس عشرة سنة من تاريخ الاستحقاق.


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع– على ما يتبين من صحيفة الطلب وسائر الأوراق – تتحصل في أنه بتاريخ 26/11/1984، عُين الطالب نائبًا لرئيس المحكمة الدستورية العليا، بعد تدرجه في مختلف المناصب القضائية، إلى أن بلغ سن التقاعد بتاريخ 2/8/1990، وقامت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بتسوية معاشه عن الأجرين الأساسى والمتغير بالإضافة إلى مستحقاته عن مبلغ الادخار ومكافأة نهاية الخدمة وتعويض الدفعة الواحدة، بالمخالفة للقانون، وما تواتر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، وقضاء محكمة النقض، فقدم تظلمًا إلى لجنة فحص المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 ابتغاء إعادة ربط معاشه الشهرى عن الأجرين الأساسى والمتغير وتعويض الدفعة الواحدة والمكافأة، على أساس 100% من أجر الاشتراك الأخير وفقًا لأحكام القانون، إلا أن الهيئة لم تجبه إلى طلبه، مما دعاه إلى إقامة الطلب رقم 1 لسنة 24 قضائية "طلبات أعضاء" لإعادة تسوية مستحقاته التأمينية، وبجلسة 17/8/2003، قضت المحكمة :
أولاً: بأحقية الطالب في إعـادة تسوية معاشه عن الأجر الأساسى اعتبارًا من 2/8/1990، تاريخ بلوغه سن التقاعد على الأساس المقرر لمعاش من كان يشغل منصب وزير أو على أساس آخر مرتب أساسى كان يتقاضاه بحد أقصى 100% من أجر الاشتراك الأخير أيهما أصلح له، شاملاً العلاوات الخاصة، وتضاف للمعاش الزيادات المقررة قانونًا، على التفصيل الوارد بأسباب الحكم، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ثانيًا: بأحقية الطالب في إعـادة تسويـة معاشه عن الأجر المتغير اعتبارًا من 2/8/1990، طبقًا للمادة (31) من قانون التأمين الاجتماعى على أساس آخر أجر متغير كان يتقاضاه أو طبقًا للقواعد العامة أيهما أفضل، على ألا يزيد المعاش على 80% من أجر التسوية فإن قل عن 50% من هذا الأجر رفع إلى هذا القدر شريطة ألا تتجاوز قيمة المعاش 100% من أجر الاشتراك عن هذا الأجر على التفصيل الوارد بأسباب الحكم.
ثالثًا: بأحقية الطالب في تسوية مكافأة نهاية الخدمة على أساس آخر أجر أساسى كان يتقاضاه شاملاً العلاوات الخاصة، على التفصيل الوارد بأسباب الحكم.
رابعًا: بأحقية الطالب في تسوية تعويض الدفعة الواحدة على أساس 15% من الأجر السنوى عن كل سنة من السنوات الزائدة في مدة الاشتراك في التأمين على ست وثلاثين سنة.
وفى ضوء الأحكام الحديثة التى أصدرتها المحكمة الدستورية العليا وكذا محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، والتى أرست من خلالها مبدأً جديدًا، في شأن إعادة تسوية معاشات القضاة وأعضاء الهيئات القضائية دون التقيد بالحد الأقصى المقرر بقانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، فإنه يحق للطالب المطالبة بإعادة تسوية المعاش المستحق له – مجددًا – عن الأجرين الأساسى والمتغير، وكافة المستحقات التأمينية الأخرى وفقًا لما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا بالنسبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا ونوابه، وكذا ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا بالنسبة لرئيس مجلس الدولة ونوابه، وقضاء محكمة النقض بالنسبة لرئيس محكمة النقض ونوابه، ومن ثم فقد تقدم بالتظلم رقم 6075 لسنة 2017 بتاريخ 2/7/2017، إلى لجنة فحص المنازعات بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، لإعادة تسوية مستحقاته التأمينية طبقًا لما تقدم، وقد انتهت اللجنة إلى رفض التظلم، مما حدا به إلى إقامة الطلب المعروض، توصلاً للقضاء له بطلباته السالف بيانها.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الطلب لرفعه على غير ذى صفة بالنسبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا ووزير المالية، فهو مردود: بأن المستشار الطالب كان يشغل وظيفة نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا وتقدم بطلب لإعادة تسوية معاشه، وإذ كانت المستندات المتعلقة بتسوية المعاش تحت يد هذه المحكمة، فإن اختصام رئيسها في هذه الدعوى يكون في محله، كما أنه إعمالاً لنص البند (1) من الفقرة الثالثة من المادة (20) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 فإن الخزانــــة العامة تتحمل بالفروق الناشئة عن إعادة تسوية المعاش، ومن ثم يضحى اختصام وزير المالية في الطلب المعروض في محله، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن الدفع المار ذكره.


وحيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بسقوط الحق في المطالبة بالمستحقات المالية الناتجة عما قد يحكم به بالنسبة للحقوق الدورية المتجددة، بالتقادم الخمسى المقرر بنص الفقرة الأولى من المادة (375) من القانون المدنى، والذى ينصب في حقيقته على المعاش المستحق عن الأجرين الأساسى والمتغير، فلما كان المعاش المقرر لهذين الأجرين يستحق شهريًّا، ويحق لصاحب المعاش تسويته عند كل استحقاق، ومن ثم يُعد من الحقوق الدورية المتجددة التى تتقادم بخمس سنوات طبقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (375) من القانون المدنى، الأمر الذى يترتب عليه سقوط حق الطالب في صرف الفروق المالية المترتبة على إعادة تسوية معاشه عن الأجرين الأساسى والمتغير فيما زاد على الخمس سنوات السابقة على تقديم هذا الطلب، وهو ما يتعين القضاء به .
وحيث إن مكافأة نهاية الخدمة، وتعويض الدفعة الواحدة، إنما يصرف كل منهما لمرة واحدة متى تحققت شروطهما، ومن ثم فإنهما لا يدخلان في عداد الحقوق الدورية المتجددة التى ينطبق في شأنها نص المادة (375) من القانون المدنى، ولا تخضع - من ثم - الفروق المالية الناشئة عن إعادة تسوية مستحقات الطالب عنهما للتقادم الخمسى المقرر بهذا النص، مما يتعين معه الالتفات عن الدفع المشار إليه في هذا الخصوص.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بسقوط المستحقات المالية عن مكافأة نهاية الخدمة وتعويض الدفعة الواحدة بالتقادم الطويل، لمرور خمس عشرة سنة من تاريخ الاستحقاق، فإنه مردود: ذلك أن المادة (374) من القانون المدنى تنص على أن "يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة..."، وتنص المادة (381/1) من هذا القانون على أن "(1) لا يبدأ سريان التقادم فيما لم يرد فيه نص خاص إلا من اليوم الذى يصبح فيه الدين مستحق الأداء ..."، وتنص المادة (383) من القانون المذكور على أن "ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، ...... وبأى عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوى". وحاصل هذه النصوص أن المشرع وضع قاعدة عامة بشأن تقادم الديون، بمقتضاها تتقادم بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذى يصبح فيه الدين مستحق الأداء، ما لم يرد على تلك المدة سبب من أسباب الانقطاع، التى عينها نص المادة (383) من القانون المدنى، والتى من بينها المطالبة القضائية. متى كان ذلك وكان الثابت أن المستشار الطالب أحيل إلى التقاعد بتاريح 2/8/1990، وبتاريخ 30/1/2002 أقام طلب الأعضاء رقم 1 لسنة 24 قضائية "طلبات أعضاء"، الذى قضى فيه بجلسة 17/8/2003، بأحقيته في إعادة تسوية حقوقه التأمينية على النحو السالف بيانه، وذلك قبل انقضاء مدة خمس عشرة سنة من تاريخ الاستحقاق، وهو إجراء قاطع لمدة التقادم الطويل، وبتاريخ 2/7/2017، تقدم الطالب بالتظلم رقم 6075 لسنة 2017 إلى لجنة فض المنازعات بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لإعادة تسوية مستحقاته التأمينية، انتهت فيه اللجنة إلى رفض التظم، فأقام طلبه المعروض بتاريخ 30/10/2017، ضمَّنه طلباته المتقدمة، وذلك قبل انقضاء مدة التقادم المقررة بمقتضى نص المادة (374) من القانون المدنى، الأمر الذى يضحى معه دفع الهيئة المار ذكره في غير محله، حقيقًا بالرفض.
وحيث إنه عن الطلب المتعلق بإعادة تسوية معاش الأجر الأساسى للمستشار الطالب، فإن المادة (14) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن "تسرى الأحكام الخاصة بتقاعد مستشارى محكمة النقض على أعضاء المحكمة" وتنص المادة (70) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 على أن " وفى جميع حالات انتهاء الخدمة يسوى معاش القاضى أو مكافأته على أساس آخر مربوط الوظيفة التى كان يشغلها أو آخر مرتب كان يتقاضاه أيهما أصلح له .... "، وتنص المادة الرابعة من القانون رقم 79 لسنة 1975 بإصدار قانون التأمين الاجتماعى في فقرتها الأولى على أن " يستمر العمل بالمزايا المقررة في القوانين والأنظمة الوظيفية للمعاملين بكادرات خاصة ".




وحيث إنه إذا كان من واجب القاضى نحو الدولة والمجتمع أن يُحسن الاضطلاع برسالته السامية التى تُلقى على كاهله أضخم الأعباء والمسئوليات وأن يلتزم في حياته ومسلكه – سواء في ذلك أثناء وجوده بالخدمة أو بعد تركها – النهج الذى يحفظ للقضاء هيبته ومكانته، فإن من واجب الدولة نحو القاضى أن تهيئ له أسباب الحياة الكريمة والمستوى اللائق الذى يعينه على النهوض بواجبه المقدس في ثقة واطمئنان، وأن تهئ له كذلك معاشًا ومزايا تأمينية تكفل له المعيشة في المستوى ذاته الذى كان يعيش فيه أثناء وجوده بالخدمة، فالمزايا التأمينية بالنسبة لجميع أصحاب المعاشات - وبخاصة رجال القضاء – ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، من أجل ذلك خص المشرع القاضى بمعاملة تأمينية خاصة، ليكون الأصل في تسوية المعاش المستحق له، على أساس آخر مربوط الوظيفة التى يشغلها، أو آخر مرتب كان يتقاضاه أيهما أصلح له ودون حد أقصى، تطبيقًا لنص المادة (70) من قانون السلطة القضائية والذى جاء خلوًا من تحديد حد أقصى للمعاش المستحق للقاضى – وهو النص الذى ينظم تسوية المعاش المستحق لكل من رئيس المحكمة الدستورية العليا ونوابه، وتحديد مستحقاتهم التأمينية، وذلك بحكم الإحالة إليه المقررة بالمادة (14) من قانون المحكمة الدستورية العليا، ولا يسرى عند تسوية المعاش المستحق لرئيس المحكمة الدستورية العليا ونوابه الحد الأقصى المنصوص عليه بالمادة (20) من قانون التأمين الاجتماعى، نزولاً على ما قررته المادة الرابعة من القانون رقم 79 لسنة 1975 السالف الذكر.




وحيث إن البادى من استقراء النظم المقارنة ، أنها حرصت على تقرير معاملة مالية وتأمينية خاصة لرجال القضاء تتفق وما تمليه عليهم مناصبهم وأسلوب حياتهم من تكاليف وأعباء جسام، حيث نص البند الخامس من الباب الثامن والعشرين من قانـــون السلطة القضائية بالولايـــــات المتحدة الأمريكية على أن " كل قاض يعمل بأى محكمة من المحاكم الأمريكية، ........، بعد بلوغه (70) عامًا يجوز له الاستقالة من منصبه والحصول على الراتب نفسه الذى كان يتقاضاه بموجب القانون وقت الاستقالة، كما نص قانون المعاملة المالية للقضاة بجمهورية جنوب أفريقيا على استحقاق قضاة المحكمة الدستورية والمحكمة العليا بعد التقاعد معاشًا يساوى الراتب السنوى الذى كان يتقاضاه كل منهم في أعلى منصب شغله خلال مدة خدمته الفعلية التى يجب ألا تقل عن عشرين سنة .




وحيث إن الحق في المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون – ينهض التزامًا على الجهة التى تقرر عليها . وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى – على تعاقبها – إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر – بالتطبيق لأحكامها – شروط اقتضائه، عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقًا للنظم المعمول بها، يعتبر التزامًا مترتبًا بنص القانون في ذمة الجهة المدينة . وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعى، حين ناط بالدولة، أن تكفل لمواطنيها خدمات التأمين الاجتماعى بما في ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم في الحدود التى بينها القانون، وكذا اعتباره أموال التأمينات والمعاشات أموالاً خاصة، وجعلها وعوائدها حقًّا للمستفيدين منها لتعود ثمرتها عليهم دون غيرهم، بما يكفل لكل مواطن المعاملة الإنسانية التى لا تُمتهن فيها آدميته، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش في محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها، وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى تعتبر المادة (8) من الدستور الحالى مدخلاً إليها.




وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن مؤدى نصى المادتين (2، 14) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ونص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 79 لسنة 1975 بإصدار قانون التأمين الاجتماعى، ونصوص المواد (19، 20، 31) من ذلك القانون، والمادة (70) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 17 لسنة 1976، وقرار المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 3/3/1990، في طــلـــــــب التفسيـر رقــــــــم 3 لسنة 8 قضائية، وجوب تسوية معاش الأجر الأساسى لرئيس المحكمة الدستورية العليا ومن في حكمه من أعضائها على أساس آخر مربوط الوظيفة التى كان يشغلهــــــــا أو آخر مرتب أساسى كان يتقاضاه أيهما أصلح له.




وحيث إن الثابت بالأوراق أن المستشار الطالب ينطبق في شأنه حكم المادة (70) من قانون السلطة القضائية، بما مؤداه أحقيته في تسوية معاشه عن الأجر الأساسى وفقًا لآخر مربوط الدرجة التى يشغلها أو آخر مرتب كان يتقاضاه عند بلوغه سن الستين أيهما أصلح له دون التقيد بأى حد أقصى، نزولاً على حكم المادتين (70/1) من قانون السلطة القضائية، والرابعة من القانون رقم 79 لسنة 1975 بإصدار قانون التأمين الاجتماعى، وما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الإدارية العليا، ومحكمة النقض، ويدخل في هذا المرتب العلاوات الخاصة شاملة العلاوات التى لم تكن قد ضمت للمرتب الأساسى عند بلوغ سن الستين، والزيادات التى طرأت على المرتب الأساسى عند بلوغ السن المشار إليه، وإذ قامت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بتسوية معاش المستشار الطالب على غير ذلك الأساس، فتكون تلك التسوية قد تمت بالمخالفة لحكم القانون، ويتعين القضاء بإلزامها بإعادة تسوية معاشه على النحو المشار إليه، بما يترتب على ذلك من آثار، أخصها صرف الفروق المالية المستحقة له عن السنوات الخمس السابقة على تقديم الطلب المعروض.




وحيث إنه عن طلب إعادة تسوية معاش المستشار الطالب عن الأجر المتغير فإن المادة (18 مكررًا) من قانون التأمين الاجتماعى الصـادر بالقانون رقـم 79 لسنة 1975 تنص على أن " يُستحق المعاش عن الأجر المتغير أيًّا كانت مدة اشتراك المؤمن عليه عن هذا الأجر وذلك متى توافرت في شأنه إحدى حالات استحقاق المعاش عن الأجر الأساسى".




وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن أصل الحق في المعاش عن الأجر المتغير كان قد تقرر بمقتضى القانون رقم 47 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 امتدادًا للحماية التأمينية لتشمل أجر المؤمن عليه بمختلف عناصره، وكان ما تغياه المشرع بذلك هو أن يوفر للمؤمن عليه معاشًا مناسبًا مقاربًا لما كان يحصل عليه من أجر أثناء خدمته، يفى باحتياجاته الضرورية بعد بلوغ سن التقاعد التى يتحقق عندها الخطر المؤمن منه، حيث اُستهلت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 47 لسنة 1984 بالقول " حرصت الدولة منذ بدء تقريرها لنظام التأمين الاجتماعى على تحقيق وظيفة التأمينات الاجتماعية في ضمان الدخل المناسب لما كان يحصل عليه المؤمن عليه خلال فترة عمله، وإلى تجميع مدخراته بما يكفل حصوله على مبلغ من دفعة واحدة يواجه به احتياجاته والتزاماته الاجتماعية التى لم يستطع أجره الدورى وتبعًا لذلك معاشه الوفاء بها".
وحيث إن البند ثانيًا من الجدول رقم (1) والمرافق لقرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 بشأن القواعد المنفذة لقانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 يقضى بأن يكون الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير 6000 جنيه سنويًّا، 9000 جنيهًا سنويًّا للمؤمن عليه الذى يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش، وقد عمل بهذا القرار اعتبارًا من 1/10/2007، أول الشهر التالى لتاريخ نشره، طبقًا لنص المادة (269) من هذا القرار، وقضت المادة (1) من قرار وزير المالية رقم 359 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 المشار إليه بأنه اعتبارًا من 1/7/2008، يكون الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير 7500 جنيه سنويًّا و12000 جنيه سنويًّا، للمؤمن عليه الذى يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش، وقضت المادة (2) من هذا القرار بأن يلغى كل حكم يخالف أحكامه، كما نصت المادة (3) منه على أن يعمل به من 1/7/2008، وقضت المادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 346 لسنة 2009 بتعديل بعض أحكام قرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 السالف الذكر بأنه اعتبارًا من 1/7/2009، يكون الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير 9000 جنيه سنويًّا و18000 جنيه سنويًّا للمؤمن عليه الذى يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش، وقضت المادتان الثانية والثالثة من هذا القرار بأن يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القرار، ويعمل به اعتبارًا من 1/7/2009، وقضت المادة (1) من قرار وزير المالية رقم 364 لسنة 2010 بأنه "اعتبارًا من 1/7/2010، يكون الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير 10800 جنيه سنويًّا و18000 جنيه سنويًّا للمؤمن عليه الذى يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش"، ونصت المادة (2) من هذا القرار على أن "يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القرار"، وقد عمل بهذا القرار اعتبارًا من 1/7/2010، طبقًا لنص المادة (3) من هذا القرار، ونصت المادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 188 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 المشار إليه على أن (يستبدل بعبارة "10800 جنيه" الواردة بالبند ثانيًا من الجدول رقم (1) المرافق لقرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 المشار إليه عبارة "12600 جنيه")، وقد عمل بأحكام هذا القرار اعتبارًا من 1/7/2011، طبقًا لنص المادة الثانية من القرار المذكور، كما قضت المادة الأولى من قرار وزير التأمينات والشئون الاجتماعية رقم 102 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 السالف البيان بأنه اعتبارًا من 1/7/2012، يكون الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير بواقع 14400 جنيه سنويًّا، 21600 جنيه للمؤمن عليه الذى يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش، ويزاد الحد الأقصى المشار إليه بنسبة (15%) سنويًّا منه في بداية كل سنة ميلادية، ونصت المادة الثانية من هذا القرار على أن " يعمل به اعتبارًا من 1/7/2012، ويلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القرار".


وأخيرًا قضت المادة الأولى من قرار وزير التضامن الاجتماعي رقم 74 لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام قرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 المشار إليه بأنه اعتبارًا من 1/1/2014، يكون الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير بواقع 19080 جنيهًا سنويًّا، ويزاد الحد الأقصى في بداية كل سنة ميلادية بنسبة 15% من الحد الأقصى لهذا الأجر في نهاية السنة السابقة، وفى تحديد الحد الأقصى السنوي يراعى جبر الحد الأقصى الشهرى إلى أقرب 10 جنيهات.

ويكون الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير لمن يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتـــــب والمعـــــــاش 24840 جنيهًا سنويًّا، أو الحد الأقصى المشار إليه بالفقرة السابقة أيهما أكبر، ونصت المادة الثانية على أن " يُنشر هذا القرار في الوقائع المصرية ويُعمل به من 1/1/2014 " .


وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، ومحكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا قد استقر على أحقية أعضاء الهيئات القضائية، في تقاضى الحقوق التأمينية المقررة لهم، سواء في ذلك المعاش المستحق عن الأجر الأساسى أو عن الأجر المتغير، وذلك وفقًا للقواعد والأحكام المنظمة لذلك، والتى من بينها تلك المتعلقة بتحديد الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير، والذى صدرت بشأنه العديد من القرارات منها القرار رقم 554 لسنة 2007 المشار إليه الذى حدد الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير بـ 9000 جنيه سنويًّا، وذلك بالنسبة للمؤمن عليه الذى يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش، ثم أعقبه القرار رقم 359 لسنة 2008 المشار إليه الذى جعل الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير بالنسبة لهذه الفئة 12000 جنيه سنويًّا اعتبارًا من 1/7/2008، ثم القرار رقم 346 لسنة 2009 السالف الذكر، الذى رفع الحد الأقصى للأجر المذكور إلى 18000 جنيه سنويًّا اعتبارًا من 1/7/2009، وقد أبقى القرار رقم 364 لسنة 2010، الذى عمل به اعتبارًا من 1/7/2010، والقرار رقم 188 لسنة 2011، المعمول به اعتبارًا من 1/7/2011، الحد الأقصى المذكور دون تغيير، ثم صدر القرار رقم 102 لسنة 2012 السالف البيان، الذى رفع الحد المشار إليه إلى 21600 جنيه سنويًّا اعتبارًا من 1/7/2012 على أن يزاد سنويًا بنسبة 15% منه في بداية كل سنة ميلادية – ولقد سار قرار وزير التضامن الاجتماعي رقم 74 لسنة 2013 في الاتجاه ذاته حيث رفع الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير ليصبح 24840 جنيهًا سنويًّا لمن يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش، وذلك رعاية من المشرع لهذه الطبقة من أصحاب المعاشات، وتكريمًا لهم بتوفير معاش مناسب يفى باحتياجاتهم في الحياة { حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 17149 لسنة 59 ق عليا بجلسة 9/11/2013، وحكم محكمة النقض الصادر بجلسة 13/5/2014، في الطعن رقم 222 لسنة 84 قضائية رجال قضاء} وأحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة في طلبات الأعضاء أرقام 2 لسنة 34 قضائية بجلسة 18/5/2014، و1 لسنة 32 قضائية و5 و6 لسنة 35 قضائية، بجلسة 1/6/2014.

      وحيث إن المادة (14) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن " تسرى الأحكام الخاصة بتقاعد مستشاري محكمة النقض على أعضاء المحكمة " ولازم ذلك أن اكتمال تسوية المعاش عن الأجرين الأساسي والمتغير على وجهه الصحيح قانونًا بالنسبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا ونوابه لا يتحقق إلا بعد التثبت من أن ربط المعاش المقرر لهم لا يقل عن نظرائهم من رؤساء محكمة النقض ونوابهم، وذلك تحقيقًا للعلة من النص السالف الذكر، وهو ما يتعين أن تلتزم به الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى .
      وحيث إنه متى كان ذلك، وكان المستشار الطالب قد شغل وظيفة نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ومن ثم فإنه يعامل معاملة الوزير من حيث المعاش المستحق له عن الأجرين الأساسي والمتغير، وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، وتبعًا لذلك يسرى في شأنه فيما يتعلق بمعاش الأجر المتغير ما ورد بالقرارات أرقام 554 لسنة 2007، 359 لسنة 2008، 346 لسنة 2009، 102 لسنة 2012، 74 لسنة 2013 المشار إليها، بصرف النظر عن كونه قد بلغ سن الستين قبل التاريخ المحدد لكل منها، بحسبان هذه التواريخ وفقًا لما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا، لا تتعلق إلا بالتنفيذ وإعمال الأثر الفورى المباشر للقرارات المذكورة، وليس بتحديد فئة المخاطبين بأحكامهما، وأن القول بسريان أحكام هذه القرارات على من بلغ السن المذكورة بعد التاريخ المحدد بكل منها دون من سلفه، قول يعوزه الدليل ويجافى المنطق والقانون، ويؤدى إلى اختلاف المعاملة التأمينية بين أصحاب المعاشات الذين بلغوا السن قبل تلك التواريخ، وبين أولئك الذين بلغوها بعدها، وذلك رغم اتحاد مراكزهما القانونية، وأنهما من أصحاب المعاشات الذين هم في أمس الحاجة إلى تحسين مستوى معيشتهم ومساعدتهم على مسايرة مجريات الحياة، ومثل هذا الاختلاف والمغايرة بين أصحاب المراكز القانونية الواحدة في قوانين المعاشات أمر غير جائز قانونًا منعًا للغبن ودرءًا للضرر {قضاء مستقر للمحكمة الإدارية العليا، ومنها الحكم الصادر في الطعن رقم 33179 لسنة 55 ق. عليا بجلسة 2/6/2012، وحكم محكمة النقض الصادر بجلسة 13/5/2014، في الطعن رقم 222 لسنة 84 قضائية رجال قضاء، وحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 1/8/2015، في الطلب رقم 2 لسنة 37 قضائية "طلبات أعضاء"}
متى كان ذلك، وكانت  الهيئة المطعون ضدها قد قامت بتسوية معاش المستشار الطالب عن الأجر المتغير على خلاف ما سلف بيانه، فإن هذه التسوية تكون مخالفة لحكم القانون، الأمر الذى يتعين معه القضاء بأحقية المستشار الطالب في طلبه بإعادة تسوية معاشه عن الأجر المتغير على أساس أحكام القرارات أرقام 554 لسنة 2007، 359 لسنة 2008، 346 لسنة 2009، 102 لسنة 2012، 74 لسنة 2013 المشار إليها إلى جانب سائر القواعد والأحكام المقررة أصلاً في هذا الشأن، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية عن الخمس سنوات السابقة على تقديم الطلب المعروض.
      وحيث إنه عن مكافأة نهاية الخدمة فإنه وفقًا للبند السابع من المادة (12) من القانون رقم 47 لسنة 1984 والذى ينص على أنه " لا تسرى الأحكام المنصوص عليها في قوانين خاصة في شأن حساب المكافأة " فإنه يتعين تسويتها وفقًا للقواعد التى تضمنتها المادة (30) من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه والتي جرى نصها على أن " يستحق المؤمن عليه مكافأة متى توافرت إحدى حالات استحقاق المعاش أو تعويض الدفعة الواحدة، وتحسب المكافأة بواقع أجر شهر عن كل سنة من سنوات مدة الاشتراك في نظام المكافأة، ويقدر أجر حساب المكافأة بأجر حساب معاش الأجر الأساسي....."، متى كان ذلك وكان معاش المستشار الطالب وعلى ما سلف بيانه يسوى على أساس آخر أجر أساسى كان يتقاضاه شاملاً العلاوات الخاصة، ومن ثم يتعين تسوية مكافأة نهاية الخدمة المستحقة له على أساس آخر أجر أساسى كان يتقاضاه مضافًا إليه العلاوات الخاصة دون التقيد بحد أقصى .
      وحيث إنه عن طلب إعادة حساب تعويض الدفعة الواحدة عن مدة الاشتراك الزائدة، فإن قانون السلطة القضائية قد خلا من أية أحكام تنظم هذا التعويض، ومن ثم فلا مناص من إعمال حكم المادة (26) من قانون التأمين الاجتماعى والتى تنص على أنه " إذا زادت مدة الاشتراك في التأمين على ست وثلاثين سنة أو القدر المطلوب لاستحقاق الحد الأقصى للمعاش الذى يتحمل به الصندوق أيهما أكبر، استحق المؤمن عليه تعويضًا من دفعة واحدة يقدر بواقع 15% من الأجر السنوي عن كل سنة من السنوات الزائدة ".
وحيث إن الثابت بالأوراق أن مدة الاشتراك في التأمين للمستشار الطالب قد تجاوزت الستة والثلاثين عامًا، فمن ثم يتعين حساب تعويض الدفعة الواحدة المستحقة له طوعًا لحكم المادة (26) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً :- بأحقية المستشار الطالب في إعادة تسوية معاشه عن الأجر الأساسي على أساس آخر مربوط الدرجة التى كان يشغلها أو آخر مرتب كان يتقاضاه عند إحالته إلى المعاش مضافًا إليه العلاوات الخاصة أيهما أصلح له دون التقيد بحد أقصى .
ثانيًا :- بأحقية المستشار الطالب في إعادة تسوية معاشه عن الأجر المتغير على أساس أحكام قرارات وزير المالية أرقام 554 لسنة 2007، 359 لسنة 2008، 346 لسنة 2009، وقرار وزير التأمينات والشئون الإجتماعيـة رقم 102 لسنة 2012، وقرار وزير التضامن الاجتماعى رقم 74 لسنة 2013.
ثالثًا :- بسقوط الحق في المطالبة بالفروق المالية الناشئة عن إعادة تسوية المعاش المستحق عن الأجرين الأساسى والمتغير فيما جاوز السنوات الخمس السابقة على تقديم هذا الطلب.
رابعًا :- بأحقية المستشار الطالب في إعادة حساب مكافأة نهاية الخدمة المقررة    لتكون على أساس آخر أجر أساسى كان يتقاضاه عند إحالته إلى التقاعد مضافًا إليه العلاوات الخاصة دون التقيد بحد أقصى، وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك.
خامسًا:- بأحقية المستشار الطالب في حساب تعويض الدفعة الواحدة عن المدة الزائدة بنسبة 15% من الأجر السنوى عن كل سنة من السـنوات الزائدة على ست وثلاثين سنة، وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك.

للمحكمة الدستورية العليا الوقوف على حقيقة طلبات المدعي من دفوعه أمام محكمة الموضوع


الدعوى رقم 85 لسنة 32 ق " دستورية " جلسة 5 / 1 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان
والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 85 لسنة 32 قضائية " دستورية ".

المقامة من
ورثة المرحوم/ عبدالرزاق داود القاضى، وهـــــــم:
1-    سعاد جبريل الزرو
2-    محمد نبيل عبدالرزاق داود القاضى التميمى
3-    أكرم عبدالرزاق القاضى التميمى
4-    أشرف عبدالرزاق داود القاضى التميمى
5-    إسماعيل عبدالرزاق القاضى التميمى
6-    نبيلة عبدالرزاق داود التميمى
7-    فايزة عبدالرزاق قاضى التميمى
ضــــــد
1-    رئيس الجمهورية
2-    رئيس مجلس الوزراء
3-    وزير العدل
4-    وزير المالية
5-    وزير الزراعة واستصلاح الأراضي
6-    رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى
7-    الممثل القانونى لصندوق الأراضى الزراعية


الإجراءات

      بتاريخ السابع عشر من إبريل سنة 2010، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، المعدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971.     
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى من وجهين؛ الأول: لرفعها بعد الميعاد، والثاني: لانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة .
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 393 لسنة 2007 مدني كلي حكومة، أمام محكمة الجيزة الابتدائية، ضد المدعى عليهم من الخامس حتى الأخير، ابتغاء الحكم بإلزامهم، متضامنين، أن يؤدوا لهم، مبلغًا مقداره ثلاثة ملايين ومائة وخمسون ألف جنيه، تعويضًا عن الأضرار المادية التى لحقتهم نتيجة الاستيلاء على الأطيان المملوكة لهم، والمبينة بصحيفة الدعوى. على سند من أنه بتاريخ 17/4/1963، ونفاذًا لأحكام القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، استولت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على اثنى عشر قيراطًا وأربعة أسهم وربع السهم، مملوكة لمورثهم بموجب عقد مشهر برقم 6493 لسنة 1958 الجيزة، بحسبانه من الأجانب المخاطبين بأحكام القانون المشار إليه. وبتاريخ 30/9/1964، أُفرج عن هذه المساحة وسُلمت لمورثهم بقرار من اللجنة القضائية السادسة بالهيئة العامة للإصلاح الزراعي، المصدَّق عليه من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتاريخ 31/5/1964، كون مورثهم فلسطيني الجنسية، متمتعًا بالإعفاء الوارد بالفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون آنف الإشارة، وبوفاة مورث المدعين في 26/11/1976، انتقلت ملكية هذه الأرض إلى المدعين. وإذ صدر القانون رقم 104 لسنة 1985 بتعديل القانون رقم 15 لسنة 1963، والمعمول به من الخامس من يوليو سنة 1985، والذى ألغى حكم الفقرة الأخيرة من المادة (1) من هذا القانون، والتي كانت تستثنى الفلسطينيين من تطبيق أحكام هذا القانون بصفة مؤقتة، مقررة أيلولة هذه الأراضي إلى الدولة، إذا لم يكن المالك قد تصرف فيها أثناء حياته أو خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون، أيهما أقرب؛ فقد باع المدعون تلك الأرض لمصريين، بموجب عقد ابتدائي مؤرخ في 9/6/1990، ثابت التاريخ في 10/6/1990، وعلى الرغم من تمام التصرف في الأرض قبل انقضاء السنوات الخمس المنصوص عليها في القانون رقم 104 لسنة 1985 المشار إليه، فقد استولت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على الأرض المذكورة، مما حدا بالمدعين إلى إقامة دعواهم الموضوعية؛ للمطالبة بتعويضهم عن هذا الاستيلاء، وقد ضمن المدعون صحيفة دعواهم الموضوعية دفعًا بعدم دستورية المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1971، لمخالفتها المواد (32، 34، 68) من دسـتور سنة 1971. وبجلسة 25/11/2008، قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى اللجنة القضائية للإصلاح الزراعى للاختصاص. وإذ لم يرتض المدعون هذا القضاء، قاموا باستئنافه بموجب الاستئناف رقم 1336 لسنة 126 ق، أمام محكمة استئناف القاهرة (مأمورية شمال الجيزة)، والتى قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 4/11/2009، بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وإعادة الدعوى لمحكمة أول درجة للفصل في موضوعها، ونفاذًا لهذا القضاء عاودت محكمة الجيزة الابتدائية نظر الدعوى، وبجلسة 23/2/2010، دفع الحاضر عن المدعين، بعدم دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 1971، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 16/3/2010، لتقديم ما يفيد ما تم في الدفع المبدى من الحاضر عن المدعين وذلك على وجه رسمى، وبهذه الجلسة طلب الحاضر عن المدعين التصريح له بإقامة الدعوى الدستورية، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 20/4/2010، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاموا الدعوى المعروضة.
     
      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، استنادًا إلى أن المدعين قد دفعوا بعدم دستورية النص المطعون عليه، بجلسة 23/2/2010، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 16/3/2010، لتقديم ما يفيد ما تم في الدفع المبدى من الحاضر عن المدعين، ومن ثم يكون هذا الميعاد هو الميعاد الحتمي الذي يتعين أن يتقيد به المدعون في إقامة الدعوى الدستورية، وإذ لم تودع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا إلا في 17/4/2010، فإنها تكون قد رفعت بعد الميعاد، فهو دفع مردود: ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة، وعملاً بنص البند (ب) من المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن المهلة التى تمنحها محكمة الموضوع لرفع الدعوى الدستورية، لا يجوز زيادتها إلا من خلال مهلة جديدة تضيفها إلى المدة الأصلية وقبل انقضائها، بما يكفل تداخلها معها، وبشرط ألا تزيد المدتان معًا على الأشهر الثلاثة التي فرضها المشرع كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، فلا يجاوزها من يقيمها، ولا محكمة الموضوع التى ترخص برفعها، وكانت محكمة الموضوع بعد أن قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى بجلسة 23/2/2010، أجلت نظر الدعوى لجلسة 16/3/2010، لتقديم ما تم في الدفع المبدى من المدعين، ثم قررت المحكمة إضافة مهلة جديدة إلى المدة الأصلية قبل انقضائها؛ غايتها 20/4/2010، وإذ أقام المدعون دعواهم الدستورية بتاريخ 17/4/2010، في غضون المهلة المحددة لهم من المحكمة، وبما لا يجاوز الثلاثة أشهر المشار إليها، الأمر الذى يضحى معه الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد غير سديد، مما يتعين معه القضاء برفضه.

      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعين في إقامتها؛ على سند من أن النزاع الموضوعي يدور حول تقدير قيمة الأرض المستولى عليها، كون نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المطعون عليه لا علاقة له بتقدير قيمة هذه الأطيان، إذ ينص على أن "يؤدى التعويض المنصوص عليه في المادة السابقة سندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة قدرها 4% سنويًّا محسوبة من تاريخ تسلم الهيئة العامة للإصلاح الزراعى للأراضى المشار إليها ..."، ومن ثم فإن هذا النص يقتصر على بيان كيفية ووسيلة أداء التعويض ولا يتصل البتة بتقدير هذا التعويض، مما تنتفى معه مصلحة المدعين في الطعن عليه. فإن هذا الدفع مردود كذلك؛ ذلك أنه من المقرر أن للمحكمة الدستورية العليا الوقوف على حقيقة طلبات المدعى من واقع ما ورد في دفعه أمام محكمة الموضوع، وما أثبته في صحيفة دعواه الدستورية. لما كان ذلك، وكان المدعون، وإن دفعوا أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 المعدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، وأقاموا دعواهم الدستورية مختصمين المادة ذاتها، إلا أن الثابت أيضًا من مطالعة صحيفتي الدعويين الموضوعية والدستورية، ومذكرات المدعين أمام محكمة الموضوع أنهم قد أثبتوا نص المادة المطعون بعدم دستوريتها على النحو الآتى: "يكون لمن استولت الحكومة على أرضه وفقًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض مضافًا إليها قيمة المنشآت والآلات الثابتة وغير الثابتة والأشجار وتقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، فإذا لم تكن الأرض ربطت عليها هذه الضريبة في التقدير العام لضرائب الأطيان المعمول به منذ أول يناير سنة 1949 لبوارها أو ربطت بضريبة لا تجاوز فئتها جنيهًا واحدًا للفدان، يتم تقدير ثمنها بمعرفة اللجنة العليا لتقدير أثمان أراضي الدولة، ولا يعتبر هذا التقدير نهائيًّا إلا بعد اعتماده من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي" وهو نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، المستبدلة بالمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي والقانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما في حكمها، وليس نص المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963، مما يقطع بأن حقيقة طلبات المدعين هى الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، المستبدلة بالمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، ويؤيد هذا النظر، ويعضده، أن القرار بقانون رقم 69 لسنة 1971، بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي والقانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، لم يتناول المادة (5) من القانون رقم 15 لسنة 1963 بأي تعديل، حين أنه نص في مادته الأولى على استبدال نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، مما تقضى معه المحكمة برفض هذا الدفع أيضًا.
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها، وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ولا تعتبر المصلحة متحققة بالضرورة بناءً على مجرد مخالفة النص المطعــون فيه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررًا مباشرًا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، تدور حول طلب تقدير قيمة التعويض عن استيلاء الإصلاح الزراعي على الأطيان المملوكة للمدعين، فإن مصلحة المدعين تنحصر في الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، المستبدلة بالمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 69 لسنة 1971، فيما نصت عليه من أنه "يكون لمن استولت الحكومة على أرضه وفقًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، ... وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض"، دون باقى أحكام هذا النص، بحسبان أن الفصل في دستورية هذا الشق سيكون له أثره وانعكاسه المباشر على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها.
      وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المعروضة، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 6/6/1998، في القضية رقم 28 لسنة 6 قضائية "دستورية"، والذى قضى، أولاً: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه، وفقًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، وبسقوط المادة (6) من هذا المرسوم بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية. ثانيًا: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يقدر وفقًا للأحكام الواردة في هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه وبمراعاة الضريبة السارية في 9 سبتمبر سنة 1952، وبسقوط المادة الخامسة من هذا القرار بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقاريــة. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 25 (تابع) بتاريخ 18/6/1998.      وحيث إن مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون الأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة، ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة، بالنسبة لهم، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرح النزاع عينه عليها من جديد لمراجعته، ومن ثم تغدو الخصومة في الدعوى المعروضة منتهية.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية.

دستورية عدم قبول دعوى الأوقاف ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر (الأوقاف القبطية)


الدعوى رقم 55 لسنة 31 ق " دستورية " جلسة 5 / 1 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجاروالدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 55 لسنة 31 قضائية " دستورية ".
المقامة من
هيئة الأوقاف القبطية
ضــــــد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوـزراء
3 - رئيس مجلس النــواب
4 - وزير العـدل
5 - مكرم عطية غبريـــــال
6 - موريسة حبيب تاوضروس
7 - مريدة حبيب تاوضـــروس
8 - رشدى عازر غبـــرس
9 - مفيد عازر غبــــــــــــرس
10- هلال عازر غبـــرس
11- إيفون عازر غبـــرس
12- مكرم ميساك حبشـى
13- رئيس نيابة محكمة سوهاج الابتدائية
الإجراءات
  بتاريخ الثانى من مارس سنة 2009، أودعت الهيئة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية نص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، والفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الهيئة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 271 لسنة 2005 أسرة بندر سوهاج نفس، ضد المدعى عليهم من الخامس إلى الثانى عشر، طلبًا للحكم بإثبات وصحة وقف المرحوم/ صدقى حبيب تاوضروس، للعقار الكائن بشارع البستان الغربى - بندر سوهاج -، الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، على بطريريكية الأقباط الأرثوذوكس، ليكون وقفًا على دير الملاك الشرقى بجبل أخميم، مع محو جميع التسجيلات التى ترد عليه، وذلك على سند من أن الواقف كان يمتلك حال حياته المنزل المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، وأنه كان قد ترك إقرارًا مؤرخًا في 19/7/2000، مودعًا بصفة أمانة لدى المدعى عليه الثانى عشر، بمظروف مغلق لا يتم فتحه إلا بعد وفاته، ووفاة زوجته بلانش عازر غبرس، ثابتًا به تبرعه بالمنزل سالف التحديد ووقفه على دير الملاك بالجبل الشرقى بأخميم، تبرعًا وهبة خالصة لوجه الله تعالى، الأمر الذى دعى الهيئة المدعية لإقامة دعواها سالفة الذكر. وبجلسة 27/1/2007، قضت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة سوهاج الكلية لنظرها بجلسة 3/3/2007، حيث قيدت أمامها برقم 448 لسنة 2007 مدنى كلى سوهاج، وبجلسة 23/6/2007، قضت فيها بعدم قبول الدعوى، وقد أسست قضاءها على سند من أن نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 قد قررت عدم قبول دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه، ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون، وأنه لما كانت الهيئة المدعية تطلب الحكم بإثبات وصحة الوقف الخاص بالمرحوم/ صدقى حبيب تاوضروس، وكانت أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد أن ذلك الوقف ثابت بإشهاد مشهر، فقد انتهت المحكمة إلى عدم قبول الدعوى. ولم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الهيئة المدعية فطعنت عليه بالاستئناف رقم 2877 لسنة 82 قضائية أمام محكمة استئناف أسيوط - مأمورية استئناف سوهاج - طلبًا للحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع: أصليًّا: بإلغاء حكم أول درجة والقضاء مجددًا بإثبات صحة الوقف المشار إليه مع محو جميع التسجيلات التي ترد عليه. واحتياطيًّا: إلغاء الحكم المستأنف وإعادة الأوراق إلى محكمة أول درجة للفصـل في الدعوى مجددًا. كما أقامت الهيئة المدعية الاستئناف رقم 2925 لسنة 82 قضائية، أمام المحكمة ذاتها، وعن الحكم ذاته، طلبًا للحكم بالطلبات ذاتها الواردة بالاستئناف الأول، وقد ضمنت صحيفتها دفعًا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، والمادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، لمخالفتهما لمبادئ الشريعة الإسلامية ومبدأ المساواة. وبجلسة 13/5/2008، قررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط ليصدر فيهما حكم واحد، وبعد أن قررت المحكمة بجلسة 16/10/2008، حجز الاستئنافين للحكم بجلسة 14/1/2009، قررت إعادتهما للمرافعة بجلسة 10/3/2009، لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، فأقامت الهيئة المدعية الدعوى المعروضة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التى تقدر فيها تلك المحكمة جديته. إذ كان ذلك، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى من الهيئة المدعية قد انصب على نص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 السالف الذكر، ونص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليهما، إلا أن تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع وتصريحها برفع الدعوى الدستورية قد اقتصر على نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، فأقامت الهيئة المدعية دعواها المعروضة، وحددت طلباتها الختامية الواردة في صحيفة دعواها في الطعن على النصين المشار إليهما، الأمر الذى يضحى معه الطعن بالنسبة لنص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، دعوى دستورية أصلية أقيمت بالطريق المباشر ، بالمخالفة لنص المادة (29/ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليه.
وحيث إن المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 تنص على أن "لا تُقبل دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون.
ولا تُقبل دعوى الوقف أو الإرث عند الإنكار متى رفعت بعد مضى ثلاث وثلاثين سنة من وقت ثبوت الحق فيه، إلا إذا قام عذر حال دون ذلك.
وإذا حُكم بعزل ناظر الوقف أو ضم ناظر آخر إليه، تعين المحكمة في الحالتين بحكم واجب النفاذ ناظرًا بصفة مؤقتة إلى أن يُفصل في الدعوى بحكم نهائى".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المطروحة لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بهـا، والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب الهيئة المدعية الحكم بإثبات وصحة وقف المرحوم/ صدقي حبيب تاوضروس، للعقار الكائن بشارع البستان الغربي - بندر سوهاج - على بطريركية الأقباط الأرثوذكس، ليكون وقفًا على دير الملاك الشرقي بجبل أخميم، مع محو جميع التسجيلات التى ترد عليه، والذى قضت فيه محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى، تأسيسًا على خلو أوراقها مما يفيد أن ذلك الوقف ثابت بإشهاد مشهر، وفقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، والذى تم الطعن عليه بالاستئنافين رقمي 2877/2925 لسنة 82 قضائية ، أمام محكمة استئناف أسيوط - مأمورية استئناف سوهاج -، وبالتالي، فإن الفصل في النزاع الموضوعي يتوقف على الفصل في دستورية ما نصت عليه المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرتها الأولى من أنه "لا تقبل دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون"، ومن ثم، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون متحققة بالنسبة للطعن على هذا النص في حدود نطاقه المتقدم.


وحيث إن الهيئة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية التى أوجبت بنص قرآني قطعي الثبوت قطعي الدلالة الوفاء بالعقود كافة، ومن بينها الوقف دون توقف على شهرها، وكذا إخلاله بمبدأ المساواة، إذ مايز بين المسجد والكنيسة في شأن وجوب شهر الإشهاد على الوقف، فاشترطه بالنسبة للكنيسة دون المسجد، على الرغم من أن كليهما من دور العبادة، التى يتعين التماثل فيما بينهما من حيث الأحكام المطبقة على كل منهما، وذلك بالمخالفة لنصى المادتين (2، 40) من دستور 1971.



وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما نص عليه دستور سنة 1971، في مادته الثانية بعد استبدالها في 22/5/1980، - وتردد حكمه في كافة الدساتير المصرية التالية حتى الدستور القائم - من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه، وتنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل - ومن بينها أحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 - فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعًا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان؛ إذ هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا. ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيمًا لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل بالتالى حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ومستلهمًا في ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها. ومن ثم، كان حقًّا على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وكان واجبًا عليه ألا يشرّع حكمًا يضيق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عسرًا، وإلا كان مصادمًا لقوله تعالى - في الآية (6) من سورة المائدة - "ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعلَ عَلَيْكُم مِنْ حَرَجٍ". لما كان ذلك، وكان ما طواه النص التشريعي المطعون فيه، لم يرد بشأنه نص قطعى الثبوت والدلالة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ثم يجوز الاجتهاد فيه، تنظيمًا لشئون العباد، بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل حركتهم في الحياة، وذلك في إطار الأصول الكلية للشريعة، وبما يصون مقاصدهم العامة، وهو ما سعى إليه المشرع في النص المطعون فيه، مستهدفًا من خـلال ما استلزمه من وجوب أن يكون الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون، وذلك لبيان شروطه، والإقرار به، ومستحقيه، والتصرفات التى ترد عليه، وإلا كانت دعواه غير مقبولة، بلوغ الغاية المتمثلة في حماية أموال الوقف من العبث، فأراد المشرع أن يحمى الوقف، ويقطع بثبوته وعدم توجيه المطاعن إليه، سواء من الواقف بإنكاره أو من الوارث بالطعن عليه بالجهالة أو التزوير، وذلك سدًا للذرائع التى ينفذ من خلالها المبطلون للاستيلاء على أموال الوقف في ظل خراب الذمم، وتفشى شهادة الزور، درءًا للأضرار الناجمة عن الدعاوى الملفقة. وقد رصد المشرع جزاء عدم قبول الدعــوى إذا لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا للقانون، استنادًا إلى أن تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص، من القواعد الشرعية المقررة، وأنه يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى، أو أن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعًا لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة حقوقهم من العبث والضياع، وهو أظهر ما يكون في منازعات الوقف. ومن ثم، يكون النص المطعـون فيه متفقًا والمقاصد العامة للشريعة بما توجبه من الحفاظ على أمـوال الوقف، وعدم ضياع حقوق مستحقيه وحقوق الورثة، بما لا مخالفة فيه لأحكام الشريعة الإسلامية، على النحو الذى عناه نص المادة (2) من الدستور.

ولا ينال من ذلك، ما ذكرته الهيئة المدعية من مخالفة النص المطعون فيه للنص القرآنى الكريم قطعى الثبوت قطعى الدلالة في قوله تعالى "يَا أًيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا أوَفُواْ بِالعُقُودِ" - آية رقم (1) سورة المائدة - الذى أوجب الوفاء بالعقود كافة ومن بينها عقد الوقف دون توقف على شهرها، فذلك مردود أولاً: بأن الوقف باعتباره حبسًا للعين وتسبيلاً لثمرتها يتم بالإرادة المنفردة، فهو ليس عقدًا، إنما يتم بإرادة الواقف ويتحقق بالإيجاب منه، أما القبول من الموقوف عليهم فليس بركن في صيغة الوقف، وهو ما أخذ به القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف في المادتين (9، 11) منه فيما تضمنتاه من أن الأصل أنه لا يشترط القبول فيه لصحته، وأن للواقف أن يرجع فيه كله أو بعضه، كما يجوز له أن يغير في مصارفه وشروطه، ومن ثم فلا يُعد عقدًا من العقود الواردة في الآية القرآنية الكريمة. ومردود ثانيًا: بأنه إذا كان الحكم الوارد في الآية الكريمة قطعي الثبوت في شأن كافة العقود، إلا أنه قد اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا فيما هو مقصود بالعقد في تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف الذى كشف عن ظنية دلالة النص بالرغم من قطعية ثبوته، وحيث إن الوقف قد رحُبت الآفاق فيه لاجتهاد الفقهاء، واختلفوا فيه اختلافًا شديدًا من حيث مشروعيته ولزومه وشروط صحته وأركانه، وإنه وإن كان جمهـور الفقهاء قد ذهب إلى جوازه ، فإن البعض منهم ذهب إلى عدم إجازته في بعض صوره استنادًا لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما نزلت سورة النساء وفرضت فيها الفرائض (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس عن فرائض الله تعالى)، وكذا اختلف الفقهاء في أحكامه الفرعية حول وجوب إشهاره من عدمه، فكان لولى الأمر أن يتدخل لتنظيم شئون العباد بالنص المطعون فيه، ومن ثم فإن النعى بمخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية يضحى غير صحيح، متعين الرفض.
فضلاً عن أن النص المطعون فيه ليس بدعًا من المشرع، بل له أصول ممتدة من زمن المحاكم الشرعية، ذلك أنه - وعلى ما ورد بالمذكرة التفسيرية لمشروع القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف - "فى أواخر القرن الماضي رأى أولو الأمر بمصر أن الوقف وما يرتبط به كثرت بشأنهما الدعاوى الباطلة الملفقة..... وكان لأربـاب الحقوق متاعب ومشقات بعيدة المدى بـل للقضاء نفسه .... فاتجهوا إلى الإصلاح بإغلاق أبواب الشرور وسد الذرائع .... ولم يكن أمامهم طريق لما يبتغون سوى تخصيص القضاء والمنع من سماع بعض الدعاوى فسلكوه، واشتملت اللوائح الصادرة للمحاكم الشرعية في سنى 1897 و1911 و1931 على أنه لا تُسمع عند الإنكار دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبدالـه أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط التي تشترط فيه، إلا إذا وُجد بذلك إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعى بالقطر المصري أو مأذون من قبله، وكان مُقيدًا بدفتر إحدى المحاكم الشرعية المصرية".
وحيث إن ما ينعاه المدعى بصفته على النص المطعون فيه من إخلاله بمبدأ المساواة، تأسيسًا على أنه قد مايز بين المسجد والكنيسة في شأن وجوب شهر الإشهاد على الوقف، فاشترطه بالنسبة للكنيسة دون المسجد، على الرغم من أن كليهما من دور العبادة، التى يتعين التماثل فيما بينهما من حيث الأحكام المطبقة على كل منهما، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ - في جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للمصلحة العامة. وأن مبدأ المساواة أمام القانون يفترض عملاً يخل بالحماية القانونية المتكافئة، إذا كان منسوبًا إلى الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أم عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرًا في المعاملة، ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنهما. وليس بصحيح القول بأن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن يُنظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حـددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيهـا، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقيًّا بها. ولا يُتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلاً عن الأغراض التى يتغياها، بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التى يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجود حد أدنى من التوفيق بينها وبين طرائق تحقيقها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد جاء بقاعدة عامة مجردة، ولم يتضمن أية مغايرة في أحكام الوقف بين المسجد والكنيسة، من حيث وجوب شهر الإشهاد على التصرف بالوقف على أى منها، ولا يقيم تمييزًا بينهما، بل ساوى بينهما في هذا المجال، ومن ثم يبرأ من قالة الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (53) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر في الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الهيئة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

التعويضات الجمركية . نظام بديل عن المحاكمة الجنائية


الدعوى رقم 87 لسنة 30 ق " دستورية " جلسة 5 / 1 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجاروالدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 87 لسنة 30 قضائية " دستورية ".
المقامة من
شركة أولاد طاهر رزق
ضــــــد
1- رئيس الجمهوريـــة
2- رئيس مجلس الـــــــوزراء
3- رئيس مجلس النـــــــــواب
4- وزير التجارة الخارجية
الإجراءات
بتاريخ الخامس من مارس سنة 2008، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طالبة الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
  حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن وزير التجارة الخارجية آنذاك كان قد أقام دعويين ضد الشركة المدعية، أولاهما: الدعوى رقم 1507 لسنة 1989 تجارى الإسكندرية، طلبًا للحكم بإلزامها - وحسب طلباته الختامية - بأن تؤدى إليه بصفته مبلغًا قدره مليون ومائتين وثمانية آلاف وثمانمائة وسبعة وأربعون جنيهًا، وثمانمائة وعشرون مليمًا، والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية، وثانيتهما: الدعوى رقم 814 لسنة 1991 تجارى الإسكندرية، طلبًا للحكم بإلزامها بأداء مبلغ قدره خمسمائة وأربعة وتسعون ألفًا وتسعمائة وتسعة وستون جنيهًا ومائتى مليم، تطبيقًا لنص الفقرة الثانية مـن المادة (15) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير، على سند من أن الشركة المدعية تعمل في مجال استيراد السيارات، وأنها قامت باستيراد سبع دفعات من السيارات المستعملة لأغراض الاستعمالات المختلفة، بناء على موافقات استيرادية صدرت من وزارة الاقتصاد والتجارة وذلك أثناء سريان قرار وزارة التخطيط والمالية والاقتصاد رقم 15 لسنة 1980، الذى يبيح للقطاع الخاص الاستيراد بقصد الاتجار عن طريق مصارف القطاع العام التجارية، ويسمح باستيراد سيارات عمرها خمس سنوات سابقة على تاريخ الشحن خلاف سنة الصنع، وأنها بدأت باستيراد السيارات الموافق عليها في غضون عامى 1986، و1987، بعد صدور الموافقات الاستيرادية بنحو خمس سنوات، وكان الثابت أن معظمها يرتد بسنة إنتاجه عن سنتين خـلاف سنة الصنع. وإذ كان قد صدر قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 6 لسنة 1985، معدلا قرار وزير التجارة رقم 1036 لسنة 1978، ونشر بالوقائع المصرية في 5/1/1985، مغايرًا في شروط استيراد السيارات بغرض الاتجار، ونص في المادة (2) منه على جملة شروط، من بينها اشتراط ألا يزيد عمر السيارة عن سنتين سابقتين على شحنها إلى أحد الموانى المصرية بخلاف سنة الصنع، وإذ وردت أولى دفعات السيارات إلى الجمرك، فقد حظرت إدارة الجمرك الإفراج عنها، فأقامت الشركة المدعية الدعويين رقمى 4664 لسنة 1986، 563 لسنة 1987، أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، ضد المدعى عليه الرابع وآخرين، طلبًا للحكم بصفة مستعجلة في الدعوى الأولى بالإفراج عن السيارات موضوع الموافقات الثلاث الأول، وفى الدعوى الثانية بالإفراج عن باقى السيارات التى ترد تباعًا على قوة الموافقات الاستيرادية الثلاث التالية لها، وعن السيارات التى ترد على قوة الموافقة الرابعة، مع الإذن للشركة بفتح الاعتماد المستندي لدى أحد المصارف المعتمدة طبقًا لحكم الفقرة الأولى من القرار الوزارى رقم 15 لسنة 1980، فقضت تلك المحكمة للشركة المدعية بطلباتها في الدعوى الأولى بجلسة 15/12/1986، وفـى الدعـوى الثانية بجلسة 18/4/1987. لم يرتض المحكوم عليهم هذا الحكم فطعنوا على الحكمين المستعجلين أمام محكمة جنوب القاهـرة الابتدائية - دائرة مستأنف مستعجل، وقُيد الاستئناف على الحكم الأول برقم 1663 لسنة 1986 مستأنف مستعجل جنوب القاهرة، وقُضى فيه بجلسة 26/4/1987، بالتأييد، كما قُيد الاستئناف على الحكم الثانى برقم 905 لسنة 1987، وقُضى فيه بجلسة 31/3/1988، بعدم قبوله لرفعه على غير ذى صفة. وبناءً على ذلك قام المدعى عليه الرابع بالإفراج عن السيارات جمركيًّا. وإذ تدوولت الدعويان سالفتا الإشارة إليهما، المقامتان من المدعى عليه الرابع أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، والتى قررت ضمهما للارتباط ووحدة الموضوع، وبجلسة 31/5/2006، قضت في الدعوى رقم 1507 لسنة 1989، تجارى كلى الإسكندرية بإلزام الشركة المدعية، وآخرين، على سبيل التضامن، بأن يؤدوا للمدعى عليه الرابع مبلغًا قدره مليون ومائة وسبعة وخمسون ألفا وتسعمائة وخمسة وتسعون جنيهًا، والفوائد القانونية بواقـــع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، وفى الدعوى رقم 814 لسنة 1991، تجارى كلى الإسكندرية، بإلزام الشركة المدعية وآخرين، على سبيل التضامن، بأن يؤدوا للمدعى عليه الرابع مبلغًا قدره خمسمائة وسبعة وسبعون ألفا، وخمسمائة وتسعون جنيهًا، وذلك على سند من أن الشركة المدعية خالفت قواعد الاستيراد المنصوص عليها في القانون رقم 118 لسنة 1975 المشار إليه، وتستحق عليها المبالغ المشار إليها، باعتبارها تعويضًا معادلا لقيمة البضاعة المفرج عنها، عملاً بنص الفقرة الثانية مـن المادة (15) من هـذا القانون. لم يرتض طرفا الخصومة هذا الحكم، فطعن عليه المدعى عليه الأخير بالاستئناف رقم 1286 لسنة 62 قضائية، أمام محكمة استئناف الإسكندرية، كما طعنت الشركة المدعية عليه بالاستئنافين رقمي 1313، 1349 لسنة 62 قضائية أمام المحكمة ذاتها، وقررت المحكمة ضم الاستئنافين الأخيرين إلى الاستئناف الأول، وأثناء نظر الاستئنافات المشار إليها دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 188 لسنة 1975 بشأن الاستيراد والتصدير، وهو الدفع الذى قدرت محكمة الموضوع جديته، وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.




      وحيث إن المادة (15) من القانون رقم 118 لسنة 1975 بشأن الاستيراد والتصدير تنص على أن "يعاقب كل من يخالف أحكام المادة (1) من هذا القانون أو القرارات المنفذة لها بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه، وتحكم المحكمة في جميع الأحوال بمصادرة السلع موضوع الجريمة.
      ولوزير التجارة أو من يفوضه وقبل رفع الدعوى الجنائية الإفراج عن السلع التى تستورد بالمخالفة لحكم المادة (1) أو القرارات المنفذة لها على أساس دفع المخالف تعويضًا يعادل قيمة السلع المفرج عنها حسب تثمين مصلحة الجمارك يحصل لحساب وزارة التجارة".
      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وأن شرط المصلحة الشخصية المباشرة الذى يحدد للخصومة الدستورية نطاقها، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، فلا يمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤدى ذلك: أن يقيم المدعى الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، وأن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلًا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
      وحيث إن المشرع في المادة (15) من قانون الاستيراد والتصدير المار ذكره، بعد أن نص على تأثيم الأفعال المحظورة بموجب نص المادة رقم (1) من القانون ذاته، والقرارات المنفذة لها، منشئًا لهذه المخالفات جريمة جنائية، سن لها عقوبة الغرامة والمصادرة، استحدث في الفقرة الثانية المطعون عليها نظامًا بديلاً عن المحاكمة الجنائية ، أتاح بمقتضاه لوزير التجارة أو من يفوضه – وقبل رفع الدعوى الجنائية – الإفراج عن السلع المستوردة بالمخالفة لنص المادة (1) والقرارات المنفذة لها، مقابل دفع تعويض يعادل قيمة السلع المفرج عنها - حسب تثمين مصلحة الجمارك - وربط الحق في إقامة الدعوى الجنائية بطلب يقدم من وزير التجارة إلى النيابة العامة، على النحو المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من هذه المادة، وكان البين أن مناط استحقاق هذا التعويض وفقًا لأحكام النص المطعون عليه، أن يكون الإفراج عن السلع المحظور استيرادهــــا بناء على قرار يصدر من وزير التجارة أو من يفوضه حال وجود السلع في الجمارك، وقبل إقامة الدعوى الجنائية، بحيث يكون التعويض المنصوص عليه مصحوبًا بالإفراج عن تلك السلع، بديلاً عن المحاكمة الجنائية. لما كان ذلك، وكان الثابت أن وزير التجارة أو من يفوضه ، لم يصدر أي منهما قرارًا بالإفراج عن السلع المستوردة ، وإنما جرى الإفراج عنها بمقتضى حكم قضائي صادر من القضاء المستعجل، ولم تَعُدْ السلع في حوزة الجمارك، فضلا عن خلو الأوراق مما يفيد تقديم ممثل الشركة المدعية "المستوردة" إلى المحاكمة الجنائية، أو صدور حكم بإدانته، ومن ثم، فقد انتفى موجب إعمال حكم هذه المادة على النزاع المطروح أمام محكمة الموضوع، وانتفت تبعًا لذلك مصلحة الشركة المدعية في الطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.