الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 مارس 2023

الطعن 379 لسنة 30 ق جلسة 20 / 5 / 1965 مكتب فني 16 ج 2 ق 98 ص 602

جلسة 20 من مايو سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.

-------------

(98)
الطعن رقم 379 لسنة 30 القضائية

(أ) وفاء. عقد. "عيوب الرضا". "الغلط. بطلان. "إبطال العقد" "أثره".
الوفاء اتفاق بين الموفي والموفى له على قضاء الدين - بمثابة تصرف قانوني. وجوب خلو التراضي على الوفاء من عيوب الإرادة وإلا كان قابلاً للإبطال. اعتقاد الموفي (غير المدين) خطأ بأن الدين الموفى به حال بحكم نهائي ومقرر له فوائد. غلط جوهري بشأن صفة من صفات الدين أساسية في اعتباره، لولاه ما كان الوفاء. علم الموفى له بهذا الغلط الدافع من شأنه أن يؤدي إلى إبطال الوفاء وإعادة الطرفين إلى ما كانا عليه قبل حصوله.
(ب) وفاء. "الوفاء مع الحلول". بطلان. عقد.
الوفاء الباطل (من غير المدين) لا يترتب عليه حلول الموفي محل الدائن الموفى له في تأميناته. الحلول أثر للوفاء الصحيح. للموفي في الوفاء الباطل حق الرجوع على الموفى له بما أوفاه به.
(ج) تنفيذ. "تنفيذ عقاري". حكم. "ماهية الحكم".
حكم نزع الملكية في ظل قانون المرافعات القديم ليس حكماً بالمعنى المفهوم للأحكام الفاصلة في الخصومات.
(د) حكم "عيوب التدليل". قصور. "ما لا يعد كذلك". "القصور في الأسباب القانونية". نقض "سلطة محكمة النقض".
قصور الحكم في الإفصاح عن السند القانوني لقضائه أو خطئه فيه. لا يبطل الحكم.
(هـ) محكمة النقض. "سلطة محكمة النقض في التكييف". محكمة الموضوع.
التكييف القانوني للوقائع الثابتة بالحكم المطعون فيه من سلطة محكمة النقض.

---------------
1 - الوفاء اتفاق بين الموفي والموفى له على قضاء الدين فهو بهذه المثابة تصرف قانوني يجري عليه من الأحكام ما يجري على سائر التصرفات القانونية فلابد فيه من تراضي الطرفين على وفاء الالتزام. ويشترط في هذا التراضي أن يكون خالياً من عيوب الإرادة فإذا داخل الوفاء عيب منها كان قابلاً للإبطال. فإذا كانت محكمة الموضوع قد حصلت في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة أن الموفي ما قبل الوفاء إلا لاعتقاده بأن الدين الذي أوفى به حال بحكم نهائي وأنه تبين بعد ذلك عدم تحقق هذه الصفة في الدين فإن الموفي يكون قد وقع في غلط جوهري بشأن صفة من صفات الدين الموفى به كانت أساسية في اعتباره إذ لولا هذا الغلط ما كان الوفاء. فإذا كان الموفى له على علم بهذا الغلط الدافع إلى الوفاء فإن من شأن هذا الغلط أن يؤدي إلى إبطال الوفاء متى طلب الموفي ذلك وأن يعود الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبل حصوله ومن ثم يلتزم الموفي بأن يرد المبلغ الذي قبضه.
2 - لا يترتب على الوفاء الباطل حلول الموفي محل الموفى له في تأميناته لأن هذا الحلول إنما ترتب على الوفاء الصحيح.
3 - حكم نزع الملكية - في ظل قانون المرافعات الأهلي الملغي - ليس حكماً بالمعنى المفهوم للأحكام الفاصلة في الخصومات وإنما هو لا يعدو أن يكون إيذاناً من المحكمة ببيع العقار المنفذ عليه بشروط وإجراءات معينة فهو لا يفصل في تحديد الدين أو استحقاقه ولا يرتب حقاً أو يسقط حقاً لأحد الخصوم فيما يتعلق بموضوع هذا الدين ولزومه.
4 - متى كان منطوق الحكم موافقاً للقانون فإنه لا يبطله قصوره في الإفصاح عن السند القانوني لقضائه أو خطئه فيه إذ لمحكمة النقض أن تستكمل ما قصر الحكم في بيانه من ذلك وأن تصحح ما وقع في تقريراته القانونية من خطأ.
5 - لمحكمة النقض أن تعطي الوقائع الثابتة في الحكم المطعون فيه - كيفها القانوني الصحيح ما دامت لا تعتمد في هذا التكييف على غير ما حصلته محكمة الموضوع من هذه الوقائع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن مورث المطعون ضدهم أقام في 29 مايو سنة 1944 على البنك الطاعن الدعوى رقم 3201 سنة 1944 كلي القاهرة وطلب في صحيفتها إلزام هذا البنك بأن يدفع له: (أولاً) مبلغ 3533 ج 767 م مع فوائده بواقع 9% ابتداء من أول ديسمبر سنة 1941 حتى السداد. (ثانياً) مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض وقال في بيان دعواه إن البنك الطاعن كان يداين محمد حسن عامر بمبلغ 3613 ج و9 م مضمون برهن تأميني في المرتبة الأولى على 69 ف و16 ط و8 س ولما تأخر المدين في الوفاء بهذا الدين اتخذ ضده البنك إجراءات لنزع ملكية هذه الأطيان واستصدر بتاريخ 20/ 2/ 1940 حكماً بنزع الملكية في الدعوى رقم 161 سنة 1940 كلي الإسكندرية وأنه لما علم مورث المطعون ضدهم بهذه الإجراءات وكان هو الآخر دائناً لنفس المدين ولكن متأخراً عن البنك الطاعن في المرتبة فقد اتصل بالأخير وتفاوض معه على أن يوفيه دينه ويحل محله في تأميناته وفي إجراءات التنفيذ التي اتخذها ضد مدينهما واشترط للوفاء أن يكون دين البنك قد حل بحكم نهائي ومستحق له فوائد بواقع 9% ولما أكد له البنك توافر هذا الشرط في الدين قام بوفائه للبنك مع فوائده المستحقة حتى 30/ 11/ 1941 وقد بلغ ما دفعه 3533 ج و767 م - غير أن البنك الطاعن لم يقم بعد ذلك بتحرير عقد الحلول الاتفاقي الذي تعهد بتحريره له وقد حكم بتاريخ 18/ 11/ 1942 ببطلان إجراءات نزع الملكية التي كان قد اتخذها البنك وحل محله فيها وذلك بسبب إغفال البنك إعلان الحائز إبراهيم محمد صالح بها. وعلى أثر ذلك وجه إنذاراً إلى البنك في 4/ 2/ 1943 حمله فيه المسئولية عما حدث وما قد يحدث له من أضرار بسبب هذا التقصير كما أنه رأى في سبيل إسقاط كل ذريعة يمكن أن يتذرع بها البنك في المستقبل أن يسير في إجراءات نزع الملكية إلى النهاية فقام بتجديدها في مواجهة الحائز إلا أن هذا عاد واعترض عليها بالدعوى رقم 274 سنة 1943 كلي الإسكندرية التي أقامها بوصفها معارضة في التنبيه وأسسها على أن مورث المطعون ضدهم متخذ الإجراءات لا صفة له في المطالبة بدين البنك وعلى أن هذا الدين مقسط على ثلاثين قسطاً سنوياً وقد قام بسداد الأقساط المستحقة منه فلا يجوز التنفيذ بباقي الدين لعدم استحقاقه وقد قضت محكمة الإسكندرية الابتدائية في هذه المعارضة بتاريخ 29/ 6/ 1943 بإلغاء تنبيه نزع الملكية المؤرخ 13/ 2/ 1943 وشطب التسجيلات المترتبة عليه وأقامت قضاءها بذلك على أنه وإن كان حلول مورث المطعون ضدهم محل البنك قد وقع صحيحاً إلا أنه ليس لهذا المدعي أن يطالب بدين البنك ما دام الحائز قد قام بوفاء الأقساط المستحقة منه وأنه لم يتأخر في الوفاء بأكثر من ثلاثة أقساط وقالت المحكمة عن الشرط الوارد في عقد القرض المبرم بين البنك ومدينه والذي يقضي بأن التأخير في الوفاء بأحد الأقساط يجعل الدين كله واجب الأداء فوراً - إن هذا الشرط إن هو إلا شرط تهديدي الغرض منه حث المدين على الوفاء في الميعاد - ومضى مورث المطعون ضدهم قائلاً في صحيفة دعواه إنه استأنف هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 282 سنة 2 ق محافظة منه على حقوق البنك إلى النهاية وحتى لا يرمي بالتقصير في شيء ولما قضى في هذا الاستئناف بوقفه لوفاة الحائز أقام دعواه هذه ضد البنك تأسيساً على أن هذا قد أخطأ بقبوله الوفاء منهم رغم علمه بعدم تحقق الشرط الذي شرط لهذا الوفاء والذي ما كان يقبل المدعي الوفاء لو علم بعدم توافره وهذا الشرط هو أن يكون الدين مستحقاً مع فوائده بواقع 9% بموجب حكم نهائي صادر في مواجهة المدين وقد ثبت بحكم قضائي أن هذا الشرط لم يكن متوافراً وقت الوفاء لأن الدين غير مستحق وأنه ترتب على خطأ البنك أن حرم المدعي من الحصول على المبلغ الذي دفعه له علاوة على تعطيله في الحصول على دينه الأصلي قبل المدين وعلى ما تكبده بسبب خطأ البنك من نفقات كثيرة مما يجعل له حقاً في طلب التعويض عن هذه الأضرار علاوة على طلب رد المبلغ الذي دفعه - ولدى نظر الدعوى بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1945 قدم مورث المطعون ضدهم مذكرة عدل فيها طلباته إلى طلب الحكم (أولاً) ببطلان التعاقد الذي تم بينه وبين البنك المدعى عليه بموجب الخطابين المؤرخين 29 نوفمبر وأول ديسمبر سنة 1941 أو فسخه مع إلزام البنك بأن يدفع له مبلغ 3403 ج و767 م والفوائد بواقع 9% ابتداء من أول ديسمبر سنة 1941 حتى تمام الوفاء (ثانياً) بإلزام البنك بأن يدفع له مبلغ 500 ج على سبيل التعويض وأسس طلب البطلان على وقوعه في غلط جوهري إذ أنه ما قبل الوفاء للبنك إلا على أساس أن دينه مستحق الأداء مع فوائده بموجب حكم نهائي وقد ثبت بعد الوفاء أنه غير مستحق - وعلى حصول غش من البنك لولاه ما حصل الوفاء وهذا الغش يتمثل في إفهام البنك إياه أن دينه واجب الأداء في حين أنه ليس كذلك كما حكم القضاء - وبنى طلب الفسخ على تخلف البنك عن تنفيذ ما التزم به من تحرير عقد حلول اتفاقي له - وبجلسة 10/ 12/ 1945 المذكورة قضت المحكمة الابتدائية بوقف الدعوى حتى يفصل في الاستئناف المرفوع عن الحكم الصادر في 29/ 6/ 1943 بإلغاء تنبيه نزع الملكية ولما قضى بتاريخ 5/ 6/ 1949 برفض هذا الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف عجل مورث المطعون ضدهم دعواه وبتاريخ 29 من أبريل سنة 1958 حكمت فيها محكمة القاهرة الابتدائية بإلزام البنك الطاعن بأن يدفع له مبلغ 3403 ج و767 م والفوائد القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 29/ 5/ 1944 حتى 14 من أكتوبر سنة 1949 وبواقع 4% من 15/ 10/ 1949 حتى السداد - فاستأنف البنك الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 597 سنة 76 ق وبتاريخ 19/ 6/ 1960 حكمت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف فطعن البنك المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض - وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن ولما عرض على دائرة فحص الطعون قررت بجلسة 4/ 2/ 1964 إحالته إلى هذه الدائرة - وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون وخالف الثابت بالأوراق في تكييفه لحلول مورث المطعون ضدهم محل البنك الطاعن ذلك أنه كيف هذا الحلول بأنه حلول اتفاقي وليس حلولاً قانونياً مع أن الثابت من القضية رقم 274 لسنة 1943 كلي الإسكندرية التي كانت مضمومة للدعوى الحالية والتي أقامها الحائز معارضاً في إجراءات نزع الملكية المتخذة من مورث المطعون ضدهم أن هذا المورث باشر تلك الإجراءات باعتباره حالاً حلولاً قانونياً محل البنك الطاعن بعد أن حكم ببطلان الإجراءات الأولى التي كان قد اتخذها البنك وقد أقر إقراراً قضائياً في تلك الدعوى بأن حلوله محل البنك الطاعن لم يكن بموجب عقد حلول وإنما هو حلول بقوة القانون نتيجة وفائه دائناً مقدماً عليه بما له من تأمينات وقد تعرضت المحكمة في حكمها الذي أصدرته في الدعوى المذكورة لتكييف هذا الحلول وانتهت إلى أنه حلول قانوني بالتطبيق لنص الفقرة الثانية من المادة 162 من القانون المدني القديم - كما أقر مورث المطعون ضدهم أيضاً في الخطابات التي أرسلها إلى البنك وفي الإنذار الذي وجهه إلى الأخير في 4/ 2/ 1943 بأن حلوله محله كان حلولاً قانونياً بالتطبيق لتلك المادة وليس حلولاً اتفاقياً، هذا إلى أنه لما كان الحلول الاتفاقي في رهن تأميني لا يمكن أن يتم إلا بموجب عقد رسمي فإنه ما دام لا يوجد هذا العقد تحت يد مورث المطعون ضدهم فإن حلوله لا يمكن أن يكون اتفاقياً - ولما كان كل ما تقدم يقطع بأن مورث المطعون ضدهم وإن كان قد سعى في بادئ الأمر للحصول على حلول اتفاقي إلا أنه ما لبث أن عدل عن ذلك بإرادته المنفردة واكتفى بالحلول القانوني قبل مدينه ومدين البنك واستغنى بذلك عن تحرير العقد الرسمي الذي كان لابد منه للحلول الاتفاقي وكان الطاعن لم يضمن له سلامة إجراءات التنفيذ التي أحله فيها محله فإنه لا يكون مسئولاً إلا عن وجود الحق الذي تم الوفاء به فلا يضمن خصائصه ولا توابعه ولا تأميناته ومن باب أولى لا يضمن صحة إجراءات التنفيذ التي اتخذت لاستيفاء هذا الحق وما دام قد ثبت وجود الدين الذي أوفى به مورث المطعون ضدهم فإن هذا الموفي لا يستطيع الرجوع على البنك الطاعن لاسترداد ما دفعه حتى ولو لم تتوافر في الدين الخصائص والتوابع التي اعتقد أنها متوافرة فيه أو تبين عدم سلامة إجراءات التنفيذ التي اتخذها البنك لاستيفاء هذا الدين وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه حلول مورث المطعون ضدهم محل البنك الطاعن حلولاً اتفاقياً وألزم الأخير برد ما قبضه على أساس هذا الحلول وذلك على الرغم من عدم حصول أي اتفاق على هذا الحلول أو تحرير عقد رسمي به كما يتطلب القانون فإن هذا الحكم يكون قد خالف القانون كما خالف الحقائق الثابتة في الأوراق.
ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تكييف السند القانوني لقضائه بإلزام الطاعن برد المبلغ وقصر في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن مورث المطعون ضدهم عندما رفع دعواه أسسها على أن وفاءه كان بشروط معينة اتضح له فيما بعد عدم توافرها بسبب خطأ البنك الطاعن وأنه ترتب على هذا الخطأ عدم حصوله على حقه من المدين مما يجيز له قانوناً طلب رد ما دفعه مع التعويض ثم عاد وعدل طلباته بمذكرة قدمها لجلسة 10/ 12/ 1945 وطلب بطلان أو فسخ التعاقد المبرم بينه وبين البنك الطاعن بموجب الخطابين المؤرخين 29/ 11/ 1941 وأول ديسمبر سنة 1941 مع إلزام البنك برد المبلغ المدفوع وبنى طلب البطلان على وقوعه في غلط جوهري في الشيء موضوع التعاقد وعلى وقوع غش أيضاً من البنك المتعاقد الآخر وأسس طلب الفسخ على أن هذا البنك لم يقم بتنفيذ ما التزم به من تحرير عقد الحلول الاتفاقي وقد سجلت محكمة أول درجة في حكمها الصادر في 10/ 12/ 1945 بوقف الدعوى أن المدعي عدل طلباته على هذا النحو ولكنها عندما فصلت في الدعوى بحكمها الصادر في 29/ 4/ 1958 أغفلت هذه الطلبات الجديدة ولم تبين الأساس القانوني لقضائها بإلزام الطاعن برد المبلغ ولما استأنف الطاعن هذا الحكم عاب عليه في صحيفة الاستئناف إغفاله التعرض لتلك الطلبات وعدم بيانه الأساس القانوني لقضائها وذكر أن أساس إلزامه برد المبلغ في الطلبات الجديدة يختلف عن الأساس الذي استند إليه المدعي في عريضة دعواه وأنه ما دام أن هذا المدعي قد ادعى وجود تعاقد وطلب بطلانه أو فسخه فإنه كان على المحكمة أن تبحث إذا كان ثمة تعاقد قد تم أم لا وقد قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي وردت على هذا الدفاع بأن طلب البطلان أو الفسخ لا يعد تعديلاً للطلب الأصلي بل هو طلب إضافي يظل معه الطلب الأصلي الخاص برد المبلغ قائماً وأن القضاء بهذا الرد يفيد على فرض وجود تعاقد أن المحكمة قد استجابت ضمناً للطلب الجديد الزائد واعتبرت العقد مفسوخاً وإن كان لم يتم تعاقد كما يقرر البنك فإن المبلغ المدفوع يكون واجباً رده أيضاً ويرى الطاعن أن هذا الذي قاله الحكم المطعون فيه لا يصلح سنداً لإلزامه برد المبلغ لأنه ما دام الحكم لم يقطع بقيام هذا التعاقد فإنه يكون فاقد الأساس القانوني لقضائه بذلك وأنه إذا كان هذا التعاقد قائماً في رأي الحكم فقد كان عليه أن يبين هل أسباب البطلان للغلط والغش أو أسباب الفسخ التي ادعاها ذلك المورث متوافرة أو غير متوافرة وهل من الممكن أن يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ومن الذي تسبب في الفسخ إذا كانت المحكمة قد اعتبرت العقد مفسوخاً وهل تم الإعذار الذي يتطلبه القانون في حالة الفسخ أو لم يتم وأثر عدم حصول هذا الإعذار - وإذ قصر الحكم في بيان ذلك كله واعتبر العقد مفسوخاً دون بيان سبب الفسخ فإنه يكون قاصراً علاوة على مخالفته للقانون.
وحيث إن الوفاء اتفاق بين الموفي والموفى له على قضاء الدين فهو بهذه المثابة تصرف قانوني يجري عليه من الأحكام ما يجري على سائر التصرفات القانونية فلابد فيه من تراضي الطرفين على وفاء الالتزام ويشترط في هذا التراضي أن يكون خالياً من عيوب الإرادة فإذا داخل الوفاء عيب منها كان قابلاً للإبطال - ولما كانت محكمة الاستئناف قد حصلت في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة مستمدة من أوراق الدعوى أو وفاء مورث المطعون ضدهم للبنك الطاعن كان على أساس شروط معينة قبلها هذا البنك من بينها أن يكون الدين حالاً بحكم نهائي ومقرراً له فوائد بواقع 9% - وأن الموفي ما قبل الوفاء إلا لاعتقاده بأن الدين الذي أوفى به مستوف لهذه الصفة وقت الوفاء، وقد ساعد على اعتقاده بذلك ما ذكره له البنك في الخطاب الذي أرسله إليه في 23 ديسمبر سنة 1941 رداً على خطابه الذي طلب فيه من البنك أن يؤيد كتابة موافقته على الشروط التي شرطها المورث الموفي للوفاء - ما ذكره البنك من أن هذا المورث سيجد عند اطلاعه على مستندات المديونية التي تحت يد البنك ما يرغبه، كما ساعد على هذا الاعتقاد اتخاذ البنك إجراءات نزع ملكية ضد مدينه وفاء للدين بتمامه - كما حصل الحكم المطعون فيه أن البنك لم يكن حسن النية في تصرفاته مع ذلك المورث إذ تعمد في خطاباته تجاهل شرط حلول الدين بموجب حكم نهائي لوثوقه بأنه غير متحقق وتوصلا في السكوت إلى الحصول على الدين من المورث - وقال الحكم أيضاً في التدليل على سوء نية البنك "إن الثابت أن البنك لم يكن حسن النية إذ كما سبق كان حريصاً على قبض دينه دون تقيده بشروط الدفع وأنه كان يتهرب منها عندما كان الدافع يطالب بالرد عليها صراحة بدليل أنه - أي البنك - أحال على مستندات المديونية نفسها وما يرغبه المورث الدافع وثابت أنه ليس بها ما يرغبه وفي تجهيل البنك الرد صراحة اكتفاء بقوله "ما يرغبه" ما يتنافى مع حسن النية في التعامل". ونفى الحكم سوء النية وقصد الاغتيال اللذين نسبهما البنك الطاعن إلى مورث المطعون ضدهم بقوله "إن المورث دفع المبلغ الذي طالبه به البنك كاملاً وبشروط معينة ولما لم يجدها المورث متوافرة عاد وطالب برد مبلغه المدفوع فلا اغتيال إذن... أما إذا كان المورث عاد واتخذ إجراءات جديدة بعد القضاء ببطلان الإجراءات الأولى التي بدأها البنك والتي تدخل فيها المورث فقد كان ذلك التجديد تحت تأثير اعتقاده باستحقاق الدين بأكمله أي أنه حال الأداء كما زعم له البنك إلا أنه ثبت في القضية رقم 274 سنة 1943 كلي الإسكندرية والتي يتمسك البنك بحكمها أن ذلك غير صحيح وأن الدين لا زال باقياً أي غير حال الأداء وفي اتخاذ الإجراءات الجديدة ما يفيد حسن نية المورث اعتقاداً منه بصحة ما قرره له البنك إلا أنه ثبت العكس بإقرار البنك الآن" وانتهى الحكم من تحصيله للوقائع على هذا النحو إلى القول "وعلى ذلك يكون الدفع من المورث غير سليم لعدم توافر أهم شرائطه وهو حلول الدين بحكم نهائي ولا عبرة إلا بما اتفق عليه وثبت من المكاتبات المتبادلة السابق الإشارة إلى بعضها" وقال الحكم في موضع آخر "وإذا يكون الدفع للبنك بموجب الشيك غير صحيح ولا سند له مما يوجب إعادة الأمور إلى أصلها بإعادة المبلغ إلى صاحبه" - ولما كان التكييف القانوني الصحيح لهذا الذي حصلته محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية هو أن مورث المطعون ضدهم الموفي قد وقع في غلط جوهري بشأن صفة من صفات الدين الموفى به كانت أساسية في اعتباره وأنه لولا هذا الغلط ما كان الوفاء. وأن البنك الطاعن - الموفى له - كان على علم بهذا الغلط وبأنه هو الدافع إلى الوفاء - لما كان ذلك، وكان من شأن الغلط الذي وقع فيه مورث المطعون ضدهم على هذا النحو أن يؤدي إلى إبطال الوفاء متى طلب هذا المورث إبطاله لهذا السبب وكان الثابت من الوقائع السالف بيانها أنه طلب هذا الإبطال في طلباته الختامية أمام محكمة الدرجة الأولى فإن إعمال حكم القانون على وجهه الصحيح كان يوجب على محكمة الموضوع إبطال الوفاء لقيام سبب البطلان من واقع ما حصلته هي في حكمها المطعون فيه وإذ كان ما يترتب على إبطال الوفاء هو أن يعود الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبل حصوله فيلتزم الموفى له بأن يرد المبلغ الذي قبضه. وكان الحكم ولو أنه لم يصرح بإبطال العقد إلا أنه انتهى إلى ترتيب هذه النتيجة في أسبابه ومنطوقه وقضى بإلزام البنك الطاعن برد هذا المبلغ كما قضى بفوائده القانونية من تاريخ المطالبة القضائية بالتطبيق لنص المادة 124 من القانون المدني الملغي والمادة 226 من القانون القائم فإن هذا الحكم يكون موافقاً للقانون في نتيجته ولا يبطله بعد ذلك قصوره في الإفصاح عن السند القانوني لقضائه أو خطؤه فيه إذ لمحكمة النقض أن تستكمل ما قصر الحكم في بيانه من ذلك وأن تصحح ما وقع في تقريراته القانونية من خطأ ما دام منطوقه موافقاً للقانون كما أن لهذه المحكمة أن تعطي الوقائع الثابتة في الحكم كيفها القانوني الصحيح ما دامت لا تعتمد في هذا التكييف على غير ما حصلته محكمة الموضوع من هذه الوقائع، ومتى ثبت أن قضاء الحكم المطعون فيه مستقيم على أساس أن الوفاء كان عن غلط وقع فيه الموفي مما يجعل هذا الوفاء ذاته باطلاً فإن محكمة الموضوع لم تكن بعد ذلك بحاجة لأن تبحث نوع الحلول الذي ترتب على هذا الوفاء لأن الحلول إنما هو أثر للوفاء الصحيح فلا يكون هناك محل لبحثه إذا كان الوفاء باطلاً وبالتالي يكون جميع ما يثيره الطاعن في هذين السببين بشأن خطأ الحكم في تكييف هذا الحلول وقصوره في تسبيب قضائه بخصوصه غير منتج لوروده على ما يعتبر تزيداً من الحكم وما لم يكن يقتضيه الفصل في الدعوى - أما ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قصوره في بحث ما إذا كان الأثر المترتب على إبطال العقد وهو إعادة الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل حصول الوفاء ممكناً تحقيقه أم لا فمردود بأنه ما دام الطاعن لا يدعي بأنه تمسك لدى محكمة الموضوع رداً على طلب الإبطال الذي أبداه خصمه باستحالة تحقيق ذلك الأثر فإن عدم تعرض المحكمة من تلقاء نفسها لبحث ذلك لا يعد قصوراً منها متى كانت أوراق الدعوى خالية مما يحول دون إمكان تحقيق هذا الأثر.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه خطأه في تكييف حكم نزع الملكية وفي مساءلته عن النتائج المترتبة على بطلان هذا الحكم - وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن ما شرطه مورث المطعون ضدهم في مفاوضاته معه من أن يكون الدين مستحق الأداء مع فوائده بواقع 9% هذا الشرط كان متوافراً وقت الوفاء لأن الدين كان مستحقاً ومقرراً له هذه الفوائد بموجب حكم نزع الملكية الصادر في 20 فبراير سنة 1940 في الدعوى رقم 161 سنة 1940 كلي الإسكندرية إذ قضى هذا الحكم بنزع الملكية وفاء لدين البنك الطاعن الذي قدره هذا الحكم بمبلغ 3613 ج و9 م مع الفوائد بواقع 9% - لكن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفاع بأن حكم نزع الملكية ليس حكماً بالدين وإنما هو حكم بإتمام إجراءات معينة وهو قول يراه الطاعن خطأ في القانون لأن حكم نزع الملكية طبقاً لقانون المرافعات الأهلي هو حكم صريح باستحقاق الدين استحقاقاً نهائياً وبإلزام المدين بأدائه وإذا كان حكم نزع الملكية الذي صدر لمصلحة الطاعن قد أبطل بعد ذلك فإن الطاعن لا يسأل عن نتائج هذا الإبطال لأنه لم يضمن لمورث المطعون ضدهم سلامة إجراءات نزع الملكية التي كان قد اتخذها ومن ثم فقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ ألزمه برد المبلغ على أساس النتائج المترتبة على بطلان حكم نزع الملكية.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن حكم نزع الملكية - في ظل قانون المرافعات الأهلي الملغي - ليس حكماً بالمعنى المفهوم للأحكام الفاصلة في الخصومات وإنما هو لا يعدو أن يكون إيذاناً من المحكمة ببيع العقار المنفذ عليه بشروط وإجراءات معينة فهو لا يفصل في تحديد الدين أو استحقاقه ولا يرتب حقاً أو يسقط حقاً لأحد الخصوم فيما يتعلق بموضوع هذا الدين ولزومه - وإذ اعتبره الحكم المطعون فيه كذلك فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون ذلك أنه قضى بإلزامه برد الدين الموفى به على الرغم من أن الحائز أودع قيمة هذا الدين خزانة المحكمة على ذمة هذا المورث وامتنع الأخير عن استلامه بغير وجه حق، ولقد سلم الحكم المطعون فيه بصحة هذا الإيداع لكنه برر امتناع مورث المطعون ضدهم عن استلام المبلغ المودع بأن هذا المورث ليس دائناً للحائز الذي قام بالإيداع وهو قول ينطوي على خطأ في القانون إذ أن قيام هذا المورث بوفاء البنك الطاعن بدينه قبل المدين يترتب عليه بقوة القانون انقضاء دين البنك وحلول المورث الموفي محله في حقه قبل هذا المدين بحيث يصبح وحده الدائن للأخير فامتناعه عن استلام المبلغ المودع يعد امتناعاً عن قبول الوفاء بغير حق وبالتالي لا يجوز له الرجوع على البنك بالدين الذي أوفاه.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه متى كان الوفاء ذاته قد وقع باطلاً على ما سلف بيانه في الرد على السببين الأولين فإنه لا يترتب على هذا الوفاء الباطل حلول الموفي محل الموفى له في تأميناته لأن هذا الحلول إنما يترتب على الوفاء الصحيح. ولما كان من شأن إبطال الوفاء الحاصل من مورث المطعون ضدهم إعادة الموفي والموفى له إلى الحالة التي كانا عليها قبل حصول هذا الوفاء فإن مورث المطعون ضدهم يكون محقاً في الرجوع على البنك الطاعن بما كان قد أوفاه به ويكون امتناع هذا المورث عن استلام المبلغ الذي أودعه الحائز مبرراً إذ ما دام قد اعتبر وفاءه باطلاً فإنه لم يكن له قبول هذا المبلغ حتى لا يحتج بذلك القبول ضده على أنه إجازة منه للوفاء تسقط حقه في طلب إبطاله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق