جلسة 26 من يونيه سنة 2018
برئاسة السيـد القاضي / نبيـل عمران نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمـود التركاوي، د. مصطفى سالمان، محمد القاضي وصلاح عصمت نواب رئيس المحكمة.
----------------
(126)
الطعون أرقام 8102، 8103، 8244 لسنة 87 القضائية
(2،1) بنوك " عمليات البنوك : الحساب الجاري : إقفاله " .
(1) قفل الحساب الجاري وتصفيته . مناطه . انتهاء العمليات المتبادلة بين العميل والبنك وعدم الاستمرار فيها . أثره . وقوع المقاصة العامة فوراً وتلقائياً بين مفرداته الموجودة في جانبيه واستخلاص رصيد وحيد يحل محل جميع حقوق طرفيه كل في مواجهة الأخر.
(2) قفل الحساب الجاري وتسويته . أثره . اعتبار الرصيد مستحقاً بأكمله وصيرورته ديناً عادياً محدد المقدار وحال الأداء . مؤداه . عدم جواز تقاضى فوائد مركبة إلا إذا ثبت وجود عادة أو قاعدة تجارية تقضي بذلك . لازمه . سريان الفوائد القانونية على رصيده ما دام العقد خلا من الاتفاق على سريان الفوائد الاتفاقية . م 232 مدنى .
(3) خبرة " سلطة محكمة الموضوع في تقدير عمل الخبير " .
أخذ محكمة الموضوع بتقرير الخبير باعتباره عنصراً من عناصر الإثبات في الدعوى . شرطه . أن يكون مبني على أسباب سليمة وسائغة . أخذها به حال كونه قائماً على مجرد استنتاج أو أسباب متناقضة أو على غير أساس سليم . قصور . مثال .
(4) تعويض " تقدير التعويض : سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض " .
تقدير التعويض . استقلال قاضي الموضوع به . شرطه . تناسب التعويض مع الضرر . علة ذلك .
(5) تعويض " تقدير التعويض : التعويض الإجمالي " .
لمحكمة الموضوع القضاء بتعويض إجمالي عن جميع الأضرار التي حاقت بالمضرور . شرطه . بيانها لعناصر الضرر الذي قضت من أجله بذلك التعويض ومناقشتها لكل عنصر منها على حدة . تعيين عناصر الضرر . من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض . قضاء الحكم المطعون فيه بالتعويض دون تعيين عناصر الضرر ومناقشتها . قصور .
(6) أوراق تجارية " الكمبيالة : كفالة الكمبيالة " .
الضمان الاحتياطي . ماهيته . كفالة مصرفية للدين الثابت في الكمبيالة . جواز أن يكون الضامن الاحتياطي من الملتزمين السابقين بالورقة . شكل الضمان . وجوب أن يرد كتابة على صك الكمبيالة ذاتها أو على وصلة متصلة بها وغير مستقلة عنها . علة ذلك . معرفة الحق الثابت بها وجميع ضماناته بمجرد الاطلاع عليها . مخالفة ذلك . أثره . خضوع الضمان الى الأحكام العامة في الضمان والكفالة الواردة في القانون المدني دون الأحكام المتميزة طبقا لقانون الصرف . م 418، 419/ 1 من ق التجارة .
(7) عقد " بعض أنواع العقود : عقد الكفالة " .
عقد الكفالة . مقتضاه . تعهد الكفيل بضم ذمته إلى ذمة المدين بأداء مبلغ الدين للدائن إذا لم يوفه له المدين .
(8) التزام " تعدد طرفي الالتزام : التضامن " .
التزام الكفيل متضامناً أو غير متضامن . ماهيته . التزام تابع لالتزام المدين الأصلي لا يقوم إلا بقيامه . مؤداه . للكفيل التمسك في مواجهة الدائن بما يستطيع المدين التمسك به . المادتين 282، 794 مدني .
(9) عقد " تحديد موضوع العقد : تفسير العقد ".
لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود والاتفاقات والمحررات بما تراه أوفى إلى نية عاقديها . شرطه . إقامة قضاءها على أسباب سائغة ولا تخرج عما تحتمله عبارات المحرر .
(11،10) أوراق تجارية " الكمبيالة : كفالة الكمبيالة " .
(10) ضمان الطاعنين لجميع الكمبيالات المقدمة من الشركة المطعون ضدها الرابعة . حقيقته . تعهد بضمان احتياطي . عدم كتابته على الكمبيالات المتعهد بضمانها أو على ورقة متصلة بها . أثره . خروجه من أحكام الضمان الاحتياطي الخاضع لقواعد الالتزام الصرفي وخضوعه لقواعد الكفالة التي ينظمها القانون المدني . م 419 من ق التجارة .
(11) انتهاء الحكم المطعون فيه إلى براءة ذمة الشركة المطعون ضدها الرابعة المدين الأصلي من المبلغ المكفول من الطاعنين . إلزام الحكم للطاعنين بذلك المبلغ باعتبارهم كفلاء متضامنين لها . خطأ . علة ذلك .
(12) بنوك " علاقة البنك بعملائه " .
التزام البنك بتحصيل حقوق العميل لدى الغير الثابتة في مستندات أو أوراق مالية . التزام ببذل عناية . م 704 /2 مدني . كيفية ذلك . اتخاذ إجراءات قبض قيمتها وإخطار العميل بها . علة ذلك . مخالفة ذلك . أثره . مثال .
(14،13) نقض " أثر نقض الحكم " .
(13) نقض الحكم المطعون فيه جزئيا . أثره . عدم إزالته كليا . إزالة الأجزاء التي تم نقضها فقط وتلك التي تأسست عليها وارتبطت بها من أجزاء الحكم الأخرى . بقاء الأجزاء التي لم يطعن فيها أو التي قضى بعدم قبول أو برفض الطعن فيها قائمة . علة ذلك . م 271 مرافعات . مثال .
(14) اعتبار أسباب الطعن الوجه الآخر والمقابل لأسباب الطعن المقضي بنقضه جزئيا . مؤداه . توافر الإرتباط بين الطعنين . أثره . نقض الحكم جزئيًا في الطعن الثاني يستتبع حتمًا نقض الأول جزئيًا في ذات الخصوص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الحساب الجاري ينتهى بانتهاء العمليات المتبادلة بين العميل والبنك وعدم الاستمرار فيها وفقًا لما تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف الدعوى وملابساتها، وبانتهائها يُقفل الحساب وتتم تصفيته، ويترتب على قفل الحساب وقوع المقاصة العامة فورًا وتلقائيًا بين مفرداته الموجودة في جانبيه، ويُستخلص من هذه المقاصة رصيد وحيد هو الذى يحل محل جميع حقوق كل من الطرفين في مواجهة الآخر.
2- يعتبر الرصيد مستحقًا بأكمله بمجرد قفل الحساب وتسويته، ويصبح هذا الرصيد دينًا عاديًا محدد المقدار وحال الأداء لا يجوز معه - وفقًا للمادة 232 من القانون المدني - تقاضى فوائد مركبة عنه إلا إذا ثبت وجود عادة أو قاعدة تجارية تقضى بذلك، وتسري عليه الفوائد القانونية لا الفوائد الاتفاقية مادام العقد قد خلا من الاتفاق على سريانها بعد قفل الحساب.
3- المقرر أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بتقرير الخبير المنتدب باعتباره عنصرًا من عناصر الإثبات إلا أنه يشترط في ذلك أن يكون التقرير مبنى على أسس سليمه وأسباب سائغة، أما إذا كان التقرير قائمًا على مجرد استنتاج أو أسباب متناقضة أو على غير أساس سليم من الأوراق واستندت عليه المحكمة في قضائها فإن حكمها يكون مشوبًا بالقصور. لما كان ذلك، وكان الواقع فى الدعوى أخذًا من الثابت بالأوراق أن الطاعنة أقامت دعواها بطلب الحكم ببراءة ذمتها من الدين المطالب به من البنك المطعون ضده الأول على سند من أن تقرير الخبير لم يحدد تاريخ قفل كل حساب من الحسابات موضوع النزاع كما أنه لم يبين كيفية احتساب الفوائد على عقود الاعتمادات محل النزاع وكذلك لم يحدد تاريخ توقف المدفوعات في الحسابات الجارية سالفة الذكر وترك تحديدها للمحكمة واعتبر أن تاريخ قفل كل الحسابات في 3/10/2000 على الرغم من وجود كمبيالات مسلمة من الطاعنة للبنك المذكور لتحصيلها لصالح الحسابات الجارية سالفة الذكر بتواريخ لاحقة على هذا التاريخ ثم عاد واحتسب الفوائد على أساس أن الحسابات المذكورة مازالت مفتوحة ولم تغلق حتى تاريخ 31/8/2005 وإذ استند الحكم المطعون فيه على ذلك التقرير وألزم الطاعنة بالمبلغ المذكور بالرغم ما به من عوار وتناقض في أسبابه وأبحاثه والنتيجة التي انتهى إليها مما يكون معه الحكم المطعون فيه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
4- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه ولئن كان تقدير الضرر وتحديد التعويض الجابر له هو مما تستقل به محكمة الموضوع إلا أنه لابد وأن يتناسب التعويض مع الضرر لأن الغاية من التعويض هو جبر الضرر جبرًا متكافئا.
5- المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تقضى بتعويض إجمالي عن جميع الأضرار التي لحقت بالمضرور إلا أن ذلك مشروط بأن تبين عناصر الضرر الذي قضى من أجله بهذا التعويض وأن تناقش كل عنصر منها على حده باعتبار أن تعيين هذه العناصر هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابه محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تقدير التعويض الجابر للضرر المادي الذي لحق بالطاعنة دون أن يوضح عناصر الضرر المادي والتي أسس عليها الحكم قضاءه بالتعويض ولم يناقش كل عنصر على حدة وهو ما يعجز محكمة النقض عن مراقبة تلك العناصر وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب.
6- النص في المادة 418 من قانون التجارة "1- يجوز ضمان وفاء مبلغ الكمبيالة كله أو بعضه من ضامن احتياطي. 2- ويكون هذا الضمان من أي شخص ولو كان ممن وقعوا الكمبيالة."، وفى المادة 419(1) من ذات القانون على أنه "1- يُكتب الضمان الاحتياطي على الكمبيالة أو على وصلة."، يدل على أن الضمان الاحتياطي هو كفالة مصرفية يقدمها الضامن الاحتياطي الذي يكفل بمقتضاها أحد الموقعين على الكمبيالة في التزامه بضمان القبول أو الوفاء أو هما معًا، ومن ثم فإن الضمان الاحتياطي هو كفالة الدين الثابت في الكمبيالة، والضامن الاحتياطي هو كفيل يضمن الوفاء بقيمة الكمبيالة في ميعاد الاستحقاق، وقد نظم المشرع في قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 قواعد الضمان الاحتياطي فحدد الأشخاص الذين يجوز لهم أن يكونوا ضامنين احتياطيين حتى لو كانوا من الملتزمين السابقين بالورقة، مستحدثًا بذلك حكمًا جديدًا لم يكن موجودًا قبل العمل بهذا القانون. كما تناول المشرع شكل الضمان الاحتياطي فاشترط أن يرد كتابة على صك الكمبيالة ذاتها أو على وصلة متصلة بها وغير مستقلة عنها بحيث يؤدي الاطلاع على الكمبيالة إلى كفايتها الذاتية لإيضاح الحق الثابت بها وجميع ضماناته، وإلا خضع إلى الأحكام العامة في الضمان والكفالة دون الأحكام المتميزة طبقًا لقانون الصرف. وبعبارة أخرى فإن الضمان الاحتياطي للكمبيالة هو نظام مصرفي محض يخضع لقانون الصرف وفي حالة عدم توافر شروطه كما حددها المشرع فلا يخضع الضمان الاحتياطي لقواعد النظام الصرفي التي نظمها القانون التجارة وإنما يخضع لقواعد وأحكام الكفالة الواردة في القانون المدني.
7- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن عقد الكفالة هو عقد بمقتضاه يضم شخص ذمته إلى ذمة المدين في التزام عليه، وذلك بأن يتعهد للدائن بأدائه إذا لم يؤده المدين له.
8- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن التزام الكفيل -متضامن أو غير متضامن- هو التزام تابع لالتزام المدين الأصلي، فلا يقوم إلا بقيامه وينتهي بانتهائه، إذ لا يسوغ النظر في إعمال أحكام الكفالة على التزام الكفيل قبل البت في التزام المدين الأصلي، ومن ثم فإن للكفيل أن يتمسك في مواجهة الدائن بما يستطيع المدين أن يتمسك به إعمالاً للمادتين 282 و794 من القانون المدني، فكل ما يؤثر في الالتزام الأصلي يؤثر في التزام الكفيل، فإذا قضى ببراءة ذمة المدين الأصلي من الدين المكفول استتبع ذلك -بطريق اللزوم- انقضاء الكفالة وبراءة ذمة الكفيل.
9- المقرر أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة في فهم الواقع في الدعوى وتفسير المحررات والعقود والشروط المختلف عليها للتعرف على حقيقة المقصود منها وحقيقة العلاقة التي تربط بين طرفي الخصومة، إلا أن شرط ذلك أن يتفق مدلول عبارات المحرر مع المعنى الذي حصله الحكم ولا خروج فيه عن المعنى الظاهر لتلك العبارات.
10- إذ كان الثابت من الأوراق، ومن التعهد المقدمة صورته من البنك المطعون ضده الأول، أنه يتضمن ضمان الطاعنين لجميع الكمبيالات المقدمة من الشركة المطعون ضدها الرابعة والمظهرة للبنك المطعون ضده الأول والتزامهم بسداد أي كمبيالة من هذه الكمبيالات في حالة عدم سدادها، وإذ كان هذا التعهد هو في حقيقته هو تعهد بضمان احتياطي إلا أنه لم يُكتب على الكمبيالات المتعهد بضمانها، كما لم يُكتب على ورقة متصلة بهذه الكمبيالات، على نحو ما تطلبه المشرع في المادة 419 من قانون التجارة المشار إليها، الأمر الذى يترتب عليه خروج هذا التعهد من أحكام الضمان الاحتياطي الخاضع لقواعد الالتزام الصرفي، فتكون العلاقة بين الطاعنين والبنك المطعون ضده الأول، في حقيقتها، علاقة كفلاء بالبنك الدائن، وهى علاقة تخضع لقواعد الكفالة التي ينظمها القانون المدني، ولا يغير من ذلك أن بعض تواريخ هذه الكمبيالات كانت قبل العمل بقانون التجارة الحالي، ذلك أن الثابت من صورة هذا التعهد غير المؤرخ أنه لم يتضمن تحديدًا دقيقًا للكمبيالات المضمونة على نحو ناف للجهالة، وكذلك فقد خلا من بيان قيمة المبالغ المكفولة بتلك الكمبيالات المستقبلية وهو ما اشترطه القانون التجاري القديم وذلك وفقًا للقواعد العامة.
11- إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى براءة ذمة الشركة المطعون ضدها الرابعة - وهي المدين الأصلي- من المبلغ المكفول من الطاعنين ومقداره 62/733‚272‚99 جنيه وهو مجموع قيمة الكمبيالات التي سقط الحق في استيفائها نتيجة إهمال البنك في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيلها في المواعيد المقررة، ثم عاد الحكم المطعون فيه وألزم الطاعنين بالمبلغ سالف الذكر، على سند من أنهم كفلاء متضامنين للشركة سالفة الذكر، دون أن يفطن أن التزام الطاعنين، باعتبارهم كفلاء للشركة الأخيرة، هو التزام تابع لالتزام المدين الأصلي - الشركة المذكورة- وأن التزامهم يسقط وينقضي بسقوط وانقضاء الدين الأصلي المكفول للشركة، على النحو سالف بيانه، الأمر الذي يكون معه الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
12- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن البنك الذى يعهد إليه عميله بتحصيل حقوقه لدى الغير والثابتة في مستندات أو أوراق مالية، عليه أن يبذل في ذلك عناية الوكيل المأجور عملاً بالمادة 704(2) من القانون المدني وذلك باتخاذه الإجراءات اللازمة لقبض قيمتها خلال آجال مناسبة وإخطار العميل بها حتى يتسنى له اتخاذ ما يراه مناسبًا من الإجراءات للمحافظة على حقوقه لدى الغير، ومن ثم يحق للعميل طلب التعويض عن الضرر الذى يكون قد لحقه من جراء عدم قيام البنك باتخاذ تلك الإجراءات وهذا الإخطار، ولا ينال من هذا الحق تضمن عقود الاعتمادات المبرمة بين العميل والبنك إعفاء الأخير من عمل البروتستو ومن رفع دعوى الرجوع أو اتخاذ الإجراءات على المدينين في الميعاد القانوني، إذ إن هذا الإعفاء مقصور على هذين الإجراءين وحدهما دون أن يمتد إلى التزام البنك باعتباره وكيلاً مأجورًا باتخاذ ما يلزم من الإجراءات للحفاظ على حقوق عميله لدى الغير وإخطاره بما لديه من أوراق تجارية لم يتم تحصيلها قبل حلول آجالها حتى يتخذ ما يراه بشأنها. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها الأولى سلمت الأوراق التجارية محل النزاع للبنك الطاعن لتحصيلها وأن الأخير تركها ولم يقم بتحصيل قيمتها ولم يخطرها بعدم تحصيلها حتى تتخذ ما تراه من الإجراءات بشأنها للحفاظ على حقوقها الثابتة فيها، وهو ما يتوافر في حقه ركن الخطأ وتنعقد مسئوليته عما لحق المطعون ضدها الأولى من ضرر متمثل في تعذر حصولها على حقوقها الثابتة في الأوراق التجارية سالفة الذكر، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى صائبًا إلى توافر ركن الخطأ في جانب البنك الطاعن فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا، ويكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
13- المقرر أنه إذا نقض الحكم المطعون فيه نقضًا جزئيًا فإن نقضه لا يزيله كله وإنما يزيل فقط ذلك الجزء الذي تم نقضه وما يكون قد تأسس على هذا الجزء وارتبط به من أجزاء الحكم الأخرى، إذ لا يتسع قبول الطعن ونقض الحكم في هذه الحالة لأكثر مما شمله سبب الطعن الذى قبلته محكمة النقض ونقضت الحكم على أساسه، ولا يمتد نطاق النقض إلى باقي أجزاء الحكم التي لم يطعن فيها أو التي قضى بعدم قبول أو برفض الطعن فيها، إذ يصير قضاء الحكم فيها باتًا لا تجوز مناقشته أو إعادة النظر فيه لا من محكمة الإحالة ولا من محكمة النقض إذا تصدت هي للفصل في الموضوع، وذلك إعمالاً لما نصت عليه المادة 271 من قانون المرافعات من أنه "... وإذا كان الحكم لم يُنقض إلا فى جزء منه بقى نافذًا فيما يتعلق بالأجزاء الأخرى ما لم تكن مترتبة على الحكم المنقوض". لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت في الطعن السابق رقم 8103 لسنة 87ق إلى نقض الحكم المطعون فيه نقضًا جزئيًا فيما قضى به في الدعوى الفرعية بشأن إلزام الطاعنين بمبلغ 72/733‚272‚99 جنيه لصالح بنك مصر، وكان الحكم بنقض الحكم المطعون فيه جزئيًا في هذا الخصوص يزيل فقط الجزء المنقوض منه فيسقط ما أمر به أو رتبه من حقوق ويصبح غير صالح لأن ينبني عليه حكم آخر، انصب على هذا الجزء التي تم نقضه، فيضحى النعي على الحكم بهذا السبب واردًا على غير محل.
14- إذ كانت أسباب هذا الطعن تقوم على تخطئة الحكم المطعون فيه في شأن تاريخ قفل الحساب ولقضائه بإلزام البنك بمبلغ مليون جنيه تعويضًا ماديًا للمطعون ضدها الأولى دون بيان عناصر الخطأ من جانب البنك الطاعن وعناصر الضرر الذى لحق بالمطعون ضدها الأولى والتي قدر على أساسها مبلغ التعويض. وكانت هذه الأسباب بذاتها هي الوجه الآخر والمقابل لأسباب الطعن الأول رقم 8102 لسنة 87 ق المرفوع من شركة ...، وهو ما يتوافر به الارتباط بين الطعنين ومن ثم فإن نقض الحكم المطعون فيه جزئيًا في الطعن المشار إليه يستتبع حتمًا نقضه جزئيًا في ذات الخصوص في هذا الطعن أيضًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة .
حيث إن الطعون الثلاثة استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة الطاعنة فى الطعن الأول أقامت على البنك المطعون ضده الأول في ذات الطعن الدعوى رقم ... لسنة 2004 مدني كلي جنوب القاهرة، بطلب الحكم – وفقًا لطلباتها الختامية - ببراءة ذمتها من الدين الذي يطالبها به الأخير وإلزامه بأن يؤدى لها مبلغ 034‚374‚73 جنيه والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد، وبيانًا لذلك قالت إن البنك المذكور منحها تسهيلات ائتمانية منذ عام 1996 بغرض تمويل العمليات التجارية والصناعية ولقد انتهت فعليًا منذ عام 2000 وعلى الرغم من ذلك فقد فوجئت أنه يحسب عليها عمولات وفوائد مركبة غير مستحقة على أرصدة الحسابات، فضلاً عن إهمال البنك فى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للرجوع على مدينى الأوراق التجارية المظهرة إليه ليقوم بتحصيلها وخصمها من قيمة التسهيلات مما أدى إلى سقوطها بالتقادم، ومن ثم كانت الدعوى. ندبت المحكمة خبيرًا وبعد أن أودع تقريره، أدخل البنك بموجب صحيفة معلنة قانونًا، المطعون ضدهم من الرابع حتى الثانى عشر – فى الطعن الأول – ووجه طلبًا عارضًا بطلب الحكم (أولاً) بإلزام الشركة الطاعنة فى الطعن الأول أن تؤدى له مبلغ 01/169‚682‚163 جنيه حق 31/10/2006 والفوائد بواقع 5‚13% سنويًا وحتى تمام السداد، (ثانيًا) بإلزام المطعون ضدهم من الرابع حتى الثانى عشر بالتضامن مع الشركة الطاعنة أن يؤدوا له مبلغ 72/733‚272‚99 جنيه حق 31/10/2006 والفوائد بواقع 5‚13% سنويًا وحتى تمام السداد، كما أقامت الشركة الطاعنة الدعوى رقم ... لسنة 2007 تجارى كلى جنوب القاهرة بطلب ندب خبير والحكم ببراءة ذمتها من قيمة الشيكات وإيصالات الأمانة المسلمة للبنك تأمينًا للوفاء بالتزاماتها فى الاعتمادات المستندية وإلزام الأخير برد هذه الأوراق التجارية إليها. وبيانًا لذلك قالت إنها أبرمت عقود تسهيلات ائتمانية مع البنك تضمنت الاتفاق على فتح اعتماد مستندى لصالح المورد الأجنبى يتولى البنك سداد قيمته بمجرد تقديم مستندات شحن البضائع، على أن تقوم الشركة بسداد 10% من قيمة الاعتماد للبنك لدى تسلمها مستندات الشحن وسداد باقى قيمة الاعتماد خصمًا من حسابها الجارى من حصيلة سداد عملائها للأوراق التجارية المسحوبة منهم لصالحها والتى ظهرتها للبنك. حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًا بنظر الدعويين وأحالتهما بحالتهما إلى الدائرة الاستئنافية بمحكمة القاهرة الاقتصادية، فتم قيدهما لديها برقمى ... و... لسنة 7ق استئناف اقتصادى. أقام المطعون ضدهم من الرابع حتى الثانى عشر فى الطعن الأول، دعوى فرعية ببراءة ذمتهم من المبالغ المطالب بها فى الدعوى الفرعية. كما عدلت الشركة الطاعنة طلباتها إلى طلب إجراء مقاصة بين ما للبنك من مبالغ وحقوق وما عليه من التزامات ومديونيات وطلبت إلزامه بمبلغ مليون جنيه كتعويض مادى وأدبى لها. وبجلسة 20/3/2017 قضت المحكمة (1) فى الدعوى الأصلية ببراءة ذمة الشركة الطاعنة فى الطعن الأول من مبلغ 733‚272‚99 جنيه. (2) فى الدعوى الفرعية والطلبات العارضة بإلزام الشركة الأخيرة أن تؤدى للبنك المذكور مبلغ 71/336‚409‚64 جنيه حق 31/8/2005 والفائدة بواقع 7% سنويًا حتى تاريخ السداد. (3) إلزام المطعون ضدهم من الرابع حتى الثانى عشر فى الطعن الأول بأن يؤدوا للبنك مبلغ 62/733‚272‚99 جنيه. (4) بإلزام البنك أن يؤدى للشركة الطاعنة مبلغ مليون جنيه تعويضًا ماديًا. وفى الدعوى رقم ... لسنة 7ق برفضها بحالتها. طعنت الشركة فى هذا الحكم بالطعن رقم 8102 لسنة 87 ق، كما طعن الطاعنون (المطعون ضدهم من الرابع حتى الثانى عشر فى الطعن الأول) فى هذا الحكم بالطعن رقم 8103 لسنة 87 ق، وكذلك طعن بنك ... فى هذا الحكم بالطعن رقم 8244 لسنة 87 ق، وأودعت النيابة مذكرة فى كل طعن، أبدت الرأى فى الطعن الأول برفضه، وفى الطعنين الثانى والثالث بنقض الحكم المطعون فيه نقضًا جزئيًا، وإذ عرضت الطعون الثلاثة على دائرة فحص الطعون الاقتصادية، حددت جلسة لنظرها أمام هذه المحكمة وفيها قررت المحكمة ضم الطعنين الثانى والثالث إلى الأول ليصدر فيها حكم واحد، والتزمت النيابة رأيها.
أولاً: عن الطعن رقم 8102 لسنة 87 ق المرفوع من شركة ... للصناعة :
حيث إن حاصل ما تنعاه الطاعنة بالسببين الأول والثالث من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه انتهى إلى إلزامها بالمبلغ المقضي به استنادًا إلى تقرير الخبير المنتدب على الرغم من قصور هذا التقرير في بيان كيفية حسابه لمبلغ المديونية، وكذلك عدم بيانه لتاريخ قفل كل حساب من الحسابات موضوع النزاع على حدة مع ما لذلك من أثر على ذلك حساب الفوائد لكل حساب على استقلال. كما أخطأ الحكم عندما أثبت في أسبابه أن تاريخ قفل الحساب هو 1/10/2000 إلا أنه قضى في منطوقه بإلزام الشركة بفائدة حق 31/8/2005 فيكون بذلك قد قضى بفائدة مركبة طوال هذه المدة رغم عدم وجود اتفاق أو عادة تقضى بذلك، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الحساب الجارى ينتهى بانتهاء العمليات المتبادلة بين العميل والبنك وعدم الاستمرار فيها وفقًا لما تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف الدعوى وملابساتها، وبانتهائها يُقفل الحساب وتتم تصفيته، ويترتب على قفل الحساب وقوع المقاصة العامة فورًا وتلقائيًا بين مفرداته الموجودة فى جانبيه، ويُستخلص من هذه المقاصة رصيد وحيد هو الذى يحل محل جميع حقوق كل من الطرفين فى مواجهة الآخر، ويعتبر الرصيد مستحقًا بأكمله بمجرد قفل الحساب وتسويته، ويصبح هذا الرصيد دينًا عاديًا محدد المقدار وحال الأداء لا يجوز معه -وفقًا للمادة 232 من القانون المدنى- تقاضى فوائد مركبة عنه إلا إذا ثبت وجود عادة أو قاعدة تجارية تقضى بذلك، وتسرى عليه الفوائد القانونية لا الفوائد الاتفاقية مادام العقد قد خلا من الاتفاق على سريانها بعد قفل الحساب. كما أن من المقرر أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع فى سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بتقرير الخبير المنتدب باعتباره عنصرًا من عناصر الإثبات إلا أنه يشترط فى ذلك أن يكون التقرير مبنى على أسس سليمه وأسباب سائغة، أما إذا كان التقرير قائمًا على مجرد استنتاج أو أسباب متناقضة أو على غير أساس سليم من الأوراق واستندت عليه المحكمة فى قضائها فإن حكمها يكون مشوبًا بالقصور. لما كان ذلك، وكان الواقع فى الدعوى أخذًا من الثابت بالأوراق أن الطاعنة أقامت دعواها بطلب الحكم ببراءة ذمتها من الدين المطالب به من البنك المطعون ضده الأول على سند من أن تقرير الخبير لم يحدد تاريخ قفل كل حساب من الحسابات موضوع النزاع كما أنه لم يبين كيفية احتساب الفوائد على عقود الاعتمادات محل النزاع وكذلك لم يحدد تاريخ توقف المدفوعات فى الحسابات الجارية سالفة الذكر وترك تحديدها للمحكمة واعتبر أن تاريخ قفل كل الحسابات فى 3/10/2000 على الرغم من وجود كمبيالات مسلمة من الطاعنة للبنك المذكور لتحصيلها لصالح الحسابات الجارية سالفة الذكر بتواريخ لاحقة على هذا التاريخ ثم عاد واحتسب الفوائد على أساس أن الحسابات المذكورة مازالت مفتوحة ولم تغلق حتى تاريخ 31/8/2005 وإذ استند الحكم المطعون فيه على ذلك التقرير وألزم الطاعنة بالمبلغ المذكور بالرغم ما به من عوار وتناقض فى أسبابه وأبحاثه والنتيجة التى انتهى إليها مما يكون معه الحكم المطعون فيه قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال بما يوجب نقضه فى هذا الشق.
وحيث إن ما تنعاه الطاعنة بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه قضى بتعويض إجمالى بمبلغ مليون جنيه عن جميع الأضرار التى لحقت بها من جراء إهمال البنك المطعون ضده الأول فى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتحصيل الكمبيالات المسلمة إليه دون أن يبين عناصر الضرر الذي قضى من أجله بهذا التعويض فضلاً أن مبلغ التعويض لا يتناسب مع قيمة الضرر الذي لحق بها.
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان تقدير الضرر وتحديد التعويض الجابر له هو مما تستقل به محكمة الموضوع إلا أنه لابد وأن يتناسب التعويض مع الضرر لأن الغاية من التعويض هو جبر الضرر جبرًا متكافئا وأن لها أن تقضى بتعويض إجمالى عن جميع الأضرار التى لحقت بالمضرور إلا أن ذلك مشروط بأن تبين عناصر الضرر الذى قضى من أجله بهذا التعويض وأن تناقش كل عنصر منها على حده باعتبار أن تعين هذه العناصر هو من المسائل القانونية التى تخضع لرقابه محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تقدير التعويض الجابر للضرر المادى الذى لحق بالطاعنة دون أن يوضح عناصر الضرر المادى والتى أسس عليها الحكم قضاءه بالتعويض ولم يناقش كل عنصر على حدة وهو ما يعجز محكمة النقض عن مراقبة تلك العناصر وهو ما يعيب الحكم بالقصور فى التسبيب مما يوجب معه نقض الحكم فى هذا الخصوص، بغير حاجة إلى بحث باقى أسباب الطعن.
ثانيًا: الطعن رقم 8103 لسنة 87 ق المرفوع من ... وآخرين :
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقولون إنه انتهى إلى إلزامهم بمبلغ 62/733‚272‚99 جنيه تأسيسًا على أنهم كفلاء متضامنين للشركة المطعون ضدها الرابعة -المدين الأصلي- عن المبلغ المذكور، في حين أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى براءة ذمتها من ذات المبلغ المكفول، مما كان لازمه أن يقضى أيضًا ببراءة ذمتهم منه باعتبار أن التزامهم قبل البنك الدائن هو التزام تابع لالتزام المدين الأصلي إعمالاً للمادتين 782 و794 من القانون المدني، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن النص فى المادة 418 من قانون التجارة "1- يجوز ضمان وفاء مبلغ الكمبيالة كله أو بعضه من ضامن احتياطي. 2- ويكون هذا الضمان من أى شخص ولو كان ممن وقعوا الكمبيالة."، وفى المادة 419(1) من ذات القانون على أنه "1- يُكتب الضمان الاحتياطى على الكمبيالة أو على وصلة."، يدل على أن الضمان الاحتياطى هو كفالة مصرفية يقدمها الضامن الاحتياطى الذى يكفل بمقتضاها أحد الموقعين على الكمبيالة في التزامه بضمان القبول أو الوفاء أو هما معًا، ومن ثم فإن الضمان الاحتياطي هو كفالة الدين الثابت في الكمبيالة، والضامن الاحتياطي هو كفيل يضمن الوفاء بقيمة الكمبيالة في ميعاد الاستحقاق، وقد نظم المشرع في قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 قواعد الضمان الاحتياطي فحدد الأشخاص الذين يجوز لهم أن يكونوا ضامنين احتياطيين حتى لو كانوا من الملتزمين السابقين بالورقة، مستحدثًا بذلك حكمًا جديدًا لم يكن موجودًا قبل العمل بهذا القانون. كما تناول المشرع شكل الضمان الاحتياطي فاشترط أن يرد كتابة على صك الكمبيالة ذاتها أو على وصلة متصلة بها وغير مستقلة عنها بحيث يؤدى الاطلاع على الكمبيالة إلى كفايتها الذاتية لإيضاح الحق الثابت بها وجميع ضماناته، وإلا خضع إلى الأحكام العامة في الضمان والكفالة دون الأحكام المتميزة طبقًا لقانون الصرف. وبعبارة أخرى فإن الضمان الاحتياطي للكمبيالة هو نظام مصرفي محض يخضع لقانون الصرف وفى حالة عدم توافر شروطه كما حددها المشرع فلا يخضع الضمان الاحتياطى لقواعد النظام الصرفى التى نظمها القانون التجارة وإنما يخضع لقواعد وأحكام الكفالة الواردة فى القانون المدنى. وكان من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن عقد الكفالة هو عقد بمقتضاه يضم شخص ذمته إلى ذمة المدين فى التزام عليه، وذلك بأن يتعهد للدائن بأدائه إذا لم يؤده المدين له، ومؤدى ذلك أن التزام الكفيل -متضامن أو غير متضامن- هو التزام تابع لالتزام المدين الأصلى، فلا يقوم إلا بقيامه وينتهى بانتهائه، إذ لا يسوغ النظر فى إعمال أحكام الكفالة على التزام الكفيل قبل البت فى التزام المدين الأصلى، ومن ثم فإن للكفيل أن يتمسك فى مواجهة الدائن بما يستطيع المدين أن يتمسك به إعمالاً للمادتين 282 و794 من القانون المدني، فكل ما يؤثر فى الالتزام الأصلى يؤثر فى التزام الكفيل، فإذا قضى ببراءة ذمة المدين الأصلي من الدين المكفول استتبع ذلك -بطريق اللزوم- انقضاء الكفالة وبراءة ذمة الكفيل. وكان من المقرر أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة فى فهم الواقع فى الدعوى وتفسير المحررات والعقود والشروط المختلف عليها للتعرف على حقيقة المقصود منها وحقيقة العلاقة التى تربط بين طرفى الخصومة، إلا أن شرط ذلك أن يتفق مدلول عبارات المحرر مع المعنى الذى حصله الحكم ولا خروج فيه عن المعنى الظاهر لتلك العبارات. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق، ومن التعهد المقدمة صورته من البنك المطعون ضده الأول، أنه يتضمن ضمان الطاعنين لجميع الكمبيالات المقدمة من الشركة المطعون ضدها الرابعة والمظهرة للبنك المطعون ضده الأول والتزامهم بسداد أى كمبيالة من هذه الكمبيالات فى حالة عدم سدادها، وإذ كان هذا التعهد هو فى حقيقته هو تعهد بضمان احتياطى إلا أنه لم يُكتب على الكمبيالات المتعهد بضمانها، كما لم يُكتب على ورقة متصلة بهذه الكمبيالات، على نحو ما تطلبه المشرع فى المادة 419 من قانون التجارة المشار إليها، الأمر الذى يترتب عليه خروج هذا التعهد من أحكام الضمان الاحتياطى الخاضع لقواعد الالتزام الصرفى، فتكون العلاقة بين الطاعنين والبنك المطعون ضده الأول، فى حقيقتها، علاقة كفلاء بالبنك الدائن، وهى علاقة تخضع لقواعد الكفالة التى ينظمها القانون المدنى، ولا يغير من ذلك أن بعض تواريخ هذه الكمبيالات كانت قبل العمل بقانون التجارة الحالى، ذلك أن الثابت من صورة هذا التعهد غير المؤرخ أنه لم يتضمن تحديدًا دقيقًا للكمبيالات المضمونة على نحو ناف للجهالة، وكذلك فقد خلا من بيان قيمة المبالغ المكفولة بتلك الكمبيالات المستقبلية وهو ما اشترطه القانون التجارى القديم وذلك وفقًا للقواعد العامة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى براءة ذمة الشركة المطعون ضدها الرابعة -وهى المدين الأصلى- من المبلغ المكفول من الطاعنين ومقداره 62/733‚272‚99 جنيه وهو مجموع قيمة الكمبيالات التى سقط الحق فى استيفائها نتيجة إهمال البنك فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيلها فى المواعيد المقررة، ثم عاد الحكم المطعون فيه وألزم الطاعنين بالمبلغ سالف الذكر، على سند من أنهم كفلاء متضامنين للشركة سالفة الذكر، دون أن يفطن أن التزام الطاعنين، باعتبارهم كفلاء للشركة الأخيرة، هو التزام تابع لالتزام المدين الأصلى -الشركة المذكورة- وأن التزامهم يسقط وينقضى بسقوط وانقضاء الدين الأصلى المكفول للشركة، على النحو سالف بيانه، الأمر الذى يكون معه الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يعيبه ويوجب نقضه نقضًا جزئيًا فى هذا الخصوص.
ثالثًا: الطعن رقم 8244 لسنة 87 ق المرفوع من بنك ... :
وحيث إن البنك الطاعن ينعىَ بالوجه الأول من السبب الأول من أسباب طعنه على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه قضى ببراءة ذمة الشركة المطعون ضدها الأولى من مبلغ 62/733‚272‚99 جنيه قيمة الأوراق التجارية المرتدة دون تحصيل تعويضًا عن الأضرار التي قال إنها لحقت بها بعد أن رأى توافر ركن الخطأ في جانب البنك الطاعن، في حين أن عقود الاعتماد موضوع النزاع تضمنت في بنودها إعفاء البنك من إجراء البروتستو والرجوع على المدين بالأوراق التجارية سالفة الذكر بما تنتفى معه مسئولية البنك ويسقط معه حق الشركة المذكورة فى المطالبة بقيمة الأوراق التجارية التي لم يتم تحصيلها أو في طلب التعويض عنها، كما أن الأخيرة قد صادقت على المديونية المستحقة عليها مما يقطع بعلمها بتلك الأوراق وبالإعفاء الصادر منها له، فينتفى ركن الخطأ فى جانب البنك وتنتفى من ثم مسئوليته، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن البنك الذى يعهد إليه عميله بتحصيل حقوقه لدى الغير والثابتة فى مستندات أو أوراق مالية، عليه أن يبذل في ذلك عناية الوكيل المأجور عملاً بالمادة 704(2) من القانون المدني وذلك باتخاذه الإجراءات اللازمة لقبض قيمتها خلال آجال مناسبة وإخطار العميل بها حتى يتسنى له اتخاذ ما يراه مناسبًا من الإجراءات للمحافظة على حقوقه لدى الغير، ومن ثم يحق للعميل طلب التعويض عن الضرر الذى يكون قد لحقه من جراء عدم قيام البنك باتخاذ تلك الإجراءات وهذا الإخطار، ولا ينال من هذا الحق تضمن عقود الاعتمادات المبرمة بين العميل والبنك إعفاء الأخير من عمل البروتستو ومن رفع دعوى الرجوع أو اتخاذ الإجراءات على المدينين في الميعاد القانوني، إذ إن هذا الإعفاء مقصور على هذين الإجراءين وحدهما دون أن يمتد إلى التزام البنك باعتباره وكيلاً مأجورًا باتخاذ ما يلزم من الإجراءات للحفاظ على حقوق عميله لدى الغير وإخطاره بما لديه من أوراق تجارية لم يتم تحصيلها قبل حلول آجالها حتى يتخذ ما يراه بشأنها. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها الأولى سلمت الأوراق التجارية محل النزاع للبنك الطاعن لتحصيلها وأن الأخير تركها ولم يقم بتحصيل قيمتها ولم يخطرها بعدم تحصيلها حتى تتخذ ما تراه من الإجراءات بشأنها للحفاظ على حقوقها الثابتة فيها، وهو ما يتوافر فى حقه ركن الخطأ وتنعقد مسئوليته عما لحق المطعون ضدها الأولى من ضرر متمثل فى تعذر حصولها على حقوقها الثابتة فى الأوراق التجارية سالفة الذكر، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى صائبًا إلى توافر ركن الخطأ فى جانب البنك الطاعن فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا، ويكون النعى على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن ما ينعاه البنك الطاعن بالسبب الثاني من أسباب طعنه على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه ألزم المطعون ضدهم من الثاني حتى الخامس بمبلغ 72/733‚272‚99 جنيه دون إلزام باقي المطعون ضدهم من السادس حتى الأخير بهذا المبلغ على الرغم من أن البنك الطاعن قدم لمحكمة الموضوع أصل التعهد الموقع منهم باعتبارهم كفلاء متضامنين للشركة سالفة الذكر للكمبيالات التي لم يتم تحصيل قيمتها، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأنه من المقرر أنه إذا نقض الحكم المطعون فيه نقضًا جزئيًا فإن نقضه لا يزيله كله وإنما يزيل فقط ذلك الجزء الذى تم نقضه وما يكون قد تأسس على هذا الجزء وارتبط به من أجزاء الحكم الأخرى، إذ لا يتسع قبول الطعن ونقض الحكم في هذه الحالة لأكثر مما شمله سبب الطعن الذى قبلته محكمة النقض ونقضت الحكم على أساسه، ولا يمتد نطاق النقض إلى باقى أجزاء الحكم التى لم يطعن فيها أو التى قضى بعدم قبول أو برفض الطعن فيها، إذ يصير قضاء الحكم فيها باتًا لا تجوز مناقشته أو إعادة النظر فيه لا من محكمة الإحالة ولا من محكمة النقض إذا تصدت هى للفصل فى الموضوع، وذلك إعمالاً لما نصت عليه المادة 271 من قانون المرافعات من أنه "... وإذا كان الحكم لم يُنقض إلا فى جزء منه بقى نافذًا فيما يتعلق بالأجزاء الأخرى ما لم تكن مترتبة على الحكم المنقوض". لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت فى الطعن السابق رقم 8103 لسنة 87 ق إلى نقض الحكم المطعون فيه نقضًا جزئيًا فيما قضى به فى الدعوى الفرعية بشأن إلزام الطاعنين بمبلغ 72/733‚272‚99 جنيه لصالح بنك مصر، وكان الحكم بنقض الحكم المطعون فيه جزئيًا فى هذا الخصوص يزيل فقط الجزء المنقوض منه فيسقط ما أمر به أو رتبه من حقوق ويصبح غير صالح لأن ينبنى عليه حكم آخر، انصب على هذا الجزء التى تم نقضه، فيضحى النعى على الحكم بهذا السبب واردًا على غير محل.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالوجهين الثانى والثالث من السبب الأول وبالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه ألزم المطعون ضدها الأولى بمبلغ 71/336‚409‚64 جنيه حق 31/8/2005 وفائدة 7% سنويًا حتى تاريخ السداد معتبرًا أن التاريخ المذكور هو تاريخ قفل الحساب وأن القانون رقم 88 لسنة 2003 قد صدر لاحقًا فلا ينطبق بأثر رجعى على المعاملات السابقة عليه، كما قضى الحكم بإلزامه بمبلغ مليون جنيه تعويضًا ماديًا للمطعون ضدها الأولى، هذا إلى أن القانون رقم 120 لسنة 1975 المعدل قد استقر على منح كل بنك سلطة تحديد أسعار الفائدة عن العمليات المصرفية التى يجريها، وإذ تضمنت عقود الاعتماد موضوع النزاع حساب عائد مقداره 13,5% وكانت الحسابات الجارية موضوع النزاع لم تغلق بعد لعدم توافر حالة من الحالات غلق الحساب المحددة قانونًا، بل تضمنت تلك العقود سريان الفوائد حتى تمام السداد. ولم يبين الحكم عناصر الخطأ من جانب الطاعن وعناصر الضرر الذى لحق بالمطعون ضدها الأولى والتى قدر على أساسها مبلغ التعويض، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن أسباب هذا الطعن تقوم على تخطئة الحكم المطعون فيه فى شأن تاريخ قفل الحساب ولقضائه بإلزام البنك بمبلغ مليون جنيه تعويضًا ماديًا للمطعون ضدها الأولى دون بيان عناصر الخطأ من جانب البنك الطاعن وعناصر الضرر الذى لحق بالمطعون ضدها الأولى والتى قدر على أساسها مبلغ التعويض. وكانت هذه الأسباب بذاتها هى الوجه الآخر والمقابل لأسباب الطعن الأول رقم 8102 لسنة 87 ق المرفوع من شركة ... للصناعة، وهو ما يتوافر به الارتباط بين الطعنين ومن ثم فإن نقض الحكم المطعون فيه جزئيًا فى الطعن المشار إليه يستتبع حتمًا نقضه جزئيًا فى ذات الخصوص فى هذا الطعن أيضًا.
وحيث إنه إعمالاً للمادة الثانية عشرة من قانون المحاكم الاقتصادية، فإنه يتعين الفصل في موضوع الدعوى في الأجزاء التي تم نقضها والمذكورة سلفًا.
وحيث إنه بالنسبة إلى الدعوى الفرعية المقامة من البنك، ولما كانت المحكمة قد انتهت في أسباب ردها على الطعن الثاني رقم 8103 لسنة 87 ق إلى سقوط التزام الطاعنين فى الطعن المذكور -المدعى عليهم في الدعوى الفرعية- ككفلاء للشركة المطعون ضدها الرابعة -المدين الأصلي - وذلك بعد صدور الحكم ببراءة ذمة الأخيرة من المبلغ المكفول، باعتبار أن التزام المكفول تابع لالتزام المدين الأصلي ويسقط بسقوطه، فيتعين والحال كذلك الحكم برفض الدعوى الفرعية المقامة من البنك في هذا الخصوص.
وحيث إنه بالنسبة إلى الدعوى الفرعية والطلبات العارضة بشأن إلزام الشركة الطاعنة في الطعن الأول بمبلغ 71/336‚409‚64 جنيه حق 31/8/2005 وفائدة 7% حتى تاريخ السداد، وكذلك إلزام البنك المطعون ضده الأول في ذات الطعن بمبلغ مليون جنيه على سبيل التعويض، ولما تقدم. وإذ كانت هذه المحكمة –في سبيل الفصل فى الموضوع- ترى استجلاءً لوجوه الدفاع في الدعوى ضرورة ندب لجنة من الخبراء المصرفيين لأداء المأمورية المبينة في المنطوق مع إرجاء البت فى المصروفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقبل الفصل فى الموضوع، وفى حدود ما تم نقضه فى الطعنين الأول والثالث، بندب لجنة ثلاثية من الخبراء المصرفيين المقيدين بجدول خبراء المحاكم الاقتصادية تكون مهمتهم بعد الاطلاع على أوراق الدعوى وما عسى أن يقدمه الخصوم فيها من مستندات، بيان العناصر التالية على وجه الدقة والتحديد:
ردحذف- بيان إجمالى المبالغ التى تم استخدامها - بالفعل - من التسهيلات المصرفية لكل حساب من الحسابات الأربعة على حدة.
- بيان تاريخ توقف تبادل المدفوعات فى كل حساب على حدة، أى آخر تاريخ تلقى فيه كل حساب من الحسابات الأربعة مدفوعات من العميل (الشركة الطاعنة)، ما لم يكن هناك تبادل آخر للمدفوعات بعد ذلك التاريخ.
- بيان مديونية كل حساب على حدة فى تاريخ توقف تبادل المدفوعات.
- بيان قيمة الفوائد المحتسبة على كل حساب من بداية استخدام مبلغ التسهيلات حتى تاريخ توقف تبادل المدفوعات، مع بيان ما إذا كانت الفائدة المقيدة على الحساب تعادل سعر الفائدة المتفق عليها أم لا، مع استبعاد أى عمولات أو مصاريف قيدت على الحساب دون أن يقابلها خدمة حقيقية أداها البنك للعميل، وصولاً إلى بيان مديونية كل حساب من الحسابات الأربعة فى تاريخ توقف تبادل المدفوعات.
- بيان إجمالى قيمة المبالغ التى حصلها البنك من الكمبيالات والأوراق التجارية الأخرى التى ظهرها العميل -الشركة- لصالح البنك، مع بيان مصير الكمبيالات التى أغفل الخبير السابق خصمها من مديونية الشركة لاسيما ما يخص المبالغ بالمارك الألمانى والدولار الأمريكى.
- ما إذا كان لدى الشركة الطاعنة مستندات مثبتة لوقوع أضرار مادية لها نتيجة عدم تسلمها الكمبيالات التى لم يتم تحصيلها.
وللجنة فى سبيل مباشرة مأموريتها سماع أقوال الخصوم ومن ترى لزومًا لسماع أقواله بغير حلف يمين والانتقال إلى أى جهة حكومية أو غير حكومية يرى لزوم الانتقال إليها والاطلاع على ما لديها من مستندات وعلى الطاعنة فى الطعن الأول إيداع أمانة مقدارها خمسة عشر ألف جنيه خزينة المحكمة على ذمة المصروفات وأتعاب الخبراء على أن تصرف اللجنة نصف الأمانة عند استلام المأمورية وباقيها عند إيداع التقرير النهائى وحددت جلسة 9/ 10/ 2018 لنظر الدعوى بحالتها فى حالة عدم سداد الأمانة وجلسة 23/ 10/ 2018 لنظرها فى حالة سدادها، وعلى قلم الكتاب إخطار لجنة الخبراء لمباشرة المأمورية فور إيداع الأمانة، وعلى اللجنة تقديم تقريرها إلى ما قبل الجلسة الأخيرة بأسبوعين وصرحت للطرفين بالاطلاع عليه فور إيداعه وأبقت الفصل فى المصروفات وعلى قلم الكتاب إعلان من لم يحضر من الخصوم جلسة النطق بالحكم.