جلسة ١٤ من يونية سنة ١٩٥٠
برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وحضور
حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وأحمد حسني بك وإبراهيم
خليل بك ومحمد غنيم بك المستشارين.
------------------
(٢٥١)
القضية رقم ٤٣٥ لسنة ٢٠ القضائية
ا - تحقيق.
استيقاف متهم في وضع مشتبه فيه مريب.
لا شية فيه.
ب - تفتيش.
استظهار الرضا به في أدلة تنتجه. سلطة محكمة الموضوع في ذلك.
جـ - حكم. تسبيبه.
خطأ الحكم في ذكر واقعة في معرض سرد وقائع الدعوى لم يكن له
تأثير في منطق الحكم. حكم سليم.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة: ١ - رزق رياض ميلاد
(الطاعن) و٢ - زكي بشاي بشارة بأنهما أحرزا مخدرات (أفيوناً) في غير الأحوال
المصرح بها قانوناً، وطلبت عقابهما بالمواد ١و٢و٣٥/١-٦ و٤٠و٤١و٤٥ من القانون رقم
٢١ لسنة ١٩٢٨.
سمعت محكمة أبو حماد الجزئية الدعوى، وأمامها دفع
المتهمان ببطلان القبض والتفتيش، وبعد أن أنهت سماعها قضت حضورياً برفض الدفع
ببطلان القبض والتفتيش وبصحتهما وبحبس كل من المتهمين ثلاث سنين مع الشغل والنفاذ
وبتغريم كل منهما ستمائة جنيه ومصادرة المخدرات والسيارات والنقود المضبوطة، وذلك
عملا بمواد الاتهام وبالمادة ٣٠ من قانون العقوبات. فاستأنفا، وأمام محكمة
الزقازيق الابتدائية التي نظرت دعواهما تمسكا بما سبق أن دفعا به من بطلان القبض
والتفتيش، فقضت المحكمة بقبول استئنافهما شكلا وفي موضوعه برفض الدفع وبإلغاء
الحكم المستأنف فيما قضى به من إدانة المتهم الثاني وببراءته مما نسب إليه وفيما
قضى به من مصادرة النقود والقرط المضبوطين مع المتهم الأول، وذلك عملا بالمادة ١٧٢
من قانون تحقيق الجنايات، وبتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك.
فطعن المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض
الخ الخ.
----------------
المحكمة
وحيث إن محصل أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه
حين دان الطاعن بإحراز المخدر جاء قاصراً وأخطأ في تطبيق القانون، واستند إلى ما
يخالف الثابت بالتحقيقات. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع ببطلان القبض والتفتيش
ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع وعللت رفضها بأن الاعتراض في الطريق والأمر بالوقوف
وطلب إثبات الشخصية والأمر بفتح الصندوق الخلفي للسيارة تمهيداً لتفتيشه، كل ذلك
يعتبر مجرد استيقاف، مع أن الواضح أنها قبض ما دام أنه حصل التعرض لحرية الطاعن
ومنع من الاستمرار في الطريق ومن حرية الذهاب والإياب، كما أخذت المحكمة من واقعة
فتحه للصندوق رضاء بالتفتيش، مع أن وقائع الدعوى تتجافى مع القول بحصول الرضا الذي
بني عليه الحكم والذي يجب أن يثبت بشكل واضح لا لبس فيه. ثم إن ما أوردته المحكمة
من جواز تفتيش السيارة بناء على أن حرية المساكن التي كفلها الدستور لا ينسحب
إليها أمر يخالف روح التشريع وحكمته، لأن السيارة وهي خاصة بصاحبها يستعملها لشخصه
ولوضع أمتعته وأوراقه الخاصة به يجب أن يكون حكمها حكم المنزل الخاص، إذ الحكمة في
الحالين واحدة وهي عدم المساس بالحرية الشخصية، وانتهى الطاعن إلى أن المحكمة قد
أخطأت في الإسناد، فذكرت وقائع غير صحيحة عن فتح السيارة، كما ذكرت أن الطاعن فتش
بعد تفتيش السيارة فوجد في جيبه جواز السفر، مع أن هذا الجواز إنما وجده الضابط
واطلع عليه قبل تفتيش السيارة، وأنه كان لهذا الخطأ أثره في الحكم.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى
فقال: "إنها تتحصل كما أثبتها الملازم أول عبد الكريم درويش رئيس نقطة التل
الكبير في محضره وكما شهد بها أمام محكمة أول درجة هو والباشجويش أحمد محمد عوض في
أنه قام يوم ١٨ أكتوبر سنة ١٩٤٩ الساعة ١٠ صباحاً ومعه الباشجاويش أحمد محمد عوض
والجاويش باركر من مباحث البوليس الحربي البريطاني للبحث عن سيارة لوري بريطانية
سرقت من طريق المعاهدة في صباح اليوم نفسه فقصدوا إلى مدينة فاقوس فبحثوا فيها وفي
القرى والعزب المحيطة بها فلم يعثروا عليها وفي عودتهم الساعة الثانية والدقيقة ١٥
مساء اخترقوا بسيارة "الجيب" التي كانوا يركبونها الصحراء الممتدة شرق معسكرات
التل الكبير فأبصروا سيارة واقفة في مكان منعزل غير مطروق فاتجهوا نحوها لمعرفة
سبب وقوفها إلا أنهم ما كادوا يقتربون منها حتى بدأت السيارة في السير فأسرعوا
نحوها وطلبوا إلى سائقها الوقوف وكان بها شخصان أحدهما يتولى قيادتها وهو المتهم
الأول والثاني يجلس بجواره وهو المتهم الثاني ثم سألوا المتهم الأول عن سبب وقوفه
في هذه المنطقة، فقال إنه كان قادماً من القاهرة لبور سعيد وضل الطريق، ولما نوقش
في أن الطريق من القاهرة لبور سعيد هو طريق المعاهدة وهو ممهد مرصوف أرتج عليه
فطلبوا منه فتح شنطة السيارة الخلفية فقال بصوت منخفض إنه يحمل مخدرات ثم فتح
الشنطة فوجدت بداخلها حقيبة من الجلد تحوي المخدرات ولما فتحها الضابط وجد بها خمس
عشرة لفافة بها أفيون داخل أكياس من الجلد المشمع ثم فتشت أجزاء السيارة الأخرى
فلم يعثر بها على شيء وقام الضابط بتفتيش المتهم الأول فوجد معه خمسمائة جنيه وستة
وقرطاً من الذهب وجواز سفر باسمه للسفر لفلسطين وسوريا ولبنان كما عثر معه على
رخصة السيارة ورخصة لقيادة السيارة ولم يعثر مع المتهم الثاني على شيء سوى رخصة
قيادة السيارة، وقد وزنت المخدرات المضبوطة فوجدت خمس عشرة أقة، وثبت من تحليلها
فيما بعد أنها أفيون... وأن المتهم (الطاعن) رفض أن يدلي بأقواله أمام الضابط...
ولما أعيد التحقيق بمعرفة معاون البوليس قرر أنه لم يكن يحوز المخدرات وأنه وهو في
طريقه للإسماعيلية مرت بسيارته سيارة أخرى كان يطاردها الضابط بسيارته ولما مر به
سأله عن علاقته بالسيارة التي كان يطاردها فلما أجابه بأن لا علاقة له بها فتشه
فضبط معه النقود والقرط... ثم قال إن المخدرات كانت بسيارة "الجيب" التي
كان يطاردها الضابط". ثم تعرضت المحكمة للدفع ببطلان القبض والتفتيش فقالت:
"إن الإجراء الذي اتخذه الضابط نحو المتهمين قبل اعتراف المتهم الأول ليس
قبضا بل مجرد "استيقاف" فلا ينصب عليه الدفع، وغير ممنوع على رجال
الضبطية القضائية أن يقوموا به. وقد قضت محكمة النقض بأن الاستيقاف غير القبض
"نقض ١٤٦٥ سنة ١٠ قضائية ١٣٢ مجموعة محمود عمر الجزء الخامس صحيفة ٢٦٥"،
ومن ثم يكون الدفع غير مقبول بالنسبة لبطلان ما أسمى قبضا، أما عن الدفع ببطلان
التفتيش فالثابت أن المتهم الأول هو الذي فتح شنطة السيارة بعد أن اعترف بإحراز
المخدرات. هذا إلى أن قضاء محكمة النقض مطرد على أن حرمة المساكن التي كفلها
الدستور وقيدها قانون تحقيق الجنايات لا تنسحب على السيارة، ولذا يكون الدفع
الثاني غير مقبول أيضا ويتعين رفضه. أما أدلة الثبوت بالنسبة للمتهم الأول فتتضمن
أقوال الملازم عبد الكريم والباشجاويش أحمد محمد عوض في التحقيقات وشهادتهما
بالجلسة بعد حلف اليمين وتأييدهما لضبط المخدرات بشنطة سيارة المتهم التي كان
يحتفظ بمفتاحها معه، ودفاعه الذي أبداه أمام معاون البوليس الخاص بالسيارة التي
كان يطاردها الضابط لم يقم عليه دليل، لذلك يكون الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم
الأول في محله" ولما كان ما أوردته المحكمة عن الاستيقاف وحصة التفتيش في
محله، ولا مخالفة فيه للقانون، لأن الواضح مما أثبته الحكم أن الطاعن قد وضع نفسه
موضعا محوطا بالشبهات والريب، فخلق بعمله الحالة التي انبنى عليها استلزام الاتصال
به عند الوقوف على أمره والتي تبيح لرجل الضبطية القضائية أن يستوقفه ليقف على
أمره ويكشف عن الوضع الذي وضع نفسه فيه عن طواعية واختيار، أما الرضا بالتفتيش
فيكفى فيه أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها واستنتجته من
دلائل مؤدية إليه. ومتى كان الأمر كذلك، فلا يكون ثمة وجه لما يثيره الطاعن من
الجدل في شأنه. وأما ما يثيره من القول بخطأ الإسناد في واقعة ضبط جواز السفر،
فمردود بأن المحكمة إنما ذكرت ما ذكرت في معرض سرد الوقائع وليس فيه ما يدل على
أنها كانت تقصد إلى التقيد فيها بترتيب معين مرسوم يصح القول معه بالخطأ. فضلا عن
أن هذا الوجه لا جدوى منه للطاعن ما دام قد تبين أن الإجراءات صحيحة في القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق