الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 12 أغسطس 2021

الطعن 57446 لسنة 60 ق جلسة 6 / 2 / 2016 إدارية عليا مكتب فني 61 ج 1 ق 47 ص 605

جلسة 6 من فبراير سنة 2016

الطعن رقم 57446 لسنة 60 القضائية (عليا)
(الدائرة الرابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي، وسعيد عبد الستار محمد سليمان، وهشام السيد سليمان عزب، ود. رضا محمد دسوقي. نواب رئيس مجلس الدولة

-------------

(أ‌) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس– تأديبهم- مبدأ (سنوية تشكيل مجلس التأديب)- لا يجوز المساس بتشكيل المجلس حال قيامه وقبل انتهاء السنة المحددة له، إلا لقوة قاهرة أو لظرف طارئ- مبدأ (سنوية التشكيل) من أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام القضائي العام، ولذلك لا يجوز تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة شخص بعينه؛ لما في ذلك من مخالفة صارخة للدستور- لما كانت مجالس تأديب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات هي في حقيقتها محاكم تأديبية، فإنها تخضع لمبدأ (سنوية التشكيل)؛ لما في ذلك من ضمانات للتقاضي على وجه يبعث اطمئنان ذوي الشأن- مخالفة هذا المبدأ تستتبع بطلان القرار الصادر عن مجلس التأديب.
- المادة (109) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.
- المادة (31) من اللائحة التنفيذية لهيئة الطاقة الذرية، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 47 لسنة 1991.

 (ب‌) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس– تأديبهم- مجلس التأديب- سرية المداولة- توقيع سكرتير مجلس التأديب على قرار المجلس يعد إخلالا بسرية المداولة، ويبطل القرار.

 (ج‌) موظف:
تأديب – مبدأ الأصل في المتهم البراءة- كل متهم بجريمة مهما بلغت جسامتها يعد بريئا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات- يترتب على هذا الافتراض عدم جواز إدانته بغير أدلة جازمة تخلص إليها المحكمة، فالأحكام تبنى على حجج قطعية الثبوت تفيد الجزم واليقين، لا الظن والاحتمال، وكل شك في إثبات الجريمة يجب أن يفسر في مصلحة المتهم.

 (د‌) موظف:
تأديب – الحكم في الدعوى التأديبية – سلطة المحكمة التأديبية في تقدير أدلة الدعوى- العبرة باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه- من حق القاضي التأديبي أن يستخلص من جميع العناصر المطروحة أمامه الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعه، وأن يطرح ما يخالفها من صور أخرى، مادام استخلاصه سائغا، مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق- جعل القانون من سلطة القاضي أن يزن قوة الأدلة في مجال الإثبات، وأن يأخذ منها أية بينة أو قرينة يحتاج إليها دليلا لحكمه، وله أن يزن أقوال الشهود فيأخذ منها ما يطمئن إليه ويطرح ما لا يطمئن إليه، ويكفي أن يتشكك في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة؛ إذ إن مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل.

 (هـ) موظف:
تأديب– الاعتراف كدليل في الإثبات- الاعتراف المعول عليه يجب أن يكون محددا وواضحا، لا لبس فيه ولا غموض، وواردا في الواقعة المسندة إليه، ويجب أن يكون من الصراحة والوضوح، بحيث لا يحتمل تأويلا بالاعتراف الغامض، أو يحتمل أكثر من معنى لا يصح التعويل عليه.

 (و) موظف:
تأديب– شهادة الشهود- لا تُقبل شهادة الشاكي وحدها في مجال الإدانة؛ لأنه يقف موقف الخصم من المتهم، ولا يصح بحكم العقل والمنطق أن تكون الإدانة مبنية على شهادة الشاكي فقط، دون أي دليل آخر.

 (ز) دعوى:
الطعن في الأحكام- أثر إلغاء الحكم المطعون فيه للمرة الثانية- إذا قضت محكمة الطعن بإلغاء الحكم المطعون فيه للمرة الثانية، وجب عليها أن تحكم في الموضوع، ولا تعيد الدعوى مرة أخرى إلى محكمة أول درجة.
- المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

-------

الوقائع

في يوم الأربعاء الموافق 20/8/2014 أودع الأستاذ/... المحامي، بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 57446 لسنة 60ق عليا، طعنا في القرار الصادر عن مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بهيئة الطاقة الذرية بجلسة 29/6/2014 في الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 2011، فيما قضى به من مجازاته بالعزل من الوظيفة.

وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه، والقضاء مجددا ببراءته مما نسب إليه.

وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، والقضاء مجددا ببراءة الطاعن مما نسب إليه.

ونظرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث قررت إحالته إلى دائرة الموضوع، وتدوول نظره بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر، حتى قررت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.

وحيث إن الطاعن يطلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، والقضاء مجددا ببراءته مما نسب إليه.

وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.

وحيث إنه عن الموضوع فإن عناصره تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 22/2/2011 أصدر أ.د/ رئيس هيئة الطاقة الذرية قراره رقم 155 لسنة 2011 متضمنا إحالة الدكتور/... الأستاذ المساعد بقسم المفاعلات- شعبة المفاعلات الذريةبمركز البحوث النووية إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالهيئة لمساءلته فيما نسب إليه من نشره بوسائل الإعلام المرئية والمقروءة معلومات وبيانات وإفشاء أسرار عن هيئة الطاقة الذرية وقيادتها وبعض أعضاء البحث العلمي بها، بما يسيء إليهم، ويعرض أمن الوطن للخطر.

وبجلسة 8/6/2011 قرر المجلس مجازاته بالعزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة.

ولم يلق هذا القرار قبولا لديه فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 11453 لسنة 58ق عليا، وبجلسة 15/6/2013 قضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه، وبإعادة الدعوى التأديبية إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بهيئة الطاقة الذرية للفصل فيها من هيئة مغايرة؛ وذلك لعدم إعلان الطاعن بقرار إحالته إلى مجلس التأديب وبموعد جلسة المحاكمة.

ونفاذا لذلك أصدرت الهيئة قرارها رقم 1271 لسنة 2013 بتاريخ 12/12/2013 متضمنا... وإحالة المذكور إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالهيئة لمحاكمته تأديبيا مجددا عن الاتهامات المنسوبة إليه في الدعوى رقم 6 لسنة 2011 بهيئة مغايرة.

وجرى تداول الدعوى التأديبية بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 29/6/2014 قرر المجلس مجازاته بالعزل من الوظيفة؛ وذلك على سند من ثبوت المخالفات المنسوبة إليه مما انتهت إليه التحقيقات التي أجريت في هذا الخصوص، والتي أثبتت نسبة المحال إلى مرءوسيه وزملائه من الأساتذة بالهيئة وإلى الهيئة ذاتها على صفحات الصحف وأجهزة الإعلام المرئية وقائع بغير دليل، تمس شرفهم واعتبارهم، ودون سند من الواقع، دون أن ينال من ذلك ما يتمسك به المحال من بطلان التحقيقات التي أجريت في خصوص المخالفات المنسوبة إليه؛ وذلك لتقاعسه عن الحضور أمام المحقق لأسباب راجعة إليه وحده، على نحو يكون هو الذي تسبب في تفويت فرصة الدفاع عن نفسه، ولما كانت المخالفات التي ارتكبها المحال تستوجب معاقبته بالشدة الرادعة، لاسيما وأن الهيئة التي تم نشر أخبارها تعد جزءا من الأمن القومي للوطن، مما يعرضها للخطر والمساس بسمعتها بالهيئات الأجنبية، فإن ذلك يستوجب مجازاته بالعزل من الوظيفة.

وحيث إن مبنى الطعن الماثل أن القرار المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والغلو في توقيع الجزاء؛ وذلك لبطلان قرار إحالة الطاعن إلى مجلس التأديب الذي أصدر القرار الطعين؛ لعدم إجراء تحقيق في الوقائع المنسوبة إليه وإعداد تقرير بشأنها للعرض على السلطة المختصة ليحال بموجبه إلى مجلس التأديب، إلا أن الهيئة المطعون ضدها قد اعتمدت على التحقيقات التي أجريت بشأن هذه المخالفات والتي أضحت غير موجودة واقعا أو قانونا؛ لسبق قضاء المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 15/6/2013 في الطعن رقم 11453 لسنة 58ق عليا بإلغاء قرار مجلس التأديب في الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 2011 بجلسة 8/6/2011 بمجازاة الطاعن بالعزل من وظيفته مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة، بما مقتضاه إلغاء جميع الإجراءات المرتبطة بهذا القرار، ومنها التحقيقات التي أجريت في هذا الخصوص.

كما خلت الأوراق والتحقيقات من أي دليل ينبئ عن صحة ارتكابه للمخالفات التأديبية؛ وذلك لعدم النص عليها ضمن الجرائم والمخالفات الواردة حصرا بقانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، وأن ما قام به الطاعن يقتصر على إبلاغ السلطات الرسمية والجهات القضائية ببعض الوقائع التي استوجبت إعلامهم بها في إطار حقه في تقديم الشكوى.

كما التفت مجلس التأديب عما أبداه من أوجه دفاع أمامه تجسدت في عدم إعلانه بقرار إحالته إلى مجلس التأديب وبتقرير الاتهام، وعدم إجراء تحقيق قانوني معه، وعدم إطلاعه على أوراق التحقيقات.

وأخيرا فقد شاب هذا القرار غلو في مجازاة الطاعن عن بعض الوقائع، فحتى لو كانت صحيحة فإنها لا تستدعي كل ذلك، مما يخرج هذه العقوبة عن نطاق المشروعية.

وخلص الطاعن إلى طلب القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه، وببراءته مما نسب إليه.

وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد نصت على أن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة، وأن الدولة تخضع للقانون، وأن استقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانة أساسية لحماية الحقوق، وأن العقوبة شخصية، وأنه لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، وألا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، وأن المحاكم الاستثنائية محظورة.

وحيث إن المادة (31) من اللائحة التنفيذية لهيئة الطاقة الذرية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 47 لسنة 1991 تنص على أن: "تطبق في شأن شاغلي وظائف هيئة البحث العلمي وأعوانهم من المدرسين المساعدين والمعيدين بالهيئة والأساتذة المتفرغين وغير المتفرغين والزائرين، في كل ما يتعلق بالتعيين والترقية والنقل والندب والإعارة والإجازات والإيفاد والواجبات والتأديب وانتهاء الخدمة، أحكام قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية، وذلك كله في ما لم يرد به نص خاص في هذه اللائحة، وبما لا يتعارض مع أحكامها".

وتنص المادة (109) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 على أن: "تكون مساءلة جميع أعضاء هيئة التدريس أمام مجلس تأديب يشكل من:

1 أحد نواب رئيس الجامعة يعينه مجلس الجامعة سنويا رئيسا

2 أستاذ من كلية الحقوق أو أحد أساتذة كليات الحقوق في الجامعات التي ليس بها كلية للحقوق يعينه مجلس الجامعة سنويا.

3 مستشار من مجلس الدولة يندب سنويا. عضوين

وفي حالة الغياب أو المانع، يحل النائب الآخر لرئيس الجامعة ثم أقدم العمداء ثم من يليه في الأقدمية منهم محل الرئيس.

ومع مراعاة حكم المادة (105) في شأن التحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب, تسري بالنسبة إلى المساءلة أمام مجلس التأديب القواعد الخاصة بالمحاكمة أمام المحاكم التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة".

وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن المشرع في المادة (109) من قانون تنظيم الجامعات المشار إليه قضى بسنوية تشكيل مجالس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، ومن ثم لا يجوز المساس بتشكيل المجلس حال قيامه وقبل انتهاء السنة المحددة إلا لقوة قاهرة أو لظرف طارئ؛ إذ إن هذا المجلس بمثابة محكمة تأديبية، يطعن في قراراته أمام المحكمة الإدارية العليا، بما يوجب استقرار أعضائه أثناء قيامهم بمباشرة أعمال القضاء المنوطة بهم؛ لما في ذلك من ضمانات للتقاضي على وجه يبعث اطمئنان ذوي الشأن.

وقد أكدت هذه المحكمة أن المشرع في قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 قد خصص الفصل الرابع من الباب الأول للجمعيات العمومية للمحاكم، فأوجب اجتماع جميع أعضاء المحاكم التأديبية بهيئة جمعية عمومية للنظر في المسائل المتعلقة بنظامها وأمورها الداخلية، وتوزيع العمل بين دوائرها قبل بداية كل عام قضائي، ومن ثم فإن سنوية التشكيل من أهم الأركان التي يقوم عليها النظام القضائي العام، ولذلك لا يجوز تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة شخص بعينه؛ لما في ذلك من مخالفة صارخة للدستور الذي لم يجز إنشاء محاكم استثنائية.

ولما كانت مجالس التأديب هي في حقيقتها محاكم تأديبية؛ فإنها تخضع لمبدأ (سنوية التشكيل)، لما في ذلك من ضمانات للتقاضي على وجه يبعث اطمئنان ذوي الشأن. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3410 لسنة 60ق عليا بجلسة 9/5/2015).

وهديا بما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الهيئة المطعون ضدها أصدرت قرارها رقم 425 لسنة 2014 في 14/4/2014 متضمنا تشكيل مجلس تأديب خاص لنظر الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 2011 تنفيذا لحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 11453 لسنة 58ق.ع بجلسة 15/6/2013 على النحو التالي:

1 أ. د/ نائب رئيس الهيئة لشئون المشروعات البحثية بالهيئة. رئيسا

2 أ.د/ ... أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام بجامعة القاهرة عضوا

3 السيد المستشار/ ... نائب رئيس مجلس الدولة عضوا

وقد جاء بديباجة هذا القرار أن الهيئة سبق أن أصدرت القرار رقم 554 لسنة 2013 بتشكيل مجلس التأديب لمساءلة أعضاء هيئة البحث العلمي بالمركز لمدة عام اعتبارا من 1/6/2013، وقد وافق مجلس إدارة الهيئة بجلسته بتاريخ 19/3/2014 على تشكيل مجلس تأديب خاص لنظر الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 2011، مع استمرار عمل مجلس التأديب الحالي بأعضائه الأصليين.

ومن الواضح أن الهيئة بإصدارها القرار رقم 425 لسنة 2014 قد مست قاعدة سنوية تشكيل مجلس التأديب، وشكلت مجلس تأديب خاصا لمحاكمة عضو بعينه (الطاعن)، على نحو لم تستلهم معه الهيئة أحد ضوابط المحاكمة التأديبية، وهو سنوية التشكيل، وأخلت بكنف قاعدة أساسية لتحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان لذوي الشأن، وبذلك يكون مجلس التأديب الخاص الذي تولى محاكمة الطاعن قد شكل بالمخالفة للدستور والقوانين المعمول بها، وجميعها توجب محاكمة المتهم أمام قاضيه الطبيعي، وتحظر إنشاء محاكم أو مجالس تأديب استثنائية، وإذ أعقب كل هذه الإجراءات انعقاد مجلس التأديب وإصدار قراره بعزل الطاعن من وظيفته، فإنذلك يكشفعن توجه الهيئة المطعون ضدها إلى تسخير كل السلطة التي وضعها القانون بين يديها في تحقيق أغراض ومآرب بعيدة عن المصلحة العامة، بل لتحقيق غايات أخرى ترمي إلى الانتقام من الطاعن والتنكيل به، ومن ثم تكون الإجراءات التي اتخذت بشأن محاكمة الطاعن، بدءا من قرار تشكيل مجلس التأديب الخاص، وانتهاء بالقرار الذي أصدره، تكون باطلة، ولا ترتب أي أثر قانوني.

كما فرطت من جانب مجلس التأديب مخالفة جسيمة؛ لسماحه بتوقيع سكرتير مجلس التأديب على مسودة القرار المطعون فيه، على نحو أخل بسرية المداولة بين أعضاء مجلس التأديب قبل إصدار القرار المطعون فيه، والتي ينبغي أن تكون مقصورة على أعضاء مجلس التأديب فقط دون السكرتير، بما يؤكد بطلان القرار المطعون فيه إعمالا لأحكام المواد 166و167 و175 من قانون المرافعات المدنية والتجارية،وما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، ومن ذلك حكمها الصادر في الطعن رقم 14185 لسنة 58ق عليا بجلسة 22/2/2014.

ولما كان ما تقدم فإن جميع الإجراءات التي اتخذتها الجهة المطعون ضدها، بدءا من عدم التحقيق مع الطاعن، مرورا بقرار الإحالة، عطفا على قرار تشكيل مجلس التأديب، وانتهاء بالقرار الذي أصدره تكون باطلة، ولا ترتب أي أثر قانوني.

وحيث إن المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه: "... ومع ذلك إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه، وكان الموضوع صالحا للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية، ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه، وجب عليها أيا كان سبب النقض أن تحكم في الموضوع".

وهديا بما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق سبق قضاء هذه المحكمة بحكمها الصادر بجلسة 15/6/2013 بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر بخصوص الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 2011 وإعادة محاكمة الطاعن أمام مجلس التأديب بهيئة مغايرة، وإذ ثبت صدور القرار المطعون فيه مشوبا بالبطلان للمرة الثانية، فإن هذه المحكمة لا تقضي بإعادة الدعوى التأديبية مرة أخرى إلى مجلس التأديب، بل عليها إعمالا للولاية التي أسبغها عليها القانون أن تتصدى للمنازعة الماثلة، كي تنزل عليها حكم القانون على الوجه الصحيح، وذلك إعمالا لقضاء هذه المحكمة في الطعن رقم 2828 لسنة 53ق. عليا بجلسة 27/3/2010، وحكمها في الطعنين رقمي 15409، 16548 لسنة 50ق. بجلسة 29/12/2012.

وحيث إن المقرر أن كل متهم بجريمة مهما بلغت جسامتها يعد بريئا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات، ويترتب على هذا الافتراض عدم جواز إدانته بغير أدلة جازمة تخلص إليها المحكمة، والعبرة هي اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فمن حقه أن يستخلص من جميع العناصر المطروحة أمامه على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعه، وأن يطرح ما يخالفه من صور أخرى، مادام استخلاصه سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق؛ لذلك جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الأدلة في مجال الإثبات، وأن يأخذ منها أية بينة أو قرينة يحتاج إليها دليلا لحكمه، وله أن يزن أقوال الشهود فيأخذ منها ما يطمئن إليه ويطرح ما لا يطمئن إليه، ويكفي أن يتشكك في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة؛ إذ إن مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل.

ويترتب على ذلك أن الأحكام تبنى على حجج قطعية الثبوت تفيد الجزم واليقين، لا الظن والاحتمال، وأن كل شك في إثبات الجريمة يجب أن يفسر في مصلحة المتهم، وأن الاعتراف المعول عليه يجب أن يكون محددا وواضحا لا لبس فيه ولا غموض، وواردا في الواقعة المسندة إليه، ويكون من الصراحة والوضوح، بحيث لا يحتمل تأويلا بالاعتراف الغامض، أو يحتمل أكثر من معنى لا يصح التعويل عليه (حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 3410 لسنة 60ق عليا بجلسة 9/5/2015).

وحيث إن أوراق الطعن والتحقيقات الجارية فيه وما ساقته الهيئة المطعون ضدها من سبل لإدانة الطاعن عن تهمتي القيام بنشر معلومات وبيانات عن هيئة الطاقة الذرية، وإفشاء بعض الأسرار عن الهيئة من خلال وسائل الإعلام، وبدون ترخيص من الجهة المختصة، واقتراف أفعال تخدش الشرف والاعتبار لأعضاء هيئة البحث العلمي بالهيئة المطعون ضدها، وتشكل جرائم قذف وسب وإهانة في حق هيئة الطاقة الذرية، لكونها شخصية اعتبارية، وبحق قيادتها وبعض العاملين فيها من أعضاء البحث العلمي بها؛ فهي غير ثابتة بحقه؛ لأن التحقيقات التي أجريت في خصوص هذه المخالفات أتت قاصرة في تحصيل الدليل على ارتكاب الطاعن للمخالفة الأولى، وأيد ذلك تجاهل المحقق وإغفاله إخطار الصحف التي نشرت المقالات محل المخالفات المنسوبة إليه لبيان ما إذا كان الطاعن هو الذي أدلى بالتصريحات الواردة بها من عدمه، واكتفى المحقق بسؤال المشكو في حقهم، كما لم يتم سؤال الطاعن في تلك التحقيقات، ومن ثم فلا يوجد في هذه التحقيقات أي دليل على ارتكاب الطاعن لهذه المخالفة إلا ما قرره الشاكون، والمقرر قانونا أنه لا تقبل شهادة الشاكين وحدها؛ لأنهم يقفون موقف الخصم من المتهم، ولا يصح بحكم العقل والمنطق أن تكون الإدانة مبنية على شهادة الشاكين فقط، دون أي دليل آخر، لاسيما وأن هيئة مفوضي الدولة قد طلبت من الهيئة الحاضر عن الهيئة المطعون ضدها بجلسات تحضير هذا الطعن أمام هيئة مفوضي الدولة وعلى الأخص بجلسة 6/5/2015 تقديم الأقراص المدمجة الدالة على ظهور الطاعن في المحطات الفضائية للإدلاء بتلك التصريحات (محل المخالفات المنسوبة إليه)، إلا أنها لم تقدمها، فقررت هيئة مفوضي الدولة حجز الطعن لإعداد التقرير بالرأي القانوني فيه في ضوء نكول الهيئة المطعون ضدها عن تقديم دليل تطمئن إليه هذه المحكمة في إثبات ارتكاب الطاعن للجرم المسند إليه، ومن ثم فإنه قد بات على هذه المحكمة أن تأخذ بما قرره الطاعن ويتمسك به، سواء أمام مجلس التأديب عن طريق وكيله أو أمام هذه المحكمة، من أنه لم يقم بالإدلاء بتلك التصريحات الصحفية أو التلفزيونية، ويتعين براءته.

ومقتضى ما تقدم ولازمه فإن الشق الثاني من المخالفات المنسوبة إليه والقائم على ارتكاب جرائم قذف وسب وإهانة في حق هيئة الطاقة الذرية وقيادتها والعاملين بها أضحى لا وجود له بعد براءة الطاعن من الشق الأول من هذه المخالفات، القائم على الإدلاء بالأحاديث الصحفية أو التلفزيونية، ومن ثم فلا صلة له بمضمون ما ورد بهذه التصريحات أو الأحاديث مدحا أو قدحا، وبات على الهيئة -وكذلك مجلس التأديب- ألا تتمسك بأن هذه البيانات والمعلومات تشكل قذفا وسبا وإهانة في حقهم، وهو ما يتعين معه على هذه المحكمة أن تقضي ببراءته منها أيضا، دون النظر إلى صدور أحكام جنائية بإدانة الطاعن عن جرائم مماثلة لهذه المخالفات؛ وذلك لصدور هذه الأحكام في وقت تال بكثير للوقائع التي أحيل بسببها إلى مجلس التأديب الذي أصدر القرار المطعون فيه.

وإذ نهج القرار المطعون فيه غير هذا النهج، فإنه يكون قد خالف القانون، وواجب الإلغاء، وتبعا لذلك: براءة الطاعن مما نسب إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وببراءة الطاعن مما نسب إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق