الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 10 يونيو 2013

عدم دستورية وضع حد اقصى لمعاش عمال القطاع الخاص


قضية رقم 119 لسنة 30  قضائية  المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد السابع من أبريل سنة 2013م ، الموافق السادس والعشرين من جماد الأول سنة 1434 ه .
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى                         رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عدلى محمود منصور وعبدالوهاب عبدالرازق والدكتور حنفى على جبالى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه
وسعيد مرعى عمرو                                                    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى              رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبدالسميع                             أمين السر
 
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 119 لسنة 30 قضائية " دستورية " .
 
المقامة من
السيد / عطية على على أحمد
ضد
1 السيد رئيس مجلس الوزراء
2 السيد رئيس مجلس إدارة
الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية
 
 
 
الإجراءات
          بتاريخ 3/4/2008 ، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، طالبًا الحكم بعدم دستورية البند (4) من الفقرة الرابعة من المادة (19) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدلة بالقانون رقم 47 لسنة 1984 والمستبدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1987 .
 
          أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
          وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
          ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
 
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع– على يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 810 لسنة 2007 مدنى كلى أمام محكمة بنها الابتدائية طالبًا الحكم بإعادة تسوية معاشه وفقًا لنص المادة (19/1) من قانون التأمين الاجتماعى رقم 79 لسنة 1975 على أساس المتوسط الشهرى لأجر السنتين الأخيرتين من سنوات الاشتراك بالتأمين بدون حد أقصى ، وصرف جميع مستحقاته المالية على أساس التسوية الجديدة ، مستندًا فى ذلك على أنه قد بلغ سن المعاش فى 8/6/1993 وله مدة اشتراك بالتأمينات الاجتماعية قدرها تسعة عشر عامًا وشهران ، وأن الفترة الأخيرة من هذه المدة كان يعمل بإحدى شركات القطاع الخاص مقابل أجر يومى قدره اثنى عشر جنيهًا ، وقد تحصل على حكم فى الدعوى رقم 141 لسنة 1998 مدنى كلى قليوب ، باحتساب هذه المدة الأخيرة ضمن المدة التى يحسب على أساسها الاشتراك فى التأمينات الاجتماعية بذات الأجر المشار إليه ، وبات هذا الحكم نهائيًا بعد أن تأيد استئنافيًا ، إلا أنه فوجئ بتسوية معاشه حسبما نص عليه البند (4) من الفقرة الرابعة من المادة (19) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وتعديلاته ، بما أدى إلى احتساب معاشه على أساس متوسط أجره الشهرى فى السنوات الخمس الأخيرة من مدة اشتراكه فى التأمينات الاجتماعية ، وهو أجر يقل كثيرًا عن متوسط أجره فى آخر سنتين من مدة اشتراكه ، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع المبدى بصحيفة دعوى المدعى – بعدم دستورية البند الرابع من الفقرة الرابعة من المادة (19) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدلة بالقانونين رقمى 47 لسنة 1984 و107 لسنة 1987 – وصرحت له برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
 
وأثناء سير الدعوى توفى المدعى بتاريخ 15/3/2012 ؛ وإذ كانت الدعوى مهيأة للحكم فى موضوعها ، فإن المحكمة تقضى فيها بحالتها طبقًا لنص المادة (130/1) من قانون المرافعات .
 
وحيث إن المادة (19) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدلة بالقانون رقم 47 لسنة 1984 والمستبدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1987 تنص فى فقرتها الأولى على أن " يسوى معاش الأجر الأساسى فى غير حالات العجز والوفاة على أساس المتوسط الشهرى لأجور المؤمن عليه التى أديت على أساسها الاشتراكات خلال السنتين الأخيرتين من مدة اشتراكه فى التأمين أو خلال مدة اشتراكه فى التأمين إن قلت عن ذلك " ، بينما ينص البند (4) من الفقرة الرابعة من هذه المادة على أنه " بالنسبة إلى المؤمن عليهم ممن تنتهى مدة اشتراكهم فى التأمين وكانوا فى هذا التاريخ من العاملين المنصوص عليهم فى البندين ( ب و ج ) من المادة (2) يراعى عدم تجاوز متوسط الأجر الأساسى الذى يربط على أساسه المعاش 140% من متوسط الأجور فى الخمس السنوات السابقة وإذا قلت المدة السابقة عن خمس سنوات يراعى عدم تجاوز المتوسط الذى يربط على أساسه المعاش متوسط السنوات السابقة مضافًا إليه 8% عن كل سنة ، ويستثنى من حكم هذا البند ما يأتى ....... " .
 
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ، وكان ما نص عليه البند (4) من الفقرة الرابعة من المادة (19) سالفة الذكر – وتطبيقه فى شأن المدعى – قد أدى إلى احتساب معاشه على أساس متوسط أجره الشهرى فى السنوات الخمس الأخيرة من مدة اشتراكه فى التأمين ، وهو أجر يقل عن متوسط أجره فى السنتين الأخيرتين من مدة اشتراكه – وهو ما يدور حوله النزاع فى الدعوى الموضوعية – وبالتالى فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون متحققة فى الطعن على نص البند (4) من الفقرة الرابعة من المادة (19) السالفة الذكر ، بحسبان أن الفصل فى دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية والطلبات المطروحة بها وقضاء محكمة الموضوع فيها .
 
وحيث إن البين من تقصى نصوص قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 ، أنه يُخْضع لنظامه العاملين بالهيئات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لهذه الجهات وغيرها من الوحدات الاقتصادية بقطاع الأعمال العام ، وكذلك العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل ، وذلك بقصد تأمينهم من مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة وإصابات العمل والمرض والبطالة وتوفير الرعاية الاجتماعية لأصحاب المعاشات ، وجعل هذا القانون من اشتراكات المؤمن عليهم وأصحاب الأعمال مصدرًا أساسيًا لتمويل نظام التأمين الذى أنشأه ، وقصد " بالمؤمن عليه " فى تطبيق أحكامه العامل الذى يسرى عليه هذا القانون ويفيد من مزاياه التأمينية ، سواء أكان من العاملين المدنيين بالدولة أم هيئاتها أم مؤسساتها العامة أم وحداتها الاقتصادية أم غيرها من وحدات القطاع العام الاقتصادية ، أم كان من العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل بالشروط التى نص عليها القانون .
 
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته لأحكام الدستور بوضعه حدًّا أقصى لحساب معاشات عمال القطاع الخاص – يتمثل فى 140% من متوسط أجورهم الأساسية فى الخمس سنوات السابقة على انتهاء مدة اشتراكهم فى التأمين – دون النص على هذا الحد الأقصى بالنسبة للعاملين بالحكومة والقطاع العام ، فضلاً عن حساب متوسط أجور الأخيرين الأساسية – التى يربط وفقًا لها معاشاتهم – على أساس المتوسط الشهرى لأجورهم خلال السنتين الأخيرتين فقط من مدة اشتراكهم – وليس خمس سنوات كحال المدعى وغيره من العاملين بالقطاع الخاص – وهو ما أدى إلى التمييز بين الفريقين رغم تماثلهما فى المركز القانونى بما يخالف مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص ، وكذا حقهم فى الأجر العادل ويناقض أحكام المواد ( 8 و 13/1 و 23 و 40
و 122 ) من الدستور الصادر سنة 1971 .
 
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين ، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى نظمها الدستور ، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره ، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً – على ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه ، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ، كما أن لها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها ، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة ، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال الدستور الذى تم الاستفتاء عليه وإصداره فى شهر ديسمبر سنة 2012 .
 
وحيث إن المشرع الدستورى حرص دومًا على كفالة خدمات التأمين الاجتماعى لكافة المواطنين ، إذ تنص المادة (66) من دستور سنة 2012 – المقابلة للمادة (17) من دستور سنة 1971 – على أن " تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى . ولكل مواطن الحق فى الضمان الاجتماعى ، إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه أو أسرته ، فى حالات العجز عن العمل أو البطالة أو الشيخوخة ، وبما يضمن لهم حد الكفاية ." ، كما تنص المادة (119) من دستور سنة 2012 – المقابلة للمادة (122) من دستور سنة 1971 – على أن " يعين القانون قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التى تتقرر على الخزانة العامة للدولة ، ويحدد حالات الاستثناء
منها ، والجهات التى تتولى تطبيقها " .
 
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مظلة التأمين الاجتماعى – التى يحدد المشرع نطاقها – هى التى تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن
فى غده ، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع ، بما مؤداه أن المزايا التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية ، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم ، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم . ونظام التأمين الاجتماعى وإن كان ممولاً فى أغلب عناصره من العمال وأرباب العمل ، إلا أن حق المؤمن عليه فى الحصول من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية على كامل المزايا التأمينية المقررة قانونًا ، يظل ثابتًا ، ولو نكل أرباب العمل عن الوفاء بالتزاماتهم قبلها ، أو تراخو فى التقيد بها .
 
وحيث إن الدستور الصادر سنة 2012 قد عهد إلى المشرع بنص المادة (119) منه صياغة القواعد القانونية التى تتقرر بموجبها على خزانة الدولة ، مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم على أن ينظم أحوال الاستثناء منها ، والجهات التى تتولى تطبيقها ، فذلك لتهيئة الظروف التى تفى باحتياجاتهم الضرورية ، وتكفل مقوماتها الأساسية التى يتحررون بها من العوز ، وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء بمعاشها .
 
وحيث إنه وإن كان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود معينة تبين تخوم الدائرة التى لا يجوز أن يتداخل المشرع فيها هادمًا لتلك الحقوق أو مؤثرًا فى محتواها بما ينال منها ، فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليمًا من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود ، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدوانًا عليها .
 
ولئن كان النص فى المادة (119) قد فوض السلطة التشريعية فى تقرير قواعد منح المعاش ، إلا أن ذلك التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع فى هذا النطاق ، يكون مجانبًا لأحكام الدستور ، منافيًا لمقاصده ، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها . ولازم ذلك أن الحق فى المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون – إنما ينهض التزامًا على الجهة التى تقرر عليها .
وإذا كان الدستور قد خطا خطوة أبعد فى اتجاه دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة فى المادة (66) من الدستور القائم الصادر عام 2012 ، والمقابلة للمادة (17) من الدستور الصادر عام 1971 ، تقرير معاش يواجه به المواطنون بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم ، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى هى التى تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن فى غده ويرعى موجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع على ما تقضى به المادة (8) من الدستور القائم الصادر عام 2012 والمقابلة للمادة (7) من الدستور الصادر عام 1971 ، يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها نظام التأمين الاجتماعى بصوره المختلفة لا يقتصر أثرها على ضمان ما يعين أسرة المؤمن عليه على مواجهة التزاماتها الحيوية ، ولكنها فى الوقت ذاته مفترض أولى وشرط مبدئى لإسهام المؤمن عليه فى الحياة العامة والاهتمام بوسائل النهوض بها ومراقبة كيفية تصريف شئونها ، بحسبان أن مكانة الوطن وهيبته وقوته هى انعكاس لقيمة الفرد وعمله وكرامته .
 
وحيث إن الحق فى المساواة أمام القانون هو حق دستورى أصيل حرصت على ترديده الدساتير المصرية المتعاقبة ، حيث نصت المادة (33) من دستور عام 2012 ، وكذلك المادة (40) من دستور سنة 1971 على أن
" المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم ... " باعتبار أن ذلك الحق يمثل أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يتوخاها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم فى مواجهة صور من التمييز تنال منها ، أو تقيد ممارستها .
 
وحيث إن مبدأ المساواة – على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية ، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها ، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء .
 
وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير ، لتنظيم موضوع محدد ، وأن تغاير من خلال هذا التنظيم – وفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها أو تتباين فى الأسس التى تقوم عليها ، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة ، ولا ينقض محتواه هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض المشروعة التى يتوخاها .
 
فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها ، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا ، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا ، فلا يكون مشروعًا دستوريًا .
 
وقد غدا هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة ، والتى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور ، بل يمتد مجال إعمالها إلى تلك التى يقررها القانون ويكون مصدرًا لها ، وكانت السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون ، وكان الأصل فى الأحكام هو استلهام مقاصدها .
 
وإذ كان ما تقدم وكان لا شبهة فى أن النص المطعون فيه قد أخل بالحماية القانونية المتكافئة ومايز بوضوح وجلاء بين طائفتين من العاملين الخاضعين لنظام التأمين الاجتماعى والمخاطبين جميعهم بأحكامه والمتماثلين فى المركز القانونى فى مجال الاستفادة من تلك الحقوق التأمينية ، وذلك بأن وضع سقفًا كحد أقصى لمتوسط الأجر الأساسى الذى يحسب على أساسه معاش عمال القطاع الخاص – ومن بينهم المدعى – يتمثل فى 140% من متوسط أجورهم الأساسية فى الخمس سنوات السابقة على انتهاء مدة اشتراكهم فى التأمين – دون النص على هذا الحد الأقصى بالنسبة لغيرهم من العاملين بالحكومة والقطاع العام ، فضلاً عن حساب متوسط أجور هؤلاء الأخيرين الأساسية – التى يربط وفقًا لها معاشاتهم – على أساس المتوسط الشهرى لأجورهم خلال السنتين الأخيرتين فقط من مدة اشتراكهم – وليس خمس سنوات كما هو الحال فى محاسبة عمال القطاع الخاص – ومنهم المدعى – على النحو الذى يؤدى بالضرورة إلى تقليص معاشاتهم عن معاشات أمثالهم من عمال الحكومة والقطاع العام، وقد انبنى هذا الأمر وقامت تلك المفارقة فى جوهرها على افتراض خاطئ بوجود تواطؤ بين أصحاب الأعمال والعمال فى القطاع الخاص تحايلاً على قواعد قانون التأمين الاجتماعى من خلال إثبات أجور غير حقيقية للعمال فى آخر سنتين من عمرهم المهنى قبل الإحالة للمعاش على خلاف الحقيقة بغرض الحصول على متوسط أجور مرتفع بالنسبة لهم يحسب على أساسه معاشاتهم ، ومن ثم يكون المشرع قد خالف بذلك ما استهدفه الدستور من ضمان حق المواطن فى المعاش المناسب مجاوزًا نطاق السلطة التقديرية ومخالفًا لنص المادتين (66، 119) من الدستور القائم؛ وهو ما يقابل نص المادتين (17، 122) من دستور 1971، وبما يكون معه النص المطعون فيه قد تبنى تمييزًا تحكميًا منهيًا عنه بنص الدستور ودون أن يستند هذا التمييز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية، ذلك أن موضوع تنظيم الحقوق وإن كان يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يمارسها المشرع وفق أسس موضوعية، ولاعتبارات يقتضيها الصالح العام، إلا أن هذا التنظيم يكون مجانبًا أحكام الدستور منافيًا لمقاصده إذا تعرض للحقوق التى تناولها سواء بإهدارها أو الانتقاص منها على النحو الذى سلكه المشرع فى النص المطعون فيه .
 
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطرد على أن الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان عليها وفقًا لنص المادة (24) من الدستور القائم الصادر سنة 2012 والتى جاءت متوافقة مع نص المادة (34) من الدستور الصادر عام 1971، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان هذا الحق شخصيًا أم عينينًا أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية، وكان الحق فى صرف المعاش – بالضوابط والمعايير التشريعية الصحيحة – إذا توافرت شروط اقتضائه ينهض التزامًا على الجهة التى تقرر عليها، وعنصرًا إيجابيًا من عناصر ذمة صاحب المعاش أو المستحقين عنه، تتحدد قيمته وفقا لأحكام قانون التأمين الاجتماعى، بما لا يتعارض مع أحكام الدستور، فإن النص المطعون فيه وقد أدى بتطبيقه على المدعى إلى احتساب معاشه على أساس متوسط أجر مغاير لمن يتماثل معه من عمال الحكومة والقطاع العام بخضوعه دون مثيله لسقف كحد أقصى فى حساب هذا المتوسط من ناحية، وحرمانه من حساب معاشه – مثل قرينه فى الحكومة – على أساس المتوسط الشهرى للأجر خلال السنتين الأخيرتين، وبالتالى نقصان معاش المدعى عن معاش نظيره العامل فى الحكومة أو القطاع العام ، ومن ثم ينحل – والحالة هذه – عدوانًا على حق الملكية بالمخالفة لحكم الدستور .
 
ومن حيث إن إعمال أثر الحكم بأثر رجعى يؤدى إلى تحميل خزانة الدولة أعباء مالية إضافية فى ظل ظروف اقتصادية تستلزم تجنيبها حمل هذا العبء ، لذا فإن المحكمة ، ودون إخلال بحق المدعى فى الاستفادة من هذا الحكم ، تُعمل الرخصة المقررة فى الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها ، وتحدد اليوم التالى لنشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية تاريخًا لإعمال آثاره .
 
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة  :
أولاً : بعدم دستورية نص البند (4) من الفقرة الرابعة من المادة (19) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدلة بالقانونين رقمى 47 لسنة 1984 و107 لسنة 1987 .
ثانيًا : بتحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية تاريخًا لإعمال آثاره .
ثالثًا : إلزام الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق