الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 أبريل 2024

القضية 41 لسنة 17 ق جلسة 5 / 10 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 7 ص 121

جلسة 5 أكتوبر 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف. 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (7)
القضية رقم 41 لسنة 17 قضائية "دستورية"

دعوى دستورية "رفع الدعوى بدون ترخيص من محكمة الموضوع: عدم قبول".
رفع الدعوى دون ترخيص من محكمة الموضوع - اتصالها من ثم بالمحكمة عن غير الطريق الذي رسمه القانون، مما يجعلها حقيقة بعدم قبولها.

-----------------
إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن ولايتها في الفصل في الدعوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بها اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة في المادة 29 من قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها بعدم دستورية نص تشريعي وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقامها في الموعد المحدد. وهذه الأوضاع الإجرائية سواء ما يتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام، باعتبارها أشكالاً جوهرية تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية.


الإجراءات

في الخامس عشر من يونيو سنة 1995 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون الضريبة على الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً عدم قبولها الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 433 لسنة 1993 أمام محكمة الجيزة الابتدائية طعناً على قرارات لجنة طعن ضرائب القاهرة في شأن ضريبة الدمغة النسبية المستحقة على رأس مال الشركة المدعية، وأثناء نظر الدعوى دفعت الشركة بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون الضريبة على الدمغة، فأصدرت محكمة الموضوع حكماً تمهيدياً بجلسة 30 أبريل سنة 1995 يقضي باستجواب الشركة المدعية بجلسة 18 يونيو سنة 1995 عما إذا كانت قد رفعت دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن الدفع المثار منها من عدمه، فبادرت الشركة بإقامة الدعوى الماثلة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ولايتها في الفصل في الدعوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بها اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة في المادة 29 من قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها بعدم دستورية نص تشريعي وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقامها في الموعد المحدد. وهذه الأوضاع الإجرائية سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام، باعتبارها أشكالاً جوهرية تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقاً لحكمها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الشركة المدعية قد دفعت أمام محكمة الموضوع بجلسة 12 مارس سنة 1995، بعدم دستورية نص المادة 83 سالفة الذكر، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى الموضوعية إلى جلسة 9 أبريل سنة 1995 لتقديم مذكرة في شأن الدفع والرد عليه، وبجلسة 30 أبريل سنة 1995 أصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً باستجواب الشركة بجلسة 18 يونيو سنة 1995 في شأن إقامتها الدعوى الدستورية من عدمه، فبادرت الشركة في الخامس عشر من يونيو سنة 1995 - ورغم خلو الأوراق من تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية وتصريحها بإقامة هذه الدعوى - إلى إيداع صحيفتها الماثلة قلم كتاب المحكمة، ومن ثم تكون هذه الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن غير الطريق الذي رسمه القانون، مما يجعلها حقيقة بعدم قبولها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضيتان 67 ، 68 لسنة 17 ق جلسة 7 / 9 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 5 ص 113

جلسة 7 سبتمبر 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (5)
القضية رقم 67، 68 لسنة 17 قضائية "دستورية"

دستور "المادة الثانية: نطاق سريانها".
ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها سنة 1980- من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، هو بمثابة قيد على المشرع يتعين التزامه في التشريعات الصادرة بعد هذا التعديل دون سواها - إذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه - ومنها المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.

-----------------
من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980- يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية، بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص، أو تستمد منه، لضمان توافقها مع مقتضاه، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية، وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية، وإذ كان من المقرر كذلك، أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية، أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، التي أقامها الدستور معياراً للقياس في مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ الشريعة الإسلامية - والتي تراقبها هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد، أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. وإذا كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
لما كان ذلك، وكان المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - المتضمن نص المادة الثالثة المطعون عليها - قد صدر قبل نفاذ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو 1980، ولم يدخل المشرع عليها ثمة تعديل بعد هذا التاريخ، فإن قالة مخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله.


الإجراءات

بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1995 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة الثالثة من المرسوم بقانون 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فيما قرره المدعيان، من أنه بموجب إشهاد وقف بتاريخ 18/ 10/ 1940 ومسجل برقم 46/ 1940 أنشأت السيدة/ حميدة حسنين عامر وقفاً على نفسها مدة حياتها، ثم بعد وفاتها على زوجها عامر سيد عامر مدى حياته، ومن بعده على أولادها، ذكوراً وإناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم. ثم على ذريتهم ونسلهم، وعقبهم كذلك، وهكذا طبقة بعد طبقة إلى وقت انقراضهم جميعاً، فيكون ريع وقفها مصروفاً على أولاد زوجها، ثم على أولادهم، ثم على أولاد أولاد أولادهم، وهكذا إلى حين انقراضهم، فيكون وقفاً على الفقراء والمساكين من أهل قرابتها وقرابة زوجها، إلى أن ينقرضوا، فيكون وقفاً على الفقراء والمساكين من المسلمين، من أهل ناحية المعابدة، وأن تعذر الصرف عليهم، كان ذلك على الفقراء والمساكين من المسلمين - أينما كانوا وحيثما وجدوا - حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وبتاريخ 4/ 4/ 1942 توفيت الواقفة. وانحصر إرثها في وارثيها الشرعيين، وهما زوجها عامر سيد عامر ويستحق ربع تركتها فرضاً، وأخوها الشقيق عامر ويستحق باقي تركتها تعصيباً، وإذ صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 152 قاضياً بحل الوقف الأهلي حال حياة زوج الواقفة؛ وكان الأخ الشقيق للواقفة قد تزوج وأنجب ابناً، ثم تزوج هذا الابن كذلك، وأنجب محمود حسين عامر، الذي تصرف مرتين بالبيع في بعض أطيان الوقف بصفته وارثاً لها عن أبيه عن جده، فقد أقام ورثة المستحق للوقف عامر سيد عامر زوج الواقفة، الدعوى رقم 2617 لسنة 1992 مدني كلي أسيوط، مختصمين فيها المدعيين في الدعوى الماثلة، طالبين الحكم بعدم نفاذ البيع الأول في حقهم، ثم اتبعوها بالدعوى رقم 2618 لسنة 1992 مدني كلي أسيوط بالنسبة للبيع الثاني، بغية الحكم أيضاً بعدم نفاذه، مستندين في ذلك إلى أنهم يملكون الأطيان المبيعة بالميراث عن مورثهم المرحوم عامر سيد عامر الذي كسب ملكيتها عملاً بالمادة 3 من المرسوم بقانون رقم 180 سنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات. وأمام محكمة أسيوط الابتدائية دفع الحاضر عن المدعى عليهما (المدعيان في الدعوى الماثلة)، بعدم دستورية نص المادة 3 من هذا المرسوم بقانون. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد قررت بالنسبة للدعوى رقم 2617/ 1992 مدني كلي أسيوط، تأجيل نظرها إلى جلسة 1/ 11/ 1995، وصرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاماها.
وحيث إن الدعوى رقم 68 لسنة 17 قضائية "دستورية" قد أقيمت من المدعيين في الدعوى الماثلة، ضد الخصوم أنفسهم، وبالطلبات الدستورية عينها، فإن المحكمة تأمر بضمها إلى الدعوى الحالية، ليصدر فيهما حكم واحد.
وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون فيه، أنه إذ قضى بأن يصبح ما ينتهي فيه الوقف ملكاً للمستحقين - كل بقدر حصته في الاستحقاق - يكون قد انطوى على مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية في قواعد الميراث، قولاً منهما بأن هذه القواعد قد تحددت على سبيل الحصر، واتصفت بالجزم واليقين، كما بينت موانع الميراث بما لا مجال فيه للاجتهاد أو لإرادة المورث، وأن مؤدي النص المطعون فيه، حرمان الورثة الشرعيين - سواء أكانوا من أصحاب العصبة النسبية كالأخ الشقيق، أم من أصحاب الفروض النسبية كالأم والأخت - من الميراث، بينما هم شركاء فيه، يتقدمون المستحقين في الوقت المنحل، وهو ما يناقض حكم المادة الثانية من الدستور التي جعلت مبادئ الشريعة الإسلامية، هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وحيث إن البين من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، أنه بعد أن نص في مادته الأولى، على أنه لا يجوز الوقف على غير الخيرات، ونص في مادته الثانية على أن يعتبر منتهياً كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصاً لجهة من جهات البر.. قضى في مادته الثالثة - مثار الطعن الماثل - بأن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة، ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه، فإن لم يكن، آلت الملكية للمستحقين الحاليين، كل بقدر حصته في الاستحقاق، وإن كان الوقف مرتب الطبقات، آلت الملكية للمستحقين الحاليين، ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم، كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق.
وحيث إن استقراء المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 180 سنة 1952 المشار إليه، يدل على أن أحكامها التفصيلية، لا قوام لها بغير القاعدة التي أرستها، وجعلتها دعامتها الأساسية، ألا وهي أيلولة ملكية ما انتهى فيه الوقف إلى المستحقين - كل بقدر حصته في الاستحقاق؛ إذ كان ذلك، وكان جوهر الطعن الماثل يتناول هذه القاعدة ذاتها ويتوخى هدمها، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعين، تتوافر من خلال الطعن عليها، ذلك أن تقرير صحتها أو بطلانها، يؤثر بالضرورة على النزاع الموضوعي القائم حول ملكية الأطيان التي انتهى وقفها، لأحكام المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 آنف البيان.
وحيث إن يبين من تعديل الدستور الذي تم بتاريخ 22 مايو 1980، أن المادة الثانية منه أصبحت تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" بعد أن كانت تنص عند صدور الدستور في 11 سبتمبر 1971 على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية. ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع".
وحيث إنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو 1980- يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية، بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص، أو تستمد منه، لضمان توافقها مع مقتضاه، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية، وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. وإذ كان من المقرر كذلك، أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية، يفترض انبثاقها عنه أو على الأقل اتساقها مع فيضه، فلا يكون هذا المصدر بالضرورة إلا سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معياراً للقياس في مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ الشريعة الإسلامية - والتي تراقبها هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد، أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. وإذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - المتضمن نص المادة الثالثة المطعون عليها - قد صدر قبل نفاذ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو 1980، ولم يدخل المشرع عليها ثمة تعديل بعد هذا التاريخ، فإن قالة مخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله، الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعويين رقمي 67، 68 لسنة 17 قضائية "دستورية". وبمصادرة الكفالة في كل منهما، وألزمت المدعيين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 9 لسنة 17 ق جلسة 7 / 9 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 4 ص 87

جلسة 7 سبتمبر 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين،

 وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (4)
القضية رقم 9 لسنة 17 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "نطاقها"
نطاق الدعوى الدستورية ينحصر في النصوص القانونية التي دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفي حدود تقديرها لجدية الدفع.
2- دعوى دستورية "قاعدة قانونية ملغاة"
إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليهم خلال فترة نفاذها.
3- ضريبة "الملتزم - المسئول عن التوريد"
عدم جواز الخلط بين الملتزم أصلاً بالضريبة وبين من اعتبره المشرع مسئولاً عن توريدها.
4- ضريبة "الملتزم بها"
لا يكون الشخص ملتزماً أصلاً بالضريبة إلا إذا توافرت بالنسبة إليه الواقعة التي أنشأتها.
5- ضريبة "المسئول عنها"
لا يكون الشخص مسئولاً عن الضريبة إلا إذا كان وفاؤه بها تابعاً للالتزام الأصلي بأدائها.
6- حرية شخصية: "مصادرة"
مصادرة حرية الفرد في اختيار الطريق الأفضل وفق تقديره لاستثمار أمواله يناقض الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يقبل تنازلاً.
7- استثمار "ضريبة - عدالة اجتماعية"
إذا كان استثمار الأموال في نشاط معين ممكناً قانوناً، فإن الحمل على عدم ولوجه من خلال الضريبة، يردها إلى دائرة عدم المشروعية ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية.
8- دستور "ضريبة عامة: ضريبة الدمغة النسبية - رقابة"
قدر الدستور خطورة الضريبة العامة - وتندرج تحتها ضريبة الدمغة النسبية - بالنظر إلى تعلقها بجماهير غفيرة وتأثيرها بوجه عام في الأوضاع الاقتصادية، من اللازم - بالتالي - أن تراقبها المحكمة الدستورية العليا إذا ما طعن عليها التقرير مدى مشروعيتها الدستورية.
9- تشريع "المادتان 83 و86 من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: استحقاق الضريبة"
تداول الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 المشار إليها ليس شرطاً لاستحقاق هذه الضريبة - تناول الضريبة قيم رؤوس أموال بذاتها ولو لم تصدر صكوكها - لا شأن لضريبة الدمغة النسبية تلك بما يمكن أن يتولد عن رؤوس الأموال هذه من إيراد.
10- زكاة- ضريبة "ازدواجهما"
الضريبة والزكاة مختلفتان - نطاقاً وعلة - وهما بالتالي متغايرتان، وتحملهما معاً لا مخالفة فيه للدستور
11- ضريبة عامة "نطاقها"
اعتبار تحقق الواقعة المنشئة للضريبة العامة على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول.
12- دستور "ضريبة عامة - فرائض أخرى"
مايز الدستور بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض الأخرى، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون.
13- ضريبة عامة - سلطة تشريعية
السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة في كل ما يتصل ببنيان هذه الضريبة عدا الإعفاء منها، فيجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
14- ضريبة عامة "أسس موضوعية - جزاء - عدالة اجتماعية"
ينظم القانون الضريبة العامة متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها - ضرورة عدم اتسامها بوطأة الجزاء - وجوب عدم مناقضة معدلها وأحوال فرضها الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية.
15- دستور "ملكية خاصة: حمايتها - وظيفة اجتماعية"
إعلاء الدستور لقدر الملكية الخاصة - كفالته حمايتها لكل فرد وطنياً كان أم أجنبياً - من السائغ تحميل الملكية الخاصة بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية.
16- دستور "ملكية خاصة: نطاق حمايتها"
امتداد الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها.
17- ضريبة "رؤوس الأموال: عدوان"
لا يجوز فرض ضريبة على رؤوس أموال المكلفين بها بما يجتثها أو يقلصها إلى حد كبير - الضريبة على هذا النحو عدوان على رؤوس الأموال.
18- ضريبة "مجال طبيعي: الإيراد"
للضريبة مجال طبيعي وذلك من خلال ربطها بصور الإيراد - التي يقدر المشرع ملاءمة إخضاعها للضريبة - الناجمة عن استثمار الأموال في ألوان من التعامل جائزة قانوناً.
19- ضريبة "رؤوس الأموال"
من غير الجائز أن تكون رؤوس الأموال ذاتها وعاء للضريبة إلا بصورة استثنائية لا تعطل حقاً دستورياً ويقدر الضرورة وبما لا يؤول إلى تآكلها.
20- ضريبة "رؤوس الأموال"
يفترض ألا يكون تطبيق الضريبة التي فرضها المشرع على رؤوس الأموال ممتداً إلى غير حد ولا أن تكون لها وطأة الجزاء.
21- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: وعاء الضريبة"
وفقاً لهذا القانون فإن واقعة الملكية لرؤوس أموال بذاتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - هي المنشئة للضريبة سواء كانت تغل أو لا تنتج دخلاً.
22- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 سنة 1980: قيم الأموال"
استنزال مبلغ هذه الضريبة وفقاً لهذا القانون في قيم الأموال ذاتها بما يؤدي إلى امتصاصها - افتقادها من ثم مقوماتها الدستورية.
23- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: منافاة العدالة الاجتماعية"
منافاة هذه الضريبة للعدالة الاجتماعية تبدو من خلال ما قضت به الفقرة الثانية من المادة 86 من قانونها من إلزام الهيئة أو الشركة المصدرة للورقة المالية بأداء الضريبة. مع أن الضريبة المذكورة محلها أوراق مالية أو حصص أو أنصبة أخرجتها الهيئة أو الشركة التي أصدرتها عن ملكيتها بنقل الحق فيها إلى آخرين، ولم يعد لها من صلة تربطها بها، مؤدي ذلك: إضرار تلك الضريبة بالمركز المالي للهيئة أو الشركة.
24- دستور - ضريبة "جباية"
جباية الأموال في ذاتها لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور بل يتعين أن تتم وقف قواعده وبالتطبيق لأحكامه.
25- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: جباية"
البادي من هذا القانون أن الجباية في ذاتها هدف منظور ورئيسي لهذه الضريبة.
26- ضريبة "الغرض منها"
الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين:
أولهما: الحصول على غلتها.
ثانيهما: التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة.
27- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: استثمار"
الضريبة المذكورة أضرت، من زاوية أثارها العرضية، بفرص الاستثمار وأعاقت الادخار الذي اعتبره الدستور واجباً قومياً - تحصيلها غدا مجرد جباية لا ضابط لها - عدم استقامة بنيانها - من ثم - وفق الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة دستورياً في غيابها.

-----------------
1- من المقرر - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن الدعوى الدستورية، ينحصر نطاقها في النصوص القانونية التي دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفي حدود ترجيحها لمنطقية المطاعن الموجهة إليها، تقديراً بأن المسائل الدستورية التي أثارها هذا الدفع، هي التي قدر الحكم الصادر عنها جديتها، والتي أتصل بها تصريحها برفع الدعوى الدستورية. إذ كان ما تقدم، وكان هذا الدفع قد تعلق بنص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة دون غيرها، فإن الدعوى الدستورية لا تدور إلا حولها، ولا شأن لها بغيرها من النصوص القانونية التي تضمنها هذا القانون.
2- إن المادة 83 المطعون عليها، وإن ألغتها المادة الأولى من القانون رقم 115 لسنة 1995 اعتباراً من تاريخ العمل بها في أول يناير 1996، إلا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها - ومن بينهم المدعية - وترتبت بمقتضاها أثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى إلغائها فإذا ألغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من هاتين القاعدين، فما نشأ مكتملاً في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعاً لحكمها وحدها.
3، 4، 5- إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز الخلط بين الملتزم أصلاً بالضريبة، وبين من اعتبره المشرع مسئولاً عن توريدها، بل يتعين التمييز بينهما، فلا يكون الشخص ملتزماً أصلاً بها، إلا إذا توافرت بالنسبة إليه الواقعة التي أنشأتها، والتي يتمثل عنصراها في المال المحمل بعبئها - والمتخذ وعاءً لها - ثم وجود علاقة بين هذا المال وشخص معين، ليكون اجتماعهما معاً مُظهراً للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع لظروفها الموضوعية والشخصية. ولا يكون الشخص مسئولاً عن الضريبة إلا إذا كان وفاؤه بها تابعاً للالتزام الأصلي بأدائها، ليبقى بوجوده ويزول بانقضائه، وشرط ذلك أن تكون علاقة المسئول عن الضريبة في شأن المال المتخذ وعاء لها - وهو العنصر الموضوعي في الضريبة - منتفية.
إذ كان ما تقدم، وكانت الضريبة التي فرضتها المادة 83 المطعون على الأوراق المالية والحصص والأنصبة التي حددتها، لا يتحمل بها أصلاً إلا أصحابها الذين يملكونها - على ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 86 من قانون هذه الضريبة - إلا أن الفقرة الثانية من المادة 86 ذاتها، تقيم إلى جانبهم مسئولين عنها يلتزمون - في الموعد المحدد بها - بتوريدها إلى مصلحة الضرائب ضماناً لتحصيلها، وتوقياً للتحايل عليها أو التخلص منها، وتأميناً لانتظام جبايتها وسرعتها، والتقليل من تكلفتها. متى كان ذلك، وكانت الشركات والهيئات التي صدرت عنها الأوراق المالية والحصص والأنصبة محل الضريبة، هي التي اعتبرتها الفقرة الثانية من المادة 86 من قانونها، مسئولة عن توريدها إلى الخزانة العامة؛ وكانت مسئوليتها هذه تدور وجوداً وعدماً مع وجود الضريبة ذاتها أو زوالها، فإن مصلحتها في الطعن عليها بمقولة مجاوزتها الحدود التي رسمها الدستور للضريبة العامة، وأن عبئها يظل واقعاً في ميزانيتها، مقتطعاً جانباً من مواردها، حائلاً دون استثمارها في وقت ملائم، ولو أمكنها بعد دفعها من الرجوع بها واقتضائها من الملتزمين أصلاً بها، تكون قائمة.
6، 7، 8- إن مصادرة حرية الفرد في اختيار الطريق الأفضل وفق تقديره لاستثمار أمواله، يناقض الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يقبل تنازلاً، غائراً في النفس البشرية، كافلاً إنسانيتها. والأصل في كل عمل أن يكون مشروعاً، ولا تخرج بعض الأعمال من دائرة التعامل إلا إذا حظرها المشرع، فإذا كان التعامل في أموال بذاتها جائزا، وكان استثمارها في نشاط معين ممكناً قانوناً، فإن الحمل على عدم ولوجها - من خلال الضريبة - يردها إلى دائرة عدم المشروعية، ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية. والقول بأن مناعي المدعية خوض من جانبها في السياسة الضريبية التي يستقل المشرع بتقديرها؛ مردود، بأن الدستور قدر خطورة الضريبة العامة - وتندرج تحتها الضريبة المطعون عليها - بالنظر إلى تعلقها بجماهير غفيرة، ومساسها المباشر بمصالحها وتأثيرها بوجه عام في الأوضاع الاقتصادية، وكان لازماً بالتالي أن تراقبها هذه المحكمة - إذا ما طعن عليها - ضماناً لفرضها لمصلحة لها اعتبارها، وبمراعاة الأسس الموضوعية التي تقيم بنيانها الحق على ضوء معايير تكفل عدالتها اجتماعيا، وتتحدد على ضوئها جميعاً مشروعيتها الدستورية، وعلى الأخص في مجال اتصال أهدافها بمضمون النصوص القانونية التي فرضتها.
9- تداول الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 من قانون هذه الضريبة ليس شرطاً لاستحقاقها، بل تتناول الضريبة قيم رؤوس أموال بذاتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - ولو لم تصدر صكوكها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها. ولا شأن لضريبة الدمغة النسبية بما يمكن أن يتولد عن رؤوس الأموال هذه من إيراد، بل يعتبر هذا الإيراد دخلاً لها، ينضم إلى غيره من الدخول التي يحققها الشخص، ليخضع صافي مجموعها، للضريبة السنوية التي فرضها قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 178 لسنة 1993.
10- الزكاة فرضتها النصوص القرآنية، لا النصوص التشريعية الوضعية التي ترتد الضريبة المطعون عليها إليها في مصدرها. والزكاة كذلك - وباعتبارها من الأركان الأساسية للعقيدة الإسلامية - لا يجوز العدول عنها، ولا التعديل في أحكامها المقطوع بثبوتها ودلالتها، خلافاً لكل ضريبة إذ يجوز دوماً النظر فيها، وتغيير بنيانها، بل وإلغاؤها. والضريبة والزكاة مختلفتان - نطاقاً وعلة - وهما بالتالي متغايرتان، وتحملها معاً، لا مخالفة فيه للدستور.
11- الضريبة العامة، لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها. بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - بالقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة. ولا يعني ذلك أن يتماثل الممولون في مقدار الضريبة التي يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعلياً، بل جغرافياً.
12، 13- إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج، أو طردها، أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالي على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق؛ وكان الدستور - نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها - قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون؛ وكانت السلطة التشريعية هي التي تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمناً تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإغفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون، فإن زمام الضريبة العامة يكون بيد السلطة التشريعية، فلا نزول قبضتها عنها.
14- نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة، إذ ينظم رابطتها محيطاً بها في إطار من قواعد القانون العام، متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها، وبمراعاة أن حق الدولة في إنشائها لتنمية مواردها، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية، يكون إنصافها نافياً لتحيفها، فلا يناقض معدلها وأحوال فرضها الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية، ولا تتسم بوطأة الجزاء بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التي ينبغي أن تتوخاها أصلاً.
15- إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة - كفل بالمادتين 32 و34 حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء - وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها - باعتبارها عائدة في الأعم من الأحوال إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، معبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها في إطار وظيفتها الاجتماعية. ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها هذه الوظيفة التي تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها لها مقوماتها وتوجهاتها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة.
16، 17، 18، 19، 20- إن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية الأدبية والفنية أو الصناعية؛ وكان لا يجوز على ضوء هذه الحماية، فرض ضريبة على رءوس أموال المكلفين بها بما يجتثها أو يقلصها إلى حد كبير، لتخرج بتمامها أو في كثير من أجزائها من يد أصحابها، مما يفقد الضريبة وظيفتها الأساسية بوصفها "إسهاماً منطقياً" من الملتزمين بأدائها في تحمل نصيبهم من الأعباء العامة لتغطية تكلفتها. والأدق أن يقال أن ضريبة على هذا النحو، عدوان على رؤوس هذه الأموال، ينال من قيمتها، ويحول دون تراكمها لبناء قاعدة اقتصادية أعرض. ومن ثم كان للضريبة مجال طبيعي يتصل بتطبيقاتها في الأعم من الأحوال، وذلك من خلال ربطها بصور الإيراد التي يقدر المشرع ملاءمة إخضاعها للضريبة، ليكون الدخل بذلك محوراً لها، ناجماً عن استثمار رؤوس الأموال في ألوان من التعامل جائزة قانوناً، وهو ما يعني أن الدخل - وباعتباره إيراداً متجدداً - يمثل من الضريبة مجالها الأكثر فاعلية، سواء كان هذا الإيراد ناجماً عن قيم منقولة، أم عن المهن غير التجارية، أم عن الثروة العقارية، أم كان مرتباً أم ربحاً صافياً محققاً من غير ذلك من المصادر، ومن ثم كان الدخل وعاء أساسياً للضريبة، متطلباً فيها كشرط مبدئي لموضوعيتها وعدالتها. ولا يجوز بالتالي أن تكون رؤوس الأموال ذاتها وعاءً لها، إلا بصورة استثنائية لا تعطل حقاً دستورياً، وبقدر الضرورة، وبما لا ينتزعها أو يؤول إلى تآكلها، ويفترض ذلك لزوماً ألا يكون تطبيق الضريبة التي فرضها المشرع عليها ممتداً في الزمان إلى غير حد، ولا أن تكون لها وطأة الجزاء، ولا أن "تظلها أغراض الجباية" لتهيمن عليها محددة مسارها.
21، 22- متى كان قانون ضريبة الدمغة المطعون عليها، قد فرضها على رؤوس أموال بذواتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - فاعتبرها وعاءً لها محملاً أصحابها بعبئها بوصفهم ملتزمين أصلاً بها، بما مؤداه ربط الضريبة بقيم هذه الأصول واقتضائها منها، فلا تزايلها أو تتحول عنها، ليكون إسناد الضريبة إليها - واطراد زمن تطبيقها - عاصفاً بها أو محدداً مجال حركتها، باعتبارها ضماناً لتحصيل الضريبة التي فرضها المشرع في شأنها. وهي بعد ضريبة يستأديها من أصحابها سنوياً - ومقدماً - بناءً على مجرد تملكهم لها، ومن ثم تكون "واقعة الملكية" - في ذاتها - هي المنشئة للضريبة المطعون عليها. وسواء كانت الأسهم أو السندات أو الحصص أو الأنصبة التي حملها المشرع بعبئها، تغل أو لا تنتج دخلاً، فليس لدخلها - وجوداً أو عدماً - من أثر على نفاذ الضريبة المطعون عليها، بل يظل رأس المال المحمل بها، وعاءً لها، وسعرها منسوباً إلى قيمته الاسمية أو الفعلية، ومبلغها مستنزلاً من قيم هذه الأموال ذاتها انتهاء إلى امتصاصها، بما يعيبها دستورياً ويفقدها مقوماتها، ليحيلها عدماً، ذلك أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً قانوناً - وعلى ما تنص عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية، وإلى جانبها أسسها الموضوعية محدد مفهومها على ضوء العدالة الاجتماعية، والتي تعتبر محوراً لتنظيم الضريبة في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور.
23- تبدو منافاة الضريبة المطعون عليها للعدالة الاجتماعية، من زاوية اتصال تطبيقها بالمسئولين عن أدائها، وهي الهيئة أو الشركة المصدرة للورقة المالية (سهماً كانت أم سنداً) أو للحصة أو النصيب، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 86 من قانون هذه الضريبة، تلزمها بأن تؤديها إلى مصلحة الضرائب خلال الخمسة عشر يوماً الأولى من يناير من كل سنة، ليقوم التزامها بتوريد هذه الضريبة إلى جوار المدينين أصلاً بها وفقاً لفقرتها الأولى، وهم أصحاب هذه الأوراق أو الحصص أو الأنصبة التي افترض المشرع قيام صله بينها وبينهم تسوغ حملها على توريد الضريبة إلى جانبهم, وهي صلة واهية انتحلها المشرع تقوية من جهته لضمان إيفاء الضريبة في موعدها وتيسيراً لتحصيلها، ذلك أن الضريبة المطعون عليها - وعلى ما تقدم - محلها أوراق مالية أو حصص أو أنصبة أخرجتها الهيئة أو الشركة المصرية التي أصدرتها من ملكيتها، بنقلها الحق فيها إلى آخرين.
وإصدارها لا يفصلها عنها، وليس لها من شأن بتداولها ولا بما ينجم عن التعامل فيها من إيراد، بل مرد ومردود ذلك إلى أصحابها.
بيد أن قانون هذه الضريبة، حمل الجهة المصدرة لها بعبئها، وجعلها مسئولة عن توريدها من رأسمالها المصدر الذي قد يزيد كثيراً على رأس مالها المدفوع، وألزمها بأدائها مقدماً، سواء أكان العمل بها قد بدأ، أم كان لا زال في مرحلة التحضير، وسواء كان نشاطها قد مضى قدماً محققاً ربحاً، أم كان متعثراً متراجعاً كاشفاً عن خسائر أصابتها مهما بلغ عمقها ومداها، وسواء كان وجودها قانونا محققاً، أم كان كيانها غير مكتمل، بما مؤداه إضرار الضريبة المطعون عليها بمركزها المالي، وتسويتها لفرص توجيهها لجهودها، وحشدها لتحقيق الأغراض التي تقوم أصلاً عليها.
24- دل المشرع على أن سعيه لتحصيل الضريبة، كان توجهاً منهما بما نص عليه في المادة 85 من قانونها من سريانها اعتباراً من تاريخ مزاولة الشركة لعملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص في تأسيسها، أو اعتباراً من نشر المحرر المتعلق بتأسيسها، أيها أسبق زمناً، لتكون الجباية في ذاتها هدفاً منظوراً ورئيسياً لهذه الضريبة، فلا تمتد إليها حماية الدستور، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التي تقرر "ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجى من وراء إقرار تنظيم تشريعي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال فرض ضريبة تفتقر إلى قوالبها الشكلية أو لا تتوافر - في أركانها ودوافعها - الأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها، ذلك أن جباية الأموال في ذاتها، لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور، بل يتعين أن تتم وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه".
25- إن المشرع عزز اتجاهه إلى تحصيل الضريبة المطعون عليها، بغض النظر عن عواقبها بما نص عليه في البند (ب) من المادة 83 من قانونها من فرضها على القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها "التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها" بما مؤداه، أنه حتى ولو أسفرت العمليات التي جرت في شأن الورقة المالية، عن تضاؤل قيمتها، فإن قلة هذه العمليات - وفق تقدير الجهة الدائنة بالضريبة - تخولها محاسبة الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عن أدائها، على ضوء القيمة الاسمية - لا الفعلية - للورقة المالية. وهي عين القاعدة التي التزمها المشرع في شأن ضريبة الدمغة النوعية التي فرضها على حصص التأسيس وفقاً للبند (د) من المادة 83 المشار إليها.
26- الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين، يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداءً primary motive، ويتمثل في الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها، تصبها في خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها. ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية أو جانبية، أو غير مباشرة Incidential Motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية Regulatary Nature، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها - عن طريق عبئها - على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً، كالتعامل في المواد المخدرة.
وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية، ولا تزايلها طبيعتها هذه، لمجرد أنها تولد أثاراً عرضية بمناسبة إنشائها.
27- إن الضريبة المطعون عليها - ومن زاوية آثارها العرضية - تلحق بفرص الاستثمار أفدح الأضرار، وهي كذلك تعوق الادخار الذي اعتبره الدستور واجباً قومياً، وليس أدل على ذلك، من أن وزير المالية حين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها بعد إلغائها، كان قاطعاً في أن إلغاءها يوفر ظروفاً أفضل للاستثمار، تزداد بها العمالة، وينكمش معها التضخم، ويدور في نطاقها رأس المال، من خلال قاعدة إنتاجية أعرض، كاشفاً بذلك عن أن فرض هذه الضريبة كان عملاً عشوائياً منافياً لعدالتها الاجتماعية، مجاوزاً الحدود التي يكون فيها أداؤها واجباً قانوناً، معطلاً دورها في مجال تحقيق الكفاية والعدل اللذين جعلهما الدستور أساساً للنظام الاقتصادي، وغدا تحصيلها بالتالي مجرد جباية لا ضابط لها ولا يستقيم بنيانها وفق الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة دستورياً في غيابها.


الإجراءات

في الخامس عشر من فبراير سنة 1995 أودعت الشركة المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طالبة الحكم بعدم دستورية نصي المادتين 83، 86 من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية - الشركة الأمريكية للبويات والدهانات - كانت قد أقامت ضد المدعى عليه الثالث بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب، الدعوى رقم 103 لسنة 1992 ضرائب كلي شمال القاهرة، طعناً على قرار لجنة الطعن رقم 99 لسنة 1990 بتحديد ضريبة الدمغة النسبية التي تلتزم بأدائها، وطلبت في دعواها هذه الحكم بأحقيتها في التمتع بإعفاء رأسمالها من الخضوع لهذه الضريبة لمدة عشر سنين من تاريخ تأسيسها، وعدم سريان تلك الضريبة على الزيادة في رأس مالها بالتالي. إلا أن محكمة شمال القاهرة قضت برفض الدعوى، فطعنت الشركة على هذا الحكم بالاستئناف رقم 1482 لسنة 11 قضائية. وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة النسبية الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت المدعية الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعية وإن ضمنت صحيفة دعواها الدستورية، الطعن بعدم دستورية المادتين 83، 86 من قانون ضريبة الدمغة، إلا أن من المقرر - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن الدعوى الدستورية، ينحصر نطاقها في النصوص القانونية التي دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفي حدود ترجيحها لمنطقية المطاعن الموجهة إليها، تقديراً بأن المسائل الدستورية التي أثارها هذا الدفع، هي التي قدر الحكم الصادر عنها جديتها، والتي أتصل بها تصريحها برفع الدعوى الدستورية. إذ كان ما تقدم، وكان هذا الدفع قد تعلق بنص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة دون غيرها، فإن الدعوى الدستورية لا تدور إلا حولها، ولا شأن لها بغيرها من النصوص القانونية التي تضمنها هذا القانون.
وحيث إن المادة 83 المطعون عليها، وإن ألغتها المادة الأولى من القانون رقم 115 لسنة 1995 اعتباراً من تاريخ العمل بها في أول يناير 1996، إلا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها - ومن بينهم المدعية - وترتبت بمقتضاها أثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من هاتين القاعدتين، فما نشأ مكتملاً في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعا لحكمها وحدها.
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز الخلط بين الملتزم أصلاً بالضريبة، وبين من اعتبره المشرع مسئولاً عن توريدها، بل يتعين التمييز بينهما، فلا يكون الشخص ملتزماً أصلاً بها، إلا إذا توافرت بالنسبة إليه الواقعة التي أنشأتها، والتي يتمثل عنصراها في المال المحمل بعبئها - والمتخذ وعاءً لها - ثم وجود علاقة بين هذا المال وشخص معين، ليكون اجتماعهما معاً مُظهراً للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع لظروفها الموضوعية والشخصية. ولا يكون الشخص مسئولاً عن الضريبة إلا إذا كان وفاؤه بها تابعاً للالتزام الأصلي بأدائها، ليبقى بوجوده ويزول بانقضائه، وشرط ذلك أن تكون علاقة المسئول عن الضريبة في شأن المال المتخذ وعاءً لها - وهو العنصر الموضوعي في الضريبة - منتفية.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكانت الضريبة التي فرضتها المادة 83 المطعون عليها على الأوراق المالية والحصص والأنصبة التي حددتها، لا يتحمل بها أصلاً إلا أصحابها الذين يملكونها - على ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 86 من قانون هذه الضريبة - إلا أن الفقرة الثانية من المادة 86 ذاتها، تقيم إلى جانبهم مسئولين عنها يلتزمون - في الموعد المحدد بها - بتوريدها إلى مصلحة الضرائب ضماناً لتحصيلها، وتوقياً للتحايل عليها أو التخلص منها، وتأميناً لانتظام جبايتها وسرعتها، والتقليل من تكلفتها. متى كان ذلك، وكانت الشركات والهيئات التي صدرت عنها الأوراق المالية والحصص والأنصبة محل الضريبة، هي التي اعتبرتها الفقرة الثانية من المادة 86 من قانونها، مسئولة عن توريدها إلى الخزانة العامة؛ وكانت مسئوليتها هذه تدور وجوداً وعدماً مع وجود الضريبة ذاتها أو زوالها، فإن مصلحتها في الطعن عليها بمقولة مجاوزتها الحدود التي رسمها الدستور للضريبة العامة، وأن عبئها يظل واقعاً في ميزانيتها، مقتطعاً جانباً من مواردها، حائلاً دون استثمارها في وقت ملائم، ولو أمكنها بعد دفعها من الرجوع بها واقتضائها من الملتزمين أصلاً بها، تكون قائمة.
وحيث إن المادة 83 المطعون عليها - بعد تعديلها - تنص على ما يأتي:
"تستحق ضريبة سنوية على السندات أياً كانت جهة إصدارها وجميع الأسهم والحصص والأنصبة الصادرة من الشركات المصرية سواء أكانت مساهمة أو توصية بالأسهم أو ذات مسئولية محدودة، وسواء مثلت تلك الأسهم والحصص والأنصبة والسندات في صكوك أو لم تمثل، وسواء سلمت الصكوك إلى أصحابها أو لم تسلم وذلك على النحو التالي:-
( أ ) نسبية: ثمانية في الألف من متوسط السعر خلال الستة أشهر السابقة على تاريخ استحقاق الضريبة، وذلك بالنسبة للأوراق المالية المقيدة والمتداولة في البورصة.
(ب) نسبية: أثنا عشر في الألف من القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها، التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها في البورصة من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها.
(ج) نسبية: أثنا عشر في الألف من قيمة رأس مال الشركات المساهمة وذات المسئولية المحدودة غير الممثل في أسهم أو حصص أو أنصبة.
(د) نوعية: مائة وثمانون قرشاً بالنسبة لحصص التأسيس غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها، التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها في البورصة من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها.
وتخفض الضريبة إلى النصف خلال السنتين الأوليين من تاريخ تأسيس الشركة".
وحيث إن المادة 85 من قانون ضريبة الدمغة، تنص كذلك على أن تسري الضريبة من تاريخ مزاولة الشركة عملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص في تأسيسها، أو من تاريخ نشر المحرر الذي أسست بمقتضاه، أي هذه التواريخ أسبق.
وحيث إن المذكرة الإيضاحية التي صاغها مشروع هذه الضريبة، تدل على انصرافها إلى الأوراق المالية الصادرة عن شركات المساهمة، ما كان منها تابعاً للقطاع العام أو الخاص، وكذلك إلى ما يصدر عنها من أسهم خلال السنة لمقابلة الزيادة في رأسمالها، ولو لم تمثل أسهمها في صكوك تدل عليها، وتعتبر سنداً مثبتاً لملكيتها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها، فضلاً عن أن ما نص عليه المشروع من استحقاق الضريبة من تاريخ مزاولة الشركة نشاطها، أو اعتباراً من تاريخ تأسيسها أيهما أسبق، مؤداه أنها تستحق "قبل أن تولد الشركة "قانوناً" فلا يكون القول بضرورة تمثيل الأسهم في صكوك تم تسليمها لأصحابها، إلا لغواً.
وحيث إن البين من مضبطة الجلسة الثامنة والخمسين المعقودة في 13/ 3/ 1995 والتي ناقش مجلس الشعب فيها، مشروع إلغاء نص المادة 83 التي كان قد فرض بها ضريبة الدمغة النسبية على الأوراق المالية، أن الضرائب بوجه عام ينبغي ألا تكون مجرد الجباية هدفها، بل يتعين ألا تعوق الاستثمار، وأن تكون حافزاً للادخار، كافلة للعدالة الاجتماعية، فلا تكون عبئاً غير مقبول، ولا تخالطها عشوائية تفقدها مبرراتها، وأن إلغاءها - وعلى رأسها ضريبة الدمغة النسبية على رأس المال، وكان مطلباً ثابتاً للجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، لا سيما وقد اعتبر المشرع الشركة أو الهيئة التي صدرت عنها الأوراق المالية، مسئولة عن توريد هذه الضريبة، رغم التزام أصحابها أصلاً بها، ودون ما اعتداد بما إذا كان نشاطها قد حقق ربحاً أم آل إلى خسارتها. وقد أقر رئيس الجمهورية وجهة النظر التي تدعو لإلغائها، وقرر وزير المالية في بيانه أمام المجلس، أنها تفرض على رأس المال المصدر - لا المدفوع - وأنها تحصل في بداية كل سنة من المسئولين عن توريدها، سواء بداً العمل في شركاتهم أو لم يبدأ، وأياً كان ناتج نشاطها. وحين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها إذا ما تقرر إلغاؤها، أفاد بأن فرص الاستثمار التي تتهيأ بإلغائها، هي التي تكفل التعويض المرجو، بالنظر إلى العمالة الأكبر التي تتيحها، والقاعدة الإنتاجية الأغراض التي تقيمها، والتي ينمو الدخل في ظلها، وينكمش معها التضخم ويزداد معها الممولون وعياً وعدداً.
وحيث إن المدعية وآخرين ممن أدوا الضريبة محل النزاع الماثل، أقاموا مناعيهم في شأنها على سند من أن الأصل في الضريبة، أن يكون محلها إيراداً دورياً منتظماً، وهو ما يعني أن يكون وعاؤها دخلاً متجدداً، وأن يظل وعاؤها قائماً، فإذا زال بعد وجوده، أو كان غير محقق الوجود، أو كان استمرار تطبيقها مفضياً إلى تآكله، كان فرضها منافياً للدستور، وإذا جاز أن يكون رأس المال محلاً للضريبة ليقع عليه عبؤها، فذلك في الظروف الاستثنائية، ولمرة واحدة. والضريبة المطعون عليها وإن كان ظاهرها ليناً، إلا أن حقيقتها استنفاد لوعائها إذا استطال زمنها، فقد فرضها المشرع أصلاً وابتداءً على من يملكون أوراقاً مالية أو حصصاً أو أنصبة، ليؤديها هؤلاء من وعائها ممثلاً في قيمتها، وهو ما يعني حَمْلهم على اقتطاعها منه بغير حكم قضائي؛ وانصرافاً عن مفهوم الادخار الذي اعتبر الدستور حمايته، والحض عليه، واجباً وطنياً؛ وتخلياً عن اتسامها بالعدالة الاجتماعية التي أقامها بنياناً لكل ضريبة؛ وإهداراً لصون الملكية الخاصة التي تقوم في جوهرها على رأس المال غير المستغل، والتي لا يجوز المساس بها إلا استثناء، وفي الحدود التي نص الدستور عليها، ليكون فرض الضريبة المطعون عليها منافياً لمواده 34 و38 و39.
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة، من أن الملتزمين أصلاً بالضريبة، كان بوسعهم تجنبها لو أنهم وجهوا أموالهم لاستثمارها عن غير طريق الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 من قانون الضريبة؛ مردود، بأن مصادرة حرية الفرد في اختيار الطريق الأفضل وفق تقديره لاستثمار أمواله، يناقض الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يقبل تنازلاً، غائراً في النفس البشرية، كافلاً إنسانيتها. والأصل في كل عمل أن يكون مشروعاً، ولا تخرج بعض الأعمال من دائرة التعامل إلا إذا حظرها المشرع، فإذا كان التعامل في أموال بذاتها جائزاً، وكان استثمارها في نشاط معين ممكناً قانوناً، فإن الحمل على عدم ولوجها - من خلال الضريبة - يردها إلى دائرة عدم المشروعية، ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية. والقول بأن مناعي المدعية خوض من جانبها في السياسة الضريبية التي يستقل المشرع بتقديرها؛ مردود، بأن الدستور قدر خطورة الضريبة العامة - وتندرج تحتها الضريبة المطعون عليها - بالنظر إلى تعلقها بجماهير غفيرة، ومساسها المباشر بمصالحها وتأثيرها بوجه عام في الأوضاع الاقتصادية، وكان لازماً بالتالي أن تراقبها هذه المحكمة - إذا ما طعن عليها - ضماناً لفرضها لمصلحة لها اعتبارها، وبمراعاة الأسس الموضوعية التي تقيم بنيانها الحق، على ضوء معايير تكفل عدالتها اجتماعيا، وتتحدد على ضوئها جميعاً مشروعيتها الدستورية، وعلى الأخص في مجال اتصال أهدافها بمضمون النصوص القانونية التي فرضتها.
وغير صحيح كذلك في القانون، ما تدعيه هذه الهيئة، من أن الضريبة المطعون عليها يبررها أنها تتناول مستثمرين يتداولون رؤوس أموال بذواتها ويضاربون عليها من خلال بورصة الأوراق المالية التي تكفل لهذا النوع من الاستثمار استمراره وتطويره، ومن ثم كان إسهامهم في أعباء إنشائها لازماً. غير صحيح ما تقدم، ذلك أن تداول الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 من قانون هذه الضريبة، ليس شرطاً لاستحقاقها، بل تتناول الضريبة قيم رؤوس أموال بذواتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - ولو لم تصدر صكوكها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها. ولا شأن لضريبة الدمغة النسبية بما يمكن أن يتولد عن رؤوس الأموال هذه من إيراد، بل يعتبر هذا الإيراد دخلاً لها، ينضم إلى غيره من الدخول التي يحققها الشخص، ليخضع صافي مجموعها، للضريبة السنوية التي فرضها قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 178 لسنة 1993.
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة، من أن الضريبة المطعون عليها نوع من الزكاة مردود، بأن الزكاة فرضتها النصوص القرآنية، لا النصوص التشريعية الوضعية التي ترتد الضريبة المطعون عليها إليها في مصدرها. والزكاة كذلك - وباعتبارها من الأركان الأساسية للعقيدة الإسلامية - لا يجوز العدول عنها، ولا التعديل في أحكامها المقطوع بثبوتها ودلالتها، خلافاً لكل ضريبة إذ يجوز دوماً النظر فيها، وتغيير بنيانها، بل وإلغاؤها. والضريبة والزكاة مختلفتان - نطاقاً وعلة - وهما بالتالي متغايرتان، وتحملهما معاً، لا مخالفة فيه للدستور.
وحيث إن الضريبة المطعون عليها ضريبة عامة، لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - بالقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة. ولا يعني ذلك أن يتماثل الممولون في مقدار الضريبة التي يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعلياً، بل جغرافياً.
وحيث إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج، أو طردها أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالي على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق؛ وكان الدستور - نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها - قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون. ولازم ذلك أن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمناً تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإغفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة، إذ ينظم رابطتها محيطاً بها في إطار من قواعد القانون العام، متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها، وبمراعاة أن حق الدولة في إنشائها لتنمية مواردها، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية، يكون إنصافها نافياً لتحيفها، فلا تتسم بوطأة الجزاء بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التي ينبغي أن تتوخاها أصلاً، ولا يناقض معدلها وأحوال فرضها الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة - كفل بالمادتين 32 و34 حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء - وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها - باعتبارها عائدة في الأعم من الأحوال إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، معبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها في إطار وظيفتها الاجتماعية. ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها هذه الوظيفة التي تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها لها مقوماتها وتوجهاتها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة.
وحيث إن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية الأدبية والفنية أو الصناعية؛ وكان لا يجوز على ضوء هذه الحماية، فرض ضريبة على رؤوس أموال المكلفين بها بما يجتثها أو يقلصها إلى حد كبير، لتخرج بتمامها أو في كثير من أجزائها من يد أصحابها، مما يفقد الضريبة وظيفتها الأساسية بوصفها "إسهاماً منطقياً" من الملتزمين بأدائها في تحمل نصيبهم من الأعباء العام لتغطية تكلفتها. والأدق أن يقال أن ضريبة على هذا النحو، عدوان على رؤوس هذه الأموال، ينال من قيمتها، ويحول دون تراكمها لبناء قاعدة اقتصادية أعرض. ومن ثم كان للضريبة مجال طبيعي يتصل بتطبيقاتها في الأعم من الأحوال، وذلك من خلال ربطها بصور الإيراد التي يقدر المشرع ملاءمة إخضاعها للضريبة، ليكون الدخل بذلك محوراً لها، ناجماً عن استثمار رؤوس الأموال في ألوان من التعامل جائزة قانوناً، وهو ما يعني أن الدخل - وباعتباره إيراداً متجدداً - يمثل من الضريبة مجالها الأكثر فاعلية، سواء كان هذا الإيراد ناجماً عن قيم منقولة، أم عن المهن غير التجارية، أم عن الثروة العقارية، أم كان مرتباً أم ربحاً صافياً محققاً من غير ذلك من المصادر، ومن ثم كان الدخل وعاءً أساسياً للضريبة، متطلباً فيها كشرط مبدئي لموضوعيتها وعدالتها. ولا يجوز بالتالي أن تكون رؤوس الأموال ذاتها وعاءً لها، إلا بصورة استثنائية لا تعطل حقاً دستورياً، وبقدر الضرورة، وبما لا ينتزعها أو يؤول إلى تآكلها، ويفترض ذلك لزوماً ألا يكون تطبيق الضريبة التي فرضها المشرع عليها ممتداً في الزمان إلى غير حد، ولا أن تكون لها وطأة الجزاء، ولا أن "تظلها أغراض الجباية" لتهيمن عليها محددة مسارها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان قانون ضريبة الدمغة المطعون عليها، قد فرضها على رؤوس أموال بذواتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - فاعتبرها وعاءً لها محملاً أصحابها بعبئها بوصفهم ملتزمين أصلاً بها، بما مؤداه ربط الضريبة بقيم هذه الأصول واقتضائها منها، فلا تزايلها أو تتحول عنها، ليكون إسناد الضريبة إليها - واطراد زمن تطبيقها - عاصفاً بها أو محدداً مجال حركتها، باعتبارها ضماناً لتحصيل الضريبة التي فرضها المشرع في شأنها. وهي بعد ضريبة يستأديها من أصحابها سنوياً - ومقدماً - بناءً على مجرد تملكهم لها، ومن ثم تكون "واقعة الملكية" - في ذاتها - هي المنشئة للضريبة المطعون عليها. سواء كانت الأسهم أو السندات أو الحصص أو الأنصبة التي حملها المشرع بعبئها، تغل أو لا تنتج دخلاً. فليس لدخلها - وجوداً أو عدماً - من أثر على نفاذ الضريبة المطعون عليها، بل يظل رأس المال المحمل بها، وعاءً لها، وسعرها منسوباً إلى قيمته الاسمية أو الفعلية، ومبلغها مستنزلاً من قيم هذه الأموال ذاتها انتهاء إلى امتصاصها، بما يعيبها دستورياً ويفقدها مقوماتها، ليحيلها عدماً، ذلك أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً قانوناً - وعلى ما تنص عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية، وإلى جانبها أسسها الموضوعية محدد مفهومها على ضوء العدالة الاجتماعية، والتي تعتبر محوراً لتنظيم الضريبة في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور.
وحيث إن منافاة الضريبة المطعون عليها للعدالة الاجتماعية، تبدو كذلك من زاوية اتصال تطبيقها بالمسئولين عن أدائها، وهي الهيئة أو الشركة المصدرة للورقة المالية (سهماً كانت أم سنداً) أو للحصة أو النصيب, ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 86 من قانون هذه الضريبة، تلزمها بأن تؤديها إلى مصلحة الضرائب خلال الخمسة عشر يوماً الأولى من يناير من كل سنة، ليقوم التزامها بتوريد هذه الضريبة إلى جوار المدينين أصلاً بها وفقاً لفقرتها الأولى، وهم أصحاب هذه الأوراق أو الحصص أو الأنصبة التي افترض المشرع قيام صله بينها وبينهم تسوغ حملها على توريد الضريبة إلى جانبهم, وهي صلة واهية انتحلها المشرع تقوية من جهته لضمان إيفاء الضريبة في موعدها وتيسيراً لتحصيلها، ذلك أن الضريبة المطعون عليها - وعلى ما تقدم - محلها أوراق مالية أو حصص أو أنصبة أخرجتها الهيئة أو الشركة المصرية التي أصدرتها من ملكيتها، بنقلها الحق فيها إلى آخرين.
وإصدارها لها يفصلها عنها، وليس لها من شأن بتداولها ولا بما ينجم عن التعامل فيها من إيراد، بل مرد ومردود ذلك إلى أصحابها.
بيد أن قانون هذه الضريبة، حمل الجهة المصدرة لها بعبئها، وجعلها مسئولة عن توريدها من رأسمالها المصدر الذي قد يزيد كثيراً على رأس مالها المدفوع، وألزمها بأدائها مقدماً، سواء أكان العمل بها قد بدأ، أم كان لا زال في مرحلة التحضير، وسواء كان نشاطها قد مضى قدماً محققاً ربحاً، أم كان متعثراً متراجعاً كاشفاً عن خسائر أصابتها مهما بلغ عمقها ومداها، وسواء كان وجودها قانوناً محققاً، أم كان كيانها غير مكتمل، بما مؤداه إضرار الضريبة المطعون عليها بمركزها المالي، وتسويتها لفرص توجيهها لجهودها، وحشدها لتحقيق الأغراض التي تقوم أصلاً عليها.
وقد دل المشرع على أن سعيه لتحصيل الضريبة، كان توجهاً منهما بما نص عليه في المادة 85 من قانونها من سريانها اعتباراً من تاريخ مزاولة الشركة لعملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص في تأسيسها، أو اعتباراً من نشر المحرر المتعلق بتأسيسها، أيها أسبق زمناً، لتكون الجباية في ذاتها هدفاً منظوراً ورئيسياً لهذه الضريبة، فلا تمتد إليها حماية الدستور، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التي تقرر "ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجى من وراء إقرار تنظيم تشريعي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال فرض ضريبة تفتقر إلى قوالبها الشكلية أو لا تتوافر - في أركانها ودوافعها - الأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها، ذلك أن جباية الأموال في ذاتها، لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور، بل يتعين أن تتم وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه".
وحيث إن المشرع عزز اتجاهه إلى تحصيل الضريبة المطعون عليها، بغض النظر عن عواقبها بما نص عليه في البند (ب) من المادة 83 من قانونها من فرضها على القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها "التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها" بما مؤداه، أنه حتى ولو أسفرت العمليات التي جرت في شأن الورقة المالية، عن تضاؤل قيمتها، فإن قلة هذه العمليات - وفق تقدير الجهة الدائنة بالضريبة - تخولها محاسبة الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عن أدائها، على ضوء القيمة الاسمية - لا الفعلية - للورقة المالية. وهي عين القاعدة التي التزمها المشرع في شأن ضريبة الدمغة النوعية التي فرضها على حصص التأسيس وفقاً للبند (د) من المادة 83 المشار إليها.
وحيث إن الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين، يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداء primary motive، ويتمثل في الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها، تصبها في خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها؛ ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية أو جانبية، أو غير مباشرة Incidential Motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية Regulatary Nature، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها - عن طريق عبئها - على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً، كالتعامل في المواد المخدرة.
وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية، ولا تزايلها طبيعتها هذه، لمجرد أنها تولد أثاراً عرضية بمناسبة إنشائها.
وحيث إن الضريبة المطعون عليها - ومن زاوية آثارها العرضية - تلحق بفرص الاستثمار أفدح الأضرار، وهي كذلك تعوق الادخار الذي اعتبره الدستور واجباً قومياً، وليس أدل على ذلك، من أن وزير المالية حين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها بعد إلغائها، كان قاطعاً في أن إلغاءها يوفر ظروفاً أفضل للاستثمار، تزداد بها العمالة، وينكمش معها التضخم، ويدور في نطاقها رأس المال، من خلال قاعدة إنتاجية أعرض، كاشفاً بذلك عن أن فرض هذه الضريبة كان عملاً عشوائياً منافياً لعدالتها الاجتماعية، مجاوزاً الحدود التي يكون فيها أداؤها واجباً قانوناً، معطلاً دورها في مجال تحقيق الكفاية والعدل اللذين جعلهما الدستور أساساً للنظام الاقتصادي، وغدا تحصيلها بالتالي مجرد جباية لا ضابط لها ولا يستقيم بنيانها وفق الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة دستورياً في غيابها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً أحكام المواد 4 و23 و32 و34 و38 و119 و120 من الدستور.
وحيث إن المواد 84 و85 و86 و87 من قانون هذه الضريبة - قبل إلغائها - ترتبط بنص المادة 83 المطعون عليها ارتباطاً لا يقبل التجزئة، بحيث لا يمكن فصلها عنها أو تطبيقها استقلالاً، فإنها تسقط جميعاً تبعاً لإبطال النص المطعون فيه، ولا تقوم لها من بعد من قائمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 وبسقوط مواده 84 و85 و86 و87 المرتبطة بها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


- استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم قضت المحكمة - خلال الفترة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها - باعتبار الخصومة منتهية في الدعاوى المماثلة الآتية:-
1- الدعوى رقم 10 لسنة 17 ق دستورية جلسة 5/ 10/ 1996.
2- الدعوى رقم 33 لسنة 17 ق دستورية جلسة 5/ 10/ 1996.
3- الدعوى رقم 89 لسنة 17 ق دستورية جلسة 5/ 10/ 1996.
4- الدعوى رقم 13 لسنة 18 ق دستورية جلسة 16/ 11/ 1996.

القضية 50 لسنة 17 ق جلسة 6 / 7 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 2 ص 63

جلسة 6 يوليو 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج يوسف وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (2)
القضية رقم 50 لسنة 17 قضائية "دستورية"

دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - انتهاء الخصومة"
الدعوى الدستورية عينية بطبيعتها - حجية الأحكام الصادرة فيها مطلقة قبل الكافة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة - حجية تعتبر بذاتها قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً - قضاء المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 49 لسنة 17 قضائية "دستورية" بعدم دستورية نص المادة 48 مكرراً من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 182 لسنة 1960 - رفع دعوى أخرى تستهدف الطعن في النص ذاته، أثره: اعتبار الخصومة منتهية.

-------------------
إن هذه المحكمة سبق لها أن تناولت هذه المسألة الدستورية عينها بحكمها الصادر بجلسة 15 يونيه 1996 في القضية رقم 49 لسنة 17 قضائية "دستورية" والذي قضى بعدم دستورية نص المادة 48 مكرراً من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها. وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بتاريخ 27 يونيه 1996.
وقضاء هذه المحكمة - فيما فصل فيه على النحو المتقدم - إنما يحوز حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى إمداد تنظيماتها المختلفة، وهي حجية تعتبر بذاتها قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً. إذ كان ذلك، فإن الخصومة في الدعوى الدستورية الراهنة، تكون منتهية.


الإجراءات

في الثامن من أغسطس سنة 1995 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 48 مكرراً من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانونين رقمي 40 لسنة 1966 و122 لسنة 1989.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعْد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت الدعوى الجنائية في القضية رقم 8879 لسنة 1994 جنح الجمرك ضد المدعي عملاً بالمادة 48 مكرراً من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها المعدل بالقانونين رقمي 40 لسنة 1966 و122 لسنة 1989، وذلك على سند مما أورده محضر الشرطة من أنه مسجل شقي خطر سبق ضبطه في قضيتي مخدرات الأخيرة برقم 247 لسنة 1992 جنايات مخدرات الجمرك، وأن نشاطه قد اتسع في تهريبها والاتجار فيها. وإذ قضت محكمة جنح الجمرك بجلسة 6/ 3/ 1995 ببراءته من التهمة المسندة إليه، فقد استأنفت النيابة العامة هذا الحكم أمام محكمة الجنح المستأنفة في القضية رقم 3420 لسنة 1995 جنح مستأنف غرب، والتي قضت بجلسة 18/ 6/ 1995 غيابياً بإيداع المتهم إحدى مؤسسات العمل المختصة لمدة سنة. وإذ عارض المتهم في هذا الحكم، ودفع بجلسة 16/ 7/ 1995 بعدم دستورية المادة 48 مكرراً من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المشار إليه، فقد أجلت المحكمة - بعد تقديرها لجدية هذا الدفع - نظر الدعوى إلى جلسة 1/ 1/ 1995، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فأقامها.
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه انطواءه على اعتداء على الحرية الشخصية، وإخلاله بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وإهداره لافتراض البراءة بالمخالفة للمواد 41 و66 و67 من الدستور.
وحيث إن هذه المحكمة سبق لها أن تناولت هذا المسألة الدستورية عينها بحكمها الصادر بجلسة 15 يونيو 1996 في القضية رقم 49 لسنة 17 قضائية "دستورية" والذي قضى بعدم دستورية نص المادة 48 مكرراً من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها. وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بتاريخ 27 يونيو 1996.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة - فيها فصل فيه على النحو المتقدم - إنما يحوز حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة، وهي حجية تعتبر بذاتها قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً. إذ كان ذلك، فإن الخصومة في الدعوى الدستورية الراهنة، تكون منتهية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية.


- قضت المحكمة - خلال الفترة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكام المحكمة - باعتبار الخصومة منتهية في الدعاوى المماثلة الآتية:-
1- الدعوى رقم 70 لسنة 17 ق دستورية جلسة 6/ 7/ 1996.
2- الدعوى رقم 88 لسنة 17 ق دستورية جلسة 6/ 7/ 1996.
3- الدعوى رقم 32 لسنة 17 ق دستورية جلسة 3/ 8/ 1996.
4- الدعوى رقم 55 لسنة 17 ق دستورية جلسة 3/ 8/ 1996.
5- الدعوى رقم 46 لسنة 18 ق دستورية جلسة 16/ 11/ 1996.
6- الدعوى رقم 44 لسنة 18 ق دستورية جلسة 16/ 11/ 1996.
7- الدعوى رقم 51 لسنة 18 ق دستورية جلسة 16/ 11/ 1996.

الأحد، 28 أبريل 2024

القضية 4 لسنة 25 ق جلسة 13 / 2 / 2005 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 2 منازعة تنفيذ ق 61 ص 3055

جلسة 13 فبراير سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وأنور رشاد العاصي وماهر سامي يوسف والدكتور عادل عمر شريف، 

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-------------------

قاعدة رقم (61)
القضية رقم 4 لسنة 25 قضائية "منازعة تنفيذ"

1 - منازعة التنفيذ "قوامها".
قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالي، أو تقيد اتصال حلقاته وتضامها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة دون تمييز، بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد، وصون حرياتهم، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاًَ صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
2 - منازعة تنفيذ "قانون أصلح للمتهم - انتفاء المصلحة في الدعوى - حجية الحكم بعدم القبول فصلاً في مسألة دستورية".
شيدت المحكمة الدستورية العليا حكمها بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية سالفة البيان - في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي - في الدعوى الماثلة - بالحكم الصادر ضده من محكمة الجنح والمؤيد من محكمة الجنح المستأنفة وقرار محكمة النقض بعدم قبول الطعن عليه، فإنه تبعاً لذلك تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة في إقامة منازعة التنفيذ الدستورية المعروضة باعتبار أن هذا الحكم الجنائي يمثل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه آنفاً يلزم إزاحتها وإسقاط مسبباتها التزاماً بأحكام الدستور والقانون، وإعمالاً للحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية، بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها مختلف الجهات القضائية - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72، 178) من الدستور، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.

-----------------
1 - وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالي، أو تقيد اتصال حلقاته وتضامها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادر في دعوى دستورية فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها، والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته, بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة دون تمييز، بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد، وصون حرياتهم، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاًَ صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
2 - شيدت المحكمة الدستورية العليا حكمها بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية سالفة البيان - في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي - في الدعوى الماثلة - بالحكم الصادر ضده من محكمة الجنح والمؤيد من محكمة الجنح المستأنفة وقرار محكمة النقض بعدم قبول الطعن عليه، فإنه تبعاً لذلك تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة في إقامة منازعة التنفيذ الدستورية المعروضة باعتبار أن هذا الحكم الجنائي يمثل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه آنفاً يلزم إزاحتها وإسقاط مسبباتها التزاماً بأحكام الدستور والقانون، وإعمالاً للحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية، بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها مختلف الجهات القضائية - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72، 178) من الدستور، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.


الإجراءات

بتاريخ العشرين من إبريل سنة 2003، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم: أولاً: بوقف تنفيذ الحكم الصادر في الجنحة رقم 6561 لسنة 1993 قسم بنها المؤيد بالحكم الصادر في الجنحة المستأنفة رقم 9605 لسنة 1994 والطعن بالنقض رقم 12956 لسنة 65 قضائية وذلك بصفة مستعجلة. ثانياً: وفي الموضوع، بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22/ 2/ 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة قدمت المدعي إلى المحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 6561 لسنة 1993 قسم بنها متهمة إياه بأنه إبان عامي 1991، 1992 وهو مالك للعقار تقاضى من المستأجرين مبالغ كمقدم إيجار يزيد عن الحد المقرر قانوناً، وبجلسة 2/ 11/ 1994 قضت محكمة الجنح بحبسه سنة مع الشغل وكفالة 50 جنيه، وألزمته برد ما تقاضاه وهو مبلغ 45340 جنيهاً وتغريمه مثلى هذا المبلغ، ومثليه لصندوق الإسكان الاقتصادي بالمحافظة - وذلك عملاً بالمواد (1، 26/ 1) من القانون رقم 49 لسنة 1977، 6، 25/ 3 من القانون رقم 136 لسنة 1981. وبجلسة 4/ 5/ 1995 قضت محكمة الجنح المستأنفة في الجنحة رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها بتأييد الحكم مع إيقاف عقوبة الحبس. وبجلسة 15/ 1/ 2003 قضت محكمة النقض في الطعن رقم 12956 لسنة 65 ق بعدم قبوله وصار الحكم باتاً.
ولما كانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بجلستها المعقودة في 22 فبراير سنة 1997 بعدم قبول الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" وأسست قضاءها على أن الواقعة محل الاتهام الجنائي إذ لم تعد معاقباً عليها بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها، فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية المشار إليها - بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التي أنبنى التجريم عليها وخرج من صلبها، وأن قضاءها باعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم وقد أنبنى على التطبيق المباشر للقواعد الدستورية التي تناولها ذلك الحكم، يسبغ عليه الحجية المطلقة المقررة قانوناً للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية بما تعنيه من إلزام للناس كافة ولكل سلطة في الدولة بما في ذلك جهات القضاء على اختلافها، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 6 مارس سنة 1997. وإذ كان الحكم الصادر ضد المدعي - في الدعوى الماثلة - في الجنحة المشار إليها آنفاً عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا سالف البيان، الأمر الذي حدا به إلى إقامة الدعوى الراهنة طالباً القضاء بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد أرفق المدعي بصحيفة دعواه حافظة مستندات طويت على شهادة من جدول محكمة الجنح المستأنفة ببنها صادرة في 19/ 4/ 2003 بشأن القضية رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها، وصورة رسمية من قرار محكمة النقض - دائرة الأربعاء (ج) - غرفة مشورة الصادر بتاريخ 15/ 1/ 2003 في الطعن رقم 12956 لسنة 65 ق بعدم قبوله، وصورة رسمية من حكم محكمة الجنح المستأنفة ببنها الصادر بتاريخ 4/ 5/ 1995 في القضية رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها والذي قضى بتأييد الحكم الصادر في القضية رقم 6561 لسنة 1993 جنح قسم بنها مع إيقاف عقوبة الحبس فقط لمدة ثلاث سنوات، وصورة رسمية من الحكم الأخير الصادر في 20/ 11/ 1994 الذي قضى حضورياً بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة 50 جنيهاً وألزمته برد ما تقاضاه للمجني عليهم وهو مبلغ 45340 جنيهاً كل بقدر ما دفع على نحو ما جاء بأسباب الحكم وتغريمه مثلى هذا المبلغ ومثليه لصندوق تمويل الإسكان الاقتصادي بالمحافظة والمصروفات الجنائية.
وحيث إن المدعي يطلب بصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ الحكم الصادر ضده في الدعوى الجنائية رقم 6561 لسنة 1993 جنح قسم بنها والذي تأيد بالحكم الصادر في القضية رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها، والقرار الصادر من محكمة النقض بعدم قبول الطعن رقم 12956 لسنة 65 قضائية. وفي الموضوع الحكم بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22/ 2/ 1997 في القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية فيما قضى به من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم، مع ما يترتب على ذلك من آثار. ومن ثم فإن طلبات المدعي تندرج - على نحو ما أورده في صحيفة دعواه - في عداد المنازعات التي عنتها المادة (50) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بنصها على اختصاص هذه المحكمة دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
وحيث إن الفصل في موضوع الدعوى يغني عن الخوض في الشق العاجل منها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالي، أو تقيد اتصال حلقاته وتضامها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادر في دعوى دستورية، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها، والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة دون تمييز، بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد، وصون حرياتهم، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاًَ صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
وحيث إنه يبين من الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22 فبراير سنة 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية أنه قد تناول تحديد "نطاق الدعوى الدستورية" فحصره في نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981 بعد ربطها بالعقوبة على مخالفتها المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، ثم عمد إلى تحقيق شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى، استمساكاً بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن عينية الدعوى الدستورية لا تعني اعتبار هذا الشرط منفكاً عنها، بل هو مناط قبولها، فلا يكفي أن يتوافر عند رفعها بل يتعين أن يظل قائماً إلى حين الفصل فيها، توكيداً لمبدأ حاصله أن "المصلحة الشخصية المباشرة هي شرط ابتداء واستمرار لقبول الدعوى الدستورية" واستظهاراً لهذا الشرط في إطاره ذاك وبمراعاة أن الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية - الصادر فيها الحكم المطلوب الاستمرار في تنفيذه - قد صادفها أثناء نظرها القانون رقم 4 لسنة 1996 فقد أقامت المحكمة منطوق قضائها "بعدم قبول الدعوى" على خمس دعامات رئيسية، لا قوام لهذا المنطوق دونها وتكوِّن معه كلاً واحداً لا يقبل التجزئة، مدادها الدستور، نصاً وروحاً، لحمتها "مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات" وسداها "صون الحرية الشخصية" وبنيتها تقدير "الضرورة الاجتماعية" التي أملتها "سياسة تشريعية" يتعين على المحكمة استنباط مقاصدها، ورصد غاياتها، متلائمة معها، ملتزمة بها، غير قاصرة على مفاهيم حرفية عفا عليها الزمن، بمنهجية تأخذ في اعتبارها دوماً أن الدستور وثيقة تقدمية نابضة بالحياة، فلا تصد عن التطور آفاقه الرحبة. وحاصل تلك الدعامات:
أولاً: أن ثمة قاعدتين تجريان معاً وتتكاملان - أولهما: أن مجال سريان القانون الجنائي ينحصر أصلاً في الأفعال اللاحقة لنفاذه. وثانيتهما: سريان القانون اللاحق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق كلما كان القانون الجديد أكثر يسراً. وتكامل هاتين القاعدتين مؤداه أن الثانية فرع من الأولى ونتيجة حتمية لها، وكلتاهما معاً تعتبران امتداداً لازماً لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، ولهما معاً القيمة الدستورية ذاتها.
ثانياً: أن صون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور بنص المادة (41) منه هي التي تقيم قاعدة "القانون الأصلح للمتهم" وترسيها، ومن ثم يحل القانون الجديد وقد صار أكثر رفقاً بالمتهم وأعون على صون الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يمس محل القانون القديم، فلا يتداخلان، بل ينحى ألحقهما أسبقهما، إعلاء للقيم التي انحاز إليها القانون الجديد، بعد أن صار أكفل لحقوق المخاطبين بالقانون القديم وأصون لحرياتهم.
ثالثاً: أن القوانين الجزائية التي تقارن يبعضها تحديداً لأصلحها للمتهم، تفترض اتفاقها جميعاً على الدستور، وتزاحمها على محل واحد، وتفاوتها فيما بينها في عقوباتها يقتضي ألا تُغَّلب المحكمة من صور الجزاء التي تتعامد على المحل الواحد إلا تلك التي تكون في محتواها أو شرائطها أو مبلغها أقل بأساً من غيرها، وأهون أثراً.
رابعاً: أن الضرورة الاجتماعية التي انطلق منها الجزاء المقرر بالقانون القديم وتولد عنها، قد أسقطتها فلسفة جديدة - تبناها المجتمع في طور أكثر تقدماً - قوامها حرية التعاقد، فلا يكون الجزاء الجنائي - وقد لابس القيود التي فرضها القانون القديم على هذه الحرية - إلا منهدماً بعد العمل بالقانون الجديد.
خامساً: أن إعمال الأثر الرجعي للقانون الأصلح للمتهم يعتبر ضمانة جوهرية للحرية الشخصية، تبلورها السياسة العقابية الجديدة للسلطة التشريعية التي تتحدد على ضوء فهمها للحقائق المتغيرة للضرورة الاجتماعية، وهي بعد ضرورة ينبغي أن يحمل عليها كل جزاء جنائي، وإلا فقد علة وجوده. وإذا كانت الواقعة محل الاتهام الجنائي في الدعوى الموضوعية التي أقيمت بشأنها الدعوى الدستورية لم تعد معاقباً عليها - بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه - فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعي في الدعوى الدستورية المشار إليها، بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التي أنبنى عليها التجريم، وخرج من صلبها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد شيدت حكمها بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية سالفة البيان - في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي - في الدعوى الماثلة - بالحكم الصادر ضده من محكمة الجنح والمؤيد من محكمة الجنح المستأنفة وقرار محكمة النقض بعدم قبول الطعن عليه، فإنه تبعاً لذلك تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة في إقامة منازعة التنفيذ الدستورية المعروضة باعتبار أن هذا الحكم الجنائي يمثل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه آنفاً يلزم إزاحتها وإسقاط مسبباتها التزاماً بأحكام الدستور والقانون، وإعمالاً للحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية، بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها مختلف الجهات القضائية - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72، 178) من الدستور، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالمضي في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22 من فبراير سنة 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها قانوناً أصلح للمتهم، مع ما يترتب على ذلك آثار، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 399 لسنة 25 ق جلسة 31 / 5/ 1955 مكتب فني 6 ج 3 ق 312 ص 1062

جلسة 3 من مايو سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، واسحق عبد السيد، ومحمود محمد مجاهد المستشارين.

---------------

(312)
القضية رقم 399 سنة 25 القضائية

دعوى مدنية. 

متى تجوز إحالتها إلى المحكمة المدنية؟ 

(م 209 أ. ج).

-------------------

متى كانت الدعوى المدنية داخلة في اختصاص المحكمة الجنائية تعين على هذه المحكمة وفقا لنص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية - إما أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية في الحكم الذى تصدره في الدعوى الجنائية إن رأتها صالحة للفصل فيها - وإما أن تحيلها إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف إن رأت أن الفصل فيها يترتب عليه تعطيل الفصل في الدعوى الجنائية. وإذن فإذا كانت المحكمة قد قضت في الدعوى الجنائية وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة التجارية وبنت قضاءها بالإحالة على ما تبين لها من وجود دعوى أخرى منظورة أمام هذه المحكمة الأخيرة وعلى ما ارتأته من وجود ارتباط وثيق بين الدعويين، وكان قانون الإجراءات الجنائية لم يتحدث عن حالة الارتباط وهو وفقا لقانون المرافعات لا يحكم به إلا إذا دفع به من له مصلحة فيه، وكان أحد لم يدفع به، فإن الحكم يكون مخالفا للقانون ويتعين نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة جمال عبد المجيد العبد بأنه: بدد معمل التعبئة المبين الوصف والقيمة بالمحضر والمحجوز عليه لصالح ساهاج كلايجيان ولم يكن قد سلم إليه إلا على سبيل الحراسة فسلمه إلى الشركاء إضرارا به وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعى ساهاج كلايجيان بحق مدنى قدره 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم، ومحكمة الموسكي الجزئية قضت حضوريا ببراءة المتهم وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدني مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم وفى أثناء نظر هذا الاستئناف أمام محكمة مصر الابتدائية دفع الحاضر عن المتهم بالدفعين الآتيين، الأول - عدم جواز نظر الدعوى لسابقة صدور أمر بحفظ الشكوى المؤسس عليها الدعوى من النيابة العامة. والثاني - عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعه قضت حضوريا، أولا - بقبوله شكلا، وثانيا - برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة صدور أمر بحفظ الشكوى المؤسس عليها الدعوى من النيابة العامة وبجواز نظرها، وثالثا - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها، ورابعا - إحالة الدعوى إلى الدائرة التجارية بمحكمة القاهرة الابتدائية لنظرها مع القضية رقم 1100 سنة 1951 كلى تجارى القاهرة. فطعن الطاعن فى هذا الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى باختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية ثم قضى في نفس الوقت بإحالتها إلى المحكمة التجارية للارتباط بينها وبين دعوى أخرى منظورة أمام تلك المحكمة.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن النيابة العامة أقامت الدعوى على الطاعن متهمة إياه بتبديد معمل التعبئة المبين الوصف والقيمة بالمحضر المحجوز عليه لصالح ساهاج كلايجيان ولم يكن قد سلم إليه إلا على سبيل الحراسة فسلمه إلى الشركاء إضرارا به. وأثناء نظر الدعوى ادعى ساهاج كلايجيان مدنيا وطلب الحكم له بتعويض مؤقت قدره 51 جنيها وقضت محكمة الدرجة الأولى ببراءة الطاعن وبإلزامه بأن يدفع للمدعي المدني 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت وأسست حكمها على أنه "وإن كان المتهم (الطاعن) في هذا الصدد قد أخطأ خطأ يقرب من العمد إلا أن المحكمة ترى من ملابسات الدعوى وما لجأ إليه بشأن ندب مهندس للتطبيق وإخطاره الخصوم بتاريخ التسليم ما يحول دون أن ترقى المحكمة بهذه الأدلة إلا مرتبة الجزم بالتواطؤ والاتفاق وتحديد القصد بالاتجاه إلى التبديد مما يتعين معه اعتبار أن القدر المتيقن في جانب المتهم هو خطأ فاحش وأنه وإن كان لم يستوجب المسئولية الجنائية إلا أنه يستوجب المسئولية المدنية وذلك لما استقر عليه القضاء من أن فقدان ركن من أركان الجريمة لا يحول دون أن تقضى المحكمة في الدعوى المدنية". وعند نظر الدعوى أمام محكمة الجنح المستأنفة دفع المتهم بعد اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الجنائية استنادا إلى أن دعوى الملكية مازالت مطروحة أمام القضاء. فقضت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها بنظر الدعوى المدنية وبإحالتها إلى الدائرة التجارية بمحكمة القاهرة الابتدائية لنظرها مع القضية رقم 1100 سنة 1951 تجارى كلى القاهرة وأسست حكمها في ذلك على أنه "ثابت من أوراق الدعوى وبإقرار طرفي الخصوم أن هناك دعوى ملكية رقم 1100 سنة 1951 تجاري مصر مرفوعة بشأن معمل التعبئة موضوع النزاع الحالي لم يفصل فيها بعد الأمر الذي ترى معه المحكمة إحالة هذه الدعوى إلى نفس الدائرة التي تنظر الدعوى السابقة لارتباط الدعويين ببعضهما ارتباطا وثيقا.
ومن حيث إن المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف - وكان يتعين على المحكمة وفقا لذلك وقد قضت باختصاصها بنظر الدعوى المدنية وفصلت في الدعوى الجنائية إما أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية في الحكم الذي أصدرته في الدعوى الجنائية إن رأتها صالحة للفصل فيها- وإما أن تحيلها إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف إن رأت أن ذلك يترتب عليه تعطيل الفصل في الدعوى الجنائية - لما كان ذلك - وكانت المحكمة لم تبن قضاءها بالإحالة على هذا الأساس بل بنته على ما تبين لها من وجود دعوى أخرى رقم 1100 سنة 1951 منظورة أمام المحكمة التجارية بشأن النزاع على ملكية معمل التعبئة والتوزيع - وعلى ما ارتأته من وجود ارتباط وثيق بين الدعويين وكان قانون الإجراءات الجنائية لم يتحدث عن حالة الارتباط وهو فقا لقانون المرافعات لا يحكم به إلا إذا دفع به من له مصلحة فيه وقد تقدم القول بأن أحدا لم يدفع به - لما كان ما تقدم فإن الحكم يكون مخالفا للقانون ويتعين لذلك نقضه وإعادة القضية للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى بدون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.

الطعن 2000 لسنة 35 ق جلسة 22 / 3 / 1966 مكتب فني 17 ج 1 ق 69 ص 348

جلسة 22 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.

---------------

(69)
الطعن رقم 2000 لسنة 35 القضائية

دعوى مدنية. دعوى جنائية. إحالة. نقض. "حالات الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما يوفره".
الإحالة في مفهوم حكم المادة 309 إجراءات؟
قضاء محكمة أول درجة بالبراءة في الدعوى الجنائية (القتل الخطأ) بحكم نهائي لعدم استئناف النيابة العامة له، وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية. تأسيسها قضاءها بالبراءة على عدم ثبوت الخطأ في حق المطعون ضده (المتهم). انطواء هذا القضاء ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها. استئناف المدعية بالحق المدني لهذا الحكم. إحالة الدعوى المدنية إلى محكمة أول درجة. لا طائل منه. لحتمية القضاء برفضها. على محكمة ثاني درجة التصدي لها والفصل في موضوعها. تخليها عن نظرها بإحالتها إلى المحكمة المدنية. خطأ في القانون وإخلال بحق الدفاع.

------------------
يجرى نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية قبل المتهم، وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية، فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف". ولما كان الثابت أن الدعوى الجنائية قد فصل فيها من محكمة أول درجة بالبراءة بحكم نهائي لعدم استئناف النيابة العامة له، فإن الحكم المطعون فيه بإحالته الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة لا يكون له سند من نص المادة سالفة الذكر، ويكون قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون، وكان يتعين طبقاً للقواعد العامة وقد قضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة بعدم اختصاصها أن تقضى في الوقت ذاته بإعادة القضية إليها لتقول كلمتها في الدعوى المدنية ولا تملك محكمة أول درجة حينئذ أن تحيل الدعوى إلى المحكمة المدنية لانتفاء علة ذلك لسبق الفصل في الدعوى الجنائية بحكم نهائي من قبل مما يستحيل معه أن يترتب على الفصل في التعويضات إرجاء الفصل فيها على ما يجرى به حكم المادة 309. غير أنه لما كان قضاء محكمة أول درجة بالبراءة لعدم ثبوت الخطأ في حق المطعون ضده إنما ينطوي ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية بما يؤدي إلى رفضها لأن القضاء بالبراءة وقد أقيم على عدم ثبوت وقوع خطأ من المتهم - المطعون ضده - إنما يتلازم معه الحكم برفض الدعوى المدنية، ويكون حكم محكمة أول درجة إذ قضى في منطوقه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية قد أقام قضاءه على أسباب لها حجيتها في الدعوى الجنائية إذ هي وثيقة الصلة بمنطوق الحكم الجنائي والفصل فيها ضروري لقيام هذا الحكم وهى عدم ثبوت ركن الخطأ في حق المتهم وهي أسباب تؤدي إلى رفض الدعوى المدنية. ولما كان استئناف هذا الحكم قد نقل إلى محكمة ثاني درجة موضوع الدعوى المدنية التي لم يعد هناك طائل من وراء إعادتها إلى محكمة أول درجة لحتمية القضاء برفضها إذا ما أعيدت إليها. ولذلك فإنه كان يتعين على محكمة ثاني درجة أن تتصدى لها وتفصل في موضوعها أما وهى لم تفعل وتخلت عن نظرها بإحالتها إلى المحكمة المدنية فإن النعي على حكمها بالخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع يكون سديداً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 28/ 10/ 1963 بدائرة مركز فاقوس: تسبب بغير قصد ولا تعمد في وفاة لويس متى سليمان وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأنه قاد السيارة بحالة ينجم عنها الخطر فصدم المجني عليه وأدى ذلك إلى وفاته. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات. وادعت مدنياً زوجة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر - وطلبت القضاء لها قبل المتهم وقبل صاحب السيارة بصفته المسئول عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ 10000 ج على سبيل التعويض والمصاريف والأتعاب. ومحكمة فاقوس الجزئية قضت حضورياً في 30 مارس سنة 1964 (أولاً) ببراءة المتهم مما أسند إليه (وثانياً) بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية وإلزام المدعية بالحق المدني بصفتها بمصروفات الدعوى المدنية وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. فاستأنفت المدعية بالحق المدني هذا الحكم. ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 8/ 12/ 1964 (أولاً) بقبول الاستئناف من المدعية بالحق المدني شكلاً (ثانياً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ومن إلزام المدعية بالحق المدني بمصروفات الدعوى المدنية (ثالثاً) بإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة فاقوس الجزئية الدائرة المدنية للفصل فيها. فطعنت المدعية بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما تنعاه الطاعنة - المدعية بالحقوق المدنية - على الحكم المطعون فيه هو أنه إذ قضى بإحالة الدعوى المدنية - التي رفعتها على المطعون ضدهما تبعاً للدعوى الجنائية المرفوعة على المتهم عن جريمة قتل خطأ - إلى المحكمة المختصة قد أخطأ في تطبيق القانون وأخل بحقها في الدفاع، ذلك بأنه كان يتعين على محكمة أول درجة وقد قضت ببراءة المطعون ضده الأول لعدم ثبوت الخطأ في حقه أن تفصل في حكمها في موضوع الدعوى المدنية، ولكنها قضت بعدم اختصاصها فألغت المحكمة الاستئنافية هذا الحكم وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة - فأخطأت بدورها في قضائها بالإحالة إذ كان يتعين عليها أن تقضي في موضوع الدعوى المدنية لأن قضاء محكمة أول درجة في الدعوى الجنائية يعتبر فصلاً في الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها، وكان يتعين على المحكمة الاستئنافية أن تعتبره كذلك وتقضي في الموضوع لأن ذلك يجيز لها وللطاعنة مناقشة حجية الحكم الجنائي الذي يمتنع عليها وعلى محكمة الإحالة عند إحالة الدعوى إلى المحكمة المدنية.
وحيث إنه يبين من مراجعة الأوراق أن النيابة العامة اتهمت المطعون ضده الأول بأنه في يوم 28/ 10/ 1963 بدائرة مركز فاقوس: تسبب بغير قصد ولا تعمد في وفاة لويس حنا سليمان وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد السيارة بحالة ينجم عنها الخطر فصدم المجني عليه وأدى ذلك إلى وفاته. وطلبت معاقبته طبقاً لنص المادة 238/ 1 من قانون العقوبات فادعت الطاعنة بصفتها بحق مدني مقداره عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. وقضت محكمة أول درجة حضورياً (أولاً) ببراءة المتهم - المطعون ضده الأول - مما أسند إليه. (ثانياً) بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية وإلزام المدعية بالحقوق المدنية بصفتها بمصروفات الدعوى المدنية فاستأنفت الطاعنة وحدها هذا الحكم وقضت محكمة ثاني درجة حضورياً (أولاً) بقبول الاستئناف شكلاً. (ثانياً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ومن إلزام المدعية بالحقوق المدنية بمصروفات الدعوى المدنية. (ثالثاً) بإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة فاقوس الجزئية - الدائرة المدنية - للفصل فيها بلا مصاريف مدنية. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد أقام قضاءه في الدعوى الجنائية ببراءة المطعون ضده على سند من أن الواقعة قد تكشفت عن أن خطأ منه لم يقع، ثم أقام قضاءه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية على قوله.... "ولما كانت المادة 309 أ. ج تنص على أن كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المتهم أو المدعي بالحقوق المدنية وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية. ولما كان ذلك كذلك، وكان تحقيق الضرر المدعى به وتقدير التعويض المستحق عنه هما أمران منوطان بالقضاء المدني، ومن ثم فإن المحكمة تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية لأن في تحقيق الضرر المدعى به وتقدير التعويض المستحق عنه يستلزم إجراء تحقيق خاص ترى المحكمة أنه سيترتب عليه تأخير الفصل في الدعوى الجنائية" أما الحكم المطعون فيه فإنه بعد أن أحال في بيان واقعة الدعوى على ما أورده عنها الحكم الابتدائي وعرض لدفاع المستأنفة - الطاعنة - الذي عيبت به الحكم بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية وأورد نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية، خلص إلى أنه يؤيد النظر الذي ذهب إليه الحكم المستأنف من أن الفصل في الدعوى المدنية يستلزم إجراء تحقيق خاص ورأى أن مقتضى ذلك - عملاً بنص المادة سالفة الذكر - هو إحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة لا الحكم فيها بعدم الاختصاص. لما كان ذلك، وكان صحيح نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية يجري على أن "كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية قبل المتهم. وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف" و كان الثابت مما سلف إيراده عما جرى في الدعوى أن الدعوى الجنائية قد فصل فيها من محكمة أول درجة بحكم نهائي لعدم استئناف النيابة العامة لهذا الحكم، فإن الحكم المطعون فيه بإحالته الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة لا يكون له سند من نص المادة سالفة الذكر ويكون قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون، وكان يتعين طبقاً للقواعد العامة وقد قضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة بعدم اختصاصها أن تقضي في الوقت ذاته بإعادة القضية إليها لتقول كلمتها في الدعوى المدنية ولا تملك محكمة أول درجة حينئذ أن تحيل الدعوى إلى المحكمة المدنية لانتفاء علة ذلك لسبق الفصل في الدعوى الجنائية بحكم نهائي من قبل مما يستحيل معه أن يترتب على الفصل في التعويضات إرجاء الفصل فيها على ما يجرى به حكم المادة 309. غير أنه لما كان قضاء محكمة أول درجة بالبراءة لعدم ثبوت الخطأ في حق المطعون ضده إنما ينطوي ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها لأن القضاء بالبراءة في صورة هذه الدعوى وقد أقيم على عدم ثبوت وقوع خطأ من المتهم - المطعون ضده الأول - إنما يتلازم معه الحكم برفض الدعوى المدنية ويكون حكم محكمة أول درجة إذ قضى في منطوقه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية قد أقام قضاءه على أسباب لها حجيتها في الدعوى الجنائية إذ هي وثيقة الصلة بمنطوق الحكم الجنائي والفصل فيها ضروري لقيام هذا الحكم وهى عدم ثبوت ركن الخطأ في حق المتهم وهى أسباب تؤدى إلى رفض الدعوى المدنية. لما كان ذلك، و كان استئناف هذا الحكم قد نقل إلى محكمة ثاني درجة موضوع الدعوى المدنية التي لم يعد هناك طائل من وراء إعادتها إلى محكمة أول درجة لحتمية القضاء برفضها إذا ما أعيدت إليها، ولذلك فإنه كان يتعين على محكمة ثاني درجة أن تتصدى لها وتفصل في موضوعها أما وهى لم تفعل وتخلت عن نظرها بإحالتها إلى المحكمة المدنية فإن النعي على حكمها في خصوص تلك الدعوى يكون سديداً، ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والإحالة مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.