برياسة السيد المستشار / عاصم المراغي نائب رئيس المحكمة والسادة
المستشارين / أحمد كمال سالم نائب رئيس المحكمة، إبراهيم زغو، محمد العفيفي وشمس
ماهر.
-----------
- 1 إثبات "عبء
الإثبات".
الأصل في الإجراءات أنها روعيت . عبء إثبات من يدعي خلاف ذلك . وقوعه
علي عاتق مدعيه .
الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت و على من يدعى أنها خولفت أن
يقيم الدليل على ما يدعيه .
- 2 نقض
"أسباب الطعن: السبب المفتقر للدليل".
عدم تقديم الطاعنين الدليل علي ما ينعونه علي الحكم . نعي بغير دليل .
غير مقبول .
إذ كان الطاعنون لم يقدموا ما يدل على أن مذكرة النيابة قدمت بعد
إقفال باب المرافعة في الاستئناف ، كما لم يودعوا ملف الطعن مذكرتي النيابة سواء
المقدمة لمحكمة الدرجة الأولى أو لمحكمة الاستئناف لإثبات أن مذكرتها الأخيرة لم
تعرض لبعض نقاط الدعوى التي لم تبد الرأي فيها بمذكرتها الأولى ، فإن النعي بشقيه
يكون عارياً عن الدليل
- 3 إثبات. محكمة الموضوع
"مسائل الإثبات". نقض "سلطة محكمة النقض".
تقدير الدليل في الدعوي من سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من
محكمة النقض .
محكمة الموضوع هي صاحبة الحق في تقدير الدليل الجائز لها الأخذ به
قانوناً دون رقابة عليها من محكمة النقض .
- 4 محكمة الموضوع "مسائل
الإثبات". تقادم "التقادم المكسب". حيازة.
وضع اليد المكسب للملكية بمضي المدة واقعة مادية . جواز إثباتها بكافة
الطرق . للمحكمة أن تعتمد في ثبوت الحيازة بعنصريها على القرائن التي تستنبطها من
وقائع الدعوى مادام استخلاصها سائغاً .
وضع اليد المكسب للملكية واقعة مادية مما يجوز إثباته بكافة الطرق،
فإن للمحكمة أن تعتمد في ثبوت الحيازة بعنصريها المبينين بالمادتين 968 و 969 من
القانون المدني على القرائن التي تستنبطها من وقائع الدعوى ما دام استخلاصها
سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، فلها أن تعتمد في ذلك على تقارير الخبراء
ولو كانت مقدمة في دعاوى أخرى ما دامت مضمومة إلى ملف الدعوى وأصبحت من أوراقها
التي تناضل الخصوم في شأن دلالتها وأن تأخذ ضمن القرائن المستفادة من الأوراق -
بما تطمئن إليه من أقول الشهود الذين سمعهم هؤلاء الخبراء دون حلف يمين، وأن تستند
إلى ما قضى به في دعوى أخرى دون أن تتوافر لهذا القضاء حجية الأحكام في الدعوى
المطروحة عليها متى كان ذلك بحسبانه قرينة تدعم بها قضاءها. وهي لا تتقيد بقرينة
من هذه القرائن دون أخرى، ولها أن تطرح ما لا تطمئن إليه، فلا عليها وهي بصدد بحث
كسب الملكية بالتقادم إن هي استبعدت القرينة المستفادة من تكليف الأطيان باسم
حائزها إذا وجدت في أوراق الدعوى ما تطمئن معه إلى أنه لم يكن يحوزها حيازة أصلية
لحساب نفسه، ولا أن تتقيد بتسجيل عقد ما دام قد ثبت لها أنه صدر من غير مالك لأن
ذلك ليس سبباً بذاته لكسب الملكية، كما أنها لا تلتزم بتعقب الخصوم في شتى مناحي
دفاعهم والرد على كل قرينة غير قانونية يستندون إليها ما دامت قد أقامت قضاءها على
الأسباب الكافية لحمله، ولا أن تجيب طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق ما دامت قد وجدت
في أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها.
- 5 إثبات
"القرائن القضائية". حكم "تسبيب الحكم".
الحكم الصادر في قضية أخرى لم يكن الخصم طرفاً فيها . جواز الاستدلال
به كقرينة مؤيدة .
استدلال الحكم المطعون فيه بحكم القسمة فيما خلص إليه من أن وقف ....
إن هو إلا لحكر موقوف على أرض الوقف الخيرى ، فهو لا يعيبه ما دام قد استدل به ، و
على ما جرى به في أسبابه ، كقرينة يعزز بها الأدلة التي ساقها على صحة هذه الواقعة .
- 6 إثبات. حكر. حكم "تسبيب
الحكم".
استدلال الحكم ـ في نفي نية التملك بوضع اليد على الأطيان محل النزاع
ـ على قيام رابطة تحكير تحول دون قيام هذه النية حتى ولو لم يستوف عقد الحكر شروطه
. لا عيب .
إذ كان ما أورده الحكم من تسلسل وضع اليد على أطيان النزاع بوصف
الحائزين لها ممثلين للوقف المذكور صاحب حق الحكر عليها ، إنما كان في مقام استظهار
نية البائعين لمورث الطاعنين في حيازتهم و بيان قيام سبب آخر لها يمنع من توافر
نية الملك ، فلا تثريب عليه إن هو استدل على قيام رابطة تحكير تحول دون قيام هذه
النية حتى و لو لم يستوف عقد الحكر - و على ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة -
شروطه الشكلية أو الموضوعية أو شروط صحته و نفاذه .
- 7 حكر. ملكية. وقف.
عقد الحكر . مفاده . إعطاء المحتكر حق القرار فقط على الأرض المحكرة
ما دام يدفع أجرة المثل ولا ينقل إليه ملكية الأرض المؤجرة المحكرة . مؤدى ذلك .
إلغاء الوقف الأهلي لحق الحكر . أثره . أيلولة هذا الحق فقط إلى المستحقين دون
ملكية الأرض المحكرة .
عقد الحكر ليس من شأنه أن ينقل إلى المحتكر ملكية الأرض المحكرة أو
حصة فيها ، و إنما يعطيه حق القرار عليها ما دام يدفع أجرة المثل ، فإذا كان هذا
الحق موقوفاً وقفاً أهلياً و أصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً طبقاً للمادة الثالثة
من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات ، فإنه لا يؤول
إلى المستحقين في هذا الوقف إلا حق الحكر ذاته و لا يكونون شركاء في ملكية الأرض
المحكرة و لا لهم حق التصرف فيها .
-----------
الوقائع
وحيث أن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق
الطعن – تتحصل في أن المرحوم ..... مورث الطاعنين أقام الدعوى رقم 348 لسنة 1968
مدني كلي دمياط على المرحوم ..... مورث المطعون ضدهم الثلاثة الأول وعلى باقي
المطعون ضدهم للحكم أولا: بتثبيت ملكيته لمساحة 7ف شيوعا في 20س ر 7ط ر 7ف المبينة
بصحيفة الدعوى. ثانيا: بمحو التأشيرات المترتبة على الحكم الصادر من لجنة القسمة
الأولى بوزارة الأوقاف في المادة رقم 767 بتاريخ 5/10/1968، وقال في بيانها أنه
اشترى خمسة أفدنة بموجب أربعة عقود مسجلة في 28/4/1954 و28/9/1954 و19/9/1957
و20/11/1958 – وفدانين بموجب عقدين قدم عنهما طلبين للشهر في 24/2/1958
و18/11/1958 – وتم نقل تكليف الأطيان جميعها لاسمه منذ شرائها، ولما كانت لجنة
القسمة بوزارة الأوقاف قد أرست مزاد بيع مساحة 20س ر 7ط ر 7ف سالفة الذكر على مورث
المطعون ضدهم الثلاثة الأول وعلى المطعون ضدهما الرابعة والخامسة بحسبانها وقفا مع
أنها في ملكه ووضع يده ويد البائعين له وأسلافهم بوصفهم المالكين لها منذ سنة
1903، فقد أقام الدعوى بطلباته. وبتاريخ 29/4/1971 حكمت المحكمة بندب مكتب خبراء
وزارة العدل بدمياط لبيان مالك أطيان النزاع وسنده ومدى تداخلها في أعيان الوقف
ومراحل وضع اليد عليها، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة بتاريخ 15/5/1975
برفض الدعوى، استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف
رقم 110 سنة 9ق مأمورية دمياط، والتي قضت بتاريخ 3/4/1978 بتأييد الحكم المستأنف،
طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض
الطعن، عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت
النيابة رأيها.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر ..... والمرافعة وبعد المداولة.
حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث أن الطعن أقيم على سبعة أسباب، ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها
على الحكم المطعون فيه البطلان والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولون أن محكمة
الاستئناف قررت إعادة الدعوى للمرافعة لأخطار النيابة لتقدم مذكرة برأيها، ورغم
عدم إثبات تقديم هذه المذكرة بمحضر الجلسة، قررت حجز الدعوى للحكم من جديد، وأصدرت
حكمها المطعون فيه متضمنا أن النيابة صممت في مذكرتها على رأيها المبدى أمام محكمة
الدرجة الأولى، وبما مفاده أن تدخل النيابة المتمثل في تقديم هذه المذكرة، وهو
تدخل وجوبي، تم بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى بالمخالفة للمادة 94 من قانون
المرافعات، ودون تمكين الخصوم من الاطلاع على رأيها حالة كونها خصما أصليا في
الدعوى، وأن النيابة لم تتناول في مذكرتها وجوه الدفاع الجديدة المتعلقة بتفسير
شروط الواقف وما إذا كان الوقف أهليا أم خيريا وقاصرا على حق المنفعة أم مشتملا على
ملكية الرقبة مما لم يكن مثارا أمام محكمة الدرجة الأولى، وهو ما يشوب حكمها فضلا
عن الإخلال بحق الدفاع ببطلان الإجراءات ويستوجب نقضه.
وحيث أن النعي غير مقبول، ذلك أن الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت
وعلى من يدعي أنها خولفت أن يقيم الدليل على ما يدعيه، ولما كان الثابت بمحاضر
الجلسات أن محكمة الاستئناف بعد أن كانت قد حجزت الدعوى للحكم إعادتها للمرافعة
ليخطر قلم الكتاب النيابة لتقدم مذكرة بالرأي، وبجلسة المرافعة التالية حجزت
المحكمة الدعوى للحكم وصرحت بتقديم مذكرات في عشرة أيام مناصفة تبدأ بالمستأنفين، وأوردت
بحكمها المطعون فيه أن - النيابة قدمت مذكرة أصرت فيها على رأيها الذي أبدته في
الدرجة الأولى وطلبت تأييد الحكم المستأنف، لما كان ذلك وكان الطاعنون لم يقدموا
ما يدل على أن مذكرة النيابة قدمت بعد إقفال باب المرافعة في الاستئناف، كما لم
يودعوا ملف الطعن مذكرتي النيابة سواء المقدمة لمحكمة الدرجة الأولى أو لمحكمة
الاستئناف لإثبات أن مذكرتها الأخيرة لم تعرض لبعض نقاط الدعوى التي لم تبد الرأي
فيها بمذكرتها الأولى، فإن النعي بشقيه يكون عاريا عن الدليل، وبالتالي غير مقبول.
وحيث أن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني وبشق من كل من السببين الثالث
والسابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال والقصور في
التسبيب وفي بيان ذلك يقولون أنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن ملكية أطيان
النزاع آلت إلى البائعين لمورثهم بالميراث عن المرحوم ........ المتوفي سنة 1310
هجرية والذي كان قد تملكها بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، واستدلوا على
ذلك بورودها في تكليف هذا الأخير ثم في تكليف ورثته، وبأدائهم الضرائب المقررة
عليها والحصول على ريعها دون دفع شيء منه لجهة الوقف، وبظهورهم عليها بمظهر المالك
لها مما دفع الحكومة إلى شراء بعض الأطيان منهم وتخصيصها للمنفعة العامة، وبأن
تسجيل أربعة من عقود البيع الصادرة منهم لمورث الطاعنين والمتضمنة أن الملكية آلت
إلى البائعين بهذا الطريق يدل على تحقق مصلحة الشهر العقاري في ثبوت الملكية لهم
طبقا للمستندات المقدمة إليها، وقد أطرح الحكم هذا الدفاع ورد عليه بما لا يواجهه
بقوله أن أطيان النزاع تدخل ضمن أعيان وقفي السلطان ...... والشيخ ......، وأن
البائعين لمورث الطاعنين لم يكونوا يضعون اليد عليها إلا بصفتهم مستحقين في الوقف
أو نظارا عليه، وذلك مع ما سبق لهم التمسك به أمام محكمة الموضوع من أن الوقفين
قديمان ومضى على إنشائهما زمن طويل يفوق المدة التي كانت مقررة لاكتساب ملكية
الأعيان الموقوفة بالتقادم الطويل، والتي لا يجوز سماع الدعوى بادعاء الوقف بعد
انقضائها، وأن وقف ...... زالت عنه صفة الوقف بمقتضى حجة الأيلولة الشرعية المؤرخة
1188 هجرية، وأن البائعين لمورثهم واجهوا الموقف مواجهة صريحة منذ ذلك الوقت
البعيد بأعمالهم سالفة الذكر الدالة على تغيير نيتهم في حيازة الأطيان المذكورة
واستئثارهم بملكيتها من دون الوقف، وأن ثبوت الحيازة لهم يفترض معه أنهم يحوزون
أطيان النزاع حيازة أصلية لحساب أنفسهم، ومن ناحية أخرى فقد استدل الحكم على دخول
أطيان النزاع ضمن أعيان الوقف بتقريري الخبير المقدمين في الدعوى رقم 252 لسنة
1954 مدني كلي دمياط، وبتقرير الخبير المنتدب من محكمة الدرجة الأولى في الدعوى
الراهنة، مع أن أول هذه التقارير انتهى إلى أنه من المتعذر تطبيق حجتي الوقف على
الطبيعة لأنه لم تكن توجد خرائط، ولا توجد ملفات لأي من الوقفين، واقتصر عمل
الخبير الثاني على سماع أقوال الطرفين وناظري وقف ......، وإذ لم تجد محكمة الدرجة
الأولى في هذين التقريرين ما يكفي لتكوين عقيدتها، وندبت خبيرا في الدعوى فقد
اكتفى بالإحالة إلى التقريرين المذكورين، ولم ينفذ ما كلف به من تطبيق حجتي الوقف
على أطيان النزاع، وبذلك يكون الحكم وقد عول على هذه التقارير التي اعتمدت على
أقوال الشهود قد أقام قضاءه على مجرد الظن والتخمين وأنشأ وقفا بغير إشهاد شرعي
وهو ما لا يجوز، إذ الشهادة لا تثبت الوقف إلا إذا سمعت في مجلس القضاء ومن الشهود
المعاصرين لإنشائه، فإذا تقادم الوقف ومات شهوده لم يجز إثباته بالبينة، وذلك إلى
أن المحكمة لم تجب الطاعنين إلى طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات كسب البائعين
لمورثهم وأسلافهم ملكية أطيان النزاع بالتقادم الطويل منذ سنة 1903 واستندت فيما
انتهت إليه من عدم ثبوت الملكية لهم على أقوال الشهود الذين سمعهم الخبراء
المذكورين بغير حلف يمين، وعلى الحكم الصادر في الدعوى رقم 252 لسنة 1954 مدني كلي
دمياط وتقريري الخبير المقدمين فيها سالفي الذكر مع اختلافها عن الدعوى الراهنة خصوما
وموضوعا وسببا، ولم تضم مدة حيازة السلف إلى الخلف، واعتمدت ما ورد بالتقريرين
المذكورين من أن مورث الطاعنين كان يستأجر مساحة 12 ط ر 1ف من أطيان النزاع من
النظار على وقف ....... لمدة سنتين بموجب عقد مؤرخ 17/8/1944، وذلك رغم طلبهم
تقديم هذا العقد وتطبيقه على الطبيعة، وقولهم أن هذه الواقعة لو صحت لا تأثير لها
على ثبوت الملكية لهم لأنه لا يترتب على زوال الحيازة قطع التقادم بعد أن تكون
مدته اللازمة لكسب الملكية قد اكتملت، كما استندت المحكمة في قضائها على تقرير
اللجنة المشكلة بوزارة الأوقاف لبحث الأحكام المتعلقة بوقف السلطان ....... مع أنه
لا يجوز للحكم أن يصطنع لنفسه دليلا في الدعوى، وذلك جميعه مما يشوب الحكم المطعون
فيه فضلا عن مخالفة القانون بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ويستوجب نقضه.
وحيث أن هذا النعي مردود، ذلك أن محكمة الموضوع هي صاحبة الحق في تقدير
الدليل الجائز لها الأخذ به قانونا دون رقابة عليها من محكمة النقض، ولما كان وضع
اليد المكسب للملكية واقعة مادية مما يجوز إثباته بكافة الطرق، فإن للمحكمة أن
تعتمد في ثبوت الحيازة بعنصريها المبينين بالمادتين 968 و969 من القانون المدني
على القرائن التي تستنبطها من وقائع الدعوى مادام استخلاصها سائغا ولا مخالفة فيه
للثابت بالأوراق، فلها أن تعتمد في ذلك على تقارير الخبراء ولو كانت مقدمة في
دعاوى أخرى مادامت مضمومة إلى ملف الدعوى وأصبحت من أوراقها التي تناضل الخصوم في
شأن دلالتها، وأن تأخذ ضمن القرائن المستفادة من الأوراق بما تطمئن إليه من أقوال
الشهود الذين سمعهم هؤلاء الخبراء دون - حلف يمين، وأن تستند إلى ما قضى به في
دعوى أخرى دون أن تتوافر لهذا القضاء حجية الأحكام في الدعوى المطروحة عليها متى
كان ذلك بحسبانه قرينة تدعم بها قضاءها وهي لا تتقيد بقرينة من هذه القرائن دون
أخرى، ولها أن تطرح مالا تطمئن إليه، فلا عليها وهي بصدد بحث كسب الملكية بالتقادم
أن هي استبعدت القرينة المستفادة من تكليف الأطيان باسم حائزها إذا وجدت في أوراق
الدعوى ما تطمئن معه إلى أنه لم يكن يحوزها حيازة أصلية لحساب نفسه، ولا أن تتقيد
بتسجيل عقد مادام قد ثبت لها أنه صدر من غير مالك، لأن ذلك ليس سببا بذاته لكسب
الملكية، كما أنها لا تلتزم بتعقب الخصوم في شتى مناحي دفاعهم والرد على كل قرينة
غير قانونية يستندون إليها مادامت قد أقامت قضاءها على الأسباب الكافية لحمله، ولا
أن تجيب طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق مادامت قد وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي
لتكوين عقيدتها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على قوله أن
"تقرير الخبير الذي ندبته محكمة الدرجة الأولى الذي تطمئن إليه هذه المحكمة
بدورها وما انتهى إليه من أن الأرض محل النزاع تقع بحوض الغبايشة 83 قطعة 21 وأن
واضع اليد على هذه الأطيان هو ....... من قبل سنة 1926 ثم الشيخ ....... من سنة
1926 حتى سنة 1956 وذلك بصفتهم نظارا لوقف ..... وأنه تخلل هذه الفترة الأخيرة وضع
يد مورث المستأنفين - الطاعنين - ...... على جزء من تلك الأطيان على أساس الايجار بموجب
عقدي إيجار سنة 1944 و1948 صادرين له من .... ناظري الوقف حينذاك .... والتقريران
المقدمان في الدعوى 252 لسنة 1954 مدني كلي دمياط - التي أثبت الحكم في موضع آخر
أن الصورة الرسمية لكل منهما وصحيفة تلك الدعوى والحكم الصادر فيها وفي استئنافها
رقم 56 سنة 1 ق دمياط مودعة بالأوراق وأن الدعوى المذكورة أقامها الطاعن بصحة
العقد المؤرخ 26/4/54 الصادر له من ...... ببيع مساحة 12 ط ر 1 ف وتدخل فيها ....
و.... بصفتهما ناظرين على وقف ... طالبين رفضها وهو ما أجبتهما المحكمة إليه وتأيد
قضاؤها في الاستئناف، ثم استطرد الحكم قائلا عن هذين التقريرين أنه ولئن كان
أولهما قد انتهى إلى القول بأنه لا يمكن تطبيق حجة وقف ..... على الطبيعة لتغير
المسميات الآن عنها وقت صدور الحجة إلا أنه انتهى مع ذلك بعد المعاينة ومناقشة
طرفي الخصومة وسماع شهود ناظري الوقف المتدخلين في تلك الدعوى والاطلاع على كافة
المستندات إلى أن واضعي اليد على الأرض ..... وهي ذاتها موضوع العقد المؤرخ
26/4/1954 المقدم في الدعوى الحالية هم ...... من قبل سنة 1926 ثم من بعده .....
والد البائع مورثي المستأنفين (الطاعنين) بالاشتراك مع .... و..... منذ سنة 1926
تقريبا حتى سنة 1940 ثم انفرد بوضع اليد من ذلك التاريخ .... و.... وأن وضع يد
هؤلاء جميعا كان بصفتهم نظارا للوقف، وأن البائع للمدعي - أي لمورث المدعين في
الدعوى الحالية لم يضع يده على تلك الأطيان مطلقا، وجاء التقرير الثاني مكملا
للأول مقررا أن أرض النزاع .... هي من وقف .... وأن البائع لمورث المستأنفين لا
يملك أرضا بحوض الغبايشة 83 .... بل أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 252 لسنة 1954
مدني كلي دمياط وفي استئنافه .... قد حسما هذه المسألة وخلصا إلى ثبوت أن تلك
الأرض ..... تقع ضمن وقف ....... وأنها غير مملوكة للبائع مورث المستأنفين، وقد
كان كلاهما طرفا في هذا الحكم وهو نهائي حائز لقوة الأمر المقضي فهو حجة عليهما،
ثم استطرد الحكم في تعداد القرائن التي أقام عليها قضاءه فأشار إلى تقرير لجنة
الأحكام مقررا أنها لجنة مشكلة من موظفين رسميين لهم شأنهم من حيث الخبرة والكفاءة
اثنان منهم من رؤساء الخبراء بوزارة العدل واثنان من مفتشي المساحة من أن الأرض
تقع ضمن أعيان وقف السلطان الأشرف قايتباي على الجامع والمدرسة المدبولية وأنها في
الوقف نفسه محكرة ومقيدة بسجلات الأحكار، وقد انتهت اللجنة إلى النتيجة التي انتهت
إليها بعد دراسة تاريخية مستفيضة وبحث واستقصاء بالغي الدقة وتطبيق هندسي سليم
وبحث وتحري عن المسميات اللفظية الواردة بحجة وقف السلطان قايتباي سنة 881 هجرية
من وقت تحريرها منذ خمسمائة سنة على الطبيعة حتى الآن على النحو الذي فعلته اللجنة
بتقريرها - الذي أثبت الحكم إيداعه ضمن أوراق الدعوى - وأن ما يدعيه المستأنفون
(الطاعنون) من تملكهم الأرض بالحيازة المكسبة للملكية سواء بمدتها الطويلة
والقصيرة مع السبب الصحيح لا دليل عليها من قبل الخمسينات، ذلك أنه حتى نهاية
الأربعينيات كان المستأنف (يعني مورث الطاعنين) يضع يده على بعض أرض النزاع
باعتباره مستأجرا وهو أمر لا يسوغ الجدل فيه بعد أن سجله الحكم في الدعوى 252 سنة
1954 واستئنافه .... واورده تقرير الخبير في تلك الدعوى من تفصيل لبيانات عقدي
الايجار المبرمين بين ..... بوصفهم النظار الشرعيين على أوقاف المرحوم ... إلى
المعلم ..... مورث المستأنفين بتاريخ 17/8/1944 و2/8/1946 كلي لمدة سنتين عن أرض
زراعية طابق حدودها على الطبيعة فتبين له أن أرض النزاع، والتي تدخل ضمن أرض
النزاع في الدعوى الحالية تقع ضمن الأرض محل عقدي الايجار، فضلا عن الاتفاق المؤرخ
24/2/1948 بين .... وبين آخرين الذي أقر فيه مورث المستأنفين (الطاعنين) بأنه
يستأجر جزءا من الأرض محل النزاع، ولم تقم حيازة مورث المستأنفين على مناهضة حق
الوقف إلا منذ صدور العقود التي يستند إليها وأقدمها العقد المؤرخ 29/11/1953
..... وقبل ذلك لم يقم في الأوراق ما يدل على وجود حيازة لمورثهم بنية الملك على
أي من تلك الأراضي محل النزاع، وإنما قام الدليل على العكس على حيازة عرضيه ....
على سبيل الإيجار ..... وجدير بالذكر أنه سواء، كانت الحيازة بسبب صحيح أو بغير
سبب صحيح فلم يكن يجوز تملك أملاك الوقف قبل تعديل المادة 970 مدني بالقانون رقم
147 لسنة 1957 - إلا بمضي ثلاث وثلاثين سنة الأمر الذي لم يتوافر لمورث الآخرين
الذين باع بعضهم إليه، فليست لأي من هؤلاء حيازة ثابتة لأي قطعة من الأرض محل
النزاع بنية الملك اكتملت لها مدة ثلاث وثلاثين سنة ... وإنما الثابت من كل تقارير
الخبراء أن البائع لمورث المستأنفين لم يضع يده على أن أي من تلك الأراضي .... وأن
من وضع يده من عائلته إنما وضع يده عليها باعتباره ناظرا للوقف، بل لقد ثبت من
الحكم 56 سنة 1 ق دمياط أن أحد البائعين - ..... كان يقبض نصيبه في ربع وقف ....
من ناظري الوقف ولقد وقع على إيصال يتضمن ذلك ..... ولا يصح اعتبار ورود تلك
الأطيان في كشوف المكلفات باسم مورث البائعين للمدعي أو غيره من عائلة ..... دليلا
على الملكية أو الحيازة بنية الملك، ذلك أن كشوف المكلفات كانت تحرر بإجراءات
إدارية تنقصها الدقة ولا يسبقها فحص الملكية أو سندها، خاصة وقد تضمنت تقارير
الخبراء أن المستحكرين لأرض الوقف قد أثبتوا أراضي الأحكار باسمهم في دفاتر
المكلفات إلا أنه في صدد الأرض محل النزاع فقد ثبت من التقارير سالفة الذكر أنها
وأن كانت باسمهم إلا أن ذلك باعتبارهم نظارا وهو ما تأكد بتعاملهم مع الغير عن تلك
الأرض بهذه الصفة وتدخلهم في الدعاوى ممثلين للوقف ولا يجدي المستأنفين ما ذهبوا
إليه من أن الوقف قد آل إلى الورثة بحجة شرعية سنة 1188 هجرية، ذلك أنه أن صح ذلك
افتراضا فأنه لا يغير من الواقع الثابت الذي لا جدال فيه وهو أن وقف .... ليس إلا
حكرا، فلا يمكن أن يؤول إلى الورثة إلا الحكر ووضع يد المستحكر لا تكسب الملكية مهما
امتد به الزمن" وكان ما أورده الحكم من هذه القرائن المتساندة التي لها أصلها
الثابت بالأوراق يؤدي إلى ما خلص إليه من دخول أطيان النزاع ضمن أعيان وقف السلطان
..... الخيري، وأن واضعي اليد عليها من قبل سنة 1926 وإلى ما بعد إقامة الدعوى رقم
252 لسنة 1954 مدني كلي دمياط، كانوا يحوزونها بصفتهم نظارا لوقف .... احتكرها من
الوقف الأول، والذين تدخلوا بصفتهم هذه في الدعوى المذكورة التي كان مورث الطاعنين
قد أقامها بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد بيع مساحة 1.12 تدخل ضمن أطيان النزاع في
الدعوى الراهنة، وأن مورثهم المذكور والبائعين له لم يكن لأي منهم وضع يد على هذه
الأطيان بنية الملك، وأن من كانت له الحيازة منهم كان بوصفه من نظار الوقف
المذكور، وأن أحد البائعين له كان يستلم حصة من غلة الوقف بصفته مستحقا، وكان ما
أثبته الحكم وخلص إليه من ذلك هو من الوقائع المادية ولا يتضمن إنشاء للوقف الذي
أورد الحكم أن له حجته المؤرخة سنة 881 هجرية فضلا عن حجة وقف .... اللتين أثبت
الحكم بمدوناته الاطلاع عليهما، ولم يستدل الحكم المطعون فيه بحكم الدعوى رقم 252
لسنة 1954 مدني كلي دمياط سالفة الذكر إلا باعتباره قرينة ضمن القرائن الأخرى التي
أقام عليها قضاءه فأورده ضمنها مقررا أن حجيته قائمة بين طرفيه، وذكر في وصف تقرير
لجنة الأحكار ما بعثه على الاطمئنان إليه وينفي عنه شبهة اعتباره دليلا أعدته
وزارة الأوقاف لخدمة الدعوى فذكر أن من بين أعضائه اثنان من رؤساء خبراء بوزارة
العدل وآخران من مفتشي مصلحة المساحة، وكان مفاد ما أورده بأسبابه تلك أن المحكمة
وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها ولم تر داعيا لإجابة طلب الإحالة إلى
التحقيق، وكان ما عدا ذلك من وجوه النعي لا يعدو المجادلة في تقدير محكمة الموضوع
للأدلة مما تمتنع إثارته أمام محكمة النقض، فإن النعي على الحكم بكافة ما اشتملت
على هذه الأسباب يكون في غير محله.
وحيث أن الطاعنين ينعون بالسببين الرابع والخامس وبالشق الباقي من كل
من السببين الثالث والسابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في
الاستدلال والقصور في التسبيب من أربعة أوجه حاصل أولها أن الحكم ذهب إلى أن وقف
.... يتعلق بمنافع وتقاويم أرض أوقفها السلطان ..... وقفا خيريا، فتعتبر الأعيان
المتعلقة بها هذه المنافع وقفا خيريا، في حين أنه من المقرر في الفقه الحنفي أنه
إذا كانت المنفعة متعلقة بعين، فأنها تتبع هذه العين، فإن كانت مما يصح وقفه فأنه
يجوز وقف المنفعة تبعا لها، ولازم ذلك ومقتضاه أن يكون وقف .... الأهلي واردا كذلك
على الأعيان المتعلق بها حق المنفعة الموقوف، ولا يغير من ذلك أن تكون هذه الأعيان
سبق أن أوقفها السلطان ... وقفا خيريا لأنه مضى بين الوقفين زمن طويل يسمح لوقف
.... الأهلي بكسب ملكية هذه الأعيان بوضع اليد المدة الطويلة وهو ما كان جائزا،
ولا يغير منه أيضا أن يكون .... قد وصف نفسه في حجة وقفه بأنه شيخ السادة
المجاورين بالمدرسة المدبولية التي أوقف عليها السلطان .... وقفه الخيري، لأن هذا
الوقف قائم بشخص الواقف لا بأعيان هذا الوقف، وأنه مما يؤكد النظر المتقدم أن وقف
.... زالت عنه صفة الوقف بحجة الأيلولة الشرعية المؤرخة سنة 1188 هجرية، فأقتسم
ورثته أعيان الوقف ذاتها ولم تقتصر القسمة على منفعة هذه الأعيان، وأن الحكم
الصادر في الدعوى رقم 252 لسنة 1954 مدني كلي دمياط الذي استند إليه الحكم المطعون
فيه، أن صح الاستدلال به في هذا المقام، قد انتهى إلى أن أطيان النزاع من ضمن
أعيان وقف ..... الأهلي، ولم يقصر هذا الوقف على حق المنفعة، وأن حكم لجنة القسمة
الذي أيد به الحكم المطعون فيه قضاءه لا يصح الاستدلال به في شأن صفة الوقف لأن
الأمر يتعلق بتفسير حجة الوقف وهو من اختصاص المحاكم دون غيرها، وحاصل الوجه
الثاني أن الحكم أقام قضاءه على عدم ثبوت الملكية لمورث الطاعنين والبائعين له
وأسلافهم على أن حيازة هؤلاء كانت بصفتهم أما مستحقين في الوقف أو نظارا عليه، مع
أن الاستحقاق في الوقف لا يثبت إلا بحصر أفراده وبيان سبب أيلولة الاستحقاق إليهم،
وهو ما خلت منه أسباب الحكم المطعون فيه، كما لا يثبت النظر على الوقف إلا بحجته
أو بحكم القاضي، والحجة لم يرد بها إلا أن النظر للواقف الشيخ ..... ولورثته من
بعده، وإذا صح ما انتهى إليه خبير الدعوى رقم 252 لسنة 1954 مدني كلي دمياط، الذي
أخذ به الحكم المطعون فيه، من أن أفراد أسرة .... كانوا يضعون اليد على أطيان
النزاع بصفتهم نظارا على هذا الوقف منذ سنة 1926، فإنه ليس بلازم حتما أن البائعين
للطاعنين من أفراد هذه الأسرة كان لهم النظر على هذا الوقف، خاصة وأن المطعون ضدهم
الخمسة الأول أنفسهم سلموا في دفاعهم بأن البائعين لمورث الطاعنين لم يكونوا من
النظار عليه. وحاصل الوجه الثالث أن الحكم خلط بين حق المنفعة وحق الحكر، بأن اتخذ
مما ذكره من أن وقف ..... وارد على منافع لأرض وقف السلطان ..... قرينة على أن
الوقف الأول يحتكر حق المنفعة من الوقف الثاني، مع أن الحكر لا يثبت إلا بحجة
شرعية أو بعقد عرفي وإذن القاضي، وهو ما لم يورد الحكم دليله، كما أغفل الحكم
دلالة سكوت وقف السلطان ......... على قسمة أعيانه بين المستحقين في وقف ......
منذ سنة 1188 هجرية، مع ما في هذا السكوت من حجة قاطعة على أن حق الحكر لا وجود
له، وحاصل النعي بالوجه الرابع أن الحكم حجب نفسه بما افترضه من وجود حق الحكر
واعتبار وقف ......... قاصر على حق المنفعة عن بحث دفاعهم بأن أطيان النزاع
بافتراض كونها موقوفه فإن وقفها كان أهليا، وصارت ملكا للمستحقين من تاريخ العمل
بالقانون رقم 180م 1952 بانتهاء الوقف على غير الخيرات في 14/9/1950، وأصبح من
الجائز كسب ملكيتها بالتقادم بنوعية طبقا للمادتين 968 و969 من القانون المدني،
وهو ما تحقق لهم بحيازة مورثهم وهم من بعده - للخمسة أفدنه التي تم تسجيل عقود
بيعها الحاصل من غير المستحقين في الوقف مدة خمس سنوات، واقتران هذه الحيازة بحسن
النية واستنادها إلى السبب الصحيح، وبحيازته هو وأسلافه للأطيان جميعها دون انقطاع
مدة خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون المذكور، وذلك جميعه مما يعيبه بمخالفة
القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ويستوجب نقضه.
وحيث أن النعي بالوجهين الأول والثاني غير صحيح في شق منه وغير مقبول
ومردود في الباقي، ذلك أن الحكم المطعون فيه وقد أثبت بمدوناته الاطلاع على حجة
وقف السلطان ...... وأنه جعل مصرف وقفه على الجامع والمدرسة المدبولية، واستدل على
خيرية هذا الوقف واستمرار تبعية أطيان النزاع له، بما ورد بتقارير الخبراء المودعة
بملف الدعوى والتي سبقت الإشارة إليها، فإن النعي عليه بأنه استدل على ذلك لمجرد
ما ورد بحجة وقف .... في وصف ذلك الوقف من أنه وقف خيري يكون غير صحيح. ولما كان
الحكم - وعلى ما تفيده أسبابه التي سبق بيانها عند الرد على أوجه النعي السابق -
لم يقم قضاءه على أن الشيخ .... كان يملك حق الانتفاع في أطيان النزاع، وإنما على
أنه كان مستحكرا لها، أي - صاحب حق البقاء والقرار عليها مادام يدفع أجرة الحكر،
وأنه لم يوقف إلا هذا الحق، فإن النعي عليه بأنه اعتد بوقف المنفعة مجردا مع عدم
جواز ذلك شرعا، وأيا ما كان وجه الرأي فيه، لا يصادف محلا من قضائه، هذا وقد أورد
بأسبابه في مقام الرد على دفاع الطاعنين بأن وقف .... زالت عنه صفة الوقف بحجة
الأيلولة الشرعية المؤرخة 1188 هجرية قوله بأنه "أن صح ذلك افتراضا فإنه لا
يغير من الواقع الثابت الذي لا جدال فيه وهو أن ..... ليس إلا حكرا، فلا يمكن أن
يؤول إلى الورثة إلا حق الحكر، ووضع يد المستحكر كما سبق القول لا يكسب الملكية
مهما امتد به الزمن" بما مؤداه أنه اعتمد في نفي نية التملك عن الحائزين
لأطيان - النزاع بأنهم لم يكونوا يستندون في حيازتها إلا إلى حق الحكر، دون اعتبار
لما إذا كان هذا الحق موقوفا أو غير موقوف، وهو ما يكفي لإقامة قضائه برفض الدعوى،
ومن ثم فإن الجدل في حجة هذا الوقف، وفي توافر المسوغ الشرعي لنظر المرحوم ....
أحد البائعين لمورث الطاعنين على أطيان النزاع يكون غير مقبول أيضا ولما كان الحكم
قد استدل وهو في مقام التحقق من توافر عناصر الحيازة المؤدية إلى كسب الملكية، على
أن .... البائع لمساحة من أطيان النزاع للمورث المذكور لم تتوافر لديه نية تملك
أطيان النزاع، بتوقيعه على إيصال بقبض نصيبه في ريع وقف .... من ناظري هذا الوقف،
فإنه يكون قد استند إلى دليل جائز القبول، ويكون النعي عليه بأنه لم يعن ببيان سبب
أيلولة الاستحقاق في الوقف المذكور إلى هذا البائع في غير محله، وأما ما يثيره
الطاعنون من أن وقف .... قد تملك أعيان وقف السلطان ..... بوضع اليد المدة
الطويلة، فهو دفاع جديد لم يقدم الطاعنون الدليل على سبق تمسكهم به أمام محكمة
الموضوع، فيكون غير مقبول، وأما استدلالهم بما ورد بحكم الدعوى رقم 2
52 لسنة 1954 مدني كلي دمياط من أن أطيان النزاع ملك وقف ....، فهو في
غير محله، لأنه ليس لهذا الحكم حجية في الدعوى الراهنة توجب الالتزام بما ورد من
ذلك في عبارة مجملة لأن وقف السلطان .... لم يكن ممثلا في الدعوى المذكورة، وأما
عن استدلال الحكم المطعون فيه بحكم لجنة القسمة فيما خلص إليه من أن وقف .... أن
هو إلا حكر موقوف على أرض الوقف الخيري، فهو لا يعيبه مادام قد استدل به، وعلى ما
صرح به في أسبابه، كقرينة يعزز بها الأدلة التي ساقها على صحة هذه الواقعة، وأما
ما يثيره الطاعنون عدا ذلك بوجهي النعي سالفي البيان فلا يعدو المجادلة في دلالة
عبارات حجة وقف ....، وفيما خلص إليه الحكم من أن أطيان النزاع بقيت على ملك الوقف
الخيري حتى صدر قرار لجنة القسمة ببيعها دون أن يكسب أحد ملكيتها بالتقادم، وهي
أمور موضوعية مما تستقل محكمة الموضوع بتقديرها دون رقابة عليها في ذلك من محكمة
النقض مادامت قد أقامت قضاءها بشأنها على أسباب سائغة وكافية لحمله. والنعي بالوجه
الثالث مردود كذلك بأنه لما كان الحكم قد استدل على أن وقف .... هو وقف الحكر بما
ورد بحجته من أنه وقف منافع وتقاديم من جملة الأرض الجارية بوقف السلطان الأشرف
.....، وما ورد بتقرير لجنة بحث الأحكار سالف الذكر من أن هذا الوقف مقيد بسجل
الأحكار سنة 1898 وأن من لا يؤدي أجرة الحكر من المستحكرين تقيم وزارة الأوقاف
الدعوى عليه، وأن بعض هذه الدعاوى لازال منظورا، وهو استدلال سائغ وله أصله الثابت
بالأوراق، فيكون النعي عليه في هذا الخصوص بدوره جدلا موضوعيا تنحسر عنه رقابة هذه
المحكمة، ولما كان ما أورده الحكم من تسلسل وضع اليد على أطيان النزاع بوصف
الحائزين لها ممثلين للوقف المذكور صاحب حق الحكر عليها، إنما كان في مقام استظهار
نية البائعين لمورث الطاعنين في حيازتهم وبيان قيام سبب آخر لها يمنع من توافر نية
الملك، فلا تثريب عليه أن هو استدل على قيام رابطة تحكير تحول دون قيام هذه النية
حتى ولو لم يستوف عقد الحكر - وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة - شروطه
الشكلية أو الموضوعية أو شروط صحته ونفاذه. والنعي بالسبب الرابع في غير محله ذلك
أن فيما أورده الحكم من أن أطيان النزاع ليست موقوفة أهليا، وأن وقفها لم ينته
بالقانون رقم 180 لسنة 1952، الرد الضمني على ادعاء الطاعنين بكسب ملكيتها بالتقادم
المؤسس على أنها موقوفة وقفا أهليا. ومن ثم يكون هذا النعي بكافة أوجهه على غير
أساس.
وحيث أن الطاعنين ينعون بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق القانون، ويقولون في بيان ذلك أنه إذا صح جدلا أن وقف .... وارد على حق
المنفعة وحده، فإنه يترتب على هذا الوقف الأهلي طبقا للقانون رقم 180 لسنة 1952 أن
يصبح المستحقون فيه شركاء على الشيوع مع وزارة الأوقاف في ملكية الأعيان التي
انتهى فيها الوقف، ويحق لهم التصرف في ملكية حصصهم الشائعة كما يصح كسب ملكيتها
بالتقادم، ويكون الطاعنون ومورثهم قد كسبوا في القليل نصيب المستحقين، أما بمقتضى
العقود المشهرة الصادرة إلى مورثهم إن كان البائعون لهم مستحقين في الوقف، وأما
بالتقادم القصير أو الطويل إذا لم يكونوا مستحقين فيه، ولا يحول دون ذلك أن تكون
أطيان النزاع قد رسا مزادها على المطعون ضدهم الخمسة الأول، لأنه ليس من شأن الحكم
الصادر برسو المزاد والذي لم يكن الطاعنون أو مورثهم طرفا فيه أن ينقل إلى
المشترين أكثر مما كان لأصحاب الحقوق الذين أجرى البيع على ذمتهم، ويكون الحكم إذ
لم يلزم هذا النظر وقضى على خلافه مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث أن هذا النعي غير سديد، ذلك أن عقد الحكر ليس من شأنه أن ينقل
إلى المحتكر ملكية الأرض المحكرة أو حصة فيها، وإنما يعطيه حق القرار عليها مادام
يدفع أجرة المثل، فإذا كان هذا الحق موقوفا وقفا أهليا، وأصبح ما انتهى فيه الوقف
ملكا طبقا للمادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير
الخيرات، فإنه لا يؤول إلى المستحقين في هذا الوقف إلا حق الحكر ذاته، ولا يكونون
شركاء في ملكية الأرض المحكرة ولا لهم حق التصرف فيها. لما كان ذلك وكان الحكم
المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن الشيخ .... لم يوقف بحجة وقفه الأهلي إلا حق
الحكر المرتب على الأرض التي أوقفها السلطان ..... على الجامع والمدرسة المدبولية،
فإنه لا يترتب على انتهاء الوقف مطبقا للمادة الثالثة من القانون سالف الذكر إلا
أن يصبح حق الحكر ملكا للمستحقين في وقف ....، أما الأرض المرتب عليها هذا الحق
فلا تصير إلى ملكهم وتبقى على حالها في ملك وقف السلطان .....، ويكون من باع منهم
أطيان النزاع التي تدخل ضمن أعيان هذا الوقف، قد باع مالا يملك، ولا تنتقل ملكيتها
إلى المشتري ولو كان البيع مسجلا، ولما كان وقف السلطان .....، وعلى ما حصله الحكم
المطعون فيه، خيريا وظلت الأطيان المذكورة على ملكه حتى صدر القانون رقم 147 لسنة
1957 بتعديل المادة 970 من القانون المدني التي حظرت تملك الأوقاف الخيرية أو كسب
أي حق عيني عليها بالتقادم، فإن حيازة هذه الأطيان لا تؤدي إلى كسب ملكيتها سواء
بالتقادم الطويل أو القصير، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن النعي
عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.