الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 11 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 36) الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ






(الْمَادَّةُ 36) : الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ.
يَعْنِي أَنَّ الْعَادَةَ عَامَّةً كَانَتْ أَوْ خَاصَّةً تُجْعَلُ حَكَمًا لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ. هَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ نَفْسُ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَكِتَابِ الْمَجَامِعِ، وَمَعْنَى مُحَكَّمَةٌ أَيْ هِيَ الْمَرْجِعُ عِنْدَ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ يُبْنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» تَعْرِيفُ الْعَادَةِ: هِيَ الْأَمْرُ الَّذِي يَتَقَرَّرُ بِالنُّفُوسِ وَيَكُونُ مَقْبُولًا عِنْدَ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ بِتَكْرَارِهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الْعَادَةِ يُفْهَمُ مِنْهَا تَكَرُّرُ الشَّيْءِ وَمُعَاوَدَتُهُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ الْجَارِي صُدْقَةً مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَدْهُ النَّاسُ، فَلَا يُعَدُّ عَادَةً وَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمٌ. وَالْعُرْفُ بِمَعْنَى الْعَادَةِ أَيْضًا.
وَقَدْ أَوْضَحَتْ الْمَجَلَّةُ هَذِهِ الْمَادَّةَ بِقَوْلِهَا: إنَّ الْعَادَةَ عَامَّةً أَوْ خَاصَّةً تُجْعَلُ حَكَمًا لِإِثْبَاتِ (حُكْمٍ شَرْعِيٍّ) وَالْعُرْفُ وَالْعَادَةُ إنَّمَا تُجْعَلُ حَكَمًا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُرَادِ إثْبَاتُهُ، فَإِذَا وَرَدَ النَّصُّ عُمِلَ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ النَّصِّ وَالْعَمَلُ بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعِبَادِ حَقُّ تَغْيِيرِ النُّصُوصِ، وَالنَّصُّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَدْ يَكُونُ مُسْتَنِدًا عَلَى بَاطِلٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (37) .
أَمَّا نَصُّ الشَّارِعِ، فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى بَاطِلٍ، فَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْقَوِيُّ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ، عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: إذَا تَعَارَضَ النَّصُّ وَالْعُرْفُ يُنْظَرُ فِيمَا إذَا كَانَ النَّصُّ مَبْنِيًّا عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا كَانَ النَّصُّ مَبْنِيًّا عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تُرَجَّحُ الْعَادَةُ وَيُتْرَكُ النَّصُّ. وَاذَا كَانَ النَّصُّ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَى عُرْفٍ وَعَادَةٍ يُعْمَلُ بِالنَّصِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالْعَادَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يُفْهَمَ أَنَّ حَضْرَةَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يَذْهَبُ فِي رَأْيِهِ إلَى تَرْكِ النَّصِّ وَالْعَمَلِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَالنَّصُّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ حَتَّى النَّصُّ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ النَّاسِ، وَإِنَّمَا رَأْيُهُ بِمَثَابَةِ تَأْوِيلٍ لِلنَّصِّ.
مِثَالُ ذَلِكَ إنَّ وَضْعَ الطَّعَامِ أَمَامَ الضَّيْفِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، إذْنٌ لَهُ بِأَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ إذَا مَنَعَ الضَّيْفَ مِنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فَقَدْ صَدَرَ مِنْهُ نَصٌّ بِخِلَافِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَعَلَى الضَّيْفِ أَنْ يَعْمَلَ بِحُكْمِ النَّصِّ وَيَمْتَنِعَ عَنْ الطَّعَامِ، وَلَا يَعْمَلُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَإِذَا أَكَلَ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ فَيَضْمَنُ وَالْعُرْفُ وَالْعَادَةُ يَكُونَانِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ يُقَسَّمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
1 - الْعُرْفُ الْعَامُّ. تَعْرِيفُ الْعُرْفِ الْعَامِّ: هُوَ عُرْفُ هَيْئَةٍ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِطَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِهَا، وَوَاضِعُهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، وَالْعُرْفُ الْعَامُّ عِنْدَنَا هُوَ الْعُرْفُ الْجَارِي مُنْذُ عَهْدِ الصَّحَابَةِ حَتَّى زَمَانِنَا وَاَلَّذِي قَبِلَهُ الْمُجْتَهِدُونَ وَعَمِلُوا بِهِ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا " وَاَللَّهِ لَا أَضَعُ قَدَمِي فِي دَارِ فُلَانٍ " يَحْنَثُ سَوَاءٌ دَخَلَ تِلْكَ الدَّارَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، أَمَّا لَوْ وَضَعَ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ دُونَ أَنْ يَدْخُلَهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ بِمَعْنَى الدُّخُولِ.
2 - الْعُرْفُ الْخَاصُّ تَعْرِيفُهُ: هُوَ اصْطِلَاحُ طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى شَيْءٍ كَاسْتِعْمَالِ عُلَمَاءِ النَّحْوِ " لَفْظَةَ الرَّفْعِ " وَعُلَمَاءِ الْأَدَبِ كَلِمَةَ " النَّقْدِ ".
3 - الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ " كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، فَبِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أُهْمِلَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ. هَذَا، وَفِي الْحُكْمِ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ وَالْعُرْفِ الْخَاصِّ فَرْقٌ وَإِلَيْكَ التَّفْصِيلُ: يَثْبُتُ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ حُكْمٌ عَامٌّ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ فَقَالَ " لَا أَضَعُ قَدَمِي فِي دَارِ فُلَانٍ، فَبِمَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ (لَا أَضَعُ رِجْلِي) وَفِي الْعُرْفِ الْعَامِّ (لَا أَدْخُلُ) يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعُمُومِ. أَمَّا الْعُرْفُ الْخَاصُّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ خَاصٌّ فَقَطْ
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ تُعُورِفَ فِي بَلْدَةٍ وَقْفُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَقْفُهُ فِي غَيْرِهَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وَقْفِ ذَلِكَ الْمَنْقُولِ فِيهَا فَقَطْ. وَكَذَا إذَا كَانَ إعْطَاءُ أَجْزَاءِ النُّقُودِ بَدَلًا عَنْ أَصْلِ النُّقُودِ جَائِزًا عُرْفًا فِي بَلْدَةٍ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ إعْطَاءِ الْأَجْزَاءِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْسَمُ أَيْضًا إلَى قِسْمَيْنِ:
(1) الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ.
(2) وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ.
الْعُرْفُ الْعَمَلِيِّ:
كَتَعَوُّدِ أَهْلِ، بَلْدَةٍ مَثَلًا أَكْلَ لَحْمِ الضَّأْنِ أَوْ خُبْزَ الْقَمْحِ، فَلَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ آخَرَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْمُوَكِّلِ لَحْمَ جَمَلٍ أَوْ خُبْزَ ذُرَةٍ أَوْ شَعِيرٍ اسْتِنَادًا عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا الْعُرْفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُسَمَّى عُرْفًا عَامًّا مُخَصَّصًا أَيْ عُرْفٌ مُقَيَّدٌ.
الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ: وَهُوَ اصْطِلَاحُ جَمَاعَةٍ عَلَى لَفْظٍ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي مَعْنًى مَخْصُوصٍ حَتَّى يَتَبَادَرَ مَعْنَاهُ إلَى ذِهْنِ أَحَدِهِمْ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ، وَهَذَا الْعُرْفُ أَيْضًا يُسَمَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عُرْفًا مُخَصَّصًا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ فِي الْحَالِ الْحَاضِرِ لِآخَرَ اشْتَرِ لِي فَرَسَ فُلَانٍ بِعَشَرَةِ جُنَيْهَاتٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ النَّوْعَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْفَرَسَ بِعَشَرَةِ جُنَيْهَاتٍ مِصْرِيَّةٍ، وَهِيَ الْعُمْلَةُ الْمُتَعَامَلُ بِهَا فِي فِلَسْطِينَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ، فَيُحْمَلُ عَلَى اللِّيرَاتِ الْإفْرِنْسِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً حِينَئِذٍ، وَلَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ الْفَرَسَ بِجُنَيْهَاتٍ إنْكِلِيزِيَّةٍ مَثَلًا. إنَّ الْمَادَّةَ (230) تَذْكُرُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عَادَةً تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرٍ لَهَا.
مِثَالُ ذَلِكَ: يَدْخُلُ ضِمْنَ بَيْعِ الْفَرَسِ رَسَنُهُ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَهُ، وَكَذَا يَجُوزُ إعْطَاءُ أَجْزَاءِ الْمَسْكُوكَاتِ بَدَلَ أَصْلِهَا فِي بَلْدَةٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُتَعَارَفًا فِيهَا رَاجِعْ مَادَّةَ (244) .
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعُرْفُ فِي بَلْدَةٍ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ يُدْفَعُ مُقَسَّطًا، يُعْتَبَرُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مُقَسَّطًا حَسَبَ الْعُرْفِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (576) ، وَكَذَا إذَا وَضَعَ رَجُلٌ وَلَدَهُ عِنْدَ صَاحِبِ صَنْعَةٍ بِقَصْدِ تَعَلُّمِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أُجْرَةً وَبَعْدَ أَنْ تَعَلَّمَ الْوَلَدُ الصَّنْعَةَ طَالَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالْأُجْرَةِ يُعْمَلُ بِعُرْفِ الْبَلْدَةِ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَادَةً عَلَى الْمُعَلِّمِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لِلْمُعَلِّمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ لَا تَقْضِي عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا يُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (569) ، كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُكَارِي وَضْعُ الْحِمْلِ دَاخِلَ الدَّارِ أَوْ الْمَخْزَنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَعَارَفًا اُنْظُرْ مَادَّةَ (575) ، كَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الْمُرْضِعِ جَائِزٌ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مَعَ أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهْلِ الْمَنْفَعَةِ



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق