الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

السبت، 24 مايو 2025

الطعن 14293 لسنة 89 ق جلسة 10 / 3 / 2020 مكتب فني 71 ق 42 ص 365

جلسة 10 من مارس سنة 2020
برئاسة السيد القاضي / أسامة توفيق عبد الهادي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / مجدي عبد الحليم ، يوسف قايد ، نادر جويلي و د . أيمن أبو علم نواب رئيس المحكمة .
---------------------
(42)
الطعن رقم 14293 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
(2) فاعل أصلي . اختلاس أموال أميرية . قصد جنائي . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
مساهمة الطاعن بنصيب من الأفعال المادية المكونة لجريمة الاختلاس . كفايته لمساءلته كفاعل أصلي فيها . تحققها والقصد الجنائي فيها بتصرف الموظف في المال والأوراق عهدته تصرف المالك بنية إضاعته على جهة عمله . تحدث الحكم عنه استقلالاً . غير لازم . أساس وحد ذلك ؟
(3) نقض " المصلحة في الطعن " . اختلاس أموال أميرية . عقوبة " العقوبة المبررة " .
لا مصلحة للطاعن في النعي بقصور الحكم في استظهار كونه أميناً على الودائع أو توافر أركان جريمتي تزوير محرر واستعماله . ما دامت العقوبة المقضي بها مقررة لجناية الاختلاس مجردة من أي ظروف مشددة .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله . لا يعيب الحكم . ما دامت المحكمة استخلصت الحقيقة من أقواله بما لا تناقض فيه .
(5) نيابة عامة . إجراءات " إجراءات التحقيق " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
عضو النيابة . رئيس الضبطية القضائية . له الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفاهة أو كتابة بغير حلف يمين . أساس ذلك ؟
لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من محاضر جمع الاستدلالات . ما دامت مطروحة على بساط البحث . لها الأخذ بتقرير لجنة الجرد ولو لم يحلف أعضاؤها اليمين قبل مباشرة مأموريتهم . علة وحد ذلك ؟
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
قضاء المحكمة بناء على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن على الحكم . علة ذلك ؟
(8) إثبات " شهود " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً . لها الاعتماد على أقوالهم في التحقيقات . ما دامت مطروحة على بساط البحث .
مثال .
(9) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بعدم الوجود على مسرح الجريمة وانتفاء الصلة بالواقعة . نفيً للتهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
(10) رد . غرامة . عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
الرد . وجوب اقتصاره على المبلغ محل الجريمة . علة وأساس ذلك ؟
تكرار الحكم المطعون فيه قضاءه بعقوبتي الغرامة والرد على نحو يجاوز المبلغ المختلس بإلزامه كلٍ من الطاعن والمحكوم عليه الآخر بمبلغ الغرامة ورد مبلغ مساوٍ لها . خطأ . لمحكمة النقض تصحيحه بإلزامهما بالتضامن بغرامة مساوية للمبلغ المختلس ورد ذات المبلغ . أساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراضها لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، مما يكون معه منعى الطاعن بأن الحكم شابه الغموض والإبهام في غير محله .
2- من المقرر أن الاختلاس يتم بمجرد تصرف الموظف في المال أو الأوراق المعهود بها إليه تصرف المالك بنية إضاعته على الجهة التي يعمل بها ، وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن بما يكفي للتدليل على مساهمته بنصيب في الأفعال المادية المكونة للجريمة ومساءلته كفاعل أصلي فيها ، كما أنه يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة ۱۱۲ من قانون العقوبات أن يكون المتهم قد تصرف في المال أو الأوراق التي بعهدته على اعتبار أنها مملوكة له ، وأنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في هذا الصدد يكون غير سديد .
3- لما كانت العقوبة المقضي بها على الطاعن - وهي السجن المشدد - تدخل في الحدود المقررة لجناية الاختلاس مجردة من أي ظروف مشددة ، فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره بشأن قصور الحكم في استظهار كونه أمين على الودائع أو في التدليل على توافر أركان جريمتي تزوير محرر واستعماله .
4- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشاهد وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصل في الأوراق ، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره – بفرض صحته - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل .
5- من المقرر أنه ولئن أوجب القانون على الخبراء أن يحلفوا يميناً أمام سلطة التحقيق بأن يبدوا رأيهم بالدقة وأن يقدموا تقاريرهم كتابة ، إلا أنه من المقرر أن عضو النيابة بوصف كونه صاحب الحق في إجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله قانون الإجراءات الجنائية لسائر رجال الضبطية القضائية في الفصلين الأول والثاني من الباب الثاني منه بما في ذلك ما تجيزه لهم المادة ۲۹ من هذا القانون أثناء جمع الاستدلالات من الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفهياً أو بالكتابة بغير حلف يمين ، ولما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من عناصر الإثبات ولو كان ذلك من محاضر جمع الاستدلالات ما دامت مطروحة للبحث أمامها ، فإنه لا على المحكمة إن هي أخذت بتقرير لجنة الجرد ولو لم يحلف أعضاؤها اليمين قبل مباشرة مأموريتهم بحسبانه ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة لها وعنصراً من عناصرها ما دام أنه كان مطروحاً على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة ، ومن ثم يضحى منعى الطاعن في هذا الصدد في غير محله .
6- لما كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال على نحو ما ذهب إليه الطاعن ، فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
7- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن قصور تحقيقات النيابة العامة لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم ، إذ من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة لا تأثير له على سلامة الحكم ، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وما دام لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه .
8- من المقرر أن للمحكمة أن تستغني عن سماع الشهود إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً ، دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث ، وكان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع الحاضر مع الطاعن اكتفى بتلاوة أقوال شهود الإثبات بالتحقيقات وأمرت المحكمة بتلاوة أقوالهم وتليت ثم مضى الدفاع في مرافعته إلى أن ختمها بطلب الحكم بالبراءة ، فإن النعي على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع يكون على غير أساس .
9- من المقرر أن النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بعدم تواجده بمسرح الواقعة وانتفاء صلته بها وأن مرتكبها شخص آخر مردود بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن منعی الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل .
10- من المقرر أن الرد بجميع صوره لا يعتبر عقوبة ، إذ المقصود منه إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة وتعويض الدولة عن مالها الذي أضاعه المتهم عليها ، بما لازمه ومؤداه وصريح دلالته - حسب الحكمة المبتغاة من تقريره - أن يقتصر الحكم به على ما نسب للمحكوم عليه إضاعته من أموال على الدولة ، وهو ذات المعنى الذي يساير مفهوم نص المادة ۱۱۸ من قانون العقوبات بما تضمنه من إلزام المحكوم عليه في جرائم الاختلاس والاستيلاء بالرد وبغرامة مساوية لقيمة ما اختلسه أو استولى عليه . وإذ كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بالغرامة النسبية على كل من الطاعن والمحكوم عليه الآخر وألزم كلاً منهما برد مبلغ مساو لها ، فكرر الحكم بذلك قضاءه بعقوبتي الغرامة النسبية والرد على نحو يجاوز المبلغ المختلس ، الأمر الذي يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون ، مما يؤذن بنقضه جزئياً لمصلحة الطاعن عملاً بالفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وتصحيحه في شأن عقوبتي الغرامة والرد المقضي بهما وذلك بتغريم الطاعن والمحكوم عليه الآخر متضامنين مبلغ أربعمائة وخمسين ألف جنيه وإلزامهما متضامنين برد ذات المبلغ ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما :-
1- بصفتهما موظفين عامين " الأول أمين مخزن ومن الأمناء على الودائع ، والثاني ملاحظ أمن بشركة .... - إحدى الشركات المساهمة المصرية التي تساهم فيها الدولة بنصيب - " اختلسا المهمات المبينة وصفاً بالأوراق والمقدر قيمتها بمبلغ 450000 جنيه " أربعمائة وخمسين ألف جنيه " والمملوكة لجهة عملهما والتي وجدت في حيازتهما بسبب وظيفتهما وصفتهما آنفتي البيان بأن قاما بإخراجها من الشركة واختلساها لنفسيهما وذلك على النحو المبين بالتحقيقات ، وقد ارتبطت هذه الجناية بجريمتي تزوير في محرر واستعماله ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، ذلك بأنهما في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر ارتكبا تزويراً في محرر لجهة عملهما – سالفة البيان – هو إذن صرف وكان ذلك بطريق الاصطناع وبجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أمد المتهم الأول المتهم الثاني بالبيانات اللازمة لتحريره فأنشأه الثاني على غرار الصحيح منه وأثبت به على خلاف الحقيقة صرف كمية من المهمات لمحطة مياه .... ومهره الأول بتوقيعه وتوقيع المهندس المقيم بالشركة ، واستعملا هذا المحرر المزور فيما زور من أجله مع علمهما بتزويره بأن قدماه لحارس الأمن للسماح لهما بإخراج المهمات من موقع العمل وقدمه الحارس لجهة عمله محتجاً بصحة ما دون به .
2- بصفتهما آنفة البيان حصلا لنفسيهما بدون حق على ربح ومنفعة من عمل من أعمال وظيفتهما بأن ارتكبا الجريمة موضوع الوصف السابق مما عاد عليهما بربح ومنفعة من ذلك تمثلت في قيمة المهمات المختلسة وذلك على النحو المبين بالأوراق .
3- بصفتهما آنفة البيان أضرا عمداً بأموال ومصالح الغير المعهود بها لجهة عملهما بأن ارتكبا الجريمتين موضوع الوصفين السابقين مما ألحق بأموالها ومصالحها ضرراً جسيماً تمثل في قيمة المهمات المختلسة وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للثاني وغيابياً للأول عملاً بالمواد 112/فقرة أولى ، ثانية/أ - ب ، 115 ، 116 مكرراً1/1 ، 118 ، 119/ز ، 119 مكرراً/هــ ، 214 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادتين 17 ، 32/2 من ذات القانون ، بمعاقبة كل من .... و.... بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وتغريم كل منهما مبلغ أربعمائة وخمسين ألف جنيه ورد مبلغ مساوٍ لمبلغ الغرامة المقضي بها وبعزلهما من وظيفتهما لمدة ثلاث سنوات .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاختلاس المرتبط بجريمتي التزوير في محرر إحدى شركات المساهمة واستعماله والتربح والإضرار العمدي بأموال جهة عمله قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأن أسبابه صيغت في عبارات عامة اعتورها إجمال وإبهام وقصرت عن بيان الأركان القانونية للجرائم التي دانه بها ، وبخاصة فإن الحكم لم يعن ببيان الأفعال المادية التي قارفها وماهية المهمات المسلمة إليه وكيفية استلامها ، كما لم يعن باستظهار القصد الجنائي الخاص لديه والمتمثل في نية التملك ، واستظهار صفته كأمين على الودائع ، ولم يدلل على توافر أركان جريمتي تزوير محرر واستعماله ، واعتنق تصوير شهود الإثبات للواقعة رغم عدم معقوليته ، فضلاً عن تناقض أقوالهم ، وعول في إدانته على تقرير لجنة الجرد رغم عدم حلف أعضائها اليمين القانونية ، وتساند الحكم في إدانته إلى أدلة مبناها الظن وليس اليقين ، ودانه رغم قصور تحقيقات النيابة العامة لشواهد ساقها ، وقضت المحكمة في الدعوى دون سماع شهود الإثبات ، وأخيراً فقد أعرض الحكم بالكلية عن دفاعه القائم على عدم تواجده بمسرح الواقعة وانتفاء صلته بها وأن مرتكبها شخص آخر ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراضها لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، مما يكون معه منعى الطاعن بأن الحكم شابه الغموض والإبهام في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاختلاس يتم بمجرد تصرف الموظف في المال أو الأوراق المعهود بها إليه تصرف المالك بنية إضاعته على الجهة التي يعمل بها ، وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن بما يكفي للتدليل على مساهمته بنصيب في الأفعال المادية المكونة للجريمة ومساءلته كفاعل أصلي فيها ، كما أنه يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة ۱۱۲ من قانون العقوبات أن يكون المتهم قد تصرف في المال أو الأوراق التي بعهدته على اعتبار أنها مملوكة له ، وأنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت العقوبة المقضي بها على الطاعن - وهي السجن المشدد - تدخل في الحدود المقررة لجناية الاختلاس مجردة من أي ظروف مشددة ، فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره بشأن قصور الحكم في استظهار كونه أمين على الودائع أو في التدليل على توافر أركان جريمتي تزوير محرر واستعماله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشاهد وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصل في الأوراق ، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره - بفرض صحته - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ولئن أوجب القانون على الخبراء أن يحلفوا يميناً أمام سلطة التحقيق بأن يبدوا رأيهم بالدقة وأن يقدموا تقاريرهم كتابة ، إلا أنه من المقرر أن عضو النيابة بوصف كونه صاحب الحق في إجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوَّله قانون الإجراءات الجنائية لسائر رجال الضبطية القضائية في الفصلين الأول والثاني من الباب الثاني منه بما في ذلك ما تجيزه لهم المادة ۲۹ من هذا القانون أثناء جمع الاستدلالات من الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفهياً أو بالكتابة بغير حلف يمين ، ولما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من عناصر الإثبات ولو كان ذلك من محاضر جمع الاستدلالات ما دامت مطروحة للبحث أمامها ، فإنه لا على المحكمة إن هي أخذت بتقرير لجنة الجرد ولو لم يحلف أعضاؤها اليمين قبل مباشرة مأموريتهم بحسبانه ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة لها وعنصراً من عناصرها ما دام أنه كان مطروحاً على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة ، ومن ثم يضحی منعى الطاعن في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال على نحو ما ذهب إليه الطاعن ، فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن قصور تحقيقات النيابة العامة لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم ، إذ من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة لا تأثير له على سلامة الحكم ، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وما دام لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستغنى عن سماع الشهود إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً ، دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث ، وكان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع الحاضر مع الطاعن اكتفى بتلاوة أقوال شهود الإثبات بالتحقيقات وأمرت المحكمة بتلاوة أقوالهم وتليت ثم مضى الدفاع في مرافعته إلى أن ختمها بطلب الحكم بالبراءة ، فإن النعي على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بعدم تواجده بمسرح الواقعة وانتفاء صلته بها وأن مرتكبها شخص آخر مردود بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن منعی الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الرد بجميع صوره لا يعتبر عقوبة ، إذ المقصود منه إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة وتعويض الدولة عن مالها الذي أضاعه المتهم عليها ، بما لازمه ومؤداه وصريح دلالته - حسب الحكمة المبتغاة من تقريره - أن يقتصر الحكم به على ما نسب للمحكوم عليه إضاعته من أموال على الدولة ، وهو ذات المعنى الذي يساير مفهوم نص المادة 118 من قانون العقوبات بما تضمنه من إلزام المحكوم عليه في جرائم الاختلاس والاستيلاء بالرد وبغرامة مساوية لقيمة ما اختلسه أو استولى عليه ، وإذ كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بالغرامة النسبية على كل من الطاعن والمحكوم عليه الآخر وألزم كلاً منهما برد مبلغ مساو لها ، فكرر الحكم بذلك قضاءه بعقوبتي الغرامة النسبية والرد على نحو يجاوز المبلغ المختلس ، الأمر الذي يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون ، مما يؤذن بنقضه جزئياً لمصلحة الطاعن عملاً بالفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وتصحيحه في شأن عقوبتي الغرامة والرد المقضي بهما وذلك بتغريم الطاعن والمحكوم عليه الآخر متضامنين مبلغ أربعمائة وخمسين ألف جنيه وإلزامهما متضامنين برد ذات المبلغ ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق