الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 11 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 60) إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ



(الْمَادَّةُ 60) إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ .
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ: (إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ مَتَى أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُهْمِلَ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْمَالُ الْكَلَامِ وَاعْتِبَارُهُ بِدُونِ مَعْنًى مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى حَقِيقِيٍّ لَهُ أَوْ مَعْنًى مَجَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إهْمَالُ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُهُ لَغْوًا وَعَبَثًا، وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ يَمْنَعَانِ الْمَرْءَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَحَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ. هَذَا وَبِمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ فَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا خُلْفٌ لِذَاكَ وَالْخُلْفُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ. عَلَى أَنَّهُ سَوَاءٌ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَمْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ فَهُوَ إعْمَالٌ لِلْكَلَامِ إلَّا أَنَّ اللَّفْظَ الْمُرَادَ إعْمَالُهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ وَالتَّأْسِيسَ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْإِفَادَةُ أَوْلَى مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا وُضِعَ لِإِفَادَةِ مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْكِيدِ دُونَ التَّأْسِيسِ إهْمَالٌ لِوَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ، التَّأْكِيدُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَقْرِيرُ وَتَقْوِيَةُ مَعْنَى لَفْظٍ سَابِقٍ لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ (إعَادَةٌ أَيْضًا) التَّأْسِيسُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُفِيدُ مَعْنًى لَمْ يُفِدْهُ اللَّفْظُ السَّابِقُ لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ (إفَادَةٌ) أَيْضًا. فَعَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ بِأَنَّهُ مَدْيُونٌ لِآخَرَ بِعَشْرِ جُنَيْهَاتٍ مَثَلًا بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ سَبَبَ الدَّيْنِ وَأَعْطَى سَنَدًا بِذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً بِعَشْرِ جُنَيْهَاتٍ أَيْضًا وَعَمِلَ لَهُ سَنَدًا وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الدَّيْنِ، يُحْمَلُ إقْرَارُهُ فِي كِلْتَا الْمَرَّتَيْنِ عَلَى تَأْسِيسٍ وَيُعْتَبَرُ دَيْنُ السَّنَدِ الثَّانِي غَيْرُ دَيْنِ السَّنَدِ الْأَوَّلِ لَا أَنَّ السَّنَدَ الثَّانِي كُتِبَ تَأْكِيدًا لِلسَّنَدِ الْأَوَّلِ، كَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ) تَكُونُ طَالِقًا ثَلَاثًا وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الزَّوْجِ إذَا هُوَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّنِي قَصَدْتُ التَّأْكِيدَ فِي تَكْرَارِي كَلِمَةَ الطَّلَاقِ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَمْلُ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ وَالتَّأْسِيسَ مَعًا عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى، فَقَدْ يُحْمَلُ أَحْيَانًا عَلَى التَّأْكِيدِ، كَأَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ (بِعْهُ وَبِعْهُ مِنْ فُلَانٍ) فَلِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَعْنِيِّ بِكَلَامِ الْمُوَكِّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَمَا حَقَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ لِغَيْرِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُوَكِّلُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق