الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 11 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 39) لَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ





(الْمَادَّةُ 39) : لَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ.
إنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ هِيَ الْأَحْكَامُ الْمُسْتَنِدَةُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ تَتَغَيَّرُ احْتِيَاجَاتُ النَّاسِ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا التَّغَيُّرِ يَتَبَدَّلُ أَيْضًا الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَبِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ حَسْبَمَا أَوْضَحْنَا آنِفًا، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنِدَةِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَمْ تُبْنَ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ.
مِثَالُ ذَلِكَ: جَزَاءُ الْقَاتِلِ الْعَمْدِ الْقَتْلُ. فَهَذَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ، أَمَّا الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّمَا هِيَ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَمَا قُلْنَا، وَإِلَيْكَ الْأَمْثِلَةُ: كَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَحَدٌ دَارًا اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِ بُيُوتِهَا، وَعِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَيْسَ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ، بَلْ هُوَ نَاشِئٌ عَنْ اخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ - فِي أَمْرِ الْإِنْشَاءِ وَالْبِنَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ قَدِيمًا فِي إنْشَاءِ الدُّورِ وَبِنَائِهَا أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ بُيُوتِهَا مُتَسَاوِيَةً وَعَلَى طِرَازٍ وَاحِدٍ، فَكَانَتْ عَلَى هَذَا رُؤْيَةُ بَعْضِ الْبُيُوتِ تُغْنِي عَنْ رُؤْيَةِ سَائِرِهَا، وَأَمَّا فِي هَذَا الْعَصْرِ فَإِذْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الدَّارَ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ بُيُوتُهَا مُخْتَلِفَةً فِي الشَّكْلِ وَالْحَجْمِ لَزِمَ عِنْدَ الْبَيْعِ رُؤْيَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ.
وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّازِمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا حُصُولُ عِلْمٍ كَافٍ بِالْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ - فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ تَغْيِيرًا لِلْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ فِيهَا بِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ الزَّمَانِ فَقَطْ، وَكَذَا تَزْكِيَةُ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا، وَلُزُومُ الضَّمَانِ غَاصِبَ مَالِ الْيَتِيمِ وَمَالِ الْوَقْفِ مَبْنِيَّانِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَقَدْ رَأَى الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَدَمَ لُزُومِ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ فِي دَعْوَى الْمَالِ مَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِيهِمْ، وَسَبَبُ ذَلِكَ صَلَاحُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ، أَمَّا الصَّاحِبَانِ وَقَدْ شَهِدَا زَمَنًا غَيْرَ زَمَنِهِ تَفَشَّتْ فِيهِ الْأَخْلَاقُ الْفَاسِدَةُ فَرَأَيَا لُزُومَ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا وَالْمَجَلَّةُ قَدْ أَخَذَتْ بِقَوْلِهِمَا وَأَوْجَبَتْ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ: وَكَذَا مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ أَجْرٌ وَضَمَانٌ إلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَمَّا وَجَدُوا أَنَّ النَّاسَ فِي عَصْرِهِمْ لَا يُبَالُونَ بِاغْتِصَابِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْأَوْقَافِ وَالتَّعَدِّي عَلَيْهَا كُلَّمَا سَنَحَتْ لَهُمْ فُرْصَةٌ أَوْجَبُوا ضَمَانَ مَنَافِعِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ الْعَائِدِ لِلْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ، وَنَخْتِمُ قَوْلَنَا مُكَرِّرِينَ - أَنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِنَاءً عَلَى النَّصِّ لَا تَتَغَيَّرُ أَحْكَامُهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ، إذْ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدًا عَلَى بَاطِلٍ بِخِلَافِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَقَدْ تَكُونُ مَبْنِيَّةً عَلَى بَاطِلٍ، كَأَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ مَثَلًا بِالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَمْنُوعَاتِ فَذَلِكَ لَا يَجْعَلُهَا جَائِزَةً شَرْعًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق