الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 9 ديسمبر 2023

الطعن 2476 لسنة 6 ق جلسة 17 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 45 ص 414

جلسة 17 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ علي محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

------------------ 

(45)

القضية رقم 2476 لسنة 6 القضائية

(أ) ترقية 

- ولايتها في ظل القوانين واللوائح القديمة ولاية اختيارية أساساً - صدور قرارات من مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بإيجاب الترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى - المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 جعلت الترقية إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في نسب محددة - القرار الصادر بالترقية هو المنشئ للمركز القانوني فيها - الترقية بالمادة 40 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنشأ بالقانون ذاته - أثر ذلك على طلب الإلغاء.
(ب) دعوى 

- طلبات الخصوم - هيمنة المحكمة على تكييفها لتنزل عليها حكم القانون - على المحكمة أن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية للخصوم.

-----------------
1 - إن ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح القديمة كانت أساساً ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقرره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ثم صدرت بعض قرارات مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بالترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى إذا رأت الترقية بالاختيار للكفاية، ثم جاء القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فنصت المادة 38 منه على أن تكون الترقيات إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في حدود النسب التي عينتها. وغني عن البيان أن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمر متروك لسلطة الإدارة تقدره. حسب ما تلمسه في الموظف من شتى الاعتبارات ولا شك أن تقدير الإدارة في هذا الشأن له وزنه. وبهذه المثابة فإن القرار الصادر بالترقية هو الذي ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة، سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الدرجة التالية أي المرقى إليها، أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه الترقية، كذلك من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية بين ذوي الشأن، كل ذلك حتى مع وضع شروط أو قيود فإن المشرع لم يضع لهذه الترقية قواعد تنظيمية يتعين على جهة الإدارة التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، اللهم إلا فيما يتعلق بحق قدامى الموظفين في الترقيات التي قررتها المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن مراكزهم القانونية التي يفيدون منها بالتطبيق لهذه المادة إنما تنشأ بالقانون ذاته، والقرار الذي يصدر في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون كشفاً لتلك المراكز. ومن الجلي أن القرار الذي يصدر بالترقية - فيما عدا الترقية الحتمية التي قررتها المادة 40 سالفة الذكر - إنما هو قرار إداري بكامل سماته ولا يسوغ في ضوء المبادئ السابق إيضاحها للتظلم منه أو مخاصمته إلا بطريق دعوى الإلغاء.
2 - إذا كان تصوير طلبات الخصوم من توجيههم فإن الهيمنة على سلامة هذا التكييف من تصريف المحكمة؛ إذ عليها أن تنزل حكم القانون على واقع المنازعة وأن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية التي قصدها الخصوم من وراء إبدائها.


إجراءات الطعن

بتاريخ 14/ 8/ 1960 أودع السيد/ منير لبيب موسى عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 22/ 6/ 1960 في الدعوى رقم 724 لسنة 13 القضائية المرفوعة منه ضد وزارة الخزانة ووزارة الاقتصاد القاضي "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد انقضاء الميعاد المقرر وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب المدعي للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير المالية (وزير الخزانة) بتسوية حالة المدعي فيما تضمنه من تسوية باطلة على أن تكون التسوية الصحيحة هي اعتبار الطاعن في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 وفي الرابعة في 23/ 10/ 1946 وفي الدرجة الثالثة في 30/ 4/ 1950 وفي الدرجة الثانية في 19/ 6/ 1952 وفي الدرجة الأولى في 31/ 12/ 1954 مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 20 و27 من أغسطس سنة 1960, وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/ 2/ 1963 وأخطرت الحكومة والمدعي في 15/ 1/ 1963 بميعاد هذه الجلسة. ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 22/ 11/ 1964. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحاضر أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى قد استوفيت أوضاعها الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير المالية (الخزانة) في 14/ 4/ 1956 بتسوية حالته فيما تضمنه من تسوية باطلة على أن تكون التسوية الصحيحة هي اعتبار المدعي في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943. وفي الدرجة الرابعة في 23/ 10/ 1946. وفي الدرجة الثالثة في 30/ 4/ 1950. وفي الدرجة الثانية في 19/ 6/ 1952 وفي الدرجة الأولى في 31/ 12/ 1954 مع إلزامه بالمصروفات. وقال في بيان دعواه إنه حصل على بكالوريوس التجارة عام 1938 وعين أثر تخرجه بمدارس التعليم الحر، وظل بها حتى 15/ 10/ 1941 حيث التحق بخدمة الحكومة في وظيفة مدرس بمدرسة التجارة المتوسطة بالظاهر اعتباراً من 16/ 10/ 1941، واستمر يشغل وظيفة مدرس حتى 8/ 7/ 1944 إذ نقل إلى وزارة المالية. وقد رقي إلى الدرجة الخامسة في 11/ 8/ 1947 وإلى الدرجة الرابعة في 25/ 4/ 1954. ولما كانت له مدة خدمة في التعليم الحر وكان واجباً ضمها إلى مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار في الأقدمية وتحديد الماهية طبقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/ 3/ 1945، فقد طلب إلى وزارة المالية ضمها وترتيب الآثار على هذا الضم ولكن الوزارة لم تجبه إلى طلبه، فقدم إلى اللجنة القضائية طلباً بتسوية حالته بضم مدة خدمته السابقة في التعليم الحر من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16/ 10/ 1941 وتعديل أقدميته في الدرجة السادسة إلى 23/ 10/ 1938 وفي الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946 وإلى الدرجة الرابعة 1/ 5/ 1950 مساواة له بزملائه مع ما يترتب على ذلك من آثار. وفي 6 من مارس سنة 1954 قضت اللجنة القضائية بأحقيته في احتساب مدة خدمته بالتعليم الحر من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقد أصبح قرار اللجنة القضائية المذكور نهائياً بعدم الطعن فيه. ولما استطلعت وزارة المالية رأي إدارة الفتوى والتشريع بها في شأن تنفيذ قرار اللجنة القضائية المشار إليه أفادت الإدارة المذكورة في 29/ 6/ 1955 أنها ترى أن يكون تنفيذه باعتبار المدعي في الدرجة السادسة منذ 23/ 10/ 1938 ثم تدرج حالته في الترقيات التي تمت منذ هذا التاريخ والتي كان يمكن أن يرقى فيها بالأقدمية. ولما كانت تسوية حالة المدعي بالتطبيق لهذه الفتوى بمراعاة حالة زميله السيد/ جورج حنين الذي التحق بالخدمة في 9/ 2/ 1939 بالدرجة السادسة تقضي أن يكون المدعي في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 وفي الدرجة الرابعة من 23/ 10/ 1946 حسب قواعد التنسيق وفي الدرجة الثالثة من 30/ 4/ 1950 وفي الدرجة الثانية من 19/ 2/ 1952 وفي الدرجة الأولى من 31/ 12/ 1954 فقد تظلم المدعي إلى الوزارة من تأخير تسوية حالته على هذا الوجه. وقد عرض تظلمه على مفوض الوزارة الذي رأى أحقيته في إجراء تلك التسوية، غير أن الوزارة اكتفت بأن استصدرت قراراً وزارياً في 14/ 4/ 1956 بتسوية حالة المدعي باعتباره في الدرجة السادسة من 23/ 10/ 1938 وفي الخامسة من 1/ 5/ 1946 وفي الرابعة من 16/ 11/ 1950 وفي الثالثة من 23/ 7/ 1954. ومن ثم تظلم المدعي من القرار الوزاري الصادر بالتسوية سالفة الذكر، كما قدم شكوى لوكيل نيابة عابدين ثم للنائب العام من عدم تنفيذ حكم اللجنة القضائية، وأخيراً أبلغت النيابة العامة المدعي في 15/ 1/ 1959 بحفظ تظلمه وشكواه؛ الأمر الذي من أجله أقام المدعي دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة بتاريخ 14/ 3/ 1959.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن دفعت بعدم قبولها شكلاً استناداً إلى أن التسوية تمت بقرار في 14/ 4/ 1956 وأعلن إلى المدعى في 24/ 5/ 1956. وهو لم يرفع دعواه إلا في مارس سنة 1959، كما أن الترقيات التي يطالب بها المدعي إنما هي في الحقيقة تنطوي على طلب إلغاء القرارات الصادرة بها - وفي الموضوع ذكرت الوزارة أنها نفذت قرار اللجنة القضائية بأن رتبت للمدعي ترقياته بالأقدمية منذ أصبح من عداد موظفي هذه الوزارة (الخزانة) فردت أقدميته في الدرجة السادسة إلى 23/ 10/ 1938 وفي الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946 وفي الرابعة إلى 26/ 11/ 1950 وفي الثالثة إلى 23/ 8/ 1954 وصرفت له الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية من 5/ 3/ 1945، وأشارت إلى أنه لا يجوز للمدعي أن يتمسك بأن السيد/ جورج حنين كان في الدرجة السادسة في 29/ 2/ 1939 وأنه يسبقه في هذه الدرجة وبالتالي يجب أن يتساوى معه في الترقيات التالية، لأن السيد/ جورج حنين رقي إلى الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 قبل نقل المدعي إلى وزارة الاقتصاد في 23/ 8/ 1944، وعلى أساس أن تنفيذ قرار اللجنة القضائية لا يجوز أن يغير من مراكز الآخرين الذين تمت ترقياتهم قبل صدور قرار مجلس الوزراء الخاص بضم مدد الخدمة السابقة في 5/ 3/ 1945 وفضلاً عن ذلك فإن ترقيات السيد/ جورج حنين من الدرجة الخامسة إلى الدرجة الثانية تمت في ظل كادر سنة 1939. وقبل صدور قانون موظفي الدولة. وقد كانت الترقية قبل صدور القانون المذكور تجريها جهة الإدارة بسلطتها التقديرية بالنظر إلى توافر عناصر الكفاية وأهمية الوظيفة وخطورة مسئولياتها، وفي هذا الصدد أبدت الوزارة أن مجلس الوزراء استبقى ترقية السيد/ جورج حنين الاستثنائية إلى الدرجة الرابعة لكفايته ولأن أعمال وظيفته كانت ذات مسئولية حيث كان يشغل وظائف وكيل مراقب عام القرض الوطني ومندوب الحكومة لدى بورصة الأوراق المالية، ومن ثم فإن ترقيات السيد/ جورج حنين لم تتم بالأقدمية المطلقة.
وبجلسة 22/ 6/ 1960 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد انقضاء الميعاد المقرر وألزمت المدعي بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على ما انتهت إليه من أنه إذا كانت الإدارة جادة في تحقيق تظلم المدعي فإن ميعاد الستين يوماً المحددة لكي يعتبر أن التظلم قد رفض ضمناً يمتد حتى تنتهي الإدارة من الفحص والتمحيص. وأنه بتطبيق هذا النظر على الحالة المعروضة يبين أن وزارة الاقتصاد قد أصدرت قراراً في 14 من إبريل سنة 1956 بتسوية حالة المدعي، وتظلم منه في 9 من يونيه سنة 1956، وإذا ما اعتبر أن الشكاوى المقدمة من المدعي إلى وكيل نيابة عابدين وللنائب العام والتي قامت الإدارة بفحصها واستطلاع رأي مجلس الدولة فيها من قبيل ما سبق بيانه من أن الإدارة كانت جادة في فحص الشكوى وتمحيصها، فإن الثابت أن وكيل نيابة عابدين كتب إلى المدعي في 5 من يناير سنة 1959 بما يفيد عدم أحقيته في الشكوى، إلا أنه لم يقم دعواه إلا في 14 من مارس سنة 1959 أي بعد انقضاء الستين يوماً التي كان يتعين عليه أن يقيم دعواه خلالها.
ومن حيث إن طعن المدعي يقوم على أن ما استند إليه الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بميعاد رفع الدعوى واضح الخطأ ذلك أن كتاب وكيل نيابة عابدين إلى المدعي بعدم أحقيته في شكواه مؤرخ 15 من يناير سنة 1959 لا 5 من يناير سنة 1959 كما ذهبت إلى ذلك المحكمة، ومن ثم فإن المدعي برفعه دعواه في 14 من مارس سنة 1959 يكون قد رفعها في خلال الستين يوماً أي في الميعاد المقرر - كما أنه غير صحيح ما خلط فيه الحكم المطعون فيه من أن المدعي كان يلزمه الطعن في قرارات معينة، ذلك أن الدعوى هي في حقيقتها دعوى تسوية، بل تسوية لازمة تنفيذاً لحكم اللجنة القضائية الواجب التنفيذ، وأنه ليس أدل على ذلك من أن الوزارة سوت بالفعل حالته، وكل ما في الأمر أن المدعي يعترض على التسوية التي تمت ويراها غير متفقة مع ما قضى به الحكم المذكور، وقد أقرت إدارة الرأي لوزارة الاقتصاد في فتواها رأي المدعي كما أكده مفوض الوزارة في رده على تظلم المدعي.
ومن حيث إن ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح القديمة كانت أساساً ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقرره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ثم صدرت بعض قرارات مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بالترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى إذا رأت الترقية بالاختيار للكفاية، ثم جاء القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فنصت المادة 38 منه على أن تكون الترقيات إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في حدود النسب التي عينتها. وغني عن البيان أن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمر متروك لسلطة الإدارة تقديره حسب ما تلمسه في الموظف من شتى الاعتبارات، ولا شك أن تقدير الإدارة في هذا الشأن له وزنه. وبهذه المثابة فإن القرار الصادر بالترقية هو الذي ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة، سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الدرجة التالية أي المرقى إليها، أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه الترقية، كذلك من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن، كل ذلك حتى مع وضع شروط أو قيود للترقية فإن المشرع لم يضع لهذه الترقيات قواعد تنظيمية يتعين على جهة الإدارة التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، اللهم إلا فيما يتعلق بحق قدامى الموظفين في الترقيات التي قررتها المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن مراكزهم القانونية التي يفيدون منها بالتطبيق لهذه المادة إنما تنشأ بالقانون ذاته. والقرار الذي يصدر في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون كشفاً لتلك المراكز. ومن الجلي أن القرار الذي يصدر بالترقية - فيما عدا الترقية الحتمية التي قررتها المادة 40 سالفة الذكر - إنما هو قرار إداري بكامل سماته ولا يسوغ في ضوء المبادئ السابق إيضاحها للتظلم منه أو مخاصمته إلا بطريق دعوى الإلغاء.
ومن حيث إن طلبات المدعي تخلص في اعتباره في الدرجة الخامسة في 31 مارس سنة 1943 وفي الرابعة في 23 من أكتوبر سنة 1946 وفي الدرجة الثالثة في إبريل سنة 1950 وفي الدرجة الثانية في 19 من يونيه سنة 1952 وفي الدرجة الأولى في 31 من ديسمبر سنة 1954 بمراعاة حالة زميله السيد/ جورج حنين الذي التحق بالخدمة في 9 من فبراير سنة 1939 استناداً إلى ما قضت به اللجنة القضائية في 6 من مارس سنة 1954 بأحقيته في احتساب مدة خدمته في التعليم الحر من 23 من أكتوبر سنة 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16 من أكتوبر سنة 1941. وإذ كانت القواعد القانونية الخاصة بالترقيات السابق تفصيلها لا تتضمن ما يخول المدعي طلب اعتباره في الدرجة الخامسة من 31 مارس سنة 1943 أسوة بزميله المذكور، فلا يتأتى له ذلك، بعد أن استقرت أقدميته في الدرجة السادسة اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1938 بقرار اللجنة القضائية، إلا بالطعن بالإلغاء في القرار السلبي الخاص بامتناع ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 أسوة بالسيد/ جورج حنين.
ومن حيث إنه متى تمحض الطلب في نظر المحكمة الإدارية العليا إلى أن يكون طلباً بإلغاء قرار امتناع الوزارة عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 كان من حقها تصويب التكييف الخاطئ الذي استمسك به المدعي بزعم أن دعواه تدور حول طلب تسوية لأقدميته في الدرجة الخامسة نتيجة لانطباق قرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من مارس سنة 1945 في حقه، ذلك أنه إذا كان تصوير طلبات الخصوم من توجيههم فإن الهيمنة على سلامة هذا التكييف من تصريف المحكمة؛ إذ عليها أن تنزل حكم القانون على واقع المنازعة، وأن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية التي قصدها الخصوم من وراء إبدائها. يؤكد ما سلف أن المنازعة الحاضرة لا تندرج قطعاً في عداد "المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم" التي نص عليها البند (ثانياً) من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل فيها بما له من ولاية القضاء الكاملة.
ومن حيث إن الامتناع عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة أو بالأحرى عن إرجاع أقدميته في هذه الدرجة إلى تاريخ معين في الماضي هو قرار إداري سلبي وسواء حدد تاريخ الامتناع بأنه هو تاريخ صدور قرار ترقية السيد/ جورج حنين في 31 من مارس سنة 1943 أم زحزح على الأصح إلى تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء في 5 من مارس سنة 1945 بإنشاء أقدمية اعتبارية لأمثال المدعي من رجال التعليم الحر، فإن امتناع الإدارة السلبي عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة من تاريخ ترقية السيد/ جورج حنين إليها - أن ثبت للمدعي هذا الحق جدلاً - هو قرار صادر على كلا الفرضين قبل إنشاء مجلس الدولة، ومثله لا يقبل الطعن فيه بإلغاء.
ومن حيث إنه مهما يقل من أن التسوية الإدارية الصادرة في 14 من إبريل سنة 1956 قد تضمنت قراراً بعدم إرجاع أقدمية المدعي إلى 31 من مارس سنة 1943 مما يجعل هذا القرار قابلاً للإلغاء، فإن هذه المحكمة ترى صواب النظر القائل بأن هذه التسوية إنما أكدت تصرفاً إدارياً قديماً وأيدت وضعاً إدارياً حصيناً، فطلب الإلغاء وإن كان وارداً في الظاهر على مفهوم هذه التسوية ومضمونها، إلا أنه مقصود به في الحقيقة الطعن في القرار السلبي بالامتناع عن إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى 31 من مارس سنة 1943. وهو قرار حصين حسبما سلف الإيضاح، وإذن فالادعاء بأن الطعن أريد به إلغاء التسوية فيما انطوت عليه من امتناع الإدارة عن إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى التاريخ المشار إليه هو تحايل على مخالفة القاعدة القاضية بعدم جواز توجيه طلب الإلغاء إلى قرار سابق على إنشاء مجلس الدولة.
ومن حيث إنه ينبني على ما تقدم أنه بقطع النظر عما إذا كان يمتنع قانوناً أن يرقى المدعي على إحدى الدرجات الخامسة بوزارة المالية في تاريخ لم يكن فيه على التحقيق من عداد موظفيها، ويقطع النظر عن أن الأقدميات الاعتبارية لا يتولد لها أثر من حيث الترقية في تاريخ سابق على القرار التنظيمي العام المنشئ لتلك الأقدميات، بقطع النظر عن ذلك كله مما يصح التحدي به لدفع دعوى المدعي موضوعاً - لو جاز الخوض في الموضوع - فإن طلب إلغاء امتناع الوزارة عن إفادته بالترقية المزعومة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 أسوة بالسيد/ جورج حنين - هذا الطلب يتمخض عن طعن في قرار حصين بالمولد لأنه من القرارات الصادرة قبل إنشاء مجلس الدولة حسبما سلف البيان.
ومن حيث إنه لا وجه بعد ذلك لما يثيره المدعي في مذكرته الختامية من أنه يهدف بدعواه إلى تسوية حالته بمراعاة ترقيات زميله السيد/ جورج حنين تنفيذاً لقرار اللجنة القضائية الصادر لصالحه على مقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/ 3/ 1945 الخاص بضم مدد الخدمة السابقة في التعليم الحر، وأن تطبيقه يستلزم بالضرورة الرجوع إلى عهد سابق على تاريخ العمل بقانون مجلس الدولة. وأنه إذا كان من شأن هذا التطبيق المساس بقرارات إدارية سابقة فذلك راجع إلى أن قرار مجلس الوزراء الذي يطلب المدعي تطبيقه في حقه هو بطبيعته ذا أثر رجعي من ناحية أنه يفترض في الموظف متى توافرت فيه الشروط المطلوبة وضعاً معيناً يعتبر أنه كان قائماً في الماضي وترتب على ذلك آثاراً في أقدميته أو في درجته أو في راتبه - لا حجة في ذلك طالما أنه بالرجوع إلى قرار اللجنة القضائية الصادر في 6 من مارس سنة 1954 المودع ملف خدمة المدعي - يبين أن قضاءه جاء مقصوراً على أحقية المتظلم في احتساب مدة خدمته السابقة بمعهد الآلات الكاتبة وبالمعهد البريطاني من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16/ 10/ 1941 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإذ أورد في أسباب قراره هذا في الأسباب المرتبطة بالمنطوق أن اللجنة ترى إجابة المتظلم إلى تسوية حالته بضم مدة خدمته السابقة له في معهد الآلات الكاتبة والمعهد البريطاني على أن تحتفظ له اللجنة بالنظر في باقي الطلبات التي تقدم بها (الخاصة باستحقاقه الترقية إلى الدرجات الخامسة والرابعة في تواريخ معينة) حتى تتم التسوية على أساس إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 22/ 10/ 1938. تاريخ اشتغاله بالتعليم الحر، فإنه يكون من المقطوع به أن اللجنة القضائية ذاتها لم يصدر قضاؤها حسبما هو واضح بهذه الأسباب - بتسوية حالة المدعي في الدرجات الخامسة وما يعلوها بعد أن احتفظت صراحة بعدم الفصل فيها إلى أن تتم تسوية أقدميته في الدرجة السادسة من جانب جهة الإدارة، ومن ثم فإن غاية الأمر بالنسبة للآثار التي عناها القرار المذكور أن يراد بها الآثار المالية بالنسبة للمرتب وأقدمية الدرجة السادسة التي عين فيها المدعي في خدمة الحكومة دون غيرها، وما دام هذا الأساس الذي قام عليه قرار اللجنة القضائية مرتبطاً بمنطوق القرار ارتباط العلة بالمعلول فإنه لا يسوغ بعد ذلك المحاجة بأن التسوية التي يطالب بها المدعي هي نتيجة حتمية لقرار اللجنة القضائية، هذا إلى أن قرار مجلس الوزراء المشار إليه وقد انصب على حساب مدة الخدمة السابقة بالتعليم الحر في المرتب وأقدمية الدرجة فقد استهدف تسوية حالات خاصة بشروط معينة وهو في هذا الصدد لا يعدو أن يكون قراراً منشئاً لحق المدعي في ضم مدة خدمته السابقة؛ ومن ثم لا يترتب عليه بحال زعزعة المراكز القانونية التي نشأت لغيره واستقرت قبل صدوره. ومتى كان لا يتأتى للجنة القضائية أن تمنح الموظف بقرارها حقوقاً أكثر مما خوله إياها قرار مجلس الوزراء المذكور، فإنه لا ينبغي تفسير منطوق قرارها بما يجاوز المعنى الذي سبق بيانه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإنه متى كان سند المدعي في طعنه على قرارات الترقية التالية إلى الدرجات الرابعة والثالثة والثانية والأولى يقوم على ثبوت أحقيته في الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 تاريخ نفاذ القرار الصادر بترقية السيد/ جورج حنين، وما دام أن إرجاع أقدمية المدعي إلى هذا التاريخ لا ينعقد في شأن اختصاص مجلس الدولة، فإن دعواه في هذا الشق منها لا توفر للمدعي الأقدمية التي تطوع له الطعن في الترقية إلى تلك الدرجات ومن ثم تكون واجبة الرفض. وعلى هدي ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ جرى بغير هذا النظر يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ويتعين القضاء بإلغائه وبعدم قبول الدعوى فيما يتعلق بطلب تعديل أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة وبرفضها بالنسبة لباقي الطلبات مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول طلب المدعي تعديل أقدميته في الدرجة الخامسة وبرفض ما عدا ذلك من طلبات وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق