الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 2 أبريل 2023

الطعن 58 لسنة 8 ق جلسة 2 / 11 / 1939 مج عمر المدنية ج 3 ق 1 ص 1

جلسة 2 نوفمبر سنة 1939

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

-----------------

(1)
القضية رقم 58 سنة 8 القضائية

دعوى فرعية. 

خصم ثالث. تدخله. شرطه. وجود مصلحة من التدخل. مصلحة محققة أو محتملة. إبداء طلبات مرتبطة بطلبات الخصوم أو مستقلة عنها. صورة دعوى. قبطي من أم مسلمة. تركته. استصدار إشهاد من المجلس الملي بانحصار إرثه في أشقائه. توكيلهم شخصاً في قبض أمواله وأدائها إليهم. إدخال وزارة المالية في الدعوى باعتبارها مستحقة لماله شرعاً لكونه مرتدّاً. قبول دخولها خصماً ثالثاً. طلبها وقف الدعوى حتى يفصل في الدعوى الشرعية التي رفعتها بأنها صاحبة الحق في هذا المال. وقف الدعوى. صحيح. النزاع حول ميراث المتوفى وكونه مرتدّاً أو لا. من اختصاص القضاء الشرعي.
(المادة 295 مرافعات والمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية)

-----------------
إن العبرة في تدخل غير المتداعيين في الخصومة المقامة بينهما أمام المحكمة هي، على حسب المادة 295 من قانون المرافعات، أن تكون هناك مصلحة من وراء هذا التدخل. وذلك يستوي فيه أن تكون المصلحة محققة أو محتملة، وأن يكون المقصود إبداء طلبات مرتبطة بطلبات الخصوم أو مستقلة عنها. وإذن فإذا توفى شخص عن نقود مودعة بمصرف وسندات مالية وبوليصة تأمين، ولم يعقب ذرّية، فاستصدر إخوته إعلاماً شرعياً من المجلس الملي المختص بالفصل في الأحوال الشخصية لطائفتهم بانحصار إرثه فيهم، ووكلوا عنهم محامياً في قبض ما خلفه المتوفى من مال ودفع حصة كل منهم إليه، فقبضه وأودعه في أحد المصارف، ثم صرف بعضه إليهم؛ وبعد ذلك قامت لدى المحامي أسباب حملته على الشك في صحة الوراثة فامتنع عن تسليم الباقي لموكليه، فرفعوا عليه دعوى بإلزامه بأن يسلمهم إياه، فكلف المصرف بإيداعه في خزانة المحكمة الأهلية؛ وفي أثناء نظر الدعوى بالتحضير أدخل المدّعى عليه وزارة المالية فيها بحجة أنها هي صاحبة الحق لأن المدّعين ليسوا ورثة المتوفى إذ اتضح أنه ولد من أم مسلمة فهو مسلم، وأنه لما كان قد عاش مسيحياً فإنه يعتبر مرتدّاً، وتكون تركته إذن من حق بيت المال، فطلب مندوب المالية وقف الفصل في الدعوى حتى يفصل في الدعوى الشرعية التي رفعتها الوزارة فعلاً باستحقاقها للتركة، فلا شك في أنه في هذه الصورة تكون للوزارة مصلحة تخوّل لها التدخل في الدعوى. والتدخل من جانبها ابتغاء الحيلولة دون تسليم التركة للمدّعين حتى ينتهي الفصل في النزاع الخاص بالوراثة لدى القضاء الشرعي لا يعتبر إقحاماً لنزاع أجنبي عن الدعوى، وإنما هو، لتعلقه بصفة المدّعين في الدعوى المرفوعة منهم وعدم استحقاقهم للتركة، مرتبط بها ارتباطاً لا انفصام له ولا محيص من الفصل فيه للتحقق من توافر أركان الدعوى. ولهذا يكون وقف الدعوى لما رأته المحكمة من أن إشهاد الوراثة غير كافٍ في إثبات النسب، ولأن النزاع في ميراث المتوفى وفي ردّته يجب أن يعرض على جهة القضاء الشرعي، إنما هو إعمال لحكم المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التي تقضي بأن الاختصاص في مسائل الأحوال الشخصية لا يكون إلا للجهة المنوطة به قانوناً، وهذا يقتضي انتظار قضاء هذه الجهة لتسير المحكمة على مقتضاه.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وغيره من أوراق الدعوى التي طرحت على محكمة الموضوع - في أن أمين فكري بك توفى في 29 من فبراير سنة 1928 ولم يعقب ذرّية، فاستخرج الطاعنون في 4 من إبريل سنة 1928 إعلاماً من مجلس ملي بني سويف بأنهم ورثته، ووكلوا المدّعى عليه الأوّل في الطعن (الأستاذ حزين سعد) بأن يسحب بناء على هذا الإعلام مبلغ 1100 جنيه قيمة بوليصة تأمين كان أمين فكري بك عقدها مع شركة جريشام لمصلحتهم، وكذا مبلغ 9366 جنيهاً و940 مليماً من بنك الكريدي ليونيه وسندين من سندات سكة حديد تركيا. وبتاريخ 11 من مايو سنة 1935 قدّم الإخوة الطاعنون طلباً لحضرة رئيس محكمة بني سويف الأهلية لتوقيع الحجز التحفظي على المبالغ والسندات المودعة باسم المدّعى عليه الأوّل في الطعن في بنك مصر بقدر ما يفي لسداد المبلغ آنف الذكر والسندين مع الفوائد، فصدر الأمر ونفذ في اليوم ذاته. وفي 16 من أكتوبر سنة 1935 أدخل المدّعى عليه الأوّل في الطعن المدعى عليهما الثانية والثالثة (الست زهية حنا مسيحة ووزارة المالية) خصمين في الدعوى بناء على أن الطاعنين ليسوا هم الورثة وحدهم، ولأن أمين فكري بك ولد من أم مسلمة. وفي 29 من فبراير سنة 1936 طلبت وزارة المالية قبولها خصماً ثالثاً في الدعوى، وطلبت أيضاً إيقاف الدعوى لحين الفصل من الجهة المختصة في أمر الوراثة. وفي 25 من مايو سنة 1936 قرّرت المحكمة قبول الوزارة خصماً في الدعوى، والانتقال إلى مطرانية بني سويف وبطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة للاطلاع على بعض الأوراق. وقد تم الانتقال وأعيدت القضية للمرافعة، فعدّل الطاعنون طلباتهم إلى مبلغ 7723 جنيهاً و184 مليماً، وأصر مندوب المالية على طلب الإيقاف حتى يفصل في الدعوى الشرعية التي كانت رفعت فعلاً من وزارة المالية بأنها صاحبة الحق في التركة لأن أمين فكري بك قد ولد من أم مسلمة واعتنق المسيحية فيما بعد فيعتبر مرتدّاً ويكون ما اكتسبه في حال ردّته من حق بيت المال. وفي 20 من يوليه سنة 1936 قضت محكمة بني سويف بوقف السير في الدعوى إلى أن يفصل نهائياً في الدعوى الشرعية المرفوعة من الخصم الثالث بشأن التركة لوجود نزاع في الوراثة.
استأنف الطاعنون هذا الحكم في 29 من يونيه و7 من يوليه سنة 1936 أمام محكمة استئناف مصر الأهلية، وقيدوا استئنافهم تحت رقم 877 سنة 54 قضائية وطلبوا الحكم بإلغاء الإيقاف وعدم قبول المدّعى عليهما الثانية والثالثة خصمين في الدعوى وإلزام المدّعى عليه الأوّل بالطلبات حسب التعديل. وفي 26 من إبريل سنة 1938 حكمت محكمة استئناف مصر بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب محاماة لكل من المستأنف عليه الأوّل والثالثة.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 17 مايو و4 يونيه سنة 1938 فطعن فيه وكيلهم بطريق النقض في 15 من يونيه سنة 1938 بتقرير أعلنه إلى المدّعى عليهم في 18 و20 و25 من ذلك الشهر، وأودع مذكرة بشرح الأسباب إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل والشطر الأوّل من الوجه الثالث من أوجه الطعن هو: (أوّلاً) أن الحكم المطعون فيه أخطأ في قبول وزارة المالية خصماً ثالثاً في الدعوى المرفوعة من الطاعنين لأن بيت المال الذي تمثله وزارة المالية ليس وارثاً، كما أن اختلاف بيت المال مع الورثة الشرعيين للمتوفى وهم الطاعنون ليس اختلافاً ممن له صفة الوراثة ينقل الاختصاص من المجلس الملي إلى المحاكم الشرعية. (ثانياً) لأن قبول الخصم الثالث يجب أن لا يترتب عليه خروج الخصومة عن نطاقها وتعطيل الفصل فيها، ويجب أن لا يثير الخصم بتدخله نزاعاً جديداً أجنبياً عن الخصومة الأصلية التي يتدخل فيها وإنما يقتصر دوره في النزاع على تأييد المدعي أو المدعى عليه. وفي الخصومة الحالية بعد قبول وزارة المالية خصماً ثالثاً فيها حصل أن ضرب صفح عن موضوع النزاع الأصلي وتحوّلت الدعوى من محاسبة موكل لوكيله إلى نزاع حول الميراث.
وحيث إنه عن الخطأ في قبول وزارة المالية خصماً ثالثاً فإن القاعدة القانونية في التدخل في خصومة قائمة الواردة في المادة 295 من قانون المرافعات هي أن لكل ذي مصلحة في النزاع المطروح أمام القضاء حق التدخل فيه، لا فرق في ذلك بين أن تكون المصلحة محققة أو محتملة وبين أن يكون الغرض من التدخل إبداء طلبات مستقلة عن طلبات الخصوم أو مرتبطة بها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ عرض لهذه المصلحة قال:
"إنه بفرض التسليم بأن بيت المال الذي حلت محله وزارة المالية ليس وارثاً بالمعنى القانوني فإنه يعتبر على الأقل مستحقاً لتركة المرحوم أمين فكري بك لأنها في نظره لا مستحق لها باعتبار أنه مات مرتداً. فبيت المال يتدخل بهذه الصفة في الدعوى الحالية، وله بناء على هذه المصلحة الظاهرة أن يتقدّم للمحكمة لتقبله خصماً ثالثاً فيها ليطالب بحقه المشار إليه". وفي هذا الذي قاله الحكم ما يبين بجلاء مصلحة الوزارة في التدخل في النزاع دفاعاً عن حق شرعي مستقل عن حقوق الخصوم ويسوغ قانوناً قبولها خصماً ثالثاً في الدعوى.
وحيث إنه ولو أن الوزارة طلبت إيقاف الدعوى إلا أنها ربطت هذا الطلب باستحقاقها للتركة دون سواها لأسباب شرعية جعلتها موضوع دعوى لدى القضاء الشرعي. وفي هذا ما يكفي لاعتبار تدخل الحكومة تدخلاً استقلالياً يجيزه القانون. أما مصيره أمام المحكمة الأهلية بعد ذلك فمعلق على ما تقضي به جهة القضاء الشرعي.
وحيث إن ما استند إليه الطاعنون من حكم سابق لمحكمة النقض قضى بأن بيت المال الذي حلت محله وزارة المالية وإن عدّ في المادة 584 من كتاب الأحوال الشخصية لقدري باشا مستحقاً للتركات التي لا مستحق لها إلا أنه ليس معتبراً في نظر علماء الشريعة الإسلامية وارثاً، ومن ثم لا يصلح خصماً في دعوى الوراثة (حكم 26 من مايو سنة 1932) - ما استند إليه الطاعنون من هذا القضاء لا يؤثر بحال ما على ما تذرّعت به الوزارة من مصلحة للتدخل في الدعوى الحالية ورأته محكمة الموضوع كافياً لقبولها خصماً ثالثاً فيها. لأن الوزارة في الحكم المستشهد به لم يكن لها من مطعن خاص في استحقاق الورثة للميراث بل كان النزاع دائراً حول كفاية الإعلام الشرعي وغيره من الأوراق أو عدم كفايتها لإثبات الوراثة. أما الأمر في الدعوى الحالية فهو طعن موجه للأساس ذاته الذي يستند إليه الطاعنون في المطالبة بالتركة وهو صفة الورثة وانحصار إرث المتوفى فيهم. فإذا صح هذا الطعن انهار هذا الأساس وفقد الطاعنون صفة الورثة وآلت التركة إلى غيرهم ممن يستحقها.
وحيث إنه عما ذكره الطاعنون بشأن ما يؤدّي إليه تدخل الخصم الثالث من توسيع نطاق الخصومة وتأخر الفصل فيها فإن الطاعنين كانوا يطالبون في دعواهم بإلزام وكيلهم المدّعى عليه الأوّل بأن يسلمهم باقي ما حصله من أموال تركة أمين فكري بك على اعتبار أنهم ورثته دون سواهم. فإذا ما قام لدى هذا الوكيل من الأسباب ما يحمله على الشك في صحة هذه الوراثة وانفراد الطاعنين بها وامتنع، خشية المسئولية الشخصية، عن التسليم، فعمد الطاعنون إلى المطالبة به قضاء، كان أوّل واجب على الطاعنين، وقد رفعوا أمرهم إلى القضاء، أن يقدّموا للمحكمة ما يثبت بطريقة قاطعة الأساس الذي يبنون عليه دعواهم. فإذا ما تقدّمت وزارة المالية في النزاع للحيلولة دون تسليم التركة للطاعنين حتى ينتهي الفصل في النزاع الخاص بالوراثة لدى القضاء الشرعي كان تدخلها هذا متعلقاً بصفة الطاعنين في دعواهم وعدم توافر الأساس الذي يخوّلهم حق الحصول على التركة ولم يكن قط إقحاماً لنزاع أجنبي عن الدعوى الأصلية بل هو مرتبط بها ارتباطاً لا انفصام له، والفصل فيه لا محيص عنه للتحقق من توافر أركان الدعوى.
وحيث إنه لا يمكن الاحتجاج بأن من شأن هذا التدخل تعطيل الفصل في الدعوى إذ هو خاص بصفة الطاعنين بأنهم وحدهم ورثة المتوفى تلك الصفة التي يتعين عليهم إثباتهم على أي حال لكي تقضي المحكمة لهم بطلباتهم على ما سبق بيانه. هذا فضلاً عن أن الثابت هو أن التدخل حصل في مبدأ النزاع وأثناء تحضير الدعوى.
وحيث إن الوجه الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً لأحكام المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التي تنص على أنه ليس للمحاكم المذكورة أن تنظر فيما يتعلق بالأحوال الشخصية ولا يجوز لها أيضاً أن تؤول الأحكام التي تصدر فيها من الجهة المختصة. ثم يقول الطاعنون إن الجهة المختصة بالفصل في صحة نسب المرحوم أمين فكري بك إلى والده كرلس إسحاق هي جهة الملة، والقضاء الصحيح فيها هو قضاء مجلس ملي بني سويف الذي تضمنه الإعلام الرقيم 4 من إبريل سنة 1928. وعلى هذا فقد كانت الدعوى التي عرضت على محكمة الموضوع بدرجتيها صالحة للحكم فيها ولم يكن هناك محل للإيقاف إذ ليس للقضاء الشرعي اختصاص الفصل في النزاع الذي طرحته عليه وزارة المالية. ذلك لأنه يجب التفرقة بين الميراث وتقسيمه، وهما من المسائل التي تختص بها المحاكم الشرعية إلا إذا اتفق الخصوم على الاحتكام فيها إلى قانون ملتهم، وبين الصفة التي يرث بها الشخص كانتسابه إلى المورّث بالبنوّة ونحوها. والصفة من المسائل التي يرجع فيها إلى قانون ملة المتوفى لاتصالها بالزوجية والبنوّة من زواج صحيح، وهذا مما يدخل في صميم الأحوال الشخصية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يتمسك به الطاعنون في هذا الوجه فقال "وحيث إنه بفرض التسليم بأن بيت المال الذي حلت محله وزارة المالية ليس وارثاً بالمعنى القانوني فإنه يعتبر على الأقل مستحقاً لتركة المرحوم أمين فكري بك لأنها في نظره لا مستحق لها باعتبار أنه مات مرتدّاً، فبيت المال يتدخل بهذه الصفة في الدعوى الحالية، وله بناءً على هذه المصلحة الظاهرة أن يتقدّم للمحكمة لتقبله خصماً ثالثاً فيها ليطالب بحقه المشار إليه. وإذن تكون محكمة أوّل درجة إذ قررت قبوله قد أصابت الصواب".
"وحيث إنه يتعين البحث فيما إذا كان قرار المجلس الملي ببني سويف الصادر في 4 إبريل سنة 1928 الذي يستند إليه المستأنفون كافياً لإثبات وارثة المستأنفين وحدهم للمرحوم أمين فكري بك مع وجود النزاع بشأن أحقية هؤلاء الأشخاص لتركته برفع الدعويين الشرعيتين المشار إليهما فعلاً من وزارة المالية وهانم أحمد رمضان اللتين لم يفصل فيهما بعد. وهذا البحث يجب مناقشته بلا دخل لرأي الأستاذ حزين سعد المستأنف عليه الأوّل وتصرفاته وإجراءاته في أوّل الأمر أو علاقته السابقة بالمستأنفين بصفته وكيلاً عنهم إذ أن كل ذلك لا قيمة له ولا يؤثر على الطريق القانوني الواجب اتباعه والجهة المختصة بالفصل في هذا النزاع".
"وحيث إن المحكمة ترى أن القرار السابق الذكر ليس ملزماً ولا كافياً لإثبات النسب والوراثة لاختلاف ملة الخصوم المتنازعين بما فيهم هانم أحمد رمضان المشار إليها. خصوصاً وأنه لم يكن إلا إعلاماً إدارياً، وأن المنازعين للمستأنفين كانوا بعيدين عن الإجراءات التي اتخذت عند إصداره، ولم يعلموا بها ولم يتدخلوا فيها حتى يمكن أن يقال إنه كان من الواجب عليهم أو في وسعهم التقدّم بهذا النزاع للمجلس المشار إليه ليفصل فيه أو ليتخلى عنه إن كان خارجاً عن اختصاصه. فلذلك ولأنه غير مسلم من الخصوم بأن المورّث مات مسيحياً قبطياً أرثوذكسياً، كما يقول المستأنفون، لما تبين لهؤلاء الخصوم من المكاتبات المدوّنة بمحضر انتقال محكمة أوّل درجة لبطريركية الأقباط الأرثوذكس بمصر نتيجة اطلاعها على الدفاتر الثابت بها تلك المكاتبات المتبادلة بين البطركخانة ومطرانية بني سويف، ولما هو ظاهر لهم من باقي المستندات المقدمة من أن من يدعي فرعون المشار إليه في هذه المكاتبات هو نفسه أمين فكري المورّث، يكون لا قيمة قانوناً لقرار المجلس الملي الصادر بتاريخ 4 إبريل سنة 1928 في إثبات النسب والوراثة بالنسبة لمن لم يكونوا طرفاً فيه".
"وحيث إنه لا محل للاستناد على المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التي يريد المستأنفون أن يؤيدوا بها نظريتهم المبينة بصحيفة الاستئناف وبمذكراتهم من أن المحاكم الشرعية غير مختصة بالفصل في هذا النزاع، وأن المختص هي المجالس الملية القبطية الأرثوذكسية وحدها. لأنه وإن كانت دعوى إثبات النسب هي من دعاوى الأحوال الشخصية الخاصة فتدخل في اختصاص المجالس الملية للطوائف ولو ارتبطت بدعوى الإرث لأنه لا بدّ أن يتناول الأمر مسألة النسب الذي هو أساسها، إلا أن هذا الحكم مقيد باتحاد ملة الخصوم. أما إذا اختلفت هذه الملة - كما في النزاع الحالي - فإن المحاكم الشرعية، لعدم اختصاص أي طائفة بالحكم بين المتنازعين، هي المختصة دون غيرها بالفصل في ذلك لأنها هي محاكم الأحوال الشخصية العامة في مصر. وإذن فالطريق القانوني الواجب اتباعه هو الحصول على حكم شرعي في هذا الشأن".
وحيث إنه ظاهر جلياً من هذا الذي ردّ به الحكم المطعون فيه على دفاع الطاعنين، ذلك الدفاع الذي اشتمل عليه وجه الطعن، أن محكمة الموضوع رأت أن إشهاد الوراثة الذي يستند إليه الطاعنون في دعواهم غير كافٍ لإثبات النسب؛ وأن النزاع الدائر حول حقهم في ميراث أمين فكري بك وكونه مرتدّاً أم لا يجب عرضه على جهة القضاء الشرعي المختصة وحدها بالفصل فيه. وهذه المحكمة تقرّ محكمة الموضوع على ما رأته في ذلك وأسسته على اعتبارات تبرره. وليس في هذا شيء مخالف للمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية بل إن ما جاء بالحكم إنما هو تطبيق لأحكام تلك المادة من ترك الاختصاص في مسائل الأحوال الشخصية للجهة المنوطة به قانوناً وانتظار ما ستقضي به للسير على مقتضاه في النزاع المطروح.
وحيث إن مبنى الشطر الثاني من الوجه الثالث هو أن محكمة الموضوع استندت ضمن ما استندت إليه في الإيقاف إلى النزاع الذي رفعته هانم أحمد رمضان أمام المحكمة الشرعية لإثبات أحقيتها لتركة أمين فكري بك في حين أن هانم هذه لم تكن طرفاً في الخصومة الحالية حتى يمكن أن يتقرّر الإيقاف محافظة على مصلحتها. ويقول الطاعنون إن في هذا خطأ يعيب الحكم.
وحيث إنه بصرف النظر عما جاء بالحكم خاصاً بالدعوى الشرعية المرفوعة من هانم أحمد رمضان للمطالبة بتركة أمين فكري بك فإن في الحكم من الأسباب الأخرى ما يكفي لتبرير ما قضت به المحكمة من إيقاف الدعوى حتى يفصل في الدعوى الشرعية المرفوعة من وزارة المالية. ولذا فلا تأثير للخطأ الذي يشكو منه الطاعنون في وجه الطعن بفرض وجوده فعلاً في الحكم المطعون فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق