الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 20 نوفمبر 2021

القضية 1 لسنة 24 ق جلسة 17 / 8 / 2003 دستورية عليا مكتب فني 10 تفسير ق 1 ص 1431

جلسة 17 أغسطس سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض صالح ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش،

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

--------------

قاعدة رقم (1)
القضية رقم 1 لسنة 24 قضائية "تفسير"

(1) تفسير تشريعي "اختصاص المحكمة الدستورية العليا به".
خول الدستور المحكمة الدستورية العليا - في الحدود التي بينها قانونها - تفسير النصوص القانونية تفسيراً ملزماً يكون كاشفاً عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص محدداً مضمونها لتوضيح ما أُبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض قد يبدو بينها، مستصفياً إرادة المشرع تحرياًً لمقاصده منها، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها.
(2 ، 3) تفسير تشريعي "شروطه". تشريع "البند رقم (5) من المادة (5) والفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب: توافر شروط طلب التفسير".
(2) سلطه المحكمة الدستورية العليا في تفسير النصوص القانونية. شروطها: الأهمية الجوهرية للنص المطلوب تفسيره، وأن يكون هذا النص قد آثار خلافاً عند تطبيقه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخّل عملاً بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها، الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند إقرارها ضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
(3) الشرطان اللذان تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير، توافرهما بالنسبة لنص البند (5) من المادة (5) والفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، وذلك لما وقع في شأنهما من خلاف في التطبيق بين محاكم جهة القضاء الإداري، انعكس على وزارة الداخلية. أثره: تضارب قراراها بشأن قبول أوراق المرشحين لعضوية مجلس الشعب، كما أن النصين القانونيين محل طلب التفسير انتظمهما القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب، والذي يعد أحد القوانين المكملة للدستور، فضلاً عن أنهما يتعلقان بممارسة حق دستوري من الأهمية بمكان هو حق الترشيح لعضوية المجلس النيابي "مجلس الشعب". توحيد تفسير هذين النصين. مؤداه: معاملة المرشحين لعضوية هذا المجلس معاملة قانونية متكافئة حال تماثل مراكزهم القانونية.
(4) تفسير تشريعي "استظهار قصد المشرع".
يتعين لتحديد مدلول النصين المشار إليهما، كما قصده المشرع، استقصاء أصلهما، وتفسيرهما على هدي من الأعمال التحضيرية الممهدة لهما، سواء كانت هذه الأعمال سابقة أو معاصرة لهما، باعتبار أن ذلك كله مما يُعين على استخلاص مقاصد المشرع التي يفترض في النصين القانونيين محل التفسير أنهما قد عبرا عنها.
(5 ، 6) تفسير تشريعي "مجلس الشعب: خدمة عسكرية: شروط موضوعية وأوضاع إجرائية".
(5) اتجاه إرادة المشرع في البند (6) من المادة (5) من قانون مجلس الشعب إلى ضرورة تأدية المرشح لعضوية مجلس الشعب الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها طبقاً للقانون. تخلف ذلك. أثره: عد جواز ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب. الاستثناء: من تجاوز عمره الخمسة والثلاثين.
(6) نص المادة (5) من قانون مجلس الشعب ينظم الشروط الموضوعية الواجب توافرها في المرشح لعضوية مجلس الشعب، بينما توضح المادة (6) من ذات القانون الشروط الإجرائية الخاصة بالتقدم بأوراق الترشيح. أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها قانوناً يعصمان المواطن من وصمة النكوص عن الدفاع عن الوطن.
(7) تفسير تشريعي "قانون خاص وقانون عام: الحق في الترشيح".
قانون مجلس الشعب. قانون خاص يقيد قانون مباشرة الحقوق السياسية وهو القانون العام. أحكام القانون الأول المتعلقة بتنظيم الحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب هي الواجبة التطبيق. عدم الرجوع في هذا الشأن على قانون مباشرة الحقوق السياسية.
(8) تفسير تشريعي "حقوق سياسية: الحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب".
قانون مباشرة الحقوق السياسية لم يتضمن حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب بين الحقوق التي تناولها بالتنظيم. علة ذلك: الحق في الترشيح له ذاتية خاصة. اتحاده مع الحق في عضوية مجلس الشعب بعد فوز المرشح في الانتخابات.
(9) تفسير تشريعي "قرار التفسير: الكشف عن حقيقة النصوص التشريعية".
المحكمة الدستورية العليا، إذ تحدد مضامين النصوص القانونية على ضوء ولايتها في مجال تفسيرها للنصوص التشريعية المحددة بنص المادة (26) من قانونها فإن قرارها بتفسير هذه النصوص يكون كاشفاً عن حقيقتها بافتراض أن المشرع أقرها ابتداءً بالمعنى الذي حددته المحكمة الدستورية العليا لها، ومن ثم يكون القرار الصادر بتفسيرها جزءاً منها لا ينفصل عنها من تاريخ العمل بها ليكون إنفاذها على ضوء هذه النص، ومنذ سريانها لازماً.

--------------
1 - خوَّل الدستور المحكمة الدستورية العليا - في الحدود التي بينها قانونها - تفسير النصوص القانونية تفسيراً ملزماً يكون كاشفاً عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص محدداً مضمونها لتوضيح ما أُبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض قد يبدو بينها، مستصفياً إرادة المشرع تحرياً لمقاصده منها، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها.
2 - السلطة المخولة لهذه المحكمة في مجال اختصاصها المقرر لها بنص المادة (26) من قانونها، مشروطة - وعلى ما جرى به قضاؤها - بأن تكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية، تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخّل عملاً بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها، الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصد المشرع منها عند إقرارها ضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
3 - الشرطان اللذان تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافر بالنسبة لنص البند (5) من المادة (5) والفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، وذلك لما وقع في شأنهما من خلاف في التطبيق بين محاكم جهة القضاء الإداري وقد انعكس هذا الخلاف على وزارة الداخلية، فتضاربت قراراتها بشأن قبول أوراق المرشحين لعضوية مجلس الشعب، كما أن النصين القانونيين محل طلب التفسير انتظمهما القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب، والذي يعد أحد القوانين المكملة للدستور، فضلاً عن أنهما يتعلقان بممارسة حق دستوري من الأهمية بمكان هو حق الترشيح لعضوية المجالس النيابي "مجلس الشعب" وتوحيد تفسير هذين النصين سيؤدي إلى معاملة المرشحين لعضوية هذا المجلس معاملة قانونية متكافئة حال تماثل مراكزهم القانونية، ومن ثم فإن الطلب الماثل يكون مقبولاً.
4 - يتعين لتحديد مدلول النصين المشار إليهما، كما قصده المشرع، استقصاء أصلهما، وتفسيرهما على هدي من الأعمال التحضيرية الممهدة لهما، سواء كانت هذه الأعمال سابقة أو معاصرة لهما، باعتبار أن ذلك كله مما يُعين على استخلاص مقاصد المشرع التي يفترض في النصين القانونيين محل التفسير أنهما قد عبرا عنها.
وحيث إنه يبين من الأعمال التحضيرية للقانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، أن مشروع قانونه قُدِّم للمجلس من أحد أعضائه، وقد خلت مادته الخامسة من نص يشترط في المرشح لعضوية مجلس الشعب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى منها، كما خلت مادته السابعة والتي أصبحت المادة السادسة من القانون من نص مماثل لنص الفقرة الأخيرة من المادة السادسة يقضي بأن يُعفى المرشح الذي تجاوز عمره الخامسة والثلاثين من تقديم شهادة أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها، إلا أنه ورد بتقرير لجنة الشئون التشريعية أنها (قد وافقت على ما اقترحته الحكومة من إضافة شرط جديد إلى شروط الترشيح وهو أن يكون المرشح قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفي من أدائها طبقاً للقانون، استناداً إلى أن قانون الخدمة العسكرية يمنع تعيين أي شخص في الوظائف العامة أو إلحاقه بأي عمل ما لم يكن قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفى منها، وأنه لما كان من بين شروط الترشيح ألا تقل سن المرشح عن ثلاثين سنة، فإنه لا يتصور في الغالب الأعم أن يكون المرشح غير مستوف لشروط أداء الخدمة العسكرية عند ترشيحه إلا إذا كان متهرباً من أدائها)، وقد أُفرغَ هذا الشرط في البند (6) من نص المادة (5) من مشروع القانون. ولدى مناقشة أعضاء مجلس الشعب لهذا البند، اعترض عليه أحد الأعضاء وطلب حذفه وأيده آخر في هذا الطلب، مبدياً أن خدمة الوطن شرف، وتمثيل الشعب شرف أيضاً، وأنه إذا حُرم كل من لم يكن قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفى منها من ترشيح نفسه لعضوية المجلس، فإن هذا الحكم سيسري على المواطنين حتى سن الخامسة والثلاثين طبقاً للتعديل الجديد لقانون التجنيد، وسيؤدي هذا الأمر إلى حرمان عدد كبير من الشباب من أهم حقوقهم السياسية وهو حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب. إلا أن عضواً آخر أبدى - وهو بصدد تعليقه على النص المعروض - أن أصحاب الرأي المتقدم قد التبس عليهم الأمر حين ظنوا أن حكم هذا البند يعني حرمان الأشخاص الذين لم يحن دورهم لأداء الخدمة العسكرية، في حين أن حكم هذا البند يعني حرمان من تهرب من أداء الخدمة العسكرية، وهذا الشخص لا يصح أن يكون مواطناً فضلاً عن أن يكون ممثلاً للشعب. ولدى تعليق السيد مقرر المشروع على مناقشات الأعضاء أشار إلى أن مستشار الرأي لوزارة الداخلية أبدى لدى مناقشة المشروع بلجنة الشئون الدستورية أنه لو تم انتخاب أحد المرشحين لعضوية المجلس وكان متهرباً من الخدمة العسكرية، عندئذٍ سُيطلب رفع الحصانة عنه لهذا السبب وهو أمر غير كريم لأعضاء المجلس، وذكر مستشار الرأي عدة حالات حدثت في مجالس سابقة، ومن ثم وافقت أغلبية أعضاء اللجنة على إضافة هذا النص وبعرضه - في ضوء ما تم من مناقشات - على أعضاء المجالس وافقت الأغلبية عليه بجلسة 12 يونيو سنة 1972. ثم عاد المجلس لمناقشة باقي أحكام المشروع بجلسة 13 يونيو سنة 1972، وفيها تقدم عدد من الأعضاء بطلبات لإعادة المداولة في بعض مواد المشروع، ورد من بينها اقتراح بإضافة فقرة جديدة إلى نهاية المادة (7) - التي أصبحت المادة (6) بعد إلغاء هذه الأخيرة من مشروع القانون - تنص على أن "ويعفى المرشح الذي تجاوز عمره 35 عاماً من تقديم شهادة تثبت أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها" وبعد تلاوة المادة بعد التعديل تمت الموافقة عليها دون أي إيضاحات، أو بيان أسباب هذا التعديل أو القصد منه.
5 - اتجهت إرادة المشرع في البند (6) من المادة (5) من قانون مجلس الشعب - والذي أصبح يحمل رقم (5) من ذات المادة بعد التعديل الذي أدخل عليها بالقانون رقم 109 لسنة 1976 - إلى تقرير حكم مؤداه أنه يجب أن يكون المرشح لعضوية مجلس الشعب قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية، أو أُعفى منها طبقاً للقانون الذي ينظم هذه الخدمة، وأن كل من تخلف عن أدائها لا يجوز له أن يرشح نفسه كي ينال شرف تمثيل الأمة في مجلسها النيابي، وأن المشرع وهو بصدد تنظيم كيفية وإجراءات تقديم طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب، وما يلزم تقديمه من مستندات وأوراق لإثبات توافر الشروط التي يتطلبها القانون فيمن يرشح، استثنى في المادة (6) من ذات القانون، طائفة من هؤلاء المرشحين وهم من تجاوز أعمارهم الخامسة والثلاثين، من تقديم الشهادة الدالة على أدائهم الخدمة العسكرية الإلزامية أو إعفائهم منها عند التقدم بأوراق ترشيحهم، تيسيراً عليهم، واستصحاباً للحكم الغالب في مثل هذه الحالات، وهو أن من بلغ هذه السن، الأصل فيه أنه قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو توافرت في شأنه إحدى حالات الإعفاء منها طبقاً للقانون، ذلك أن عبارة نص البند (5) من المادة (5) واضحة لا لبس فيها ولا غموض في الدلالة على اشتراط أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء وفقاً لأحكام القانون فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب، والمستقر عليه في أصول التفسير أنه إذا كانت عبارة النص واضحة فلا يجوز الانحراف عنها بدعوى تفسيرها، كما أن الأصل أن النص العام يجرى على إطلاقه ما لم يوجد ما يقيده، كما أن نص الفقرة الأخيرة من المادة (6) محل التفسير يجب تحديده وضبط معناه بحمله على المعنى الذي وضح جلياً من إرادة المشرع من نص البند (5) من المادة (5)، تحقيقاً للتناسق والتوافق بين النصوص القانونية التي تتعلق بموضوع واحد تجنباً لأي تعارض يثور بينها في مجال التطبيق.
6 - لا وجه للقول بأن الفقرة الأخيرة من المادة (6) من قانون مجلس الشعب قيدت شرط الترشيح المنصوص عليه في البند (5) من المادة (5) من ذات القانون، فلا يسري شرط أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها على من تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، ذلك أنه يخالف إرادة المشرع الجلية التي أنزلت نص المادتين (5) و(6) من قانون مجلس الشعب كل في منزلته التشريعية المنضبطة حيث ينظم الأول الشروط الموضوعية الواجب توافرها في المرشح لعضوية مجلس الشعب، ويوضح النص الثاني الأوضاع الإجرائية الخاصة بالتقدم بأوراق الترشيح بما مؤداه أن ثمة حكماً قاطع الدلالة على أن إرادة المشرع تتطلب فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى منها قانوناً، التزاماً بأحكام المادة (58) من الدستور التي تقضي بأن الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس والتجنيد إجباري وفقاً للقانون، فأداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء قانوناً منها هما وحدهما اللذان يعصمان المواطن من وصمة النكوص عن أداء الواجب المقدس بالدفاع عن الوطن وأرضه، فإذا نكص عن واجب مقدس مصدره الدستور والقانون استحال انصياعه لحكم المادة (90) من الدستور التي توجب على عضو مجلس الشعب أن يقسم يميناً باحترام الدستور، كما أن مقتضى القول المتقدم إقامة تفرقة صارخة بين أصحاب مركز قانوني واحد، فالمرشح لعضوية مجلس الشعب الذي لم يبلغ الخامسة والثلاثين يجب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى منها قانوناً في حين أن المرشح الذي جاوز هذه السن يجوز له أن يكون قد تخلف عن أدائها.
7 - القول بأنه طبقاً لحكم المادة (2) من قانون مباشرة الحقوق السياسية، فإن من حكم عليه بعقوبة الحبس لارتكابه جريمة للتخلص من الخدمة العسكرية والوطنية، لا يحرم من ممارسة حقوقه السياسية بصورة دائمة بل ستطيع أن يمارس أياً منها إذا أوقف تنفيذ العقوبة أو إذا رد إليه اعتباره، وهذه الجريمة تمس الشرف والنزاهة، وعقوبتها أشد من عقوبة الغرامة التي قد توقع على من ارتكب جريمة التخلف عن أداء الخدمة العسكرية - وهي أخف وطأة من الجريمة الأولى - والذي سيحرم من ارتكبها من ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب بصورة دائمة، فإنه قول مردود، ذلك أن قانون مجلس الشعب - المطلوب تفسير بعض نصوصه - هو قانون خاص، أما قانون مباشرة الحقوق السياسية فهو قانون عام، والمستقر عليه في قواعد التفسير أن الخاص يقيد العام. وإذ نظم قانون مجلس الشعب الحق في الترشيح لعضوية ذلك المجلس، فإن أحكام هذا القانون هي الواجبة التطبيق فيما تناولته من تنظيم خاص للحق في الترشيح، ولا يُرجع إلى قانون مباشرة الحقوق السياسية إلا إذا لم يرد في قانون مجلس الشعب نص خاص. ولما كان القانون الأخير قد نظّم حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب، فلا يجوز إعمال أحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية في شأن هذا الحق أو تفسير نصوص القانون الأخير بما يسمح بمد نطاقه ليشمل حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب.
8 - قانون مباشرة الحقوق السياسية حين عدّد الحقوق السياسية التي أوجب على كل مصري بلغ الثمانية عشرة من عمره أن يباشرها بنفسه أوضح في المادة (1) منه هذه الحقوق بأنها: "أولا:ً إبداء الرأي فيما يأتي: 1 - الاستفتاء الذي يجرى لرئاسة الجمهورية. 2 - كل استفتاء آخر ينص عليه الدستور. ثانياً: انتخاب أعضاء كل من: 1 - مجلس الشعب. 2 - مجلس الشورى. 3 - المجالس الشعبية المحلية".
فالنص المتقدم لم يُدخل حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب أو حتى حق الترشيح لعضوية المجالس الأخرى المشار إليها فيه، ضمن هذه الحقوق التي تناولها بالتنظيم القانون المشار إليه، وما ذلك إلا لأن الحق في الترشيح - وإن كان مثل الحق في الانتخاب من الحقوق الدستورية ويرتبطان ببعضهما ويتبادلان التأثير فيما بينهما - إلا أن الحق في الترشيح له ذاتية خاصة تميزه وهي أنه يتحد مع الحق في العضوية، إذ أن المرشح سيصبح عضواً بعد إجراء العملية الانتخابية وفوزه فيها، فإذا أصبح عضواً بمجلس الشعب فإنه ينال شرف تمثيل الأمة في المجلس التشريعي وتنعقد أو تتقرر له نوع من أنواع الولاية العامة لأنه يمثل الشعب ويمارس دوره التشريعي والرقابي باسمه، وهذه الولاية إذا حدد القانون لنيلها شروطاً خاصة وجب الوقوف عندها والنزول على حكمها. ومن ثم فإن أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 تكون هي الواجبة التطبيق فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب ويتعين عليه بالتالي الخضوع لحكم البند (5) من المادة (5) والذي يشترط فيمن يرشح لعضوية المجلس المذكور أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها قانوناً، ولنص الفقرة الأخيرة من المادة (6) محمولاً معناها على دلالة البند (5) من المادة (5) المشار إليها.
9 - المحكمة الدستورية العليا، إذ تحدد مضامين النصوص القانونية على ضوء ولايتها في مجال تفسيرها للنصوص التشريعية المحددة بنص المادة (26) من قانون فإن قرارها بتفسير هذه النصوص يكون كاشفاً عن حقيقتها بافتراض أن المشرع أقرها ابتداءً بالمعنى الذي حددته المحكمة الدستورية العليا لها، ومن ثم يكون القرار الصادر بتفسيرها جزءاً منها لا ينفصل عنها من تاريخ العمل بها ليكون إنفاذها على ضوء هذا النص، ومنذ سريانها لازماً.


الإجراءات

بتاريخ 28/ 3/ 2002، ورد إلى المحكمة كتاب السيد المستشار وزير العدل بطلب تفسير المادة الخامسة والفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، وذلك بناء على طلب السيد الدكتور رئيس مجلس الشعب.
وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريراً بالتفسير الذي انتهت إليه.
ونُظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث قررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة 17/ 8/ 2003، وفيها قررت إعادته للمرافعة لذات الجلسة، وفيها صدر القرار.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن السيد الدكتور رئيس مجلس الشعب طلب بكتابه رقم 709 المؤرخ 25/ 3/ 2002 تفسير المادة الخامسة والفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، والتي تنص أولاهما على أن "مع عدم الإخلال بالأحكام المقررة في قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب:
1 - ................ 2 - ................
3 - ................ 4 -.................
5 - أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها طبقاً للقانون".
وتنص ثانيتهما على أن "ويعفى المرشح الذي تجاوز عمره الخامسة والثلاثين من تقديم شهادة أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها"، وذلك تأسيساً على أن هذين النصين قد أثارا خلافاً في تطبيقهما، وتضاربت أحكام القضاء الإداري فيما تضمناه من معان، فقد ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى اشتراط أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء من أدائها قانوناً فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب، ولم تجز قبول أوراق المطعون على ترشيحه الذي لم يؤد الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانوناً، على سند من أن من يتخلف عن أداء الواجب الوطني لا يغدو أهلاً لأمانة تمثيل الأمة في مجلسها النيابي، وقد تأيد هذا القضاء من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا. إلا أن المحكمة المذكورة عدلت عن قضائها السابق وأجازت ترشيح من تخلف عن أداء الخدمة العسكرية وتجاوز عمره الخامسة والثلاثين لعضوية مجلس الشعب، وأقامت قضاءها على أن المنطق وصحيح التفسير القانوني لنصوص الدستور والقانون يأبيان أن يُحرم من تخلف عن أداء الخدمة العسكرية من حقوقه السياسية حرماناً مؤبداً، حال كون تخلفه هذا يُشكّل جنحة لا يُرد الاعتبار لمرتكبها إذا عوقب بعقوبة الغرامة، في حين أن من ارتكب بطريق الغش جناية التخلص من أداء الخدمة العسكرية، وهي جريمة عقوبتها أشد، وتمس الشرف والنزاهة، يحرم مؤقتاً من مباشرة حقوقه السياسية، إذ يُرد إليه هذا الحق بعد انقضاء فترة زمنية محددة أو إذا رُدَّ إليه اعتباره. ونتيجة لتضارب تلك الأحكام، فقد تباينت قرارات وزارة الداخلية بشأن اعتماد كشوف المرشحين لعضوية مجلس الشعب، فقبلت أوراق ترشيح بعض من تجاوزوا سن الخامسة والثلاثين ولم يقدموا شهادة أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها، واستلزمت في حالات أخرى تقديم تلك الشهادة.
وأضاف السيد رئيس مجلس الشعب في كتابه سالف الذكر، أنه بإعادة طرح الموضوع على محكمة القضاء الإداري قضت بأن التخلف عن أداء واجب الخدمة العسكرية يصم صاحبة بفقدان الثقة والاعتبار، وينحسر عنه بالتالي شرط حسن السمعة مما يحول بينه وبين شرف تمثيل الأمة، ومن ثم لا يجوز ترشيحه لعضوية مجلس الشعب، وُقعت عليه عقوبة أم لم توقع، رُدَّ إليه اعتباره أم لا، وإذ طُعِن على هذا القضاء أمام المحكمة الإدارية العليا، قررت دائرة فحص الطعون بها وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وأحالت الطعن إلى دائرة المحكمة الإدارية العليا (موضوع)، حيث نظرته وقررت إحالته إلى الدائرة المشكلة طبقاً لحكم المادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة، فقضت تلك الدائرة بأنه يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب أو يستمر في عضويته أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى من أدائها طبقاً للقانون، ولا يعتبر التهرب من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية حتى سن التجنيد بمثابة الإعفاء قانوناً من أدائها في مفهوم نص البند (5) من المادة (5) من القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب. وإزاء هذا الخلاف في تطبيق هذا النص والفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب، ولأهميتها البالغة لتعلقهما بممارسة حق دستوري هو حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب، فقد طلب السيد وزير العدل بناء على كتاب السيد الدكتور رئيس مجلس الشعب عرض الأمر على هذه المحكمة لإصدار تفسير للنصين المذكورين عملاً بما تنص عليه المادتين (26) و(33) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن المادة (175) من الدستور تنص على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص القانونية وذلك كله على الوجه المبين في القانون "وإعمالاً لهذا التفويض نصت المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور، وذلك إذ أثارت خلافاً في التطبيق، وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها".
وحيث إن البين من هذين النصين، أن الدستور خوَّل المحكمة الدستورية العليا - في الحدود التي بينها قانونها - تفسير النصوص القانونية تفسيراً ملزماً يكون كاشفاً عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص محدداً مضمونها لتوضيح ما أُبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض قد يبدو بينها، مستصفياً إرادة المشرع تحرياً لمقاصده منها، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها.
وحيث إن السلطة المخولة لهذه المحكمة في مجال اختصاصها المقرر لها بنص المادة (26) من قانونها، مشروطة - وعلى ما جرى به قضاؤها - بأن تكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية، تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخّل عملاً بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها، الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصد المشرع منها عند إقرارها ضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
وحيث إن الشرطين اللذين تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافرا بالنسبة لنص البند (5) من المادة (5) والفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، وذلك لما وقع في شأنهما من خلاف في التطبيق بين محاكم جهة القضاء الإداري، وقد انعكس هذا الخلاف على وزارة الداخلية، فتضاربت قراراتها بشأن قبول أوراق المرشحين لعضوية مجلس الشعب، كما أن النصين القانونيين محل طلب التفسير انتظمهما القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب، والذي يعد أحد القوانين المكملة للدستور، فضلاً عن أنهما يتعلقان بممارسة حق دستوري من الأهمية بمكان هو حق الترشيح لعضوية المجلس النيابي "مجلس الشعب"، وتوحيد تفسير هذين النصين سيؤدي إلى معاملة المرشحين لعضوية هذا المجلس معاملة قانونية متكافئة حال تماثل مراكزهم القانونية، ومن ثم فإن الطلب الماثل يكون مقبولاً.
وحيث إنه يتعين لتحديد مدلول النصين المشار إليهما، كما قصده المشرع، استقصاء أصلهما، وتفسيرهما على هدي من الأعمال التحضيرية الممهدة لهما، سواء كانت هذه الأعمال سابقة أو معاصرة لهما، باعتبار أن ذلك كله مما يُعين على استخلاص مقاصد المشرع التي يفترض في النصين القانونيين محل التفسير أنهما قد عبرا عنها.
وحيث إنه يبين من الأعمال التحضيرية للقانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، أن مشروع قانونه قُدِّم للمجلس من أحد أعضائه، وقد خلت مادته الخامسة من نص يشترط في المرشح لعضوية مجلس الشعب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى منها، كما خلت مادته السابعة والتي أصبحت المادة السادسة من القانون من نص مماثل لنص الفقرة الأخيرة من المادة السادسة يقضي بأن يُعفى المرشح الذي تجاوز عمره الخامسة والثلاثين من تقديم شهادة أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها، إلا أنه ورد بتقرير لجنة الشئون التشريعية أنها (قد وافقت على ما اقترحته الحكومة من إضافة شرط جديد إلى شروط الترشيح وهو أن يكون المرشح قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفى من أدائها طبقاً للقانون، استناداً إلى أن قانون الخدمة العسكرية يمنع تعيين أي شخص في الوظائف العامة أو إلحاقه بأي عمل ما لم يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفى منها، وأنه لما كان من بين شروط الترشيح ألا تقل سن المرشح عن ثلاثين سنة، فإنه لا يتصور في الغالب الأعم أن يكون المرشح غير مستوف لشروط أداء الخدمة العسكرية عند ترشيحه إلا إذا كان متهرباً من أدائها)، وقد أُفرغَ هذا الشرط في البند (6) من نص المادة (5) من مشروع القانون. ولدى مناقشة أعضاء مجلس الشعب لهذا البند، اعترض عليه أحد الأعضاء وطلب حذفه وأيده آخر في هذا الطلب، مبدياً أن خدمة الوطن شرف، وتمثيل الشعب شرف أيضاً، وأنه إذا حُرم كل من لم يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفى منها من ترشيح نفسه لعضوية المجلس، فإن هذا الحكم سيسري على المواطنين حتى سن الخامسة والثلاثين طبقاً للتعديل الجديد لقانون التجنيد، وسيؤدي هذا الأمر إلى حرمان عدد كبير من الشباب من أهم حقوقهم السياسية وهو حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب. إلا أن عضواً آخر أبدى - وهو بصدد تعليقه على النص المعروض - أن أصحاب الرأي المتقدم قد التبس عليهم الأمر حين ظنوا أن حكم هذا البند يعني حرمان الأشخاص الذين لم يحن دورهم لأداء الخدمة العسكرية، في حين أن حكم هذا البند يعني حرمان من تهرب من أداء الخدمة العسكرية، وهذا الشخص لا يصح أن يكون مواطناً فضلاً عن أن يكون ممثلاً للشعب. ولدى تعليق السيد مقرر المشروع على مناقشات الأعضاء أشار إلى أن مستشار الرأي لوزارة الداخلية أبدى لدى مناقشة المشروع بلجنة الشئون الدستورية أنه لو تم انتخاب أحد المرشحين لعضوية المجلس وكان متهرباً من الخدمة العسكرية، عندئذٍ سيُطلب رفع الحصانة عنه لهذا السبب وهو أمر غير كريم لأعضاء المجلس، وذكر مستشار الرأي عدة حالات حدثت في مجالس سابقة، ومن ثم وافقت أغلبية أعضاء اللجنة على إضافة هذا النص. وبعرضه - في ضوء ما تم من مناقشات - على أعضاء المجلس وافقت الأغلبية عليه بجلسة 12 يونيو سنة 1972. ثم عاد المجلس لمناقشة باقي أحكام المشروع بجلسة 13 يونيو سنة 1972، وفيها تقدم عدد من الأعضاء بطلبات لإعادة المداولة في بعض مواد المشروع، ورد من بينها اقتراح بإضافة فقرة جديدة إلى نهاية المادة (7) - التي أصبحت المادة (6) بعد إلغاء هذه الأخيرة من مشروع القانون - تنص على "أن ويعفى المرشح الذي تجاوز عمره 35 عاماً من تقديم شهادة تثبت أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها" بعد تلاوة المادة بعد التعديل تمت الموافقة عليها دون أي إيضاحات، أو بيان أسباب هذا التعديل أو القصد منه.
وحيث إنه يستفاد مما تقدم أن إرادة المشرع في البند (6) من المادة (5) من قانون مجلس الشعب - والذي أصبح يحمل رقم (5) من ذات المادة بعد التعديل الذي أدخل عليها بالقانون رقم 109 لسنة 1976 - إلى تقرير حكم مؤداه أنه يجب أن يكون المرشح لعضوية مجلس الشعب قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية، أو أُعفى منها طبقاً للقانون الذي ينظم هذه الخدمة، وأن كل من تخلف عن أدائها لا يجوز له أن يرشح نفسه كي ينال شرف تمثيل الأمة في مجلسها النيابي، وأن المشرع وهو بصدد تنظيم كيفية وإجراءات تقديم طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب، وما يلزم تقديمه من مستندات وأوراق لإثبات توافر الشروط التي يتطلبها القانون فيمن يرشح، استثنى في المادة (6) من ذات القانون، طائفة من هؤلاء المرشحين وهم من تجاوزت أعمارهم الخامسة والثلاثين، من تقديم الشهادة الدالة على أدائهم الخدمة العسكرية الإلزامية أو إعفائهم منها عند التقدم بأوراق ترشيحهم، تيسيراً عليهم، واستصحاباً للحكم الغالب في مثل هذه الحالات، وهو أن من بلغ هذه السن، الأصل فيه أنه قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو توافرت في شأنه إحدى حالات الإعفاء منها طبقاً للقانون، ذلك أن عبارة نص البند (5) من المادة (5) واضحة لا لبس فيها ولا غموض في الدلالة على اشتراط أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء وفقاً لأحكام القانون فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب، والمستقر عليه في أصول التفسير أنه إذا كانت عبارة النص واضحة فلا يجوز الانحراف عنها بدعوى تفسيرها، كما أن الأصل أن النص العام يجرى على إطلاقه ما لم يوجد ما يقيده، كما أن نص الفقرة الأخيرة من المادة (6) محل التفسير يجب تحديده وضبط معناه بحمله على المعنى الذي وضح جلياً من إرادة المشرع من نص البند (5) من المادة (5)، تحقيقاً للتناسق والتوافق بين النصوص القانونية التي تتعلق بموضوع واحد تجنباً لأي تعارض يثور بينها في مجال التطبيق، وأول الخطو لهذا التحديد هو وضع نص الفقرة الأخيرة من المادة (6)، ضمن أحكام هذه المادة في تكاملها، والتي تنص على أنه:
"يقدم طلب الترشيح لعضوية مجلس الشعب كتابة إلى مدير الأمن بالمحافظة التي يرغب المرشح في الترشيح في إحدى دوائرها الانتخابية، وذلك خلال المدة التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه على ألا تقل عن عشرة أيام من تاريخ فتح باب الترشيح.
ويكون طلب الترشيح مصحوباً باتصال بإيداع مبلغ مائتي جنيه خزانة مديرية الأمن بالمحافظة المختصة وبالمستندات التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه لإثبات توافر الشروط التي يتطلبها هذا القانون للترشيح، وتثبت صفة العامل أو الفلاح بإقرار يقدمه المرشح مصحوباً بما يؤيد ذلك من مستندات.
وتعتبر الأوراق التي يقدمها المرشح أوراقاً رسمية في تطبيق أحكام قانون العقوبات.
ويعفى المرشح الذي تجاوز عمره الخامسة والثلاثين من تقديم شهادة أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها".
والبّين من هذا النص أنه قد عنى في المقام أول بتنظيم المسائل الإجرائية المتعلقة بالتقدم للترشيح لعضوية مجلس الشعب، وقد ورد في ترتيب منطقي بعد أن أوضحت المادة الخامسة السابقة عليه الشروط الموضوعية الواجب توافرها في المرشح، بحيث أصبح مجال كل نص مفارقاً لمجال النص الآخر، فالأول نص يتضمن شروطاً موضوعية يجب توافرها في المرشح، والآخر يتناول بالتنظيم أوضاعاً إجرائية تتعلق بعملية التقدم للترشيح، إذ كان ذلك، وكانت إرادة المشرع قد وردت على نحو واضح لا لبس فيه ولا غموض بنصه في البند (5) من المادة (5) - في مقام بيان الشروط الموضوعية الواجب توافرها في المرشح لعضوية مجلس الشعب - على ضرورة أدائه الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها قانوناً فإن نص الفقرة الأخيرة من المادة (6) لا يمكن حمله إلا على معناه الوحيد، وهو أنه تيسير إجرائي من المشرع على المرشحين الذين جاوزوا سن الخامسة والثلاثين، دعامته الأخذ بالأغلب الأعم في هذه الحالات وهو أن من بلغ السن يفترض أنه قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفى منها طبقاً للقانون، وهو حكم يقوم على الظاهر الغالب، ولا ينفي أو يُعَدّل من ضرورة توافر الشرط الموضوعي بأداء هذه الخدمة أو الإعفاء قانوناً منها، ولا يجوز دون إثبات ما يخالف القرينة التي انبنى عليها.
وحيث إنه لا وجه للقول بأن الفقرة الأخيرة من المادة (6) من قانون مجلس الشعب قيدت شرط الترشيح المنصوص عليه في البند (5) من المادة (5) من ذات القانون، فلا يسري شرط أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء منها على من تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، ذلك أنه يخالف إرادة المشرع الجلية التي أنزلت نص المادتين (5) و(6) من قانون مجلس الشعب كل في منزلته التشريعية المنضبطة حيث ينظم الأول الشروط الموضوعية الواجب توافرها في المرشح لعضوية مجلس الشعب، ويوضح النص الثاني الأوضاع الإجرائية الخاصة بالتقدم بأوراق الترشيح بما مؤداه أن ثمة حكماً قاطع الدلالة على أن إرادة المشرع تتطلب فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى منها قانوناً، التزاماً بأحكام المادة (58) من الدستور التي تقضي بأن الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس والتجنيد إجباري وفقاً للقانون، فأداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء قانوناً منها هما وحدهما اللذان يعصمان المواطن من وصمة النكوص عن أداء الواجب المقدس بالدفاع عن الوطن وأرضه، فإذا نكص عن واجب مقدس مصدره الدستور والقانون استحال انصياعه لحكم المادة (90) من الدستور التي توجب على عضو مجلس الشعب أن يقسم يميناً باحترام الدستور، كما أن مقتضى القول المتقدم إقامة تفرقة صارخة بين أصحاب مركز قانوني واحد، فالمرشح لعضوية مجلس الشعب الذي لم يبلغ الخامسة والثلاثين يجب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى منها قانوناً في حين أن المرشح الذي جاوز السن يجوز له أن يكون قد تخلف عن أدائها.
وحيث إنه القول بأنه طبقاً لحكم المادة (2) من قانون مباشرة الحقوق السياسية، فإن من حكم عليه بعقوبة الحبس لارتكابه جريمة للتخلص من الخدمة العسكرية والوطنية، لا يحرم من ممارسة حقوقه السياسية بصورة دائمة بل يستطيع أن يمارس أياً منها إذا أوقف تنفيذ العقوبة أو إذا رد إليه اعتباره، وهذه الجريمة تمس الشرف والنزاهة، وعقوبتها أشد من عقوبة الغرامة التي قد توقع على من ارتكب جريمة التخلف عن أداء الخدمة العسكرية - وهي أخف وطأة من الجريمة الأولى - والذي سيحرم من ارتكبها من ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب بصورة دائمة، فإنه قول مردود، ذلك أن قانون مجلس الشعب - المطلوب تفسير بعض نصوصه - هو قانون خاص، أما قانون مباشرة الحقوق السياسية فهو قانون عام، والمستقر عليه في قواعد التفسير أن الخاص يقيد العام. وإذ نظم قانون مجلس الشعب الحق في الترشيح لعضوية ذلك المجلس، فإن أحكام هذا القانون هي الواجبة التطبيق فيما تناولته من تنظيم خاص للحق في الترشيح، ولا يُرجع إلى قانون مباشرة الحقوق السياسية إلا إذا لم يرد في قانون مجلس الشعب نص خاص. ولما كان القانون الأخير قد نظّم حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب، فلا يجوز إعمال أحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية في شأن هذا الحق أو تفسير نصوص القانون الأخير بما يسمح بمد نطاقه ليشمل حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب.
وفضلاً عما تقدم فإن قانون مباشرة الحقوق السياسية حين عدّد الحقوق السياسية التي أوجب على كل مصري بلغ الثمانية عشرة من عمره أن يباشرها أوضح في المادة (1) منه هذه الحقوق بأنها:
"أولاً: إبداء الرأي فيما يأتي:
1 - الاستفتاء الذي يجرى لرئاسة الجمهورية.
2 - كل استفتاء آخر ينص عليه الدستور.
ثانياً: انتخاب أعضاء كل من:
1 - مجلس الشعب.
2 - مجلس الشورى.
3 - المجالس الشعبية المحلية".
فالنص المتقدم لم يُدخل حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب أو حتى حق الترشيح لعضوية المجالس الأخرى المشار إليها فيه، ضمن هذه الحقوق التي تناولها بالتنظيم القانون المشار إليه، وما ذلك إلا لأن الحق في الترشيح - وإن كان مثل الحق في الانتخاب من الحقوق الدستورية ويرتبطان ببعضهما ويتبادلان التأثير فيما بينهما - إلا أن الحق في الترشيح له ذاتية خاصة تميزه وهي أنه يتحد مع الحق في العضوية، إذ أن المرشح سيصبح عضواً بعد إجراء العملية الانتخابية وفوزه فيها، فإذا أصبح عضواً بمجلس الشعب فإنه ينال شرف تمثيل الأمة في المجلس التشريعي وتنعقد أو تتقرر له نوع من أنواع الولاية العامة لأنه يمثل الشعب ويمارس دوره التشريعي والرقابي باسمه، وهذه الولاية إذا حدد القانون لنيلها شروطاً خاصة وجب الوقوف عندها والنزول على حكمها. ومن ثم فإن أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 تكون هي الواجبة التطبيق فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب ويتعين عليه بالتالي الخضوع لحكم البند (5) من المادة (5) والذي يشترط فيمن يرشح لعضوية المجلس المذكور أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها قانوناً، ولنص الفقرة الأخيرة من المادة (6) محمولاً معناها على دلالة البند (5) من المادة (5) المشار إليها.
وحيث إن هذه المحكمة، إذا تحدد مضامين النصوص القانونية على ضوء ولايتها في مجال تفسيرها للنصوص التشريعية المحددة بنص المادة (26) من قانونها فإن قرارها بتفسير هذه النصوص يكون كاشفاً عن حقيقتها بافتراض أن المشرع أقرها ابتداءً بالمعنى الذي حددته المحكمة الدستورية العليا لها، ومن ثم يكون القرار الصادر بتفسيرها جزءاً منها لا ينفصل عنها من تاريخ العمل بها ليكون إنفاذها على ضوء هذا النص، ومنذ سريانها لازماً.

فلهذه الأسباب

وبعد الاطلاع على نص البند (5) من المادة (5)، والفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب.
قررت المحكمة أن نص البند (5) من المادة (5) والفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب يعني أنه يُشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها طبقاً للقانون، وأن الإعفاء المقرر بنص الفقرة الأخيرة من المادة (6) لا يُغني عن وجوب توافر الشرط المتقدم فيمن جاوز الخامسة والثلاثين من عمره.


تضمن الحكم الصادر بالجلسة ذاتها في القضية رقم 8 لسنة 23 ق (طلبات أعضاء) والحكم الصادر في القضية رقم 1 لسنة 24 ق "طلبات أعضاء" المبادئ الواردة بهذا الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق