(82)
الطعن رقم 377 لسنة 86 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " "
تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر
القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدى
لما رتبه الحكم عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً لصياغة الحكم . كفاية أن
يكون ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) إرهاب " الترويج لجماعة أُسست علــى خلاف
أحكام القانون " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
إيراد الحكم مضمون المحرر المضبوط وما تضمنه من
ترويج لأغراض من شأنها الإضرار بالسلام الاجتماعي والحث على تخريب مرافق الدولة
والاعتداء على رموزها واغتيالهم . كفايته .
(3) إثبات " بوجه عـام " " شهود"
. محكمـة الموضوع " سلطتها في تقديـر الدليل " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم . موضوعي .
اطمئنان المحكمة للأدلة بالنسبة لمتهم دون آخر . لا
تناقض .
لمحكمــــة الموضوع تجزئــــة أقوال الشاهد والأخذ
منها بمــــا تطمئن إليـــــه واطراح ما عداه . حد ذلك ؟
قضاء الحكم بإدانة الطاعن لاطمئنانه لأقوال الشهود وبراءة آخرين عن ذات
التهمة لعدم اطمئنانه لأقوالهم في حقهم لأسباب سائغة أوردها . لا يعيبه .
(4) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
المنازعة الموضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع . غير مقبول . علة ذلك ؟
(5) إثبات " قرائن " . استدلالات . محكمة الموضوع "
سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها
" .
للمحكمة أن تعوّل على تحريات الشرطة باعتبارها
قرينـــــة معززة لما ساقته من أدلة . حد ذلك ؟
عدم إفصاح مأمـور الضبــــط القضائي عن مصدر
تحرياته أو وسيلته في التحري أو أن تكون مستمدة من أقوال القائمين بالضبط . لا
يعيبها . علة ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير مقبول أمام
النقض .
(6) قانون " تفسيره ". مأمورو الضبط
القضائي " اختصاصاتهم " . اختصاص " الاختصاص المكاني " .
المادة 23 إجراءات جنائية . مفادها ؟
النعي بعــــدم اختصاص ضابط الأمن الوطني مكانياً
بإجراء التحريات . غير مقبول . علة ذلك ؟
(7) بطلان . نيابة عامة . إجراءات " إجراءات التحقيق " .
النعي ببطلان إجراءات التحقيق لمباشرة الاستجواب من وكيل نيابة وليس رئيس
نيابة . غير مقبول . علة وأساس ذلك ؟
(8) نيابة عامة . أمر الإحالة .
نعي الطاعن باختصاص نيابة أمن الدولة العليا بإصدار أمر الإحالة وبطلان
إصداره من النيابة الكلية . غير مقبول . علة ذلك ؟
(9) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع
" سلطتها في تقدير الدليل ". دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ". نقض " أسباب الطعن . ما
لا يقبل منها " .
حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد
الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم
. تتبعه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
نعى الطاعن بعدم توافر أركان الجريمة وقصور الحكم
في الرد على دفاعه بانتفائها . جدل موضوعي . غير جائز أمام النقض .
(10) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجوب أن يكون وجه الطعن واضحا ًمحدداً .
نعي الطاعن بالتفات الحكم عن أوجه دفاعه دون الكشف عنها . غير مقبول .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصــر
القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة استقاها من
أقوال شهود الإثبات وما تضمنها من تحريات
الشاهـــد الثالث ومما أثبته عن فحوى المنشور المضبوط بحوزة الطاعن ، وهي
أدلة سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق - وهو ما لا يماري فيه الطاعن - ومن شأنها
أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل
على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما
ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان القانون لم يرسم شكلاً يصوغ فيه
الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما
أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً فـي تفهم الواقعة
بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمــــة كــان هذا محققاً لحكم القانون ،
ومن ثم فإن النعي بأن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى
وأدلتها يكون لا محل له .
2- لما كان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أنه - وخلافاً لما يذهب
إليه الطاعن بأسباب الطعن - قد أورد مضمون المحرر المضبوط وما تضمنه من ترويج
لأغراض من شأنها الإضرار بالسلام الاجتماعي والحث على تخريب مرافق
الدولة والاعتداء على رموزها واغتيالهم ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في
هذا الخصوص يكون لا محل له .
3- من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم هو من شأن محكمة الموضوع
وحدها وهى حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرهـا تلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة
إلى متهم وعدم اطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم آخر ، كما أن لها أن تجزئ أقوال
الشهود فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها
في حق متهم آخر دون أن يعد هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في العقل أن يكون
صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر منها وما دام تقدير الدليل موكولاً
إلى اقتناعها وحدها ، وإذ كان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال الشهود التي
دان بها الطاعن على مقتضاها فلا يعيبه - من بعد - أن يقضي ببراءة متهمين آخرين عن
ذات التهمة استناداً إلى عدم اطمئنانه لأقوالهم في حقهم للأسباب السائغة التي
أوردها ، فإن ما يثيره الطاعن من قالة التناقض في هذا الصدد يكون غير سديد .
4- من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهى على بينة من أمرها ، فإن مجادلتها بدعوى الفساد في الاستدلال وباختلال صورة الواقعة لديها ينطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب .
5- من المقرر أن للمحكمة أن تعوّل في تكوين عقيدتها على ما
جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة
لما ساقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ولا يعيب تلك
التحريات ألَّا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري كما لا
يعيبها أن تكون مستمدة من أقوال القائمين بالضبط ، لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق
من صدق الواقعة ، فإن ما ينعاه الطاعن من تعويل الحكم على تحريات الشرطة رغم عدم
جديتــها لعــدم كشف مجريـــها عــــن مصــدر تحرياتــه أو أنـها جاءت سماعيـة
ينـحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن
رقابة محكمة النقض .
6- من المقرر وفقاً للمادة 23 من
قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 7 لسنة 1963 المعدل ، قد منحت
الضباط العاملين بإدارة المباحث العامة بوزارة الداخليـــــــــــــة وفروعها
بمديريات الأمن - المسماة الآن بالأمن الوطني - سلطة عامة وشاملة في ضبط جميع
الجرائم فإنها كذلك قد خولتهم هذه السلطة في كافة أنحاء الجمهورية ، فإنه يكون من
غير المجدي ما يثيره الطاعن في شأن عدم اختصاص ضابط الأمن الوطني مكانياً بإجراء
التحريات ، ويكون الحكم إذ اطرح دفعه في هذا الصدد قد أصاب صحيح القانون .
7- لما كان الطاعن ينعى ببطلان
إجراءات التحقيق التي أجرتها النيابة العامة إذ باشر استجواب الطاعن عضو نيابة
بدرجة وكيل وليس رئيس نيابة ، فلما كان الأصل أن النيابة العامة هي السلطة الأصلية
التي خصها القانون بإجراء التحقيق في الجنايات والجنح طبقاً للتعديل الوارد على
قانون الإجراءات الجنائية منذ ديسمبر سنة 1952 ، وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق
لا يرد عليه قيد إلَّا باستثناء من نص الشارع ، وإذ باشر وكيل نيابة .... التحقيق
واستجواب المتهم وهو ما لا يتعارض مع نص المادة 206 مكرراً (أ) من قانون الإجراءات
الجنائية التي خصت أعضاء النيابة العامة ممن هم على درجة رئيس نيابة على الأقل
بسلطات قاضى التحقيق عند مباشرة بعض الاجراءات ، وهو ما لم يدع الطاعن أن المحقق
قد باشر أياً منها ، وإذ اطرح الحكم ذلك الدفع ، فإنـه يكون قد اقترن بالصواب ، بما
يضحى معه النعي عليه في هذا الشأن على غير أساس .
8- لما كان قرار وزير العدل بإنشاء نيابة أمن
الدولة العليا هو قرار تنظيمي لم يأت بأي قيد يحد من السلطات المخولة قانوناً للنيابات بالمحاكم العادية
أو ينقص من اختصاصها الشـامل لكافـة أنواع الجرائـم وليس مـن شأنه سلب ولايتــها في مبـاشرة التحقيق - أو
الإحالة للمحاكم المختصة - في أية جريمة من الجرائم التي تختص بها محاكم أمن الدولة العليا ، فإن
مباشرة نيابة .... التحقيق في الدعوى وقيام النيابة الكلية بإحالتها إلى المحكمة المختصة
يتفق وصحيح القانون ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد اقترن بالصواب ، بما يضحى معــه النعي
عليـه في هذا الخصوص لا محل لـه .
9- من المقرر أنه بحسب الحكم كيـما
يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلـة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه
من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتتبعه في كل جزئية من جزئيات
دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإن ما يثيره الطاعن من عدم توافر أركان
الجريمة في حقه وقصور الحكم لعدم الرد على دفاعه بانتفائها لا يعدو أن يكون جدلاً
موضوعياً في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط
معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
10- من
المقرر أنه يجب لقبول أسباب الطعن أن تكون واضحة محددة ، وإذ كان الطاعن لم يكشف في
طعنه ماهية الدفاع الذي ينعي على الحكم إعراضه عنه بل أرسل القول عنه إرسالاً ،
فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامـة الطاعن
وآخرين بأنهم :
1 - انضموا إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون
الغرض منها الدعوة إلى تعطيل الأحكام والقوانين ومنـع مؤسسات الدولة والسلطات
العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء علـى الحريـة الشخصية
للمواطنين والحقوق العامة والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي بأن انضموا
إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تهدف إلى تغيير نظام الحكم بالقوة والاعتداء على
أفراد ومنشآت القوات المسلحة والشرطة بهدف الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة
المجتمع وأمنه للخطر وكان الإرهاب من الوسائل التي تستخدمها هذه الجماعة في تنفيذ
أغراضها مع علمهم بالأغراض التي تدعو إليها تلك الجماعة وبوسائلها الإرهابية في
تحقيقها .
2- روجوا بالقول والفعل للجماعة موضوع الاتهام بأن
حازوا وأحرزوا بالذات وبالواسطة المحررات والمطبوعات المبينة وصفاً بالتحقيقات حال
كونها معدة للتوزيع واطلاع الغير عليها تتضمن ترويجاً لأغراض الجماعة آنفة البيان
مع علمهم بالأغراض التي تدعو إليها ووسائلها الإرهابية في تحقيق تلك الأغراض على
النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين
بأمر الإحالة .
والمحكمــة قضت حضوريـــاً عملاً بالمواد 86 ، 86 مكرراً/3 ، 86 مكرراً (أ)/3
من قانون العقوبات أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما
أسند إليه بالتهمة الثانية وأمرت بمصادرة المحرر المضبوط وبراءته عما أسند إليه
بالتهمة الأولى . ثانياً: ببـراءة المتهمين من الثاني إلى
السابع مما أسند إليهم .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعـى على الحكم المطعون فيــــه
أنـه إذ دانه بجريمة إحراز محرر يتضمن ترويجاً لأغراض جماعة أسست على خلاف أحكام
القانون قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق
الدفاع وران عليه البطلان ، ذلك أنه جاء مبهماً في أسبابه دون إلمام بوقائع الدعوى
وأركان الجريمة التي دان الطاعن بها ولم يدلل على توافرها في حقه ، كما لم يورد
فحوى المنشور المضبوط وما إذا كان يحوى ترويجاً لأغراض الجماعة المؤسسة على خلاف
القانون ، وأبدى الحكم اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات وأخذ بها في إدانة الطاعن
إلَّا أنه عاد وأهدر هذه الأقوال وأبدى عدم اطمئنانه لها عند قضائه ببراءة باقي
المتهمين بما ينبئ عن تناقض الحكم واختلال صورة الواقعة لدى المحكمة وعوَّل على
تحريات ضابط الأمن الوطني رغم عدم جديتها لعدم كشفه عن مصدرها وكونها سماعية وجاءت
من غير مختص بإجرائها واطرح دفوعه في هذا الصدد بما لا يسوغ به اطراحها ، كما دفع
الطاعن ببطلان التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة لكون عضو النيابة الذي باشر
التحقيق بدرجة وكيل وليس رئيس نيابة بالمخالفة لنص المادة 206 مكرراً(1) من قانون
الإجراءات الجنائية وبطلان أمر الإحالـة لصدوره من نيابة .... الكلية رغم أن نيابة
أمن الدولة العليا هي المختصة بإصداره ، إلَّا أن الحكم المطعون فيه رد على هذين
الدفعين بما لا يصلح رداً ، وأخيراً لم يعرض الحكم إيراداً ورداً لدفاعه القائم
على انتفاء أركان الجريمة وكافة أوجه دفاعه الأخرى ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب
نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما
تتوافر به العناصــر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في
حقه أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات وما تضمنهـــا من تحريات الشاهـــد الثالث
ومما أثبته عن فحوى المنشور المضبوط بحوزة الطاعن ، وهى أدلة سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق - وهو ما لا
يماري فيه الطاعن - ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم
عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص
الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث
لتعرف الحقيقة ، وكان القانون لم يرسم شكلاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة
المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما
هو الحال في الدعوى المطروحــــة - كافياً
فـي تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمــــة كان هذا محققاً
لحكم القانون ، ومن ثم فإن النعي بأن
الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها يكون لا محل له .
لما كان ذلك ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أنه وخلافاً لما يذهب إليه
الطاعن بأسباب الطعن قد أورد مضمون المحرر المضبوط وما تضمنه من ترويج لأغراض من
شأنها الإضرار بالسلام الاجتماعي والحث على تخريب مرافق الدولة والاعتداء على
رموزها واغتيالهم ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون لا
محل له . لما كان ذلك ، وكان تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم هو من شأن محكمة
الموضوع وحدها وهى حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرهـــا تلك الأدلة واطمئنانها
إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم آخر، كما أن لها أن
تجزئ أقوال الشهود فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا
تطمئن إليه منها في حق متهم آخر دون أن يعد هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في
العقل أن يكون صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر منها وما دام تقدير
الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها ، وإذ كان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال
الشهود التي دان بها الطاعن على مقتضاها فلا يعيبه - من بعد - أن يقضى ببراءة
متهمين آخرين عن ذات التهمة استناداً
إلى عدم اطمئنانه لأقوالهم في حقهم للأسباب السائغة التي أوردها ، فإن ما يثيره الطاعن من قالة التناقض في هذا الصدد
يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد ألمت
بواقعة الدعوى وأحاطت بالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي
أخذت بها وهى على بينة من أمرها ، فإن مجادلتها بدعوى الفساد في الاستدلال
وباختلال صورة الواقعة لديها ينطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة
الموضوع بغير معقب . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعوَّل في
تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها
قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط
البحث ولا يعيب تلك التحريات ألَّا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو عن
وسيلته في التحري كما لا يعيبها أن تكون مستمدة من أقوال القائمين بالضبط ، لأن
مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق الواقعة ، فإن ما ينعاه الطاعن من تعويل الحكم
على تحريات الشرطة رغم عدم جديتــها لعــدم كشف مجريها عــــن مصدر تحرياته أو أنها
جاءت سماعيـة ينـحل إلـى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة
محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر وفقاً للمادة 23 من
قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 7 لسنة 1963 المعدل ، قد منحت
الضباط العاملين بإدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية وفروعها بمديريات الأمن -
المسماة الآن بالأمن الوطني - سلطة عامة وشاملة في ضبط جميع الجرائم فإنها كذلك قد
خولتهم هذه السلطة في كافة أنحاء الجمهورية ، فإنه يكون من غير المجدي ما يثيره الطاعن في شأن عدم
اختصاص ضابط الأمن الوطني مكانياً بإجراء التحريات ، ويكون الحكم إذ اطرح دفعه في
هذا الصدد قد أصاب صحيح القانون . لما كان ذلك ، وكان الطاعن ينعى ببطلان إجراءات
التحقيق التي أجرتها النيابة العامة إذ باشر استجواب الطاعن عضو نيابة بدرجة وكيل
وليس رئيس نيابة ، فلما كان الأصل أن النيابة العامة هي السلطة الأصلية التي خصها
القانون بإجراء التحقيق في الجنايات والجنح طبقاً للتعديل الوارد على قانون
الإجراءات الجنائية منذ ديسمبر سنة 1952 ، وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد
عليه قيد إلَّا باستثناء من نص الشارع ، وإذ باشر وكيل نيابة .... التحقيق
واستجواب المتهم وهو ما لا يتعارض مع نص المادة 206 مكرراً (أ) من قانون الإجراءات
الجنائية التي خصت أعضاء النيابة العامة ممن هم على درجة رئيس نيابة على الأقل بسلطات قاضى التحقيق
عند مباشرة بعض الاجراءات ، وهو ما لم يدع الطاعن أن المحقق قد باشر أياً منها ، وإذ اطرح الحكم ذلك
الدفع ، فإنه يكون قد اقترن بالصواب بمـــا يضحى معه النعي عليه في هذا الشأن على
غير أساس . لما كان ذلك ، وكان قرار وزير العدل بإنشاء نيابة أمن الدولة العليا هو
قرار تنظيمي لم يأت بأي قيد يحد من السلطات المخولة قانوناً للنيابات بالمحاكم
العادية أو ينقص من اختصاصها الشـامل لكافـة أنواع الجرائـم وليس مـن شأنه سلب
ولايتــها فـي مبـاشرة التحقيق - أو الإحالة للمحاكم المختصة - في أية جريمة من
الجرائم التي تختص بها محاكم أمن الدولة العليا ، فإن مباشرة نيابة .... التحقيق في الدعوى وقيام النيابة الكلية بإحالتها إلى المحكمة المختصة يتفق وصحيح
القانون ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا
النظر ، فإنه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معــه النعي عليـــه في هذا الخصوص لا
محل لـــه . لما كان ذلك ، وكان بحسب الحكم كيما يتم تدليـله ويستقيم قضاؤه
أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة
إلى المتهم ولا عليه أن يتتبعه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها
أنه اطرحها ، فإن ما يثيره الطاعن من عدم توافر أركان الجريمة في حقه وقصور الحكم
لعدم الرد على دفاعه بانتفائها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل
وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز
إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول أسباب
الطعن أن تكون واضحة محددة ، وإذ كان الطاعن لم يكشف في طعنه ماهية الدفاع الذي ينعى
على الحكم إعراضه عنه بل أرسل القول عنه إرسالاً ، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا
يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه
موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق