الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 7 فبراير 2018

عدم دستورية تشكيل لجان تعويضات النقل العام للركاب بالسيارات في القاهرة


القضية رقم 16 لسنة 25 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق             رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعم حشيــش وسعيد مرعى عمرو وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل     نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 16 لسنة 25 قضائية " دستورية " بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الأولى - بقرارها الصادر بجلسة 2/11/2002 ملف الطعن رقم 2898 لسنة 34 قضائية عليا.
المقام من
ورثة المرحوم / .......، وهم :
.............
ضــد
1 - وزير الحكم المحلى
2 - محافظ القاهرة
الإجراءات
  بتاريخ الثامن من يناير سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الطعن رقم 2898 لسنة 34 قضائية. عليا، بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا بجلسة الثاني من نوفمبر سنة 2002 بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الأخيرة من المادتين (6، 6 مكررًا) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 بشأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها أصليًّا : الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا : بعدم قبول الدعوى بشقيها، ومن باب الاحتياط برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
  ونُظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
      حيث إن الوقائع تتحصـل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – فى أن عبد اللطيف راضي أبو رجيلة (مورث الطاعنين في الدعوى الموضوعية) كان قد أقام الدعوى رقم 2489 لسنة 37 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري، ضد المدعى عليهما فى تلك الدعوى، بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة تقدير تعويض والتزامات شركات الأتوبيس، الصادر بتاريخ 28/5/1975، بتحديد صافى مديونيـته لمحافظة القاهرة فى تاريخ إسقاط الالتزام، بمبلـغ 3,430,382,444 جنيه، وإلغاء قرار وزير الإدارة المحلية رقم 310 لسنة 1969 بتشكيل لجنة تقدير التعويض والالتزامات المنصوص عليها في القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960، الخاصة بإسقاط الالتزام عن شركات الأتوبيس، والمشكلة بالنسبة لخطوط القاهرة (أبو رجيلة)، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وذلك على سند من أنه عقب صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 بإسقاط كافة الالتزامات والتراخيص الممنوحة لمؤسسة خطوط القاهرة (أبو رجيلة) وغيرها الخاصة بإدارة واستغلال خطوط الأتوبيس بمدينة القاهرة، غادر المدعى جمهورية مصر العربية، وفرضت الحراسة الإدارية على أمواله بالأمر رقم 140 لسنة 1961، وفى تاريخ لاحق تم رفع تلك الحراسة، وبعد عودته لمصر، فوجئ في فبراير سنة 1983، عند تسلمه البيان رقم 192/2 الصادر من جهاز تصفية الحراسات عن مركزه المالي، بتوقيع الحجز على أمواله من محافظة القاهرة وفاءً لمبلغ 3,430,382,444 جنيه، بمقولة أنه يمثل المديونية التي صدر بها قرار لجنة تقدير الالتزامات المشكلة بموجب قرار وزير الإدارة المحلية والقروية رقم 310 لسنة 1969، وتبين له أن ذلك القرار خالف نص المادة (6) من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960، لعدم ضم ممثل له فى تشكيل اللجنة، باعتباره الملتزم السابق، وأن اللجنة رفضت طلب محافظة القاهرة بوقف أعمال اللجنة لتصحيح التشكيل، الأمر الذى ارتأى معه مورث المدعين بطلان قرار تلك اللجنة بتحديد مديونيته، فأقام دعواه الموضوعية بطلباته المتقدمة. وبجلسة الحادي والعشرين من يونيو سنة 1988 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى، وإذ لم يرتض مورث المدعين هذا القضاء، طعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقـم 2898 لسنة 34 قضائية عليـا، وتم تصحيح شكل الدعوى، وبجلسة الثاني مــن نوفمبر سنة 2002، قضـت المحكمة بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقـرة الأخيرة من المادتين (6، 6 مكررًا) من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه المعدل بالقرار بقانون رقم 224 لسنة 1960.
   وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى يسبق الخوض في شروط قبولها أو موضوعها. ولما كان الدستور الحالي قد عهد بنص المادة (192) منه إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وكان قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قد بين اختصاصاتها، وحدد ما يدخل فى ولايتها حصرًا، مستبعدًا من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها بمقتضى نص الدستور والمادة (25) من قانون المحكمة، اختصاصًا منفردًا بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وينحصر هذا الاختصاص في النصوص التشريعية أيًّا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أصدرتها، فلا تنبسط هذه الولاية إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها، وأن تنقبض تلك الرقابة - تبعًا لذلك - عما سواها.
      وحيث إن القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 في شأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة المعدل بالقرار بقانون رقم 224 لسنة 1960 قد انطوى على قواعد تنظيمية تسري في شأن جميع من تم إسقاط الالتزامات والتراخيص الممنوحة لهم بموجب هذا القرار بقانون، بما فيها تقدير قيمة التعويض والالتزامات الناشئة عن تطبيق أحكامه، ويشمل ذلك الأحكام المتعلقة بتشكيل اللجنة المسند إليها الاختصاص بتقدير قيمة التعويض والالتزامات، وكيفية إصدارها لقراراتها، وما يتعلق بنهائيتها، وتنفيذها بطريق الحجز الإداري، وكذا الفصل في الأنزعة التي تتعلق بالمسائل الواردة بالمادتين الرابعة والخامسة من هذا القرار بقانون، وقواعد اختيار ممثل الملتزم السابق. ومن ثم فإن هذه الإحكام تدخل في مفهوم القانون بمعناه الموضوعي، وتعد تشريعًا مما يدخل الفصل في دستوريته في اختصاص المحكمة الدستورية العليا المقرر بنص المادة (192) من الدستور والمادة (25) من قانونها، الأمر الذى يغدو معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.
      وحيث إن المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 بشأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات فى مدينة القاهرة تنص على أن "تتولى تقدير قيمة التعويض والالتزامات المنصوص عليها في المادتين السابقتين لجنة تشكل من :
(1) مستشار من مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس ....                رئيسًا.
(2) ممثل عن المجلس البلدي لمدينة القاهرة يصدر بتعيينه قرار
      من وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري ....             عضوين
(3) ممثل عن الملتزم السابق يختاره الملتزم المذكور ......
      وللجنة أن تستعين في أداء مهمتها بمن تراه من بين الموظفين العموميين أو غيرهم.
      وتصدر قرارات اللجنة بالأغلبية المطلقة لأعضائها وتكون نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن ويتم تنفيذها بطريق الحجز الإداري".
وتنص المادة (6 مكررًا) من القرار بقانون ذاته، المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960 على أن "تختص اللجنة المنصوص عليها فى المادة السابقة بالفصل فى جميع المسائل المشار إليها فى المادتين الرابعة والخامسة من هذا القانون، وتحال إلى اللجنة بحالتها كافة الدعاوى المنظورة أمام المحاكم فى أى شأن يدخل فى اختصاص هذه اللجنة بمقتضى أحكام هذا القانون.
وعلى الملتزم السابق إخطار وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري باسم من يمثله فى هذه اللجنة بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
فإذا لم يقم الملتزم السابق بذلك خلال هذه المدة أو إذا تغيب الممثل الذى يختاره عن عمله فى اللجنة دون عذر مقبول أو على وجه يعطل سير العمل فيها يختص رئيس المحكمة الإدارية العليا بناء على طلب مقدم من وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري بتعيين من يمثل الملتزم السابق فى هذه اللجنة خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب بأمر على عريضة بدون رسوم.
ويصدر هذا القرار نهائيًّا غير قابل للطعن".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى فى شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي ينصب على طلب الطاعنين في الدعوى الموضوعية إلغاء قرار وزير الإدارة المحلية رقم 310 لسنة 1969 بتشكيل لجنة تقدير التعويض والالتزامات المنصوص عليها فى القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، وإلغاء القرار الصادر من تلك اللجنة بتحديد صافى مديونية الملتزم السابق (مورث الطاعنين فى الدعوى الموضوعية) لمحافظة القاهرة بمبلغ 3,430,382,444 جنيهًا، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وكانت المادتان (6، 6 مكررًا) المشار إليهما قد عينتا اللجنة التى تتولى تقدير قيمة التعويض والالتزامات الواردة فى المادتين (4، 5) من ذلك القرار بقانون، والقرارات التى تصدر من تلك اللجنة، وكذا اختصاصها بالفصل فى جميع المسائل المشار إليها فى المادتين السابقتين، والتزام المحاكم بأن تحيل إلى تلك اللجنة كافة الدعاوى المنظورة فى أى شأن يدخل فى اختصاصها بمقتضى أحكام هذا القانون، وتنظيم حضور واختيار ممثل الملتزم السابق فيها، فإن المصلحة فى الدعوى المعروضة تكون متحققة، ويتحدد نطاقها بعبارة "وتكون قراراتها نهائية غير قابلة للطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن" الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، وكذا الفقرة الأخيرة من المادة (6 مكررًا) من القرار بقانون ذاته المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960. كما يمتد نطاق هذه الدعوى لنص الفقرة الأولى من هذا النص التي خولت اللجنة المشار إليها الاختصاص بالفصل فى جميع المسائل المشار إليها فى المادتين الرابعة والخامسة من ذلك القرار بقانون، وأن تحال إليها بحالتها كافة الدعاوى المنظورة أمام المحاكم فى أى شأن يدخل فى اختصاص هذه اللجنة بمقتضى أحكام هذا القانون، لارتباطه بالنصين المطعون فيهما ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وبالتالي يكون مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين المحالين مخالفتهما لأحكام المادتين (40، 68) من دستور 1971 (وتقابلها المواد 4، 53، 97 من الدستور الحالي)، لما تضمناه من مصادرة لحق التقاضي، وإخلال بمبدأ المساواة.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي ارتأتها محكمة الموضوع على النصان المحالان، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النصان المحالان - في النطاق المحدد سلفًا - مازالا قائمين ومعمولاً بأحكامهما، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريتهما يتم في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون وفى الحقوق والحريـات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم، على تباين مراكزهم القانونية، معاملة قانونية متكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التي تبناها المشرع لتنظيم معين، والنتائج التي رتبها عليها، ليكون التمييز بالتالي موافقًا لأحكام الدستور. وكلما كان القانـون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم، بما لا يجاوز متطلبات هذه الغايات، كلما كان واقعًا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، ولو تضمن تمييزًا. ولا ينال من مشروعيته الدستورية، أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها بعيدة حسابيًّا عن الكمال.
وحيث إنه من المقرر - أيضًا - فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون، أساسًا للعدل، وهو أدخل إلى جوهر الحرية، وأكفل لإرساء السلام الاجتماعي، ولئن جاز القول بأن الأصــل فى كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها بالوسائل إليها منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددًا بقانون، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائى، الذى يلزم أن تتوافر فى أعضائه ضمانات الكفاءة والحيدة والاستقلال، وأن يعهد المشرع إليها بسلطة الفصل فى خصومة بقرارات حاسمة، دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التى لا يجوز النزول عنها، والتي تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفًا، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدًا للحقيقة القانونية مبلورًا لمضمونها فى مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت اللجنة المشكلة طبقًا لنص المادة (6) المحالة يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى، فهى تتكون من مستشار بمجلس الدولة رئيسًا، وعضوية ممثل عن المجلس البلدي لمدينة القاهرة، وممثل آخر عن الملتزم السابق، عضوين، وهما من غير القضاة ولا يتوافر في شأنهما - فى الأغلب الأعم - شرط التأهيل القانوني، كما يفتقدون لضمانات الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما فى القاضي، وتصدر اللجنة قراراتها بالأغلبية المطلقة لأعضائها، ولم يتضمن القانون إلزامها باتباع الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضي أمامها، وعلى ذلك فإنها لا تعدو أن تكون لجنة إدارية، وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية، ومن ثم فإن النص فى الفقرة الأخيرة من المادة (6) المحالة على نهائية قرارات تلك اللجنة، وعدم قابليتها للطعن عليها بأى طريق من طرق الطعن، وكذا منحها بمقتضى نص الفقرة الأولى من المادة (6 مكررًا) المشار إليه، ولاية الفصل فى المسائل المحددة بالمادتين الرابعة والخامسة من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، وإحالة الدعاوى المنظورة أمام المحاكم والتى تدخل فى اختصاص هذه اللجنة إليها بحالتها، وهو اختصاص قضائي بالفصل فى الأنزعة التى تتعلق بالمسائل الواردة بالمادتين المشار إليهما، يكون كل ذلك قد وقع بالمخالفة للحظر الذى تضمنه نص المادة (97) من الدستور بشأن عدم جواز تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ومتضمنًا مصادرة للحق فى التقاضي، وحق كل شخص فى الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، الذى كفله هذا النص، وهو فى أصل شرعته - كما جرى قضاء هذه المحكمة - حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعًا عن مصالحهم الذاتية، ذلك أن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، وليضحى النص المطعون فيه متضمنًا إلى جانب ما تقدم تمييزًا تحكميًّا لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره، بالمخالفة لمبدأ المساواة المقرر بالمادتين (4، 53) من الدستور، ومهدرًا فى الوقت ذاته لمبدأي سيادة القانون وخضوع الدولة للقانون، المقررين بالمادة (94) من الدستور، ويعد مجاوزة من المشرع لنطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات التى كفلها الدستور، والتى قيد نص المادة (92) من الدستور ممارستها، بألا تتضمن تقييدًا لتلك الحقوق والحريات بما يمس أصلها وجوهرها، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية عبارة "وتكون نهائية غير قابلة للطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن" الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة (6)، من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، والفقرة الأولى من المادة (6 مكررًا) من ذلك القرار بقانون المضافة بالقرار بقانون رقم 224 لسنة 1960 برمتها.
وحيث إنه بالنسبة لنص الفقرة الأخيرة من المادة (6 مكررًا) المشار إليها، فإن قرار الإحالة ينعى على هذا النص مخالفة مبدأ المساواة وحق التقاضي، وذلك مردود بأن الفقرة الثالثة من تلك المادة نظمت كيفية تعيين ممثل الملتزم السابق باللجنة المذكورة إذا لم يقم هو بذلك، أو إذا تغيب الممثل الذى اختاره عن عمله باللجنة دون عذر مقبول، أو على وجه يعطل سير العمل فيها، ومنحت الاختصاص لرئيس المحكمة الإدارية العليا بحسم هذه المسألة بأمر على عريضة، يصدر منه بناءً على طلب من وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري، وذلك خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب ودون رسوم. وجعلت الفقرة الأخيرة من ذات المادة قرار رئيس المحكمة الإدارية العليا فى هذا الشأن نهائيًّا غير قابل للطعن.
وحيث إن المشرع حرصًا منه على الصالح العام وعدم تعطيل سير عمل اللجنة، بسبب يرجع إلى عدم تعيين الملتزم السابق ممثله فيها، أو إذا تغيب الأخير دون عذر مقبول أو على وجه يعطل سير العمل بها، فقد عهد لرئيس المحكمة الإدارية العليا، وهو بطبيعة مركزه وأقدميته على القمة من مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، وفى نطاق سلطته الولائية، الاختصاص باختيار ممثل الملتزم السابق بأمر على عريضة، يصدر منه، بناءً على طلب من وزير الشئون البلدية والقروية، وهو عمل ولائى يصدر منه بعد التحقق من توافر الشروط المقررة قانونًا، وبما يكفل إنفاذ أحكام القانون، وتحقيق المصلحة العامة، ومن أجل ذلك جعل القانون قراره فى هذا الشأن نهائيًّا غير قابل للطعن، ومن ثم فإن مسلك المشرع فى هذا الخصوص لا يتصادم والحظر الوارد بنص المادة (97) من الدستور، الذى يقتصر نطاقه على عدم جواز تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، كما أن النهج الذى قرره المشرع بهذا النص باعتباره الوسيلة التي سنها واتخذها سبيلاً لتحقيق الأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، إنما ترتبط بتلك الغايات ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ليضحي ذلك التنظيم - في حدود النطاق المتقدم - مرتكنًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا مما حظره الدستور، ولا يتعارض - من ثم - مع مبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه، وإذ لا يخالف هذا النص، أي نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى بالنسبة له.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً : بعدم دستورية عبارة " وتكون نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن" الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 في شأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة.
ثانيًا : بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6 مكررًا) من القرار بقانون ذاته، المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق