الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مارس 2013

عدم دستورية اشتراط أن يكون إتمام زواج الأرملة قبل بلوغ المؤمن عليه سن الستين

قضية رقم 36 لسنة 31 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثانى من يناير سنة 2011م، الموافق السابع والعشرين من المحرم سنة 1432ه.
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : سعيد مرعى عمرو وتهانى محمد الجبالى وبولس فهمى إسكندر والدكتور/ حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم والدكتور/ حسن عبد المنعم البدراوى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم36 لسنة31 قضائية " دستورية ".
المقامة من
السيدة/ منيرة توفيق السيد محمد قشطة
ضد
1 - السيد رئيس الجمهورية .
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد وزير العدل.
4 – السيد وزير المالية.
5 – السيد رئيس الهيئة القومية للتأمين والمعاشات.
6 – السيد مدير منطقة التأمينات بالغربية.
7 – السيد مدير مكتب تأمينات السنطة.
الإجراءات
بتاريخ 17/2/2009، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية البند (2) من الفقرة الثانية من المادة 105 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 – قبل تعديله بالقانون رقم 12 لسنة 2000.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى، كما قدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مذكرتين طلبت فى أولاهما أصلياً الحكم بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً الحكم برفضها. وفى ثانيتهما أصليا الحكم برفض الدعوى، واحتياطيا اعتبار اليوم التالي لنشر الحكم تاريخا لإعمال مقتضاه.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يتبين من سائر أوراق الدعوى - تتحصل فى أن المدعية كانت قد تزوجت بتاريخ 19/1/1983 من صاحب المعاش بعد إحالته إلى التقاعد لبلوغه سن الستين، وأنجبت منه ولدا وبنتا، وبعد وفاته بتاريخ 14/10/1996 لم يُصرف معاش إلا لأولاده، دونها، استنادًا إلى أن سنها كان وقت الزواج أقل من أربعين سنة. وإذ رفضت لجنة فض المنازعات بمنطقة الغربية أحقيتها فى صرف معاش عن زوجها الراحل، فقد أقامت الدعوى رقم 1715 لسنة 2008 أمام محكمة طنطا الابتدائية، طلبت فيها أصلياً الحكم بأحقيتها فى معاش عن زوجها من تاريخ وفاته. واحتياطيًا تقرير نفقة شهرية لها على الخزانة العامة. وقد دفعت المدعية فى صحيفة تلك الدعوى بعدم دستورية نص البند (2) من الفقرة الثانية من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه، الذى اشترط سنا معينا فى الزوجة لكى تحصل على معاش عن زوجها. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت هذه الدعوى، ناعية على النص المطعون فيه مخالفته لمبدأ المساواة ولمبادىء الشريعة الإسلامية.
ومن حيث إن المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، بعد تعديلها بالقانون رقم 25 لسنة 1977، وقبل تعديلها بالقانون رقم 12 لسنة 2000، كانت تنص فى فقرتها الثانية على أنه:
"…………………
كما يشترط بالنسبة للأرملة أن يكون عقد الزواج أو التصادق على الزواج قد تم قبل بلوغ المؤمن عليه أو صاحب المعاش سن الستين، ويستثنى من هذا الشرط الحالات الآتية:
1 – حالة الأرملة التى كان المؤمن عليه أو صاحب المعاش قد طلقها قبل بلوغ سن الستين ثم عقد عليها بعد هذه السن.
2 – حالة الزواج التى يكون فيها سن الزوجة أربعين سنة على الأقل وقت الزواج، بشرط ألا يكون للمؤمن عليه أو لصاحب المعاش زوجة أخرى أو مطلقة مستحقة طلقها رغم إرادتها بعد بلوغه سن الستين وكانت لا تزال على قيد الحياة.
3 – حالات الزواج التى تمت قبل العمل بهذا القانون.
…………..".
وقد صدر القانون رقم 12 لسنة 2000 بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه، واستبدل بنص (الفقرة الثانية بند 2 من المادة 105) من هذا القانون النص الآتى:
"(2) حالة الأرملة التى يكون المؤمن عليه أو صاحب المعاش قد تزوج بها بعد بلوغه سن الستين، بشرط ألا يكون له زوجة أخرى أو مطلقة مستحقة طلقها رغم إرادتها بعد بلوغه سن الستين وكانت لا تزال على قيد الحياة".
وإعمالاً لنص المادة الثانية من هذا القانون، يعمل به من اليوم التالى لتاريخ نشره، وقد نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية فى 15/4/2000.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - إذ تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية-مناطها ارتباطها بالمصلحة فى الدعوى الموضوعية،وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ولما كانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية، التى أقيمت هذه الدعوى بمناسبتها، تدور حول استحقاق المدعية لمعاش عن زوجها المتوفى بتاريخ 14/10/1996، والذى كان قد تزوج بها فى 19/1/1983، بعد بلوغه سن الستين، حال كونها لم تبلغ عندئذ سن الأربعين. وكان صدر الفقرة الثانية من المادة (105) السالفة الذكر قد اشترط لاستحقاق الأرملة معاشًا أن يكون عقد الزواج قد تم قبل بلوغ المؤمن عليه أو صاحب المعاش سن الستين، واستثنت هذه الفقرة من هذا الشرط حالات محددة أوردتها فى بنود ثلاثة، جاء البند (2) منها –المطعون فيه- متعلقاً بحالة الزواج التى يكون فيها سن الزوجة أربعين سنة على الأقل وقت الزواج، وبشرط ألا يكون للمؤمن عليه، أو لصاحب المعاش زوجة أخرى أو مطلقة مستحقة طلقها رغم إرادتها بعد بلوغه سن الستين وكانت لا تزال على قيد الحياة. ولما كان هذا الاستثناء يرتبط ارتباط لزوم لا يقبل الانفصال بالشرط الذى ورد بصدر الفقرة ذاتها، باعتبار أن الاستثناء منه يفترض بقاءه، ومن ثم فإن نطاق الدعوى المعروضة يمتد ليشمل هذا النص الذى تضمن الشرط المشار إليه باعتباره مطروحًا على المحكمة بحكم اللزوم، وبهذا النطاق تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية فى هذه الدعوى. ولا يغير من ذلك تعديل البند (2) المشار إليه بالقانون رقم 12 لسنة 2000، ذلك أن إلغاء النص المطعون فيه أو تعديله لا يحول دون الطعن عليه ممن طبق عليهم خلال فترة نفاذه، وجرت فى شأنهم آثاره.
وحيث إن الدستور إذ عهد بنص المادة (122) منه إلى المشرع بصوغ القواعد القانونية التى تتقرر بموجبها على خزانة الدولة، مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم،على أن ينظم أحوال الاستثناء منها، والجهات التى تتولى تطبيقها، فذلك لتهيئة الظروف التى تفى باحتياجاتهم الضرورية، وتكفل مقوماتها الأساسية التى يتحررون بها من العوز، وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء بمعاشها. بما مؤداه أن التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع فى هذا النطاق، يكون مجافيا أحكام الدستور، منافيا لمقاصده، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها.
ولازم ذلك أن الحق فى المعاش، إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون، إنما ينهض التزاما على الجهة التى تقرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى، على تعاقبها، إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقاً للنظم المعمول بها، يعتبر التزاما مترتبا بنص القانون فى ذمة الجهة المدينة. وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد فى اتجاه دعم التأمين الاجتماعى، حين ناط بالدولة، أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية، الاجتماعية منها والصحية، بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى، التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها آدميته، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق فى الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش فى محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها. وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى تعتبر المادة (7) من الدستور مدخلاً إليها.
لما كان ذلك، وكان صدر الفقرة الثانية من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعى قد اشترط لاستحقاق المعاش بالنسبة للأرملة أن يكون عقد الزواج قد تم قبل بلوغ المؤمن عليه أو صاحب المعاش سن الستين، فإنه يكون قد حرم الأرملة التى تزوج بها المؤمن عليه أو صاحب المعاش بعد بلوغه سن الستين من خدمات التأمين الاجتماعى، دون سبب منطقى أو ضرورة جوهرية تبرر هذا الحرمان، وبغير أن يكفل لها عيشا كريما، وهو ما ينافى أحكام الدستور الواردة بالمواد (7 و17 و122) منه.
وحيث إن الحرية الشخصية التى كفلها الدستور فى المادة (41) منه بإعتبارها حقًا طبيعيا، هى أصل يهيمن على الحياة بكل أقطارها، وتندرج تحتها الحقوق التى لا تكتمل الحرية الشخصية فى غيبتها، ومن بينها الحق فى الزواج وما يتفرع عنه من الحق فى تكوين أسرة وتنشئة أفرادها وفقًا للأسس التى حددها الدستور بنص المادة (9) منه، وكلاهما من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض روابطها، ولا تعمل كذلك بعيداً أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة التى يعيش الفرد فى كنفها، بل تعززها وتزكيها وتتعاظم بقيمتها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها. وإذ كانت علاقة الزوجية تعد نهجا حميما ونبعا صافيا لأدق مظاهر الحياة وأبلغها أثراً، فإن الزواج يكون –فى مضمونه ومرماه- عقيدة لا تنفصم عراها أو تهن صلابتها، وتصل روابطها فى خصوصيتها إلى حد تقديسها. ولا يجوز تبعًا لذلك التدخل تشريعياً فى هذه العلائق للحد من فرص الاختيار التى تنشئها وتقيمها على أساس من الوفاق والمودة، وذلك ما لم تكن القيود التى فرضها المشرع على هذا الاختيار عائدة فى بواعثها إلى مصلحة جوهرية لها ما يظاهرها، تسوغ بموجباتها تنظيم الحرية الشخصية بما لا يهدم خصائصها. ذلك أن تقييد الحرية الشخصية لغير مصلحة جوهرية، لا يغتفر، وبوجه خاص إذا أصابها فى واحد من أهم ركائزها بأن تعرض دون مقتض لحق من يريد الزواج فى اختيار من يطمئن إليه ويقُبل طواعية عليه، ليكونا معاً شريكين فى حياة ممتدة تكون سكنا لهما ويتخذان خلالها أدق قراراتهما، وأكثرها ارتباطا بمصائرهما، وبما يصون لحياتهما الشخصية مكامن أسرارها وأنبل غاياتها.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن حق اختيار الزوج لا يمكن أن يكون منفصلا عن خواص الحياة العائلية أو واقعا وراء حدودها، إذ يتصل مباشرة بتكوينها، ولا يعدو إنكاره أن يكون إخلالا بالقيم التى تقوم عليها الحرية المنظمة، وهو كذلك يناقض شرط الوسائل القانونية السليمة، وما يتوخاه من صون الحرية الشخصية بما يحول دون تقييدها بوسائل إجرائية أو وفق قواعد موضوعية لا تلتئم وأحكام الدستور التى تمتد حمايتها كذلك إلى ما يكون من الحقوق متصلاً بالحرية الشخصية, مرتبطاً بمكوناتها، توقياً لاقتحام الدائرة التى تظهر فيها الحياة الشخصية فى صورتها الأكثر تآلفاً وتراحمًا.
وحيث إن الحق فى الزواج، بما يشتمل عليه من حق اختيار الزوج، إنما يقعان داخل مناطق الخصوصية التى كفل صونها دستور جمهورية مصر العربية بنص المادة (45) التى تقرر أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، ذلك أن الحق فى الخصوصية يشملها بالضرورة باعتباره مكملاً للحرية الشخصية.
ومتى كان ذلك، وكان اشتراط النص المطعون عليه زواج المؤمن عليه أو صاحب المعاش قبل بلوغه سن الستين لاستحقاق أرملته معاشًا عنه، وبما تضمنه الاستثناء الوارد بالبند (2) فيما يتعلق بالزوجة التى بلغت سن الأربعين وقت الزواج، يؤثر سلباً فى الحق فى الزواج، كما ينتقص من الحق فى اختيار الزوجة أو الزوج بما يفرضه إجحافاً من ظروف تحيط بهذين الحقين، بإقحام شروط تكتنف مباشرتهما تعد غريبة عنهما، ولا تربطها باستحقاق الأرملة معاشاً عن زوجها المتوفى صلة منطقية، وعلى وجه لم تأت به الشرائع السماوية ولا تفرضه القيم الخلقية، إذ تتعلق هذه الشروط بتوقيت إقامة العلاقة الزوجية، وخصوصياتها ودخائلها التى يتمثل فيها جوهر الحرية الشخصية والحياة الخاصة اللتين كفلهما الدستور. ومن ثم يكون النص المطعون عليه فى النطاق المحدد سلفاً مخالفاً أيضاً للمواد (9، 41، 45) من الدستور.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية صدر الفقرة الثانية من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعى، على النحو السالف إيضاحه، يرتب سقوط الإستثناءات التى وردت عليه، باعتبار أن الاستثناء من قاعدة قانونية يفترض دوماً بقاءها.
ومن حيث إن إعمال أثر هذا الحكم بأثر رجعى يؤدى إلى تحميل خزانة الدولة بأعباء مالية إضافية فى ظل ظروف اقتصادية تستلزم تجنيبها حمل هذا العبء، لذا فإن المحكمة، ودون إخلال بحق المدعية فى الاستفادة من هذا الحكم، تٌعمل الرخصة المقررة فى الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها، وتحدد اليوم التالى لنشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية تاريخاً لإعمال آثاره.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولا: بعدم دستورية صدر الفقرة الثانية من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، قبل تعديلها بالقانون رقم 12 لسنة 2000، فيما نصت عليه من أنه " يشترط بالنسبة للأرملة أن يكون عقد الزواج أو التصادق على الزواج قد تم قبل بلوغ المؤمن عليه أو صاحب المعاش سن الستين"، وبسقوط باقي هذه الفقرة.
ثانياً: بتحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية تاريخاً لإعمال آثاره.
ثالثاً: إلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق