الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مارس 2013

خمور / ( 7 ) سكر بين بالطريق العام وإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا

وحيث أن النيابة العامة أسندت إلى الجانى أنه بتاريخ 18 / 12 / 1981 بدائرة قسم بولاق ، ضبط بالطريق العام بحالة سكر بين وطلبت إنزال العقاب به وفقا لنصوص المواد 2 ، 3 ، 5 ، 7 من القانون  63 / 1976 بحظر شرب الخمر.
الجانب القانونى :
·        حيث أن واقعات الدعوى سرت على الوجه التالى :
محضر ضبط الواقعة المحرر بتاريخ 18 / 12 / 1981 فى الساعة العاشرة مساء والمحرر بمعرفة أحد السادة أمناء الشرطة الثابت به أن أحد السادة نقباء الشرطة ظفر بالمتهم حالة كونه بالطريق العام فى سكر بين ، فقام بأسره وسلمه لمحقق الواقعة فأنهى الجانى إلى الأخير أنه وهو ذو ثمان وعشرين عاما ويعمل حداد مسلح : قد شرب اختيارا وطواعية منه ودون ضغط أو إكراه من أحد لكونه كان ـ حسب تعبيره ـ إلى حد ما متضايقا ، وأنكر سبق الشرب من ذى قبل ثم رفض التوقيع على سابق ما تقرر.
أرفق بالأوراق تقرير طبى رقم 2468 بذات التاريخ السابق صادرا عن مستشفى بولاق العام ، وثابت به أن الجانى كان بحالة سكر بين .
قامت النيابة العامة بالتحقيق مع الجانى ، فأنكر مقررا أنه ما أخذ إلا من داره ، بسبب مديونيته لآحاد الناس ، وعرج منكرا ما تقرر بمحضر الضبط ، نافيا سكره والتقرير الطبي كذلك . واستطرد بنفى أى خلافات سابقة بينه وبين محرر المحضر ، وأنهى أقواله بنفى الاتهام كلية عن نفسه أو أنه ذو سوابق . اختتمت النيابة التحقيق معه آمرة بحبسه المدة التى يجيزها لها القانون ، ثم قدمته إلى المحاكمة بهذه الجلسة يرسف فى أغلال ما جنت يداه.
·   وحيث أن الاتهام على هذه الصورة قد توافرت أركانه فى جانب الجانى الذى لم يدفع الاتهام بأى دفع أو دفاع تقبله المحكمة أو تستسيغه ومن ثم يتعين عقابه.
ولكن كيف يكون إنزال العقاب ؟ وعلى أية صورة ؟ وبأى قانون ؟
إن فى الأمر جانبا هاما وخطيرا لا يمكن طرحه أو الالتفات عنه.

ألا وهو

 الجانب الإلهى :
·   حيث أن الإسلام حرم الخمر فى بلد دينها الإسلام تحريما قاطعا لأن الله قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُّوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ ) [ المائدة 90 ـ 91 ]
والأمر هنا بالاجتناب أبلغ ألفاظ النهى ، وأعمق قواعد الأمر بالكف. ولا يوجد فى القرآن نص محرم قوى التحريم والدلالة على ذلك بمثل هذه العبارة القوية، وإذا كانت الخمر حراما فشربها معصية ، ومن ارتكب معصية نزل به العقاب ، ولذا فلقد أتى لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمن شرب الخمر فضربه بالنعال نحوا من أربعين ، ولقد انعقد إجماع الصحابة كذلك على وجوب عقابه لأن الرسول قال: "كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام". والخمر كل ما خامر العقل وستره من غير عد ولا إحصاء ، لأنه جدَّ من أنواع المسكرات مالا يحصى عددا ولا نوعا ، فالإسكار الذى هو فيها هو سبب التحريم والعقاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قضية رقم 3352 لسنة 1981 جنح بلدية القاهرة قسم بولاق أبو العلا.
·   وحيث إنه ثبت أيضا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " من شرب الخمر فاجلدوه " . وأنه قال : " لعن الله الخمر ، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه" . ولما كان عهد أبى بكر صنع مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء عمر بن الخطاب استشار الناس فى الحد فقال ابن عوف أقل الحدود ثمانين. وقال على بن أبى طالب " إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وحد المفترى ثمانون جلدة ".
·   وحيث أنه يشترط لإقامة الحد أن يشربها الجانى مختارا ، وما عدا ذلك فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". كما يشترط أن يكون مكلفا فلا حد على صغير أو مجنون أو معتوه ، لأن إقامة الحد من باب العبادة ، والعبادة لا تجب إلا على مكلف ، كما يشترط العلم . " يراجع فى ذلك كله مؤلف العقوبة فى الفقه الإسلامى للأستاذ الشيخ أبو زهرة من صفحة 162 ـ 167 " .
·   وحيث أن يثبت الشرب بالبينة أو الإقرار ، ولا يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون سكرانا بالفعل أو أن تكون الرائحة تنبعث من فمه. والمحكمة قد وجدت من جماع ما تقدم توافر ركنى الجريمة عند الجانى من شرب وقصد جنائي ، فقد ثبت كلاهما فى يقين المحكمة وضميرها بما لا يقبل الشك أو التأويل أو التخمين ، ولكن غلت يمناها فى مرارة وكمد عن إنزال حد الإسلام بالجانى ، وعزفت عنه مكرهة فى ذلك راجية عفو الله وحده. ولا يفوتها ان ترفع ذكر الله من طريق أخر ، وتعلى حده من زاوية أخرى وذلك بأن تحجم وتمتنع عن تطبيق مواد القيد فى القانون الوضعى لأنه قانون هالك متهالك أجوف مستقى من شرائع لا تعرف الله ربا ولا محمدا نبيا ورسولا ، وخير للمحكمة أن تضرب بقانون البشر عرض الحائط ، هادفة أن يشاء الله ـ على أيدى أعضاء المحكمة الدستورية العليا ـ أن يقضى بعدم دستورية مواد القيد هذه ، فتكون الخطوة التالية حتما هى إنفاذ قانون السماء ، حدا لشارب الخمر.
·   وحيث أن ذلك كله إنما كان على الوجه القانونى البحت ، وبسلوك قانونى رصين ذلك أن مواد القيد من لدن النيابة العامة غير دستورية على وجه الإطلاق ، استنادا على نص المادة الثانية من الدستور الدائم والتى جرى نصها على أن الإسلام دين الدولة ومبدائ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ، كما جاء نص المادة السابعة من قانون العقوبات على الوجه الآتى متوائما مع نص الدستور سالف البيان : " لا تُخِلُّ أحكام هذا القانون بأى حال من الأحوال بالحقوق المقررة بالشريعة الغراء."
وترتيبا على ذلك فقد جرى نص المادة 25 / 1 أولا من القانون رقم 48 / 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا ، على أنه : " تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللائحة " كما جرى نص المادة ( 29 أ ) من ذات القانون على أنه : " تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ، إذا تراءى لإحدى المحاكم ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون لازم للفصل فى النزاع أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق إلى المحمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية ".
·   وحيث أنه بالبناء على ما تقدم يقرر قاضى هذه المحكمة أن المواد 1 ، 2 ، 3 ، 5 ، 7 من القانون 63 / 1976 بحظر شرب الخمر والمقيدة به هذه الدعوى إنما هى نصوص غير دستورية بالنظر إلى ما سلف بيانه وذلك لأوجه المخالفة الآتية :
أولا : بنص كتاب الله ، حرم الله سبحانه وتعالى شرب الخمر وأمر باجتنابه ، وذلك بما أوردته المحكمة عند التقديم للجانب الإلهى فى هذا الحكم ، كما ثبت بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبإجماع الصحابة مقدار عقوبة جلد شارب الخمر حسبما أوردته المحكمة فى صلب هذا الحكم سلفا وأن ذلك يعتبر حدا من حدود الإسلام لا مفر منه لكل من توافرت فيه شروط الجريمة وعند ثبوت الشرب وركنيه طبقا لما سبق بيانه فى هذا الحكم. ونهاية للمطاف فإن الله تعالى قال : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [النساء : 59]
ومن ثم وكان ما سبق هو الحق والعدل والصدق فإن الشريعة الإسلامية الغراء فى عمومها وشمولها وأصالة قواعدها صالحة للتطبيق فى كل مكان وزمان قادرة على حكم الناس جميعهم دنيا ودين كما أنها قادرة حقا على وضع الحدود الفاصلة بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام دستورا ينتظم الجميع فى محبة وسلام ، لما كان ذلك وكان قانون البشر لا يتسنى له ما سبق ، فإن مواد القيد الوضعية تكون غير دستورية.
ثانيا : المحافظة على العقل توجب تحريم الخمر ، ومن يشربها فإنما يرتكب جريمة نكراء فى حق المجتمع لأنها تغرى بالعداوة وتدفع إلى الشر. فالسكران يندفع إلى الجريمة وإلى القول البذئ ، مما يضر بالوطن ذاته ، وكثير من مدمنى الخمر يرتكبون أحط الجرائم وأبشعها أثناء سكرهم ، بل إن منهم من يسكر ليزول تردده ثم يقدم من فوره على ارتكاب جريمته. فهى حقا إذن أم الخبائث كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذ ما من شر يتردد فيه الإنسان إلا أقدم عليه إذا سكر. ومن ثم فإن العقاب الواجب إنزاله بالمتهم هو ما جاء بنص المادة 324 من مشروع القانون المقدم إلى السلطة التشريعية منذ 20 / 12 /1975 والتى جرى نصها على أن : " يعاقب بالجلد ثمانين جلدة كل مسلم شرب الخمر أو سكر من غيرها  " وبالتالى فإن مواد القيد تكون غير دستورية بالنظر إلى نص المادة الثانية من الدستور الدائم.
ثالثا : أن الأصل فى الحدود أنها لا تقبل عفوا ولا إسقاطا. لأنها حقوق الله الخالصة وليس للأفراد أو الجماعة أو السلطان إسقاطها لا بل إن إقامة الحدود جزء من عبادة الإمام وجهاد يجب أن يعان عليه، وإذا كان الجهاد فى قتال الأعداء لدفع أذى المعتدين وحماية الأمة منهم ، فإن تنقية الأمة من عناصر الفساد يعتبر من الجهاد أيضا : إذ هو جهاد لحماية الدين والأخلاق والفضيلة ، وصون المجتمع من عناصر الفساد التى تنخر فى عظامه ، ولا قوة لأمة يسودها الانحلال الخلقى ، بل إنه لا أمن فيها ولا سلامة . وفوق ذلك لا سبيل لمحاربة الأعداء إلا إذا كان المجتمع سليما من الفساد ، ولا يتأتى هذا إلا بإنزال عقاب الإسلام بشارب الخمر. وإذا كان ذلك كذلك فإن مواد القيد تتسم بعدم الشرعية وتكون غير دستورية طبقا لنص المادة الثانية من الدستور المصرى.
رابعا : ومن بين أسباب المخالفة الدستورية ما هو متعارض حقا مع القاعدة الإسلامية ، ذلك أن مواد القيد وقانون الحظر بجملته إن اعتبر قاعدة : فهو يبيح الخمر لشاربيها ولا عقاب فيه على شربها أو السكر منها اللهم إلا إن وجد شاربها فى حالة سكر بين وبالطريق العام. فإن كان بينا ولكن فى محل خاص فلا جرم ولا عقاب . بمعنى أن العقوبة التى يقررها القانون المصرى ليست على شرب الخمر حيث هو ، ولا على السكر حيث يكون ، وإنما على وجود السكران فى طريق عام. كما هو الحال فى تلكم الدعوى. ومن ثم كانت مواد القيد مخالفة لنص المادة الثانية من الدستور.
وتأسيسا على ما تقدم فقد لزم بالنصوص الإلهية ، والإسلامية ، لزم إخراج القوانين الإسلامية جميعها من حيز الطمس إلى نطاق اللمس قياسا على قوانين أخر : كحماية القيم من العيب ، تعديل قانون الأحوال الشخصية ، حماية الوحدة الوطنية ، نص المادة 179 من قانون العقوبات ، وذلك إحقاقا لقول الله سبحانه وتعالى : (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) [ الأعراف : 2 ، 3 ]
·        وحيث أن المحكمة تركز على أمرين ولا معقب :
الأمر الأول : أن القاضى فى حكمه ينفذ حكم الله أو رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا حكم الإمام فهو لا يستمد القانون الذى يحكم به من الإمام ، بل يستمده من حكم الله أحكم الحاكمين الذى يخضع له غير الأمير ، والأمير والحاكم وغير الحاكم ، فإذا جاءت القوانين متفقة ونصوص الكتاب والسنة متمشية مع مبادئ الشريعة الإسلامية العامة وروحها التشريعية ، وجبت الطاعة لها . وحققت العقوبة أثرها على من خالفها ، أما إذا جاءت خارجة على مبادئ الشريعة فإنها تقع باطلة بطلانا مطلقا ، وليس لأحد أن يطيعها ، بل على كل قاض مسلم أن يحاربها دون هوادة ، وينصب من نفسه عدوا لها.
وأساس البطلان المقرر سالف القول هو أن الأوامر والنواهى من قبل الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم تكن عبثا ، وأن الله أنزل كتابه وبعث رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لطاعتهما والعمل بما جاء بهما ، وتحقيقا لذلك ورد قول الله تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [ الحشر : 7 ] ومن ثم فإن كل عمل أو تصرف أو فعل جاء موافقا لنصوص الشريعة الإسلامية أو مبادئها العامة وروحها السمحة فهو صحيح نافذ ، أما إن جاء مخالفا لها فهو باطل بطلانا مطلقا ولا يترتب عليه أى أثر.
          وما سلف هو رأى جمهور الفقهاء ومن ثم فالتشريعات الوضعية على وجه القطع وعلى اختلاف أسمائها وصورها تكون باطلة بصفة أصلية بطلانا مطلقا كلما جاءت مخالفة لنصوص الشريعة الإسلامية أو خارجة على مبادئها العامة أو مباينة لروح التشريع الإسلامى. والأدلة على هذا البطلان كثيرة توجزها المحكمة فى الأمور التالية :
1 ـ أن الله أمر باتباع الشريعة ، ونهى عن اتباع ما يخالفها وذلك بقوله : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) [ الجاثية : 18 ، 19 ] لا بل أن الله لم يجعل لمؤمن أن يرضى بغير حكم الله أو أن يتحاكم إلى غير ما أنزل الله ثم إن الله لم يجعل لمؤمن ولا مؤمنة أن يختار لنفسه أو يرضى لها غير ما اختاره لها الله ورسوله ، ومن تخير غير ذلك فهو ضال لم يعرف الإيمان قلبه وذلك لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لمؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) [ الأحزاب : 36]
2ـ أن الله حرم على المؤمنين أن يسبقوه أو يقدموا على رسوله بقول أو فعل أو أمر أو نهى أو رأى وذلك لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ الحجرات : 1 ] وبقوله سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَولِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) [ الحجرات : 2 ]  وإذا كان مجرد رفع الصوت فوق صوت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ سببا لحبوط العمل ؛ فكيف بتقديم أراء البشر وعقولهم وأفكارهم وسياساتهم على ما جاء به الرسول العظيم.
3ـ أن الله أمر أن يكون الحكم طبقا لما أنزل ، وجعل من لم يحكم بما أنزل كافرا ، وظالما ، وفاسقا ، فمن أعرض عن الحكم بحد الله فى الخمر أو السرقة أو الزنا لأنه يفضل الحكم بغيره مما وضعه البشر فهو كافر قطعا . ومن لم يحكم به لعلة أخرى غير الجحود والنكران فهو ظالم ، وإلا فهو فاسق [ تفسير المنار ، وروح المعانى للألوسي ، وتفسير الطبرى والقرطبي ]
    ومن ثم فإذا لم يكن لمؤمن أن يؤمن بغير ما أنزل أو يقبل حكما غير حكمه ، فليس لمؤمن أن يحاول التوفيق بين ما جاء من عند الله وبين ما يخالف حكم الله ، أو أن يجمع بين حكم الله وحكم الطاغوت أو حكم الهوى . فإن ذلك إن حدث فهو الكفر المقنع ، والنفاق المغلف ، والعبادة السافرة لغير الله . وبالتالى فعلى كل مسلم أن يحارب الدعوة إلى هذا التوفيق الزائف وأن يعرض عن الداعين إليه وذلك لقوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) [النساء : 61 ـ 63]
4ـ أن الله نفى الإيمان عن العباد مقسما بنفسه على ذلك حتى يحكموا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما شجر بينهم ولم يكتف فى إثبات الإيمان لهم بهذا التحكيم المجرد ، بل اشترط لاعتبارهم مؤمنين حقا أن ينتفى عن صدورهم الحرج أو الضيق أو التبرم من قضاء رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحكمه فقال : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء : 65] ويستدل الفقهاء بهذه الآية على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام.
5ـ أن كل ما يخالف الشريعة محرم على المسلمين ، ولو أمرت به السلطة الحاكمة ، أو أباحته القوة المهيمنة لأن حق الهيئة الحاكمة فى التشريع مقيد بأن يكون التشريع موافقا لنصوص الشريعة متفقا مع مبادئها العامة وروحها التشريعية ، فإن استباحت تلك الهيئة لنفسها أن تخرج عن حدود وظيفتها بأن تصدر قوانين لا تتفق والشريعة وتضعها بالقوة موضع التنفيذ فإن عملها ذاك لا يحل هذه القوانين المحرمة ، ولا يبيح لمسلم أن يتبعها أو يطبقها أو يطيعها أو يحكم بها أو ينفذها من أى زاوية ، ومن واجب الموظفين الامتناع كذلك عن تنفيذها لأن طاعة أولى الأمر غير واجبة لهم استقلالا ، فالله سبحانه حذف " الطاعة " عند ذكر أولى الأمر فى قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )[النساء : 59] وهذا دليل على أن الطاعة لا تجب لهم استقلالا . ثم لا طاعة لأولى الأمر إلا بعد استيفاء الطاعة لله وللرسول ، وذلك فى كل ما يصدر من ولى الأمر من أمر أو نهى لأنه : " لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق " . وعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال أيضا : " إنما الطاعة فى المعروف " . وقال فى ولاة الأمر : " من أمركم منهم بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".
وهذا أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ الخليفة الأول لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " أطيعونى ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم " . وهؤلاء فقهاء الأمة ومجتهدوها يجمعون على أن طاعة أولى الأمر لا تجب إلا فيما أمر به الله ، ولا طاعة لهم فيما يخالف ذلك.
ومتى كان ذلك كذلك : فإن أولى الأمر بحسب نصوص الشريعة الإسلامية ليس لهم حق التشريع المطلق ، بل إن حقهم فى التشريع قاصر على تشريعات تنفيذية ، وأخرى تنظيمية فقط ، وهذه وتلك لا تكون إلا فيما سكتت عنه الشريعة لا فيما فصلت فيه. فحق التشريع لأولى الأمر مقيد لا مطلق.
6 ـ أن الشريعة الإسلامية هى الدستور الأساسى للمسلمين ، وكل ما يوافق هذا الدستور فهو صحيح ، وكل ما يخالفه فهو باطل . لأن الشريعة جاءت من عند الله ليعمل بها فى كل زمان ومكان ، وهى واجبة التطبيق حتى تلغى أو تنسخ وهذا لن يكون إلى يوم الدين ، لأنه ليس بعد الرسول قرآن لانقطاع الوحى ، ولا سنة أيضا لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الدستور الوضعى قد نص على أن دين الدولة هو الإسلام ، وهذا يقتضى أن تقيد القوانين بنصوص الشريعة ، وفى جميع المجالات ، وجميع أوجه النشاط فلا تحل إلا ما أحلته الشريعة ولا تحرم إلا ما حرمته.
7ـ إن نظرية الشريعة الإسلامية فى بطلان كل ما يخالف القرآن والسنة ، هى نظرية تعترف بها اليوم غالبية البلاد التى تطبق القوانين الوضعية ، وإن اختلفت فى تطبيقها ، بمعنى أن أكثر البلاد المتمدينة ترى بطلان كل قانون جاء مخالفا للدستور المنصوص فيه على أن الإسلام دين الدولة ،باعتبار أن الدستور هو التشريع الأساسى لهذه البلاد . واستيفاء التشريعات المخالفة للشريعة شكلها القانونى لا يمنع من كونها رغم ذلك تشريعات باطلة بطلانا مطلقا من ناحية الموضوع ، فصحة الشكل لا يمنع من بطلان الموضوع ، لأن صحة الشكل لا تحيل الحرام حلالا ، ولا الباطل صحيحا ولا الحلال حراما. ومن ثم وجب على القاضى المسلم ألا يطبق التشريعات التى وصمت بمخالفتها للشريعة مهما استوقفت شكلها القانونى [ يراجع فى كل ما سبق مؤلف التشريع الجنائي الإسلامى مقارنا بالقانون الوضعى للأستاذ الشهيد المرحوم عبد القادر عودة صفحات 223 ـ 237 ]
أما الثانى : أن القاضى الذى ينفذ الحدود ليس نائبا عن ولى الأمر ، وذلك أمر مقرر ثابت فى الفقه الإسلامى لأن القضاء كسائر الولايات من الفروض الكفائية يقوم به من يتخصص فى فقه الأحكام وطرق القضاء ومناهج الاستدلال ، والترجيح بين الأدلة. وإن تولى ذلك القاضى بتمكين ولى الأمر له ، فليس معنى ذلك أنه نائب عنه وولى الأمر مكنه من نيل ما تخصص فيه ، ولو لم يفعل ذلك لكان آثما ومعطلا لفرض كفائي . وقد جاء فى الأحكام السلطانية لأبى يعلي : " إذا ولاه صار ناظرا للمسلمين لا عمن ولاهن فيكون القاضى فى حكم الإمام فى كل بلد ". [ يراجع فى ذلك كله مؤلف العقوبة للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة صفحات 299 وما بعدها ]
وحيث أن النظام الدستورى المصرى فى هيكله العام نظام إسلامى بحكم الدستور وبالتالى فلا محل فيه لقداسة التشريع الوضعى فى خصوص مواد القيد.

فلهذه الأسباب
    حكمت المحكمة حضوريا:
أولا : بوقف السير مؤقتا فى الدعوى العمومية.
ثانيا : قررت المحكمة :
1ـ إحالة الأوراق بحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية مواد القيد من لدن النيابة العامة.
2ـ الإفراج عن الجانى إذا دفع ضمانا ماليا قدره عشرة جنيهات.
                                                محكمة جنح قسم بولاق أبو العلا محكمة البلدية
                                                                             الدائرة
                                                محمود عبد الحميد غراب رئيس المحكمة
                                                رمضان عبد الحليم بدر             وكيل النائب العام
                                                محمد عبد الحميد نصر              أمين السر
                                                                    جلسة 30 / 1 /1982

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق