الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مارس 2013

خمور / ( 3 ) سُكر مسيحي سُكراً بينًا بالطريق العام

حيث أن النيابة العامة أسندت إلى المتهم فى القضية رقم 4119 / 1980 جنح مركز المنيا أنه فى يوم 10 / 5 / 1980 بدائرة المركز ، ضبط بالطريق العام بحالة سكر بين ، وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1 ، 7 ، 9 من القانون رقم 63 / 1976 بشأن حظر الخمور.
·   وحيث أن محكمة مركز المنيا قضت حضوريا بجلسة 18 / 5 / 1980 بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل والنفاذ ، فاستأنف ذاك المتهم بذات التاريخ.
·        وحيث أن النيابة العامة بجلسة المحاكمة طلبت تأييد الحكم المستأنف . وحضر المتهم ودفاعه بالجلسة.

المحكمــة

   بعد تلاوة تقرير التلخيص الذى تلاه السيد رئيس المحكمة.
   وبعد سماع المرافعة الشفهية ومطالعة الأوراق ، والمداولة قانونا.
·   وحيث أن الاستئناف قدم فى الميعاد القانونى ، واستوفى شرائطه القانونية ، ومن ثم فهو مقبول شكلا عملا بنص المادتين 402 ، 406 من قانون الإجراءات الجنائية.
·        وحيث أنه لدى سؤال المتهم بالجلسة أنكر ما نسب إليه.
·        وحيث أن الحكم المستأنف فى محله للأسباب الواردة به ، والتى تأخذ بها هذه المحكمة قاعدة من قواعد هذا الحكم.
·   وحيث أن الاتهام ثابت قبل المتهم من محضر ضبط الواقعة ومما هو مبين بالأوراق ، إذ قرر المتهم أن ما حدث منه كان ـ غصبا عنه ـ وأنه ما كان يعلم أن الكينا التى ثمل منها مسكرة ، ثم علل تقريره هذا أمام النيابة العامة بأسلوب الاعتراف وذلك بتاريخ 12 / 5 / 1980 قائلا : إنه ما شرب المشروب الكحولى إلا لكى يشفى من مرضه.
·   وحيث أن المتهم لم يدفع الاتهام بأى دفاع مقبول ، ومن ثم يتعين عقابه طبقا لمواد القيد عملا بنص المادة 304 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية.
·   وحيث أن المحكمة لا يفوتها أن تشير ـ قبلا ـ فى تجلة واحترام إلى قرار النيابة العامة ـ الصادر منها إثر فراغها من تحقيق الاتهام بتاريخ 12 / 5/ 1980 ـ بحبس المتهم مع تقديمه إلى المحاكمة مقيد الحرية يرسف فى أغلال ما جنت يداه ، فهذا القرار ما كان منها إلا على طريق الإيمان بالله عملا على تحقيق الانضباط الخلقى السليم فى المجتمع ولئن كانت النيابة قد قامت من جانبها بهذا الإجراء المشروع لها ، إلا أنه فاتها استعمال حقها المواتى لها ، وتعنى به المحكمة : استئناف حكم محكمة أول درجة بهدف التشديد على المتهم ، وذلك حتى يتسنى لهذه المحكمة أن تنزل بالمتهم العقاب الأقصى بشقيه تعديلا للحكم الجزئى ، فأصبحت المحكمة بإزاء متهم استعمل حقه باستئنافه المنظور فقط وهو منطق معكوس.
   والمتهم السكير بمنطقه الطبيعى والفطرى معا ، على هذا ، يظمأ إلى براءة. لكنها أصبحت له أمام هذه المحكمة : كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ (يَحْسَبُهُ الظَمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ) [النور : 39] .
   والمحكمة لا تقرر ذلك منطلقا من سراب بل من واقع الأوراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* جنحة 6273 لسنة 1980 جنح مستأنف المنيا
·   وحيث أنه يهم المحكمة أولا وقبل كل شيء أن ترسى قضاء ـ فى حدود إرادة الله ـ تجعل تعاليم الإسلام بمبادئه السامية هى خاتمة المطاف ، إذ أن الدين عند الله الإسلام ، وبه تضع المحكمة نصب أعين هذا المتهم ـ وأمثاله ـ قواعد عادلة تسرى على جميع خلق الله إلى يوم الدين.
   والإنجيل ذاته جعل الخمر محرمة ، فقد جاء فى أكثر من موضع بالكتاب المقدس أمر بعدم شرب الخمر . ففى رسالة بولس إلى أهل أفسوس بالإصحاح ( 5 : 18 ) " ولا تسكروا بالخمر الذى فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح " . ومن أمثال سليمان بالإصحاح ( 20 : 1 ) "الخمر مستهزئة ، والمسكر عجاج ، ومن يترنح بهما فليس بحكيم " .
·   وحيث أن المسيحية تمج الخمر ولا تنادى بشربها ، وموقفها من شارب الخمر دقيق وصريح ، لا تبيحها ، وتؤثم شاربها وتلعنه ، لا بل إنها تلعن من يقدم كأسا واحدة منها لصاحبه ، وهى تحذر الناس بلغة قوية حتى من الاقتراب منها. تقول الأمثال ( 23  29  32 ) : " لمن الويل ، لمن الشقاوة ؟ لمن المخاصمات؟ لمن الكرب ؟ لمن الجروح بلا سبب؟ لمن إزمهرار العينين ؟ للذين يدمنون الخمر " وقد جاء فى رسالة الرسول بولس الأولى إلى أهل كورنتوس إصحاح 10 عدد 23 : " كل الأشياء تحل لى ، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لى لكن ليس كل الأشياء تبنى " ومن الاستثناء الواضح فى كلمة " لكن " ترى المحكمة أن شرب الخمر لا يوافق المجتمع الإيمانى الذى ينبغى أن نعيشه ، ولا يوافق ظروفنا المادية لأن الخمر هى قمة الهدم : هدم صحة شاربها وكرامته ونفسيته ومادياته. وفى الكتاب المقدس أيضا :
1 ـ " لا تنظر إلى الخمر إذا احمرت حين تظهر حباتها فى الكأس وساغت مرقرقة ، فى الآخر تلسع كالحية ، وتلدغ كالأفعوان : خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك .
2 ـ " عنبهم عنب سم ، ولهم عناقيد مرارة ، خمرهم جمة الثعابين وسم الأصلال القاتل "
3 ـ " هؤلاء ضلوا بالخمر وتاهوا بالمسكر "
4 ـ " الزنا والخمر والسلافة تخلب القلب ، حقا إن الخمر غادرة ".
5 ـ " اصحوا أيها السكارى ، وابكوا وولولوا يا جميع شاربى الخمر "
6 ـ لا زناة ، لا سارقون ، لا طماعون ، لا سكيرون يرثون ملكوت الله " .
·   وحيث أن المحكمة تقرر وهى بإزاء استعراضها للواقعة ، بأنها واقعة مثال : مثال لكارثة خلقية بأى معيار ، وبكل الاعتبارات والمقاييس ، وأن أمثال هذه الواقعة كثير : ارتكب ولا يزال يرتكبها آخرون لا يمثلون اليوم ـ كالمتهم ـ فى قفص الاتهام مقيدى الحرية ، غلت أيديهم ، وتعنى المحكمة بهؤلاء : أساطين الخمارات ، ونوادى وصالات اللعب والقمار اللذين هم : لمراكزهم أو لشخصياتهم أو لمادياتهم ـ بكل أسف ـ يُتركون. والمتهم فى مثل هذه الوقائع المزرية ـ والماثل خير مثال على ذلك ـ عادة ما يكون شخصا بسيطا عاديا ليست له الحظوة أو السطوة أو الوزن الاجتماعى وفقا للمعايير ـ المشبوهة ـ السائدة فى هذا المجتمع. فهناك متهمون عديدون لحمتهم الخمر وسداهم ، لا ينالهم أبدا صوت الاتهام ولا قيد السجان ورسف الأغلال ، وهؤلاء فى دولتنا ـ عقابهم عند الله يوم القيامة : جهنم وبئس المصير ،هم وإن كانوا قد فروا من طائلة القانون العقابى فى الدنيا إلا أنهم لن يستطيعوا أبدا أن يفروا من الله.
·   وحيث أن المحكمة ـ هنا  تناشد السلطة التنفيذية القابضة على مقاليد الحكم فى البلاد أن تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه تحت أى وصف ، ومن خلال أى عذر أن يشرب ، وأن تضع نصب أعينها أنه أولى بها أن تحارب الشرب شرا فى مكامنه وجذوره هنا وهناك حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى والله عزيز حكيم.
·   وحيث أن الإسلام ـ كنص الدستور ـ هو دين الدولة ، والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فإن المحكمة فى هذا المقام تردد قول الله سبحانه وتعالى ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [ المائدة : 47 ] كما تستحضر قول الخالق (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [ النساء : 59 ] وأخيرا تستعرض قول العزيز الجبار (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [ النساء : 65 ]
   ومنطلقا من هذا فإن للمحكمة هنا وقفة لابد منها ـ دون معقب ـ لإعلاء كلمة الله :
إن الإسلام : وهو خاتم الديانات جميعا ، قد حرم الخمر تحريما قاطعا ، يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُّوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ ) [ المائدة : 90 ـ 91 ]
   هذا النص ولاشك قاطع الدلالة على تحريم الخمر ، لأن شاربها كعابد الأوثان من دون الله كافر ، وفوق هذا فإنها أم الخبائث كما وصفها خاتم الأنبياء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
تأسيسا على ذلك ـ وقد أورد التقرير الطبى المودع بالأوراق ـ أن المتهم " تناول مشروبا كحوليا ، وفى حالة سكر بين " ـ فإن المحكمة تقر بأن العقوبات الإسلامية فى الحدود مقدرة ـ ذات حد واحد ـ وليس للقاضى أن يستبدل بها عقوبات أخرى ، ومن جهة أخرى فإن طبيعة العقوبات فى الشريعة الإسلامية لا تسمح بالتفريق فى العقوبة بين فرد وفرد ولا بين مسلم وغير مسلم ، وأن لكل جريمة فى الإسلام عقوبتها ـ فمن ارتكب جريمة استحق عقوبتها على أى مذهب أو دين لأن العقوبة فى الإسلام ـ كما هى فى الشرائع السماوية ـ تتجه إلى العدالة وحماية الفضيلة والأخلاق ، وإن العقوبات التى يكون هدفها كذلك ، لا ينظر فيها إلى مقدار الجريمة ، إنما ينظر فيها إلى مقدار آثار الجريمة فى المجتمع ، والفضيلة التى عمل الإسلام على حمايتها هى الفضيلة الخلقية التى تنظم السلوك الإنسانى العام دون نظر إلى إرضاء الناس أو ملاءمتها لأغراضهم إذا كانت ـ كالخمر ـ مفسدة فلا تخضع للأوضاع ولا لأعراف الناس ، كى يحكم عليهم بالخير أو الشر.
   ومن ثم فإنه بالنسبة لحد الشرب فإن جمهور الفقهاء حرموا الخمرعلى المسلمين وغير المسلمين ، ومن يشربها يكون قد ارتكب جريمة يعاقب عليها ، وبمقتضى قاعدة أن " لغير المسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين " يجب أن يعاقب كل من على غير دين الإسلام بما يعاقب به المسلم سواء بسواء.
   وبالبناء على ما تقدم : فالخمر لا تُعد حلالا فى دين من الأديان ، واستباحة النصارى لها ـ ليست بالقواعد التى أسلفنا ـ استباحة مشتقة من دينهم ، فدينهم حرمها . كما وأن التدخل لمنعها لا يُعد تدخلا فى الحرية الدينية ، إذ التدخل يكون إذا كانت المسألة أمرا يطلبه دينهم ولا يحرمه ويحبب فيه بينما يمنعه الإسلام أو يعاقب عليه. والحال فى الخمر ليس كذلك إذ أن الديانتين تتفقان على تحريمها تماما.
   ومن ناحية أخرى فالحدود تعد أحكامها من النظام العام ، وما هو كذلك بهذا الوصف يطبق حتما على جميع المقيمين بالدولة دون تفرقة بين دين ودين ، وإنما كانت الحدود ـ إقامة ـ من النظام العام لأنها لحماية الفضيلة والآداب العامة فى الأمة ، وفضلا عن ذلك فإن كل ما ورد به نص مجمع عليه عند فقهاء الشريعة يعد فى الإسلام من النظام العام.
   وأخيرا فإن سد الذرائع المؤدية إلى الشر توجب وضع العقوبات الزاجرة لمن يشرب الخمر أو يسكر منها ، فى أى موضع سواء. إذ أن رؤية المسلم غيره يشرب الخمر يغريه هو بها فكان سدا للذريعة أن يعمم العقاب حيث لا استثناء فى قانون الله ، وحيث كان المرض يجب القضاء عليه ، وحيثما كان الجانى وجبت عقوبته دون التفات إلى جنسه أو دينه ، إذ عدم إقامة الحد تعطيل للحدود وهذا إثم عظيم.
   ومتى استقام ما تقدم وكانت الواقعة على ما جاء بمدونات الدعوى وما جرت به التحقيقات قد قام الدليل على ثبوتها وصحة إسنادها إلى المتهم فإنه يتعين رفض الاستئناف موضوعا وتأييد الحكم المستأنف مصداقا لقول الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [ القيامة : 38]
                                                فلهذه الأسباب
    حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق