جلسة 16 من مايو سنة 1961
برياسة السيد محمود
ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: صبحى الصباغ، ومحمد عبد الرحمن
يوسف، ومحمود محمد مجاهد، والسيد أحمد عفيفى، ومحمد عطية اسماعيل، ومحمود حلمى
خاطر، وعادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسن خالد المستشارين.
-----------
(2)
الطعن رقم 2 لسنة 31
"هيئة عامة"
(أ) نقض. عقوبة الإعدام.
عرض القضايا المحكوم فيها
حضوريا بعقوبة الإعدام على محكمة النقض. ميعاد المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة
1959. ميعاد تنظيم. أثر ذلك: اتصال محكمة النقض بالقضية بمجرد عرضها عليها سواء
قدمت النيابة مذكرة أو لم تقدم. وسواء قدمت المذكرة قبل فوات ميعاد المادة 34 أو
بعده.
(ب) قتل عمد. حكم
"تسبيبه". نقض.
نية إزهاق الروح. علاقة
السببية بين الإصابة والوفاة. وجوب استظهار الحكم هذين الركنين. إغفال ذلك. قصور.
نقض.
الخروج عن قاعدة نسبية أثر الطعن. نقض الحكم أيضا بالنسبة لمن لم يقدم أسبابا
لطعنه. المادة 42 من القانون 57 لسنة 1959.
(جـ) حكم "تسبيبه".
ما يعيبه. التخاذل
والتهاتر وتعارض الأدلة والغموض. مثال.
----------------
1 - تجاوز الميعاد المبين
بالمادة 34 من القانون رقم 57 لسنة 1959 لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة
القضية المحكوم فيها حضوريا بعقوبة الإعدام على محكمة النقض عملا بنص المادة 46 من
القانون المذكور، ذلك بأن الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمية وعدم
ترك الباب مفتوحا إلى غير نهاية، والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على
محكمة النقض في كل الأحوال متى صدر الحكم حضوريا (وجاهيا)، وتتصل المحكمة بالدعوى
بمجرد عرضها عليها طبقا للمادة 46 سالفة الذكر، وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من
تلقاء نفسها - سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم، وسواء قدمت هذه
المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده، وذلك درءا للشبهة بين حق النيابة
وواجبها: حقها في الطعن بطريق النقض في الحكم بوصف أنها من خصوم الدعوى الجنائية،
وواجبها في أن تعرض القضية طبقا للمادة 46 المذكورة.
2 - القصد الجنائي في جريمة القتل العمد يتميز عن
القصد الجنائي العام في سائر جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص، هو أن يقصد الجاني
من ارتكاب الفعل الجنائي إزهاق روح المجنى عليه، وهذا العنصر بطبيعته أمر داخلي في
نفس الجاني، ويجب لصحة الحكم بإدانة متهم في هذه الجريمة أن تعنى المحكمة بالتحدث
عنه استقلالا وإيراد الأدلة التي تكون قد استخلصت منها أن الجاني حين ارتكب الفعل المادي
المسند إليه قد كان في الواقع يقصد به إزهاق روح المجنى عليه. فإذا كان الحكم قد
اقتصر على بيان إصابات المجنى عليهما دون أن يستظهر نية إزهاق الروح، كما أنه لم
يستظهر علاقة السببية بين تلك الإصابات كما أوردها الكشف الطبي وبين الوفاة التي
حدثت، فإنه يكون معيبا بما يكفى لنقضه بالنسبة إلى الطاعن الأول وكذلك بالنسبة إلى
الطاعن الثاني - ولو أنه لم يقدم أسبابا لطعنه - لاتصال هذا الوجه من الطعن به
عملا بنص المادة 42 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر
بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
3 - إذا أثبت الحكم أن
الجناية وقعت بسبب حقد المتهم على المجنى عليه ورغبته في الانتقام منه والثأر لما
يزعمه من عرض مهان مرده الحادث الخلقي، ثم نفى في الوقت نفسه قيام هذا الدافع لمضى
عشر سنوات على الحادث المذكور وإتمام الصلح بين المتهم وبين زوجته وخصمه المجنى
عليه وقبضه منه مالا لقاء هذا الصلح، فإن الحكم يكون منطويا على تهاتر وتخاذل
لتعارض الأدلة التي ساقها في هذا الخصوص بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر،
هذا فضلا عن غموض الحكم في خصوص تحصيله دفاع المتهم بشأن ما أثاره من اعتراض على
بطلان بعض إجراءات التحقيق بما يعجز هذه المحكمة عن إعمال رقابتها على سلامة
إجراءات الدعوى.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا
من: 1 - حسن بن خضره عده و 2 - بلعباس ابن أحمد بقاره الجيلانى و 3 - على بن صالح
الإبراهيم بأنهم في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1958 بدمشق أولا - قتلوا
"المغدور" ديب سنبل وزوجته "المغدورة" ديبة عرابي وأشعلوا
النار بمكان آهل بالسكان - ثانيا - اقتنوا سلاحا ممنوعا. وطلبت من قاضى الإحالة
إحالتهم إلى محكمة جنايات دمشق طبقا للمواد 314 و 318 و 535 و 574 من قانون
العقوبات السوري، فقرر بذلك بتاريخ 22 أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1959. وأثناء نظر
الدعوى أمام محكمة جنايات دمشق ادعى بحق شخصي عبد الجليل عرابي عن نفسه وبصفته أحد
ورثة ابنته ديبه عرابي ووصيا على القاصرين ولدى المجنى عليه والمحكمة المذكورة قضت
وجاهيا بالاتفاق: 1 - تفريق محاكمة المتهم الموقوف بلعباس بن أحمد بقاره المريض
لحين شفائه وإمكانية معاودة محاكمته. 2 - تجريم المتهم الموقوف حسن بن خضره عده
بجناية الاشتراك بقتل المغدورين ديب سنبل وزوجته ديبه عرابي عن سبق تصور وتصميم
والتحريض على ذلك. 3 - الحكم عليه بعقوبة الإعدام وفقا للفقرة الأولى من المادة
535 عقوبات والمادتين 216 و 217 عقوبات. 4 - براءته من جرم الاشتراك بالحريق لضعف
الدليل. 5 - براءته أيضا من جرم حمل سلاح ممنوع للسبب ذاته. 6 - تحسب له المدة
اعتبارا من تاريخ توقيفه الواقع في 8/ 11/ 1958. 7 - تجريم المتهم الموقوف على
صالح الإبراهيم بجناية الاشتراك بجريمة القتل المذكورة. 8 - الحكم عليه بعقوبة
الإعدام وفقا للفقرة الأولى من المادة 535 عقوبات. 9 - للسبب المخفف التقديري
تبديل هذه العقوبة بالأشغال الشاقة المؤبدة عملا بالمادة 243 عقوبات... إلى آخر ما
قضى به منطوق الحكم. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض. كما طعن
فيه المحكوم عليه الثاني ولكنه لم يقدم أسبابا لطعنه. وبتاريخ 24 يناير (كانون الثاني)
سنة 1961 قررت الدائرة الجزائية بمحكمة النقض بدمشق بأكثرية الآراء إحالة الدعوى
إلى الهيئة العامة للمواد الجزائية بمحكمة النقض للحكم فيها بما تراه طبقا لنص
المادة 4 فقرة أخيرة من القانون 56 لسنة 1959 بشأن السلطة القضائية.
المحكمة
من حيث إن الحكم المطعون
فيه صدر حضوريا (وجاهيا) بتاريخ 31 من أغسطس سنة 1960 بمعاقبة الطعن الأول
"حسن بن خضره عدة " بالإعدام ومعاقبة الطاعن الثاني "على بن صالح
الإبراهيم" بالأشغال الشاقة المؤبدة وبحجر المحكوم عليهما المذكورين
وتجريدهما وإلصاق الحكم بحقهما ومنعهما من الإقامة مدة ثلاث سنوات وبتضمينها
بالتكافل والتضامن حقا شخصيا إلى ورثة المغدورين مبلغ عشرين ألف ليرة سورية
وتضمينهما الرسم النسبي للحق الشخصي وبمصادرة أدوات الجريمة وبإعادة ما تبقى من
السلفة إلى المدعى وتضمينهما أتعاب محاماة خمسمائة ليرة سورية يدفع ريعها لصندوق
نقابة المحامين وبإيصال سند الكفالة وتضمين المحكوم عليهما مبلغ ألف وخمس وثلاثين
ليرة سورية المصروف من نفقات الجرائم العامة لقاء نفقات خبرة وتحليل وكشوف وسبع
ليرات ونصف خرج التحقيق وعشرين ليرة سورية رسم الحكم - وبتفريق (تأجيل) محاكمة
المتهم الثاني في الدعوى "بلعباس بن أحمد بقاره" لحين شفائه وإمكانية
إعادة محاكمته، وقد أدين الطاعن الأول في جناية الاشتراك في قتل المجنى عليهما
(المغدورين) ديب سنبل وزوجته ديبه عرابي مع سبق "التصور" والتصميم عملا
بالمواد 216 و 217 و 535/ 1 من قانون العقوبات السوري كما أدين الطاعن الثاني بجنايتي
الاشتراك في القتل سالفة الذكر والحريق العمد وجنحة حمل سلاح ممنوع عملا بالمواد
243 و 314 و 535/ 1 و 573 و 574 من قانون العقوبات السوري مع تطبيق المادة 204 من
القانون المذكور وتطبيق المواد 49 و 25 و 67 و 82 بالنسبة إلى الطاعنين معا. وقد
عرضت النيابة العامة القضية على محكمة النقض بمذكرة برأيها في الحكم الصادر بإعدام
الطاعن الأول بتاريخ 25 من أكتوبر سنة 1960 عملا بنص المادة 46 من قانون حالات
وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 مجاوزة في ذلك
الميعاد المبين بالمادة 34 من القانون المذكور وهو أربعون يوما من تاريخ الحكم
سالف البيان.
وحيث إن تجاوز الميعاد
المذكور لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة للقضية على محكمة النقض، ذلك بأن
الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمية وعدم ترك الباب مفتوحا إلى غير
نهاية والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على محكمة النقض في كل الأحوال متى
صدر الحكم حضوريا (وجاهيا) وتتصل المحكمة بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقا للمادة
46 سالفة الذكر وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة
العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم وسواء قدمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد
للطعن أو بعده وذلك درءاً للشبهة بين حق النيابة وواجبها: حقها في الطعن بطريق
النقض في الحكم بوصف أنها من خصوم الدعوى الجنائية، وواجبها في أن تعرض القضية
طبقا للمادة 46 المذكورة. لما كان ذلك، وكانت الدائرة الجزائية بمحكمة النقض التي
عقدت بدمشق قد قررت بتاريخ 24 كانون الثاني (يناير) سنة 1960 بأكثرية الآراء إحالة
الدعوى إلى هذه الهيئة العامة للفصل فيها وفقا للمادة 4 من القانون رقم 56 لسنة
1959 في شأن السلطة القضائية لما ارتأته من عدول عن المبدأ القانوني الذى قررته
أحكام سابقة القاضي بعدم قبول عرض النيابة للقضايا المحكوم فيها بالإعدام ما لم
تكن مقدمة في الميعاد القانوني المنوه عنه في المادة 34 من قانون حالات وإجراءات
الطعن أمام محكمة النقض، وكانت الهيئة العامة ترى بإجماع الآراء إقرار الدائرة
الجزائية بمحكمة النقض على ما ارتأته أكثرية أعضائها من عدول عن المبدأ سالف
البيان والقضاء بأن تجاوز الميعاد المنصوص عليه في المادة 34 المذكورة لا يترتب
عليه عدم قبول عرض النيابة المنصوص عليه في المادة 34 المذكورة لا يترتب عليه عدم
قبول عرض النيابة العامة للقضايا المحكوم فيها حضوريا (وجاهيا) بعقوبة الإعدام على
محكمة النقض عملا بنص المادة 46 من القانون المذكور للأسباب المتقدمة والفصل في الدعوى
عملا بالمادة 4 من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية.
وحيث إنه يبين من الاطلاع
على الأوراق أن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله "أن الطاعن
الأول أقام وزوجته اللبنانية الجنسية - بعد تركه الخدمة العسكرية - بالقرب من جسر
نورا عند مدخل دمشق الشمالي حيث كان المجنى عليه (المغدور) ديب سنبل يعمل بدكانه
"كسمان" ويظهر أن الزوجة كانت على علاقة بالمجنى عليه المذكور إذ فاجأها
زوجها (الطاعن الأول) ذات يوم بحالة مريبة فأقدم على ضرب المجنى عليه وجرحه وهدده
بنسف دكانه وقد طلق زوجته مدة من الزمن ثم تصالح مع المجنى عليه لقاء مبلغ من
المال ورضى برجوع الزوجة إليه للعناية بابنته منها ومرت الأيام ولكن الغيظ والحقد
كانا قد تملكا منه بعد مغادرته جسر نورا إلى حرستا حيث كان يعمل سائق سيارة بنزين
وكان رفيقه القديم في الجندية "المتهم الثاني في الدعوى" على صلات معه
وعلى علم بحادث الزوجة مع المجنى عليه فحرض الطاعن الأول على الانتقام وعرض عليه
خدماته لقاء مبلغ من المال كان الطاعن المذكور يدفعه إليه على أقساط مقترا على
نفسه حتى سدد المبلغ بالكامل وهو ألف ليرة سورية. وعندما دخلت الجريمة المتفق
عليها حيز التنفيذ وتواعد المجرمون على اللقاء بالقرب من دار المجنى عليه وكان
المتهم الثاني (بلعباس) قد طلب من اثنين من رفاقه أحدهما "المتهم الثالث على
صالح الإبراهيم" (الطاعن الثاني) وهو مغربي مثله والرابع بقى مجهولا، على
المساهمة في هذه الجناية فلبوا طلبه ووزعوا العمل فيما بينهم حيث بقى الطاعن الأول
يراقب خارج دار المجنى عليه ودخل الآخرون إلى حيث يرقد المجنى عليهما وأطفالهما
ففتكوا بالأولين ثم أضرموا النار في البيت للتضليل وإخفاء معالم الجريمة"
وأورد الحكم نقلا عن التقرير الطبي الإصابات التي شوهدت بجثتي المجنى عليهما
وكيفية حدوثها وسبب الوفاة وساق الأدلة على ثبوت الواقعة بالنسبة إلى الطاعن الأول
وحصرها في اعترافه المتكرر أمام القاضي المحقق المؤيد بشهادة الشهود الذين استمعوا
إليه وهم الرائد بهاء الدين الخوجة والمقدم أكرم طباره والمقدم رسلان بن سعيد
الشطا وعبد الجليل بن عزو الشماع والمؤيد أيضا بالأمارات المادية المستمدة من
العثور على نقطة دماء من زمرة (فصيلة) دماء القتيلين "بجراب" الطاعن
المذكور ووجود مفك البراغي الإنكليزي الذى كان يستعمله في مهنته كسائق ملوثا
بالدماء في دار المجنى عليهما على اثر مقتلهما وحرق دارهما وبتمثيل الجريمة من قبل
الطاعن المذكور في محضر الضبط المؤرخ 24/ 12/ 1959 ووجود فردة حذاء له في دار
المجنى عليهما وما جزم به إلياس بن يوسف الصباغ في التحقيق من أن الفردة المذكورة هي
إحدى فردتي الحذاء الذى كان يلبسه الطاعن وباستعراف الكلب البوليسي على هذا الأخير
بعد ما عرضت عليه فردة الحذاء المذكورة وما شهدت به فاطمة محمد بناري زوجة المتهم الثاني
"بلعباس" في التحقيق وأمام المحكمة من أن زوجها لم يكن صديقا للطاعن الأول
وإنما كانت بينهما معرفة عندما كانا في الجيش سويا. وأورد الحكم من بين أدلة
الثبوت ما شهد به عبد الفتاح اسماعيل حلاوة أمام المحكمة من أنه اضطر خوفا من رجال
المباحث إلى أن يقرر لهم ولقاضي التحقيق أن المفك الذي عثر عليه بحديقة المنزل هو
للطاعن المذكور وبأنه لا معلومات لديه. وخلص من ذلك إلى أخذ الطاعن الأول بالمادة
535 من قانون العقوبات بفقرتها الأولى "لأن الجريمة وقعت على أثر تصور وتصميم
من قبله بالاشتراك منه والتحريض عليها من قبله ودفعه المال لقاء ذلك وحضوره بالذات
حين تنفيذها وتوليه مهمة مراقبة مكان اقترافها وتسهيل مهمة شريكيه. فهو الذي دعا
إليها وحضرها وأشار إلى محل وجود غريمه وقد وقعت الجناية بسبب حقده على المغدور
ورغبته بالانتقام منه والثأر لما يزعمه من عرض مهان". وقصر مساءلته على
الاشتراك في القتل دون ارتكاب الحريق عمدا. ثم عرض الحكم إلى ما دفع به المدافع عن
الطاعن المذكور من قيام الدافع الشريف فقال "يطلب الدفاع اعتبار الجريمة وقعت
بدافع شريف وهذا الطلب متناقش مع طلب البراءة إذ أن المتهم (الطاعن الأول) لابد له
من الاستفادة (أي لا حق له) من أحكام المادة 192 عقوبات لجريمة ينكرها ولا يعترف
بها أصلا. هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يوجد في القضية دافع شريف بعد أن مضى على
الحادثة الأخلاقية - سبب الجريمة - عشر سنوات وتصالح المتهم حسن مع زوجته ومع خصمه
المغدور وقبض منه مالا لقاء ذلك ولم يعد في القضية أي تهديد أو تعرض لشرف المتهم
من قبل أحد". وعرض الحكم إلى الدفع ببطلان اعتراف الطاعن المذكور في قوله
"يزعم الدفاع بأن اعتراف حسن انتزع منه انتزاعا بوسائل قسرية ولكن هذا الطعن
لم يتأيد بأي دليل - لا بل إن كل ما في التحقيق يدل بجلاء ووضوح على أن الحادث كما
رواه حسن مطابق للواقع إذ لا يعقل أن يكون المحقق على علم بالغيب حتى يسرد كل هذه
التفاصيل ويشير إلى الأمكنة والأشياء ويسمى الأشخاص ويقوم بتصوير الجريمة كما
مثلها المتهم المذكور، فضلا عن أن الاعتراف المشار إليه قد
تكرر أمام الشهود
المذكورين آنفا وبعضهم غرباء عن التحقيق وعن الشرطة". لما كان ذلك، وكان
القصد الجنائي في جريمة القتل العمد يتميز عن القصد العام في سائر جرائم التعدي
على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني
عليه وهذا العنصر بطبيعته أمر داخلي في نفس الجاني ويجب لصحة الحكم بإدانة متهم في
هذه الجريمة أن تعنى المحكمة بالتحدث عنه استقلالا وإيراد الأدلة التي تكون قد
استخلصت منها أن الجاني حين ارتكب الفعل المادي المسند إليه قد كان في الواقع يقصد
به إزهاق روح المجني عليه. وكان الحكم المطعون فيه قد اقتصر على بيان إصابات
المجنى عليهما دون أن يستظهر نية إزهاق الروح، كما أنه لم يستظهر علاقة السببية
بين تلك الإصابات كما أوردها الكشف الطبي وبين الوفاة التي حدثت مما يعيب الحكم
بما يكفى لنقضه بالنسبة إلى الطاعن الأول وكذلك بالنسبة إلى الطاعن الثاني ولو أنه
لم يقدم أسبابا لطعنه لاتصال هذا الوجه من الطعن به عملا بنص المادة 42 من قانون
حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959، فضلا عما تردى فيه الحكم
من تناقض وفساد في الاستدلال على نفى الدافع الشريف لدى الطاعن الأول إذ أثبت أن
الجناية وقعت بسبب حقده على المجنى عليه ورغبته في الانتقام منه والثأر لما يزعمه
من عرض مهان مرده الحادث الخلقي ثم نفى في الوقت نفسه قيام هذا الدافع لمضى عشر
سنوات على الحادث المذكور واتمام الصلح بين الطاعن وبين زوجته وخصمه المجنى عليه
وقبضه منه مالا لقاء هذا الصلح وحتم الإعمال حكم المادة 192 من قانون العقوبات السوري
- التي توجب في حالة ما إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفا استبدال عقوبة
الاعتقال المؤقت بالإعدام - ضرورة اعتراف المتهم بالجريمة. وهذا الذي ذهب إليه
الحكم ينطوي على تهاتر وتخاذل لتعارض الأدلة التي ساقها الحكم في هذا الخصوص بحيث
ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر كما يتضمن خطأ في تأويل القانون، ذلك أنه لا يشترط
لتوافر الدافع الشريف في حكم المادة 192 المذكورة أن يكون المتهم معترفا بجرمه بل
يكفى أن يكون ظاهرا من الواقع والأدلة التي أوردها الحكم. هذا فضلا عن غموض الحكم
في خصوص تحصيله دفاع الطاعن المذكور بشأن ما أثاره من اعتراض على بطلان بعض
إجراءات التحقيق بما يعجز هذه المحكمة من إعمال رقابتها على سلامة إجراءات الدعوى.
لم كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى المحكوم عليهما
والإحالة إلى محكمة جنايات دمشق للفصل في القضية مجددا من هيئة أخرى وألزمت
المطعون ضده المصاريف.