الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأربعاء، 15 أكتوبر 2025

القضية 58 لسنة 19 ق جلسة 7 / 3 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 53 ص 338

جلسة 7 مارس سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: ماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وإلهام نجيب نوار والدكتور عادل عمر شريف. وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (53)
القضية رقم 58 لسنة 19 قضائية "دستورية".

(1) دعوى دستورية "نطاقها".
نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته.
(2) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع.
(3) دستور "عدالة ضريبية تحصيل الضريبة".
إن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضموناً وإطاراً للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضي بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم، وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نائياً لتحيفها، وحيدتها ضماناً لاعتدالها.
(4) دستور: "المادة (66) منه - مخالفة محدده تحديداً واضحاً: -
العقوبة المرصودة لمخالفة ضريبية حددت تحديداً واضحاً، توخياً لأغراض اقتصادية واجتماعية - تتحقق معها المصلحة العامة للدولة في المجال الضريبي ولا يصير هناك أساس لإثارة فكرة تعارض النص الطعين. ونص المادة (66) من الدستور.

------------------
1 - نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستور المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته.
2 - كان من المقرر كذلك، أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. ومؤدى ذلك جميعه، أن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية بمفهومها السابق، لا يجرى التحقق من توافرها إلا في حدود ما دفع المدعي فعلاً بعدم دستوريته أمام محكمة الموضوع، وفي حدود ما قدرت هذه الأخيرة جديته، وصرحت برفع الدعوى بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية.
3 - إن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة؛ ومن المقرر هنا أن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضموناً وإطاراً للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضي بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم، وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نائياً لتحيفها، وحيدتها ضماناً لاعتدالها. فإذا كان ذلك، وكان الجزاء الجنائي الذي فرضه المشرع بالنص الطعين، والذي رآه المدعي مغالاً فيه، إنما تقرر لضرورة تبرره، وهي تنبيه الممولين إلى، وحثهم على، احترام التزاماتهم الضريبية، وسدادها في المواعيد المقررة، تمكيناً للدولة من الاستمرار في أداء الواجبات والمهام المعهودة إليها؛ وقد تقرر هذا الجزاء كوسيلة نهائية وأخيرة لحمل الممول على الوفاء بالتزامه الضريبي، وبعد تجاوز الحدود التي يجوز التسامح فيها، متمثلة في انقضاء فترة زمنية إضافية محددة سمح فيها المشرع للممول بتقديم الإقرار، وسداد المستحق عليه، دون إثارة مسئوليته عن التأخير، بما لا يتبقى معه بعد ذلك عذر لعزوف الممول عن سداد الضريبة في المواعيد المقررة. وبذلك فإن هذه العقوبة لا تكون مقصودة لذاتها، وإنما لتقويم سلوك الأفراد المارق المنهي عنه جنائياً وفق قواعد موضوعية يتساوى الجميع أمامها، ومن خلال منظور اقتصادي واجتماعي يكفل تحقيق مصالح الدولة، ولا يخل بحقوق الأفراد، مما يصبح معه تقرير هذا الجزاء ضرورياً ومفيداً ومبرراً، وليس فيه - من منظور دستوري - مخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية.
4 - حدد النص الطعين عقوبة جنائية صريحة، وهي عقوبة مرصودة لمخالفة ضريبية حددت تحديداً واضحاً، توخياً لأغراض اقتصادية واجتماعية تتحقق معها - وعلى ما سبق بيانه - المصلحة العامة للدولة في المجال الضريبي. ولذلك، فإنه لا يكون في أحكام النص الطعين ذاته، والذي به وحده يتحدد نطاق الدعوى المعروضة، ما يفيد أن الجزاء الجنائي يجوز توقيعه خارج دائرة المحاكم. وبالتالي، لا يصير هناك أساس لإثارة فكرة تعارض النص الطعين، ونص المادة (66) من الدستور.


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من شهر مارس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (41) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وبسقوط حكم تلك المادة بالنسبة للغرامة والفوائد القانونية طالما تم السداد عن طريق التصالح.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم: أصلياً - بعدم قبول الدعوى؛ واحتياطياً - برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد قيدت في شأنه القضية رقم 128 لسنة 1995 حصر تحقيق مبيعات، والتي وجهت فيها اتهامات إلى الشركة التي يتولى إدارتها بالتهرب الضريبي لقيامها بتحميل مبيعاتها بضريبة مبيعات، وتحصيلها لهذه الضريبة بلا إقرار عنها دون وجه حق، بالمخالفة لنص المادة (44/ 2) من القانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه؛ وكذلك بمخالفة أحكام المادة (41/ 1) من ذات القانون لتقديمها إقرارات ضريبية بعد الميعاد القانوني. ولتفادي السير في الإجراءات الجنائية، قبل المدعي، بطلب مؤرخ 5/ 12/ 1995، التصالح مع مصلحة الضرائب على المبيعات في مقابل سداد مبلغ إجمالي قدره 61729 جنيهاً (منه 15332.25 جنيهاً أصل الضريبة، و400 جنيه غرامة مبيعات مخالفة، و45996.75 جنيهاً ثلاثة أمثال الضريبة كتعويض، بالإضافة إلى ما يستحق من ضريبة إضافية بواقع 0.5% عن كل أسبوع أو جزء منه عن المتأخرات من ضريبة وضريبة إضافية من تواريخ استحقاقها حتى تاريخ سدادها)، وحرر على نفسه عدة شيكات لاستيفاء سداد هذا المبلغ يستحق آخرها في 5/ 7/ 1996. وبعد انقضاء الدعوى الجنائية كأثر لهذا التصالح عاد المدعي وأقام في 26/ 10/ 1996، الدعوى رقم 12047 لسنة 1996، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب إلزام وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب على المبيعات، أن يرد إليه مبلغ 37135.50 جنيهاً، هي مقابل فائدة الـ 0.5%، وغرامة الـ 200% من أصل الضريبة المشار إليها، بدعوى أنه قام بسداد هذه المبالغ تحت وطأة إكراه مادي وأدبي، وأن فرض هذه المبالغ فيه مخالفة لأحكام الدستور. وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعي بعدم دستورية المادة (41) من القانون رقم 11 لسنة 1991، طالباً سقوط حكمها بالنسبة للغرامة والفوائد القانونية طالما تم السداد عن طريق التصالح، ونعى على هذا النص تعارضه والمادة (38) من الدستور، لما فيه من إخلال بالعدالة الاجتماعية في المجال الضريبي؛ وذلك لعدم اعتداده بحسن نية الممول عند تقدير الجزاء الجنائي المترتب على التأخر في توريد الضريبة؛ والمادة (66) منه، لما انطوى عليه من توقيع جزاء جنائي عن غير طريق المحاكم. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية بشأنه، فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن ما نسب إلى المدعي جنائياً، وتم التصالح بشأنه، ليس هو ارتكاب إحدى المخالفات الضريبية المنصوص عليها بالنص الطعين، وتقبل التصالح طبقاً لنص المادة (42) من القانون رقم 11 لسنة 1991؛ وإنما المنسوب إليه هو ارتكابه جريمة التهرب الضريبي الحكمي المنصوص عليها في المادة (44) من هذا القانون، ويجوز التصالح بشأنها طبقاً لنص المادة (45) منه بعد سداد الضريبة والضريبة الإضافية والتعويض، وهو ما تم بالفعل في حالة المدعي. ومن ثم، فإن مصلحة المدعي في استرداد ما يطالب به من مبالغ تنصرف إلى الطعن بعدم الدستورية على هذا النص دون نص المادة (41) الطعين، باعتبار أن المبالغ المطلوب استردادها يرتد سبب الإلزام بها إلى النص الأول دون النص الثاني الذي لم يطبق على المدعي.
وحيث إن قانون الضريبة العامة على المبيعات، الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، قد وضع التنظيم العام لأحكام هذه الضريبة، وبعد أن حدد كل ما يتصل بأوضاع فرضها، واستحقاقها، وتحصيلها، نظم في الباب الحادي عشر منه أحكام ما يتصل بهذه الضريبة من جرائم وعقوبات، فنص في المادة (41) على أنه "يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه، ولا تجاوز ألفي جنيه، فضلاً عن الضريبة والضريبة الإضافية المستحقتين، كل من خالف أحكام الإجراءات والنظم المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية، دون أن يكون عملاً من أعمال التهرب المنصوص عليها فيه.
وتعد مخالفة لأحكام هذا القانون الحالات الآتية:
1 - التأخير في تقديم الإقرار وأداء الضريبة عن المدة المحددة في المادة (16) من هذا القانون بما لا يجاوز ثلاثين يوماً (وقد تم مد هذه المهلة إلى بما لا يجاوز ستين يوماً، وذلك بموجب القانون رقم 91 لسنة 1996 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات رقم 11 لسنة 1991، والمعمول به اعتباراً من 1/ 7/ 1996، اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية).
2 - ..... 3 - ..... 4 - ..... 5 - ..... 6 - ....".
ونص في المادة (42) منه على أنه "يجوز للوزير أو من ينيبه التصالح في المخالفات المنصوص عليها في المادة السابقة مقابل أداء الضريبة والضريبة الإضافية في حالة استحقاقهما، وتعويض في حدود الغرامة المنصوص عليها في المادة السابقة.
ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية، ووقف السير في إجراءات التقاضي، وإلغاء ما يترتب على ذلك من آثار".
وبالإضافة على ذلك، فقد حددت المادة (43)، والتي شملها بالتعديل كذلك القانون رقم 91 لسنة 1996 المشار إليه، الحبس والغرامة أو أيهما كعقوبة على التهرب من الضريبة. ثم بينت المادة (44) حالات التهرب من الضريبة المعاقب عليها بعقوبة التهرب، وبعد ذلك حظرت المادة (45) رفع الدعوى الجنائية، أو اتخاذ أية إجراءات في جرائم التهرب من الضريبة، إلا بناء على طلب من الوزير أو من ينيبه، والذين أجازت لهما التصالح في جرائم التهرب، وذلك قبل صدور حكم في الدعوى مقابل سداد الضريبة، والضريبة الإضافية، وتعويض يعادل مثلي الضريبة... ورتبت على ذلك انقضاء الدعوى الجنائية، وإلغاء ما ترتب على قيامها من آثار، بما في ذلك التسوية المقضى بها. ومقتضى ذلك، أن الجرائم الضريبية التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه، ويترتب عليها جزاء جنائي، ويجوز التصالح بشأنها، تضم مجموعتين: الأولى - خاصة بالمخالفات التي وردت أحكامها بالمادة (41)، وبينت أوضاع التصالح بشأنها المادة (42)؛ والثانية - تتعلق بجرائم التهرب الضريبي التي حددت المادة (43) العقوبة المقررة لها، وبينت المادة (44) الأعمال المكونة لها، ثم عرضت المادة (45) لكيفية إقامة الدعوى الجنائية والتصالح بشأنها.
فإذا كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن ما كان منسوباً إلى المدعي في القضية رقم 128 لسنة 1995، حصر تحقيق مبيعات، لم يقتصر على جريمة التهرب الضريبي التي نظمت أحكامها وكيفية التصالح بشأنها المواد من 43 إلى 45 من القانون رقم 11 لسنة 1991، وإنما شملت كذلك مخالفة تقديم الإقرارات الضريبية بعد الميعاد القانوني التي وردت بالمادة (41/ 1) من ذات القانون؛ مما يعني أن جانباً من الاتهامات التي وجهت للمدعي، ودعته بالضرورة إلى قبول مبدأ التصالح الضريبي في سبيل تفادي الخضوع للإجراءات الجنائية، وما عساها تسفر عنه، قد ارتكز على نص المادة (41/ 1) سالف البيان، قبل تعديله بالقانون رقم 91 لسنة 1996 المشار إليه. متى كان ذلك، وكان من المقرر - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته؛ وكان من المقرر كذلك، أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. ومؤدى ذلك جميعه، أن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، بمفهومها السابق، لا يجرى التحقق من توافرها إلا في حدود ما دفع المدعي فعلاً بعدم دستوريته أمام محكمة الموضوع، وفي حدود ما قدرت هذه الأخيرة جديته، وصرحت برفع الدعوى بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية، أو يتعدى نطاقها فإذا كان ذلك، وكان الدفع بعدم الدستورية الذي تولدت عنه الدعوى المعروضة، وصرحت به محكمة الموضوع، قد وجه - في حقيقة الأمر - إلى نص المادة (41) من القانون رقم 11 لسنة 1991؛ إذ صب المدعي طعنه - في صحيفة دعواه - على التقدير العقابي الوارد في صدر هذه المادة لما عددته من مخالفات في البنود من 1 إلى 6 منها، ومن بينها مخالفة التأخير في تقديم الإقرار وأداء الضريبة في الميعاد القانوني المجرمة في البند (1) من هذه المادة، والذي طبق بالفعل على المدعي، وليس على تجريم الفعل المعاقب عليه في ذاته (وهو تقدير صدر به القانون رقم 11 لسنة 1991، ولم يتأثر بالتعديل التشريعي الذي أتى به القانون رقم 91 لسنة 1996 المشار إليه). ومن ثم، فإن نطاق الدعوى الدستورية المعروضة يكون مقصوراً على ذلك، ولا يتعداه لغيره من أحكام القانون رقم 11 لسنة 1991. ومتى كان ذلك، وكان من شأن القضاء بعدم دستورية النص الطعين، بالتحديد السابق، انهيار بعض مواد الاتهام التي كانت موجهة ضد المدعي، وأحقيته بالتالي في استرداد ما سدده من مبالغ مقابل التصالح عن هذه الاتهامات؛ فإنه - تبعاً لذلك - تكون للمدعي مصلحة شخصية مباشرة وأكيدة في تحدي دستورية النص الطعين، لما في ذلك من انعكاس ظاهر على دعوى الموضوع من ناحية الطلبات المطروحة فيها، وقضاء محكمة الموضوع بشأنها؛ وهو الأمر الذي يكون معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى غير سديد، مما يستوجب - بالضرورة - الالتفات عن هذا الدفع، وقبول الدعوى.
وحيث إنه عن النعي بعدم دستورية النص الطعين لمخالفته للعدالة الاجتماعية التي ينبغي أن يقوم عليها النظام الضريبي طبقاً لنص المادة 38 من الدستور، فمردود، ذلك أن الضريبة - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة؛ ومن المقرر هنا أن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضموناً وإطاراً للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضي بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم، وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نائياً لتحيفها، وحيدتها ضماناً لاعتدالها. فإذا كان ذلك، وكان الجزاء الجنائي الذي فرضه المشرع بالنص الطعين، والذي رآه المدعي مغالاً فيه، إنما تقرر لضرورة تبرره، وهي تنبيه الممولين إلى، وحثهم على، احترام التزاماتهم الضريبية، وسدادها في المواعيد المقررة، تمكيناً للدولة من الاستمرار في أداء الواجبات والمهام المعهودة إليها؛ وقد تقرر هذا الجزاء كوسيلة نهائية وأخيرة لحمل الممول على الوفاء بالتزامه الضريبي، وبعد تجاوز الحدود التي يجوز التسامح فيها، متمثلة في انقضاء فترة زمنية إضافية محددة سمح فيها المشرع للممول بتقديم الإقرار، وسداد المستحق عليه، دون إثارة مسئوليته عن التأخير، بما لا يتبقى معه بعد ذلك عذر لعزوف الممول عن سداد الضريبة في المواعيد المقررة. وبذلك فإن هذه العقوبة لا تكون مقصودة لذاتها، وإنما لتقويم سلوك الأفراد المارق المنهي عنه جنائياً وفق قواعد موضوعية يتساوى الجميع أمامها، ومن خلال منظور اقتصادي واجتماعي يكفل تحقيق مصالح الدولة، ولا يخل بحقوق الأفراد، مما يصبح معه تقرير هذا الجزاء ضرورياً ومفيداً ومبرراً، وليس فيه - من منظور دستوري - مخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية.
وحيث إنه لا أساس، كذلك، للنعي على النص الطعين بمخالفة المادة (66) من الدستور بمقولة أنه يؤدي إلى توقيع عقوبة جنائية عن غير طريق السلطة القضائية. ذلك أن النص الطعين لا يسمح بذلك، ولا يتضمنه، وإنما حدد عقوبة جنائية صريحة، وهي عقوبة مرصودة لمخالفة ضريبية حددت تحديداً واضحاً، توخياً لأغراض اقتصادية واجتماعية تتحقق معها - وعلى ما سبق بيانه - المصلحة العامة للدولة في المجال الضريبي. ولذلك، فإنه لا يكون في أحكام النص الطعين ذاته، والذي به وحده يتحدد نطاق الدعوى المعروضة، ما يفيد أن الجزاء الجنائي يجوز توقيعه خارج دائرة المحاكم. وبالتالي، لا يصير هناك أساس لإثارة فكرة تعارض النص الطعين، ونص المادة (66) من الدستور، في نطاق الدعوى المعروضة. إذ لا يتأتى مد نطاق هذه الدعوى إلى الأحكام الخاصة بالتصالح الضريبي الواردة بنص المادة (42) من القانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه - التي أجازت لوزير المالية، أو من ينيبه، التصالح في المخالفات المنصوص عليها في المادة (41) من ذات القانون - والتي رآها المدعي متضمنة للمخالفة المدعاة، لما في ذلك من خروج غير جائز عن نطاق الدعوى بالمخالفة للقواعد التي تحكم التداعي في الدعاوى الدستورية.
وحيث إنه، على ضوء ما تقدم، وكان النص الطعين لا يتعارض مع أي حكم آخر من أحكام الدستور؛ فإن الأمر يقتضى القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق