الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 16 أغسطس 2024

الطعن رقم 40 لسنة 39 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 3 / 8 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م، الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 39 قضائية دستورية

المقامة من
عماد الدين مصطفى عبد الحميد صالح
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
3- رئيس مجلس الوزراء
4- محافظ المنوفية
5- رئيس مجلس مدينة أشمون

--------------------

" الإجراءات "

بتاريخ التاسع والعشرين من مارس سنة 2017، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية البند (6) والفقرة الأخيرة من المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعي أقام أمام محكمة القضاء الإداري بالمنوفية الدعوى رقم 10040 لسنة 18 قضائية، طلبًا للحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ المنوفية رقم 185 لسنة 2013، فيما تضمنه من إزالة منزله، وذلك على سند من صدور ذلك القرار متضمنًا إزالة منزله الكائن بحوض النعناعي - بندر أشمون – محافظة المنوفية، لإقامته على أرض زراعية، دون الحصول على ترخيص؛ فأقام المدعي دعواه. وأثناء نظرها دفع المدعي بعدم دستورية البند (6) والفقرة الأخيرة من المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، فصرحت له المحكمة برفع الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة. بيد أن محكمة الموضوع مضت في نظر الشق العاجل من الدعوى، وقضت بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء تنص على أن تحظر إقامة أي مبان أو منشآت خارج حدود الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن أو المناطق التي ليس لها مخطط استراتيجي عام معتمد، أو اتخاذ أي إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي، ويستثنى من هذا الحظر:
(أ) الأراضي التي تقام عليها مشروعات تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني في إطار الخطة التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء، بناء على عرض الوزير المختص بالزراعة.
(ب) الأراضي الزراعية الواقعة خارج أحوزة القرى والمدن التي يقام عليها مسكن خاص أو مبنى خدمي، وذلك طبقًا للضوابط التي يصدر بها قرار الوزير المختص بالزراعة.
ويشترط في الحالات الاستثنائية المشار إليها في البندين (أ) و (ب) صدور ترخيص طبقًا لأحكام هذا القانون.
وحيث إن المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 تنص على أن تزال بالطريق الإداري على نفقة المالك المخالفات الآتية:
1- ...... 2-....... 3-...... 4-........ 5-........
6- المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية.
ويصدر بذلك قرار من المحافظ المختص دون التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال ولا يجوز التجاوز عن إزالة هذه المخالفات.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب المدعي الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ المنوفية رقم 185 لسنة 2013، بإزالة المنزل الذي أقامه على أرض زراعية خارج الحيز العمراني، مستندًا في إصداره إلى نص المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008؛ ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون قد طبق على المدعي وأعملت أحكامه في مواجهته؛ وبالتالي فإن الفصل في دستوريته يرتب أثرًا مباشرًا وانعكاسًا أكيدًا على الطلبات المطروحة بالدعوى الموضوعية، مما تتحقق به المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها في نص البند (6) من الفقرة الأولى والفقرة الأخيرة من المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، فيما تضمناه من أن تزال بالطريق الإداري على نفقة المالك المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية، على أن يصدر بذلك قرار من المحافظ المختص، دون التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال، وحظر التجاوز عن إزالة هذه المخالفات.
ولا ينال مما تقدم مُضي محكمة الموضوع في نظر الشق العاجل من الدعوى الموضوعية بعد تصريحها بإقامة الدعوى الدستورية المعروضة، وحكمها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار؛ ذلك أن النزاع المطروح على محكمة الموضوع لا يزال قائمًا، ولم تفصل فيه تلك المحكمة بقضاء منه للخصومة، وكان حكمها في الشق العاجل من النزاع لا يحول دون أن يناقضه قضاؤها في الموضوع؛ ومن ثم تظل مصلحة المدعي الشخصية المباشرة قائمة في الدعوى الدستورية.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته نصوص المواد (40 و58 و78 و95 و184) من الدستور، على سند من أن قرارات الإزالة تتماثل في طبيعتها مع المصادرة الخاصة التي يوجب الدستور أن تكون بموجب حكم قضائي، بما يُعد افتئاتًا على ولاية السلطة القضائية، ومخالفًا مبدأ حرمة المنازل، وإخلالاً بالالتزام الواقع على عاتق الدولة بكفالة حق المواطنين في المسكن الملائم، وإهدارًا للملكية الخاصة، فضلًا عن عصفه بضمانات حق التقاضي.
وحيث إن قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 قد أخضع أعمال البناء لعدد من الضوابط الإجرائية والموضوعية التي يتعين استيفاؤها قبل الشروع في البناء، وتُعد هذه الضوابط والشروط بمثابة الوسيلة التي استخدمها المشرع لتحقيق الغايات الكلية من إصدار هذا القانون، على ما يتبين من الأحكام الواردة بنصوصه والمبررات التي ساقتها مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير ومكتب لجنة الثقافة والإعلام والسياحة، والمناقشات التي طرحها أعضاء غرفتي السلطة التشريعية في شأنه، والتي تتحدد في إقرار منظومة قانونية متكاملة لتنظيم أعمال البناء والحفاظ على التراث المعماري والثروة العقارية، بما يضمن تلافي كافة الآثار السلبية والمعوقات التي شابت كافة قوانين البناء السابقة، وتوقي المخاطر والأزمات التي قد تُستفحل من جراء تنامي ظاهرة البناء العشوائي، المقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدن والقرى، وتقع في مقدمتها تآكل الرقعة الزراعية، مما قد ينجم عنه تهديد مباشر للأمن القومي للدولة، والحيلولة دون فرص تنمية هذه الأراضي واستغلال مواردها الاستغلال الأمثل، علاوة على صعوبة تقديم وتوفير المرافق والخدمات الأساسية والحيوية لقاطني هذه المباني العشوائية، بما ينعكس سلبًا على صلاح المجتمع.
وحيث إن المشرع أفرد الباب الثالث من قانون البناء المار ذكره لتنظيم أعمال البناء على كافة أعمال العمران بوحدات الإدارة المحلية والمناطق السياحية والصناعية والتجمعات العمرانية الجديدة، وعلى المباني والتجمعات السكنية التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص، وقد حظر المشرع إنشاء مبانٍ أو منشآت أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدم المباني غير الآيلة للسقوط جزئيًا أو كليًا أو إجراء أي تشطيبات خارجية دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم، وفي حالة القيام بأي من تلك الأعمال من دون ترخيص، فقد تضمنت المادة (60) من القانون ذاته – النص المطعون فيه – ست حالات على سبيل الحصر، ارتأى معها المشرع أن المخالفة قد بلغت حداً من الجسامة بحيث لا يصلح معها التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال، فأوجب إصدار قرار الإزالة بشأنها من دون الحاجة إلى أن يسبقه قرار بإيقاف الأعمال المخالفة، واستلزم صدور قرار الإزالة في تلك الحالات من المحافظ المختص، وحظر التجاوز عن إزالة هذه المخالفات، وفرض إزالة المخالفة في تلك الحالات على نفقة المالك، والتي من شأنها أن ترد على المخالف قصده في شأن تحقيق منافع مادية من إقامة مبانٍ غير مرخص بها من جهة الإدارة، وتهدف إلى رد الضرر الناشئ عن المخالفة وإيلام المخالف بالنَّيل من العناصر الإيجابية لذمته المالية، بتحميله نفقة أعمال الإزالة للمباني المخالفة.
وحيث إنه في مجال الردع الذي يكفل ضمان تحقيق الغايات التشريعية المار ذكرها، حظرت المادة الثانية من القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء إقامة أي مبانٍ أو منشآت خارج الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن أو المناطق التي ليس لها مخطط استراتيجي عام معتمد، أو اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي؛ وذلك تقديرًا من المشرع لخطر أي من الأفعال السالفة على الأمن القومي بمفهومه الاجتماعي والثقافي، وإضرارها عناصر الثروة الوطنية على مستوى الدولة والمواطن وإضرارها بمقومات التنمية المستدامة، مما دعا المشرع إلى تجريم الأفعال التي يواجهها ذلك الحظر، من خلال العقاب عليها بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (102) من قانون البناء السالف الذكر، ثم أوجب المشرع الإزالة المنصوص عليها في النص المطعون فيه لمواجهة البناء بدون ترخيص، الذي يهدد من ناحية سلامة شاغلي تلك المباني وأموالهم، ومن ناحية أخرى يضر بمصلحة عامة مؤكدة هي التصدي لتفشي ظاهرة إقامة مبان غير مرخصة من جهة الإدارة، بما تحمله هذه الظاهرة من دلالات سلبية، تنال من توجه الدولة نحو إنشاء بيئة حضارية، وتنتهك مشروعاتها في مجالات التخطيط العمراني والتنسيق الحضاري.
وحيث إنه عن نعي المدعي على النص المطعون فيه – محددًا بالنطاق السالف الذكر – إخلاله بالتزام الدولة بكفالة الحق في السكن الملائم، فإنه مردود؛ ذلك أن كفالة الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، مؤداه على ما نصت عليه المادة (78) من الدستور، والمادة (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزام الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة، ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة. ومع ذلك، فلا تقتضي كفالة الدولة للحق في السكن قيامها ببناء مساكن لجميع مواطنيها، ولا ضمانها سكنًا خاصًا لكل من لا سكن له، اعتبارًا بأن الحق في السكن يشمل اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون التشرد، والتركيز على الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا، وضمان لياقة السكن لكل مواطن، وهي تدابير ذات طبيعة تشريعية وتنفيذية، يتم اتخاذها في إطار من السياسة العامة للدولة، وبرامجها التنموية، وأولوياتها الخططية، في حدود مواردها المتاحة.
متى كان ما تقدم، وكان ما تضمنه النص المطعون فيه من أن تزال بالطريق الإداري وعلى نفقة المالك المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية، وذلك بموجب قرار من المحافظ المختص، دون التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال، إنما يندرج ضمن التدابير التشريعية اللازمة لكفالة الحق في السكن بمعناه المتقدم بيانه، كما أن ذلك التنظيم لا يمس جوهر الحق في السكن أو أصله، ولا ينتقص من عناصره الأساسية؛ ومن ثم يغدو النعي على النص المطعون فيه - من هذا الوجه - لا سند له، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إنه عما ينعاه المدعي على النص المطعون فيه، من إخلاله بالحماية الدستورية المقررة لحق الملكية، فإنه مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن اضطلاع الملكية الخاصة التي صانها الدستور بمقتضى نص المادة (35) بدورها في خدمة المجتمع، يدخل في إطار أدائها لوظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها المشرع على الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يمليها خير الفرد والجماعة. ومن المقرر - أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن الدستور وإن كان قد كفل حق الملكية الخاصة، وأحاطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية، وتدرأ كل عدوان عليها، فإنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، ما دامت هذه القيود لم تبلغ مبلغًا يصيب حق الملكية في جوهره أو يعدم جل خصائصه. متى كان ذلك، وكانت الإزالة المقررة بالطريق الإداري الواردة بالنص المطعون فيه إنما تنصب على المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدن والقرى، كونها المساحة المخصصة لأغراض التنمية العمرانية، مرصودة على أغراضها، كصورة من صور تنظيم ممارسة النشاط الفردي، ضمانًا لعدم انحرافه عن الغايات المقصودة من مباشرته، دون أن ينال من أصل حق الملكية أو يعدم خصائصها، إذ يظل حق ملكية الأراضي المقام عليها المباني والمنشآت محل الإزالة ثابتًا لصاحبه دون منازعة فيه. فضلًا عن ذلك، فإن المشرع لم يحل كلية دون إقامة المباني والمنشآت على تلك المساحات من الأراضي، إنما أجازه من خلال إجراءات واشتراطات معينة، وفقًا لما تمليه ضرورة استغلالها في أغراض تتسق وأغراضها الأصلية، على أن يكون ذلك رهنًا بالحصول على ترخيص به من قبل الجهة الإدارية المختصة، ضمانًا للغاية ذاتها، بما يحفظ التوازن بين الصالح العام والصالح الخاص؛ مما يكون معه النعي على النص المطعون فيه بالإخلال بالحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة قائمًا على غير أساس.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه أن الإزالة المقررة بموجبه تنطوي على عقوبة لا يجوز توقيعها إلا بحكم قضائي، وأن تخويل المحافظ المختص سلطة إصدار قرارات بإزالة المباني المقامة خارج الحيز العمراني يُعد غصبًا لولاية السلطة القضائية، وعدوانًا على استقلالها.
وحيث إن هذا النعي مردود أولاً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة، تعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، ويتمثل جوهر هذه السلطة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – في المفاضلة بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها وفق تقديره على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًا بهذه الأغراض – وبافتراض مشروعيتها – كان هذا التنظيم موافقًا للدستور. متى كان ذلك، وكان تخويل المحافظ المختص سلطة إصدار قرارات إزالة بالطريق الإداري، على نفقة المالك – إعمالًا للنص المطعون فيه – للمباني والمنشآت والأعمال التي تقع خارج الأحوزة العمرانية، إنما يكون اتساقًا مع دور الدولة بسلطاتها العامة في مجال الضبط الإداري، متى قامت مسوغاته ومبرراته القانونية والدستورية، مستهدفًا تحقيق أغراض المصلحة العامة والأمن القومي، من خلال سرعة اتخاذ إجراء إداري فعال يهدف إلى محو آثار العدوان على الأراضي الواقعة خارج الأحوزة العمرانية، وكان هاديه في ذلك الالتزام الملقى على عاتق الدولة بموجب نص المادة (78) من الدستور، بوضع خطة وطنية للإسكان، تراعي الخصوصية البيئية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى، واستراتيجية لتوزيع السكان بما يحقق الصالح العام، والتزامها كذلك بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوئيات، تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية.
ومردود ثانيًا: بأن قرارات إزالة أعمال البناء المقامة على الأراضي التي تقع خارج الحيز العمراني، إنما هي قرارات إدارية خالصة تُفصح عن إرادة السلطة العامة الملزمة، في إطار ممارسة وظائفها وصلاحيتها بهدف تحقيق المصلحة العامة، وهو ما يفارق بين طبيعته تلك وبين مفهوم الجزاء الجنائي – المدعى به – الذي لا يجوز افتراضه بغير نص يقرره.
ومردود ثالثًا: بأن محكمة القضاء الإداري – وعملًا بنص المادة (114) من قانون البناء المار ذكره – تختص دون غيرها بالفصل في الطعون المقدمة إليها في شأن القرارات الصادرة بوقف أعمال البناء أو إزالتها أو تصحيحها، لضمان مشروعيتها وتقويمًا لاعوجاجها، ويكون نظر تلك الطعون والفصل فيها على وجه السرعة، كما تختص تلك المحكمة بإشكالات التنفيذ في الأحكام الصادرة منها في هذا الشأن، ولم يحل النص دون أن تأمر لمحكمة ذاتها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وفي ذلك توكيد لاستقلال السلطة القضائية من خلال تسليط إحدى جهاتها لبسط رقابتها القضائية على كل قرار يتعلق بأعمال بناء يُدّعى مخالفتها لأحكام القانون، سواء أكان هذا القرار متعلقًا بوقفها أو بتصحيحها أو بإزالتها، ليكون إسناد الاختصاص بنظر هذه الطعون لجهة القضاء الإداري دون غيرها، إنما يتماهى مع كونه قاضيها الطبيعي، عملًا بنص المادتين (97 و190) من الدستور؛ مما يضحى معه ما نعاه المدعي على النص المطعون فيه، من إخلاله بضمانات حق التقاضي والنيل من استقلال القضاء، والتدخل في شئون العدالة، لا سند له، جديرًا بالرفض.
وحيث إنه عن نعي المدعي على النص المطعون فيه إخلاله بما فرضه الدستور من أن تكون المصادرة الخاصة بموجب حكم قضائي، بحسبان قرارات الإزالة تتفق في طبيعتها مع المصادرة، ليكون إصدارها بقرارات إدارية، مخالفًا لنص المادة (40) من الدستور؛ فإن هذا النعي مردود بأن من المقرر قانونًا أن المصادرة ما هي إلا إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمةقهرًا عن صاحبها وبغير مقابل – وهى عقوبة قد تكون وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشيء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل، وهى على هذا الاعتبار تعد تدبيرًا وقائيًا لا مفر من اتخاذه في مواجهة الكافة، كما قد تكون المصادرة في بعض القوانين الخاصة من قبيل التعويضات المدنية، إذا نُص على أن تؤول الأشياء المصادرة إلى خزانة الدولة كتعويض عما سببته الجريمة من أضرار. ولما كان القرار الصادر بإزالة البناء المخالف يُعد إجراءً إداريًّا قُصد به محو الضرر الذي أحدثته المخالفة، وتنفيذ القرار الصادر بها إنما يكون بإزالة الأثر الناشئ عن مخالفة القانون وإنهاء حالة البناء غير المشروع ومحو آثاره، دون أن يتضمن ذلك إضافة أية عناصر إيجابية إلى ذمة الدولة ترتبط أو تنشأ عن تنفيذ هذا القرار، بما يجافي مدلول المصادرة على النحو المار بيانه؛ مما يضحى معه ما نعاه المدعي على مخالفة النص المطعون فيه للمادة (40) من الدستور، لا سند له جديرًا بالرفض.
وحيث إنه عن نعي المدعي على النص المطعون فيه – محددًا بالنطاق السالف بيانه – مخالفته ما أكد عليه الدستور من حرمة دخول المنازل إلا بأمر قضائي مسبب، مما يخالف أحكام المادة (58) من الدستور، فمردود بأن النص المطعون فيه خلا في تنظيمه من أيّة أحكام ذات صلة بدخول المنازل أو تفتيشها، وإنما أتى بأحكام تتعلق بإجراءات إزالة المباني والمنشآت المقامة خارج الأحوزة العمرانية بموجب قرارات إدارية يصدرها المحافظ المختص، إعمالًا لما تخوله له سلطة الضبط الإداري من إصدار هذه القرارات، ولا صلة لهذه القرارات الإدارية بإجراءات دخول المنازل وضوابطها الدستورية والقانونية، وليس من شأنها المساس بحرمة المسكن، التي تنبثق عن الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة؛ مما يكون معه هذا النعي في غير محله.
وحيث كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أيًّا من المواد (29 و35 و40 و58 و78 و95 و97 و184) من الدستور، كما لا يتصادم وأي نص آخر فيه؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق