الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 12 نوفمبر 2021

القضية 50 لسنة 21 ق جلسة 12 / 5 / 2002 دستورية عليا مكتب فني 10 دستورية ق 52 ص 327

جلسة 12 مايو سنة 2002

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير وماهر البحيري وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------------

قاعدة رقم (52)

القضية رقم 50 لسنة 21 قضائية "دستورية"

(1) تشريع "نص المادة (13) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر".
تحديد النص المذكور تنظيماً معيناً للعقارات المشار إليها فيه. مؤداه.
(2 ، 3) دعوى دستورية "المصلحة فيها: نطاقها".
(2) استهداف المدعيين بدعواهما الموضوعية إشهار عقد تملكهما للوحدة محل النزاع، ومن دعواهما الدستورية إلغاء النص التشريع الذي يحول بينهما وبين مبتغاهما. أثره: توافر مصلحتها الشخصية في الدعوى الدستورية.
(3) نطاق الدعوى الدستورية يتسع للنصوص التي أضير المدعي من جراء تطبيقها عليه ولم لم يتضمنها الدفع بعدم الدستورية.
(4) حق الملكية "وظيفة اجتماعية: قيود".
جواز تحميل الملكية - في ظل النظم القانونية الحديثة - بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية بمراعاة طبيعية المال محل الملكية والأغراض التي يوجه إليها. ضرورة الالتزام بأن يكون التنظيم التشريعي للملكية عادلاً ومتوازناً.
(5) تشريع "القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر".
القيود التي تضمنتها النصوص الطعينة. تنقض حق الملكية وتنتقص المكنات المتولدة عنه. خروجها عن إطار الضرورة الاجتماعية الملجئة، لتقييد حق الملكية. أثره: تصادمها مع الحماية الدستورية لهذا الحق.
(6) الحماية الدستورية للحقوق الشخصية والعينية. "نطاقها".
امتداد الحماية التي أسبغها الدستور على حق الملكية إلى الحقوق جميعها الشخصية والعينية وحقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية.
(7 ، 8) مبدأ المساواة "تمييز قوامه". تشريع "التضامن الاجتماعي".
(7) مساواة المواطنين أمام القانون الوسيلة الأساسية للحماية القانونية المتكافئة للحقوق والحريات. قوام صور التمييز المخالفة لمبدأ المساواة: كل تفرقة أو تغيير أو استبعاد تحكمي من التمتع بالحقوق المكفولة دستورياً.
(8) النص الطعين يتيح الفرصة للتحلل من الالتزامات التعاقدية. أثره: إهدار التضامن الاجتماعي.

-----------------
1 - نص المادة رقم (13) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر يفرض تنظيماً معيناً للعقارات المشار إليها فيه باستلزامه أن يتم تأجير ثلثي وحداتها تأجيراً عادياً للسكنى، أما الباقي فهو ما يمكن بيعه أو تأجيره مفروشاً، ومن ثم فإن هذا النص إنما يخاطب ملاك تلك العقارات وراغبي تملك وحداتها وكذلك الراغبين في استئجارها مفروشة، بل ويخاطب أيضاً من يرغبون في استئجار وحداتها تأجيراً عادياً.
2 - حيث إن المدعيين استهدفا بدعواهما الموضوعية إشهار عقد تملكهما للوحدة محل النزاع ويبتغيان بدعواهما الماثلة إزالة النص التشريعي الذي يحول بينهما وتحقيق مبتغاهما، إذ كان ذلك، وكانت المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في دعوى الموضوع وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية قوامه شرطان، أولهما أن يقيم المدعي الدليل على أن ضرراً واقعياً مباشراً ممكناً إدراكه قد لحق به، وثانيهما أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، وكان محور النزاع الموضوعي يدور حول صحة ونفاذ عقد شراء المدعيين للوحدة المتنازع عليها أو بطلان هذا العقد على سند من مخالفة التحديد الوارد بالمادة (13) المطعون عليها للوحدات التي يجوز تمليكها للغير، وكان الثابت من الأوراق أن النص المطعون عليه قد طبق على المدعيين وأنتج آثاره القانونية قبلهما، مما ألحق بهما ضرراً مرده إلى النص ذاته، فإنه تتوافر لهما بذلك مصلحة شخصية مباشرة في الطعن على الفقرتين الأولى والثالثة من المادة المشار إليها.
3 - إحالة النص الطعين إلى ما ورد بعجز الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون 136 لسنة 1981 من "وعلي ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض (السكن) عن ثلثي مساحة مباني العقار" فإن هذه العبارة وقد تضمنت ذات القيد وغدت تلك الإحالة مندمجة فيها، فتحول بين المدعيين ومبتغاهما من دعواهما الموضوعية، مما يجعل هذه العبارة مندرجة في نطاق الدعوى الماثلة، وتكون هذه المحكمة مدعوة للفصل أيضاً في دستوريتها، والجدير بالذكر أنه متى توافر شرط المصلحة الشخصية المباشرة وغدت الدعوى الدستورية مقبولة، فإن المحكمة الدستورية العليا عند الفصل فيها تعرض النصوص المطعون عليها على كافة أحكام الدستور - دون تقيد بمناع محددة سلفاً - لتتوصل إلى اتفاقها وتلك الأحكام أو مخالفتها لبعضها.
4 - حيث إن الدستور قد حرص في مادتيه الثانية والثلاثين والرابعة والثلاثين على حماية الملكية الخاصة التي تتمثل في رأس المال غير المستغل فأوجب صونها وحمايتها، فلا يسوغ للمشرع أن ينال من عناصرها أو يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها أو يفصلها عن أجزائها أو يقيد - في غير ضرورة اجتماعية حتمية - من مباشرة الحقوق والمكنات التي تتفرع عنهاوحيث إن الملكية - في ظل النظم القانونية الحديثة - لم تعد حقاً مطلقاً عصياً على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة المال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهه لها، وأنه وإن كانت الوظيفة الاجتماعية للملكية تبرز في مجال الإسكان نظراً للأزمة التي يواجهها، غير أنه يتعين لدستورية التنظيم التشريعي في هذا المجال أن يتقيد بالضرورة الموجبة له فيقدرها بقدرها ومعها تدور القيود النابعة عنها وجوداً وعدماً، فلا يسوغ للمشرع أن يهول في تقدير هذه الضرورة مبالغاً في آثارها فيحد من السلطات النابعة عن الملكية متغولاً عليها، كما لا يجوز له أن يهون في تقدير الضرورة متقاعساً عن مستلزمات مواجهتها مرتداً إلى إطلاق حق الملكية متناسباً وظيفته الاجتماعية، وإنما يتعين على المشرع أن يكون تقديره لتلك الضرورة عادلاً وحقيقياً ومتوازناً دون إفراط أو تفريط.
5 - حيث إن مقتضى إعمال النصوص السالف الإشارة إليها، أنه إذا ما سكن مالك العقار في أحد أو بعض وحدات المبنى واتخذ من وحدة أو أخرى مقراً لمباشرة عمله أو مهنته، أو أجرها لغير أغراض السكنى فإن كل تلك الوحدات تستنزل من حساب ثلث الوحدات الجائز له عرضه للغير للتمليك أو تأجير مفروشاًوحيث إن النصوص الطعينة - حسبما سلف تحديدها - إنما قصدت إلى إلغاء حق مالك العقار في التصرف في ثلثي وحداته بتمليكها للغير - أو استغلالها عن طريق الإيجار مفروشاً. بل تجاوزت ذلك إلى إلزامها المالك باستغلال الثلث الباقي من وحدات المبنى بطريق وحيد هو تأجيرها تأجيراً عادياً للسكنى، ومن ثم فقد أهدرت هذه النصوص أهم مقومات حق الملكية وهو سلطة التصرف في ثلثي الوحدات، وقيدت السلطة الثانية في حق الملكية وهي سلطة الاستغلال تقييداً شديداً أعدمت به إرادة المالك في خيارات استغلال ما يملكه، وهو ما يشكل نقضاً لمقومات حق الملكية وانتقاصاً بيناً من المكنات المتولدة عنه وهذه القيود التي وردت على حق الملكية لا تجد لها تبريراً في ضرورة اجتماعية ملجئة إليها، تستند إلى دواعي مواجهة أزمة الإسكان، ذلك أن من العناصر الأساسية في حدة أزمة الإسكان قلة المعروض من الوحدات عن مواجهة الطلب عليها، متى كان ذلك وكان ملاك العقارات المشار إليها في النص الطعين إنما يسهمون - بما يشيدوه من مبان - في مواجهة الأزمة بزيادة المعروض من وحداته، غير أن النص المطعون عليه تجاوز هذه الحقيقة ليخوض في أمر آخر يتعلق بالتصرف في وحدات هذه المباني وسبل استغلالها، مهدراً إرادة المالك ومفرغاً حق الملكية من مضمونه الأساسي بالنسبة للغالبية العظمى من وحدات المبنى، ومجبراً المالك على استغلال باقي الوحدات بطريق لا يحيد عنه، بما مؤداه أن القيود التي أوردها النص الطعين تخرج عن إطار الضرورة الاجتماعية الملجئة إلى تقييد حق الملكية لتتصادم فيما قررته مع الحماية الدستورية المقررة لهذا الحق.
6 - حيث إنه يتصل بالمساس بالحماية الدستورية المقررة لحق الملكية، تلك الحماية المقررة للحقوق الشخصية والعينية، ذلك أنه بشراء المدعيين - بعقد ابتدائي - الوحدة السكنية من المدعى عليها الرابعة مالكة المبنى، وإقامتهما ضدها دعوى بطلب الحكم بصحة ونفاذ هذا التعاقد، فإن لهما حقاً شخصياً قبل البائعة، وإذ جرى قضاء هذه المحكمة على أن الحماية التي أسبغها الدستور على حق الملكية تمتد إلى الحقوق جميعها الشخصية منها والعينية وكذلك حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، وجاء النص الطعين فارضاً بطلان هذا العقد رغم أن محله أصلاً من الأشياء المشروعة التي يجوز التعامل فيها بيعاً وشراء وقد أُعدت بطبيعتها لتكون محلاً لهذا النوع من التعامل أو غيره، وأنه ليس ثمة ضرورة اجتماعية ملجئة تبرر هذا البطلان، فإن النص الطعين يكون والحالة هذه منتهكاً - من وجهة دستورية - لحق الملكية.
7 - حيث إن الدستور قد حرص على النص على مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون باعتباره الوسيلة الأساسية لتقرير الحماية القانونية المتكافئة للحقوق والحريات جميعاً سواء التي نص عليها الدستور أو تلك التي يكفلها التشريع، وإذا كانت صور التمييز المخالف لمبدأ المساواة لا تقع تحت حصر فإن قومها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد بصورة تحكمية من التمتع بالحقوق المكفولة دستورياً أو تشريعياً، ومناط إعمال مبدأ المساواة هو تماثل المراكز القانونية بالنسبة للتنظيم التشريعي محل البحث، وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص الطعين قد قصر القيد الذي فرضه على الأفراد وشركات الأشخاص، بينما غير ذلك من الجهات كشركات الأموال وشركات القطاع العام والجهات الحكومية والجمعيات التعاونية لا تخضع للقيد الوارد بالنص المطعون عليه، بالرغم من تماثل مراكز مراكزهم القانونية جميعاً من حيث إنهم ملاك لمبان ويتعين خضوعهم لذات القاعدة القانونية التي تحكم عرض وحدات المبنى للتمليك للغير، فأنشأ النص الطعين بهذه التفرقة تمييزاً تحكمياً غير مبرر مما يوقعه في حمأة الخروج على مبدأ المساواة.
8 - حيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن النص المطعون عليه يفتح باباً للتحاليل لبعض ذوي ضعاف النفوس للتحلل من التزاماتهم التعاقدية، فتهتز الثقة في العقود ويتوارى مبدأ حسن النية في تنفيذها، مما يوقع الضغائن بين ملاك المباني ومشترى وحداتها - أو مستأجريها مفروشاً - ليحل التنافر والتباغض محل التضامن الاجتماعي الذي أقامه الدستور أساساً للمجتمع.


الإجراءات

في الثالث عشر من شهر مارس 1999، أودع المدعيان قام كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة (13) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المعدل القانون رقم 6 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة خلصت إلى طلب الحكم برفض الدعوي، وطلبت المدعى عليها الرابعة أصلياً: عدم قبول الدعوى واحتياطياً: رفضها.
وبعد تحضير الدعوي، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما بين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيين كانا قد اشتريا من المدعى عليها الرابعة شقة كائنة بالعقار رقم 9 شارع 276 بالمعادي الجديدة، وذلك بموجب عقد ابتدائي مؤرخ 29/ 3/ 1989 وقاما بسداد كامل الثمن للبائعة كما قاما بتشطيب الشقة على نفقتهما، وإذ طالبا المدعى عليها بتسليمها مستندات ملكية العقار ليتمكنا من إشهار عقد شرائهما رفضت، فأقاما ضدها الدعوى رقم 4217 لسنة 1993 مدني كلي جنوب القاهرة بطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد سالف الذكر، غير أن المدعى عليها الرابعة أقامت ضدهما دعوى فرعية بطلب الحكم ببطلان العقد المذكور على سند من مخالفته لحكم المادة (13) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن، فقضى برفض دعواهما الأصلية وفي الدعوى الفرعية ببطلان ذلك العقد، فطعن المدعيان بالاستئناف رقم 1159 لسنة 115 قضائية وأثناء نظره دفعا أمام محكمة استئناف القاهرة بعدم دستورية نص المادة (13) المشار إليها، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعها وصرحت لهما بالطعن بعدم الدستورية فقد أقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (13) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه تنص على أنه" يحظر على الملاك من الأفراد وشركات الأشخاص أن يعرضوا للتمليك للغير أو التأجير المفروش في كل مبنى مكون من أكثر من وحدة واحدة يرخص في إقامته أو يبدأ في إنشائه من تاريخ العمل بهذا القانون ما يزيد على ثلث مجموع مساحة وحدات المبنى وذلك دون إخلال بنسبة الثلثين المخصصة للتأجير لأغراض السكنى وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة الأولى.
ويسري هذا القيد ولو تعدد الملاك مع مراعاة نسبة ما يملكه كل منهم وبحد أدنى وحدة واحدة لكل مالك.
ويقع باطلاً كل تصرف يخالف ذلك ولو كان مسجلاً.
ويعد تأجير النسبة المقررة طبقاً لهذه المادة يجوز للمالك التصرف في هذه النسبة كلها أو بعضها وفقاً للقواعد العامة.
وفي حالة بيع كامل العقار يلتزم المشتري بأحكام هذه المادة.
وحيث إن الحاضر عن المدعى عليها الرابعة دفع بعدم قبول الدعوى الماثلة بقالة انتفاء مصلحة المدعيين في إقامتها، على سند من أن النص المطعون عليه لا يخاطبهما وإنما يخاطب الأفراد وشركات الأشخاص ملاك المباني التي تحتوي على أكثر من وحدة، ومن بين هؤلاء الملاك المدعى عليها الرابعة، ومن ثم تكون الدعوى الماثلة مقامة من المدعيين لا للدفاع عن مصالحهما بل دفاعاً عن مصالح طرف آخر غيرهما، ومثل هذه الدعاوى لا تكون مقبولة - وفقاً لبعض القضاء والفقه المقارن - إلا بتوافر شرطين أولهما ألا يكون هذا الطرف الآخر ممثلاً في الدعوى، وأن يكون غير قادر على الدفاع عن مصالحه.
وحيث إن الدفع السابق مردود بأن النص الطعين بفرض تنظيماً معيناً للعقارات المشار إليها باستلزامه أن يتم تأجير ثلثي وحداتها تأجيراً عادياً للسكنى، أما الباقي فهو ما يمكن بيعه أو تأجيره مفروشاً، ومن ثم فإن هذا النص إنما يخاطب ملاك تلك العقارات وراغبي تملك وحداتها وكذلك الراغبين في استئجارها مفروشة، بل ويخاطب أيضاً من يرغبون في استئجار وحداتها تأجيراً عادياً، ومن ثم فإن المدعيين في الدعوى الماثلة من المخاطبين بهذا النص، بما يجعل دفاعهما دفاعاً عن مصلحتهما وليس عن مصالح طرف آخر، حيث استهدفا بدعواهما الموضوعية إشهار عقد تملكهما للوحدة محل النزاع ويبتغيان بدعواهما الماثلة إزالة النص التشريعي الذي يحول بينهما وتحقيق مبتغاهما، إذ كان ذلك، وكانت المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في دعوى الموضوع وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية قوامه شرطان، أولهما أن يقيم المدعي الدليل على أن ضرراً واقعياً مباشراً ممكناً إدراكه قد لحق به، وثانيهما أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، وكان محور النزاع الموضوعي يدور حول صحة ونفاذ عقد شراء المدعيين للوحدة المتنازع عليها أو بطلان هذا العقد على سند من مخالفة التحديد الوارد بالمادة (13) المطعون عليها للوحدات التي يجوز تمليكها للغير، وكان الثابت من الأوراق أن النص المطعون عليه قد طبق على المدعين وأنتج آثاره القانونية قبلهما، مما ألحق بهما ضرراً مرده إلى النص ذاته، فإنه تتوافر لهما بذلك مصلحة شخصية مباشرة في الطعن على الفقرتين الأولى والثالثة من المادة المشار إليها، كما أنه بإحالة النص الطعين إلى ما ورد بعجز الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون 136 لسنة 1981 من "وعلى ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض (السكن) عن ثلثي مساحة مباني العقار" فإن هذه العبارة وقد تضمنت ذات القيد وغدت تلك الإحالة مندمجة فيها، فتحول بين المدعيين ومبتغاهما من دعواهما الموضوعية، مما يجعل هذه العبارة مندرجة في نطاق الدعوى الماثلة، وتكون هذه المحكمة مدعوة للفصل أيضاً في دستوريتها، والجدير بالذكر أنه متى توافر شرط المصلحة الشخصية المباشرة وغدت الدعوى الدستورية مقبولة، فإن المحكمة الدستورية العليا عند الفصل فيها تعرض النصوص المطعون عليها كافة أحكام الدستور - دون تقيد بمناع محددة سلفاً - لتتوصل إلى اتفاقها وتلك الأحكام أو مخالفتها لبعضها.
وحيث إن المدعيين ينعيان على النص الطعين مخالفته للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة إذ فرض قسراً على المالك أسلوباً معينا لاستغلال ملكه والتصرف فيه بإقامته قيوداً على سلطة المالك تحرمه من اختيار الأسلوب الأمثل لانتفاعه بهذا الملك الانتفاع وفيما أُعد له، وذلك دون أن تكون هناك ضرورة اجتماعية ملجئة لفرض هذا القيد الذي يظل عبئاً على المالك ما ظل العقار قائماً، كما أن النص الطعين قد أخل بمبدأ المساواة إذ خص بالقيد الذي فرضه الملاك من الأفراد وشركات الأشخاص فلا يسري على شركات الأموال وشركات القطاع العام كما لا يسري على الحكومة ذاتها، كما وأنه قصر هذا القيد على الإسكان غير الفاخر فقط، وأضاف المدعيان أن النص المطعون عليه يتيح لبعض الملاك أكل أموال غيرهم بالباطل ويحلل لهم التحلل من عقود أبرموها ويخول لهم الفكاك من التزاماتهم واغتصاب حقوق من تعامل معهم، ويخلص المدعيان إلى أن النص الطعين يخالف أحكام المواد (32 و34 و40) من الدستور.
وحيث إن الدستور قد حرص في مادتيه الثانية والثلاثين والرابعة والثلاثين على حماية الملكية الخاصة التي تتمثل في رأس المال غير المستغل فأوجب صونها وحمايتها، فلا يسوغ للمشرع أن ينال من عناصرها أو يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها أو يفصلها عن أجزائها أو يقيد - في غير ضرورة اجتماعية حتمية - من مباشرة الحقوق والمكنات التي تتفرع عنها.
وحيث إن الملكية - في ظل القانونية الحديثة - لم تعد حقاً مطلقاً عصياً على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة المال محل الكلية والأغراض التي ينبغي توجيهه لها، وأنه وإن كانت الوظيفة الاجتماعية للملكية تبرز في مجال الإسكان نظراً للأزمة التي يواجهها، غير أنه يتعين لدستورية التنظيم التشريعي في هذا المجال أن يتقيد بالضرورة الموجبة له فيقدرها بقدرها ومعها تدور القيود النابعة عنها وجوداً وعدماً، فلا يسوغ للمشرع أن يهول في تقدير هذه الضرورة مبالغاً في آثارها فيحد من السلطات النابعة عن الملكية متغولاً عليها، كما لا يجوز له أن يهون في تقدير الضرورة متقاعساً عن مستلزمات مواجهتها مرتداً إلى إطلاق حق الملكية متناسياً وظيفته الاجتماعية، وإنما يتعين على المشرع أن يكون تقديره لتلك الضرورة عادلاً وحقيقياً ومتوازناً دون إفراط أو تفريط.
وحيث إن مقتضى إعمال النصوص السالف الإشارة إليها، أنه إذا ما سكن مالك العقار في أحد أو بعض وحدات المبنى واتخذ من وحدة أو وحدات أخرى مقراً لمباشرة عمله أو مهنته، أو أجرها لغير أغراض السكنى فإن كل تلك الوحدات تستنزل من حساب ثلث الوحدات الجائز له عرضه للغير للتمليك أو تأجيره مفروشاً.
وحيث إن النصوص الطعينة - حسبما سلف تحديدها - إنما قصدت إلى إلغاء حق مالك العقار في التصرف في ثلثي وحداته بتمليكها للغير - أو استغلالها عن طريق الإيجار مفروشاً. بل تجاوزت ذلك إلى إلزامها المالك باستغلال الثلث الباقي من وحدات المبنى بطريق وحيد هو تأجيرها تأجيراً عادياً للسكنى، ومن ثم فقد أهدرت هذه النصوص أهم مقومات حق الملكية وهو سلطة التصرف في ثلثي الوحدات، وقيدت السلطة الثانية في حق الملكية وهي سلطة الاستغلال تقييداً شديداً أعدمت به إرادة المالك في خيارات استغلال ما يملكه، وهو ما يشكل نقضاً لمقومات حق الملكية وانتقاصاً بيناً من المكنات المتولدة عنه.
وحيث إن هذه القيود التي وردت على حق الملكية لا تجد لها تبريراً في ضرورة اجتماعية ملجئة إليها، تستند إلى دواعي مواجهة أزمة الإسكان، ذلك أن من العناصر الأساسية في حدة أزمة الإسكان قلة المعروض من الوحدات عن مواجهة الطلب عليها، متى كان ذلك وكان ملاك العقارات المشار إليها في النص الطعين إنما يسهمون - بما يشيدوه من مبان - في مواجهة الأزمة بزيادة المعروض من وحداته، غير أن النص المطعون عليه تجاوز هذه الحقيقة ليخوض في أمر آخر يتعلق بالتصرف في وحدات هذه المباني وسبل استغلالها، مهدراً إرادة المالك ومفرغاً حق الملكية من مضمونه الأساسي بالنسبة للغالبية العظمى من وحدات المبنى، مجبراً المالك على استغلال باقي الوحدات بطريق لا يجيد عنه، بما مؤداه أن القيود التي أوردها النص الطعين تخرج عن إطار الضرورة الاجتماعية الملجئة إلى تقييد حق الملكية لتتصادم فيما قررته مع الحماية الدستورية المقررة لهذا الحق.
وحيث إنه يتصل بالمساس بالحماية الدستورية المقررة لحق الملكية، تلك الحماية المقررة للحقوق الشخصية والعينية، ذلك أنه بشراء المدعيين - بعقد ابتدائي - الوحدة السكنية من المدعى عليها الرابعة مالكة المبنى، وإقامتهما ضدها دعوى بطلب الحكم بصحة ونفاذ هذا التعاقد، فإن لهما حقاً شخصياً قبل البائعة، وإذ جرى قضاء هذه المحكمة على أن الحماية التي أسبغها الدستور على حق الملكية تمتد إلى الحقوق جميعها الشخصية منها والعينية وكذلك حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، وجاء النص الطعين فارضاً بطلان هذا العقد رغم أن محله أصلاً من الأشياء المشروعة التي يجوز التعامل فيها بيعاً وشراء وقد أُعدت بطبيعتها لتكون محلاً لهذا النوع من التعامل أو غيره، وأنه ليس ثمة ضرورة اجتماعية ملجئة تبرر هذا البطلان، فإن النص الطعين يكون والحالة هذه منتهكاً - من وجهة دستورية - لحق الملكية.
وحيث إن الدستور قد حرص على النص على مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون باعتباره الوسيلة الأساسية لتقرير الحماية القانونية المتكافئة للحقوق والحريات جميعاً سواء التي نص عليها الدستور أو تلك التي يكفلها التشريع، وإذا كانت صور التمييز المخالف لمبدأ المساواة لا تقع تحت حصر فإن قومها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد بصورة تحكمية من التمتع بالحقوق المكفولة دستورياً أو تشريعياً، ومناط إعمال مبدأ المساواة هو تماثل المراكز القانونية بالنسبة للتنظيم التشريعي محل البحث. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص الطعين قد قصر القيد الذي فرضه على الأفراد وشركات الأشخاص، بينما غير ذلك من الجهات كشركات الأموال وشركات القطاع العام والجهات الحكومية والجمعيات التعاونية لا تخضع للقيد الوارد بالنص المطعون عليه، بالرغم من تماثل مراكز مراكزهم القانونية جميعاً من حيث إنهم ملاك لمبان ويتعين خضوعهم لذات القاعدة القانونية التي تحكم عرض وحدات المبنى للتمليك للغير، فأنشأ النص الطعين بهذه التفرقة تمييزاً تحكمياً غير مبرر مما يوقعه في حمأة الخروج على مبدأ المساواة.
وحيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن النص المطعون عليه يفتح باباً للتحاليل لبعض ذوي ضعاف النفوس للتحلل من التزاماتهم التعاقدية، فتهتز الثقة في العقود ويتوارى مبدأ حسن النية في تنفيذها، مما يوقع الضغائن بين ملاك المباني ومشتري وحداتها - أو مستأجريها مفروشاً - ليحل التنافر والتباغض محل التضامن الاجتماعي الذي أقامه الدستور أساس للمجتمع.
وحيث إن خلاصة ما تقدم جميعه أن النص الطعين جاء ماساً بالحماية الدستورية للملكية، متجاوزاً مبدأ المساواة مناقضاً للتضامن الاجتماعي، فيقع مخالفاً للمواد (7 و32 و34 و40) من الدستور، مما يتعين معه الحكم بعدم دستوريته، وإذ كانت باقي فقرات المادة (13) المشار إليها وكذلك الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الأولى من اللائحة التنفيذية من القانون المذكور ترتبط كلها ارتباطاً لا يقبل التجزئة بالنص الطعين، فإنه يتعين الحكم بسقوط هذه الفقرات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية ما نص عليه عجز الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من أنه "وعلى ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلث مساحة مباني العقار".
ثانيا: بعدم دستورية نص الفقرة الأولي والثالثة من المادة (13) من القانون ذاته، وبسقوط باقي فقراتها.
ثالثاً: بسقوط نص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور والصادرة بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 766 لسنة 1981.
رابعاً: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنية مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق